المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌سر تحريم الخمر:

قال: "عرق أهل النار" أو قال: "عصارة أهل النار".

وروى أحمد والبخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال:

قلت يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعها باليمن (البتع) وهو من العسل حين يشتد – (والمزر) وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوتى جوامع الكلم بخواتيمه. قال: "كل مسكر حرام".

هذا هو رأي جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين.

وهذه أنواع الخمور التي كانت توجد أساساً فهل يقتصر التحريم على هذه الأنواع الخمسة فقط أم أن هناك أنواعاً مستحدثة وأسماء جديدة؟ !!!.

ص: 192

‌أهم الأنواع التي استحدثت من الخمر:

هناك مثلاً (البراندي)(والوسكي)(والروم)(والليكبر) ، وغيرها. وتبلغ نسبة الكحول فيها من 40 % إلى 60 % وتبلغ النسبة في (الجن) و (الهولاندي) و (الجنيفا) من 33 % إلى 40 % وهناك أيضاً أصنافاً أخرى مثل (البورت) و (الشرى) و (الماديرا) وتحتوي على 15 % إلى 25 %.

وتحتوي الخمور الخفيفة مثل (الكلارت) و (الهوك) و (الشامبانيا) و (البرجاندي) على 10 % إلى 15 %.

وأنواع البيرة الخفيفة على 2 % إلى 9 % مثل (الأيل) و (البورتر) و (الاستوت) و (الميونيخ) وغيرها.

كما أن هناك أصنافاً أخرى تحتوي على نفس النسب الأخيرة مثل (البوظة) والقصب المتخمر وغيرهما 1.

1 نقل هذا من تقرير طبي عالمي.

ص: 192

‌سر تحريم الخمر:

عندما قرر الإسلام حرمة الخمر وعقوبة شاربها لم ينظر إلى أنها سائل يشرب. وإنما نظر إلى الأثر الذي تحدثه في شاربها من زوال العقل الذي يفسد عليه إنسانيته ويسلبه مكانة التكريم التي منحه الله إياها. ويفسد عليه أيضاً ما يحب أن يكون بينه وبين الناس من صلات المحبة والصفاء ويطوع له مع هذا انتهاك الأعراض وقتل النفس ويعكر عليه صفو المعرفة بالله الناشئة عن مراقبته وتذكر عظمته.

وذلك عنوان أضرارها الروحية والاجتماعية التي حرمت لأجلها كما تضمنها وأشار إليها بأساليب التحريم المتعددة القوية قوله تعالى من سورة المائدة:

ص: 192

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} .

وقد كشف الوحي الإنساني في ضوء هذا الوحي الإلهي الكريم أن للخمر مع هذه الأضرار أضراراً أخرى أجمع عليها الأطباء المتخصصون في أمراض الكبد والمعدة والقلب وسائر الأجهزة.

وقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية من باريس في شهر مايو 1956 م أن معهد الإحصاء الفرنسي أذاع في 25 من مايو سنة 1958 م أن الخمور بدأت من الفرنسيين أكثر مما لا يقتل مرض السل.

وقال المعهد أن 17،400 فرنسي ماتوا في العام الماضي من الخمر بينما لم يمت سوى 12،000 بالسل هذا التقرير رسمي عماده معهد الإحصاء القومي في فرنسا لضحايا كل من الخمر والسل.

وحسْب الذين يميلون إلى الخمر أو يحاولون خديعة الناس عن حكمها في الإسلام أن يعرفوا ذلك ليتبين لهم كيف يرحمهم الله الحكيم بتحريم الخمر وكيف يصورها لهم بأنها {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} وأي رجس بعد هذا؟ !!!.

وهذا كله فوق ما يحدثه شربها من الأضرار الاقتصادية التي تذهب بأموال شاربها سفهاً بغير علم إلى خزائن الذين اصطنعوها وصدروها وتفننوا في سبيل الإعلان عنها والإغراء بها. وفوق ما تحدثه من الأضرار الأدبية في الذهاب بالحشيمة والوقار واحترام الأهل والأبناء والأصدقاء. وفوق التوارث لرجسيتها بين الآباء والأبناء والأحفاد. ولهذا كله حرم الإسلام الخمر.

وقد نشرت مجلة التمدن الإسلامي ملخصاً لأضرار الخمر بقلم الدكتور عبد الوهاب خليل. يتحدث فيه عن أضرار الخمر النفسية والبدنية والخليقة وما يترتب عليها من آثار سيئة.

فقالت

"وإذا سألنا جميع العلماء سواء علماء الدين أو الطب أو الأخلاق أو الاجتماع أو الاقتصاد وأخذنا رأيهم في تعاطي المسكرات لكان جواب الكل واحداً:

ص: 193

وهو منع تعاطيها منعاً باتاً لنها ضرراً فادحاً ".

فعلماء الدين يقولون: إنها محرمة وما حرمت إلا أنها أم الخبائث.

وعلماء الطب يقولون: إنها من أعظم الأخطار التي تهدد نوع البشر لا بما تورثه مباشرة من الأضرار السامة فحسب بل بعواقبها الوخيمة أيضاً.

إذ أنها تمهد السبيل لخطر لا يقل ضرراً عنها، ألا وهو السل.

والخمر توهن الجسم وتجعله أضعف مقاومة وجلداً في كثير من الأمراض مطلقاً. لأنها تؤثر في جميع أجهزة البدن وخاصة في الكبد.

وهي شديدة الفتك بالمجموعة العصبية لذلك لا يستغرب أن تكون من أهم الأسباب الموجبة لكثير من الأمراض العصبية ومن أعظم دواعي الجنون والشقاوة والإجرام لا لمستعملها فقط بل وفي أعقابه من بعده.

فهي إذن علة الشقاء والبؤس. وهي جرثومة الإفلاس والمسكنة والمذلة. وما نزلت بقوم إلا أودت بهم مادة ومعنى بدناً وروحاً جسماً وعقلاً.

وعلماء الأخلاق يقولون: لكي يكون الإنسان محافظاً على الرزانة والعفة والشرف والنخوة والمروءة. يلزم عدم تناول شيء يضيع به هذه الصفات الحميدة.

وعلماء الاجتماع يقولون: لكي يكون المجتمع الإنساني على غاية من النظام والترتيب يلزم عدم تعكيره بأعمال تخل بهذا النظام وعندها تصبح الفوضى سائدة. والفوضى تخلق التفرقة. والتفرقة تفيد الأعداء المتربصين.

وعلماء الاقتصاد يقولون: إن كل درهم نصرفه لمنفعتنا فهو قوة لنا وللوطن وكل درهم نصرفه لمضرتنا فهو خسارة علينا وعلى وطننا. فكيف بهذه الملايين من الأموال التي تذهب سدى على شرب المسكرات على اختلاف أنواعها وتؤخرنا مالياً وتذهب بمروءتنا وتدمر مجتمعنا.

فعلى هذا الأساس نرى أن العقل يأمرنا بعدم تعاطي الخمر، لأن العقل يجب أن يعي الخير الذي يأمر الله به، وإذا أرادت الحكومة أي حكومة أخذ رأي العلماء الخبيرين في هذا المضمار فقد كفيناها مؤونة التعب في هذه السبيل وأتيناها بالجواب بدون أن تتكبد مشقة أو تصرف قرشاً واحداً. إذ جميع العقلاء متفقون على ضررها. والحكومات من الشعوب والشعوب تريد من حكوماتها رفع الضرر عنها والأذى فهي مسئولة عن رعيتها.

ص: 194

ويمنع المسكرات يغدوا أفراد الأمة أقوياء البنية صحيحي الجسم أقويا العزيمة ذوي عقل ناضج، وهذه من أهم الوسائل المؤدية إلى رفع المستوى الصحي في المجتمع كله، وكذلك هي الدعامة الأولى لصلابة البناء الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي، فتنعدم أو تقل الجرائم وكل ما يثير الاضطرابات.

وبعدها تصبح السجون خالية تتحول إلى دور يستفاد منها بشتى الإصلاحات الاجتماعية.

هذه هي الحضارة والمدنية. وهذا هو الرقي والوعي وهذا هو المعيار والميزان لرقي الأمم. أن تشترك وتتعاون على رفع الضرر والأذى، وفتح باب العمل الجدي المنتج الواسع.

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} .. انتهى.

هذه الأضرار الآنفة ثبتت ثبوتاً لا مجال فيه لشك أو ارتياب مما حمل كثيراً من الدول الواعية على محاربة تعاطي الخمر وغيرها من المسكرات وكان في مقدمة من حاول ذلك من الدول أريكا وروسيا أكبر دولتين ماديتين في العالم.

فقد نشر في كتاب: (تنقيحات) للسيد أبو الأعلى المودودي ما يلي:

"منعت حكومة أمريكا الخمر وطاردتها في بلادها واستعملت جميع وسائل المدنية الحاضرة. كالمجلات والمحاضرات والصور والسينما لتهجين شربها وبيان مضارها ومفاسدها وكذا روسيا ودولاً أخرى كثيرة ليست مسلمة.

ويقدرون ما أنفقت أمريكا في الدعاية ضد الخمر بما يزيد عن 60 مليون دولار وأن ما نشرته من الكتب والنشرات يشتمل على 10 بلايين صفحة زمت تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم في مدة أربعة عشر عاماً لا يقل عن 250 مليون دولار.

وقد أعدم فيها 300 نفس وسجن 532‘335 نفس وبلغت الغرامات إلى 16 مليون جنيهاً وصادرت من الأملاك ما يبلغ 400 مليون وأربعة ملايين جنيهاً.

ولكن كل ذلك لم يزد الأمة الأمريكية إلا غراماً بالخمر وعناداً في تعاطيها حتى اضطرت الحكومة سنة 1933 م إلى سحب هذا القانون وإباحة الخمر في بلادها إباحة مطلقة" انتهى.

إن أمريكا قد عجزت عجزاً تاماً عن تحريم الخمر بالرغم من الجهود الضخمة التي بذلتها.

ص: 195