الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكَذِبِ، وَالْكَذِبُ رَأَسُ كُلِّ مَذْمُوْمٍ، وَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ تَعَالَى مَنْ طَلَبَ الْمَحْمَدَةَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ حَسَنَةٍ تَقْتَضِيْهَا، فَقَالَ تعالى:{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة آل عمران، آية 188)).
(1)
هَذَا، وَ
مِنْ فَوَائِدِ الْذِّكْرِ الْحَسَنِ:
1.
أَنَّهُ دِلَالَةٌ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَإِنَّ مِنْ طَبِيْعَةِ الْإِنْسَانِ: مَحَبَّةَ الْثَّنَاءِ الْحَسَنِ، وَحُسْنَ الْصِّيْتِ.
(2)
2.
الْفَرَحُ بِمَا يَسْمَعُهُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْمَحْمَدَةِ الْصَّادِقَةِ.
3.
أَنَّ هَذَا الْصِّيْتَ عَلَامَةُ خَيْرٍ وَقَبُوْلٍ، فَالْنَّاسُ شُهَدَاءُ اللهِ فَيْ أَرْضِهِ.
(1)
«الذريعة الى مكارم الشريعة» (ص 196 ــ 197)، وقارِن بـ «الأخلاق والسِّيَر» لابن حزم ــ تحقيق: إيفا ــ (ص 188).
(2)
«حُسْن التنبه لما ورد في التشبه» للغزي (4/ 391).
4.
أَنَّ الْأَعْقَابَ تَتَوَارَثُهُ
(1)
، فَتَشْكُرَ لِلْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ حُسْنَ الْمِيْرَاثِ.
5.
مَعَ تَوَارُثِهِ، تَلْهَجُ الْأَلْسِنَةُ بِالْدُّعَاءِ لِلْأَجْدَادِ.
6.
الْاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِيْ الْخَيْرِ، فَالْنَّفْسُ فِيْ الْاقْتِدَاءِ بِمَنْ تَعْرِفُ وَتُشَاهِدُ أَكْثَرُ تَهَدِّيَاً بِمَنْ لَا تَعْرِفُ ــ كَمَا سَبَقَ ــ:«وَالْنُّفُوْسُ تُؤْخَذُ بِالْاحْتِذَاءِ وَالْمُحَاكَاةِ أَكْثَرَ مِمَّا تُؤْخَذُ بِالْجِبِلَّةِ وَالْطَّبْعِ»
(2)
وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مُحَرِّكَاتِ الْإِنْسَانِ لِفِعْلِ الْمَآثِرِ الْطَّيِّبَةِ، فَبِتَذَكُّرِهِ مَآثِرَ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ يَقْدَحُ حَرَارَةَ الْهِمَّةِ، وَيَرْفَعُ نَفْسَهُ إِلَى مَدَارِجِ الْشَّرَفِ بِالْعَمَلِ الْطَّيِّبِ، وَمُوَاصَلَةِ الْخَيْرَاتِ الَّتِيْ تَحَلَّى بِهَا أَجْدَادُهُ.
(3)
7.
رَفْعُ مُسْتَوَى الْقَبُوْلِ وَالْإِعْجَابِ، وَالْرَّغْبَةِ فِيْ الْقُرْبِ مُصَاهَرَةً، وَمُجَاوَرَةً، وَمُعَامَلَةً.
(1)
ذكرَه أرسطو، انظر:«محاضرات الأدباء» للراغب (2/ 19).
(2)
اقتباس من «آثار البشير الإبراهيمي» (1/ 285).
(3)
انظر في هذا المعنى: «الهوامل والشوامل» لمسكويه ــ ط. أحمد أمين، وأحمد صقر ــ
…
(ص 255 ـ 256) رقم (107).
إِذَنْ لَا عَلَيْنَا ــ جَمِيْعَاً ــ أَنْ نَفْرَحَ بِمَا أَظْهَرَهُ اللهُ مِنْ جَمِيْلِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ، شَرِيْطَةَ أَنْ لَا نَغْتَرَّ بِذَلِكَ، وَنَكْسَلَ، وَنَتَحَدَّثَ فِيْهِ عَلَى سَبِيْلِ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْاسْتِعْلَاءِ.
ولَا عَتَبَ أَنْ تَقُوْلُوْا ــ بِلَا فَخْرٍ وَلَا عُجْبٍ ــ:
نَحْنُ الَّذِيْنَ غَدَتْ رَحَى أَحْسَابِهُمْ
…
وَلَهَا عَلَى قُطْبِ الْفَخَارِ مَدَارُ
قَوْمٌ لِغُصْنِ نَدَاهُمُ مِنْ رِفْدِهِمْ
…
وَرَقٌ وَمِنْ مَعْرُوْفِهِمْ أَثْمَارُ
مِنْ كُلِّ وَضَّاحِ الْجَبِيْنِ كَأَنَّهُ
…
رَوْضٌ خَلَائِقُهُ لَهَا أَزْهَارُ
(1)
(1)
الأبيات لأبي الحسن عَليّ بن الْحُسَيْن بن حيدرة العُقيلي الطالبي الهاشمي. كما في «ديوانه» تحقيق زكي المحاسني (ص 159)، وانظر:«الوافي بالوفيات» للصفدي
…
(21/ 29).
قال عنه الصفدي في «الوافي» (21/ 25): (
…
ذكره ابْن سعيد المغربي فِي كتاب
…
«الْمغرب» وسَاق لَهُ قطعا كَثِيرَة من شعره وَأما أَنا فَمَا رَأَيْت أحدا من شعراء الْمُتَقَدِّمين من أَجَاد الِاسْتِعَارَة مثله وَلَا أَكثر من استعاراته اللائقة الصَّحِيحَة التخيل وَقد وقفت على ديوانه وَأَكْثَره مقاطيع .... ).
أيُّهَا الحمَادَى، أَنْتُمْ حَمَادَى وَرِثْتُمْ «غَرَائِزَ = طَبَائِعَ = جِيْنَاتٍ» طَيِّبَةً مِنْ عُرُوْقِ أَجْدَادِكُمْ، وَالْعِرْقُ دَسَّاسٌ، وَوَرِثْتُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مَزِيْدَاً
(1)
، وَزِدْتُّمْ عَلَيْهِمَا مَا تَعَلَّمْتُمُوْهُ وَقَرَأَتُمُوْهُ فِيْ مُنْزَلِ الْوَحْيَيْنِ، وَآثَارِ الْسَّلَفِ الْصَّالِحِيْنَ، فَلَا تُبْطِلُوْا بَعْضَ أَحْسَابِكُمْ، بِالْتَّقْصِيْرِ فِيْ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، وَجَمَالِ الْخُلُقِ، وَسَلَامَةِ الْصَّدْرِ، وَلِيْنِ الْجَانِبِ، وَكَرَمِ الْقَلْبِ وَالْيَدِ وَالْلِّسَانِ.
وَاعْلَمُوْا أَيُّهَا الْحَمَادَى ــ زَادَكُمُ اللهُ سُؤْدَدَاً ــ أنَّ الْشَّرَفَ مُلازِمٌ لِحُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ (ت 67 هـ) رحمه الله: الْسُّؤْدَدُ كَرَمُ الْأَخْلَاقِ، وَحُسْنُ الْفِعَالِ.
(2)
(1)
قال العلَّامة الغلايِينِي (ت 1364 هـ) رحمه الله: (وَفِيْ الْجُمْلَةِ، فَتَأَثِيْرُ الْأُسْرَةِ =الْعَائِلَةِ فِيْ طَبَائِعِ الْنَّاشِئِيْنَ وَعُقُوْلِهِمْ أَمْرٌ لَا يُنْكَرُ، بَلْ إِنَّ طَبَائِعَ الْآبَاءِ رُبَّمَا تَنْتَقِلُ إِلَى بَنِيْهِمْ بِطَرِيْقِ الْإِرْثِ، حَتَّى ذَكَرُوْا أَنَّ بَعْضَ فَلَاسِفَةِ الأَمِيْرِكَانْ (أوْلِيفِيْهِ وِيْنْدِلْ هِلْمِسْ) سُئِلَ عَنْ مَبْدَإِ تَرْبِيَةِ الْطِّفْلِ؟ فَقَالَ: «تَبْتَدِئُ تَرْبِيَةُ الْطِّفْلِ قَبْلَ أَنْ يُوْلَدَ بِمِئَةِ سَنَةٍ» . يُرِيْدُ بِذَلِكَ: أَنَّ الْتَّرْبِيَةَ تُرَاثٌ يَرِثُهُ الْوَلَدُ عَنْ آبَائِهِ .... ). «أَرِيْجُ الزَّهَرِ» (ص 64).
(2)
«أنساب الأشراف» للبلاذري (12/ 321)، «الفاخر» للمفضل بن سلمة
…
(ص 299).
وَيَقُولُ الْضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ (ت 105 هـ) رحمه الله: السَّيِّدُ: الْحَسَنُ الْخُلُقِ.
(1)
ويُرْوَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه سُئِلَ: مَنْ أَسْوَدُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَسْخَاهُمْ نَفْسَاً حِيْنَ يُسْأَلُ، وَأَحْسَنُهُمْ فِي الْمَجَالِسِ خُلُقَاً، وَأَحْلَمُهُمْ حِينَ يُسْتَجْهَلُ.
(2)
وَيُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما قَوْلُهُ: الْسُّؤْدُدُ: الْتَّبَرُّعُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالإِعْطَاءُ قَبْلَ السُّؤَالِ.
(3)
قَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ (ت 142 هـ) رحمه الله: (لَا يَطْمَعَنَّ ذُوْ الْكِبْرِ فِيْ حُسْنِ الْثَّنَاءِ، وَلَا الْخِبُّ فِيْ كَثْرةِ الْصَّدِيْقِ، وَلَا الْسَيئُ الْأدَبِ فِيْ الْشَرَفِ، وَلَا الْشَّحِيْحُ فِيْ الْمَحْمَدَةِ، وَلَا الْحَرِيصُ فِيْ الْإِخْوَانِ
…
).
(4)
وَعَلَيْكُمْ
(1)
«الزهد» للإمام أحمد، رقم (462)، «مكارم الأخلاق» للخرائطي ــ ط. الفاروق ــ رقم (34)، و (663).
(2)
«مكارم الأخلاق» للخرائطي رقم (3/ 184) رقم (664)، ولا يصح عنه.
(3)
«المجالسة» للدينوري (6/ 284) رقم (2644).
(4)
«الأدب الصغير» (ص 53).
بِالْتَّوَاضُعِ، فَـ «الْتَّوَاضُعُ أَحَدُ مَصَايِدِ الْشَّرَفِ» ، وَقِيْلَ: سُلَّمُ الْشَّرَفِ.
(1)
وَكَانَ يُقَالُ: اسْمَانِ مُتَضَادَّانِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ: الْتَّوَاضُعُ وَالْشَّرَفُ.
(2)
فَحَذَارِ حَذَارِ حَذَارِ مِنَ: الْكِبْرِ، وَالْكَذِبِ وَالْسُّخْفِ فَهِيَ خِلَالٌ لَايُمْكِنُ مَعَهَا السُّؤْدَدُ.
(3)
قَالَ الْضِّيَاءُ ابْنُ الْأَثِيْرِ (ت 637 هـ) رحمه الله: (مُجَارَاةُ الْلَّئِيْمِ تَسِمُ وَجْهَ الْحَسَبِ، وَتُلْحِقُ الْنَّبْعَ بِالْغَرَبِ، فَإِنَّ الْخُلُقَ الْسَّيْئِ يَسْتَتْبِعُ الْحَسَنَ عَلَى أَثَرِهِ، وَكَدَرُ الْمَاءِ لَا يُغْلَبُ بِصَفْوِهِ، وَصَفْوُهُ مَغْلُوْبٌ بِكَدَرِهِ).
(4)
(1)
نُسِب لمصعب بن الزبير في «البيان والتبيين» (3/ 308)، وغالب المصادر نسبته لعروة بن الزبير:«عيون الأخبار» (1/ 266)، «نثر الدر» (3/ 120)، «التذكرة الحمدونية» (3/ 98)، «لباب الآداب» (1/ 256).
(2)
«عيون الأخبار» (1/ 266).
فائدة: قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (لَا يَبْلُغُ عَبْدٌ ذُرَى الْإِيمَانِ حَتَّى يَكُونَ التَّوَاضُعُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَفِ، وَمَا قَلَّ مِنَ الدُّنْيَا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا كَثُرَ، وَيَكُونُ مَنْ أَحَبَّ وَأَبْغَضَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، يَحْكُمُ لِلنَّاسِ كَمَا يَحْكُمُ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ). أخرجه: ابن المبارك في «الزهد» ــ تحقيق: د. عامر صبري ــ (2/ 315) رقم (683).
(3)
«الرسائل للجاحظ» (4/ 184).
(4)
«الوشي المرقوم» (ص 231).
عَلَوْتُمُ، فَتَوَاضَعْتُمْ عَلَى ثِقَةٍ
…
لَمَّا تَوَاضَعَ أَقْوَامٌ عَلَى غَرَرِ
وَالْكِبْرُ وَالْحَمْدُ ضِدَّانِ، اتِّفَاقُهُمَا
…
مِثْلُ اتِّفَاقِ فَتَاءِ الْسِّنِّ وَالْكِبَرِ
يَجْنِى تَزَايُدُ هَذَا مِنْ تَنَاقُصِ ذَا
…
وَالْلَّيْلُ إِذَا طَالَ غَالَ الْيَوْمَ بِالْقِصَرِ
(1)
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ (ت 354 هـ) رحمه الله: (فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَلْزَمَ إِقَامَةَ الْمُرُوْءَةِ بِمَا قَدِرَ عَلَيْهِ مِنْ الْخِصَالِ الْمَحْمُوْدَةِ، وَتَرْكِ الْخِلَالِ الْمَذْمُوْمَةِ، وَقَدْ نَبَغَتْ نَابِغَةٌ اتَّكَلُوْا عَلَى آبَائِهِمْ، وَاتَّكَلُوْا عَلَى أَجْدَادِهِمْ فِيْ الْذِّكْرِ وَالْمُروْءَاتِ، وَبَعُدُوا عَنْ الْقِيَامِ بِإِقَامَتِهَا بِأَنْفُسِهِمْ.
وَلَقَدْ أَنْشَدَنِيْ مَنْصُوْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِيْ ذَمِّ مَنْ هَذَا نَعْتُهُ:
إِنَّ الْمُرُوْءَةَ لَيْسَ يُدْرِكُهَا امْرُؤٌ
…
وَرِثَ المرُوْءَةَ عَنْ أَبٍ؛ فَأَضَاعَهَا
أَمَرَتْهُ نَفْسٌ بِالْدَّنَاءَةِ وَالخَنَا
…
وَنَهَتْهُ عَنْ طَلَبِ الْعُلَى؛ فَأَطَاعَهَا
فَإذَا أَصَابَ مِنَ الْأُمُوْرِ عَظِيمَةً
…
يَبْنِي الْكَرِيمَ بِهَا المرُوْءَةَ؛ بَاعَهَا
(2)
قَالَ صِدِّيْقُ خَانَ الْقَنُّوْجِيُّ (ت 1307 هـ) رحمه الله: (
…
وَأَكْثَرُ مَنْ عَلَا نَسَبَاً وَافْتَخَرَ حَسَبَاً؛ حُرِمَ مِنَ الْفَضَائِلِ الْدِّيْنِيَّةِ وَالْفَوَاضِلِ الْيَقِيْنِيَّةِ، وَهَلَكَ فِيْمَنْ هَلَكَ مِنْ أَبْنَاءِ الْدُّنْيَا وَآبَائِهَا
…
).
(1)
(2)
وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ سبحانه وتعالى، وَيَحْذَرَ مِنْ الْاعْتِرَاضِ عَلَى قَدَرِهِ -جل وعلا- بِمَا يَقُوْمُ فِيْ نَفْسِهِ وَلِسَانِهِ وَعَمَلِهِ مِنْ حَسَدِ مَنْ آتَاهُ اللهُ عز وجل مِنْ فَضْلِهِ، خاصَّةً حَسَدُ مَنْ يَسْعَى خَيْرَاً فِيْ قَبِيْلَتِهِ/عَشِيْرَتِهِ/أُسْرَتِهِ/ بَلَدِهِ، فَالْأَرْضُ تَسَعُ الْمَكَارِمَ وَأَهْلَهَا كُلَّهُم، وَإِنَّ حَسَدَ مَنْ يَبْنِيْ خَيْرَاً، لَيُعتَبَرُ اعْتِرَاضَاً عَلَى اللهِ جل جلاله، وَسَعْيَاً لِإيْقَافِ الْخَيْرِ عَنِ الْمُسْلِمِيْنَ، وَحِرْمَانَاً لِلْحَاسِدِ، وَحَسْرَاتٍ عَلَيْهِ مُتَوَاصِلَةً.
(1)
«الدين الخالص» (4/ 431).
(2)
«يتيمة الدهر» (4/ 311)، «التذكرة الحمدونية» (6/ 434)، «معجم الأدباء»
…
(1/ 252).
قَالَ الْرَّاغِبُ الْأَصْبَهَانِيُّ (ت 502 هـ) رحمه الله: (الْحَاسِدُ
…
أَظْلَمُ ظَالِمٍ؛ لِأَنَّهُ يَظْلِمُ غَيْرَهُ فِيْ إِزَالَةِ حَالِهِ، وَيَظْلِمُ رَبَّهُ فِيْمَا قَدَّرَهُ
…
وَقَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَسَدَ ضَرْبٌ مِنَ الْحَمَاقَةِ؛ لِأَنَّ اغْتِمَامَهُ بِمَا يَنَالُهُ ذَوُوْهُ وَأَهْلُ بَلَدِهِ يَقْتَضِيْ أَنْ يَغْتَمَّ أَيْضَاً بِمَا يَنَالُهُ أَهْلُ الْصِّيْنِ وَالْهِنْدِ، عَلَى أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِيْ يَنَالُ ذَوِيْهِ إِذَا تَفَكَّرَ فِيْهِ؛ هُوَ أَنْفَعُ لَهُ مِمَّا يَنَالُهُ الْأَبَاعِدُ).
(1)
(2)
قَالَ ابْنُ حَمْدُوْنَ (ت 562 هـ) رحمه الله: (كَانَتْ الْعَرَبُ فِيْ جَاهِلِيَّتِهَا وَإِسْلَامِهَا تَتَّقِيْ الْهِجَاءَ أَشَدَّ مِنِ اتِّقَائِهَا السِّلَاحَ، حَيْثُ كَانَتْ تُحَامِيْ عَنْ أَحْسَابِهَا، وَتَرْغَبُ فِيْ اقْتِنَاءِ الْمَحَامِدِ الْبَاقِيْ ذِكْرُهَا عَلَى أَعْقَابِهَا. وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُاللهِ
بْنُ رَوَاحَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْصَّحَابَةِ ــ يَهْجُوْنَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ ــ: لَهُوَ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ الْنَّبْلِ.
وَكَانَ أَحَدُهُمْ فِيْ الْفَلَاةِ الْقَفْرِ لَا أَنِيْسَ بِهَا مَعَهُ وَلَا قَرِيْنَ، يَحْمِيْ نَفْسَهُ عَنْ كَلِمَةٍ يُعَابُ بِهَا حَتَّى كَأَنَّهُ يَتَعَبَّدُ بِذَلِكَ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ
…
).
(1)
نَعَمْ، أَهْلُ الْشَّرَفِ وَالْسُّؤْدَدِ إِنْ لَمْ يَمْنَعُهُمْ عَنْ الْقَبِيْحِ دِيْنٌ، مَنَعَهُمْ الشَّرَفُ والْمُرُوْءَةُ،
(2)
فَقَدْ قَالَ الإِمَامُ الْمُحَدِّثُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ
…
(ت 160 هـ) رحمه الله: (خُذُوْا عَنْ أَهْلِ الشَّرَفِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَ).
(3)
(1)
«التذكرة الحمدونية» (5/ 96).
(2)
مثل ماقال أبو سفيان رضي الله عنه ــ قبل إسلامه ــ لهِرَقْلَ كما في «صحيح البخاري» رقم (7)، و «صحيح مسلم» (1773): (
…
فَوَالله لَوْلَا الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبَاً لَكَذَبْتُ عَنْهُ). لفظ البخاري، ولفظ مسلم:(وايم الله، لولا مَخافةُ أن يُؤثَر عليَّ الكذب، لكذبتُ).
(3)
«الجعديات» (1/ 12) رقم (29)، و «حلية الأولياء» (7/ 156)، وانظر:«سير أعلام النبلاء» (7/ 217).
وفي لفظ: (الْأَشْرَافُ لَا يَكْذِبُوْنَ).
(1)
أَيُّهَا الْأَبْنَاءُ وَالْبَنَاتُ مِنَ الْحَمَادَى، لَا تُلْجِئُوا آبَاءَكُمْ إِلَى أَنْ يَقُوْلُوْا أَنْتُمْ لَسْتُمْ حَمَادَى!!!
فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنْ: (يَقُوْلَ الْأَبُ لِوَلَدِهِ إِذَا أَنْكَرَ مِنْهُ أَخْلَاقَاً أَوْ أَعْمَالَاً: لَسْتَ مِنِّي.
وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَفْي الْشَّيءِ لِانْتِفَاءِ ثَمَرَتِهِ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُوْدَ الْمَطْلُوْبَ أَنْ يَكُوْنَ الْابْنُ مُسَاوِيَاً لِلْأَبِ فِيْمَا يُرِيْدُهُ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيْدَةِ، فَلَمَّا انْتَفَتْ هَذِهِ الْثَّمَرَةُ؛ انْتَفَتْ الْبُنُوَّةِ؛ مُبَالَغَةً).
(2)
قَالَ اللهُ عز وجل عَلَى لِسَانِ قَوْمِ مَرْيَمَ لِمَرْيَمَ عليها السلام {يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} (سورة مريم، آية 28)
قال قتادة السَّدُوْسِيِّ (ت 117 هـ) رحمه الله في الآية: (كَانَتْ مِنْ أَهْلِ
(1)
«المجروحون» لابن حبان (1/ 151)، «الكامل» لابن عدي (1/ 151)،
…
«الجامع لشعب الإيمان» للبيهقي (16/ 157).
(2)
«العدة في شرح العمدة» لابن العطار (ت 724 هـ)(3/ 1380).
بَيْتٍ يَعْرَفُونَ بِالصَّلَاحِ، وَلَا يَعْرَفُونَ بِالْفَسَادِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْرَفُونَ بِالصَّلَاحِ وَيَتَوَالَدُونَ بِهِ، وَآخَرُونَ يُعْرَفُونَ بِالْفَسَادِ وَيَتَوَالَدُونَ بِهِ؛ وَكَانَ هَارُونُ مُصْلِحَاً مُحَبَّبَاً فِي عَشِيرَتِهِ، وَلَيْسَ بِهَارُونَ أَخِي مُوسَى، وَلَكِنَّهُ هَارُونُ آخَرُ
…
).
(1)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ (ت 388 هـ) رحمه الله عَنْ الْآيَةِ: (
…
فَقَضَوْا بِفَسَادِ الْأَصْلِ عَلَى فَسَادِ الْفَرْعِ).
(2)
عَلَّقَ الْشَّيْخُ أَحْمَدْ شَاْكِرْ (ت 1377 هـ) رحمه الله عَلَى قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ بِقَوْلِهِ: (وَهَذَا ــ الَّذِيْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ ــ كَلَامٌ جَيِّدٌ، وَاسْتِدْلَالٌ صَحِيْحٌ، يُؤَيِّدُهُ الْوَاقِعُ الْمُشَاهَدُ فِيْ الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ، وَالْنَّادِرُ غَيْرُ ذَلِكَ
…
).
(3)
قَالَ الْآلُوْسِيُّ (1270 هـ) رحمه الله: (وَفِيْهِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الْفُرُوْعَ غَالِبَاً تَكُوْنُ زَاكِيَةً إِذَا زَكَتْ الْأُصُوْلُ، وَيُنْكَرُ عَلَيْهَا إِذَا جَاءَتْ بِضِدِّ
…
ذَلِكَ).
(4)
(1)
«جامع البيان» لابن جرير (15/ 523).
(2)
«معالم السنن» (4/ 80).
(3)
تحقيق أحمد شاكر «مسند أحمد» (8/ 171).
(4)
«روح المعاني» (8/ 407).
قَالَ ابْنُ سَعْدِيِّ (ت 1376 هـ) رحمه الله: (أَيْ: لَمْ يَكُنْ أَبَوَاكِ إِلَّا صَالِحِيْنَ سَالِمِيْنَ مِنَ الْشَّرِّ، وَخُصُوْصَاً هَذَا الْشَّرَّ الَّذِيْ يُشِيْرُوْنَ إِلَيْهِ، وَقَصْدُهُمْ: فَكَيْفَ كُنْتِ عَلَى غَيْرِ وَصْفِهِمَا؟! وَأَتَيْتِ بِمَا لَمْ يَأَتِيَا بِهِ؟! وَذَلِكَ أَنَّ الْذُّرِّيَّةَ ــ فِيْ الْغَالِبِ ــ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ فِيْ الْصَّلَاحِ وَضِدِّهِ؛ فَتَعَجَّبُوْا ــ بِحَسَبِ مَا قَامَ بِقُلُوْبِهِمْ ــ كَيْفَ وَقَعَ مِنْهَا؟ فَأَشَارَتْ لَهُمْ إِلَيْهِ، أَيْ: كَلِّمُوْهُ
…
).
(1)
قَالَ الْشَّعْرَاوِيُّ (ت 1418 هـ) رحمه الله: (وَفِيْ هَذَا دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ نُضْجَ الْأُسَرِ يُؤَثِّرُ فِيْ الْأَبْنَاءِ، فَحِيْنَ نُكَوِّنُ الْأُسْرَةَ الْمُؤْمِنَةَ وَالْبَيْتَ الْمُلْتَزِمَ بِشَرْعِ اللهِ، وَحِيْنَ نَحْتَضِنُ الْأَبْنَاءَ وَنَحُوْطُهُمْ بِالْعِنَايَةِ وَالْرِّعَايَةِ، فَسَوْفَ نَسْتَقْبِلُ جِيْلَاً مُؤْمِنَاً وَاعِيَاً نَافِعَاً لِنَفْسِهِ وَلِمُجْتَمَعِهِ).
(2)
قَالَ أَبُوْ هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ (ت 395 هـ تقريباً) رحمه الله: (وَرُبَّمَا كَانَ سُؤْدَدُ الْوَالِدِ وَفَضِيْلَتُهُ نَقِيْصَةً لِلْوَلَدِ إِذَا تَأَخَّرَ عَنْ رُتْبَةِ الْوَالِدِ، وَيَكُوْنُ ذِكْرُ الْوَالِدِ الْفَاضِلِ تَقْرِيْعَاً لِلْوَلَدِ الْنَّاقِصِ.
(1)
«تفسير السعدي» (ص 492).
(2)
«تفسير الشعراوي» (15/ 974).
وَقِيْلَ لِبَعْضِهِمْ: لِمَ لَا تَكُوْنُ كَأَبِيْكَ؟ فَقَالَ: لَيْتَ أَبِيْ لَمْ يَكُنْ ذَا فَضْلٍ؛ فَإِنَّ فَضْلَهُ صَارَ نَقْصَاً لِي).
(1)
وَالْنَّاسُ يَعِيْبُوْنَ «مَنْ يُخْلِفُ آبَاءَهُ الْصَّالِحِيْنَ، بِالْفِسْقِ وَكَثْرَةِ الْرَّغْبَةِ فِيْ الْدُّنْيَا وَالْكِبْرِ، والدَّعْوَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ، .....
لَئِنْ فَخَرْتَ بِآبَاءٍ لَهُمْ شَرَفٌ
…
لَقَدْ فَخَرْتَ وَلَكِنْ بِئْسَ مَا وَلَدُوْا
(2)
قَالَ الغَزِّيُّ (ت 1061 هـ) رحمه الله: (
…
فَمَنْ كَانَ أَبُوْهُ صَالِحَاً وَخَالَفَ سَمْتَ أَبِيْهِ فَقَدْ أَشْمَتَ عَدُوَّ أَبِيْهِ فِيْهِ، وَكَانَ لِقَابِيْلَ مَثِيْلَاً، وَلِإبْلِيْسَ خَلِيْلَاً،
(3)
بَلْ الْلَّائِقُ بِابْنِ الْكَرِيْمِ أَنْ يَكُوْنَ كَرِيْمَاً، وَلَا يُبَاحُ لِابْنِ الْلَّئِيْمِ أَنْ يَكُوْنَ لَئِيْمَاً، وَقَدْ ذَمَّ اللهُ تَعَالَى الْأَبْنَاءَ عَلَى تَقْلِيْدِ الْآبَاءِ فِيْ الْلَّآمَةِ، وَعُدَّ افْتَخَارِ يُوْسُفَ بِآبَائِهِ الْكِرَامِ عليهم السلام مِنْ قَبِيْلِ الْكَرَامَةِ .....
وَلَا شَكَّ أَنَّ ابْنَ الْكِرَامِ إِذَا جَاءَ بِأَفْعَالِ الْلِّئَامِ؛ سَلَّطَ عَلَى عِرْضِهِ،
(1)
«الصناعتين» (ص 99).
(2)
«المحاضرات في اللغة والأدب» للحسن اليوسي (1/ 76).
(3)
التشبيه بقابيل وإبليس، ليس حسَنَاً.
وَعِرْضِ آبَائِهِ أَلْسِنَةَ الْأَنَامِ، فَهُوَ جَانٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعَشِيْرَتِهِ، وَشَائِنٌ لِقَوْمِهِ وَقَبِيْلَتِهِ، فَهُوَ حَرِيُّ بِالْنَّكَالِ، جَدِيْرٌ بِالْوَبَالِ.
وَقُلْتُ:
يَا مُشْمِتَ الأَعْداءِ فِيْ آبَائِهِ
…
لَا كُنْتَ يَوْمَاً مُشْمِتَ الأَعْداءِ
وَابْنُ الْكِرامِ إِذَا نَبَا عَنْ سَمْتِهِمْ
…
أَوْلَى بِأَنْ يُهْجَى بِكُلِّ هِجاءِ
(1)
يُقَالُ: عَيَّرَ شَرِيْفُ الْنَّسَبِ سُقْرَاطَ بِسُقُوطِ نَسَبِهِ، فَقَالَ: نَسَبِي عَارٌ عَلَيَّ، وَأنْتَ عَارٌ عَلَى نَسَبِكَ.
(2)
وَفَخَرَ رَجُلٌ مِنَ الْمُلُوْكِ عَلَى جَالِيْنُوْسَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ: أَمَّا مَا فَخَرْتَ بِهِ مِنْ شَرَفِ آبَائِكَ، فَشَيءٌ لَا صُنْعَ لَكَ فِيْهِ! كَمَا لَا صُنْعَ لِيْ فِيْ ذِلَّةِ آبَائِيْ!
وَأَمَّا مَا كَانَ إِلَيْكَ وَإِلَيَّ، فَلَا فَخْرَ لَكَ فِيْهِ عَلَيَّ؛ لِأَنَّكَ رَضِيْتَ لِنَفْسِكَ الْنَّقْصَ، وَشَيَّدْتُّ لِنَفْسِيَ الْشَّرَفَ.
(3)
(1)
«حسن التنبه لما ورد في التشبه» للغزي (6/ 375).
(2)
«ربيع الأبرار» (4/ 260).
(3)
«المناقب والمثالب» لريحان الخوارزمي (ص 241) رقم (762).
أَيُّهَا الْحَمَادَى اسْتَوْوْا، وَاعْتَدِلُوْا، وَاسْتَقِيْمُوْا، وَسَوُّوْا صُفُوْفَكُمْ، وَتَرَاصُّوْا، وَتَحَاذَوْا بِالْقُلُوْبِ، وَسُدُّوْا الْخَلَلَ، وَلَا تَدَعُوْا فُرُجَاتٍ لِلْشِّيْطَانِ، وَتُوْبُوْا إِلَى اللهِ عز وجل جَمِيْعَاً وَاسْتَغْفِرُوْهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ.
هَذَا، وَلِلْشَّوْكَانِيِّ (ت 1250 هـ) رحمه الله كَلَامٌ جَمِيْلٌ فِيْ الْحَدِيْثِ عَنْ الْاعْتِدَادِ بِالْأَحْسَابِ، وَذِكْرِ مَآثِرِ الْآبَاءِ، وَأَنَّهُ لَايَدُلُّ عَلَى الْتَّعَصُّبِ لَهُمْ، وَتَلَقِّي مَا نُقِلُ عَنْهُمْ بِالْقَبُولِ مُطْلَقَاً، قَالَ: (وَلِهَذَا تَرَى كَثِيْرَاً مِنْهُمْ يَسْتَكْثِرُ مِنْ: قَالَ جَدُّنا، قَالَ وَالِدُنَا، وَاخْتَارَ كَذَا، صَنَعَ كَذَا، فَعَلَ كَذَا؛ وَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّ الْطِبَاعَ الْبَشَرِيَّةِ تَمِيْلُ إِلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا طَبَائِعُ العَرَبِ؛ فَإِنَّ الْفَخْرَ بِالأنَسَابِ وَالتَّحَدُّثَ بمَا كَانَ لِلسَّلَفِ مِنَ الْأَحْسَابِ، يَجِدُونَ فِيْهِ مِنَ الْلَّذَّةِ مَا لَا يَجِدُوْنَهُ فِيْ تَعَدُّدِ مَنَاقِبِ أَنْفُسِهِمْ، وَيَزدَادُ هَذَا بِزِيَادَةِ شَرَفِ الْنَّفْسِ، وَكَرَمِ الْعُنْصُرِ، وَنَبَالَةِ الْآبَاءِ؛ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنَ الْمَحْمُوْدِ أَنْ يَبْلُغَ بِصَاحِبِهِ إِلَى الْتَّعَصُّبِ فِيْ الْدِّيْنِ، وَتَأثِيْرِ الْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ؛ فَإِنَّ الْلَّذَّةَ الَّتِي يَطْلُبُهَا، وَالْشَّرَفَ الَّذِي يُرِيْدُهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ بِكَونِ مَنْ سَلَفَهُ ذَلِكَ الْعَالِمَ، وَلَا يَضِيْرُهُ أَنْ يَتْرُكَ الْتَّعَصُّبَ لَهُ، وَلَا يَمْحَقْ عَلَيْهِ شَرَفَهُ، بَلْ الْتَّعَصُّبُ مَعَ كَوْنِهِ مُفْسِدَاً لِلْحَظِّ الْأُخْرَوِيِّ؛ يُفْسِدُ عَلَيْهِ أَيْضَاً الْحَظَّ الْدُّنيَوِيَّ؛ فَإنَّهُ إِذَا تَعَصَّبَ لِسَلَفِهِ
بِالْبَاطِلِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ مَنْ لَهُ فَهْمٌ أَنَّهُ مُتَعَصِّبٌ؛ وَفِيْ ذَلِكَ عَلَيه مِنْ هَدْمِ الْرِّفْعَةِ الَّتِي يُرِيْدُهَا، وَالْمَزِيَّةِ الَّتِي يَطْلُبُهَا مَا هُوَ أَعْظَمُ عَلَيْهِ وَأَشَدُّ مِنْ الْفَائِدَةِ الَّتِي يَطْلُبُهَا بِكَوْنِ لَهُ قَرِيْبٌ عَالِمٌ، فَإنَّهُ لَا يَنْفَعْهُ صَلَاحُ غَيْرِهِ مَعَ فَسَادِ نَفْسِهِ
…
).
(1)
(1)
«أدب الطلب ومنتهى الأدب» (ص 59).