المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌يا سبحان الله - الحكم على الشيء فرع عن تصوره

[محمد أمان الجامي]

الفصل: ‌يا سبحان الله

أيها القراء الكرام، أنشدكم الله أيّ صاحبي السوق على الحق؟!!

أما أحدهما فقد دعا الناس إلى أداء الصلاة بوضوء وبطهارة كاملة وبيّن للناس أن الطهارة شرط لصحة الصلاة، وقد نصح، وأما الآخر فقد أوهم الناس أن المهم والمطلوب اجتماع الناس في صعيد واحد تحت اسم (المسلمين) فيؤدون الصلاة على ما هم عليه قائلا:

لأننا نهينا عن التكلف، والدين يسر ولم يجعل الله علينا في الدين من حرج، يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، وهلم جرا إلى آخر تلك الفتوحات الجديدة.

هكذا أترك الحكم على صاحبي السوق للقراء وهم الحكم العدل إن شاء الله لأنهم من طلبة العلم في الجملة، ولأن الحق أبلج والباطل لجلج فهما لا يتشابهان. وبالله التوفيق.

ص: 284

‌يا سبحان الله

!

كم يخجل أو يحزن أن يتبع المرء هواه أو هوى جماعة معينة يريد إرضاءها فيسوق ما يشاء من الآيات والأحاديث محرفاً للنصوص ومحملاً لها ما لا تتحمل من المعاني!!، وهو نوع من السخرية بالنصوص وهو بالتالي دليل واضح على ضعف إيمان صاحب هذا التصرف لأنه لو كان يؤمن بالله حق الإيمان ويقدره سبحانه حق قدره ويحب رسوله حق المحبة ويقدره، لما تجرأ على هذا النوع من الإستدلال والتحريف والتضليل.

والله نسأل وباتباع نبيه نتوسل، أَن يعصمنا من الانحراف والإلحاد ويمسكنا هدى نبيه حتى نلقاه، إنه سميع قريب مجيب.

وبعد:

في نهاية هذه المناقشة التي قد تبدو حادة أحياناً بالنسبة لبعض الناس أرى لزاما على أن أوجه كلمة موجزة أرجو أن أكون فيها ناصحاً وصادقاً.

أوجه هذه الكلمة إلى إخواننا الدعاة في كل مكان، وتحت أي عنوان طالما يدعون إلى الله جميعا ويعملون لإظهار الحق والنصح لعامة المسلمين.

على كل داعية إذا كان ناصحا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم أن يسعى في أسباب توحيد صفوف الدعاة إلى الله بعيداً عن الأنانية وحب الزعامة وعشق المناصب، كما يسعى في منع أسباب التحزبات التي تؤدي إلى الخلافات والنزاعات الداخلية فتعرقل سير

ص: 284

الدعوة، بل تؤدي إلى بلبلة العوام وأشباه العوام الذين يجهلون موقع الحق، ولا يمكن بحال من الأحوال تحقيق الوحدة المنشودة والتي لا بد منها لنجاح الدعوة إلا بأمرين اثنين:

(1)

وحدة المصدر في معرفة (العقيدة الإسلامية) واعتماد ذلك المصدر وحده في بحث أي معنى من معاني العقيدة الإسلامية وعدم إغفاله، وبذلك تسلم عقيدة المسلم من الزيف والإلحاد والضلال وهذا المصدر هو الوحي، لا شيء ينافسه، وأما العقل فلا يكون، أساسا ولا يعطل، هكذا بالاختصار.

نقول هذا القول إستناداً إلى قوله عليه الصلاة والسلام "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي"، وقوله عليه الصلاة والسلام "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور" الحديث.

فالخروج على هذا المصدر في معرفة العقيدة وأحكام الشريعة والتماس الحق والهدى والفلاح في غيره ضلال بيّن لأن من سنة الله التي خلت في عباده أن من التمس الهدى في غير كتابه فإن الله يضله ولا يهديه سبيلا، وقد ورد في هذا المعنى أثر عن علي بن أبى طالب رضى الله عنه وهو يتحدث عن القرآن إذ يقول:"من التمس الهدى في غيره أضله الله".

(2)

توحيد منهج العمل في سبيل الدعوة إلى الإسلام ولا يوجد منهج أمثل وأصلح، بل لا يوجد منهج صالح غير منهج سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن اقتفى أثرهم وعمل عملهم، لأن واضع هذا المنهج هو رسول الهدى عليه الصلاة والسلام والرغبة عن منهجه تتنافى والإيمان به قطعاً، والذين نقلوه هم أولئك السادة الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وأهلهم للخلافة عنه عليه الصلاة والسلام، أَبو بكر وعمر وعثمان وعلي وإخوانهم رضوان الله عليهم.

فهل يوجد مسلم يعتقد عدم صلاحية هذا المنهج؟!!.

من هنا نعلم أن بض التصريحات التي يدلي بها بعض المفتونين بالغرب أو بالشرق وقوانينهم (بأن الإسلام ليس فيه ما يحل المشاكل المعاصرة) لا يفسر إلا بالكفر بالإسلام وبرسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، ضرورة أنه لا يكون اليوم دينا وهدى وصلاحاً وبراًَ ما لم يكن كذلك في عصر الوحي وقد صدق الإمام مالك، حيث يقول:"لا يصلح أخر هذه الأمة إلا ما أصلح أَولها". وكلنا نعلم أنما صلح أول هذه الأمة بالتمسك بهدى نبيهم دون تغيير أو تبديل، لأن الله قد أكمل الدين وأَتم النعمة على المسلمين قبل أن يقبض إليه نبيه محمداً عليه الصلاة والسلام إذ يقول سبحانه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}

ص: 285

وهؤلاء السادة الذين حملوا إلينا هذا الدين هم خير هذه الأمة بشهادة رسول الله لهم عليه الصلاة والسلام "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".

ولو وافق الدعاة جميعا للرجوع إلى هذا المنهج الأصيل والتقيد به في دعوتهم وعملوا به في أنفسهم أولا عقيدة وعبادة وسلوكاً، لكان خيراً وبركة على الأمة، ووقاية لهم من كل شر. وقد صدق من قال:

(وكل خير في اتباع من سلف

وكل شر في ابتداع من خلف)

ويوم أن تلتقي دعوة الدعاة عند هذين العنصرين بتوفيق الله، يومئذ يتمتع المجتمع الإسلامي المعاصر ببركة اتباع السنة التي كان عليها سلف هذه الأمة لتغيير حياتهم وليعيشوا حياة غير هذه الحياة وليس ذلك على الله بعزيز.

والتاريخ خير شاهد لما قلت، ولست أتكلف لضرب الأمثلة لما ذكرت أَكثر من أن أشير إشارة إلى تلك الدعوة الفتية والتي نستظل اليوم بظلها ونرى أثرها واضحاً في هذا البلد والتي جددت للناس دينهم وعقيدتهم في القرن الثاني عشر، ناهجة منهج السلف الصالح.

وقد هاجمت تلك الدعوة الجاهلية بألوانها وأشكالها في باب العقيدة والعبادة والأحكام، ودعت إلى إخلاص العبادة لله وحده وتجريد المتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وأن يكون الحكم لله وحده في أرضه وبين عباده، فعلت الدعوة كل ذلك دون إلتفات إلى ما يترتب على ذلك من عداء عالمي إيماناً من حملة تلك الدعوة بأن الله معهم وسوف يجعل العاقبة لهم، لأن العاقبة للمتقين دائماً. بدأت الدعوة عملها في شرقي شبه الجزيرة ثم شملتها كلها حتى شع نشرها على أنحاء العالم شرقاً وغرباً، وقد هاجت الدنيا فقامت وقعدت وصرخت في وجه الدعوة الجديدة والمجددة زاعمة أنها جاءت بدين جديد يخالف دين الآباء.

وأصحاب الدعوة الجديدة لا يلتفتون إلى هذا الهيجان والصراخ بل هم ماضون في دعوتهم، وكأني بهم وهم يقولون:"ليس كل من ينبح عليه الكلب لصا" كما يقولون: وهذه الدعوة الشجاعة والفريدة في ذلك القرن وما بعده قد بارك الله فيها حتى قامت بها دولة إسلامية في قلب الجزيرة واتخذت القرآن دستوراً لها، إيماناً منها بأنه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ألا (وهي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مجدد القرن الثاني عشر. وذلك من بركات اتباع ذلك المنهج السلفي المبارك.

فعلى الدعاة الصالحين في الوقت الحاضر، أن يحذوا حذو هذه الدعوة المباركة، وأن يتأسوا بذلك الداعية في غيرته على دين الله وحرصه على نصح عباد الله، وصبره فيما لاقاه في

ص: 286

سبيل الدعوة إلى الله سبحانه وفي وضوحه وصراحته، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير ما يجازي به المصلحين الصابرين.

أيها الدعاة سيروا على بركة الله في أداء واجب الدعوة لعباد الله مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقتفين آثار أصحابه دون تبديل أو تغيير للخطة الأصلية، اللهم إلا ما كان من أسلوب يتطلبه الوقت والمكان- والله المستعان-.

والخير أردت، والنصح قصدت، والله من وراء القصد.

وصلى الله وسلم وبارك على إمام الدعاة الصالحين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

ص: 287