المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ونحن نعلم يقيناً إن بعض العوام من الحجاج قد تعودوا - الحج عرفة

[محمد أمان الجامي]

الفصل: ونحن نعلم يقيناً إن بعض العوام من الحجاج قد تعودوا

ونحن نعلم يقيناً إن بعض العوام من الحجاج قد تعودوا التبرك بالأحجار والأشجار وقبور الصالحين أو من يدعون الصلاح وهم ينظرون إلى الجبل الذي بعرفة وما فوقه وما حوله من المباني بذلك المنظار ولا سيما مع هذا الاسم (جبل الرحمة) .

لذا نرى أن تبذل كل جبهة ما تستطيع بذله في هذا الصدد ليكون حج حجاج بيت الله الحرام بعيداً عن المخالفات والبدع والأعمال الجاهلية التي قد يقع فيها بعض الحجاج جهلاً منهم.

وقد بذلت حكومتنا السنية في سبيل راحة الحجاج وتسهيل أمورهم كل غال ونفيس يتمثل ذلك في تلك الشوارع الواسعة بأعداد هائلة والكباري العملاقية والميادين الواسعة والمستشفيات والمستوصفات المنتشرة في كل من عرفة ومزدلفة وفي كل مكان تصل إليه أقدام الحجاج في الحرمين الشريفين زادها الله من فضله ومن توفيقه.

والناحية التي نحن بصددها لم يغفلها المقام السامي حيث يجند في كل موسم عدد كبير من علماء المسلمين من الداخل والخارج لتوعية حجاج بيت الله الحرام وتعليمهم ما يجهلون من أمور دينهم عامة ومن أعمال الحج خاصة، بناء على أمر المقام السامي تحت إشراف إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، فنسأل الله تعالى التوفيق لهؤلاء العلماء المجندين لهذه المهمة العظيمة حتى يؤدوا واجبهم على الوجه المطلوب بحزم وبإخلاص والله ولي التوفيق.

ص: 148

‌زمن الوقوف

إن الدارس للسنة النبوية قولية أو فعلية في هذا المسألة إذا عرض عليها أقوال أهل العلم محاولاً التوفيق بينها يخرج بالنتيجة التالية:

وهي أن زمن الوقوف ينقسم إلى قسمين:

1) زمن اختياري.

2) زمن اضطراري.

أما الزمن الاختياري فهو الذي لا ينبغي للحاج مخالفته أو ترك شيء منه في حال سعته واختياره وفي حال عدم الضرورة فهذا الزمن يبدأ من زوال شمس يوم عرفة، ويمتد

ص: 148

إلى الغروب وإذا تحقق الغروب جاز للحجاج أن يفيضوا إلى مزدلفة مؤخرين صلاة المغرب ليجمعوها مع صلاة العشاء في جمع (مزدلفة) جمع تأخير ولا يجوز لهم أن يغادروا الموقف قبل غروب الشمس إلا للضرورة أو جهل الحكم فإذا غابت الشمس يفيضون وعليهم السكينة والوقار وألسنتهم تلهج بذكر الله والثناء عليه سبحانه يكبرون ويهللون ويحمدون الله الذي وفقهم لأداء تلك العبادة في ذلك اليوم العظيم وعليهم أن يتجنبوا الإيذاء لأحد بأي نوع من أنواع الإيذاء.

دليل المسألة

نأخذ هذه الأحكام من السنة الفعلية المؤيدة بالسنة القولية أما السنة الفعلية ففعله عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع لأنه عليه الصلاة والسلام دخل الموقف بعد الزوال وبعد أن صلى الظهر والعصر جمعاً وقصراً في عرفة لأنه نزل بنمرة وصلى بعرفة ووقف بعد الزوال بعرفة وظل واقفاً عند الصخرات على ناقته القصواء مستقبل القبلة يدعو الله ويثني عليه بما هو أهله سبحانه حتى غاب قرص الشمس من ليلة جمع.

أما السنة القولية فقوله عليه الصلاة والسلام:"خذوا عنى مناسككم" يقول هذا القول لينبه الناس على التأسي به في أعمال الحج قولاً وفعلاً وفي الزمان والمكان.

هكذا يتضح من السنة أن الوقوف بعرفة يبدأ بالزوال من يوم عرفة ويمتد إلى ليلة جمع حتى يجمع الحاج في الوقوف بين الليل والنهار ولا ينبغي مخالفة هذا الهدي في حالة السعة والاختيار والله الموفق.

أما حالة الاضطرار فلها أحكامها.

زمن الوقوف الاضطراري

أما الزمن الاضطراري فيؤخذ من حديثين اثنين أحدهما، حديث عبد الرحمن بن يعمر الذي رواه الخمسة وفيه "أن أناساً من نجد سألوه" أي قالوا كيف حج من لم يدرك يوم عرفة؟ فأمر منادياً فنادى "الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك" الحديث والقطعة

ص: 149

التي أوردناها هي محل الشاهد من الحديث.

ثانيهما: حديث عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي حيث يقول:" أتيت رسول الله عليه الصلاة والسلام بالمزدلفة، حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبلي طيىء أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج؟ فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: من شهد صلاتنا هذه؟ ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه" رواه الخمسة وصححه الترمذي.

ومن إنعام النظر في هذين الحديثين يمكن القول بأن من كان حاله كحال هؤلاء القوم الطائي والذين جاءوا من قبل نجد تكفيه لحظة من نهار عرفة أو ليلة عرفة إذا تم له ذلك قبل طلوع الفجر من ليلة العيد ولا يلزمه الجمع بين الليل والنهار، وهذا ما عنيناه بقولنا:(زمن الوقوف الاضطراري) وفي حديث عبد الرحمن بن يعمر رأينا القوم سألوا رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يدرك به الحج من زمن الوقوف فكان الجواب من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك فأقل زمن يدرك به الوقوف بعرفة حتى يصح الحج أن يوجد بعرفة قبل طلوع فجر ليلة جمع ولو بزمن يسير يصدق عليه الوقوف الشرعي قاصداً الوقوف إذ "إنما الأعمال بالنيات" هذا ما يؤخذ من حديث عبد الرحمن بن يعمر.

وحديث عروة بن مضرس يدل على ما دل عليه حديث عبد الرحمن على أنه لا يجب الجمع بين الليل والنهار بالنسبة لمن كان حاله كحال الطائي الذي أتعب نفسه وراحلته بحثاً عن الموقف وهذا الطائي الذي يجهل الموقف لا يستبعد إن يجهل زمن الوقوف أيضاً.

واستناداً إلى قوله عليه الصلاة والسلام "الحج عرفة" وإلى فتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأله من فاته الوقوف بعرفة ماذا يفعل فقال: " اذهب إلى مكة

ص: 150