المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قصة اليون الإيسوري (717-741 م) مع المسلمين ووصوله إلى العرش البيزنطي: - الحملة الأخيرة على القسطنطينية في العصر الأموي

[سليمان السويكت]

الفصل: ‌قصة اليون الإيسوري (717-741 م) مع المسلمين ووصوله إلى العرش البيزنطي:

‌قصة اليون الإيسوري (717-741 م) مع المسلمين ووصوله إلى العرش البيزنطي:

يرجح أكثر المؤرخين أنه نصراني من أهل مرعش 1، وسماه المسعودي اليون بن قسطنطين المرعشي 2، وبعد أن قضى فترة طفولته في مرعش؛ حيث تمكن من معرفة اللسان العربي 3، عاش في إقليم إيسورة في المنطقة الجبلية الواقعة في الطرف الشرقي لآسيا الصغرى، فنسب إليه، فعرف باليون الإيسوري (ليو الثالث)4. ويذكر أنه انتقل مع عائلته إلى منطقة تراقيا في عهد جستنيان الثاني، وهناك تولى عدداً من المناصب العسكرية حتى صار أحد القادة المشهورين خاصة بعد حملة ناجحة في منطقة القوقاز حيث ظهرت قدراته العسكرية والسياسية 5، ثم اختاره الإمبراطور انسطاس الثاني ليكون حاكماً لإقليم الأناضول 6.

1 المسعودي، مروج الذهب 2/54، والتنبيه ص 165، ومؤلف مجهول، العيون والحدائق ص 25، والمقدسي، البدء والتاريخ 6/43-44، والذهبي، سير أعلام النبلاء 4/502، وابن كثير، البداية والنهاية 9/175، وانظر حتي، تاريخ العرب 3/254، وعبد المنعم ماجد التاريخ السياسي ص 246، والعدوي، الأمويون ص 158. بينما يذكر الطبري في تاريخه 6/530 أنه من (أرمينية) ، وابن الأثير في كامله 4/146 أنه من (أذربيجان) ، ورواية المسعودي ومن وافقه أقرب إلى الروايات البيزنطية عن أصل اليون، انظر مثلاً:

Vasiliev، History of the Byzantine Empaire، I، p.234 & Ostrogorsky، History of The Byzantine State، P. 137

(2)

التنبيه والإشراف ص 165.

3 العيون والحدائق ص 25.

4 جيبون، اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، ترجمة لويس إسكندر 2/552، وعاشور، أوربا 1/114

5 Ostrogorsky، History of The Byzantine State، P. 137

6 العيون والحدائق ص 25، والعدوي، الأمويون ص 158-159، وانظر تاريخ دمشق 50/337.

ص: 444

بدأت قصة اليون الإيسوري مع المسلمين عندما انطلقت حملة مسلمة بن عبد الملك التي نحن بصددها نحو هدفها، مجتازة إقليم الأناضول الذي يحكمه، وضربت حصاراً على عاصمته مدينة عمورية 1، فبدأ اليون الاتصال بالمسلمين. وهنا بين يدي نص ثمين أورده ابن عساكر في ترجمة مسلمة بن حبيب الفهري، مفاده أن اليون كتب كتاباً إلى مسلمة بن عبد الملك يخبره بما تحت يده من ولايات، وأنه إن أعطاه ما يسأله قدم عليه فناصحه وقواه على فتح القسطنطينية، فقرأ مسلمة هذا الكتاب على كافة الأمراء الذين معه في الجيش وأهل المشورة، فاجتمع رأيهم على إجابته ما خلا مسلمة بن حبيب الفهري الذي رفض ذلك بحجة أن الروم أهل مكر وخديعة قال: “.. وهذه إحدى مكرهم، فلا تعطه إلا السيف”2، لكن المجتمعين خالفوه وضحكوا من رأيه وقالوا: كبر الشيخ، وهوّنوا من شأن اليون، وأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً إزاء جموعهم الغفيرة. فكتب مسلمة إلى اليون يؤمِّنه على ما سأل، فقدم ومعه اثنا عشر ألفاً من أساورته 3، “ فكاتبه على مناصحته ومظاهرته على الروم، ودلالته على ما فيه سبب فتح القسطنطينية على بطرقته وتمليكه على جماعة الروم”4.

هذا النص رواه الوليد بن مسلم أحد شيوخ الشام الكبار المهتمين بأمر المغازي والفتوح والعلاقات الحربية بين المسلمين والروم خاصة، عن غير واحد من شيوخه، وهو يخالف المصادر البيزنطية التي لم تثبت وجود مناظرات مباشرة بين اليون ومسلمة 5.

1 عبد اللطيف، العالم الإسلامي ص 259.

2 تاريخ دمشق 58/21.

3 جمع أُسْوار: قائد الفرس، أو الجيد الرمي بالسهام، أو الجيد الثبات على ظهر الفرس. لسان العرب، مادة (سور) .

4 تاريخ دمشق 58/21.

5 انظر وسام فرج، العلاقات بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الأموية ص 154، حيث يذكر أن المصادر البيزنطية لم تثبت وجود مناظرات مباشرة بين اليون ومسلمة، وإن أشارت إلى رسائل متبادلة بينهما، لكنهما لم يتقابلا شخصياً.

ص: 445

ويؤخذ من هذه الرواية أن بدء اتصال اليون بالمسلمين كان بعد أن اجتازت حملة مسلمة إلى بلاد الروم متجهة نحو القسطنطينية، خلافاً لما رواه الطبري ومن وافقه1 من أن اليون جاء إلى الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك لما هلك إمبراطور الروم فأخبره بذلك، وضمن أن يدفع إليه أرض الروم، فوجه معه مسلمة حتى نزل بالقسطنطينية.

وينسجم مع رواية ابن عساكر هذه ما رواه المسعودي 2، وصاحب العيون والحدائق3، والمقدسي4، وابن كثير5، عن وقت اتصال اليون بالمسلمين. ويستفاد أيضاً أن موافقة مسلمة بن عبد الملك ومن معه على قدوم اليون واستنصاحه كان وفقاً لأهوائهم ورغبتهم العاجلة في الفتح من غير نظر في عواقب موالاة الكفار وموادتهم، كما تنبه إليها ذلك الشيخ اللبيب الحازم مسلمة بن حبيب.

ويلفت النظر ذلك العدد الكبير الذي قدم به اليون (12 ألفاً) لماذا؟ هل هو لنصرة المسلمين؟ ! أليس الهدف من استصحابه الدلالة على الطريق والعورات والدلالة على ما فيه سبب الفتح6؟.

ويفصح النص بصراحة ووضوح عن الهدف الذي شارطهم عليه مقابل

1 تاريخ الطبري 6/531، وكامل ابن الأثير 4/146.

2 التنبيه ص 165.

3 ص 26.

4 البدء والتاريخ 6/44.

5 البداية والنهاية 9/174.

6 المقدسي، البدء والتاريخ 6/44

ص: 446

ما سيؤديه من خدمات وهو (بطرقته وتمليكه على جماعة الروم) ولا أدري كيف يُقبل من رجل أنه سيدل على عورات قوم يسعى إلى ولايتهم، وسيكون مسؤولاً عن مصالحهم والدفاع عنهم؟!.

ولهذا يتضح أن قبول مثل هذا الجسم الغريب لينضم إلى الجيش بداية حقيقية للفشل والعجز عن تحقيق الهدف.

على أي حال فُكَّ الحصار عن مدينة عمورية تنفيذاً للاتفاق، وواصل الجيش الإسلامي مسيره نحو القسطنطينية كما أسلفنا.

وهنا تختلف الروايات العربية حول اليون؛ فأكثرها يذكر أنه صاحَبَ الجيشَ الإسلامي حتى وصل إلى القسطنطينية، وظل مع مسلمة يظهر موالاته ويتحين الفرصة المناسبة للانحياز إلى صف الروم، ليصل إلى هدفه الذي خطط له وهو تسنم عرش الإمبراطوية ـ في ظل ضعف حاكمها عن المواجهة ـ ومن ثم المكر بالمسلمين. وهذا ما تم له ـ وفقاً لهذه الروايات ـ؛ فإنه لما ألحَّ المسلمون في حصار المدينة وضاق الحال بأهلها طلب الروم من مسلمة أن يبعث إليهم اليون، فلما صار إليهم أخبرهم بأنه مستعد للتصدي لمسلمة مقابل تمليكه عليهم، فبايعوه، 1، وعند المسعودي أنه هو الذي استأذن مسلمة في التوسط بينه وبينهم، فلما سار إليهم، دعاهم إلى بيعته فأجابوه 2.

والروايتان كما يظهر متفقتان، وإن بدا اختلاف يسير في مَنْ هو الذي طلب من مسلمة التوسط، هل هو اليون نفسه أم الروم؟ ويمكن أن يقال: إن الروم هم الذين بدأوا بالطلب ثم استأذن اليون من مسلمة تبعاً لذلك، ليهتبل الفرصة التي كان ينتظرها على أحر من الجمر.

1 المصدر السابق 6/44.

2 التنبيه ص 165-166.

ص: 447

ورواية المقدسي السابقة عن كيفية وصول اليون إلى عرش الإمبراطورية ذكرتها معظم المصادر العربية التي تناولت هذا الموضوع 1.

وعند صاحب العيون والحدائق أن اليون ظلَّ في عمورية حتى استدعاه مسلمة لما أشرف على فتح القسطنطينية، وأنه هو الذي أرسله إلى أهلها وطلب منهم أن يملِّكوه عليهم حتى يرحل ويدعهم هم وبلادهم ودينهم وكنائسهم، وما زال مسلمة يلح عليهم حتى ملَّكوا اليون بعد أن وعدهم هذا بالغدر بمسلمة 2. ويظهر من هذه الرواية كأن مسلمة ما جاء لفتح القسطنطينية، وإنما جاء منقذاً لعرش بيزنطة من التردي في هوة الخلافات والضعف، وتنصيب اليون حاكماً عليها.

لكن ثمة رواية أخرى عن شاهد عيان تفيد أن اليون وقت عبور القوات الإسلامية إلى البر الأوربي كان جالساً على برج باب القسطنطينية ينضم قواته ويصف رجاله فيما بين الحائط والبحر 3.

ومعنى هذا أن اليون وصل إلى القسطنطينية قبل وصول القوات الإسلامية بوقت كاف تمكن فيه من الوصول إلى العرش البيزنطي، وإعادة تنظيم قواته واستعداداته لمواجهة القوات الإسلامية الزاحفة براً وبحراً، والتي كان على دراية بمدى قوتها وضخامتها. وهذه الرواية فضلاً عن كونها عن شاهد عيان وهو الليث الفارسي أحد المشاركين في القوة البحرية الإسلامية فهي تتفق مع الروايات البيزنطية التي تذكر أن اليون بعد أن نجح في فك الحصار عن

1 تاريخ الطبري 6/531، وتاريخ دمشق 58/21، وكامل ابن الأثير 4/146، وتاريخ مختصر الدول ص 196، وتاريخ الإسلام (81-100) ص 271، وسير أعلام النبلاء 4/502، والبداية والنهاية 9/1474،175.

2 ص 28.

3 تاريخ دمشق 50/338.

ص: 448

عمورية اتجه غرباً عبر ثيم الأبسيق وهزم القوى البيزنطية التي اعترضت طريقه نحو القسطنطينية بما فيها قوات كان يقودها ابن الإمبراطور نفسه، وعند نيقوميديا Nicomedia جرت بينه وبين أهل القسطنطينية مفاوضات انتهت بتنصيبه إمبراطوراً بعد عزل الإمبراطور الضعيف تيودوسيوس الثالث Teodosius III، وكان ذلك قبل وصول مسلمة بستة أشهر 1

لم يرد في المصادر العربية ما يدل على وقت انفصال اليون عن مسلمة ولا كيف سمح له بالتقدم نحو القسطنطينية، لكن يحتمل أن اليون كسب ثقة مسلمة بسبب ما أعطى من العهود فسمح له بذلك ليمهد له الطريق لفتحها. ويرجح بعض الباحثين احتمالاً آخر وهو أن اليون اتجه غرباً إلى القسطنطينية بغير علم مسلمة 2

1 Bury، Later Roman Empire، II، p. 383 & Ostrogorsky، History of The Byzantine State، P. 138

2 فرج، العلاقات بين الإمبراطورية البيزنطية والدولة الأموية ص 142.

ص: 449