الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة في القرآن وكلام الله
…
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما يقول الفقهاء أئمة الدين وسادات المسلمين وفقهم الله بتوفيق العارفين فيمن يعتقد أن كلام الله تعالى معنى قائم بالذات؟ وأن هذه السور والآيات والحروف والكلمات التي هي في مصاحف المسلمين وصدور الحافظين ليست كلام رب العالمين؟ أهم أهل السنة والجماعة الذين وافقوا أئمة دينهم، وتمسكوا بسنة نبيهم، وقفوا طريق صالح سالفهم؟ أم الذين قالوا: إن القرآن الكريم والكلام القديم الذي هو كلام الله العظيم هو هذه السور والآيات والحروف والكلمات التي في مصاحف المسلمين وصدور العالمين، وأي الفريقين أتبع للحق من ربه وتمسك بسنة نبيه وقفا طريق صالح سلفه؟ أفتونا مأجورين مثابين.
في المخطوط: وفهم، ولعل الصواب ما أثبته.
أجاب الشيخ الإمام العالم العلامة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى:
الحمد لله رب العالمين، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
إن القرآن العظيم الذي هو كلام الله القديم1، المنزل على قلب سيد المرسلين، هو هذا الكتاب العزيز
1 قول المؤلف رحمه الله: "القديم" يحتمل أن يكون نعتا للفظ الجلالة، ويحتمل أن يكون نعتا للقرآن، فإن كان مراده الأول، فإن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية، ولا يجوز أن يسمى الله تعالى بما لم يأتي به النقل، وإن كان قد يتساهل في باب الإخبار، غير أنه لا يجوز أن يعد اسما من أسمائه تعالى قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في شرح "الطحاوية" (ص 77-78) :"وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى "القديم" وليس هو من الأسماء الحسنى، فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها االقرآن: هو المتقدم على غيره، فيقال: هذا قديم للعتيق، وهذا حديث للجديد، ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره، لا فيما لم يسبقه عدم، كما قال تعالى:{حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني، فإذا وجد الجديد قيل للأول: قديم، وقال تعالى:{وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ 1 فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} أي: متقدم في الزمان، وقال تعالى:{قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ}
فالأقدم مبالغة في القدم، ومنه: القول القديم والجديد للشافعي رحمه الله وقال تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} أي: يتقدمهم، ويستعمل منه الفعل لازما ومتعديا، كما يقال: أخذني ما قدم وما حدث، ويقال: هذا قدم هذا، وهو يقدمه، ومنه سميت القدم قدما، لأنها تقدم بقية قدم الإنسان.
وأما إدخال القديم في أسماء الله تعالى فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام، وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف، منهم ابن حزم.
ولا ريب أنه إذا كان مستعملا في نفس التقدم، فإن ما تقدم على الحوادث كلها، فهو أحق بالتقدم من غيره، لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل على خصوص ما يمدح به، والتقدم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، فلا يكون من الأسماء الحسنى، وجاء الشرع باسمه"الأول" وهو أحسن من "القديم"لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه، وتابع له، بخلاف "القديم" والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة".
المبين، المكتوب في المصاحف، المحفوظ في الصدور، وهو سور محكمات وآيات بينات، وكلمات تامات، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، أوله سورة الفاتحة وآخره الناس.
سماه الله تعالى قرآنا وفرقانا، وكتابا، وذكرا وروحا، ونورا وضياء، وهدى، ووصفه بكونه عربيا1
1وإن كان مراد المؤلف هو الثاني، وهو أنه نعت للقرآن، فإن هذا اللفظ من الألفاظ المخترعة المبتدعة أيضا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "التسعينية"(2/612) :" الوجه الثاني: أن أحدا من السلف والأئمة لم يقل: إن القرآن قديم، وإنه لا يتعلق بمشيئته وقدرته".
قال الشيخ سليمان بن سحمان في تعليقه على قول السفاريني: "كلامه سبحانه قديم"(1/131) : "هو من جنس ما قبله من الألفاظ المبتدعة المخترعة التي لم ينطق بها سلف الأمة وأئمتها، والذي عليه أهل السنة والجماعة المخالفون لأهل البدع: أن كلام الله سبحانه وتعالى حادث الآحاد، قديم النوع، وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته، إذا شاء لا يمتنع عليه شيء أراده، وأن الله تعالى متصف بالصفات الاختيارية القائمة به".
وهاديا ورحمة وشفاء، ينذر ويبشر، ويهدي ويقص، ويقرأ ويتلى ويسمع، ويحفظ ويكتب.
نزله الله تنزيلا، ورتله، وسماه قولا ثقيلا، وفضله على سائر الكتب تفضيلا، وأحكمت آياته ثم فصلت تفصيلا.
أمر الله بترتيله، وامتن بتنزيله، وشهد الله والملائكة بإنزاله إلى رسوله {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} .1
ندب الله إلى الإستعاذة عند قراءته، وأمر بالاستماع والإنصات عند تلاوته، فمن اعتقد أنه القرآن فقد أصاب، وهدي إلى الصراط المستقيم، واعتقد معتقد المسلمين.
1 سورة آل عمران، آية (7)
ومن زعم أن هذا الكتاب غير القرآن، وأنه كلام المخلوقين، وأن القرآن معنى في النفس لا ينزل ولا يقرأ، ولا يسمع ولا يتلى، ولا ينفع، ولا له أول ولا آخر، ولا جزء ولا بعض، ولا هو سور، ولا آيات وحروف، ولا كلمات، فهذا زنديق راد على رب العالمين، وعلى رسوله الصادق الأمين، مخالف لجميع المسلمين، ناكب عن الصراط المستقيم.
أما رده على الله سبحانه فإن الله تعالى قال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} 1،وقال:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} 2،وقال:{لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} .3
والذي يرتل وينزل ويقرأ، إنما هو هذا الكتاب.
1 سورة المزمل، آية (4) .
2 -
سورة الإسراء، آية (106)، وقد جاء في الأصل: ورتلناه ترتيلا، وهو خطأ.
3 سورة النساء، آية (166)
وقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} 1 {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ} 2وهذا إشارة إلى حاضر، والذي يقص ويهدي إنما هو هذا الكتاب العربي.
وقال: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ} .3
وقال: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} 4والذي صرفت فيه الأمثال وضربت إنما هو هذا الحاضر.
1 سورة الإسراء، آية (9) .
2 سورة النمل، آية (76) .
3 سورة الإسراء، آية (41)
4 سورة الروم، آية (58) ، وقد وقع في الأصل خطأ حيث جاءت الآية هكذا (ولقد ضربنا في هذا القرآن للناس من كل مثل) .
سورة الإسراء، آية (88) .5
ولا يتحداهم بالإتيان بما لا يعرفونه ولا يدرون ما هو.
وسماه الله عربيا، وأخبر أنه هو الكتاب، فقال تعالى:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 1.
وقال: {حم. وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ. إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} 2
فمن أنكر كون القرآن هو الكتاب العربي، فهو من لا يعقلون.
ومن أوضح الدلائل على ذلك: أن الكفار قالوا: هذا شعر، فرد الله سبحانه عليهم بقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ
1 سورة يوسف، آية (1-2) .
2 سورة الزخرف: آية (1-3)
مُبِينٌ} 1وما ليس بحروف لا يجوز أن يكون شعرا عند أحد، فلما سموه شعرا علم يقينا أنهم إنما أرادوا بذلك هذا النظم العربي، فلما نفى الله عنه كونه شعرا، وأثبته قرآنا، لم تبق شبهة لذي عقل أن القرآن هو هذه السور والآيات.
كذلك قالوا {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} 2فرد الله عليهم بقوله: {قُ لْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} 3.وقالوا: {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} 4.
1 سورة يس، آية (69) .
2 سورة الفرقان، آية (5) .
3 سورة الفرقان، آية (6) .
4 سورة الأنفال، آية (26) .
وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} 1، فقال سبحانه:{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} 2وما كانوا يشيرون بهذا القول إلا إلى هذا الكتاب العزيز.
وأيضا فإنهم طلبوا الإتيان ببدله، قال الله تبارك وتعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْه} 3 أفتراهم طلبوا تبديل ما في نفس الباري مما لا يعلمونه ولا يدرون ما هو؟! ثم كيف علموا أن ما نفس الله تعالى قرآنا؟! وبأي طريق وصل إليهم؟! هذا وما كان قائل هذه المقولة خلق بعد.
والآيات الدالة على أن القرآن هو هذا الكتاب العربي كثيرة، ومن لم ينتفع بما قد ذكرنا منها لم ينتفع
1 سورة المدثر، آية (25) .
2 سورة المدثر، آية (26) .
3 سورة يونس، آية (15) .
بزيادة عليها، لكنا نتحداهم بما تحدى الله تعالى به نظراءهم من الملحدين، فنقول: إن زعمتم أن هذا من كلام المخلوقين فأتوا بسورة مثله إن كنتم صادقين.
وإن زعمتم أنه مفترى من دون الله فأتو بعشر سور مثله مفتريات، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين.
وأما بيان مخالفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يعتقد قرآنا سوى هذا القرآن، ولو اعتقد أن هذا ليس بقرآن، وأن القرآن سواه لبينه لأمته، فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقته، ثم كيف يكتم مثل هذا الأمر العظيم وقد أمره الله تعالى بتبليغ رسالته، فقال:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} 1 وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أمته شفيقا عليهم رؤوفا بالمؤمنين رحيما
1 سورة المائدة، آية (67) .
عزيزا عليه ما عنتهم، فكيف يكتم عنهم ما فيه رشدهم، ويتركهم على ضلالتهم، ويستر عنهم الحق والصواب، ولا يرشدهم إليهم، ولا يدلهم عليه، ولا يذكر لهم قولا في ذلك قليلا ولا كثيرا؟!.
هذا ما لا يعتقده مسلم، ثم وإن ساغ له كتمان ذلك، فكيف ساغ له أن يظهر أن القرآن هذا بتلاوته الآيات الدالة على ذلك، وبقوله:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} 1 {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} 2، وغير هذا من الآيات؟! وقوله:"من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات"3، وقوله: "اقرأوا
1 سورة الأنعام، آية (19) .
2 سورة الفرقان، آية (30) .
3 ذكر المؤلف رحمه الله هذا الحديث في "حكاية المناظرة"(ص 38) ، وفي" البرهان"(البرهان) وصححه فيهما، وقال في1 " لمعة الاعتقاد" (ص18) :"صحيح" ولم أجده بهذا اللفظ، إلا أن معناه أخرجه ابن عدي في "الكامل"(7/41) من طريق أبي عصمة نوح بن أبي مريم عن زيد العمي، عن سعيد بن المسيب، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فأعربه، كان له بكل حرف أربعون حسنة، ومن أعرب بعضا ولحن في بعض، كان له بكل حرف عشرون حسنة، ومن لم يعرب منه شيئا فإن له بكل حرف عشر حسنات".
وأخرجه أبو الفضل الرازي في "فضائل القرآن"(ص143) رقم (111) ، والبيهقي في "شعب الإيمان"(5/241) رقم (2097) ، والخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق"(3/1865) رقم (1454) ، والشجري في "الأمالي"(1/119) ، وابن شاهين في "الترغيب والترهيب في فضائل الأعمال"(ص 219) رقم (202) دون آخره.
والحديث بهذا الإسناد ضعيف جدا، للضعف الشديد في نوح بن أبي مريم، فقد رماه ابن عيينة وابن المبارك وغيرهما بالكذب.
"تهذيب الكمال"(30/56) ، "تهذيب التهذيب"(10/486) .
ولضعف زيد العمي، فقد ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم.
"الجرح والتعديل"(1/560) ، "ميزان الاعتدال"(2/102) .
القرآن قبل أن يأتي قوم يقرأونه ويقيمون حروفه إقامة السهم، لا يجاوز تراقيهم"1وغير هذا من الأخبار مما
ورواه ابن منده في " الرد على من يقول: الم حرف"(ص 66-68) رقم 25-26 موقوفا على ابن مسعود.
1أخرجه أحمد في "مسنده"(5/338) ، وأبو داود في "سننه"(1/220) رقم (831) ، وابن حبان في "صحيحه" كما في ترتيب ابن بلبان رقم (3/32)(760) و (51/120) رقم (6724) ، والطبراني في "المعجم الكبير"(6/207) رقم (6024) كلهم عن طريق بكر بن سوادة عن وفاء بن شريح الصدفي عن سهل بن سعد الساعدي.
وأخرجه عبد بن حميد في "مسنده كما في المنتخب"(ص 171) رقم (466) ، وابن المبارك في "الزهد"(813) ، والطبراني في"المعجم الكبير"(6/206) رقم (6021) و (6/206) رقم (2066) من طريق موسى بن عبيد عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن سهل بن سعد الساعدي.
وموسى بن عبيدة ضعيف جدا.
"تهذيب الكمال"(29/104-114) ، "تهذيب التهذيب"(10/356-360) .
يطول مما يدل على أن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو السور والآيات والحروف والكلمات، أفتراه صلى الله عليه وسلم أخبرهم أن القرآن هو هذا وهو يعلم أنه غير هذا، ليصدهم عن الصواب، ويعميهم عن الهدي، ويضلهم عن سبيل الله؟! كلا، بل قائل هذه المقالة، وسالك هذه الضلالة أعمى القلب، ضال عن القصد، وليس لمن ادعى هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام نصيب، فإن الله سبحانه شهد لرسوله، فقال سبحانه:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ} 1، وقال:{إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ} 2، وقال:{يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
1 سورة الشورى، آية (52) .
2 سورة الحج، آية (67) .
3 سورة يس، الآيات (1-4) .
ومقتضى قول هذه الطائفة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضل أمته بإخباره إياهم أن هذا القرآن هذا الكتاب العربي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وأما مخالفتهم للمسلمين، فإن المسلمين أجمعوا على أن القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وأجمعوا على أنه معجزه الدال على صدقه ونبوته، وأجمعوا على أن في القرآن ناسخا ومنسوخا، ومحكما ومتشابها، وقصصا وأمثالا، وهذه إنما هو هذا الكتاب.1
ولما اختلف أهل السنة والمعتزلة2في القرآن: هل هو
1 انظر: "الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم" للمؤلف (ص35) ، "البرهان في بيان القرآن" للمؤلف (ص52) .
2 المعتزلة طائفة من طوائف أهل الكلام، وقد اختلف في سبب تسميتهم بهذا الاسم على أقوال كثيرة، وهم فرق شتى، لكن يجمعها خمسة أصول هي: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قديم أو مخلوق1؟ إنما اختلفوا في هذه السور والآيات لا غير.2
وقد صرحوا بذكر صور القرآن وآياته وحروفه، فقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما:"إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه".3
انظر: "مقالات الإسلاميين"لأبي الحسن الأشعري (1/235-249) و (2/298-338) ، "التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع" للملطي (ص35-43) ، "الملل والنحل" للشهرستاني (1/43-85) ، "التبصير في الدين" للإسفراييني (ص63-95) .
1انظر مذهب المعتزلة في "شرح الأصول الخمسة" للقاضي عبد الجبار (ص527-563) ، "المغني في أبواب العدل والتوحيد" له (7/84)"المحيط بالتكليف" لابن متويه (ص331) .
2 انظر: "البرهان في بيان القرآن"(ص54) ، "الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم"(ص36) ، "الرد على من أنكر الحرف والصوت" للسجزي (ص137) .
3 أخرجه ابن الأنباري في "الوقف والإبتداء"(1/20)، وأبو طاهر بن أبي هاشم في:"أخبار النحويين" رقم 15، والمستغفري-
وقال علي رضي الله عنه:"من كفر بحرف من القرآن، فقد كفر به كله". 1
بنحوه- في " فضائل القرآن"(209/أ) من طريق جابر-هو الجعفي- عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال أبو بكر وعمر، وذكر نحوه، وإسناده واه، فيه جابر الجعفي، متروك ساقط لكذبه وبدعته.
قال عباس الدوري: كان جابر كذابا، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال: ليس بثقة ولا يكتب حديثه.
"تهذيب الكمال"(4/465-472) ، "تهذيب التهذيب"(2/46-51) .
ومحمد بن عبد البرحمن بن يزيد لم يدرك أبا بكر وعمر رضي الله عنهما.
تهذيب الكمال" (1/648-652) ، "تهذيب التهذيب" (9/308-309) .
1ذكر المؤلف رحمه الله هذا الأثر عن علي في "البرهان"(ص48) ، وفي" الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم"(ص32) ، ولم أقف عليه عند غيره، لكن أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(8/472) رقم (15946) ، ومن طريق ابن حزم في لا
وسمع ابن مسعود رجلا يحلف بالقرآن، فقال:"أتراه مكفرا؟ إن له بكل آية كفارة". 1
وقال: " من قرأ القرآن فأعربه، فله بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول الم حرف، ولكن الألف حرف، واللام حرف، والميم حرف".2
"المحلى"(8/33) عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود.
وأخرجه اللاكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(2/232) من طريق سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي كنف قال: قال عبد الله وذكره بنحوه.
وصححه شيخ الإسلام في"التسعينية"(1/292) .
1أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(8/472) ، والبيهقي في"السنن الكبرى"(10/43) كلاهما من طريق الأعمش عن عبد الله ابن مرة عن أبي كنف عن ابن مسعود بنحوه، وأخرجه اللاكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (2/231-232) رقم (378) من طريق محمد بن إبراهيم الروياني قال: ثنا أبو الربيع، قال: ثنا أبو عوانة عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل عن حنظلة بن خويلد قال: أخذ عبد الله بيدي وذكره بنحوه.
2 سبق تخريجه.
وروي نحو ذلك عن ابن عمر.1
وروي عن عبد الرحمن بن يزيد2أنه قال: "كنا نتعلم من ابن مسعود التشهد كما نتعلم حروف القرآن".3
1 أخرجه بن منده في "الرد على من يقول: الم حرف"(ص63) رقم (22) . وسنده ضعيف جدا، فيه ثوير بن أبي فاختة، وهو سعيد بن علاقة القرشي الهاشمي، أبو الجهم الكوفي.
قال سفيان: كان توير من أركان الكذب، وقال يحيى: ليس بشيء، وضعفه الالجوزجاني وأبو حاتم وقال النسائي: ليس بثقة، وقال الدارقطني وعلي بن الجنيد: متروك
"تهذيب التهذيب"(2/36-37) ..
2 هو عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي، محدث ثقة، روى عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وعن أم المؤمنين عائشة، وعن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وأبي مسعود البدري وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم توفي سنة 73 وقيل سنة 83.
"تهذيب الكمال"(18/12-14) ، "تهذيب التهذيب"(6/299) .
3 لم أجده.
وقال الحسن1: "قرأ القرآن قوم فحفظوا حروفه، وضيعوا حدوده"2.
وذكر الأئمة من السلف عدد آيات القرآن وحروفه وكلماته3، ولم يزل ذلك مستفيضا مشهورا بينهم،
1 هو أبو سعيد بن الحسن بن أبي الحسن يسار البصري من فضلاء زمانه علما وعملا وشجاعة وزهدا، توفي سنة 110.
انظر: "حلية الأولياء"(2/131) ، "سير أعلام النبلاء"(4/563) .
2 أخرجه بنحوه عبد الرزاق في "مصنفه"(3/363) ، وابن المبارك في "الزهد"(ص247) ح793، والفريابي في "فضائل القرآن"(ص247) ح177، وابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير بن كثير"(4/33) .
3 انظر: "الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم" للمؤلف (ص35) ، "البرهان في بيان القرآن" له أيضا (ص56) ، "فضائل القرآن" لابن عبيد (ص152-162) ، "لمحات الأنوار ونفحات الأزهار" لمحمد بن عبد الواحد الغافقي (1/104-123) ، "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (1/249-252) ، "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (1/86-93) ، "سعادة الدارين في بيان وعد آي معجز الثقلين" لمحمد بن علي الحسيني.
وقال الحسن1: "قرأ القرآن قوم فحفظوا حروفه، وضيعوا حدوده"2.
وذكر الأئمة من السلف عدد آيات القرآن وحروفه وكلماته3، ولم يزل ذلك مستفيضا مشهورا بينهم،
1 هو أبو سعيد بن الحسن بن أبي الحسن يسار البصري من فضلاء زمانه علما وعملا وشجاعة وزهدا، توفي سنة 110.
انظر: "حلية الأولياء"(2/131) ، "سير أعلام النبلاء"(4/563) .
2 أخرجه بنحوه عبد الرزاق في "مصنفه"(3/363) ، وابن المبارك في "الزهد"(ص247) ح793، والفريابي في "فضائل القرآن"(ص247) ح177، وابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير بن كثير"(4/33) .
3 انظر: "الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم" للمؤلف (ص35) ، "البرهان في بيان القرآن" له أيضا (ص56) ، "فضائل القرآن" لابن عبيد (ص152-162) ، "لمحات الأنوار ونفحات الأزهار" لمحمد بن عبد الواحد الغافقي (1/104-123) ، "البرهان في علوم القرآن" للزركشي (1/249-252) ، "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي (1/86-93) ، "سعادة الدارين في بيان وعد آي معجز الثقلين" لمحمد بن علي الحسيني.
الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} 1 {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} 2.
والجن لما استمعوا القرآن، أنصتوا له، وآمنوا به، وسموه كتابا وقرآنا {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} 3.
ومن العجب أن المخالف في هذه المسألة اجترأ على مخالفة رب العالمين ورسوله الصادق الأمين والجنة والناس أجمعين بغير حجة ولا شبهة، ولا استنباط آية، ولا خبر، ولا قول صحابي ولا إمام مرضي، مع زعمه أنه مسلم يعتقد أن كلام الله حجة وكذلك سنة رسوله وإجماع أمته، ثم ترك ذلك كله، كأنه لم يسمع منه شيئا،
1 سورة فصلت، آية (26) .
2 سورة الفرقان، آية (32) .
3 سورة الجن، آية (1-2)
ولم يفقه ولم يمر به، وقد قال سبحانه:{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ} .1
والكفار الذين لا يؤمنون بالقرآن أقرب إلى العذر في جحدهم للقرآن من هؤلاء الذين يزعمون أنهم يؤمنون به ثم يتركونه بغير حجة. نسأل الله العافية.
فإن قال قائل: لا نسلم أننا خالفنا الإجماع، بل قولنا هو مقالة السلف.
قلنا: هاتوا أخبرونا من قال قبلكم: إن هذا القرآن عبارة وحكاية2، وأن حقيقة القرآن معنى قائم في
1 سورة الأنفال، آية (22-23) .
2 بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الفرق بين العبارة والحكاية في "مجموع الفتاوى"(12/552) فقال: "العبارة عن كلام الغيب، يقال لمن في نفسه معنى ثم يعبر عنه غيره، كما يعبر عما في نفس الأخرس من فهم مراده.
النفس، ليس فيه سورة ولا آية؟! ومن قال قبلكم: إنه ليس في المصحف إلا العفص1والزاج2، لا فرق بينه
والذين قالوا: القرآن عبارة عن كلام الله، قصدوا هذا. وهذا باطل، بل القرآن العربي تكلم الله به، وجبريل بلغه عنه.
وأما الحكاية فيراد بها ما يماثل الشيء، كما يقال: هذا يحاكي فلانا إذا كان بمثل قوله أو عمله. وهذا ممتنع في القرآن، فإن الله تعالى يقول:{قل لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} الآية. وقد يقال: فلان حكى فلان عنه، أي لغة عنه، ونقله عنه. ويجيء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يحكي عن ربه، فإذا قيل: إنه حكى عن الله بمعنى أنه بلغ عن الله فهذا صحيح"
1العفص نبات يتخذ منه الحبر، ثم أصبح يطلق على الحبر، وهو كما قال ابن المنظور- مولد، وليس من كلام البادية.
انظر: "لسان العرب"(عفص)(7/54-55) .
2الزاج: فارس معرب: نوع من الأدوية يقال له: الشب اليماني، وهو من أخلاط الحبر.
انظر: "لسان العرب"(زوج)(2/293) .
وبين ديوان ابن الحجاج1؟
من رد قبلكم على الله تعالى قسمه الذي وصفه بالعصمة، فقال في كتابه الذي أحكمه:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} 2؟
من قال: إن القرآن العظيم غير الكتاب المبين والذكر الحكيم؟
أخبرونا: هل وجدتم هذه الضلالة وقبيح المقالة عند أحد من المتقدمين3سوى قائدكم إلى
1 ابن الحجاج هو الشاعر الخليع أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن الحجاج، كان أكثر شعره في الخلاعة والمجون، وكان يضرب به المثل في ذلك، توفي سنة 391.
انظر: "تاريخ بغداد"(4/8) ، "يتيمة الدهر" للثعالبي (3/35-125) .
2 سورة الواقعة، الآيات (75-78) .
3 ذكر الإمام أبو نصر السجزي رحمه الله في كتابه "الرد على من أنكر الحرف والصوت"(ص81-82) سبب مقولة الكلابية1 والأشاعرة بهذه المقالة، فقال: "فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرف وصوتا، فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه، وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل، وهم لا يخبرون أصول السنة، ولا ما كان السلف عليه، ولا يحتجون بالأخبار الواردة في ذلك، زعما منهم أنها أخبار آحاد، وهي لا توجب علما، وألزمتهم المعتزلة أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف وصوت، ويدخله التعاقب والتأليف، وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون، ولا بد له من أن يكون ذا أجزاء وأبعاض، وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله، لأن ذات الله سبحانه لا توصف بالاجتماع والافتراق، والكل والبعض، والحركة والسكون، وحكم الصفة الذاتية حكم الذات.
قالوا: فعلم بهذه الجملة أن الكلام المضاف إلى الله سبحانه خلق له، أحدثه وأضافه إلى نفسه، كما تقول: عبد الله، وخلق الله، وفعل الله.
فضاق ابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإلزام لقلة معرفتهم بالسنن، وتركهم قبولها، وتسليم العنان إلى مجرد العقل، فالتزموا ما قالته المعتزلة وركبوا مكابرة العيان، وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة: المسلم والكافر، وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة
الجحيم1، الناكب بكم عن الصراط المستقيم، الذي لم يعرف له فضيلة في علم شرعي ولا دين مرضي، سوي علم الكلام المذموم المشؤوم الذي الخير فيه معدوم. نشأ في الاعتزال إلى أربعين عاما يناظر عليه ويدعوا الناس
الكلام، وإنما يسمى ذلك كلاما على المجاز، لكونه حكاية أو عبارة عنه، وحقيقة الكلام معنى قائم بذات المتكلم.
فمنهم من اقتصر على هذا القدر، ومنهم من احترز عما علم دخوله على هذا الحد فزاد فيه ما ينافي السكوت والخرس والآفات المانعة من الكلام، ثم خرجوا إلى إثبات الحرف والصوت في كلام الله سبحانه تجسيم، وإثبات اللغة فيه تشبيه
…
1 يعني به أبا الحسن الأشعري، لكن كلامه في آخر أمره، قد تغير، حيث أثبت الكلام لله تعالى كما يثبته السلف الصالح، وقد نقل أبو عمرو الداني في "الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات" (ص73) عن أبي بكر الباقلاني قوله:"قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله: "من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، فهو ضال مبتدع، وقائل بما لم يقل به أحد من سلف الأمة"
إليه1، ثم أثمر ذلك مقالته هذه التي يرد بها على الله سبحانه وعلى نبيه صلى الله عليه وسلم وخالف به المسلمين والجنة والناس أجمعين، فكيف رضيتم به إماما عوضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وكيف قدمتم قوله على قول الله سبحانه؟!.
وكيف خالفتم إجماع المسلمين بمجرد قوله بلا حجة سوى مجرد تقليده والمصير إلى قوله؟!
وما عوض لنا منهاج جهم
…
بمنهاج ابن آمنة الأمين
فلسان حالكم يقول: إن الحق ضاع عن رب العالمين ورسوله الصادق الأمين والصحابة والتابعين
1 انظر: "الفهرست" لابن النديم (ص231) ، "الرد على من أنكر الحرف والصوت" للسجزي (ص140) ، "تبيين كذب المفتري" لابن عساكر (ص39) ، "درء التعارض" لشيخ الإسلام ابن تيمية (7/236) .
2 ذكر هذا البيت مع غيره من الأبيات: اللاكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(1/148) .
والجنة والناس أجمعين، حتى وجده قائدكم إلى الجحيم، فدعاكم إليه ونبهكم، فأجبتم مقاله، ورضيتم حاله، وقبلتم محاله، ونسبتم من لم يوافقكم على هذه الضلالة، ورميتموه بالجهالة.
وأهل السنة قبلوا قول ربهم ووصيته، رسول ربهم وسنته، وسلكوا سبيل سلفهم وطريقته {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} .
والله أعلم.
تمت الفتوى المباركة على يج أفقر الورى إلى رحمة ربه الجلي عبد صالح بن حسن بن صالح المقدسي الحنبلي السلفي، مصليا مسلما محوقلا يوم الاثنين 17 رجب سنة 1227.
سورة الأنعام، اللآيتان (81-82) .