المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الفصل الثاني)معلومات موجزة عن الكتب التي أورد عليها التنبيهات ومؤلفيها - التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة

[صلاح الدين العلائي]

الفصل: ‌(الفصل الثاني)معلومات موجزة عن الكتب التي أورد عليها التنبيهات ومؤلفيها

(الفصل الثاني)

معلومات موجزة عن الكتب التي أورد عليها التنبيهات ومؤلفيها

ذكر الحافظ العلائي- رحمه الله في مقدمة كتابه هذا أن عمله تضمن التنبيه على مواضع مشكلة، وقعت في كتب الحديث المهمات، الصحيحين والسنن، وغيرهما.

ومعلوم أن مراده بالصحيحين: صحيح البخاري،وصحيح مسلم. وبالسنن: أبي داود، وسنن ابن ماجة، وسنن الترمذي، وسنن النسائي، وبغيرهما: الموطأ، ولم يذكر سواه.

ويحسن بنا أن نعرِّف الكتب التي تعرض لمواضع مشكلة فيها، ونعرف - أيضا- بمؤلفيها باختصار:

1-

صحيح الإمام البخاري:

سماه الإمام البخاري (الجامع الصحيح المسند من حديث رسول صلى الله عليه وسلم وأيامه وسننه)1. وهو أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، بذل فيه الإمام البخاري أقصى درجات الحيطة والتثبت، ومن ذلك:

أ- الانتقاء، وهذه مرحلة علمية شاقة، روي عن الإمام البخاري قوله:"خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث" 2، وقوله:"لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر"3.

ب- المبالغة في التروي والبحث بدقة عن المتيقّن، ودعم ذلك بالصلاة والاستخارة، قال البخاري رحمه الله:"ما كتبت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك، وصليت ركعتين"4. فيكون رحمه الله اغتسل عدد الأحاديث، وصلى ضعف عددها، بحثاً عن الصدق وبعداً عن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جـ - اشترط أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير

1 هدي الساري ص8.

2 هدي الساري ص7.

3 هدي الساري ص7.

4 هدي الساري ص7.

ص: 31

اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلا غير مقطوع وإن كان للصحابي راويان فأكثر فحسن، وإن لم يكن إلا راو واحد وصحّ الطريق إليه كفى 1.

والبخاري- رحمه الله لم يكتف بمعاصرة الراوي لشيخه، بل اشترط اجتماعهما، وثبوت اللقاء بينهما 2، من هنا يعلم الدارس يقيناً أن الإمام البخاري بهذا المنهج الفريد قدم للأمة عملا ما سبقه إليه مثيل، ولن يلحقه بمثله مغير، لذلك صار كتابه بحق أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى 3، وعلى صحة ما فيه وقبوله، أجمع علماء الأمة 4.

أما الإمام البخاري: فهو: أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل، البخاري إمام المحدثين، صدر في هذا الشأن بغير منازع، فاق الحفاظ والمتقنين لم نسمع بأحفظ منه ولا أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم – ومقاصده، ومؤلفاته تنبئ عن تقدمه في الرواية والدراية، ولد في سنة أربع وتسعين ومائة من الهجرة، في مدينة بخاري من بلاد خراسان، تحدث عنه العلماء بما يذهل، من بداية طلبه العلم إلى وفاته، وكان مستجاب الدعوة، مات سنة ست وخمسين ومائتين، في قرية من قرى سمرقند- رحمه الله 5.

2-

صحيح مسلم:

كان الإمام مسلم رحمه الله مقتديا بأستاذه الكبير الإمام البخاري من حيث العناية بالصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه سلك طريقا تخالف البخاري من حيث المنهج، وهنا قال بعض الأئمة:"ما تحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم بن الحجاج " 6، لكن مسلما فاته شيخه في الحيطة والتثبت. ومن ذلك:

أ- تحقيق جانب العلم بهذا الشأن رواية ودراية، قال الإمام مسلم- رحمه الله:

"إن من الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقدين لها، والمتهمين، ألاّ يروى منها إلاّ ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم، والمعاندين من أهل البدع "7. وهذا مبدأ التثبت في النقل.

1 هدي الساري ص9.

2 هدي الساري ص12.

3 طبقات الشافعية 2/251.

4 البداية والنهاية 11/24.

5 كل من اشتغل بعلم الحديث وتاريخ الرواة - بعد البخاري - ترجم له ومنهم من أفرده. انظر ترجمته في: (تاريخ بغداد 2/4. تذكرة الحفاظ 2/555، وتهذيب التهذيب 9/47) .

6 تاريخ بغداد 13/101.

7 صحيح مسلم 1/8.

ص: 32

ب- الانتقاء، قال الإمام مسلم:"صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة"1.

جـ- التروي وعدم العجلة، قال الإمام مسلم:"ما وضعت في كتابي هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئا إلاّ بحجة "2.

د- العرض على العلماء، قال الإمام مسلم:"عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي، فكل ما أشار، أن له علة تركته، وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة خرجته"3.

هـ- شرط الإمام مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد، بنقل الثقة عن الثقة، من أوّله إلى منتهاه، سالما من الشذوذ والعلة 4، واكتفى بمطلق المعاصرة بين الراوي ومن روى عنه، ومن هنا أحرز الكتاب الرتبة الثانية بعد صحيح البخاري، وهذا الذي عليه المحققون من أهل العلم. قال النووى رحمه الله:" كتاب البخاري أصحهما وأكثر فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري، ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح البخاري هو المذهب المختار، قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث "5. ولم يرو مسلم عن البخاري شيئا في كتابه الصحيح، وعذره في ذلك من وجوه، منها: أنه شارك الإمام البخاري في كثير من شيوخه، والرغبة في علو الإسناد مطلب عند أئمة الحديث.

أما الإمام مسلم: فهو أبو الحسين، مسلم بن الحجاج، القشيري ولد سنة أربع ومائتين (204) من الهجرة، ونشأ في بيت علم وفضل، دوّن العلماء حياته ومآثره، وذكروا من علمه وفضله ما يجعله جديرا بلقب الإمام، مقدما على الكثيرين، تلقت الأمة كتابه الصحيح بالقبول، عمّر ما يقارب سبعا وخمسين سنة، كانت حافلة بالفضل والعلم والعمل، أورث الأمة الإسلامية كنزا به تعتز وتفخر بوثوق نصوصه وصحتها 6.

3-

سنن أبي داود:

تقدم القول أن أصحّ الكتب - بعد كتاب الله تعالى- كتاب البخاري ويليه في الرتبة

1 تاريخ بغداد 13/101.

2 تذكرة الحفاظ 2/590.

3 شرح النووي 1/11.

4 شرح النووي 1/11.

5 شرح النووي 1/10.

6 تاريخ بغداد 13/100. وتذكرة الحفاظ 2/588. وقد اعتنى الأئمة بترجمته وذكر مآثره.

ص: 33

الثانية كتاب الإمام مسلم، وهما الصحيحان، أما الرتبة الثالثة، فإن العلماء جعلوها من حظ كتاب أبي داود "السنن"، فقد أثنى عليه أهل العلم، وذكروا له مآثر تجعله جديرا بهذه المكانة، وقد كتبه أبو داود على أبواب الفقه مقتصرا على السن، مبينا الأحكام، لم يتعرض لمباحث الأخبار، والقصص، ولا لأبواب الزهد، وفضائل الأعمال، اتبع طريقة الانتخاب. قال رحمه الله: "كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مائة حديث 1، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:

أحدها: قوله عليه السلام: "الأعمال بالنيات".

والثاني: قوله: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".

والثالث: قوله: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه".

والرابع: قوله: " الحلال بين والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات "2.

وكانت الاستشارة العلمية هدفا هاما عند أبي داود، إذ عرض كتابه على الإمام أحمد فاستحسنه 3، واعتنى بكتابه فخرج فيه الصحيح وما دونه، وبيّن ما فيه وهن شديد 4، وخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، لأنه أقوى عنده من رأي الرجال 5. وما سكت عنه فهو صالح عنده، والحق أنه على ثلاثه أقسام: فيه الصالح للاحتجاج، والضعيف، والموضوع، كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح.

أما أبو داود: فهو الإمام الثبت، الحجة، الحافظ، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي، كان مقدما في زمانه، لم يسبقه أحد إلى المعرفة بتخريج العلوم، والبصر بمواضعها، سكن البصرة، وتردد على بغداد مرارا، وبها روى مصنفه هذا، ولد سنة اثتين ومائتين (202 هـ) ، ومات سنة خمسة وسبعين ومائتين. رحمه الله 6.

1 وعدة ما فيه بالمكرر أربعة وسبعون ومئتان وخمسة آلاف (5274) .

2 تاريخ بغداد 9/57.

3 تاريخ بغداد 9/56.

4 مقدمة ابن الصلاح ص33.

5 مقدمة ابن الصلاح ص34.

6 بتصرف، بعد دراسة عدة تراجم له. وانظر تاريخ بغداد 9/75-77.

ص: 34

4-

سنن الترمذي:

اشتهر مصنف الترمذي (الجامع) بسنن الترمذي، وهو من أشهر مصنفاته تداوله العلماء، وحصل تساهل في التسمية، حيث أطلق عليه بعض العلماء (الجامع الصحيح) ، وهو إطلاق غير صحيح، وإن كان الكتاب يعتبر من أكثر الكتب فائدة، وأقلها تكرارا، وهذا يعرفه من عايش الكتاب وسبر غوره، فإن الإمام الترمذي أخرج فيه الصحيح، والحسن، والضعيف والغريب، والمعلّل، وتطرق إلى كشف العلل، وبيان النكارة، وابتعد عن التخريج لمن اتفق النقاد على اتهامه بالكذب، إلا مقرونا بغيره، وجمع الإمام الترمذي في مصنفه هذا الفقه إلى جانب العناية بالحديث، وبيان درجة ما يخرجه من خلال اصطلاحاته المعروفة، واعتنى بعلل الأحاديث والرجال، وكتابه ينبئ عن براعته، وعلمه.

أما الترمذي: فهو أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سورة، الإمام الحافظ، الحجة، الثبت، ابتدأ طلب العلم في الصّغر، ورحل في سبيل ذلك إلى البلاد شرقا وغربا، وإلى الأئمة الكبار، وعنهم أخذ علما واسعا، شهد له معاصروه بالإمامة والحفظ، وعرف بسرعة الفهم، وقوة الملاحظة، وعبارة شيخه البخاري تنبئ عن مكانته العلمية الرفيعة، قال البخاري للترمذي:"ما انتفعت بك، أكثر مما انتفعت بي" 1 أي الذي انتفعت بك فيه، أكثر من الذي انتفعت به مني، كانت ولادة الترمذي في إحدى قرى ترمذ على نهر جيجون، بعد المائتين من الهجرة، ومات بها أيضا في سنة تسع وسبعين ومائتين من الهجرة" 2.

5-

السنن الكبرى 3 للنسائي:

هذا المصنف من أبرز مصنفات الإمام النسائي رحمه الله وقد سلك في تأليفه مسلك أبي داود في سننه، فخرّج الصحيح وما دونه، وأحاديث أبان علتها بما يفهمه أهل المعرفة، لتزول الشبهة، وذكر بعض العلماء أنه في مقام الحسن حينما لا يرد في الباب غيره، لأنه مقدم عند الإمام النسائي على رأي الرجال 4، ومن هنا نعلم أن الإمام النسائي قد جمع بين أعمال من سبقه، مع حظ وافر في بيان العلل، وقد اجتبى منه كتابه (السنن الصغير) ،

تهذيب التهذيب 9/389.

2 بتصرف. بعد دراسة عدة تراجم له. وانظر (تذكرة الحفاظ ص633 واللباب 1/212. وتهذيب التهذيب 9/387-389) .

3 وصف الكتاب؛ لأن السنن ليس فيها صغرى وكبرى.

4 مقدمة سنن النسائي ص5.

ص: 35

(أو المجتبى) . ومن هنا ندرك سر الخلاف بين العلماء في تحديد منزلة سنن النسائي، لكن ربما يقول قائل: إن منشأ الخلاف النظر إلى الشرط وليس النظر إلى الأصل والمختصر، فإن من العلماء من أطلق الصحة على سنن النسائي، بالنظر إلى أن شرط الإمام النسائي هو شرط الشيخين، بل إن له شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم 1. وقال آخرون: "إن شرطه في كتابه المذكور شرط أبي داود، إخراج حديث من لم يجمع على تركه2. وعلى هذا القول يكون في قول من أطلق الصحة 3 على سنن النسائي تساهل. وذهب بعض العلماء إلى أن المجتبى هو الذي يعتبره العلماء صحيحا، ويخرجون عليه الرجال، ويعملون في الأطراف 4. وهذا الرأي - في نظري- جيد، ويجمع بين النظرين السابقين. وبالله التوفيق.

أما الإمام النسائي. فهو: أبو عبد الرحمن، أحمد بن شعيب بن علي النسائي، أحد الحفاظ الأعلام، إمام في الحديث وعلله، من أئمة الجرح والتعديل، تضلع في العلوم، ومارس المعضلات من المسائل والفنون، حتى مهر وتقدم في هذا الشأن، وأصبح من حذاقه ونقاده، ولد سنة أربع عشرة- أو خمس عشرة- ومائتين من الهجرة 5، في خراسان، في قرية نساء، ونسب إليها.

6-

سنن ابن ماجة:

يعد هذا المصنف عند االكثيرين من العلماء، سادس الأمهات الست وقد جمع فيه الإمام ابن ماجة جماعة كبيرة من الأحاديث الضعيفة، فهو على النقيض ممن سبقه من الأئمة، وتفرد فيه بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب، وسرقة الحديث، وبعضها لا تعرف إلا من جهتهم، مثل: حبيب بن أبي حبيب، كاتب مالك، والعلاء بن زيد، وداود بن المحبر، وعبد الوهاب بن الضحاك، وغيرهم. فهو آخر الكتب الستة رتبة، بل إن بعض أهل العلم قدم عليه موطأ الإمام مالك من حيث الرتبة 6، وحكى على هذا الاتفاق

1 شروط الأئمة للمقدسي ص18.

2 تذكرة العراقي 1/103. مقدمة مختصر السنن ص8.

3 مقدمة ابن الصلاح.

4 مقدمة سنن النسائي ص5.

5 ترجم له الأئمة ومنهم المزي. (تهذيب الكمال 1/328-340) .

6 لأنه دون شك مقدم على ابن ماجة من حيث الصحة، ولا أعلم خلافا في هذا، بل بعضهم قدمه على الصحيحين.

ص: 36

أبوجعفر الزبيري، قال: "أولى ما أرشد إليه ما اتفق المسلمون على اعتماده، وذلك الكتب الخمسة، والموطأ، الذي تقدمها وضعا، ولم يتأخر عنها رتبة 1.

أما ابن ماجة. فهو: أبو عبد الله محمد بن يزيد بن عبد الله، أحد علماء الأمة الأعلام طلب العلم ورحل في سبيله، سمع أئمة كبار، حدث وتدرج في العلوم إلى أن صار من حفاظ الإسلام، وعي الحديث، ونقد الأسانيد والمتون، وشارك في من العلوم. ولد سنة تسع ومائتين (209 هـ) ، ومات سنة ثلاث وسبعين ومائتين (273هـ) ، رحمه الله 2.

7-

الموطأ:

هذا المصنف النفيس من أقدم المصنفات الحديثية، لذلك جزم الإمام الشافعي رحمه الله بأنه أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى 3. ورجح الإمام البخاري أن أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر 4، أما كلام الشافعي رحمه الله فقد سرى مفعوله واستمر، فلم يكن في وقت الموطأ مثله، فلما خرج الإمام البخاري بكتابه "الجامع الصحيح"، وتلاه الإمام مسلم، وهيَّئَا من الأسباب والاحتياطات، ما جعل كتابيهما يفوقان الموطأ ويتقدمان عليه، وعلى ما تقدم حمل العلماء كلام الشافعي رحمه الله 5، وإن كان من العلماء من لم يقتنع بالإجابة المذكورة، وفي رأيه أن الموطأ تقدم على الصحيحين من حيث الوجود، وهو حق، ولم يتأخر عنهما من حيث الرتبة، وفيه نظر، لأن ما فيه من المراسيل، والبلاغات من وجهة نظر الآخرين تجعله يتأخر رتبة، وهو أمر غير مؤخر للإمام مالك رحمه الله فهو رأس أتباع التابعين، وإمام دار الهجرة، وأهل السنة والجماعة، فضائله منشورة، ومناقبه مأثورة، ومكانته عظيمة عند المسلمين، توخى في كتابه القوي من أحاديث أهل الحجاز، ومزجه بأقوال الصحابة والتابعين 6، فجمع الحديث الصحيح والمراسيل والبلاغات، ومن نظر في الآخذين عن الإمام مالك كتابه الموطأ من علماء الأمة ومختلف الديار، يعلم بالضرورة أن أصحاب الحديث استفادوا من الإمام مالك، كثيرا في المعلومات الحديثية، وفي الأسلوب التأليفي، وإن بعض من ألف بعده في هذا الشأن من

1 مقدمة سنن النسائي ص5.

2 انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 2/236. والتهذيب 9/350.

3 التذكرة ص41، وورد بلفظ آخر. (مقدمة ابن الصلاح ص4) .

4 منهم الإمام البخاري. مقدمة ابن الصلاح ص12.

5 مقدمة ابن الصلاح ص14. والتذكرة ص41. وتوضيح الأفكار 1/48-49.

6 مقدمة الموطأ ص (د) .

ص: 37

التابعين وأتباعهم، انتهج نهجه، واستفاد من صنيعه، ومن هؤلاء أصحاب الكتب الستة، ولا يبعد عن الواقعية من قال: إن أصحاب كتب الحديث عالة على الإمام مالك وأصحابه، فهو شيخ لجميعهم من حيث البنية الأساسية للتأليف 1.

أما الإمام مالك. فهو: أبو عبد الله، مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر، الأصبحي، إمام دار الهجرة، رأس المتقنين، وكبير المتثبتين اشتهر بالإمامة في الفقه والحديث، والجرح والتعديل، ومعرفة الآثار ورواتها، أحد أئمة أهل السنة والجماعة، ولد سنة ثلاث وتسعين، ومات سنة تسع وسبعين ومائة، عن عمر بلغ تسعين سنة. رحمه الله.

1 بتصرف. من مقدمة الموطأ.

ص: 38