الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الإيمان بكل ما أخبر به الرسول]
الإيمان بكل ما أخبر به الرسول ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح به النقل عنه فيما شاهدناه، أو غاب عنا، نعلم أنه حق، وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه، مثل حديث الإسراء والمعراج وكان يقظة لا مناما فإن قريشا أنكرته وأكبرته، ولم تنكر المنامات. ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه (1)
(1) نقل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في " المسند " عند تعليقه على الحديث رقم (7634) عن ابن حبان قال " إن الله جل وعلا بعث رسوله صلى الله عليه وسلم معلما لخلقه، فأنزله موضع الإبانة عن مراده. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم رسالته، وبين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة، عقلها عنه أصحابه أو بعضهم، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يحرم التوفيق لإصابة الحق، وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام رسالة ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: أجب ربك أمر ابتلاء واختبار، لا أمرا يريد الله جل وعلا إمضاءه، كما أمر خليله إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه وتله للجبين، فداه بالذبح العظيم، وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها، كدخول الملائكة على إبراهيم عليه السلام، ولم يعرفهم حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام، فلم يعرفه المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى ولى.
فكان مجيء ملك الموت إلى موسى عليه السلام على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها، وكان موسى غيورا، فرأى في داره رجلا لم يعرفه، فشال يده فلطمه، فأتت لطمته على فقئ عينه التي في الصورة التي يتصور بها، لا الصورة التي خلقه الله عليها، ولما كان المصرح عن نبينا صلى الله عليه وسلم في خبر ابن عباس قال: أمني جبريل عند البيت مرتين، فذكر الخبر وقال في آخره: هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك - كان في هذا الخبر البيان الواضح أن بعض شرائعنا قد يتفق مع بعض شرائع من قبلنا من الأمم.
ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، أو الناظر في بيته بغير أمره، من غير جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، للأخبار الجمة الواردة فيه التي أمليناها في غير موضع من كتبنا - كان جائزا اتفاق هذه الشريعة مع شريعة موسى بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحا له ولا حرج عليه في فعله، فلما رجع ملك الموت إلى ربه، وأخبره بما كان من موسى فيه، أمره ثانيا بأمر آخر، أمر اختبار وابتلاء - كما ذكرنا من قبل - إذ قال الله له: قل له: إن شئت فضع يدك على متن ثور فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة، فلما علم موسى كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه ملك الموت، وأنه جاءه بالرسالة من عند الله، طابت نفسه بالموت، ولم يستمهل، وقال: فالآن. فلو كانت المرة الأولى، عرفه موسى عليه السلام أنه ملك الموت، لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به، ضد قول من زعم أن أصحاب الحديث حمالة الحطب، ورعاة الليل يجمعون ما لا ينتفعون به ويروون ما لا يؤجرون عليه، ويقولون بما يبطله الإسلام، جهلا منه بمعاني الأخبار، وترك التفقه في الآثار، معتمدا في ذلك على رأيه المنكوس وقياسه المعكوس.
فرجع إلى ربه فرد عليه عينه. ومن ذلك أشراط الساعة،
مثل خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله (1) وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة،
(1) أي: فيقتل عيسى ابن مريم عليه السلام الدجال، كما جاء في " صحيح مسلم " عن النواس بن سمعان رضي الله عنه: بلفظ " فيطلبه (أي: يطلب عيسى عليه السلام الدجال) حتى يدركه بباب لد فيقتله ".
وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل. وعذاب القبر ونعيمه حق وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه، وأمر به (1) في كل صلاة (2) وفتنة القبر حق، وسؤال منكر ونكير حق، والبعث بعد الموت حق، وذلك حين ينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51] (3) . [يس: 51] ، ويحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة، غرلا (4) بهما، فيقفون في موقف القيامة حتى يشفع فيهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويحاسبهم الله تبارك وتعالى وتنصب الموازين، وتنشر الدواوين وتتطاير صحائف الأعمال
(1) أي أمر بالاستعاذة منه.
(2)
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر، فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وعذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال " رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
(3)
الأجداث: القبور. وينسلون: يسرعون.
(4)
الأغرل: الذي في خلقه سعة.
إلى الأيمان والشمائل {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ - فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا - وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا - وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ - فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا} [الانشقاق: 7 - 11](1){وَيَصْلَى سَعِيرًا} [الانشقاق: 12] والميزان له كفتان ولسان توزن به الأعمال {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 102 - 103]
ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حوض في القيامة ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، وأباريقه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا (2)
(1) الثبور: الهلاك.
(2)
روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه (جمع كوز، وأصل الياء هنا واو) كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ أبدا " ورواه مسلم أيضا بلفظ: " ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل ".
والصراط حق يجوزه الأبرار، ويزل عنه الفجار، ويشفع نبينا صلى الله عليه وسلم فيمن دخل النار من أمته من أهل الكبائر فيخرجون بشفاعته بعدما احترقوا وصاروا فحما وحمما (1) فيدخلون الجنة بشفاعته (2) ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات. قال تعالى:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28] ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين.
والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان، فالجنة مأوى أوليائه، والنار عقاب لأعدائه، وأهل الجنة فيها مخلدون {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ - لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 74 - 75] ويؤتى
(1) حمما، أي: سودا.
(2)
لقد ورد في الشفاعة أحاديث كثيرة صحيحة، رواها البخاري ومسلم وغيرهما. وروى أبو داود والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وهو حديث صحيح.
بالموت في صورة كبش أملح، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال:«يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت» .