الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسؤال عنه بدعة" ثم أمر بإخراج السائل من مجلسه لأنه مبتدع، هكذا سئل مالك وهكذا أجاب بعد تلك الحالة التي طرأت له.
ولو قارنا بين موقف صاحب مالك وأسلوبه في سؤاله وبين موقف صاحبنا الشطي وأسلوبه الساخر لوجدنا موقف الشطي أسوأ، وأسلوبه أبعد من الحياء والأدب!! إذا كنا قد تأكدنا أن آفة إسماعيل الشطي أنه لم يدرس هذا المبحث، وليس لديه أدنى إلمام فيه فالواجب علينا أن نسعفه بهدية نرجو أن تكون مقبولة لديه وهي عبارة عن درس. موجز في توحيد الأسماء والصفات، فأرجو أن يتقبلها بقبول حسن ويفرح بها لعل الله ينفعه بها إن خلصت النية وحسن القصد.
واليك أيها الأخ المسلم ما يفتح الله علينا في السطور الآتية:
مبحث الأسماء والصفات
وقبل أن ندخل في صلب المبحث نؤكد أن مبحث هذا الباب توقيفي محض بمعنى أنه، لا يخضع للإجتهاد ولا للقياس أو الإستحسان العقلي أو النفي والإثبات بالذوق والوجدان. في السبيل إليه الأدلة السمعية الخبرية، وبعبارة أخرى (لا يتجاوز الكتاب والسنة في هذا الباب) وهذه العبارة التي تجدها ببن قوسين منقولة عن إمام أهل السنة والجماعة، الإمام أحمد بن حنبل وأدلة الكتاب والسنة يقال لها سمعية ويقال لها خبرية، ويقال لها نقلية، أي الأدلة المسموعة عن الله أو عن رسوله، والتي أخبر الله بها عن نفسه أو أذن لرسوله فأخبر بها أو التي نقلت إلينا عن كتاب ربنا أو عن سنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
هذه الأدلة هي السبيل الوحيد في معرفة الأسماء والصفات، والعقل السليم سوف لا يخالف النقل الصحيح، وعلى هذا الأساس نبدأ معك أيها الأخ المسلم الحديث في صفات الله الواردة التي وصف الله بها نفسه أو وصفه بها رسوله، إذ لا يصف الله أعلم بالله من الله ولا يصفه من خلقه أعلم بالله من رسوله عليه الصلاة والسلام.
وقد وصف الله نفسه بالعلم والحلم والحكمة والعزة والسمع والبصر مثلا، فعلينا أن نثبت هذه الصفات وغيرها من الصفات الواردة في كتاب ربنا إثباتاً لا يصل إلى حد التشبيه والتمثيل، مع تنزيه الرب تعالى عن مشابهة مخلوقاته فيما أثبتناه له من الصفات تنزيها لا يصل بنا إلى حد التعطيل، ويكون موقفا إثباتاً بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل على ضوء قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يعني
التنزيه وقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} يعني إثبات السمع والبصر على ما يليق بالله، لا على ما يليق بالمخلوق.
وهكذا نقول في جميع صفات الله الواردة في الكتاب والسنة قبل أن نتجاوزهما كما أسلفنا.
ومن الصفات ما ذكرنا من العلم والحلم والحكمة والعزة وما لم نذكره من الصفات الثابتة في القرآن والحديث.
ومما أثبت الله لنفسه في كتابه: اليد، والوجه، والمجيء لفصل القضاء يوم القيامة، والإستواء على عرشه.
وموقفنا من هذه الصفات هو عين موقفنا من الصفات السالفة الذكر من السمع والبصر وغيرهما، أي كما أثبتنا سمعا وبصراً يليقان به لا كسمع المخلوقين وبصرهم.
كذلك نثبت له يداً تليق به لا كأيدي المخلوقين، ووجها لا كوجوههم واستواء يليق به لا كاستواء المخلوق، ومجيئاً يليق به لا مجيء المخلوق وإذا خطر لك خاطر وأنت تتلو الآيات الكريمة التي تتحدث عن هذه الصفات كقوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} وقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} وقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أو مررت وأنت تتصفح كتاباً من كتب الحديث، بحديث صحيح يقول فيه الصادق الأمين محمد عليه من ربه أَفضل الصلاة وأزكى التسليم:"ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة إذا بقي الثلث الآخر من الليل" الحديث، أو مررت بغيره من أحاديث الصفات التي قد تكون غريبة عليك فأول خطوة تخطوها أَن تبحث عن صحة هذه الأحاديث إما بالمراجعة الفاحصة والواعية في المراجع المعتبرة أو بسؤال أهل العلم والفقه في الدين إذا كنت لا تقوى على المراجعة.
وإذا تأكدت من ثبوت النصوص لم يبق أمامك إلا أَن تقول أمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وأمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله وكفى. هذه العبارة تروى عن الإمام الشافعي رحمه الله.
ثم إياك وإياك أَن تخوض في صفات الله بالتأويل والتحريف أو بالتشبيه والتجسيم، بل تثبتها على ضوء الآية السابقة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وقوله تعالى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} وقوله {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} لأن الصفات كلها من باب واحد ولا يجوز التصرف في صفات الله بالعقل المحض على خلاف النصوص بإثبات بعضها وتأويل البعض الآخر كما فعلت الأشاعرة الكلابية، حيث أثبتوا صفات الذات كالقدرة والإرادة، والسمع
والبصر وغيرها، أثبتوها على ما يليق بالله دون تشبيه أو تجسيم ودون تحريف أو تعطيل ولكنهم ادعوا وجوب تأويل صفات الأفعال، كالمجيء والنزول، بدعوى أن إثباتها على ظواهرها يؤدي إلى التجسيم وهذا جهل يتوارثونه، فيقال لهم: كيف أثبتم السمع والبصر على ظواهرها أم على باطنهما؟ فيكون الجواب الصحيح: على ظاهرهما ولكن الظاهر الذي يليق بالله لا على الظاهر الذي يليق بالمخلوق، فيقال لهم: الكلام في بض الصفات كالكلام في البعض الآخر يحتذي حذوه، فنحن نثبت لله الصفات السمعية من اليد وغيرها على ظاهرها الظاهر، الذي يليق بالله لا على أساس أَنها جوارح أو أَعضاء، لأن إيماننا بالله سبحانه إيمان إثبات وتسليم وكذلك يجب أن يكون إيماننا بصفات الله إيمان إثبات للصفات قبل الخوض فيها بالتحريف أَو بالتأويل أو بالتشبيه بل نسلم لله فيما أَثبته لنفسه ولا ننازعه، ونسلم لرسوله الأمين فيما أثبته لربه سبحانه ولا ننازعه ولا نزيد عليه، إذ سبق أن قررنا أنه لا يصف الله أعلم بالله من الله ولا يصفه من خلقه أعلم بالله من رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وبعد:
أكتفي بهذا المقدار من هديتي التي وعدتك بها أيها الأخ المسلم لأن خير الكلام ما قل ودل كما يقولون، ثم أحب أن ألفت نظرك إلى الأمور الآتية:
(1)
لعلك تستشكل وتسأل عن دليل تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام علماً بأني قد أدركت من محاضرتك بأنك مطمئن إلى قسمين من الأقسام الثلاثة ومستغرب القسم الثالث فقط الذي هو توحيد الأسماء والصفات الذي نحن بصدد الحديث عنه، وإجابة على سؤالكم المقدر، أقول مستعينا بالله وحده:
دليل تقسيم التوحيد إلى الأقسام الثلاثة هو الاستقراء وهو دليل مسلم لدى جميع العقلاء وكيانه كالآتي:
(أ) هناك نصوص تتحدث عن انفراد الله تعالى بالخلق والإيجاد، والرزق والعطاء والمنع والضر وهو الذي يدبر الأمر من السماء والأرض وهو خالق كل شيء إلى غير ذلك مما يدل على توحيد الله تعالى في ربوبيته وخالقيته، ويسمى توحيد الربوبية، ولم يتوقف أحد من بني آدم فيه، بل هو معروف ومسلم به لدى جميع طبقات الناس حتى عند مشركي قريش {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}
(ب) وهناك نصوص تتحدث وتحث على إفراد الله تعالى بالعبادة كما انفرد بخلق العباد وجميع المخلوقات {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لاشريك له} {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} وغير ذلك من تلك النصوص الكثيرة التي تأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، لأن الشرك ظلم عظيم، ويسمى هذا النوع توحيد العبادة، وهو محل المعركة قديما وحديثا ولم تضع الحرب أوزارها إلى الآن ولن تضع أبدا، بل سوف يستمر الصراع بين الشرك والتوحيد وبين الإسلام والجاهلية بجميع صورها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتلك سنة الله التي لا تتغير، وهي حقيقة يجهلها أو يتجاهلها كثير من الدعاة في هذا الوقت.
(ج) وهناك نصوص أخرى كثيرة تتحدث وتخبر بأن الله تعالى سميع، بصير، عليم، حليم، عزيز، حكيم، له يدان مبسوطتان، خلق آدم بيده، وأنه مع خواص عباده، معية خاصة ومع جميع خلقه بعلمه وتدبير أمورهم والاطلاع عليهم وهي معية عامة وغير ذلك من النصوص التي قد أوردنا بعضها فيما تقدم. فيجب إثبات هذه الصفات كما جاءت والإيمان بأن الله هو المتصف بها وحده ولا شاركه غيره في حقائقها وأنها بمجرد الإضافة إليه تختص به كما تختص صفات المخلوقين بالإضافة إليهم، وأن المشاركة اللفظية بين صفات الخالق وصفات المخلوقين لا يلزم منها المشاركة في حقائق الصفات، وأن أسماء الله تعالى تدل على صفاته تعالى وليست أسماؤه جامدة كالأعلام الجامدة التي لا تدل على المعاني في الغالب إلى غير ذلك من مباحث هذا الباب العظيم الذي قد يسبب عدم تحقيقه اضطرابا قي عقيدة المرء.
هذا هو توحيد الأسماء والصفات بإيجاز ليس بعده إيجاز فعليك به أنت وزملاؤك وعضوا عليه بالنواجذ، وإياكم ومحدثات والأمور من التحريف والإلحاد والتشبيه والتجسيم.
(2)
علمت من محاضرة الشطي التي حملت إليّّ بواسطة بعض الأشرطة بأنه سخر من كتابين مهمين جدا في هذا المبحث الذي نحن بصدده، مبحث الأسماء والصفات بأسلوب غير لائق. سامحه الله.
أحدهما: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ثانيهما: شرح العقيدة الطحاوية.
إن ذكره للكتابين بذلك الأسلوب دلنا على أنه ليس له إطلاع على ما في الكتابين، وقديما قيل:(من جهل شيئا عاداه) وهذا موقف لا يليق بأمثاله، بل من الإنصاف أن يطلع على ما في الكتابين ثم ينتقد إن كان هناك ما يوجب الانتقاد وإلا يصفها بواقعهما إن استطاع أو يسكت، والسكوت أستر وأسلم.
أما الكتاب الأول: (العقيدة الواسطية) فهو لشيخ الإسلام ابن تيمية كما أسلفنا، قد كتبه بناء على طلب ورده من (واسط) من بعض أهل الدين والخير الذي طلب منه أن يكتب له عقيدة فاستعفاه الشيخ ودله على بعض كتب بعض أهل العلم، فأبى إلا أن يكتب له هو فكتب له هذه العقيدة في جلسة بعد صلاة العصر، هكذا قال الشيخ نفسه كما حكى بعض من ترجم للشيخ1 (صدق أو لا تصدق) ولا أظنه يجهل شيخ الإسلام ابن تيمية حتى يحتاج إلى التعريف به، وهو شمس الضحى يدركها حتى ضعيف البصر.
وأما الكتاب الثاني: (شرح العقيدة الطحاوية) فهو من أوسع الكتاب في بابه ومرجع مهم، وهذا الكتاب يدرس في كليات الجامعة الإسلامية وفي غيرها من بعض كليات الجامعات السعودية، ومؤلفه أحد تلامذة الحافظ ابن كثير وقد أخفى اسمه لظروفه الخاصة التي كانت تحيط به وقت تأليفه للكتاب، والكتاب عبارة عن مجموعة نقول من بعض كتب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ومن كلام أستاذه الحافظ ابن كثير، مع ما يضيف إليه المؤلف من عنده.
والدرس الموجز الذي أهديته له ليجد في هذين الكتابين مدعما بالأدلة النقلية والعقلية، وإن وفقه الله واقتنى الكتابين ودرسهما دراسة واعية مدة كافية فسوف يخرج على المجتمع بوجه آخر وبأسلوب آخر وبلهجة أخرى هادئة، وليس ذلك على الله بعزيز لأنه على كل شيء قدير، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابعه سبحانه.
(ج) أما قوله بأن الرسول عليه الصلاة والسلام حلف بغير الله تعالى فقال: "أفلح وأبيه إن صدق" أو "دخل الجنة وأبيه إن صدق" فمن أفظع وأقبح ما نطق به لسانه في تلك الأمسية، عفا الله عنه ولست أدري كيف خفيت عليه الأحاديث الكثيرة التي وردت في النهي عن الحلف بغير الله؟.
وفي بعض تلك الأحاديث التصريح بالنهي عن الحلف بالآباء وفي بعضها التصريح بأن الحلف بغير الله شرك، وهي كثيرة تبلغ نحو أربعة أحاديث.
أعود فأقول: كيف لم يطلع على تلك الأحاديث أو على واحد منها، وقد اطلع أو سمع الحديث الذي استدل به؟ أو أنه اطلع عليها كلها ولكنه اختار هذا الحديث لأنه وافق ما عنده أو وافق مألوفه ففرح به؟.
(1) وهو الحافظ بن عبد الهادي في كتابه العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية.
وهنا مسألة هامة جدا أستحسن أن أذكرها له ولأمثاله لعل الله ينفعه بمعرفتها وهي: أن من عمل بنص من الكتاب أو من السنة لكونه وافق هواه، فلا يعد عاملا بذلك النص وإنما عمل بهواه بدليل أنه يسهل عليه مخالفته أو مخالفة نص أخر إذا خالف هواه فهو متبع لهواه في كلتا الحالتين، ليس متبعا للنص كما ترى، وأخشى أن يكون ما نحن بصدده من هذا القبيل والله المستعان.
هذه قاعدة عامة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كتبه فعليك بها، ثم هناك بعض تلك الأحاديث التي نهى فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الحلف بغير الله:
(1)
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" رواه مالك والبخاري ومسلم وأصحاب السنن.
(2)
عن أبن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول لا والكعبة فقال ابن عمر، لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:"من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" رواه الترمذي وحسنه وقواه ابن حبان وصححه ورواه الحاكم فقال صحيح على شرط الشيخين وفي رواية الحاكم: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: "كل يمين يحلف بدون الله شرك".
(3)
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغير الله صادقا" رواه الطبراني موقوفا وقال المنذري رواته رواة الصحيح.
وقال بعض آهل العلم تعليقا على هذا الأثر، وذلك لأن الحلف بغير الله كفر أو شرك كما صرح به الحديث السابق، والحلف بالله وهو كاذب معصية ولها كفارة، وبين الأمرين فرق كما ترى.
(4)
وعن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "من حلف بالأمانة فليس منا" رواه أبو داود.
وهذه الأحاديث كما ترى صريحة الدلالة في عدم جواز القسم بغير الله، وأما حديث ابن عمر فصريح الدلالة على أن القسم بغير الله شرك.
ولتكون الفائدة أكمل أفيدكم بأن الحلف بغير الله من أنواع الشرك الأصغر الذي لا يخرج مرتكبه عن الملة إلا بضميمة معان أخرى، ويطلق عليه أهل العلم والفقه في الدين شرك دون شرك كما يقال كفر دون كفر وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق.. ومعرفة هذه
الأمور بالتفاصيل المذكورة في مواضعها مع أمثلتها أمر له أهميته ومن لم يعرف ذلك يغلب عليه التخبط والاضطراب كما رأيت.
والنوع الثاني: الشرك الأكبر الذي يخرج مرتكبه عن ملة الإسلام، وحقيقته، صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى أو بعبارة أخرى اتخاذ غير الله نداً ومعبوداً مع الله، لأن هذا التصرف يتنافى وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) كما لا يخفى على طالب علم.
ومن أنواع العبادة الاستغاثة وهي دعاء المضطر والذبح لغير الله تقربا ومن ذلك التشريع من التحريم والتحليل كما تقدم، وأرجو أن تعتبر هذه القطعة ملحقا للهدية وبالله التوفيق.
والبحث معروف في موضعه لدى طلاب العلم، وهو باب هام جدا ومع ذلك قد يخفى على كثير من المنتسبين إلى العلم والله المستعان.
وأما الحديث الذي فهم الشطي منه أن الرسول حلف بغير الله وحاشاه وهو الذي نهى عنه كما علمت، فالحديث في صحيح مسلم، وقد استشكل أهل العلم معناه ومراده، وموقفهم من مثل هذه النصوص التي ظاهرها التعارض أن يوفقوا بينها بما لديهم من الفقه في الدين، بالطريقة المعروفة عندهم في مادة (أصول الحديث) .
فالحديث الذي نحن بصدده صحيح، والأحاديث التي خالفها صحيحة أيضا، فكيف التوفيق بينها وبينه؟!!.
يجيب على هذا الاستشكال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري) وقد قيل في حقه (لا هجرة بعد الفتح) تعبيرا عن مكانته ومنزلته العلمية.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
فإن قيل ما الجامع بين هذا وبين النهي عن الحلف بالآباء، أجيب بأن ذلك كان:
(1)
قبل النهي، قلت: وعلى هذا القول يكون الحديث منسوخا ومعرفة الناسخ والمنسوخ أمر له أهميته لدى طلاب العلم.
(2)
أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف، كما جرى على لسانهم (عقرى- حلقى) يقال ذلك للمرأة إذا كانت مؤذية أو مشئومة، أي عقرها الله وحلقها حلقا، هذا أصل المعنى وجعلوا بعد ذلك يطلقون هذه الألفاظ دون قصد للمعنى الأصلي.
(3)
أو فيه إضمار (اسم الله) كأنه قال - (ورب أبيه) - وهذا النوع من الإضمار