الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله، غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير.
والصلاة والسلام على رسول الله، مُعلَّمِ الإنسانية، ومرشدها وهاديها إلى الحق، وإلى صراط مستقيم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد:
فإن الأمور إذا استحكمت وتعقدت حبالها، وترادفت المعاصي وطال ليلُها وانزلق المسلم إلى ذنب، وشعر بأنه باعد بينه وبين ربه، فإن الطهور الذي يعيد إليه نقاءه ويرد إليه ضياءه ويلفه في ستار الغفران والرضا أن يجنح إلى التوبة؛ لأنها النور الذي يشع للمسلم ليعصمه من التخبط، وهي الهداية الواقية من اليأس والقنوط، وهي الينبوع الفياض لكل خير وسعادة في هذه الدار وفي دار القرار.
وهي اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان، لأن المعاصي بمنزلة السموم المهلكة وارتكاب الآثام سبيل
السقوط والإهانة، ومزلقة إلى العقاب في الدنيا والآخرة، وهذا المخلوق البشري بحكم ما رُكّب فيه من ميول وغرائز تسول له نفسه الأمارة بالسوء أحيانًا إلى درك المعصية وتهيج به فورة اللحم والدم، فينزو نزوات الحيوان في حمى الشهوة.
وليست التوبة في الإسلام مسلكًا وعرًا لا يصل إليها مبتغيها إلا بعد تعب ومشقة، أو اعتراف أمام أحد غير الله تعالى، بل إنها سهلة وميسرة، فبابها مفتوح في كل لحظة يطرقه من يشاء ليستغفر ويتطهر، لا يطرده من رحمة الله طارد، ولا يقوم بينه وبين ربه وسيط مهما أسرف على نفسه؛ قال الله - تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
فمن أرد الرجوع إلى الطريق المستقيم فلا عليه إلا أن يُبادر بالتوبة ويقلع عن الذنوب من قبل أن يأتي يوم يحال فيه بينه وبينها، فيتحسر على ما فرط، ويضيق ذرعًا بما وصل إليه من واقع مرير، ويندم ولات ساعة مَنْدَم؛ فليشمر المسلم عن ساعد الجد، وليتب إلى الله بلسانه ويعزم بقلبه، محققًا مدلول التوبة بالإيمان والعمل
الصالح، علَّ الله يقبل عثرته، ويقبل أوبته، ويغفر ذنبه، فيأخذ طريقه على هدى من الإيمان والعمل الصالح، وينظمه الله في سلك عباده المهتدين، مصداقًا لقوله - سبحانه:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82].
اللهم إنا نسألك أن توفقنا للتوبة والإنابة، وأن تفتح لأدعيتنا أبواب الإجابة، وأن تذيقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك يا أرحم الراحمين.
* * *