الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اصطفاء الرسل
الرسل خلاصة مختارة من البشر: لما كان الرسل عليهم الصلاة والسلام هم سفراء الله تعالى إلى خلقه يقومون بتبليغهم أوامره ونواهيه وهو سبحانه حارسهم وحافظهم كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وجب أن يتصفوا بكل صفات الكمال الإنساني التي تحقق المقصود من مهمتهم العظيمة في توجيه الناس إلى الله تعالى وهدايتهم سواء السبيل فالرسل يمثلون الكمال الإنساني في أرقى صوره ذلك أن الله تعالى اختارهم واصطفاهم لنفسه فلا بد أن يختار أطهر البشر قلوبا وأزكاهم أخلاقا وأقواهم قريحة وعقلا كما قال الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}
كمال الصورة الخلقية: لأن وظيفة الرسل تقوم على الاختلاط بالناس لزم ألا يتصفوا بشيء من العيوب الخلقية المتفردة؛ لذا كانوا على أكمل وأحسن الصور وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام بقوله: «ليلة أسري بي رأيت موسى عليه السلام وإذا هو رجل ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة» وقال صلى الله عليه وسلم واصفا عيسى عليه السلام عندما رآه في الإسراء: «ليس بيني وبينه نبي وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ينزل بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل» وقد جاء وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في كتب السنة والسيرة فلم يرد فيها شيء مما ينفر أو يشذ فقد كان سوي الخلقة حسن الصورة بأكمل ما يكون. وقد جاء عن وصف يوسف عليه السلام لما رأته نسوة المدينة حين دعتهن امرأة العزيز لما شاع خبرها بأنها راودت فتى العزيز قال الله تعالى واصفا حالهن حين رأين يوسف عليه السلام {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واصفا يوسف وقد رآه في الإسراء
: «أعطي يوسف عليه السلام شطر الحسن» وبناء على ما سبق فكل ما يذكر عن الرسل عليهم السلام أو ما ينسب إليهم من عيوب خلقية إنما هو كذب مفترى لذلك أنكر الله تعالى على الذين آذوا موسى عليه السلام ونسبوا إليه بعض العيوب قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم كيف برأ الله تعالى موسى مما نسب إليه فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله تعالى أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} »
الكمال الخلقي: تقتضي مهمة الرسول أن يتعامل مع أصناف مختلفة من البشر يمثلون مجمل الخصال البشرية حسنها وسيئها ونتيجة لطبيعة وظيفته فإن الرسول مأمور بتبليغ ما أرسل به للناس، وذلك يستلزم ضرورة أن يمكث فيهم ويصبر على أذاهم ويحتمل كل أنواع المضايقات التي تصدر من كثير منهم. وقد لبث نبي الله نوح عليه السلام 950 سنة يدعو قومه بالحوار والمجادلة الحسنة فما آمن معه مع ذلك إلا قليل قال الله تعالى حكاية عنه:{رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا} {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} وهكذا بقية الرسل عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم. فإذا كان الأمر كذلك لزم أن يكون الرسول على قدر عال من الكمال الخلقي حتى يصبح أهلا لتبليغ رسالته مع ما يلاقيه من المكاره.
وتحقيقا لذلك فقد بلغ الأنبياء عليهم السلام مبلغا عظيما في الأخلاق حتى أثنى الله تعالى عليهم بقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ} {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} وقال الله تعالى في إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} وقالت ابنة شعيب عليه السلام تصف موسى عليه السلام فيما حكى الله تعالى عنها: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} وقد ذكر الله تعالى أن الملائكة بشرت مريم عليها السلام بعيسى ابن مريم عليه السلام: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ
اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} وقال عليه السلام حين تكلم في المهد واصفا نفسه: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} وقال الله تعالى في وصف محمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ولو لم يكن الرسل عليهم السلام على كمال الأخلاق لما انقادت لهم الجموع البشرية ذلك أن الناس لا ينقادون عن رضى وطواعية لمن فحش خلقه وضاق صدره وكثرت نقائصه وقلت فضائله. ومن تصفح سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يجد المثال الأعلى للكمال الأخلاقي عند الرسل حتى إن عائشة رضي الله عنها زوج النبي
صلى الله عليه وسلم وصفته حين سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت للسائل: «ألست تقرأ القرآن قال نعم قالت كان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن» ولا شك أن جميع الرسل كانوا مثالا راقيا للكمال الخلقي إلا أنه ليس بين أيدينا مصادر موثقه تصف لنا أخلاقهم وتورد نماذج عملية من تلك الأخلاق مثلما هو كائن في سيرة نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الرسل.