المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تأثير الخمر على جسم الإنسان: - الخبيثة أم الخبائث

[عبد الفتاح بن سليمان عشماوي]

الفصل: ‌تأثير الخمر على جسم الإنسان:

ولكن الإسلام الذي ربى الأمة على أساس من الدين وغرس في نفوس أفرادها غراس الإيمان الحق وأحيا ضميرها بالتعاليم الصالحة والأسوة الحسنة. لم يصنع شيئاً من ذلك ولم يتكلف مثل هذا الجهد ولكنها كلمة قيلت من الله سبحانه وتعالى استجابت لها النفوس استجابة مطلقة.

روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

"ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ. إني لقائم أسقي أبا طلحة وأبا أيوب ورجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: في بيتنا إذ جاء رجل فقال: هل بلغكم الخبر؟ فقلنا: لا فقال: إن الخمر قد حرمت فقال: يا أنس أرق هذه القلال. قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل". هكذا يصنع الإيمان بأهله.

ص: 196

‌تأثير الخمر على جسم الإنسان:

إن صحة الأجسام وجمالها ونضرتها من الأمور التي وجه الإسلام إليها عناية فائقة واعتبرها من صميم رسالته. ولن يكون الشخص راجحاً في ميزان الإسلام محترم الجانب إلا إذا حافظ على جسمه وعقله وصانه عن كل ما يفسده.

ويقظة العقل مرتبطة بسلامة الجسد، وقد قيل: العقل السليم في الجسم السليم.

ولذلك نهانا الله سبحانه وتعالى عن الابتعاد عن كل ما فيه إفساد للجسم أو للعقل، قال تعالى:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقال سبحانه وتعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} ومما لاشك فيه أن الخمر تؤدي بشاربه إلى الهلاك المؤكد الذي أثبتته وقائع الأيام.

فمن المعلوم أن جميع السوائل المسكرة تحتوي على نسبة معينة من الكحول كما أسلفنا ترتفع وتنخفض بالنسبة لنوع السائل. فمثلاً كأس البيرة الواحد فيه من 3 – 8 % وكاس الوسكي يحتوي على نسبة 50 % من الكحول. وكأس الشمبانيا يحتوي على نسبة 20 % من الكحول. وكأس الشيرى أو اليورت يحتوي على نسبة 20 % من الكحول 1.

ومن المعلوم كذلك أن نسبة الكحول كلما ارتفعت نسبتها في الشراب كلما كان تأثيره السيئ على الأجهزة التي يحتويها الجسم أكثر ضرراً وأشد فتكا.

ومن المعلوم كذلك أن الذي يؤثر في أجهزة جسم الإنسان هو الكحول لذا يسمى بروح الخمر، ولهذا كما سبق يسمى في اللغة العربية بالغول لأنه يغتال العقول بل ويفتك بها.

1 كتاب الخمر بين الطب والفقه ص 34.

ص: 196

لذا فإن الله عز وجل لما ذكر عباده المخلصين الذين استثناهم من تذوق العذاب الأليم وصور لهم النعيم الذي سيلقونه في إعطائه في الدار الآخرة كان من ضمن ما يتنعمون أن يطاف عليهم بخمر لذة للشاربين لأنها منقادة من الغول المجلب للصداع المنغص المكدر حقيقة للنفوس. قال تعالى:

{أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} 1.

ومن الدراسات الكيميائية اتضح أنه يفتك كذلك بكثير من أجهزة الجسم ولكن تأثيره المباشر والفوري يظهر أول ما يظهر على العقول.

ولما كان الكحول هو روح الخمر كما ذكر وقد أجريت دراسات علمية معملية على مدى تأثير الكحول على أجهزة جسم الإنسان. وثبت يقيناً أن للكحول وبالتالي للخمور آثار فتاكة بك أجزاء جسم الإنسان، وإن كان نسبة الضرر التي تصيب كل جزء تتفاوت عن غيرها.

ٍمن أجل هذا سأتحدث عن بعض الأضرار التي تلحق الإنسان من جراء تناوله هذه السموم.

تأثير الكحول على الجهاز العصبي للإنسان:

((أهم تأثير للكحول تخديره لخلايا المخ جميعاً. ولكن أهم الخلايا التي تصاب هي خلايا القشرة وهي الخلايا المتحكمة في الإرادة أو ما نعبر عنه بكلمة العقل)) .

والعقل هو القوة التي خلقها الله للإنسان يستطيع بواسطتها أن يميز بين الأشياء لذا فإن الطفل تتكون عنده بالتدرج مجموعة من الموانع الأخلاقية بالتربية فالطفل يتبول، ويتغوط دون أي مانع. فإذا بلغ سن لا إله إلا التمييز ثم التكليف فإنه لا يمارس الأفعال التي كان يمارسها وهو صغير.

1 الصافات 41 – 47.

ص: 197

ووظيفة الكحول هي التأثير على هذه القوة فيصبح مرة أخرى لا يتحرج من فعل ما كان يفعله صغيراً أو ما يماثله. ويفقد الإنسان قوة التحكم فيما يأتي من أفعال. وحتى فيما ينطق به من كلمات. إذا سكر هذى وإذا هذى افترى.

ويفقد القدرة على الأعمال التي تحتاج إلى دقة كالطباعة أو قيادة السيارات بل وتختل الموازين الزمنية والمكانية. فلا يستطيع السائق المخمور أن يتحكم في السرعة وتفادى الحوادث. لذا فإن جميع الدول تحرم قيادة السيارات تحت تأثير الخمر وتشدد العقوبة حينئذ على المخمور.

وقد أثبتت الفحوص الكثيرة أن الكفاءة والمقدرة لدى الشخص المتعاطي تنخفض بمجرد شرب الكحول حتى ولو كان متعوداً عليها ولو كانت الكمية ضئيلة.

ويؤثر الكحول على دقة النظر والقدرة على السمع الجيد وعلى الشم والطعم وعلى توازن العضلات. وكذلك فإن الشخص المتعاطي لا يستطيع أن يتخذ القرار فضلاً عن القرار السريع والمناسب. ومهما كانت الكمية المتعاطاه ضئيلة 1.

يقول الدكتور سيدني كاى. في كتابه (علم السموم)2.

"إن الخمر هي السبب المباشر وغير المباشر في المئة من مجموع حالات الوفاة التي يفحصها بمعمل الطب الشرعي بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة".

((وقد أقيمت في مدينة مانسشتر بانجلترا تجربة على أمر سائقي الاتوبيسات هناك وأعطى كل واحد منهم كمية قليلة من الخمر ثم سمح له بقيادة الاتوبيسات تحت الاختبار. ورغم الثقة الزائدة التي كانت تبدو على السائقين. إلا أن أخطاءهم كانت مروعة ومرعبة وستؤدي إلى كوارث خطيرة)) ولا يوجد شك في أن الخمر هي السبب الأول في حوادث السيارات والطائرات.

وما لا يقل عن خمسين في المائة من جميع حوادث السيارات. وللأسف فإن تقارير البوليس أقل من هذه النسبة وذلك لأن إثبات حالة السكر البين ليست يسيرة وبخاصة إذا كانت الكمية المتعاطاة قليلة فلا تظهر آثارها كاملة ولا ترتفع نسبة الدم إلى الحد الذي يمنعه القانون.

1 كتاب الخمر بين الطب والفقه. ص 39 – 41.

2 نقلاً عن كتاب الخمر بين الطب والفقه ص 42.

ص: 198

فالقوانين في أوربا وأمريكا تعاقب على شرب الخمر وقيادة السيارات إذا كانت النسبة مئة مليجراماً في كل مئة سنتي من الدم 1.

الخمر والجلد:

يعتقد الناس المدمنين أن الخمر عامل من عوامل التدفئة وأنها كذلك تزيد من قوة الإنسان ونشاطه لذا فإن شارب الخمر تتورد خدوده ويكاد الدم المتدفق في وجهه أن يتدفق من وجنتيه ظل الناس على هذا الإعتقاد حنى الآن وكثير من الأطباء كذلك. أما القليل الذي يتابع الحركة العلمية للطب فقد زال عنه هذا الاعتقاد بناء على الاكتشافات الحديثة التي تقوم على التحاليل العلمية المعملية.

وقد ثبت أن الاحساس بالدفء إحساس كاذب حقيقة وذلك لأن تناول الكحول يسبب توسعاً في الأوعية الدموية للجلد نتيجة شلل مؤقت بالمركز الدموي الحركي في النخاع المستطيل.

وتزداد كمية الماء في الدم مما يترتب عليه احتقان وجه الشارب وتحمر وجناته وتحتقن الملتحمة في عينيه، فيحس الشخص بالدفء بعد تناول الكحول.

وفي حقيقة الأمر قد فقد جسمه حرارته لذا فإن الشارب قد يموت فعلاً من البرد وهو شاعر بالدفء.

((ورغم أن الكحول تؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية التي في الجلد وفي الجسم عامة إلا أنها لا توسع الأوعية التاجية التي تغذي القلب)) .

وهذه حقيقة مجهولة كذلك حتى عند كثير من الأطباء إلى عهد قريب. ولكن منجزات الطب الحديثة قد كشفت عن زيف هذا الاعتقاد واتضح الآن أن الأطباء الذين يصفون الخمر لمرضى ضيق الشرايين التاجية على أمل أن يحسن ذلك من الدورة التاجية. مخطئون بل إن الطب الحديث أثبت عكس ذلك فقد أثبت أن الخمر تتسبب في تصلب الشرايين التاجية للقلب ويؤدي هذا إلى الذبحات الصدرية وكذلك إلى جلطة القلب)) 2 فالخمر حقيقة داء وليست بدواء.

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدق الله العظيم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} .

1 نفس المصدر.

2 كتاب الخمر بين الطب والفقه ص 46.

ص: 199

لذا فإن أهل اليمن حينما جاء وفد منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. واستفتوه في شرب الخمر في الشتاء لشدة البرودة آنذاك فلم يفتهم بذلك.

وكذلك فقد روى أحمد عن ديلم الحميري رضي الله عنه قال:

"سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا بأرض نعالج بها عملاً شديداً وإنا نتخذ شراباً من القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا فقال عليه الصلاة والسلام: "هل يسكر؟ " قلت نعم، قال: "فاجتنبوه". قل ت: الناس غير تاركيه. فقال: "فإن لم يتركوه فاقتلوهم" 1.

فالرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوافق على شرب الخمر مع دعوى أن شربها يستعان به على العمل وعلى البرد. وإن الطب الحديث يثبت للناس كافة صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.. بعد مضي ألف عام وأربع مئة عام. وهو صلى الله عليه وسلم الصادق حقاً المصدق من أتباعه منذ بداية رسالته وحتى قيام الساعة.

ولسنا نحن المسلمين. في حاجة إلى أن يكون الطب الحديث أو القديم موافقا أو مخالفا. ولكن نقول ذلك لمن ران على قلوبهم، أو علت أعينهم غشاوة فقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم متى صح عنه فهو الحق فإذا خالفه قول أو بحث في زمن من الأزمنة فهو الجهل، وإذا وافقه علم أو بحث صُدِّق البحث بقول الرسول بالبحث. وهذ قاعدة يسير عليها أهل العلم والإيمان.

الخمر والجنس:

يظن الكثير أن الخمر تزيد من القدرة الجنسية، وهذا ظن خاطئ، ولكن الخمر تخدر المناطق المخية العلياء. ولهذا فإن الحياء والأخلاق الكريمة تذهب مع ذهاب انضباط عقل السكران، وهي حقيقة تزيد الرغبة في الجنس وفي بداية الشرب نجعل الشارب يرتكب جرائم جنسية شاذة، فالوازع الأخلاقي غير موجود والتفكير في العواقب يصبح مشلولاً شللاً تاما ًبعد تناول الخمر.

((والاستمرار في شرب الخمر يؤدي إلى ضعف بل فقدان القدرة على الوظيفة الجنسية تماماً. بل إن الإكثار من شرب الخمر غالباً ما يؤدي إلى العمى الكامل، ويؤدي في كثير من الحالات التي لم يتمكن من إنقاذها إلى الموت الحقيقي. وتوجد كذلك في الخمور التي من نوع (الإبسنت) مادة تسبب الصرع والتشنجات وهذه المادة تسمى (الثوجون) وما أكثر ما تسبب هذه الخمور من أمراض عواقبها وخيمة)) .

1 السياسة الشرعية لابن تيمية ص 64: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن قيم الجوزية ص 117.

ص: 200

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "هي داء وليست بدواء".

الخمر والجنين:

أكد بحث الدكتور جيمس فرياس، من جامعة فلوريدا أذيع في اليوم التاسع من شهر مارس 1977م - أن إفراط السيدات في تناول الخمور أثناء الحمل يؤدي في 50% من الحالات إلى ولادة طفل متخلف عقليا، بينما يؤدي في 30% من الحالات إلى ولادة طفل مشوه.

وأكد الطبيب الأمريكي أن التجارب أثبتت أن هذه التشوهات تنجم عن عامل موجود في المشروبات الكحولية نفسها.

ومن ناحية أخرى أثبتت آخر الإحصائيات أن عدد النساء الأمريكيات اللاتي يدمن الخمر بلغ نصف عدد المدمنين عموما في الولايات المتحدة الذي يبلغ 10 ملايين شخص1.

وقد نشرت مجلة لواء الإسلام الصادر في القاهرة في شهر جمادى الأولى سنة 1367هـ 12 من مارس 1948م العدد التاسع:

يقول الدكتور محمد فخر الدين السبكي، صاحب البحث:

سأبدأ الآن بالتحدث عن أضرار الخمر الصحية وأقسمها إلى قسمين:

أولاً: تأثير جرعة واحدة.

وثانيا: تأثير الإدمان.

فأولا: ماذا يحصل لمن يشرب جرعة واحدة من الخمر؟

إن تأثير هذه الجرعة يختلف تبعا لعوامل كثيرة، منها سن الشخص ونوع الخمر، ودرجة نقاوتها من المراد الغريبة والكمية المشروبة، وكون المعدة خالية أو مملوءة بالطعام، وحالة الشخص الصحية، ودرجة حرارة الجو، وغير ذلك، كما أن التأثير أيضا يختلف تبعا لكون الشخص مدمنا أو غير مدمن.

1 جريدة الأخبار المصرية، الخميس 10 مارس 1977 العدد 7716 السنة الخامسة والعشرون.

ص: 201

فالتأثير يزداد كلما كان الشارب صغير السن، وتبعا لدرجة تركيز الكحول في الخمر؛ فجرعة من الويسكي الذي يحوي 35% من الكحول يكون لها تأثير أقوى بالطبع من نفس الجرعة من النبيذ الذي يحوي نحو 15% من الكحول.

ويختلف التأثير أيضا تبعا لما تحتويه الخمر من مواد غريبة، وأخصها الكحول المثيلي الذي قد تسبب جرعة واحدة منه فقد البصر بالكلية.

كما يزداد تأثير الخمر سرعة واحدة إذا كانت المعدة خالية من الطعام.

كما أن تأثيرها يكون أسوأ إذا كان الشخص مصابا بأمراض خاصة.

وكذا إذا كانت درجة حرارة الجو منخفضة، أو كان الشخص غير متعود على الشرب.

وأودّ أن أذكر هنا أن تأثير الخمر لا يتوقف على السُّكر؛ إذ أن هذا التأثير يبدأ بمجرد وصول عشرة جرامات من الكحول إلى الدم للشخص البالغ، وهذا القدر يوجد في كأس واحدة من (الويسكي) أو (الكنياك) .

وقد لا يصل بالشخص إلى درجة السكر، ولكن على كل حال له أثر ملموس في حالة الشخص الجسمية والعقلية.

ومما يذكر لهذه المناسبة أن الشخص إذا فحص في هذه الحالة نجد أن درجة إدراكه وتقديره قد تغيرت فعلا؛ فهو مثلا إذا كتب على الآلة الكاتبة زادت أخطاؤه عن المعتاد، وإذا قاد السيارة لم يتبع بالضبط قوانين المرور، ومع ذلك فهو نفسه لا يدرك أن حالته قد تغيرت، وهذا ليس غريبا بالنسبة له؛ فقلما نجد سكرانا يعترف أن عقله قد اختل، حتى وإن سار في الطريق عريانا أم الناس كما حدث كثيرا، بل إن السكيرين المدمنين قلما يعترفون أن عقلهم غاب مرة واحدة، حتى وإن كان غائبا ففلا وهو يقولون ذلك.

وعند وصول الخمر إلى المعدة تحدث عند غير المتعود عليها احتقانا فيها قد يسبب غثيانا أو قيئا، وإذا كانت الجرعة كبيرة سببت التهابا في المعدة وعسر هضم يمتد إلى بضعة أيام.

وبمجرد سريان الخمر في الجسم تسبب شعورا بالامتلاء في المخ مع شيء من الدوار أو الصداع، كما يسبب الكحول اتساعا في الأوعية الدموية التي بالجلد؛ فيجري فيه دم أكثر من المعتاد مما يسبب شعورا بالدفء، ولو أن درجة حرارة الشخص تكون في الواقع أقل من المعتاد.

والجرعة الواحدة من الخمر تحدث شيئاً من الارتفاع في ضغط الدم، وهذا الارتفاع وحده قد لا يكون له ضرر كبير، ولكن يتضاعف إذا كان الشخص مرتفع الضغط من

ص: 202

نفسه، ثم إذا كانت كمية الخمر كافية لأن تحدث هيجانا يزيد في الضغط لدرجة ينفجر معها شريان في المخ يسبب شللا قد ينجو منه الشخص جزئيا أو لا ينجو كلية؛ إذ المعلوم أن الشخص الذي ضغطه الدموي مرتفع يجب أن يلتزم الهدوء في حياته؛ لأن أي هيجان يزيد في ارتفاع الضغط يعرضه لانفجار شرياني، والسكران لا يمكنه أن يضبط عواطفه وبالتالي لا يمكنه لنفسه هذا الهدوء.

ثانياً: تأثير الإدمان على الخمر:

من المعروف عن الخمر أن الذي يشرب كأسا واحدة منها يكون عنده ميل لشرب ثانية وثالثة، حتى إذا تعود عليها بعض الشيء أصبح لا يمكنه أن يفارقها طويلا؛ فيحصل له تسمم من الكحول مزمن تنتج عنه حالة مرضية في جميع أعضاء الجسم المهمة.

وإن من يبحث كتب الطب يتولاه العجب عندما يقرأ باب مسببات الأمراض المختلفة؛ إذ يجد للخمر نصيب الأسد في ذلك، ولا عجب إذا كان لها الأثر الأكبر في ارتكاب الجرائم وانتهاك الحرمات، وخراب البيوت وإفساد الأخلاق؛ فلماذا لا يكون لها الأثر أيضا في إفساد أعضاء الجسم المختلفة وإصابتها بأمراض أو تعريضها للإصابة بأخرى.

يكفي أن نقول إن الإدمان على الخمر من أكبر أسباب تصلب الشرايين.

نحن نعلم أن الشرايين هي التي يجري فيها الدم إلى خلايا الجسم المختلفة يحمل إليها عوامل الحياة.

فتصلب الشرايين أولاً يضيقها فيقل ما يجري فيها من الدم، ويقل تبعا لذلك ما يصل لأنسجة الجسم من غذاء، وتصبح الشرايين غير مطاطة كما يجب، فعند انقباض القبض أو عند زيادة الضغط الدموي لأي سبب - كانفعال نفسي أو إجهاد جسماني - لا تلين الشرايين المتصلبة أماكم الضغط المتزايد بل يقاوم، وكثيرا ما تؤدي هذه المقارنة إلى انفجار أحد الشرايين، وكثيرا ما يكون الشريان في المخ فيحدث شللا، إما أن يترك الشخص عليلا بعد ذلك، وإما أن ينقله إلى الدار الآخرة فورا.

ليشكو ظلم الإنسان لنفسه وكفرانه بأثمن نعم الله، وهما الدين والصحة.

وإذا كان تصلب الشرايين يؤثر في تغذية أعضاء الجسم المختلفة فإن أهم هذه الأعضاء هو القلب، وفساد أوعيته يعرضه للذبحة الصدرية التي كثيرا ما تكون سببا في تنغيص عيش صاحبها.

كما أن ضيق شرايين المخ يسبب ضعف الذاكرة، ويقلل من مقدرة الشخص على الإنتاج الذهني، ولا يقل كثيرا في الخطر عن تصلب الشرايين، تعرض خلايا الجسم المختلفة

ص: 203

للتشحم، والتشحم هنا معناه تحول المادة الزلالية الحيوية للخلايا إلى نقط دهنية، وفي هذا فقدان لفائدتها الأصلية، وأهم الأعضاء التي تتأثر لذلك هو القلب أيضا.

ونحن نعلم أن القلب عبارة عن عضلة تشتغل كطلمبة كابسة ماصة؛ ينقبض فيخرج منه الدم، ثم يرتخي فيدخل فيه الدم، وهذا يستلزم قوة عضلاته ومتانتها.

فإذا تحولت الخلايا العضلية إلى دهن ضعف القلب وأصبح غير قابل لتحمل المجهود العادي، وعرضه للهبوط مع ما يتبع ذلك من شرح عام في الجسم، وجملة عوارض أخرى تنتهي بالشخص إلى الوفاة.

هناك عضو آخر ذو أهمية كبيرة وسريع التأثير بالكحول، وهو الكبد.

والكبد يقوم في الجسم بوظائف كثيرة.

فهو أولاً مخزن كبير تمر فيه الأوعية الدموية الآتية من الأمعاء، وتحمل الغذاء بعد هضمه وامتصاصه، فيأخذ منها الزائد عن استهلاك الجسم الوقتي من المواد النشوية ويخزنه ليخرج بعد ذلك تدريجيا وقت الحاجة.

كذلك يقوم الكبد بصنع الصفراء وإفرازها في الأمعاء لتساعد على الهضم.

وفي السكيرين يحصل عادة تليف في الكبد، أي تكاثر الأنسجة الليفية العديمة القيمة تكاثرا كبيرا على حساب خلايا الكبد المفيدة، وتكون نتيجة ذلك:

أولاً: فقدان جزء كبير من منافع الكبد.

ثانياً: ضغط الأنسجة الليفية على الأوردة القادمة من المعدة والأمعاء، وهذا يعوق سريان الدم فيها بسهولة إلى القلب، وينتج عن هذا بالتالي رشح مصل الدم في البطن وامتلاؤها بهذا السائل، فتكبر ويصبح الشخص كالمرأة الحامل، إلا أن هذه تحمل في بطنها جنينا من صنع الله، وذاك في بطنه أدرانا وأمراضا من صنع الشيطان.

كما يحدث من معاكسة جريان الدم في الكد أن أوردة المعدة والأمعاء تتمدد وقد تنفجر وينتج من ذلك نزيف له أثره وخطره، ولعلكم تعلمون أن تمدد الأوردة في الجزء الأخير من الأمعاء هو ما يسمى (بالبواسير) ، والبواسير هذه التي هي إحدى هدايا الإدمان في الخمر لها من الأثقال والآلام ما يجعلها غنية عن التعريف، ويكفي أن تسأل عنها مريضا بهذا ليحدثنا عنها حديث المجرب الخبير.

ويحدث تليف الكبد أعراضا أخرى كثيرة، كتضخم الطحال، وتجمع مائي في الصدر، والتهاب في الكليتين، وغير ذلك مما لا يتسع المجال للتحدث عنه بالتفصيل.

ص: 204