المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فوائد إخراج دليل النتاج العلمي للأسرة: - الحمادية

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

الفصل: ‌فوائد إخراج دليل النتاج العلمي للأسرة:

‌فوائد إخراج دليل النتاج العلمي للأسرة:

1.

التَّعَبُّدُ للهِ تبارك وتعالى بِالْدِّلَالَةِ عَلَى الْعِلْمِ.

2.

الْبِرُّ بِالأَمْوَاتِ رحمهم الله مِنَ الآبَاءِ، وَالأَجْدَادِ.

3.

وَصْلُ خَصَائِصِ الْأَجْدَادِ بِخَصَائِصِ الْأَحْفَادِ، وَإِنَّهَا لَصِلَةٌ مَرْعِيَّةُ الْأَنْسَابِ، مَبْرُوْرَةُ الْعُهُوْدِ، مُحْكَمَةُ الْوَثَائِقِ؛ لِيَحْصُلَ بَيْنَهُمَا مَا يَكُوْنُ مِنْ الْتِقَاءِ الْسَّالِبِ بِالْمُوْجَبِ فِيْ الْقَوَانِيْنِ الْكَهْرَبَائِيَّةِ: حَرَكَةٌ، وَضَوْءٌ، وَحَرَارَةٌ.

(1)

، «وَأَحَقُّ الْنَّاسِ بِالْمَعَالِيْ مَنْ كَانَ فِيْهَا عَرِيْقَاً، وَلَايَكُوْنُ الْمَرْءُ خَلِيْقَاً بِهَا إِلَّا إِذَا كَانَ أَبُوْهُ بِهَا خَلِيْقَاً؛ وَإِذَا زَكَتْ أُصُوْلُ الْشَّجَرِ؛ زَكَتْ فُرُوْعُهُ، وَلَا يَعْذُبُ مَذَاقُ الْمَاءِ إِلَّا إِذَا طَابَ يَنْبُوْعُهُ» .

(2)

4.

الْأنَفَةُ لِلْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَالْأَعْمَامِ = لِلْحَمَادَى مِنْ تَهَضُّمٍ أَوْ خُمُوْلٍ.

(3)

(1)

اقتباس من «آثار البشير الإبراهيمي» (2/ 153) و (4/ 103).

(2)

«الوشي المرقوم» للضياء ابن الأثير (ص 240).

(3)

انظر في المعنى: «أدب الدنيا والدين» للماوَرْدي (ص 244 ـ 245).

ص: 21

5.

صِلَةُ الأَرْحَامِ، وَمَا أَعْظَمَهَا مِنْ صِلَةٍ أَنْ يُنْشَرَ دَلِيْلٌ لِنِتَاجِ الأَجْدَاد، وَالْأَعْمَامِ وَأَوْلَادِهِمْ رِجَالَاً وَنِسَاءً.

6.

تَقْوِيَةُ أَوَاصِرِ الْقُرْبَى بَيْنَ الْحَمَادَى: الْقُرْبَى الْنَّسَبِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ، فَالْعِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ.

7.

نَشْرُ = تَسْوِيْقُ الْنِّتَاجِ الْعِلْمِيِّ.

8.

إِظْهَارُ الْتَّنَوُّعِ الْعِلْمِيِّ وَالْمَعْرِفِيِّ عِنْدَ الْحَمَادَى.

9.

تَحْفِيْزُ الْنَّاشِئَةِ مِنْ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا، لِلْعَمَلِ الْعِلْمِيِّ الْمُثْمِرِ.

10.

دُخُوْلُ أُسْرَتِنَا الْكَبِيْرَةِ «الْحَمَادَى» ضِمْنَ الْأُسَرِ الْعِلْمِيَّةِ، وَتَحْفِيْزُهَا لِإِنْشَاءِ مَرْكَزٍ عِلْمِيٍّ بِاسْمِهَا.

(1)

11.

الْدِّرَاسَاتُ الْعِلْمِيَّةُ حَوْلَ الْنِّتَاجِ.

12.

لَاْ أَقُوْلُ بِأَنَّ هَذَا الْنِّتَاجَ الْعِلْمِيَّ لِلْحَمَادَى سَيَكُوْنُ مِنَ الْتَّارِيْخِ بِالْنِّسْبَةِ لِأَحْفَادِنَا، بَلْ دَخَلَ الْتَّارِيْخَ الْآنَ لَحْظَةَ صُدُوْرِهِ قَبْلَ أَنْ تَقْرَأَهُ، فَالْتَّارِيْخُ لِأَيِّ أُسْرَةٍ = عَشِيْرَةٍ = أُمَّةٍ، جُزْءٌ مِنْ مَرَاقِيْهَا، «وَالْمَرْءُ لَا يَكُوْنُ

(1)

لي مَقالٌ بعُنوان: «أيْنَ مَراكِزُ الأُسَرِ الْعِلْمِيَّةِ؟!» نُشِر في «صحيفة الجزيرة» =

«المجلة الثقافية» عدد (431) بتاريخ (7/ جمادى الأولى/ 1435 هـ).

ص: 22

كَيِّسَاً حَسَّاسَاً إِذَا أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ عَنْ مَاضِيْهِ، وَعَنْ مُسْتَقْبَلِهِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَبْحَثَ لِلْوُصُوْلِ إِلَى مَا يَقِفُهُ عَلَى الْصِّلَاتِ الَّتِيْ تَرْبِطُهُ بِأَجْدَادِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ، وَبِالْإِنْسَانِيَّةِ أَمْسٍ، وَبِالْإِنْسَانِيَّةِ غَدَاً، فَالْمَاضِيْ يُفَسِّرُ الْحَاضِرَ، وَهَذَا يَشْرَحُ الْغَابِرَ، كَمَا قَالَ الْعَارِفُوْنَ».

(1)

«وَمِنَ الْسُّنَنِ الْكَوْنِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ فِيْ سُقُوْطِ الْأُمَمِ وَعَدَمِ امْتِدَادِ الْعِزَّةِ وَالْرُّقِيِّ فِيْهَا: أَنْ يَنْسَى آخِرُهَا مَآثِرَ أَوَّلِهَا؛ فَيَنْقَطِعَ الْتَّيَّارُ الْدَّافِعُ؛ فَيَتَعَطَّلَ الْتَّقَدُّمُ» .

(2)

13.

الْمُسَاهَمَةُ فِيْ إِبْرَازِ جُزْءٍ مِنْ الْحَيَاةِ الْعِلْمِيَّةِ فِيْ بلادنا الغالية

«الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْسُّعُوْدِيَّةِ» .

14.

إِبْرَازُ شَيْءٍ مِنَ الْنِّتَاجِ الْعِلْمِيِّ لِمَنْطِقَةِ الْقَصِيْمِ، فَيَدْخُلُ هَذَا

«دَلِيْلُ الْنِّتَاجُ الْعِلْمِيِّ لِلْحَمَادَى» فِيْ: «مُؤَلَّفَاتِ أَهْلِ الْقَصِيْمِ» لِلْمَرْزُوْقِ، وَمَنْ سَيَكْتُبُ عَنْ الْحَيَاةِ الْعِلْمِيَّةِ فِيْ: بُرَيْدَةَ، وَالْبُكَيْرِيَّةَ، وَالْشِّقَّةِ، وَالْبُصْرَ، وَالْبَدَائِعَ، وَالْخَبْرَاءَ، وَغَيْرِهَا.

15.

سَيَكُوْنُ هَذَا الْدَّلِيْلُ بَاعِثَاً قَوِيَّاً لِطِبَاعَةِ مَالَمْ يُطْبَعْ تِجَارِيَّاً، أَوْ

(1)

«أقوالنا وأفعالنا» لكُرْد علي (ت 1372 هـ)(ص 234).

(2)

«آثار البشير الإبراهيمي الجزائري» (ت 1385 هـ)(4/ 309).

ص: 23

نَشْرِهِ تِقَنِيَّاً، فَالْدَلِيْلُ تَحْرِيْكٌ لِمُؤَلَّفَاتٍ حَبِيْسَةٍ، الْمُسْتَفِيْدُ الْأَوَّلُ مِنْ نَشْرِهَا: صَاحِبُهَا مَيْتَاً كَانَ، أَوْ حَيَّاً.

16.

نَشْرُ مَحَاسِنِ وَمَآثِرِ أُسْرَتِنَا الْكَبِيْرَةِ «الْحَمَادَى» ، فَإِنَّ الْمَآثِرَ تُؤْتِي ثِمَارَهَا إذَا غَادَرَتِ الْخَوَاصَّ، وَتَدَاوَلَهَا عَامَّةُ الْنَّاسِ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ

(ت 276 هـ) رحمه الله عَنْ قَبِيْلَةٍ لَيْسَ فِيْهَا شُعَرَاءُ: (صَارَتْ مَآثِرُهُمْ عِنْدَ خَوَاصِّ الْنَّاسِ دُوْنَ عَامَّتِهِمْ، وَالْشَّرَفُ وَالسُّؤْدَدُ مَعَ سَوَادِ الْنَّاسِ وَدَهْمَائِهِمْ).

(1)

وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ ــ أَيْضَاً ــ: (وَكَانَ الْقَبِيْلُ مِنَ الْعَرَبِ إِذَا نَشَأَ فِيْهِمْ غُلَامٌ فَقَالَ شَيْئَاً مِنَ الْشِّعْرِ، أَوْ رَجَزَ فِي حِدَاءِ بَعِيْرٍ، أَوْ مَتَحَ بِدَلْوٍ؛ سُرَّ بِهِ قَوْمُهُ، وَاسْتَبْشَرَتْ عَشِيْرَتُهُ، وَقَدَّمُوْهُ وَعَظَّمُوْهُ، وَرَشَّحُوهُ لِلْمُنَافَحَةِ عَنْهُمْ، وَالْدَّفْعِ عَنْ أَعْرَاضِهِمْ، وَأَتَاهُ الْأَقَارِبُ، وَالْمُجَاوِرُوْنَ).

(2)

قَالَ الْمُظَفَّرُ الْعَلَوِيِّ (ت 656 هـ) رحمه الله: (وَلَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ تَعُدُّ الشِّعْرَ خَطِيْرَاً، وَتَرَى الْشَّاعِرَ أَمِيْرَاً، فَإِذَا نَبَغَ فِيْ الْقَبِيْلَةِ شَاعِرٌ هُنِّئَتْ بِهِ،

(1)

«فضل العرب والتنبيه على علومها» لابن قتيبة (ص 153).

(2)

«فضل العرب» (ص 175).

ص: 24

وَحُسِدَتْ مِنْ سَبَبِهِ، لِأَنَّهُ يُنَافِحُ عَنْ أَنْسَابِهَا، وَيُكَافِحُ وَيُنَاضِلُ عَنْ

أَحْسَابِهَا).

(1)

كَذَلِكَ كَانَتْ الْعَشِيْرَةُ مِنَ الْعَرَبِ تَفْخَرُ بِصُدُوْرِ عَمَلٍ مِنْ فَرْدٍ وَاحِدٍ فِيْهَا، وَتَنْسِبُ الْمَأَثَرَةَ إِلَيْهَا كُلِّهَا، وَتَفْتَخِرُ بِهِ وَتُفَاخِرُ، «وَالْشَّرَفُ يَحْصُلُ لِلْشَّئِ إِذَا حَصَلَ لِبَعْضِهِ»

(2)

، وَ «شَرَفُ الْقَبِيْلَةِ بِشَرَفِ بَعْضِ أَفْرَادِهَا» .

(3)

قَالَ الجَاحِظُ (ت 255 هـ) رحمه الله: «

تُمْدَحُ الْقَبِيْلَةُ بِفِعْلٍ جَمِيْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا بِوَاحِدٍ مِنْهَا».

(4)

قَالَ الْشَّرِيْفُ الْمُرْتَضَى (ت 436 هـ) رحمه الله: (

فَعَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِيْ خِطَابِ الْأَبْنَاءِ بِخِطَابِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، وَخِطَابِ الْعَشِيْرَةِ بِمَا

(1)

«نَضْرةُ الإغرِيض» (ص 298).

قلتُ: أما في زماننا، فلم يَعُدِ الشِّعْرُ كما كان للقبائل والعشَائر سابقاً، وأصبح وُجُودُ: عالِمٍ مُتخصصٍ يجمعُ تاريخَها ونسبَها وأعلامَها وأخبارَها ووثائقَها ومؤلَّفاتِها ومقَالاتِها

، أبلغُ أثَرَاً وأكثرُ نفعاً، مع فائدة الشِّعر بلا شَك ولا رَيْب.

(2)

قاله ابن حجر في «فتح الباري» (6/ 543).

(3)

«التنوير شرح الجامع الصغير» للصنعاني (7/ 502).

(4)

«البخلاء» (ص 234).

ص: 25

يَكُوْنُ مِنْ أَحَدِهَا؛ فَيَقُوْلُ أَحَدُهُمْ: فَعَلَتْ بَنُوْ تَمِيْمٍ كَذَا، وَقَتَلَ بَنُوْ فُلَانٍ فُلَانَاً؛ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ وَالْفَاعِلُ وَاحِدَاً مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ

).

(1)

قَالَ ابْنُ جَرِيْرِ الْطَّبَرِيِّ (ت 310 هـ) رحمه الله: (وَالْعَرَبُ قَدْ تُخْرِجُ الْخَبَرَ إِذَا افْتَخَرَتْ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ مَا افْتَخَرَتْ بِهِ مِنْ فِعْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَتَقُوْلُ: نَحْنُ الْأَجْوَادُ الْكِرَامُ، وَإِنَّمَا الْجَوَادُ فِيْهِمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَغَيْرُ الْمُتكَلِّمِ الْفَاعِلُ ذَلِكَ).

(2)

وَسَبَبُ ذَلِكَ: أَنَّ مَقَامَ الْافْتِخَارِ مَقَامُ تَكَثُّرٍ، فَانْتَحَلَتِ الْجَمَاعَةُ فِعْلَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ، وَنَسَبُوهُ إِلَيْهِمْ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرَفَهُ وَمَحَاسِنَهُ عَائِدَةٌ عَلَى عَشِيْرَتِهِ أَوْ قَبِيْلَتِهِ.

(3)

هَذَا فِي الْرَّجُلِ الْوَاحِدِ الَّذِي قَدَّمَ خَيْرَاً يُشَرِّفُ عَشِيْرَتَهُ، فَمَا بَالُكَ

(1)

«أمالي المرتضى = غرر الفوائد» (2/ 224).

(2)

«جامع البيان» لابن جرير (8/ 270). وانظر: (10/ 631)، و (1/ 534).

(3)

«قواعد التفسير» للشيخ د. خالد السبت (1/ 315)، وانظر:«الأساليب العربية الواردة في القرآن الكريم وأثرها في التفسير من خلال جامع البيان للطبري» للشيخ: فواز الشاووش (ص 681 ــ 685).

ص: 26

بِهَذِهِ الْأَعْدَادِ الْغَفِيْرَةِ مِنْ الْحَمَادَى رِجَالَاً وَنِسَاءً، قَدَّمُوْا هَذِهِ الْمُؤَلَّفَاتِ وَالْبُحُوْثَ فِيْ شَتَّى الْمَجَالَاتِ؟!

وَكَيْفَ إِذَا أَضَفْتَ إِلَيْهِمْ غَيْرَهَمْ مِمَّنْ عَمِلَ أَعْمَالَاً مُشَرِّفَةً فِيْ نُصْرَةِ دِيْنِهِ، وَوَطَنِهِ، وَوُلَاةِ أَمْرِهِ، وَهُمْ عَدَدٌ جَمٌّ غَفِيْرٌ؟!

وَمَا زِلْتَ تَسْمُوْ لِلْمَكَارِمِ وَالْعُلَى

وَتَعْمُرُ عِزَّاً مُسْتَنِيْرَ الْمَوَارِدِ

إِذَا عُدَّ أَيَامُ الْمَكَارِمِ فَافْتَخِرْ

بِآبَائِكَ الْشُمِّ الْطِّوَالِ الْسَّوَاعِدِ

قَالَ أَبُوْ عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى (ت 209 هـ) رحمه الله: (قَوْلُهُ: الْشُمُّ الْطِوَالُ: الْمُرْتَفِعَةُ، وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لِلْشَّرَفِ وَالْكَرَمِ، أَيْ: أَنَّ حَسَبَهُمْ لَا يَبْلُغُهُ مَنْ يُفَاخِرُهُ).

(1)

وَاعْلَمْ يَابْنَ الْعَمِّ ــ أَعَزَّكَ اللهُ بِدِيْنِهِ ــ أَنَّ مَآثِرَ الْآبَاءِ مَآثرُ لِلْأَبْنَاءِ، وَالْعَكْسُ كَذَلِكَ، فَتَصِحُّ نِسْبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلآخَرِ، قَالَ ابْنُ جَرِيْرِ الطَّبَرِيُّ (ت 310 هـ) رحمه الله:(يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة، آية 47) أَنِّيْ فَضَّلْتُ أَسْلَافَكُمْ، فَنَسَبَ نِعَمَهُ عَلَى آبَائِهِمْ وَأَسْلَافِهِمْ إِلَى

(1)

«شرح نقائض جرير والفرزدق» لأبي عبيدة معمر بن المثنى (3/ 1067)، والبيتان لجرير «ديوانه» (2/ 605).

ص: 27

أَنَّهَا نِعَمٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ؛ إِذْ كَانَتْ مَآثِرُ الْآبَاءِ مَآثِرَ لِلْأَبنَاءِ، وَالْنِّعَمُ عِنْدَ الْآبَاءِ نِعَمَاً عِنْدَ الْأَبْنَاءِ، لِكَوْنِ الْأَبْنَاءِ مِنَ الْآبِاءِ).

(1)

قَالَ عَلِيُّ الْجُرْجَانِيُّ (ت 392 هـ) رحمه الله: (شَرَفُ الْوَالِدِ جُزْءٌ مِنْ مِيْرَاثِهِ، مُنْتَقِلٌ إِلَى وَلَدِهِ كَانْتِقَالِ مَالِهِ؛ فَإِنْ رُوْعِيَ وَحُرِسَ؛ ثَبَتَ وَازْدَادَ، وَإِنْ أُهْمِلَ وَأُضِيْعَ؛ هَلَكَ وَ بَادَ.

وَكَذَلِكَ شَرَفُ الْوَلَدِ يَعُمُّ الْقَبِيْلَةَ، وَلِلْوَالِدِ مِنْهُ الْقِسْمُ الْأَوْفَرُ

).

(2)

وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ (ت 468 هـ) رحمه الله أَنَّ فِي تَفْضِيْلِ الآبَاءِ شَرَفَاً لِلْأَبْنَاءِ.

(3)

قَالَ الْرَّاغِبُ الْأَصْبَهَانِيُّ (ت 502 هـ) رحمه الله: (وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَرِثُ مِنْ أَبَوَيْهِ آثَارَ مَا هُمَا عَلَيْهِ مِنْ جَمِيْلِ الْسِّيْرَةِ وَالْخُلُقِ وَقَبِيْحِهِمَا، كَمَا يَرِثُ مُشَابَهَتَهُمَا فِيْ خَلْقِهِمَا، وَلِهَذَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} (سورة الكهف، آية 82)، وَعَلَى نَحْوِهِ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ فِيْ الْتَّوْرَاةِ:

(1)

«جامع البيان» لابن جرير (1/ 629).

(2)

«الوساطه بين المتنبي وخصومه» (ص 373)، وعنه: ابن رشيق في «العمدة» (2/ 827).

(3)

«التفسير الوسيط» (1/ 133).

ص: 28

«إِنِّيْ إِذَا رَضِيْتُ بَارَكْتُ وَإِنَّ بَرَكَتِيْ لَتَبْلُغُ الْبَطْنَ الْسَّابِعَ، وَإِذَا سَخِطْتُّ لَعَنْتُ وِإِنَّ لَعْنَتِيْ لَتَبْلُغُ الْبَطْنَ الْسَّابِعَ» ؛ تَنْبِيْهَاً عَلَى أَنَّ الْخَيْرَ وَالْشَرَّ الَّذِيْ يَكْسَبُهُ الْإِنْسَانُ وَيَتَخَلَّقَ بِهِ؛ يَبْقَى أَثَرُهُ مَوْرُوْثَاً إِلَى الْبَطْنِ الْسَّابِعِ).

(1)

فَقَدْ يَكُوْنُ شَرَفُ الْقَبِيْلَةِ/الْأُسْرَةِ/الْبَلْدَةِ/ بِشَرَفِ رَجُلٍ مِنْهَا؛ رَفَعَ ذِكْرَهَا بِالْخَيْرِ، فَأَصْبَحَ شَرَفُه = عَمَلُهُ الْطَّيِّبُ نَسَبَاً لِعَقِبِهِ وَأُسْرَتِهِ وَقَبِيْلَتِهِ وَبَلْدَتِهِ. قَالَ أَعْرَابِيٌّ:(مُرُوْءَةُ الْرَّجُلِ فِيْ نَفْسِهِ نَسَبٌ لِقَوْمٍ آخَرِيْنَ، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ الْخَيْرَ؛ عُرِفَ لَهُ، وَبَقِيَ فِيْ الْأَعْقَابِ وَالْأَصْحَابِ، وَلَقِيَهُ يَوْمَ الْحِسَابِ).

(2)

وَنُسِبَ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْصَّادِقِ قَوْلُهُ: (مُرُوْءَةُ الْرَّجُلِ فِيْ نَفْسِهِ نَسَبٌ لِعَقِبِهِ وَقَبِيْلَتِهِ).

(3)

فَالْخَيْرُ الْمُمَيَّزُ الْكَبِيْرُ الَّذِيْ يَعْمَلُهُ الْإِنْسَانُ؛ يَكُوْنُ نَسَبَاً لِأَحْفَادِهِ وَعَشِيْرَتِهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَنْتُمْ أَحْفَادُ الْعَالِمِ الْفُلَانِيِّ، أَوْ الْكَرِيْمِ الْفُلَانِيِّ، أَوْ الْتَّاجِرِ الْمُحْسِنِ الْفُلَانِيِّ، أَوْ الْأَمِيْرِ الْصَّالِحِ الْفُلَانِيِّ، أَوْ مِنْ أُسْرَتِكُمِ

(1)

«تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين» ط. دار النفائس (ص 91).

(2)

«البصائر والذخائر» للتوحيدي (1/ 115).

(3)

«نثر الدر» للآبي (1/ 247).

ص: 29

وَعَشِيْرَتِكِمْ وَبَلْدَتِكُمْ الْعَالِمُ الْفُلَانِيِّ، أَوْ الْمُحْسِنُ الْفُلَانِيِّ؛ فَأَصْبَحَ تَمَيُّزُهُ نَسَبَاً لِعَشِيْرَتِهِ، وَلِأَهْلِ بَلْدَتِهِ.

إنَّ شُهْرَةَ الْأَجْدَادِ تَبْرُزُ فِيْ نَسَبِ الْأَحْفَادِ، قَالَ الزَّبِيْدِيُّ

(ت 1205 هـ) رحمه الله: (كَثِيْرَاً مَا يُنْسَبُ الْرَّجُلُ إِلَى جَدِّهِ؛ لِكَوْنِهِ أَشْهَرَ، أَوْ أَفْخَرَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَغْرَاضِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَا الْنَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبْ»).

(1)

مِثَالُهُ: الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُوْ الْقَاسِمِ ابْنِ مَنِيْعٍ الْبَغَوِيِّ (ت 317 هـ)، صَاحِبُ «مُعْجَمِ الْصَّحَابَةِ» مَنِيْعٌ نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ لِأُمِّهِ: أَحْمَدِ بْنِ مَنِيْعٍ، صَاحِبِ «الْمُسْنَدِ» .

(2)

(1)

«تاج العروس» (1/ 244).

(2)

«سير أعلام النبلاء» (14/ 440).

قولُ الزَّبِيدي ونسَبُ ابن منيع استفدتهما من بحث: «النِّسْبَةِ إلى الجَدِّ وأثرُها على الرواة والمَرويات» (ص 88) أ. د. يحيى البكري الشهري، نُشِرَ في مجلة جامعة أم القرى، مجلد (15)، عدد (27)، جمادى الثانية (1424 هـ).

ص: 30

أيها المؤمنون:

مَنْ اسْتَقَامَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّه عز وجل، وَأَحْسَنَ فِيْ الْخَيْرِ، وَأَحْسَنَ إِلَى عِبَادِ اللهِ تَعَالَى؛ ضَمَّ مَآثِرَ أَجْدَادِهِ التَّلِيْدَةِ إِلَى مَآثِرِهِ الْطَارِفَةِ الْحَمِيْدَةِ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

«تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا

فَقِهُوا

).

(1)

قَالَ النَّوَوِيُّ (ت 676 هـ) رحمه الله: (الْمَعَادِنُ: الْأُصُوْلُ. وَإِذَا كَانَتْ الأُصُوْلُ شَرِيْفَةً؛ كَانَتْ الْفُرُوْعُ كَذَلِكَ غَالِبَاً.

وَالْفَضِيْلَةُ فِيْ الْإِسْلَامِ بِالْتَّقْوَى، لَكِنْ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا شَرَفُ الْنَّسَبِ؛ ازْدَادَتْ فَضْلَاً).

(2)

قَالَ الْخَطَّابِيُّ (ت 388 هـ) رحمه الله: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَأَثَرَةٌ وَشَرَفٌ فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَفَقِهَ فِيْ الْدِّيْنِ؛ فَقَدْ أَحْرَزَ مَأَثَرَتَهُ

(1)

«صحيح البخاري» (3383) و (3493)، و «صحيح مسلم» (2526).

(2)

«شرح النووي على مسلم» (16/ 78).

ص: 31

الْقَدِيْمَةَ وَشَرَفَهُ الْتَّلِيْدَ إِلَى مَا اسْتَفَادَهُ مِنْ الْمَزِيْدِ بِحَقِّ الْدِّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ؛ فَقَدْ هَدَمَ شَرَفَهُ وَضَيَّعَ قَدِيْمَهُ).

(1)

قَالَ الْقَاضِيْ عِيَاضٌ (ت 544 هـ) رحمه الله: (أَصْلُ الْمَعَادِنِ: الْأُصُوْلُ الْشَّرِيْفَةُ تُعْقِبُ أَمْثَالَهَا وَيَسْرِي كَرَمُ أَخْلَاقِهَا إِلَى نَسْلِهَا، وَلَكِنْ لَا خِيَارَ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بِالْتُّقَى وَالْفِقْهِ، وَلَا فَضَيْلَةَ إِلَّا بِخِصَالِ الْشَّرِيْعَةِ، لَكِنْ مَنِ اتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ أَصْلٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَمِيْدِ الْأَخْلَاقِ شَرِيْفِ الْطِّبَاعِ

ــ وَهُوَ الْحَسَبُ ــ؛ كَمُلَتْ فَضِيْلَتُهُ، وَبَانَتْ مَرْتَبَتُهُ).

(2)

قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ (ت 560 هـ) رحمه الله: (شَبَّهَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْنَّاسَ بِالْمَعَادِنِ؛ لِأَنَّ الْمَعَادِنَ مِنْهَا مَا يُنْبِتُ الْذَّهَبَ، وَمِنْهَا مَا يُنْبِتُ الْنُّحَاسَ، فَالْنَّاسُ يَخْتَلِفُوْنَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُوْنَ صَالِحَاً، وَيَكُوْنُ مَا يَدْرُوْنَهُ فِيْ الْغَالِبِ عَلَى جِنْسِهِمْ، فَإِذَا بَدَرَ مَنْ لَا يُشَاكِلُهُمْ؛ اسْتَنْكَرُوْهُ،

(1)

«أعلام الحديث» (3/ 1578).

(2)

«إكمال المُعْلِم» (7/ 563)، وانظر:«شرح مسند الشافعي» للرافعي (3/ 428)، «المفهم» للقرطبي (6/ 227).

ص: 32

فَلِذَلِكَ قَالَ: {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} (سورة مريم، آية 25)

(1)

فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ هَذَا يَقَعُ فِيْ الْأَكْثَرِ، وَقَدْ نَدَرَ أَنْ يَأَتِيَ الْخَبِيْثُ مِنَ الْطَّيِّبِ، وَيَأَتِيَ الْطَّيِّبُ مِنَ الْخَبِيْثِ).

(2)

قَالَ ابْنُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ (ت 633 هـ) رحمه الله: (

فَالْنَّسَبُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْوَالِ الَّتِيْ يَكُوْنُ بِهَا الْكَمَالُ، وَطِيْبُ الْأَعْرَاقِ مُؤْذِنٌ بِكَرَمِ الْأَخْلَاقِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ إِلَى فَضْلِ الْذَّاتِ فَضْلُ الْمُقَدِّمَاتِ؛ كَمُلَتْ الْحَالَاتُ

).

(3)

قَالَ الْطِّيْبِيُّ (ت 743 هـ) رحمه الله: (فَالْتَّفَاوُتُ فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ بِحَسَبِ الْأَنْسَابِ، وَشَرَفِ الآبَاءِ، وَكرَمِ الْأَصْلِ؛ وَفِيْ الْإِسْلَامِ بِحَسَبِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، فَالْشَّرَفُ الْأَوَّلُ مَوْرُوْثٌ، وَالْثَّانِيْ مُكْتَسَبٌ). وقال: (إِذَا تَحَلَّى الْرَّجُلُ بِالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ؛ اسْتَجْلَبَ الْنَّسَبَ الْأَصْلِيَّ، فَيَجْتَمِعُ شَرَفُ الْنَّسَبِ مَعَ شَرَفِ الْحَسَبِ، انْظُرْ إِلَى الْمَنْقَبَةِ الْسَّنِيَّةِ كَيْفَ رَدَّ تَيَمُّنَهَا وَبَرَكَتَهَا

ص: 33

مَا رَفَعَهُ الْإِسْلَامُ مِنَ الْشَّرَفِ الْمَوْرُوثِ؟!

وفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَضِيْعَ الْمُسْلِمَ الْمُتَحَلِّيَ بِالْعِلْمِ أَرْفَعُ مَنْزِلَةً مِنَ الْشَّرِيْفِ الْمُسْلِمِ الْعَاطِلِ

).

(1)

قَالَ ابْنُ عُثَيْمِيْنَ (ت 1421 هـ) رحمه الله: (

فَفِيْ هَذَا دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَشْرُفُ بِنَسَبِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُوْنَ لَدَيْهِ فِقْهٌ فِيْ دِيْنِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْنَّسَبَ لَهُ أَثَرٌ، وَلِهَذَا كَانَ بَنُو هَاشِمٍ أَطْيَبَ الْنَّاسِ وَأَشْرَفَهُمْ نَسَبَاً، ومِنْ ثَمَّ كَانَ مِنْهُمْ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِيْ هُوَ أَشْرَفُ الْخَلْقِ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (سورة الأنعام، آية 124)، فَلَوْلَا أَنَّ هَذَا الْبَطْنَ مِنْ بَنِيْ آدَمَ أَشْرَفُ الْبُطُوْنِ، مَا كَانَ فِيْهِ الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَا يُبْعَثُ الْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم إِلَّا فِيْ أَشْرَفِ الْبُطُوْنِ وَأَعْلَى الْأَنْسَابِ).

(2)

(1)

«شرح المشكاة» (2/ 661 ــ 662).

(2)

«شرح رياض الصالحين» لابن عثيمين ــ ط. الثامنة عشرة ــ (1/ 500).

قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ (ت 728 هـ) رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (28/ 543): (إِنَّمَا يَفْضُلُ الْإِنْسَانُ بِإِيْمَانِهِ وَتَقْوَاهُ؛ لَا بِآبَائِهِ؛ وَلَوْ كَانُوْا مِنْ بَنِيْ هَاشِمٍ أَهْلِ بَيْتِ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَإنَّ اللهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدَاً حَبَشِيَّاً، وَخَلَقَ =

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْنَّارَ لِمَنْ عَصَاهُ وَلَوْ كَانَ شَرِيْفَاً قُرَشِيَّاً، وَقَدْ قال اللَّهُ تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (سورة الحجرات، آية 13).

وَفِيْ «الْسُّنَنِ» عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبيٍّ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ، وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ، إِلَّا بِالْتَّقْوَى. الْنَّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» .

وَفِيْ «الْصَّحِيْحَيْنِ» عَنْهُ أَنَّهُ قَاْلَ لِقَبِيْلَةٍ قَرِيْبَةٍ مِنْهُ: «إِنَّ آلَ أَبِيْ فُلَانٍ لَيْسُوْا بِأَوْلِيَائِيْ، إِنَّمَا وَلِيَّيَ اللهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِيْنَ» . فَأَخْبَرَ الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ مُوَالَاتِهِ لَيْسَتْ بِالْقَرَابَةِ وَالْنَّسَبِ؛ بَلْ بِالْإِيْمَانِ وَالْتَّقْوَى). (2)

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ ــ أَيْضَاً ــ: (

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُوْنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ قَرَابَةُ الْدِّيْنِ وَالْإِيْمَانِ وَالْتَّقْوَى. وَهَذِهِ الْقَرَابَةُ الْدِّيْنِيَّةُ أَعْظَمُ مِنْ الْقَرَابَةِ الْطِّيْنِيَّةُ، وَالْقُرْبُ بَيْنِ الْقُلُوْبِ وَالْأَرْوَاحِ أَعْظَمُ مِنَ الْقُرْبِ بَيْنِ الْأَبْدَانِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ أَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُوْنَ، وَأَمَّا أَقَارِبُهُ فَفِيْهِمُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَإِنْ كَانَ فَاضِلَاً مِنْهُمْ كَعَلِيٍّ، وَجَعْفَرَ، وَالْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ رضي الله عنهم، فَتَفْضِيْلُهُمْ بِمَا فِيْهِمْ مِنَ الْإِيْمَانِ وَالْتَّقْوَى، وَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، لَاْ بِمُجَرَّدِ الْنَّسَبِ، فَأَوْلِيَاؤُهُ أَعَظَمُ دَرَجَةً مِنْ آلِهِ، وَإِنْ صُلِّيَ عَلَى آلِهِ تَبَعَاً لَهُ؛ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ أَنْ يَكُوْنُوْا أَفْضَلَ مِنْ أَوْلِيَائِهِ الَّذِيْنَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِيْنَ هُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوْا فِيْ الْصَّلَاةِ مَعَهُ تَبَعَاً، فَالْمَفْضُوْلُ قَدْ يَخْتَصُّ بِأَمْرٍ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُوْنَ أَفْضَلَ مِنَ الْفَاضِلِ، =

ص: 35

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وَدَلِيْلُ ذَلِكَ أَنَّ أَزْوَاجَهُ هُمْ مِمَّنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِيْ «الْصَّحِيْحَيْنِ» ، فَقَدْ ثَبَتَ بِاتِّفَاقِ الْنَّاسِ كُلِّهِمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْهُنَّ كُلِّهِنِ). (2)

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّة أَيْضَاً رحمه الله كَمَا فِيْ «منهاج السنة النبوية» (8/ 218 ـ 220): (لَمْ يُثْنِ اللهُ عَلَى أَحَدٍ فِيْ الْقُرْآنِ بِنَسَبِهِ أَصْلَاً: لَا عَلَى وَلَدِ نَبِيٍّ، وَلَا عَلَى أَبِي نَبِيٍّ، وَإِنَّمَا أَثْنَى عَلَى الْنَّاسِ بِإِيْمَانِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ.

وَإِذَا ذَكَرَ صِنْفَاً وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ؛ فَلِمَا فِيْهِمْ مِنْ الْإِيْمَانِ وَالْعَمَلِ، لَا لِمُجَرَّدِ الْنَّسَبِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ ــ ذَكَرَهُمْ فِيْ الْأَنْعَامِ وَهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ــ قَالَ: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (سورة الأنعام، آية: 87). فَبِهَذَا حَصَلَتْ الْفَضِيْلَةُ بِاجْتِبَائِهِ سبحانه وتعالى، وَهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ، لَا بِنَفْسِ الْقَرَابَةِ.

وَقَدْ يُوْجِبُ الْنَّسَبُ حُقُوْقَاً، وَيُوْجِبُ لِأَجْلِهِ حُقُوْقَاً، وَيُعَلِّقُ فِيْهِ أَحْكَامَاً مِنَ الْإِيْجَابِ وَالْتَّحْرِيْمِ وَالْإِبَاحَةِ، لَكِنَّ الْثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيْدَ عَلَى الْأَعْمَالِ لَا عَلَى الْأَنْسَابِ

... ) إلخ كلامه المهم. وانظر أيضاً «منهاج السنة النبوية» (4/ 600).

وَقَال الإِمَامُ ابْنُ عُثَيْمِيْنَ (ت 1421 هـ) رحمه الله في «شرح رياض الصالحين» لابن عثيمين ــ ط. الثامنة عشرة ــ (2/ 751): (

الْحِكْمَةُ مِنْ أَنَّ اللهَ جَعَلَنَا شُعُوْبَاً وَقَبَائِلَ، لِأَجْلِ أَنْ يَعْرِفَ بَعْضُنَا بَعْضَاً، هَذَا عَرَبَيٌّ، وَهَذَا عَجَمِيٌّ، هَذَا مِنْ بَنِيْ تَمِيْمٍ، وَهَذَا مِنْ قُرَيْشٍ، هَذَا مِنْ خُزَاعَةَ، وَهَكَذَا.

فَاللهُ جَعَلَ هَذِهِ الْقَبَائِلُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَعْرِفَ بَعْضُنَا بَعْضَاً، لَا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَفْخَرَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، فَيَقُوْلُ: أَنَا عَرَبِيٌّ وَأَنْتَ عَجَمِيٌّ، أَنَا قَبِيْلِيٌّ وَأَنْتَ غَيْرُ قَبِيْلِيِّ، أَنَا غَنِيٌّ وَأَنْتَ

ص: 36

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فَقِيْرٌ، هَذَا مِنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ـ وَالْعِيَاذُ بِاللهِ ــ، لَمْ يَجْعَلِ اللهُ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ إِلَّا مِنْ أَجْلِ الْتَّعَارُفِ لَا مِنْ أَجْلِ الْتَّفَاخُرِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام:«إِنَّ اللهَ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ: مُؤُمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ؛ أَنْتُمْ بَنُوْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابِ» .

فَالْفَضْلُ فِيْ الْإِسْلَامِ بِالْتَّقْوَى، أَكْرَمُنَا عِنْدَ اللهِ هُوَ أَتْقَانَا لِلهِ عز وجل، فَمَنْ كَانَ لِلهِ أَتْقَى؛ فَهُوَ عِنْدَ اللهِ أَكْرَمُ.

وَلِكَنْ يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ بَعْضَ الْقَبَائِلِ أَوْ بَعْضَ الْشُّعُوْبِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، فَالْشَّعْبُ الَّذِيْ بُعِثَ فِيْهِ الْرَّسُوْلُ عليه الصلاة والسلام هُوَ أَفْضَلُ الْشُّعُوْبِ، شَعْبُ الْعَرَبِ أَفْضَلُ الْشُّعُوْبِ، لِأَنَّ اللهَ قَالَ فِيْ كِتَابِهِ:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (سورة الأنعام، آية 124).

وَقَالَ الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْنَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِيْ الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوْا» .

وَلَا يَعْنِيْ هَذَا إِهْدَارَ الْجِنْسِ الْبَشَرِيِّ بِالْكُلِّيَّةِ، لِكَنْ الْتَّفَاخُرَ هُوَ الْمَمْنُوْعُ، أَمَّا الْتَّفَاضُلُ فَإِنَّ اللهَ يُفَضِّلُ بَعْضَ الْأَجْنَاسِ عَلَى بَعْضٍ، فَالْعَرَبُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، جِنْسُ الْعَرَبِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْعَجَمِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ الْعَرَبِيُّ غَيْرَ مُتَّقٍ وَالْعَجَمِيُّ مُتَّقِيَاً، فَالْعَجَمِيُّ

عِنْدَ اللهِ أَكْرَمُ مِنَ الْعَرَبِيِّ).

ص: 37

فَالْأُصُوْلُ الْنَّسَبِيَّةُ وَالْأَحْسَابُ الْرَّضِيَّةُ؛ مَرْعِيَّةٌ خَاصَّةً إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا الْتَّقْوَى وَالْصَّلَاحُ وَالْعِلْمُ الْشَّرْعِيُّ وَنَفْعُ الْمُسْلِمِيْنَ.

(1)

لِذَا، بِإِحْسَانِكُمْ أَيُّهَا الْحَمَادَى تَزِيْدُوْنَ آبَاءَكُمْ وَأَجْدَادَكُمْ شَرَفاً، كَمَا أَنَّهُمْ زَادُوْكُمْ شَرَفَاً، قَالَ الْمُحِبُّ الْطَّبَرِيُّ (ت 694 هـ) رحمه الله:(إِنَّ شَرَفَ الْأَبْنَاءِ مَنْقَبَةٌ لِلآبَاءِ كَعَكْسِهِ، وَلَمْ تَزلْ الْعَرَبُ تَتَمَدَّحُ بِمَفَاخِرِ آبَائِهِمْ، فَلَا يَبْعُدْ فِيْ الْأبْنَاءِ مِثْلُه، وَاللهُ أَعْلَمُ).

(2)

«وَكَمَا يَشْرُفُ الْوَلَدُ بِشَرَفِ الْوَالِدِ، فَقَدْ يَشْرُفُ الْوَالِدُ بِشَرَفِ الْوَلَدِ، وَللهِ دَرُّ ابْنِ الْرُّوْمِيِّ فَيْ قَوْلِهِ:

(1)

انظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (7/ 362).

(2)

«الرياض النضرة» (1/ 265).

فائدة: أبو حيان التوحيدي، ومسكويه يُنكران أن الابن بأفعاله يُشرِّفُ آباءَه وأجدادَه، ويريان أن التشريف من الأب للابن لا العكس

«الهوامل والشوامل» لمسكويه

ــ ط. أحمد أمين، وأحمد صقر ــ (ص 197) رقم (80).

قلت: وليس بصحيح ماذكراه.

ص: 38

وَكَمْ أَبٍ قَدْ عَلَا بِابْنٍ ذُرَى حَسَبٍ

(1)

... كَمَا عَلَتْ بِرَسُوْلِ اللهِ عَدْنَانُ

(2)

إِذَنْ «قَدْ يَفِيْضُ شَرَفُ الْإِنْسَانِ حَتَّى يَسْتَطِيْلَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ مِنْ سَلَفِهِ؛ فتَحْيَا رُسُوْمُهُمْ بَعْدَمَا كَانَتْ دَائِرَةً، وَتَعْمُرُ رُبُوْعُهُمْ بَعْدَمَا كَانَتْ غَامِرَةً» .

(3)

فَـ «الْخَصْلَةُ الْحَمِيْدَةُ تَكُوْنُ مَفْخَرَةً لِمَنْ اتَّصَفَ بَهَا، وَلِمَنْ انتَسَبَ إِلَى مَنِ اتَّصَفَ بِهَا، فَيَشْرُفُ نَسَبُهُ بِذَلِكَ

وَالْمُنْتَسِبُ إِلَى الْأَشْرَفِ يَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ أَشْرَفَ».

(4)

و «فَخْرُ الآبَاءِ فَخْرٌ لِلْأَبْنَاءِ، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَعْرِفُوْا

نِعَمَ اللهِ عز وجل عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْمَآثِرِ، وَأَنْ يَقُوْمُوْا بِشُكْرِهَا وَذِكْرِها»

(5)

، وَأَنْ

(1)

كذا في «المحاضرات» لليوسي، وبعض كتب الأدب، ولفظه في «ديوان ابن الرومي» تحقيق: د. حسين نصار (6/ 2425): شَرَف

علا. وهو كذلك في غالب كتب الأدب.

(2)

«المحاضرات في اللغة والأدب» للحسن اليوسي (ت 1102 هـ)(1/ 57).

(3)

«المحاضرات في اللغة والأدب» لليوسي (1/ 74).

(4)

«المحاضرات في اللغة والأدب» (1/ 53 و 57).

(5)

«لباب التأويل» للخازن (ت 741 هـ)(1/ 40) بتصرف.

ص: 39

يَعْمَلُوْا بِهَا وَيَزِيْدُوْهَا، «وَالْشَّرَفُ يَتَجَدَّدُ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَيَزْدَادُ بِهِ الْشَّرَيْفُ شَرَفَاً» .

(1)

وَإذِا شَارَفْتَ

(2)

غَيْرَكَ بِعَرَاقَةِ الْأَصْلِ، وَفَرَاهَةِ الْحَسَبِ، فَلْيَكُنْ بِمَا يَقْتَرِنُهُ مِنْ اتِّسَائِكَ بِأَجْدَادِكَ وَقِيَامِكَ بِمَسَاعِيْهِمْ وَأَكْثَرْ؛ أَمَّا الْافْتِخَارُ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ، فَادِّعَاءٌ أَجْوَفُ لَا حَقِيْقَةَ لَهُ، وَهُوَ مِنْ طَبَائِعِ الْعَامَّةِ

لَا الْخَاصَّةِ.

(3)

وَلَنْ تَنْفَعُكَ عَرَاقَةُ الْأَصْلِ مَعَ ضَآلَةِ الْحَسَبِ! وَكَمْ مِنْ مَغْمُوْرِ الْنَّسَبِ، عَرِيْقٌ فَارِهُ الْحَسَبِ؟

وَ «لَا مِرَاءَ فِيْ أَنَّ الْأُبُوَّةَ لِلْمَسَاعِيْ لَا لِلْأَنْسَابِ، وَأَنَّ الْاعْتِزَاءَ إِلَى الْذِّكْرِ الْبَاقِيْ لَا إِلَى الْتُّرَابِ» .

(4)

(1)

«المحاضرات في اللغة والأدب» للحسن اليوسي (1/ 72) بتصرف يسير.

(2)

شارَفْتُ الرَّجُلَ: أي فاخَرْتُه أيُّنا أشرفُ. «الصحاح» للجوهري (4/ 1380).

(3)

انظر: «الهوامل والشوامل» لمسكويه (ص 342).

(4)

«الوشي المرقوم» للضياء ابن الأثير (ص 270).

ص: 40

أيُّهَا الحمَادَى ــ رَفَعَ اللهُ قَدْرَكُمْ ــ، إِنَّ مَا نُشَاهِدُهُ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْعِلْمِيَّةِ، وَالْعَمَلِيَّةِ، مَعَ الْنَّسَبِ وَالْحَسَبِ الْطَّيِّبِ أَصْلَاً وَفَرْعَاً، لَا يَدْعُوْنَا لِلْفَخْرِ وَالْتَّكَاسُلِ، بَلْ عَلَيْنَا أَنْ نَسْعَى فِيْ الْزِّيَادَةِ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالْتُّقَى، لِنَفْعِ أَنْفُسِنا وَرِفْعَتِهَا فِيْ الْدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَعَلَيْنَا الْتَّوَاصِي دَوْمَاً بِالْبُعْدِ عَنْ كُلِّ مَا يُكَدِّرُ هَذِهِ الْنَّتَائِجَ الْطَّيِّبَةَ الْمُتَوَارَثَةَ حِسِّيَّاً وَمَعْنَوِيَّاً، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ (ت 728 هـ) رحمه الله: ( .... فَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْأَنْسَابِ الْفَاضِلَةِ يُظَنُّ بِهِمُ الْخَيْرَ، وَيُكْرَمُوْنَ لِأَجْلِ ذَلِكَ. فَإِذَا تَحَقَّقَ مِنْ أَحَدِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ، كَانَتْ الْحَقِيْقَةُ مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَظِنَّةِ. وَأَمَّا مَا عِنْدَاللهِ فَلَا يَثْبُتُ عَلَى المَظَانِّ وَلَا عَلَى الدَّلَائِلِ، إِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ هُوَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْصَّالِحَةِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيْلٍ، وَلَا يَجْتَزِئُ بِالْمَظِنَّةِ؛ فَلِهَذَا كَانَ أَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَهُ أَتْقَاهُمْ.

فَإِذَا قُدِّرَ تَمَاثُلُ اثْنَيْنِ عِنْدَهُ فِيْ الْتَّقْوَى؛ تَمَاثَلَا فِيْ الْدَّرَجَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوْ أَحَدِهِمَا أَوْ ابْنُه أَفْضَلَ مِنْ أَبِيْ الْآخَرِ أَوْ ابْنِهِ، لَكِنْ إِنْ حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ

ص: 41

نَسَبِهِ زِيَادَةٌ فِيْ الْتَّقْوَى؛ كَانَ أَفْضَلَ لِزِيَادَةِ تَقْوَاهُ

).

(1)

وَقَالَ رحمه الله: (

تُحْمَدُ الْأنْسَابُ الْفَاضِلَةُ؛ لِأنَّهَا مَظِنَّةُ عَمَلِ الْخَيْرِ؛ فَأَمَّا إِذَا ظَهَرَ الْعَمَلُ، فَالْجَزَاءُ عَلَيْهِ، وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عِنْدَاللهِ أَتْقَاهُمْ).

(2)

أيُّهَا الحمَادَى ــ أَسْعَدَكُمُ اللهُ وَأَسْعَدَ بِكُمْ ــ «إِنَّ شَرَفَ الْنَّسَبِ يُتَقَوَّمُ مِنْ شَرَفِ الْقَوْمِ وَشَرَفِ الْعَشِيْرَةِ، وَمِنْ نَزَاهَةِ سِلْسِلَةِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ عَنْ أَنْ يَلْتَصِقَ بِهِمَا مَا يَثْلُمُ ذَلِكَ الْشَّرَفَ، وَيَعُوْدُ نَقْصُهُ بِفَضَاضَةٍ فِيْ شَرَفِ الْخَلَفِ»

(3)

، وَ «الْأَنْسَابُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِ الْإِنْسَانِ حَتَّى يَكُوْنَ قُرْبَةً تَجُرُّ الْأَجْرَ، أَوْ مَفْخَرَةً تَرْفَعُ الْذِّكْرَ، وَإِنَّمَا يُثَابُ الْعَامِلُ عَلَى كَسْبِهِ وَيَفْخَرُ الْفَاخِرُ بِعَمَلِهِ» .

(4)

ص: 42

قَالَ الْطَّاهِرُ ابْنُ عَاشُوْرٍ (ت 1393 هـ) رحمه الله: (لَا يُعَدُّ الْنَّسَبُ مِنَ الْفَضَائِلِ الْذَّاتِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُعَدُّ فَضِيْلَةً مِنْ حَيْثُ هُوَ وَسِيْلَةٌ إِلَى نَمَاءِ الْفَضَائِلِ فِيْ الْنَّفْسِ الْمَطْبُوْعَةِ عَلَى الْفَضِيْلَةِ، وَقُدْوَةٌ لِلْخَلَفِ يَأَتَسُوْنَ بِهَا آثَارَ أَسْلَافِهِمْ فِيْ مُرْتَقَىْ الْكَمَالِ، فَيَحْصُلَ مِنْ ذَلِكَ كَمَالَانِ: كَمَالُ الْذَّاتِ وَكَمَالُ الْقُدْوَةِ؛ وَمِنْ حَيْثُ هُوَ قَاطِعٌ لِأَلْسِنَةِ الْحَاسِدِيْنَ الَّذِيْنَ يَحْسِدُوْنَ أَهْلَ الْكَمَالِ عَلَى كَمَالِهِمْ، وَالْمُعَانِدِيْنَ لِكُلِّ مَنْ يَدْعُوْهُمْ إِلَى خَلْعِ ذَمِيْمِ أَعْمَالِهِمْ، فَإِذَا لَمْ يَجِدُوْا مَغْمَزَاً فِيْمَنْ حَسَدُوْهُ وَعَانَدُوْهُ الْتَمَسُوْا لَهُ مَا يَحُفُّ بِهِ مِنَ الْعَوَارِضِ، وَلَا شَيْءَ يَحُفُّ بِالْمَرْءِ أَشَدُّ بِهِ تَعَلُّقَاً مِنْ حَالِ آبَائِهِ).

(1)

قَالَتْ الْأَدِيْبَةُ جَدِيْلَةٌ: «الْنَّسَبُ الْجَلِيْلُ أُعْطِيَةٌ رَبَّانِيَّةٌ، لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعْنَى لَمَا اصْطَفَى اللهُ تبارك وتعالى رَسُوْلَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَعْرَقِ الْأَنْسَابِ، لَكِنَّ آفَتَهُ: أَنَّهُ قَدْ يُكْسِبُ الْخَاوِيَ وَهْمَ الْفَوْقِيَّةِ وَهُوَ لَوْ بِيْعَ فِيْ سُوْقِ الْمَجْدِ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، مَا اشْتَرَاهُ أَحَدٌ

فَتَجِدُ الْعَارِيَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْخُلُقِ وَالْمُرُوْءَةِ يَزْدَرِيْ مَنْ زَيَّنَهُ اللهُ عز وجل بِهَذِهِ الْأَمْجَادِ؛ اتِّكَالَاً عَلَى مَحْتَدِهِ».

(2)

(1)

«جمهرة مقالات ورسائل الطاهر ابن عاشور» (2/ 513).

(2)

جديلة jadelah 10@ (19/ 12/ 1441 هـ).

ص: 43

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: «لَا يَكُوْنُ الْشَّرَفُ بِالْنَّسَبِ

(1)

! أَلَا تَرَى أَنَّ أَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ يَكُوْنُ أَحَدُهُمَا أَشْرَفَ مِنَ الْآخَرِ؟! وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ النَّسَبِ لَمَا كَان لأحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى الآخَرِ فَضْلٌ، لِأَنَّ نَسَبَهُمَا وَاحِدٌ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ الشَّرَفَ إِنَّمَا هُوَ بِالْفَضْلِ لَا بِالْنَّسَبِ». قَالَ الْشَّاعِرُ:

أَبُوْكَ أَبِيْ وَالْجَدُّ لَا شَكَّ وَاحِدٌ

وَلَكِنَّنَا عُودَانِ آسٌ وخِرْوَعُ

(2)

(1)

النسَبُ مَظِنَّةُ الشَّرَفِ، وانظر:«الأخلاق والسِّيَر» لابن حزم (ص 163) في حَدِيثٍ له جَميلٌ يُعالجُ فيه المُبتلى بالعُجْبِ بنسَبِه.

(2)

«المحاسن والأضداد» المَنْسُوبِ للجاحظ (ص 149)، و «المحاسن والمساوئ» لإبراهيم البيهقي (ص 102). قَالَ الأَصمعي كما في «لسان العرب» (8/ 68):

(وَكُلُّ نَبْتٍ ضعيفٍ يَتَثَنَّى أَيَّ نَبت كَانَ، فهو خِرْوَعٌ). والآسُ: شجر معروف، كثير بأرض العرب، ينمو حَتَّى يكون شَجَرَاً عِظاماً. انظر:«تاج العروس» (15/ 425).

فائدة (1): لاتصح نسبةُ كتاب «المحاسن والأضداد» للجاحظ، انظر تحقيق ذلك في كتاب «منهج تحقيق نسبة النص النثري» د. محمد علي عطا (ص 252 ــ 260).

فائدة (2): في الجامعة الأردنية رسالة ماجستير لعمر ذياب أبو هنية، بعنوان: «موازنة بين كتاب المحاسن والأضداد للجاحظ وكتاب المحاسن والمساوئ للبيهقي

ــ دراسة تحليلية ــ» تقع في (172 صفحة)، (1429 هـ).

ص: 44

إِنِّيْ أُحِيْلُكُمْ أَيُّهَا الْحَمَادَى عَلَى أَنْسَابِكُمْ فَهِيَ أَرْحَامٌ، وَعَلى دِيْنِكُمْ فَهُوَ عُرْوَةُ اعْتِصَامِ، وَعَلَى أَدَبِكُمْ وَمُرُؤْآتِكُمْ فَهِيَ قِوَامٌ، وَعَلَى خَصَائِصِكُمْ وَسِمَاتِكُمْ فَهِيَ شَرَفٌ وَذِمَامٌ. أَنْتُمْ أَبْنَاءُ عَمِّ قَرِيْبُوْنَ، رَحِمٌ مَاسَّةٌ، وَأَعْرَاضٌ مَحْفُوْظَةٌ، «الْقَرَابَةُ مَوْضِعُ الْثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عِنْدَ اللهِ، وَالْعِرْضُ مَحَلُّ الْمَدْحِ وَالْذَّمِّ عِنْدَ الْنَّاسِ»

(1)

، فَحَافِظُوْا عَلَى سُمْعَتِكُمْ، وَقُوْمُوْا عَلَى الْمُرُوْءَةِ وَالْآدَابِ فِيْ خَطٍّ مُسْتَقِيْمٍ، كَاسْتِقَامَةِ قُلُوْبِكُمْ، فَاللهَ اللهَ

آلَ الْحُمَيْدِيِّ بِخِلَالٍ وَخِصَالٍ، وَهِمَمٍ تَتَشَقَّقُ عَنْ فِعَالٍ، نُرِيْدُ بِنَاءَ مَآثِرَ، وَتَشْيِيْدَ أَمْجَادٍ وَمَحَامِدَ، نُرِيْدُ رُؤْيَةَ مَسَاعٍ مِنَ الْكِرَامِ إِلَى الْمَكَارِمِ، وَدَوَاعٍ مِنَ الْعُظَمَاءِ إِلَى الْعَظَائِمِ، نُرِيْدُ عَزَائِمَ لَا تَعْرِفُ الْهَزَائِمَ، وَعِزَّةً وَكَرَامَةً، وَشِدَّةً فِيْ الْحِفَاظِ وَصَرَامَةً، اللهَ اللهَ أَيُّهَا الْحَمَادَىَ بِطَمُوْحٍ وَجَمُوْحٍ: طَمُوْحٌ إِلَى مَنَازِلِ الْعِزِّ، وَجَمُوْحٌ عَنْ مَوَاطِنِ الْذُّلِّ، نُرِيْدُ رُجُوْلَةً وَبُطُوْلَةً، وَأَصَالَةً وَفُحُوْلَةً، وَطَبْعَاً أَصِيْلَاً، وَرَأَيَاً جَلِيْلَاً، وَلِسَانَاً بِالْبَيَانِ بَلِيْلَاً، وَعَقْلَاً عَلَى الْحِكْمَةِ دَلِيْلَاً.

(2)

(1)

«آثار البشير الإبراهيمي» (4/ 140).

(2)

اقتباس من «آثار الإبراهيمي» (4/ 268).

ص: 45

قَالَتْ الْأَدِيْبَةُ جَدِيْلَةٌ: (يُوْصَفُ طَرِيْقُ الْمَجْدِ دَائِمَاً أَنَّهُ شَاقٌّ مَحْفُوْفٌ بِالْمَكَارِهِ، مَعَ أَنَّ طَرِيْقَ الْكَسَلِ وَالْتَّوَانِيْ أَشَدُّ شُقَّةً وَعَذَابَاً مِنْهُ

لِكَنَّ مَكَارِهَ الْكَسَلِ مُؤَجَّلَةٌ، وَمَكَارِهَ الْمَجْدِ مُعَجَّلَةٌ فِيْ أَوَّلِهِ

كِلَا الْطَّرِيْقَيْنِ يَغْشَى سَالِكُهُمَا الْكَبَدَ وَالْعَنَاءَ، لَا رَاحَةَ عَلَى أَرْضِ الْدُّنْيَا، فَاخْتَرْ أَيَّ عَنَاءٍ شِئْتَ).

(1)

قَاْلَ شَكِيْبْ أَرْسَلَانْ (ت 1366 هـ) رحمه الله: (وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْحَقَائِقِ الْعِلْمِيَّةِ الْثَّابِتَةِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ وَالْحُكَمَاءِ، كَمَا هِيَ مُقَرَّرَةٌ عِنْدَ الْأُدَبَاءِ وَالْشُّعَرَاءِ: أَنَّ الْأَخْلَاقَ وَالْمُيُوْلَ وَالْنَّزَعَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ تُتَوَارَثُ كَمَا تُتَوَارَثُ الْأَمْرَاضُ وَالْأَعْرَاضُ الْصِّحِّيَّةِ، وَالْدِّمَاءُ الْجَارِيَةِ فِيْ الْعُرُوْقِ، فَقَدْ كَانَ لَابُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَنْسَابِ حَتَّى يَسْعَى كُلُّ فَرِيْقٍ فَيْ إِصْلَاحِ نَوْعِهِ بِطَرِيْقِ الْتَّرْقِيَةِ وَالْتَّهْذِيْبِ، ضِمْنَ دَائِرَةِ الْدَّمَوِيَّةِ، بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِهَا الْفِطْرِيِّ؛ لِأَنَّ الْاجْتِهَادِ فِيْ تَنْمِيَةِ الْقَرَائِحِ الْطَّبِيْعِيَّةِ وَالْمَوَاهِبِ الْلَّدُنِيَّةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُثْمِرَ ثَمَرَهُ فِيْ قَبِيْلٍ إِذَا جَاءَ مُعَاكِسَاً لِاسْتِعْدَادِهِ الْفِطْرِيِّ، وَهَذِهِ الْاسْتِعْدَادَاتُ

(1)

جديلة jadelah 10@ (8/ 3/ 1442 هـ).

ص: 46

أَحْسَنُ دَلِيْلٍ عَلَيْهَا هُوَ عِلْمُ الْأَنْسَابِ).

(1)

وَهَذَا مَا يُقَالُ عَنْهُ: الْعِرْقُ دَسَّاسٌ = نَزَّاعٌ، وُيَسَمِّيْ بَعْضُهُمْ مِيْرَاثَ الْأَبْنَاءِ طَبَائِعَ الْأَجْدَادِ: قَانُوْنَ الْرَّجْعَةِ، أَوْ مُمَاثَلَةَ الْجُدُوْدِ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعُوْدُ عَلَى صُوْرَةِ أَجْدَادِهِ الْأَوَّلِيْنَ كَمَا قَالَهُ كُرْدْ عَلِيِّ

(ت 1372 هـ) رحمه الله، وَقَالَ أَيْضَاً:«وَقَلَّ أَنْ تَخَلَّفَتْ قَاعِدَةُ الْوِرَاثَةِ حَتَّى بَعْدَ قُرُوْنٍ طَوِيْلَةٍ» .

(2)

وَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ تَخَلُّفَ طِبَاعِ الْفُرُوْعِ عَنِ الْأُصُوْلِ عَلَامَةَ هُجْنَةٍ وَدَخَنٍ.

(3)

(1)

«الأنساب» طُبعت ملحقاً بكتاب «الارتسامات اللطاف = الرحلة الحجازية»

(ص 407).

(2)

«أقوالنا وأفعالنا» (155 ـ 161). وانظر في المعنى أيضاً: «جمهرة مقالات ورسائل الطاهر ابن عاشور» (2/ 519).

(3)

انظر: «آثار البشير الإبراهيمي» (3/ 410).

فائدة: قَالَ الْشَّيْخُ العَلَّامَةُ: بَكْرُ أَبُوْ زَيْدٍ رحمه الله في كِتَابِهِ «خَصَائِصُ جَزِيْرَةِ الْعَرَبِ»

(ص 93 ـ 94): (وَإِذَا كَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ مَحَا الْعَصَبِيَّةَ الْقَبَلِيَّةَ الْمَمْقُوْتَةَ، فَإِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى سَلَاسِلِ الْنَّسَبِ مَطْلُوْبَةٌ؛ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى نَقَاءِ الْنُّطَفِ وَأَنْسَابِهَا لَاْ تَعْنِيْ الْعَصَبِيَّةَ بِحَالٍ ...... إِلَى أَنْ قَالَ: وَاعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ لَهُ آثَارٌ حِسَانٌ فِيْ الْتَّرْبِيَةِ، وَعِزَّةِ الْدَّارِ، وَقِوَامِ الْأَخْلَاقِ، وَمَنَاهِجِ الْشَّرَفِ

).

ص: 47

وَالْعَرَبُ تَقُوْلُ: عِرْقُ الْسُّوْءِ يَنْجُثُ

(1)

وَلَو بَعْدَ حِيْنٍ. أَيْ: يُسْتَخْرج مِنْهُ مَا هُوَ كَامِنٌ فِيْهِ.

(2)

رُوِي عَن عُثْمَان بْنِ أَبِي العاص رضي الله عنه أنه قَالَ: «النَّاكِحُ مُغْتَرِسٌ، فَلْيَنْظُرْ أَيْنَ يَضَعُ غَرْسَهُ، فَإِنَّ عِرْقَ الْسُّوْءِ لَا بُدَّ أَنْ يَنْزِعَ وَلَوْ بَعْدَ حِيْنٍ» .

(3)

قَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيِّ لِبَنِيْهِ: «يَا بَنِيَّ، لَا يَغْلِبَنَّكُمْ جَمَالُ الْنِّسَاءِ عَنْ صَرَاحَةِ الْنَّسَبِ، فَإِنَّ الْمَنَاكِحَ الْكَرِيْمَةَ مَدْرَجَةٌ لِلْشَّرَفِ» .

(4)

إِذَنْ تُؤثِّرُ الْأَعْرَاقُ ــ حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ سَيِّئَةً ــ فِيْ الْأَحْفَادِ = الْوِرَاثَةِ، فَيَفْتَخِرُوْنَ بِحُسْنِهَا، وَيُهْجَوْنَ بِمَسَاوِئِهَا، وَيَتجَنَّبُهُمْ الْنَّاسُ لِأَجْلِهَا، لِذَا عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْحَمَادَىَ ــ أَكْرَمَكُمُ اللهُ بِطَاعَتِهِ، وَرَفَعَ قَدْرَكُمْ ــ أَنْ تُحَافِظُوْا عَلَى الْأَعْرَاقِ الْطَّيِّبَةِ الَّتِيْ تَنِضُّ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْشِّيَمِ وجَمِيْلِ الْطَّبَائِعِ،

(1)

النَّجَثُ: إبْرَازُ شَيْءٍ وَسَوْءَةٍ. «مقاييس اللغة» (5/ 400).

(2)

«جمهرة الأمثال» لأبي هلال العسكري (ت 395 هـ)(1/ 18).

(3)

«الاستيعاب» لابن عبدالبر (3/ 1036)، «تاريخ الإسلام» للذهبي (2/ 523).

(4)

انظر: «المعمرون والوصايا» لأبي حاتم السجستاني (ص)، «جمهرة الأمثال» لأبي هلال العسكري (1/ 18)، «أدب الدنيا والدين» (ص 253)، «بهجة المجالس»

(3/ 35).

ص: 48

وَأَنْ تُجَدِّدُوْا الْمَآثِرَ وَتُحْسِنُوْا، ثُمَّ تَعُوْدُوْا، ثُمَّ تَتَعَاهَدُوْهَا بِاسْتِمْرَارٍ؛ لِيَرِثَ أَحْفَادُكُمْ الْمَكَارِمَ وَالْسُّمْعَةَ الْطِّيِّبَةَ.

(1)

قَاْلَ شَكِيْبْ أَرْسَلَانْ (ت 1366 هـ) رحمه الله: (وَنَحْنُ لَوْ نَظَرْنَا إِلَى الْسَّبَبِ فِيْ حِفْظِ الْنَّسَبِ، لَا نَجِدْهُ مُنْحَصِرَاً فِيْ مَعْرِفَةِ الْتَّارِيْخِ، وَلَا فِيْ الْامْتِيَازَاتِ الْمَادِّيَّةِ الَّتِيْ يَحُوْزُهَا أَصْحَابُ الْنَّسَبِ فِيْ الْعَادَةِ، وَلَكِنْ هُنَاكَ غَرَضٌ آَخَرَ مِنْ ذَا وَ ذَا، وَهُوَ: تَوَارُثُ الْأَخْلَاقِ الَّتِيْ تَهْتِفُ بِالْفَضَائِلِ وَالْأَفْعَالِ الْمَجِيْدَةِ الَّتِيْ تُزَكِّيْ الْأَنْفُسَ.

فَمِنَ الْمَعْلُوْمِ أَنَّ أَصْلَ الْبُيُوْتِ الْشَّرِيْفَةِ هُوَ أَنْ يَبْرُعَ أَحَدُ الْنَّاسِ عَلَى أَقْرَانِهِ، وَيَبُذَّ أَبْنَاءَ زَمَانِهِ بِطَبِيْعَةٍ مُمْتَازَةٍ فِيْهِ، قَدْ تَكُوْنُ أَسْبَابُهَا الْنَّفْسِيَّةِ مَجْهُوْلَةً، وَإِنَّمَا آثَارُهَا فِيْ أَفْعَالِهِ، فَيَمْتَازُ بَيْنَ قَوْمِهِ، وَتَحْصُلُ لَهُ رِئَاسَةٌ وَسُؤْدَدٌ، وَيَشِيْعُ ذِكْرُهُ، وَيَرْتَفِعُ شَأَنُهُ، وَتَتَمَنَّى الْحَامِلُ أَنْ تَلِدَ مِثْلَهُ، وَهَذَا يُقَالُ لَهُ: الْمَجْدُ الْطَّرِيْفُ.

(1)

انظر: «الهوامل والشوامل» لمسكويه (ص 233)، ومقال للدكتور الطبيب: حامد الغوابي بعنوان: «الإرث التناسلي بين الطب والإسلام» في «مجلة الرسالة» العدد

(910).

ص: 49

وَبَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَعْقَبَ نَسْلَاً، اجْتَهَدَ نَسْلُهُ أَنْ يَقْتَدُوْا بِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، حَتَّى يَمْتَازُوْا بِالْأَخْلَاقِ الَّتِيْ امْتَازَ بِهَا أَبُوْهُمْ، وَيَحُوْزُوْا مِثْلَ مَا حَازَ مِنَ الْشَّرَفِ وَالْسُّؤْدَدِ، وَتَعِبَ رَهْطُهُمْ فِيْ تَقْوِيَةِ هَذِهِ الْرُّوْحُ فِيْهِمْ؛ طَمَعَاً فِيْ اسْتِبْقَاءِ هَذِهِ الْغَرَائِزِ الَّتِيْ أَوْرَثَهُمْ إِيَّاهَا سَلَفُهُمْ، وَهِيَ الَّتِيْ تُغْرِيْهِمْ بِالْفَضَائِلِ، وَتُبْعِدُهُمْ عَنِ الْرَّذَائِلِ، وَتَرْتَفِعُ بِهِمْ عَنْ سَفَاسِفِ الْأُمُوْرِ، وَيُقَالُ لِهَذَا: الْمَجْدُ الْتَّلِيْدُ.

وَلِهَذَا كَانَ مِنْ الْعَادَةِ أَنَّهُ إِذَا أَقْدَمَ أَحَدُ أَبْنَاءِ الْبُيُوْتَاتِ الْكَرِيْمَةِ عَلَى عَمَلٍ خَسِيْسٍ، كَانَ أَوَّلَ مَا يُقَرِّعُهُ الْنَّاسُ، وَيُهَيِّبُوْنَ بِهِ إِلَى الْتَّوْبَةِ مِنْهُ، أَنْ يَقُوْلُوْا لَهُ: أَفَلَسْتَ أَنْتَ ابْنَ فُلَانٍ؟! أَوْ مِنْ آلِ فُلَانٍ؟! أَيَجْمُلُ بِكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا هُوَ كَذَا وَكَذَا؟!! فَمَا تَرَكْتَ لِلْسُّوْقَةِ وَالْطَّغَامِ؟! وَأَشْبَاهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِيْ تَدُلُّ دِلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ الْأَصَالَةَ مَفْرُوْضٌ فِيْهَا أَنْ تَقْتَرِنَ بِالْنَّبَالَةِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: إِنَّ الْأَصِيْلَ فِيْ نَسَبِهِ يَنْبَغِيْ أَنْ يَكُوْنَ فَاضِلَاً فِيْ عَمَلِهِ، بَارِعَاً بِأَدَبِهِ، وَمَا جَاءَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يُعَدُّ شَاذَّاً.

فَإِذَا تَقَرَّرَ عِنْدَنَا هَذَا، تَقَرَّرَ أَنَّ حِفْظَ الْنَّسَبِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حِفْظِ الْفَضَائِلِ، وَإِمْتَاعِ الْمُجْتَمَعِ بِهَا، وَمَتَى كَثُرَتِ الْفَضَائِلُ فِيْ الْمُجْتَمَعِ؛ تَرَقَّتِ

ص: 50

الْأُمَّةُ وَعَرَجَتْ فِيْ سُلَّمِ الْنَّجَاحِ، وَأَصْبَحَتْ أُمَّةً عَزِيْزَةً غَالِبَةً؛ لِأَنَّ الْأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ هِيَ الْأَسَاسُ الَّتِيْ يُبْنَى عَلَيْهِ كَيْانُ الْأُمَمِ).

(1)

قَالَ الْبَشِيْرُ الْإِبْرَاهِيْمِيُّ الْجَزَائِرِيُّ (ت 1385 هـ) رحمه الله: (وَمَتَى شَعُرَ الْإِنْسَانُ الْصَّحِيْحُ الْفِطْرَةِ بِزَكَاءِ الْأَصْلِ وَطَهَارَةِ الْمَنْبَتِ؛ تَحَرَّكَتْ فِيْهِ نَوَازِعُ الْنَّخْوَةِ، وَهَاجَتْ بِهِ عُرُوْقُ الْأَصَالَةِ وَالْعِتْقِ، فَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيَةً لَهُ إِلَى الْعُزُوْفِ عَنِ الْدَّنَايَا، وَالْتَّعَلُّقِ بِأَسْبَابِ الْشَّرَفِ وَالْكَمَالِ، وُحُسْنِ الْتَأَسِّيْ فِيْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ. وَبَعْضُ هَذَا هُوَ سِرُّ سُلُوْكِ الْمُرَبِّيْنَ لِلْأُمَمِ فِيْ إِشْرَابِهَا تَارِيْخَهَا، وَاسْتِنَارَتِهَا بِسِيَرِ أَمْجَادِهَا وَأَبْطْاَلِهَا

).

(2)

إِنَّ عَرْضَ مَآثِرِ الْأَجْدَادِ الْطَّيِّبَةِ، وَنَقْلَ مَوَاقِفِهِمْ وَقَصَصِهِمْ؛ تَبْعَثُ عَلَى الْمُحَاكَاةِ، فَيَثْبُتَ الْخَيْرُ فِيْ الْأَبْنَاءِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ، «وَالْنُّفُوْسُ تُؤْخَذُ بِالْاحْتِذَاءِ وَالْمُحَاكَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا تُؤْخَذُ بِالْجِبِلَّةِ وَالْطَّبْعِ»

(3)

وَبِثَبَاتِهِ لَا يَحْتَاجُ

ص: 51

الْأَحْفَادُ إِلَى بَحْثٍ وَمُسَاءَلَةٍ عَنْ مَحَاسِنِ أَجْدَادِهِمْ، مَادَامَتْ مُوَثَّقَةً حَرْفَاً وَصَوْتَاً، فَمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِبَانَتِهِ إِلَّا أَنْ يَسْمَعَ وَاعٍ فَيُطْرِقُ، وَيَرَى مُبْصِرُ فيُحْدِقُ مُسْتَبْشِرَاً، ثُمَّ يَرْتَعُ تَالِيَاً دَاعِيَاً مُسْتَحْفِظَاً.

قَالَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ (ت 67 هـ) رحمه الله: (لَا يَزَالُ الْعَرَبُ بِخَيْرٍ مَا تَذَاكرُوْا الْأَحْسَابَ وَأَحْيَوْهَا، وَأَخَذُوْا بِصَالِحِ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُهُمْ وَأَغْلَظُوْا وَلَمْ يَكُوْنُوْا فَوْضَى، وَتَعَايَرُوْا الْدَّنَاءَةَ، وَأَقَالُوْا الْأَحْيَاءَ، وَأَعْفَوْا الْأَمْوَاتَ، وَلَمْ يَعُدُّوا الْحِلْمَ ذُلَّاً).

(1)

قِيْلَ: لَا زِيْنَةَ أَحَسَنُ مِنْ زِيْنَةِ الْحَسَبِ، وَلَا حَسَبَ لِمَنْ لَا أَدَبَ لَهُ،

(2)

وَلَا أَدَبَ لِمَنْ لَا مُرُوْءَةَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ مِمَّنْ لَا حَسَبَ لَهُ؛ بَلَغَ بِهِ أَدَبُه مَرَاتِبَ ذَوِيْ الْأَحَسَابِ.

(3)

(1)

«أنساب الأشراف» للبلاذري (12/ 320).

(2)

وقالوا: لا حَسَبَ كحُسْنِ الخُلُق. «الأدب الصغير» لابن المقفع (ص 89).

(3)

«المروءة» للمرزبان (ص 59)، «موضح أوهام الجمع والتفريق» (2/ 310)، وانظر:«روضة العقلاء» (ص 232).

ص: 52

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (ت 110 هـ) رحمه الله ضِمْنَ نَصِيْحَتِهِ لِلْخَلِيْفَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيْزِ -رحمهما الله-: ( .... عَلَيْكَ بِذَوِي الْأَحْسَابِ، فَإنَّهُمْ إِنْ لَمْ يَتَّقوا اسْتَحْيَوْا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْيَوْا تَكَرَّمُوْا).

عَلَّقَ أَبُوْحَيَّانَ الْتَّوْحِيْدِيُّ رحمه الله بِقَوْلِهِ: صَدَقَ وَاللهِ الْحَسَنُ

ــ وَكَانَ صَدُوْقَاً ــ وَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ تَوَقَّى بِحَسَبِهِ مَا لَمْ يَتَوقَّهُ ذُوْ الْوَرَعِ بِوَرَعِهِ.

(1)

قَالَ الجَاحِظُ (ت 255 هـ) رحمه الله: (هَلْ الْمَجْدُ إلَّا كَرَمُ الْأَرُوْمَةِ وَالْحَسَبِ، وَبُعْدُ الْهِمَّةِ وكَثْرَةُ الأَدَبِ، وَالْثَّبَاتُ عَلَى الْعَهْدِ إِذَا زَلَّتْ الْأَقْدَامُ، وَتَوْكِيْدُ الْعَقْدِ إِذَا انْحَلَّتْ مَعَاقِدُ الْكِرَامِ، وَإِلَّا الْتَّوَاضُعُ عِنْدَ

(1)

«البصائر والذخائر» (2/ 26)، «محاضرات الأدباء» (1/ 695)، «ربيع الأبرار»

(5/ 163).

هذا، وإن من محاسن هذه المناشط العلمية والإعلامية التي مَنَّ الله عز وجل بإيجادها في الحمادى بدءاً من (18/ شعبان/ 1441 هـ) أن تُلفت انتباه الحمادَى كُلِّهُم، خَاصَةً الناشئة إلى الحسَب والصِّيتِ الذي ورِثوه، ليحافظوا عليه، وليكون وازعاً عما يكدِّر هذه السمعة الحسنة المباركة.

ص: 53

حُدُوْثِ الْنِّعْمَةِ، وَاحْتِمَالُ كُلِّ الْعَثْرَةِ، وَالْنَّفَاذُ فِيْ الْكِتَابَةِ، وَالْإِشْرَافُ عَلَى الْصِّنَاعَةِ.

وَالْكِتَابُ هُوَ الْقُطْبُ الِّذِيْ عَلَيْهِ مَدَارُ عِلْمِ مَافِيْ الْعَالَم وَآدَابِ الْمُلُوْكِ، وَتَلْخِيْصُ الْأَلْفَاظِ وَالْغَوْصُ عَلَى الْمَعَانِي الْسِّدَادِ ..... ).

(1)

ذُكِرَتِ البُيوتَاتُ عِنْدَ الْخَلِيْفَةِ الأُمَوِيِّ: هِشَامِ بْنِ عَبْدِالمَلِكِ

(ت 125 هـ) رحمه الله فَقَالَ: الْبَيْتُ مَا كَانَ لَهُ سَالِفَةٌ، وَلَاحِقَةٌ، وَعِمَادُ حَالٍ، وَمَسَاكُ دَهْرٍ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ بَيْتٌ قَائِمٌ.

أَرَادَ بِالْسَّالِفَةِ مَا سَلَفَ مِنْ شَرَفِ الْآبَاءِ، وَالْلَّاحِقَةِ مَا لَحِقَ مِنْ شَرَفِ الْأَبْنَاءِ، وَبِعِمَادِ الْحَالِ: الْثَّرْوَةُ، وَبِمَسَاكِ الدَّهْرِ: الْجَاهُ عِنْدَ الْسُّلْطَانِ.

(2)

فَالْحَسَبُ حَسَبُ الْنَّفْسِ، مَعَ الْاعْتِدَادِ بِحَسَبِ الْآبَاءِ، وَاحْتِسَابِهَا كَمَا سَبَقَ فِيْ قَوْلِ ابْنِ جَرِيْرِ الْطَّبَرِيِّ، وَلَا يَصِحُّ تَرْكُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، قَالَ عِزُّ الْدِّيْنِ الْأَزْدِيِّ الْمُهَلَّبِيُّ (ت 644 هـ) رحمه الله: (الْاقْتِصَارُ عَلَى مَآثِرِ

(1)

«المودة والخلطة» = رسائله (4/ 204).

(2)

«الشكوى والعتاب» للثعالبي (ص 250) رقم (768)، «ربيع الأبرار» للزمخشري (4/ 10)، «التذكرة الحمدونية» (2/ 28).

ص: 54

الْجُدُوْدِ وَأَفْعَالِ الْآبَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهَا مِنْ أَفْعَالِ الْنَّفْسِ؛ نَقْصٌ، وَتَرْكُ مَآثِرِ الْآبَاءِ مِنْ غَيْرِ اعْتَدَادٍ بِهَا؛ جَهْلٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛

فَضْلٌ

).

(1)

بِمَا سَبَقَ، وَغَيْرُهُ، حُقَّ لَنَا نَحْنُ الْحَمَادَى أَوَّلَاً، وَآلُ هُوَيْمِلٍ ثَانِيَاً، وَآلُ أَبِيْ رَبَّاعٍ

(2)

= «أُشَيْقِرْ» ثَالِثَاً، وَبَنُوْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ رَابِعَاً أَنْ نَفْرَحَ بِالْأَحْسَابِ وَالْمُنْجَزَاتِ، وَنَتَحَدَّثَ عَنْهَا كُلِّهَا حَامِدِيْنَ اللَّهَ عز وجل، شَاكِرِيْنَهُ مُثْنِيْنَ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، مُصَلِّيْنَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ.

ثُمَّ شَاكِرِيْنَ كُلَّ مَنْ قدَّم لِلْحَمَادَى خَيْرَاً مِنَ الْأَفْكَارِ وَالْمُخَطَّطَاتِ وَالْأَعْمَالِ الْجَلِيْلَةِ الْصَّادِقَةِ الْصَّالِحَةِ الْمُثْمِرَةِ خَيْرَاً لِلْجَمِيْعِ، فَجَزَى اللهُ خَيْرَ الْجَزَاءِ مَنْ قَدَّمَ لِلْحَمَادَى خَيْرَاً.

(1)

«المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي» (5/ 195).

(2)

آلُ أبي ربَّاع الذين خرجوا من بلدة «أشيقر» إلى «منطقة سدير» سنة (800 هـ تقريباً)، ويوجد أسماء مشابهة في مناطق أخرى من قبائل أخرى، وليسوا من بكر بن وائل.

ص: 55

أيُّهَا الحمَادَى ــ أَسْعَدَكُمُ اللهُ فِيْ الْدَّارَيْنِ ــ لَا يَظُنُّ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَنَّ هَذَا الْمَوْضُوْعَ مِنْ بَابِ الْفَخْرِ بِالْأَحْسَابِ، الَّذِي وَرَدَ الْنَّهْيُ فِيْهِ، كَمَا فِيْ حَدِيْثِ أَبِيْ مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ الْنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَرْبَعٌ فِيْ أُمَّتِيْ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُوْنَهُنَّ: الْفَخْرُ فِيْ الْأَحْسَابِ، وَالْطَّعْنُ فِيْ الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالْنُّجُوْمِ، وَالْنِّيَاحَةُ

».

(1)

هَذَا الْكِتَابُ «الْحَمَادية» ، مَا ذُكِرَ مِنْ بَابِ الْفَخْرِ بِالْأَحْسَابِ

(2)

، بَلْ

(1)

أخرجه مسلم في «صحيحه» رقم (934).

(2)

قال الزجاجي رحمه الله في «الأمالي» ــ ط. الغرب ــ (3/ 1363): (الحسب: الكرم والشرف، قال أهل اللغة: اشتقاق الحسَب من قولك: حسَبتُ الشئ إذا عددْتُه، فكأنه الذي يعُدُّ لنفسه مآثر وأفعالاً حسنة، أو يعُدُّ آباءً أشرافاً).

قال القاضي عياض رحمه الله في «مشارق الأنوار» (1/ 431): (أصل الحسَب الأَفعال الحَسَنةُ كأنها مَأخُوذَةٌ من الحِسَاب، كأنه تُحسَبُ لهُ خِصَالُه الكرِيمة.

وحسَبُ الرجُل آباؤه الكرام الذين تُعَدُّ مناقبُهم وتُحْسَبُ عِند المُفاخَرَة. والحَسْبُ والحَسَبُ: العَدُّ). قال ابن قتيبة رحمه الله في «أدب الكاتب» (ص 85): (الحسيب من الرجال الذي يَعُدُّ لنفسه مآثر وأفعالاً حسَنة، أو يعد آباء أشرافاً).

وفي «المصباح المنير» (1/ 134): (الحسَب: الفعال له ولآبائه، مأخوذ من الحِساب وهو عدُّ المناقب؛ لأنهم كانوا إذا تفاخروا حسَب كلُّ واحد مناقبَه ومناقبَ =

ص: 56

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

آبائه

).

قال أبو علي الحسن القيسي (ت في القرن 6 هـ) رحمه الله في كتابه «إيضاح شواهد الإيضاح» (1/ 68): (والمجد والكرم والشرف والحسب بمعنى واحد، ومن الناس من فرَّق بينهما، فقال: الشرَف والمَجدُ لا يكونان إلا في الآباء والأجداد، والكرم والحسَبُ يوصف بهما الرجل الذي له آباء أشراف، ويوصف بهما الرجل أيضاً الذي يشرُف بنفسِه.

وهذا التقدير تحكُّمٌ مِن قائله، لأن الشرفَ: مشتق من الإشراف والعلو، فكل مَن علا غيرَه بفَضْلٍ في نفسِه، أو في آبائه، فقد استَحَقَّ أن يُسمَّى شَرِيفاً.

وكذلك المَجْدُ: مِن قولهم: مَجَدَتْ الإبِلُ مُجُودَاً إذا شَبِعَتْ مِن الكَلأ، وأمجَدَهَا صاحِبُها، فكُلُّ مَن كَثُرَتْ مَنَاقِبُه، وحَسُنَتْ أفعَالُه، فهُو مَاجِدٌ).

قال المناوي رحمه الله في شرح الحديث كما في «فيض القدير» (1/ 462): (أي الشرفُ بالآباء، والتعاظم بعَدِّ منَاقِبهم ومآثرهم وفضائلهم؛ وذلك جَهْلٌ، فلا فَخْرَ إلا بالطاعة ولا عِزَّ لأَحَدٍ إلا بالله. والأحسَابُ: جمع حسَبٍ وهو: ما يعُدُّه المرءُ مِن الخصال لَهُ أو لآبائهِ مِن نحوِ شجَاعَةٍ وفَصَاحَةٍ).

وقال الشيخ سليمان بن عبدالله رحمه الله في «تيسير العزيز الحميد» (ص 389) في شرح الحديث: (أي: التشرف بالآباء والتعاظم بعدِّ مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم، وذلك جهل عظيم، إذ لا شرَف إلا بالتقوى كما قال تعالى:{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} .

و قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . وروى أبو داود عن أبي هريرة

ص: 57

لِأَهْدَافٍ سَبَقَ ذِكْرُهَا، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْفَخْرِ، فَهُوَ فِيْ الْفَخْرِ الْمَحْمُوْدِ بمَآثِرَ وَأَعْمَالِ الْأُسْرَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَ بِالْنِّتَاجِ الْعِلْمِيِّ الْطَّيِّبِ لِلْحَمَادَى، فَخْرَاً لَا يُقْصَدُ بِهِ الْتَّكَبُّرُ وَالْاسْتِعْلَاءُ وَالْرُّكُوْنُ إِلَيْهِ دُوْنَ الْجِدِّ وَالْاهْتِمَامِ فِيْ الْازْدِيَادِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللهِ عز وجل، وَالْفَرَحُ بِفَضْلِهِ، وَالْتَّذَكِيْرُ بِالْخَيْرَاتِ؛ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَالْازْدِيَادِ مِنْهَا، وَالْاسْتِفَادَةِ

مرفوعاً: «إنَّ اللهَ قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وفخرَها بالآباء مؤمنٌ تقِي، أو فاجرٌ شقي، الناسُ بنو آدم، وآدم من تراب، لَيَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوام إنما هُم فَحْمٌ من فَحْمِ جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن» .

والأحساب جمع حسَب وهو ما يَعدُّه الإنسانُ له ولآبائه من شجاعة وفصاحة ونحو ذلك).

أفاد الشيخ ابن باز رحمه الله في «شرح كتاب التوحيد» (ص 283) أن المنهي إذا كان للترفع على الناس، والتعاظم بين الناس.

قال الشيخ صالح الفوزان في «الملخص في شرح كتاب التوحيد» (ص 243) في معنى الفخر بالأحساب، أي:(التعاظم على الناس بالآباء ومآثرهم).

قلت: فعُلِم مما سبق أن المحذور في الفخر بالأحساب: إذا كان القصد التعاظم على الناس، والترفع عليهم، واحتقارهم. وانظر:«مرعاة المفاتيح» للمباركفوري

(5/ 465)، وعنه:«البحر المحيط الثجاج» للأثيوبي (18/ 263).

ص: 58

مِنْهَا، وَالْنَّفْعِ بِهَا، وَنَشْرِهَا.

قَالَ الْطِّيْبِيُّ (ت 743 هـ) رحمه الله: (الْمُفَاخَرَةُ نَوْعَانْ: مَذْمُوْمَةٌ وَمَحْمُوْدَةٌ، فَالْمَذْمُوْمُ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنَ الْفَخْرِ بِالْآبَاءِ وَالْأَنْسَابِ؛ لِلْسُّمْعَةِ وَالْرِّيَاءِ.

وَالْمَحْمُوْدُ مِنْهَا مَا ضُمَّ مَعَ الْنَّسَبِ الْحَسَبُ فِيْ الْدِّيْنِ، لَا رِيَاءً، بَلْ إِظْهَارَاً لِأَنْعُمِهِ تَعَالَى عَلَيْهِ).

(1)

عَلَى أَنَّ الْفَخْرَ لَيْسَ مَدْحَاً فِيْ كُلِّ صُوَرِهِ، نَعَمْ ذَكَرَ ابْنُ رُشَيْق

(ت 460 هـ تَقْرِيْبَاً) أَنَّ الْفَخْرَ هُوَ الْمَدِيْحُ نَفْسُهُ، لَكِنْ ثَمَّةَ مَنْ خَالَفَ كَالْرَّافِعِيِّ وَذَكَرَ أَنَّ حَقِيْقَةَ الْفَخْرِ (لَيْسَتْ مَدْحَاً كَمَا قِيْلَ، وَلَكِنَّهَا تَارِيْخٌ، وَسَوَاءٌ فِيْ مَعْنَى التَّارِيْخِ فَضِيْلَةُ الْفَرْدِ وَفَضِيْلَةُ الْجَمَاعَةِ ....

وَعَلَى هَذَا الْتَّأَوِيْلِ نَرَى الْفَخْرَ فِطْرَةً فِيْ الْعَرَبِ، فَلَا يَكَادُ الْسَّيِّدُ مِنْهُمْ يَأَتِيْ عَمَلَاً إِلَّا تَنَاوَلَهُ شَاعِرُ قَبِيْلَتِهِ وَفَخَرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لِسَانُ الْقَبِيْلَةِ وَمُؤَرِّخُ

(1)

«شرح المشكاة» (10/ 3145)، وانظر:«المنهاج في شعب الإيمان» للحَليمي

(3/ 11)، و «مسبوك الذهب» لمرعي الكرمي (ص 51 ـ 52).

ص: 59

أَحْسَابِهَا، وَإِذَا فَخَرَ أَحَدُهُمْ بِفَضِيْلَةٍ فِيْ نَفْسِهِ كَالْشَّجَاعَةِ أَوْ الْكَرَمِ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِنَّمَا يَكُوْنُ ذَلِكَ فِيْ مَعْرِضِ الْتَّذْكِيْرِ بِهَذِهِ الْفَضِيْلَةِ، وَاسْتِشْهَادِ التَّارِيْخِ الْحَيِّ عَلَيْهَا، أَوْ يَكُوْنُ تَوْطِيْنَاً لِنَفْسِهِ وَتَحْمِيْسَاً لَهَا بِمَا يُهَيِّجُ مِنْ كِبْرِيَائِهَا، كَمَا يُغَنِّيْ الْشُّجَاعُ فِيْ الْحَرْبِ، وَكَمَا يُنَبِّهُ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الْضَّرْبَةِ الْقَاضِيَةِ وَالْطَّعْنَةِ الْنَّافِذَةِ؛ وَهَذَا هُوَ بَابُ الْحَمَاسَةِ).

(1)

وَالْصَّوَابُ ــ وَاللهُ أَعْلَمُ ــ أَنَّ الْفَخْرَ لَايَأَخُذُ حُكْمَاً وَاحِدَاً مَدِيْحَاً أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنِّمَا يُحْكُمُ عَلَيْهِ حَسَبَ بَاعِثِهِ، وسِيَاقِهِ، وَالْقَرَائِنِ الْمُحْتَفَّةِ بِالْقَائِلِ وَالْمَقُوْلِ وَالْحَالِ؛ فَمِنْهُ: مَا هُوَ مَدْحٌ مَحْمُوْدٌ، وَمِنْهُ مَاهُوَ مَدْحٌ مَذْمُوْمٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ عَرْضٌ تَارِيْخِيٌّ مُجَرَّدٌ لا يُقْصَدُ فِيْهِ الْمَدِيْحَ، وَرُبَّمَا يَأَتِيْ الْفَخْرُ وَيُقْصَدُ بِهِ أَوَّلَ مَا يُقْصَدُ الْهِجَاءُ، كَمَنْ يُعَدِّدُ مَفَاخِرَ جَمَاعَةٍ فِيْ مَعْرِضِ الْحَدِيْثِ عَنْ جَمَاعَةٍ أُخْرَى

وَالْحَدِيْثُ هُنَا عَنْ مَآثِر الحَمَادَى، وَنِتَاجِهِمِ الْعِلْمِيِّ، جَاءَ لِلْدِّلَالَةِ وَالإِرْشَادِ، وَنَشْرِ الْعِلْمِ، وَتَذْكِيْرِ الْخَلَفِ مِنَ الْأُسْرَةِ بِفِعْلِ الْسَّلَفِ مِنْهَا،

(1)

«العمدة» (2/ 824)، «تاريخ آداب العرب» (3/ 69).

ص: 60

وَعَرْضٍ لِلْتَّارِيْخِ؛ خَاصَّةً أَنَّ ثَمَّةَ كِتَابَاً يُؤَلَّف عَنْهَا ــ كَمَا سَبَقَ ــ.

وَغَالِبُ هَذِهِ الْمَآثِرُ فِيْ هَذَا الْنِّتَاجِ إِنَّمَا هِيَ لِلْمُعَاصِرِيْنَ، تُذْكَرُ فَتُشْكَرُ ــ بَعْدَ حَمْدِ اللهِ وَشُكْرِهِ ــ، وَلِتُظْهِرَ اتِّصَالَ الْخَيْرِ مِنَ الْأَسْلَافِ الْصَّالِحِيْنَ، وَالْفَضْلُ أَوَّلَاً وَآخِرَاً وَظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً مِنَ اللهِ الْكَرِيْمِ الْوَهَّاب، فَرَحْمَةُ اللهِ وَمَغْفِرَتُهُ وَعَافِيَتُهُ عَلَى الْجَدِّ: الْحُمَيْدِيِّ بْنِ حَمَدٍ

(ت 1095 هـ تقريباً) وَعَقِبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

ذَكَرَ الْحَسَنُ الْيُوْسِيُّ (ت 1102 هـ) رحمه الله أَنَّ الْنَّاسَ فِيْ الْفَخْرِ بِالْحَسَبِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ، مُلَخَّصُهَا:

1.

رَجُلٌ كَانَ أَصْيْلَاً ثُمَّ قَامَ هُوَ أَيْضَاً يُشِيْدُ بُنْيَانَهُ، وَيَحُوْطُ بُسْتَانَهُ، كَالَّذِيْ قَبْلَهُ، فَهَذَا أَكْرَمُ الْنَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِكُلِّ مَفْخَرَةٍ.

2.

وَرَجُلٌ لَا أَصْلَ لَهُ يَنْتَمِيْ إِلَيْهِ، وَلَا حَسَبَ يُعَرِّجُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ انْتَهَضَ فِيْ اقْتِنَاءِ الْمَآثِرِ، وَاقْتِنَاصِ الْمَفَاخِرِ، حَتَّى اشْتُهِرَ بِمَحَاسِنِ الْخِلَالِ، وَصَارَ فِيْ عِدَادِ أَهْلِ الْكَمَالِ، وَأَنْشَدَ لِسَانُ حَالِهِ فَقَالَ:

*

وَبِنَفْسِيْ شَرُفْتُ لَا جُدُوْدِيْ

(1)

(1)

للمتنبي، وصدره: لا بقومي شرفتُ بل شرفوا بي *

ص: 61

فَهَذَا أَحْرَى أَنْ يَشْرُفَ بِوَصْفِهِ وَحَالِهِ، وَأَنْ يَشْرُفَ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ، وَأَنْ يَكُوْنَ هُوَ أَسَاسُ بَيْتِهِ، وَعِرْقُ شَجَرَتِهِ.

3.

وَرَجُلٌ لَهُ أَصْلٌ، وَقَدِيْمُ شَرَفٍ، ثُمَّ لَمْ يَبْنِهِ، وَلَمْ يُجَدِّدْهُ، وَهُوَ: إِمَّا أَنْ تَخْفَى عَوَامِلُهُ فَلَمْ يُبْنَ وَلَمْ يُهْدَمْ، مَعَ أَنَّهُ بِالْحَقِيْقَةِ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيْ زِيَادَةٍ فَهُوَ فِيْ نُقْصَانٍ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى غِمَارِ الْنَّاسِ فَلَا يُجَدِّدُ الْمَآثِرْ، وَلَا يَخْرُجْ إِلَى الْمَعَايِبِ، فَهَذَا لَا فَضِيْلَةَ لَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الْنَّسَبِ وَالْفَخْرُ الْعِظَامِيُّ كَمَا مَرَّ.

وَإِمَّا أَنْ يَهْدِمْهُ بِمُلَابَسَةِ ضِدِّ مَا كَانَ أَوَّلَاً، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ هَدَمَ الْدَّارَ ثُمَّ حَفَرَ الْبُقْعَةَ أَيْضَاً فَأَفْسَدَهَا؛ فَهَذَا مَذْمُوْمٌ بِمَا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَبِمَا جَنَى عَلَى حَسَبِهِ وَنَسَبِهِ

).

(1)

هَذَا، وَقَدْ رَدَّ الْرَّاغِبُ الْأَصْبَهَانِيُّ (ت 502 هـ) رحمه الله عَلَى مَنْ لَا يَرَى الْاعْتِدَادَ بِشَرَفِ الْآبَاءِ، وَذَكَرَ أَنَّ «كَرَمَ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ مَخِيْلَةٌ لِكَرَمِ الْمَرءِ وَمَظِنَّةٌ لَهُ، فَالْفَرْعُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَفْسُدُ أَحْيَانَاً، فَمَعْلُوْمٌ أَنَّ أَصْلَهُ

ص: 62

يُوْرِثُهُ الْفَضِيْلَةَ وَالْرَّذِيْلَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُوْنُ مِنَ الْنَّخْلِ الْحَنْظَلُ، وَلَا مِنَ الْحَنْظَلِ الْنَّخْلُ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْشَّاعِرُ:

وَمَا يَكُ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فَإنَّمَا

تَوَارَثَهُ آبَاءُ آبَائِهِمْ قَبْلُ

وَهَلْ يُنْبِتُ الْخَطِّيَّ إلَّا وَشِيْجُهُ

وَتُغْرَسُ إلَّا فِيْ مَنَابِتِهَا النَّخْلُ

(1)

وَقِيْلَ:

إِنَّ الْسَّرِيَّ إِذَا سَرَى فَبِنَفْسِهِ

وَابْنَ الْسَّرِيِّ إِذَا سَرَى أَسْرَاهُمَا

وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَنَّ الْأَخْلَاقَ نَتَائِجُ الْأَمْزِجَةِ، وَمِزَاجُ الْأَبِ كَثِيْرَاً مَا يَتَأَدَّى إِلَى الْابْنِ، كَالْأَلْوَانِ وَالْخَلْقِ وَالْصُّوَرِ ....

ثُمَّ ذَكَرَ الْأَصْبَهَانِيُّ أَنَّ عَلَى الِإنْسَانِ أَنْ يَسْعَى لِاقْتِبَاسِ الْعُلَى، وَأَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى مَآثِرِ الْآبَاءِ، وَأَنَّ الْمَآثِرَ الْمَورُوْثَةِ قَلِيْلَةُ الْغَنَاءِ، سَرِيْعَةُ الْفَنَاءِ، مَا لَمْ تُضَامَّهَا فَضِيْلَةُ الْنَّفْسِ

(2)

، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُحْمَدُ لِكَي يُوْجَدَ الْفَرْعُ

(1)

البيتان لزهير بن أبي سُلمى، انظر «ديوانه» (ص 83).

(2)

قال الماوَرْدي (ت 450 هـ) رحمه الله في «أدب الدنيا والدين» (ص 505) ضمن كَلامٍ جَميلٍ عن شَرَفِ النَّفْس: ( .... فأما شَرَفُ النَّفسِ إذا تجرَّد عن عُلُوِّ الهِمَّة، فإنَّ الفضلَ به عاطِل، والقَدْرَ به خاملٌ، وهو كالقوة في الجَلْد الكَسِل، أو الجبَان الفَشِل، تضيعُ قُوَّتُه بكسَلِه، وجَلَدُه بفَشَلِه

).

ص: 63

مِثْلَهُ؛ وَمَتَى أَخْلَفَ الْفَرْعُ وَتَخَلَّفَ؛ فِإِنَّهُ يُخْبِرُ بِأَحَدِ شَيئَيْنِ: إِمَّا بِتَكْذِيْبِ مَنْ يَدَّعِي الْشَّرَفَ لِعُنْصُرِهِ، وَإمَّا بِتَكْذِيبِهِ فِيْ انْتِسَابِهِ إِلَى ذَلِكَ الْعُنْصُرِ، وَمَا فِيْهِمَا حَظٌّ لِمُختَارٍ.

وَالْمَحْمُودُ أَنْ يَكُوْنَ الْأَصْلُ فِيْ الْفَضَائِلِ رَاسِخَاً، وَالْفَرْعُ بهِ شَامِخَاً، كَمَا قَالَ الْشَّاعِرُ:

زَانُوا قَدِيمَهُمُ بِحُسْنِ حَدِيثِهِمُ

وَكَريْمَ أَخْلَاقٍ بِحُسْنِ خِصَالِ

وَمَنْ لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ الأَمْرَانُ؛ فَلَأَنْ يَكُوْنَ الْمَرْءُ شَرِيْفَ الْنَّفْسِ دَنِئَ الْأَصْلِ، أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُوْنَ دَنِئَ الْنَّفْسِ شَرِيْفَ الْأَصْلِ، كَمَا قِيْلَ:

إِذَا الْغُصْنُ لَمْ يُثمِرْ وَإنْ كَانَ شُعْبَةً

مِنَ المُثمَرَاتِ اعْتَدَّهُ النَّاسُ فِيْ الحَطَبِ

فَمَا الْحَسَبُ المَوْرُوثُ لَا دَرَّ دَرُّهُ

بمُحَتَسَبٍ إِلَّا بِآخَرَ مُكَتَسَبِ

وَمَنْ كانَ عُنْصُرُهُ فِيْ الْحَقِيقَةِ سَنِيَّاً وَفِي نَفْسِهِ دَنِيَّاً؛ فَذَلكَ أُتِيَ إمَّا مِنْ إهْمَالِهِ نَفْسَهُ وَسَوْمَهَا، وَإمَّا لِتَعَوُّدِهِ عَادَاتٍ قَبِيْحَةً، وَصُحْبَةِ أَشْرَارٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَوَارِضِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعَناصِرِ الْكَريْمَةِ فَلَيْسَ سَبَبُ الْرَّذِيْلَةِ

ص: 64

شَيْئَاً وَاحِدَاً).

(1)

الْحَسَبُ الَّذِي يُحْمَدُ بِهِ الْإِنْسَانُ: مَا تَحَلَّى بِهِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ فِيْ نَفْسِهِ، لَا مَا يَعُدُّهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ.

(2)

، «مَنْ قَعَدَ بِهِ أَدَبُهُ، لَمْ يَرْفَعْهُ حَسَبُهُ»

(3)

، وَ «مَنْ قَصَّرَ بِه نَسَبُهُ، نَهَضَ بِهِ أَدَبُهُ»

(4)

، وَمَنْ فَاتَهُ حَسَبُ نَفْسِهِ، لَمْ يَنْفَعْهُ حَسَبُ أَبِيْهِ.

(5)

وَ «شَرَفُ الْأَعْرَاقِ يَحْتَاجُ إِلَى

(1)

«الذريعة الى مكارم الشريعة» للراغب الأصبهاني (ص 112 ـ 113)، و «فيض القدير» للمُناوي (4/ 111).

(2)

«الميسر في شرح المصابيح» للتوربشتي (2/ 404). قُلْتُ: هَذَا الَّذِي يُحْمَدُ عَلَيْهِ الإنسان: حسَبُ نَفسِهِ، أمَّا الاعْتِدَادُ فبِهِ أوَّلَاً وأَصْلَاً، وبِحَسَبِ آبَائِه أيْضَاً ــ كما

سَبَقَ ــ.

(3)

روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما في «الأمالي» للزجاجي (ص 136).

(4)

قال الزجاجي رحمه الله في «أماليه» ــ ط. الغرب ــ (2/ 287): أخبرنا ابن دُريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، قال: سمعتُ الأصمعي كثيراً ما يقول: فذكره.

(5)

قاله قِسُّ بن ساعدَة. «العِقد» لابن عبدربه (2/ 290)، ونُسِب إلى ميمون بن ميمون كما في «عيون الأخبار» (1/ 296).

وانظر للفائدة: «نقد الشعر» لقدامة (ص 72)، «العمدة» لابن رشيق (2/ 826).

ص: 65

شَرَفِ الْأَخْلَاقِ، وَلَا حَمْدَ لِمَنْ شَرُفَ نَسَبُهُ وَسَخُفَ أَدَبُهُ».

(1)

رُوِيَ عَنْ هَاشِمٍ جَدِّ الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ: «

عَلَيْكُمْ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَإِنَّهِا رِفْعَةٌ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأَخْلَاقَ الْدَّنِيْئَةَ فَإِنَّهَا تَضَعُ الْشَّرَفَ وَتَهْدِمُ الْمَجْدَ».

(2)

وإذَا الفَتَى هَبَطَتْ بِهِ أفْعَالُهُ

لَمْ تُعْلِهِ الآبَاءُ وَالأجْدَادُ

(3)

قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِاللهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِيْ طَالِبٍ رحمه الله:

لَسْنَا وَإِنْ كَرُمَتْ أَوَائِلُنَا

يَوْمَاً عَلَى الْأَحْسَابِ نَتِّكِلُ

نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا

تَبْنِي وَنَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلُوْا

(4)

(1)

«غرر الخصائص الواضحة» (1/ 19).

(2)

«الأمالي» للزجاجي ــ ط. الغرب ــ (3/ 1359)، «أعلام النبوة» للماوردي

(ص 193).

(3)

«الدر الفريد وبيت القصيد» لابن أيدمر المستعصمي (ت 710 هـ)(6/ 442).

(4)

«الحيوان» (7/ 95)، «الكامل» للمبرد (1/ 211)، «العقد الفريد» (2/ 290)، «التذكرة الحمدونية» (2/ 67).

ص: 66

قَالَ الْشَّاعِرُ:

إذَا الْمَرْءُ لَمْ يَبْنِ افْتِخَارَاً لِنفْسِهِ

تَضايَقَ عَنْهُ مَا ابْتَنَتْهُ جُدُودُهُ

وَلَا خَيْرَ فِيْ مَن لَا يَكُوْنُ طَرِيْفُهُ

دَلِيْلَاً عَلَى مَا شَادَ قِدْماً تَلِيْدُهُ

(1)

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (ت 597 هـ) رحمه الله: الحَسَبُ إِذا انْفَرد لَمْ يُعْتَبر، وَإِنَّمَا يُعْتَبر إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَالتَّقْوَى.

(2)

قَالَ أَرْدَشِيْرُ بْنُ بَابِكَ: (أَرْبَعَةٌ تَحْتَاجُ إِلَى أَرْبَعَةٍ: الْحَسَبُ إِلَى الْأَدَبِ، وَالْسُّرُوْرُ إِلَى الْأَمْنِ، وَالْقَرَابَةُ إِلَى الْمَوَدَّةِ، وَالْعَقْلُ إِلَى الْتَّجْرِبَةِ).

(3)

قَالَ ابْنُ حَزْمِ الأَنْدَلُسِيِّ (ت 456 هـ) رحمه الله فِيْ حَدِيْثٍ عَنْ الْافْتِخَارِ بِالآبَاءِ دُوْنَ أَنْ يَضُمَّ الْإِنْسَانُ إِلَى شَرَفِهِمْ عَمَلَاً مُشَرِّفَاً: (فَإِنْ

(1)

«محاضرات الأدباء» للراغب (1/ 705).

(2)

«كشف المشكل من حديث الصحيحين» (4/ 156)، وانظر:«الدين الخالص» لصديق خان (4/ 433).

(3)

«التمثيل والمحاضرة» (ص 471)، «بهجة المجالس» (3/ 132)، «ربيع الأبرار» (3/ 457)، «التذكرة الحمدونية» (3/ 271).

ص: 67

أُعْجِبْتَ بِوِلَادَةِ الْفُضَلَاءِ إِيَّاكَ، فَمَا أَخْلَى يَدَكَ مِنْ فَضْلِهِمْ إِنْ لَمْ تَكُنْ أَنْتَ فَاضِلَاً! وَمَا أَقَلَّ غِنَاؤُهُمْ عَنْكَ فِيْ الْدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْسِنَاً!

وَالْنَّاسُ كُلُّهُمْ أَوْلَادُ آدَمَ الَّذِيْ خَلَقَهُ اللهُ ــ تَعَالَى ــ بِيَدِهِ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ؛ وَلَكِنْ مَا أَقَلَّ نَفْعَهُ لَهُمْ وَفِيهِمْ كُلُّ مَعِيْبٍ، وَكُلُّ فَاسِقٍ، وَكُلُّ كَافِرٍ.

وَإِذَا فَكَّرَ الْعَاقِلُ فِيْ أَنَّ فَضْلَ آبَائِهِ لَا يُقَرِّ بُهُ مِنْ رَبِّهِ ــ تَعَالَى ــ وَلَا يُكْسِبُهُ وَجَاهَةً لَمْ يَحُزْهَا هُوَ بِسَعْدِهِ أَوْ بِفَضْلِهِ فِيْ نَفسْهِ، وَلَا مَالَاً؛ فَأَيُّ مَعْنَى لِلْإِعْجَابِ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ فِيْهِ؟!

وَهَلْ الْمُعْجَبُ بِذَلِكَ إِلَّا كَالْمُعْجَبِ بِمَالِ جَارِهِ، وَبِجَاهِ غَيْرِهِ، وَبِفَرَسٍ لِغَيْرِهِ سَبَقَ كَانَ عَلَى رَأسِهِ لِجَامُهُ ..... إلخ).

(1)

قَالَ الْشَّيْخُ: عَبْدُالْرَّحْمَنِ الْجَزِيْرِيُّ (ت 1360 هـ) رحمه الله فِيْ حَدِيْثِهِ عَنْ الْتَّكَبُّرِ عَلَى الْنَّاسِ لِأَجْلِ الْنَّسَبِ: (هَذَهِ الْصِّفَةِ تَكُوْنُ كَالْعَدَمِ،

(1)

«الأخلاقُ والسِّيَر» تحقيق: إيفا (ص 164 ــ 165).

وانظر: «الدين الخالص» لصِدِّيْق خَان القنُّوجِي (4/ 428 ــ 445) ففيه مبحث طويل عن الفخر بالنسب، وهو جَيِّدٌ في الجملة، رغم تضمنه بعض الأقوال المنكرة.

ص: 68

إِذَا لَمْ يَتَجَمَّلْ صَاحِبُهَا بِالْفَضِيْلَةِ، وَأَنْ الْكِبْرَ هُوَ أَشَدُّ الْرَّذَائِلِ الَّتِي تُذْهِبُ بِمَحَاسِنِ تِلْكَ الْصِّفَاتِ وَتَقْضِيْ عَلَيْهَا.

فَمَنْ اغْتَرَّ بِنَسَبِهِ وَتَكَبَّرَ عَلَى الْنَّاسِ؛ فَقَدْ هَدَمَ ذَلِكَ الْنَّسَبَ مِنْ أَسَاسِهِ، وَقَضَى عَلَى فَضْلِ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ شَرَّ قَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَمْدَ وَتَكْرِيْمَ الْنَّاسِ لَا يُكْسَبَانِ بِالْأَنْسَابِ وَحْدَهَا، بَلْ بِالْتَّمَسُّكِ بِالْفَضِيْلَةِ وَاجْتِنَابِ الْرَّذِيْلَةِ، وَكَذَلِكَ مَاعِنْدَ اللهِ مِنْ مَنْزِلَةٍ فَإِنَّهُ لُا يُكْسَبُ بِالْأَنْسَابِ، لِهَذَا

قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (سورة الحجرات، آية 13)، نَعَمْ إِنَّ لِلْأَنْسَابِ فَضْلَاً فِيْ تَكْوِيْنِ خُلُقِ الْإِنْسَانِ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَصْلٍ طَيِّبٍ وَعُنْصُرٍ كَرِيْمٍ؛ كَانَتْ أَخْلَاقُهُ حَسَنَةً وَصِفَاتُهُ كَرِيْمَةً؛ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ تُحْتَرَمُ الْأَنْسَابُ، وَيَكُوْنُ لِصَاحِبِهَا فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِ

).

(1)

قُلْتُ: فَاحْتِرَامُهُ لَيْسَ لِأَجْلِ الْنَّسَبِ وَحْدَهُ، بَلْ لِمَا أَثْمَرَهُ مِنْ خَيْرٍ، فَالْأَنْسَابُ مَظِنَّةُ الْخَيْرِ، وَلَيْسَتْ خَيْرَاً بِذَاتِهَا، قَالَ اليُوسِيُّ (ت 1102 هـ) رحمه الله: (كَرَمُ الْنَّسَبِ فَضِيْلَةٌ

وَوَصْفُ الْإِنْسَانِ وَسَعْيُهُ هُوَ الْشَّأَنُ،

ص: 69

وَالْنَّسَبُ زِيَادَةٌ، فَإِلْغَاءُ الْنَّسَبِ رَأَسَاً جَوْرٌ؛ وَالْاقْتِصَارُ عَلَيْهِ عَجْزٌ

فَعَلَيْهِ مَعَ الْنَّسَبِ أَنْ يُحَصِّلَ الْحَمْدَ وَيَبْتَنِيَ الْمَجْدَ).

(1)

أيُّهَا الحمَادَى، أَنْتُمْ حَمَادَى، لَكُمْ صِيْتٌ فِيْ النَّاسِ

(2)

، وَأَرَى الذِّكْرَ الْحَسَنَ فِيْكُمْ هَالَةً لَامِعَةً، والْشَّرَفَ فِيكُمْ مُتَرَبِّعَاً وَسَطَاً جَامِعَةً

(1)

«المحاضرات في اللغة والأدب» للحسن اليوسي (1/ 64 ـ 65) بتصرف.

(2)

الصِّيْتُ: هو الذِّكْرُ الحَسَنُ، يُقَال: ذَهَبَ صِيْتُه إذا انتَشَر. انظر: «مقاييس اللغة»

(3/ 319)، «القاموس المحيط» (ص 155). قال الغزي (ت 1061 هـ) رحمه الله في «حُسْن التنبُّه» (4/ 391): (إنما سُمِّي الصِّيْتُ صِيتاً؛ لأنَّ الأصوَاتَ ترفع به في الناس

).

فَائِدَةٌ: حِيْنَمَا تُوْصَفُ الْجُدُوْدُ ــ أيُّ جُدُودٍ ــ بِالْصِّيْتِ، وَالْشُّهْرَةِ الْحَسَنَةِ، فَهُوَ اشْتِهَارٌ نِسْبِيٌّ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ اشْتِهَارُهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْنَّاسِ فِيْ الْبِلَادِ، بَلْ الْمَقْصُوْدُ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ: مَعْرِفَةُ الْعَشِيْرَةِ وَالْفَخِذِ وَأَهْلِ الْبَلْدَةِ الَّتِي كَانُوْا فِيْهَا، وَمَا أَبْقَوْهُ مِنْ أَثَرٍ وَمَعَالِمَ مُنِيْرَةٍ، قَالَ الْحَسَنُ الْيُوْسِيُّ (ت 1102 هـ) رحمه الله فِيْ «الْمُحَاضَرَاتِ» (1/ 68):

(

وَلَا شَكَّ أَنَّ شَرَفَ الْإِنْسَانِ وَاشْتِهَارَهُ بِاعْتِبَارِ عَشِيْرَتِهِ أَوْ قَوْمِهِ إِنَّمَا يُعْرَفُ فِيْهِمْ وَلَا يَضِيْرُهُ أَلَّا يَعْرِفْهُ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ سَادَاتِ الْعَرَبِ لَا يَعْرِفْهُمْ الْعَجَمُ، وَلَا الْعَكْسُ، وَكَذَا فِيْمَا بَيْنَ الْعَرَبِ غَالِبَاً .. ).

ص: 70

ــ وَللهِ الْحَمْدُ وَالْفَضْلُ والمِنَّةُ ــ، فَارْعَوْا مَكَانَهَ، وَتمِّمُوا مَرَامَهُ، وَكُوْنُوْا عَلَى الْعَهْدِ وَالْوَفَاءِ بِتَعَاهُدِ وَحَمْلِ الْمَآثِرِ الْمُبَارَكَةِ إِلَى الْأَبْنَاءِ، فَأَعْظَمُ مَا تُوَرِّثُوْنَ أَحْفَادَكُمْ: دِينَاً قَويْمَاً، وَصَلَاحَاً وَمُرْوْءَةً، وَعِلْمَاً وَأَدَبَاً مَتِيْنَاً، هَذِهِ هِيَ الْمَآثِرِ الْمَجِيْدَةِ، وَهَذَا الْذِّكْرُ الْحَسَنُ، فَادْعُوْا اللهَ عز وجل {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (سورة الشعراء، آية 84).

قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِيْنَ فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هَذَا ذِكْرٌ

وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} (سورة ص، آية 49) أَيْ: لَهُمْ مَعَ الْذِّكْرِ الحَسَنِ فِيْ الْدُّنْيَا، حُسْنُ مَرْجِعٍ في الآخِرَةِ.

(1)

وَقِيْلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَا أَحْمَدُ الْأَشْيَاءِ؟ قَالَ: أَنْ يَبْقَى لِلْإِنْسَانِ أُحْدُوْثَةٌ حَسَنَةٌ.

(2)

قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ (ت 67 هـ) رحمه الله: (مَا ادَّخَرَ الْآبَاءُ لِلْأَبْنَاءِ، وَلَا أَبْقَتِ الْأَمْوَاتُ لِلْأَحْيَاءِ، أَفْضَلَ مِنْ الْمَعْرُوْفِ عِنْدَ ذَوِيْ الْأَحْسَابِ

(1)

قاله النحاس في «معاني القرآن» (6/ 126).

(2)

«شرح مقامات الحريري» للشُّريشي (3/ 113).

ص: 71

وَالْآدَابِ).

(1)

وَمِنْ الْوَصايا: لا تُؤْثِرُوا المَالَ عَلَى الذِّكْرِ الحَسَنِ؛ فَإِنَّ الْمَالَ فَانٍ، وَالذِكْرَ بَاقٍ.

(2)

قَالَ أَبُوْ يَعْلَى ابْنُ الْهَبَّارِيَّةِ الْعَبَّاسِيُّ الْبَغْدَادِيُّ:

الْمَالُ فَانٍ وَالْذِّكْرُ بَاقٍ

وَالْوَفْرُ فَرْعٌ وَالْعِرْضُ أَصْلُ

فَاجْعَلْهُ دُوْنَ الْعِيَالِ سَتْرَاً

فَالْصَّوْنُ فِيْ أَنْ يَكُوْنَ بَذْلُ

(3)

قَالَ الْمَعَرِّيُّ:

وَلَنْ يُحْوَى الْثَّنَاءُ بِغَيْرِ جُوْدٍ

وَهَلْ تُجْنَى مِنَ الْيَبَسِ الْثِّمَارُ؟

جَمَالُ الْمَجْدِ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ

وَلَوْلَا الْشَّمْسُ مَا حَسُنَ الْنَّهَارُ

(4)

(1)

«غرر الخصائص الواضحة» (1/ 570).

(2)

«الثبات عند الممات» لابن الجوزي (ص 95).

(3)

«خريدة القصر» للعماد الأصبهاني ــ تحقيق: بهجة الأثري ــ (العراق 2/ 88).

(4)

«سقط الزند» (ص 133).

ص: 72

قَالَ الْحَسَنُ الْيُوْسِيُّ (ت 1102 هـ) رحمه الله: (اعْلَمْ أَنَّ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنَ الْمَزَايَا الَّتِيْ يَتَشَرَّفُ بِهَا الْإِنْسَانُ حَتَّى يَشْرُفَ بِشَرَفِهِ مَنْ انْتَسَبِ إِلَيْهِ كَثِيْرَةٌ، مِنْهَا:

دِيْنِيَّةٌ: كَالْنُّبُوَّءَةِ وَهِيَ أَجَلُّهَا، وَكَالْعِلْمِ، وَالْصَّلَاحِ، وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَغْيْرِ ذَلِكَ.

وَدُنْيَوِيَّةٌ: كَالْمُلْكِ، وَهُوَ أَعْظَمُهَا، وَكَالْنَّجْدَةِ، وَالْكَرَمِ، وَالْقُوَّةِ، وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَكَثْرَةِ الْمَالِ، وَالْجَمَالِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَكَثِيْر مِنْهَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُوْنَ دِيْنِيَّاً وَدُنْيَوِيَّاً: كَالْقُوَّةِ، وَالْعِزِّ، وَالْكَرَمِ، وَسَائِرِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

وَبَعْضُهَا دِيْنِيٌّ وَدُنْيَوِيٌّ مَعَاً: كَالْنُّبُوءَةِ، وَالْخِلَافَةِ، وَالْعِلْمِ.

وَبَعْضُ ذَلِكَ حِسِّيٌّ، وَبَعْضُهُ مَعْنَوِيٌّ، وَبَعْضُهُ وُجُوْدِيٌّ، وَبَعْضُهُ عَدَمِيٌّ، وَشَرْحُ ذَلِكَ يَطُوْلُ فَلْنَقْتَصِرْ الْقَوْلَ مَعَ تَمْثِيْلٍ وَتَمْهِيْدٍ: أَمَّا الْتَّمْثِيْلُ فَهُوَ أَنَّهُ لَوْ اعْتُبِرَ رَجُلَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِيْ الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ وَالْنَّسَبِ وَسَائِرِ الْأَحْوَالِ فَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَفِيْ مِثْلِهِمَا قَالَ عَلْقَمَةَ بْنُ عُلَاثَةَ لِلْمُتَنَافِرَيْنِ: صِرْتُمَا كَرُكْبَتَيْ الْبَعِيْرِ الْآدَمِ.

ص: 73

وَلَوْ اخْتُصَّ أَحَدُهُمَا بِالْفِقْهِ فَهَذِهِ مَزِيَّةٌ وُجُوْدِيَّةٌ يَفْضُلُ بِهَا الْآخَرُ، وَلَوْ اخْتُصَّ أَحَدُهُمَا بِكَوْنِهِ ظَلُوْمَاً فَهَذِهِ مَزِيَّةٌ مَذْمُوْمَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْشَّرْعِ

(1)

، وَقَدْ سَلِمَ مِنْهَا الْآخَرُ، فَلَهُ الْفَضْلُ بِمَزِيَّةٍ هِيَ عَدَمِيَّةٍ، وَعِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ بِعَكْسِ هَذَا .... إلخ).

(2)

قَالَ الْرَّاغِبُ الْأَصْبَهَانِيُّ (ت 502 هـ) رحمه الله: (مَحَبَّةُ الْذِّكْرِ الْحَسَنِ أَشْرَفُ مَقَاصِدِ أَبْنَاءِ الْدُّنْيَا، وَهِيَ فِيْ جِبِلَّةِ الْنَّاسِ

(3)

وَمِنْ خَصَائِصِهِمْ

(4)

، وَلَا تُوْجَدُ فِيْ غَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانِ، كَمَا قَالَ الْشَّاعِرُ:

. . . . . . . . . . . . . . . .

حُبُّ الْثَّنَاءِ طَبِيْعَةُ الْإِنْسَانِ

(5)

(1)

مذمومة في الشرع، وعند المسلمين.

(2)

«المحاضرات في اللغة والأدب» (1/ 49 ــ 50).

(3)

وانظر: «أدب الدنيا والدين» للماوردي (ص 379).

(4)

قيل: محبةُ الذِّكر الجَميل مِن جِبِلَّة الإنسان وخصائصه. «روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار» لابن الخطيب قاسم (ص 235)، ولم أجده في «الربيع» .

(5)

البيت لابن نباتة السَّعْدي، وأولُه: يَهوِي الثناءَ مُبرِّزٌ ومُقَصِّرٌ *

انظر: «يتيمة الدهر» (2/ 466)، ولم أجده في «ديوان ابن نباتة» ط. التمدن المصرية (1323 هـ).

ص: 74

وَلَوْلَا الْكَلَفُ بِهِ لَمَا ظَهَرَتِ الْعَدَالَةُ مِنْ أَكْثَرِ الْنَّاسِ، وَمَنْ لَا يَخُوْفُهُ الْهِجَاءُ وَلَا يَسُرُّهُ الْثَّنَاءُ؛ فَلَا يَرْدَعْهُ عَنْ سُوْءِ الْأَفْعَالِ إِلَّا نَارٌ أَوْ سَيْفٌ، وَقَدْ قِيْلَ: الَّذِيْ يَنْفُرُ عَنِ الْقَبِيْحِ وَيَحُثُّ عَلَى الْجَمِيْلِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْعَقْلُ، ثُمَّ الْحَيَاءُ، ثُمَّ الْمَدْحُ وَالْهِجَاءُ، ثُمَّ الْتَّرْغِيْبُ وَالْتَّرْهِيْبُ.

وَقَدْ قِيْلُ: مَنْ لَمْ يَرْدَعْهُ الْذَّمُّ عَنْ سَيِّئَةٍ، وَلَمْ يَسْتَدْعِهِ الْمَدْحُ إِلَى حَسَنَةٍ، فَهُوَ جَمَادٌ أَوْ بَهِيْمَةٌ؛ وَلِأَجْلِهِ تَنَازَعَ الْنَّاسُ الْرِّيَاسَةَ وَالْمَنَازِلَ الْرَّفِيْعَةَ.

وَلَيْسَ الْثَّنَاءُ فِيْ نَفْسِهِ بِمَحْمُوْدٍ وَلَا مَذْمُوْمٍ، وَإِنَّمَا يُحْمَدُ وَيُذَمُّ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ، فَمَنْ قَصْدُهُ طَلَبَ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْثَّنَاءَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِيْ يُسْتَحَبُّ، فَذَلِكَ مَحْمُوْدٌ، وَهُوَ طَرِيْقَةُ إِبْرَاهِيْمَ الْخَلِيْلِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} (سورة الشعراء، آية 84). أَيْ: اجْعَلْنِيْ بِحَيْثُ أَفْعَلُ مَا إِذَا مُدِحْتُ بِهِ يَكُوْنُ مَادِحِيْ صَادِقَاً، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ نُدِبَ الْإِنْسَانُ إِذَا مُدِحَ أَنْ يَقُوْلَ: الْلَّهُمَّ اجْعَلْنِيْ خَيْرَاً مِمَّا يَظُنُّوْنَ.

وَالْمَذْمُوْمُ مِنْهُ: أَنَّهُ يَمِيْلُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَجْرِبَةٍ لِفِعْلِ مَا يَقْتَضِيْهِ، وَذِلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْآفَاتِ لِمَنْ تَحَرَّاهُ؛ فَإِنَّهُ يَفْتَحُ بَابَ الْحَسَدِ، وَالْحَسَدُ يَفْتَحُ بَابَ

ص: 75