المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌استدلالهم بقول ابن القيم - الحكم بقطع يد السارق في الشريعة الإسلامية

[أحمد عبيد الكبيسي]

الفصل: ‌استدلالهم بقول ابن القيم

في حال لا يستقيم معه أمرها إلا بذلك. ففعل عمر ليس اجتهادا أدى إلى تعطيل النص أو إسقاطه. وإنما هو اجتهاد في تحقيق مناط الحكم. ومعلوم أن الاجتهاد المتعلق بتحقيق مناط الحكم لا علاقة له بأمر النص. وإنما هو استجلاء لحقائق الأشياء، وإدراكها على ما هي عليه. لتعلق حكم شرعي بها. كاستجلاء حقيقة البلوغ في الصبي 1.

وفعل عمر رضي الله عنه إنما هو تطبيق لموجبات النص، واعتبار لعلته، لأن إعطاء المؤلفة قلوبهم: معلل بحاجة الدعوة الإسلامية لذلك. وعندما يشتد ساعد المسلمين وتنعدم حاجتهم إلى تآلف قلوب الأعداء حينئذ تنتفي الحاجة إلى شراء تأييد هؤلاء وكف شرهم بالمال. لأن للمسلمين أكثر من وسيلة لكف الأذى عن أنفسهم وعقيدتهم.

ومن أجل هذا يقول الأصوليون: إن حكم عمر هذا الذي وافق إجماع المسلمين هو من قبيل: انتهاء الحكم. لانتهاء العلة 2. وليس نسخا للحكم. لأن الإجماع لا ينسخ النص بل إن الجمهور على أن الإجماع ينسخ الإجماع. فما بالك بالنص 3.

1 انظر: الموافقات للشاطبي 4/165.

2 انظر: شرح مسلم الثبوت 2/84.

3 انظر: شرح التلويح على التوضيح 2/34.

ص: 38

‌استدلالهم بقول ابن القيم

ثالثا: إما استشهادهم بما قاله ابن القيم، فليس له أساس إلا سوء الفهم. فمع التسليم بكل ما جاء على لسان ابن القيم جملة وتفصيلا. فإنا لا نسلم بفهم الكاتب –المشار إليه- لما قاله ابن القيم. ذاك أنه اقتطع بعضا من كلامه، الذي لا يستقيم معناه إلا بضم بعض أجزائه إلى بعض.

ففي مسألة4: (المصلحة أصل الأحكام في الشريعة) استعراض ابن القيم بعض المسائل التي قد يتوهم: أن فيها معارضة للنص، أو تغييرا للحكم، وإسقاطا للعقوبة، تبعا لاختلاف الفتوى فيها، واختلاف فقهاء الصحابة في كيفية تطبيق النصوص عليها. فأوضح الخفاء في وجوه تلك المسائل، وبين: أن ما تظنه بعض

4 انظر: إعلام الموقعين 3/17، 18، 19.

ص: 38

الإفهام تناقضا، ليس هو كذلك في الواقع. وما تتوهمه إسقاطا، أو تصرفا في نص، إنما هو في دقة تنفيذه في الحقيقة.

وقد ضرب ابن القيم لذلك بعض الشواهد، فوفق بين قوله –عليه الصلاة والسلام:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده" وبين قوله: "من رأى من أميره ما يكره فليصبر، ولا ينزعن يدا من طاعة".

وبين ابن القيم وجه تعطيل الحد في السفر (حين أتى برجل من الغزاة قد سرق فلم يقطعه بسر بن أرطأة1) ويرى ابن القيم أن ذلك لم يكن تعطيلا للحد، أو تغييرا للحكم، أو إسقاطا للعقوبة. كما قد يتوهم المتوهمون.. وإنما كان ذلك تطبيقا للنص من بعض وجوهه. فقد نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم:"أن تقطع الأيدي في السفر والغزو، خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تأخيره. بأن يلحق صاحبه بالمشركين".

ثم ذكر ابن القيم، قصة أبي محجن2: حين شرب الخمر يوم القادسية، فلما أبلى في القتال بلاء حسنا لم يقم سعد ابن أبي وقاص عليه الحد، "لا والله لا أضرب اليوم رجلا أبلى للمسلمين ما أبلاهم فخلى سبيله"

ثم عقب ابن القيم على ذلك كله فقال: "وليس في هذا ما يخالف نصا، ولا قياسا، ولا قاعدة من قواعد الشرع، ولا إجماعا". "وأكثر ما فيه تأخير الحد لمصلحة راجحة، إما من حاجة المسلمين إليه، أو من خوف ارتداده ولحوقه بالكفار، وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة كما يؤخر الحامل والمرضع، وعن وقت الحر والبرد والمرض"3.

هذا هو مجمل كلام ابن القيم: لا نرى فيه جانبا واحداً يدل على: أنه قصد –فيما قال- إلى جواز تغيير

1 هو: بسر بن أرطأة " أو أبي أرطأة " العامري القرشي أبو عبد الرحمن. قائد فتاك من الجبارين. ولد بمكة قبل الهجرة أصيب في عقله على آخر أيامه وبقي كذلك إلى أن مات بدمشق وقيل بالمدينة سنة 86 هـ.

2 عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف، بطل شاعر كريم، أسلم سنة 9هـ كان منهمكا في شرب النبيذ. فلما وقعت قصته مع سعد ترك النبيذ، وقال كنت آنف من أن أتركه من أجل الحد. توفي بأذربيجان سنة 30هـ. انظر: خزانة الأدب للبغدادي 3/553.

3 انظر: إعلام الموقعين 30/19.

ص: 39