المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ آل عمران - الدر المنثور في التفسير بالمأثور - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

الفصل: ‌ آل عمران

سُورَة آل عمرَان

مَدَنِيَّة وآياتها مِائَتَان نزلت بعد الْأَنْفَال

آيَة 1 - 6

ص: 141

أخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أبي بن كَعْب أَنه قَرَأَ {الْحَيّ القيوم}

وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ {القيوم} الْقَائِم على كل شَيْء

وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرؤهَا {الْحَيّ القيوم}

وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي دَاوُد وَابْن الْأَنْبَارِي مَعًا فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عمر أَنه صلى الْعشَاء الْآخِرَة فَاسْتَفْتَحَ سُورَة‌

‌ آل عمرَان

فَقَرَأَ {الم الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم}

وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن الْأَعْمَش قَالَ فِي قِرَاءَة عبد الله / الْحَيّ الْقيام /

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقْرَأ / الْحَيّ الْقيام /

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي عَن أبي معمر قَالَ: سَمِعت عَلْقَمَة يقْرَأ / الْحَيّ الْقيم / وَكَانَ أَصْحَاب عبد الله يقرؤون / الْحَيّ الْقيام /

وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ عمر يُعجبهُ أَن يقْرَأ سُورَة آل عمرَان فِي الْجُمُعَة إِذا خطب

وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير قَالَ: قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَفد نَجْرَان سِتُّونَ رَاكِبًا فيهم أَرْبَعَة عشر رجلا من أَشْرَافهم فَكلم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

مِنْهُم أَبُو حَارِثَة بن عَلْقَمَة وَالْعَاقِب وَعبد الْمَسِيح والأيهم السَّيِّد وَهُوَ من النَّصْرَانِيَّة على دين الْملك مَعَ اخْتِلَاف من أَمرهم

يَقُولُونَ هُوَ الله وَيَقُولُونَ هُوَ ولد الله وَيَقُولُونَ هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة كَذَلِك قَول النَّصْرَانِيَّة فهم يحتجون

ص: 141

فِي قَوْلهم يَقُولُونَ هُوَ الله بِأَنَّهُ كَانَ يحيي الْمَوْتَى ويبرىء الاسقام ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير ثمَّ ينْفخ فِيهِ فَيكون طيراً وَذَلِكَ كُله بِإِذن الله ليجعله آيَة للنَّاس

ويحتجون فِي قَوْلهم بِأَنَّهُ ولد بِأَنَّهُم يَقُولُونَ: لم يكن لَهُ أَب يعلم وَقد تكلم فِي المهد شَيْئا لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله

ويحتجون فِي قَوْلهم إِنَّه ثَالِث ثَلَاثَة بقول الله: فعلنَا وأمرنا وخلقنا وقضينا فَيَقُولُونَ: لَو كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إِلَّا فعلت وَأمرت وقضيت وخلقت وَلكنه هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَم

فَفِي كل ذَلِك من قَوْلهم نزل الْقُرْآن وَذكر الله لنَبيه فِيهِ قَوْلهم فَلَمَّا كَلمه الحبران قَالَ لَهما رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما قَالَا: قد أسلمنَا قبلك

قَالَ: كذبتما منعكما من الإِسلام دعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصَّلِيب وأكلكما الْخِنْزِير قَالَا: فَمن أَبوهُ يَا مُحَمَّد فَصمت فَلم يجبهما شَيْئا فَأنْزل الله فِي ذَلِك من قَوْلهم وَاخْتِلَاف أَمرهم كُله صدر سُورَة آل عمرَان إِلَى بضع وَثَمَانِينَ آيَة مِنْهَا فَافْتتحَ السُّورَة بتنزيه نَفسه مِمَّا قَالُوهُ وتوحيده إيَّاهُم بالخلق وَالْأَمر لَا شريك لَهُ فِيهِ ورد عَلَيْهِم مَا ابتدعوا من الْكفْر وَجعلُوا مَعَه من الأنداد واحتجاجاً عَلَيْهِم بقَوْلهمْ فِي صَاحبهمْ ليعرفهم بذلك ضلالته فَقَالَ {الم الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} أَي لَيْسَ مَعَه غَيره شريك فِي أمره الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَقد مَاتَ عِيسَى فِي قَوْلهم القيوم الْقَائِم على سُلْطَانه لَا يَزُول وَقد زَالَ عِيسَى

وَقَالَ ابْن إِسْحَق: حَدثنِي مُحَمَّد بن سهل بن أبي امامة قَالَ: لما قدم أهل نَجْرَان على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

يسألونه عَن عِيسَى بن مَرْيَم

نزلت فيهم فَاتِحَة آل عمرَان إِلَى رَأس الثَّمَانِينَ مِنْهَا وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع قَالَ: إِن النَّصَارَى أَتَوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فخاصموه فِي عِيسَى بن مَرْيَم وَقَالُوا لَهُ: من أَبوهُ وَقَالُوا على الله الْكَذِب والبهتان

فَقَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمُونَ أَنه لَا يكون ولد إِلَّا وَهُوَ يشبه أَبَاهُ قَالُوا: بلَى

قَالَ: ألستم تعلمُونَ أَن رَبنَا حَيّ لَا يَمُوت وَإِن عِيسَى يَأْتِي عَلَيْهِ الفناء قَالُوا: بلَى

قَالَ: ألستم تعلمُونَ أَن رَبنَا قيم على كل شَيْء يكلؤه ويحفظه وَيَرْزقهُ قَالُوا: بلَى

قَالَ: فَهَل يملك عِيسَى من ذَلِك شَيْئا قَالُوا: لَا

قَالَ: أفلستم تعلمُونَ أَن الله لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء قَالُوا: بلَى

قَالَ: فَهَل يعلم عِيسَى من ذَلِك شَيْئا إِلَّا مَا علم قَالُوا: لَا

ص: 142

قَالَ: فَإِن رَبنَا صور عِيسَى فِي الرَّحِم كَيفَ شَاءَ ألستم تعلمُونَ أَن رَبنَا لَا يَأْكُل الطَّعَام وَلَا يشرب الشَّرَاب وَلَا يحدث الْحَدث قَالُوا: بلَى

قَالَ: ألستم تعلمُونَ أَن عِيسَى حَملته أمه كَمَا تحمل الْمَرْأَة ثمَّ وَضعته كَمَا تضع الْمَرْأَة وَلَدهَا ثمَّ غُذّيَ كَمَا تُغذي الْمَرْأَة الصَّبِي ثمَّ كَانَ يَأْكُل الطَّعَام وَيشْرب الشَّرَاب وَيحدث الْحَدث قَالُوا: بلَى

قَالَ: فَكيف يكون هَذَا كَمَا زعمتم فعرفوا ثمَّ أَبَوا إِلَّا جحُودًا

فَأنْزل الله {الم الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم}

وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرؤهَا / الْقيام /

وَأخرج ابْن جرير عَن عَلْقَمَة أَنه قَرَأَ {الْحَيّ القيوم}

وَأخرج الْفِرْيَانِيُّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {نزل عَلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ} قَالَ: لما قبله من كتاب أَو رَسُول

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ} يَقُول: من الْبَينَات الَّتِي أنزلت على نوح وَإِبْرَاهِيم وَهود والأنبياء

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {نزل عَلَيْك الْكتاب} قَالَ: الْقُرْآن {مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ} من الْكتب الَّتِي قد خلت قبله (وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل هدى للنَّاس) هما كِتَابَانِ أنزلهما الله فيهمَا بَيَان من الله وعصمة لمن أَخذ بِهِ وَصدق بِهِ وَعمل بِمَا فِيهِ {وَأنزل الْفرْقَان} هُوَ الْقُرْآن فرق بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل

فأحل فِيهِ حَلَاله وَحرم فِيهِ حرَامه وَشرع فِيهِ شرائعه وَحَدَّ فِيهِ حُدُوده وَفرض فِيهِ فَرَائِضه وبَيَّنَ فِيهِ بَيَانه وَأمر بِطَاعَتِهِ وَنهى عَن مَعْصِيَته

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير {وَأنزل الْفرْقَان} أَي الْفَصْل بَين الْحق وَالْبَاطِل فِيمَا اخْتلف فِيهِ الْأَحْزَاب من أَمر عِيسَى وَغَيره

وَفِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا بآيَات الله لَهُم عَذَاب شَدِيد وَالله عَزِيز ذُو انتقام} أَي أَن الله منتقم مِمَّن كفر بآياته بعد علمه بهَا ومعرفته بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا

وَفِي قَوْله {أَن الله لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} أَي قد علم مَا يُرِيدُونَ وَمَا يكيدون وَمَا يضاهون بقَوْلهمْ فِي عِيسَى

إِذْ جَعَلُوهُ رَبًّا وإلهاً وَعِنْدهم من علمه غير ذَلِك غرَّة بِاللَّه وَكفرا بِهِ {هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء} قد كَانَ عِيسَى مِمَّن صور فِي الْأَرْحَام لَا يدْفَعُونَ ذَلِك وَلَا ينكرونه كَمَا صور غَيره من بني آدم فَكيف يكون إِلَهًا وَقد كَانَ بذلك الْمنزل

ص: 143

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء} قَالَ: ذُكُورا وإناثاً

وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس عَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة

فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء} قَالَ: إِذا وَقعت النُّطْفَة فِي الْأَرْحَام طارت فِي الْجَسَد أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ تكون علقَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ تكون مُضْغَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِذا بلغ أَن يخلق بعث الله ملكا يصوّرها فَيَأْتِي الْملك بِتُرَاب بَين اصبعيه فيخلط فِيهِ المضغة ثمَّ يعجنه بهَا ثمَّ يصوّره كَمَا يُؤمر ثمَّ يَقُول: أذكر أم أُنْثَى أشقي أم سعيد ومَا رزقه وَمَا عمره وَمَا أَثَره وَمَا مصائبه فَيَقُول الله وَيكْتب الْملك

فَإِذا مَاتَ ذَلِك الْجَسَد دفن حَيْثُ أَخذ ذَلِك التُّرَاب

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء} قَالَ: من ذكر وَأُنْثَى وأحمر وأبيض وأسود وتام وَغير تَامّ الْخلق

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {الْعَزِيز الْحَكِيم} قَالَ: الْعَزِيز فِي نقمته إِذا انتقم الْحَكِيم فِي أمره

آيَة 7

ص: 144

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {محكمات} ناسخه وَحَلَاله وَحَرَامه وحدوده وفرائضه وَمَا يُؤمن بِهِ و {متشابهات} منسوخه ومقدمه ومؤخره وَأَمْثَاله وأقسامه وَمَا يُؤمن بِهِ وَلَا يعْمل بِهِ

وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {محكمات} النَّاسِخ الَّذِي يدان بِهِ وَيعْمل بِهِ

و {متشابهات} المنسوخات الَّتِي لَا يدان بِهن

ص: 144

وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن قيس: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول فِي قَوْله {مِنْهُ آيَات محكمات} قَالَ: الثَّلَاث آيَات من آخر سُورَة الْأَنْعَام محكمات (قل تَعَالَوْا

) (الْأَنْعَام الْآيَات 151 - 153) والآيتان بعْدهَا

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {آيَات محكمات} قَالَ: من هَهُنَا (قل تَعَالَوْا

) (الْأَنْعَام الْآيَات 151 - 153) إِلَى آخر ثَلَاث آيَات

وَمن هَهُنَا (وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه

) (الْإِسْرَاء الْآيَات 23 - 25) إِلَى ثَلَاث آيَات بعْدهَا

وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة بن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة {محكمات} الناسخات الَّتِي يعْمل بِهن {متشابهات} المنسوخات

وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {محكمات} الْحَلَال وَالْحرَام

وَأخرج عبد بن حميد والفرياني عَن مُجَاهِد قَالَ المحكمات مَا فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام وَمَا سوى ذَلِك مِنْهُ متشابه يصدق بعضه بَعْضًا

مثل قَوْله (وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين)(الْبَقَرَة الْآيَة 26) وَمثل قَوْله (كَذَلِك يَجْعَل الله الرجس على الَّذين لَا يُؤمنُونَ)(الْأَنْعَام الْآيَة 125) وَمثل قَوْله (وَالَّذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)(مُحَمَّد الْآيَة 17)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع قَالَ المحكمات هِيَ الآمرة الزاجرة

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن إِسْحَق بن سُوَيْد

أَن يحيى بن يعمر وَأَبا فَاخِتَة

تراجعا هَذِه الْآيَة {هنَّ أم الْكتاب} فَقَالَ أَبُو فَاخِتَة: هن فواتح السُّور مِنْهَا يسْتَخْرج الْقُرْآن (الم ذَلِك الْكتاب) مِنْهَا استخرجت الْبَقَرَة و (الم الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم) مِنْهَا استخرجت آل عمرَان قَالَ يحيى: هن اللَّاتِي فِيهِنَّ الْفَرَائِض وَالْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحُدُود وعماد الدّين

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {هنَّ أم الْكتاب} قَالَ: أصل الْكتاب لِأَنَّهُنَّ مكتوبات فِي جَمِيع الْكتب

ص: 145

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير قَالَ المحكمات حجَّة الرب وعصمة الْعباد وَدفع الْخُصُوم وَالْبَاطِل لَيْسَ لَهَا تصريف وَلَا تَحْرِيف عَمَّا وضعت عَلَيْهِ {وَأخر متشابهات} فِي الصدْق لَهُنَّ تصريف وتحريف وَتَأْويل ابتلى الله فِيهِنَّ الْعباد كَمَا ابْتَلَاهُم فِي الْحَلَال وَالْحرَام لَا يصرفن إِلَى الْبَاطِل وَلَا يحرفن عَن الْحق

وأخرج ابْن جرير عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: سَأَلت الْحسن عَن قَوْله {أم الْكتاب} قَالَ: الْحَلَال وَالْحرَام قلت لَهُ ف (الْحَمد لله رب الْعَالمين)(الْفَاتِحَة الْآيَة 1) قَالَ: هَذِه أم الْقُرْآن

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: إِنَّمَا قَالَ {هن أم الْكتاب} لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل دين إِلَّا يرضى بِهن {وَأخر متشابهات} يَعْنِي فِيمَا بلغنَا {الم} و (المص) و (المر) و (الر)

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ المتشابهات آيَات فِي الْقُرْآن يتشابهن على النَّاس إِذا قرأوهن

وَمن أجل ذَلِك يضل من ضل فَكل فرقة يقرؤون آيَة من الْقُرْآن يَزْعمُونَ أَنَّهَا لَهُم فَمِنْهَا يتبع الحرورية من الْمُتَشَابه قَول الله (ومن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ)(الْمَائِدَة الْآيَة 44) ثمَّ يقرؤون مَعهَا (وَالَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ)(الْأَنْعَام الْآيَة 1) فَإِذا رَأَوْا الامام يحكم بِغَيْر الْحق قَالُوا: قد كفر فَمن عدل بربه وَمن عدل بربه فقد أشرك بربه

فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة مشركون

وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَابْن جرير من طَرِيق ابْن إِسْحَق عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس عَن جَابر بن عبد الله بن ربَاب قَالَ مر أَبُو يَاسر بن أَخطب فجَاء رجل من يهود لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَة سُورَة الْبَقَرَة (الم ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ)

فَأتى أَخَاهُ حييّ بن أَخطب فِي رجال من الْيَهُود فَقَالَ أتعلمون وَالله لقد سَمِعت مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا أنزل عَلَيْهِ (الم ذَلِك الْكتاب) فَقَالَ: أَنْت سمعته قَالَ: نعم

فَمشى حَتَّى وافى أُولَئِكَ النَّفر إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

فَقَالُوا: الم تقل إِنَّك تتلو فِيمَا أنزل عَلَيْك (الم ذَلِك الْكتاب) فَقَالَ: بلَى فَقَالُوا: لقد بعث بذلك أَنْبيَاء مَا

ص: 146

نعلمهُ بَين لنَبِيّ مِنْهُم مَا مُدَّة ملكه وَمَا أجل أمته غَيْرك

الْألف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ فَهَذِهِ احدى وَسَبْعُونَ سنة

ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد هَل مَعَ هَذَا غَيره قَالَ: نعم

(المص) قَالَ: هَذِه أثقل وأطول الْألف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ وَالصَّاد تسعون فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَة

هَل مَعَ هَذَا غَيره قَالَ: نعم

(الر) قَالَ: هَذِه أثقل وأطول الْألف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالرَّاء مِائَتَان

هَذِه إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَا سنة

هَل مَعَ هَذَا غَيره قَالَ: نعم

(المر) قَالَ: هَذِه أثقل وأطول

هَذِه إِحْدَى وَسَبْعُونَ ومائتان

ثمَّ قَالَ: لقد لبس علينا أَمرك حَتَّى مَا نَدْرِي أقليلاً أَعْطَيْت أم كثيرا

ثمَّ قَالَ: قومُوا عَنهُ

ثمَّ قَالَ أَبُو يَاسر لِأَخِيهِ وَمن مَعَه: مَا يدريكم لَعَلَّه قد جمع هَذَا كُله لمُحَمد

إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ ومائتان وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ ومائتان فَذَلِك سَبْعمِائة وَأَرْبع سِنِين

فَقَالُوا: لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أَن هَذِه الْآيَات نزلت فيهم {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات}

وَأخرج يُونُس بن بكير فِي الْمَغَازِي عَن ابْن إِسْحَق عَن مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد عَن عِكْرِمَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر بن ربَاب

أَن أَبَا يَاسر بن أَخطب مر بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

وَهُوَ يقْرَأ (فَاتِحَة الْكتاب والم ذَلِك الْكتاب) فَذكر الْقِصَّة

وَأخرجه ابْن الْمُنْذر فِي تَفْسِيره من وَجه آخر عَن ابْن جريج معضلاً

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} يَعْنِي أهل الشَّك

فيحملون الْمُحكم على الْمُتَشَابه والمتشابه على الْمُحكم وَيلبسُونَ فَلبس الله عَلَيْهِم {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} قَالَ: تَأْوِيله يَوْم الْقِيَامَة لَا يعمله إِلَّا الله

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود {زيغ} قَالَ: شكّ

وَأخرج عَن ابْن جريج قَالَ {الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} المُنَافِقُونَ

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ}

ص: 147

قَالَ: الْبَاب الَّذِي ضلوا مِنْهُ وهلكوا فِيهِ {وابتغاء تَأْوِيله} وَفِي قَوْله {ابْتِغَاء الْفِتْنَة} قَالَ: الشُّبُهَات

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم والدرامي وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن عَائِشَة قَالَت تَلا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

{هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} إِلَى قَوْله {أولُوا الْأَلْبَاب} فَإِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يجادلون فِيهِ فهم الَّذين عَنى الله فاحذروهم

وَلَفظ البُخَارِيّ: فَإِذا رَأَيْت الَّذين يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ فَأُولَئِك الَّذين سمى الله فاحذروهم

وَفِي لفظ لِابْنِ جرير: إِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ سمى الله فاحذروهم

وَفِي لفظ لِابْنِ جرير: إِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ وَالَّذين يجادلون فِيهِ فهم الَّذين عَنى الله فَلَا تُجَالِسُوهُمْ

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم

فِي قَوْله {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ} قَالَ: هم الْخَوَارِج

وَفِي قَوْله (يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه)(آل عمرَان الْآيَة 106) قَالَ: هم الْخَوَارِج

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَالك الشعري

أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

يَقُول: لَا أَخَاف على أمتِي إِلَّا ثَلَاث خلال

أَن يكثر لَهُم المَال فيتحاسدوا فيقتتلوا وَأَن يفتح لَهُم الْكتاب فَيَأْخذهُ الْمُؤمن يَبْتَغِي تَأْوِيله {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذَّكَّرُ إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب} وَأَن يزْدَاد علمهمْ فيضيعوه وَلَا يبالوا بِهِ

وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مِمَّا أَتَخَوَّف على أمتِي

أَن يكثر فيهم المَال حَتَّى يتنافسوا فِيهِ فيقتتلوا عَلَيْهِ وَإِن مِمَّا أَتَخَوَّف على أمتِي أَن يُفْتَحَ لَهُم الْقُرْآن حَتَّى يقرأه الْمُؤمن وَالْكَافِر وَالْمُنَافِق فَيحل حَلَاله الْمُؤمن

ص: 148

أما قَوْله تَعَالَى: {وابتغاء تَأْوِيله} الْآيَة

أخرج أَبُو يعلى عَن حُذَيْفَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

قَالَ: إِن فِي أمتِي قوما يقرؤون الْقُرْآن ينثرونه نثر الدقل يتأوّلونه على غير تَأْوِيله

وَأخرج ابْن سعد وَابْن الضريس فِي فضائله وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

خرج على قوم يتراجعون فِي الْقُرْآن وَهُوَ مغضب فَقَالَ: بِهَذَا ضلت الْأُمَم قبلكُمْ باختلافهم على أَنْبِيَائهمْ وَضرب الْكتاب بعضه بِبَعْض قَالَ: وَإِن الْقُرْآن لم ينزل ليكذب بعضه بَعْضًا وَلَكِن نزل أَن يصدق بعضه بَعْضًا فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فاعملوا بِهِ وَمَا تشابه عَلَيْكُم فآمنوا بِهِ

وَأخرج أَحْمد من وَجه آخر عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

قوما يتدارأون فَقَالَ: إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بِهَذَا ضربوا كتاب الله بعضه بِبَعْض وَإِنَّمَا نزل كتاب الله يصدق بعضه بَعْضًا فَلَا تكذبوا بعضه بِبَعْض فَمَا علمْتُم مِنْهُ فَقولُوا وَمَا جهلتم فَكِلُوه إِلَى عالِمِهِ

وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم

قَالَ كَانَ الْكتاب الأول ينزل من بَاب وَاحِد على حرف وَاحِد وَنزل الْقُرْآن من سَبْعَة أَبْوَاب على سَبْعَة أحرف

زاجر وآمر وحلال وَحرَام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حَلَاله وحرموا حرَامه وافعلوا بِمَا أمرْتُم بِهِ وانتهوا عَمَّا نُهيتم عَنهُ واعتبروا بأمثاله وَاعْمَلُوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وَقُولُوا {آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا} وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود

مَوْقُوفا

وأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عمر بن أبي سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم

قَالَ لعبد الله بن مَسْعُود إِن الْكتب كَانَت تنزل من السَّمَاء من بَاب وَاحِد وَأَن الْقُرْآن نزل من سَبْعَة أَبْوَاب على سَبْعَة أحرف حَلَال وَحرَام ومحكم ومتشابه وَضرب أَمْثَال وآمر وزاجر فأحل حَلَاله وَحرم حرَامه واعمل بمحكمه وقف عِنْد متشابهه وَاعْتبر أَمْثَاله

فَإِن كلا من عِنْد الله {وَمَا يذّكَّر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب}

وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخ بَغْدَاد بِسَنَد واهٍ عَن عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم

قَالَ فِي خطبَته: أَيهَا النَّاس قد بَين الله لكم فِي مُحكم كِتَابه مَا أحل لكم وَمَا حرم عَلَيْكُم

فأحلوا حَلَاله وحرموا حرَامه وآمنوا بمتشابهه وَاعْمَلُوا بمحكمه واعتبروا بأمثاله

ص: 149

وَأخرج ابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أنزل الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: حرَام وحلال ومحكم ومتشابه وأمثال

فأحل الْحَلَال وَحرم الْحَرَام وآمن بالمتشابه واعمل بالمحكم وَاعْتبر بالأمثال

وأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الْقُرْآن أنزل على نَبِيكُم صلى الله عليه وسلم

من سَبْعَة أَبْوَاب على سَبْعَة أحرف وَأَن الْكتاب قبلكُمْ كَانَ ينزل من بَاب وَاحِد على حرف وَاحِد

وَأخرج ابْن جرير وَنصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

قَالَ: نزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف

المراء فِي الْقُرْآن كفر

مَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فاعملوا بِهِ وَمَا جهلتم مِنْهُ فَردُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

أعربوا الْقُرْآن وَاتبعُوا غَرَائِبه وغرائبه فَرَائِضه وحدوده

فَإِن الْقُرْآن نزل على خَمْسَة أوجه

حَلَال وَحرَام ومحكم ومتشابه وأمثال

فاعملوا بالحلال وَاجْتَنبُوا الْحَرَام وَاتبعُوا الْمُحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الْقُرْآن ذُو شجون وفنون وَظُهُور وبطون

لَا تَنْقَضِي عجائبه وَلَا تبلغ غَايَته

فَمن أوغل فِيهِ بِرِفْق نجا وَمن أوغل فِيهِ بعنف غوى

أَخْبَار وأمثال وَحرَام وحلال وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وَظهر وبطن

فظهره التِّلَاوَة وبطنه التَّأْوِيل

فجالسوا بِهِ الْعلمَاء وجانبوا بِهِ السُّفَهَاء وَإِيَّاكُم وزلة الْعَالم

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع أَن النَّصَارَى قَالُوا لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم

: أَلَسْت تزْعم أَن عِيسَى كلمة الله وروح مِنْهُ قَالَ: بلَى

قَالُوا: فحسبنا

فَأنْزل الله {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة}

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن طَاوُوس قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا ومَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم آمنا بِهِ

وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله وان حَقِيقَة تَأْوِيله عِنْد الله والرسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ

ص: 150

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَرَأت على عَائِشَة هَؤُلَاءِ الْآيَات فَقَالَت: كَانَ رسوخهم فِي الْعلم أَن آمنُوا بمحكمه ومتشابهه {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} وَلم يعلمُوا تَأْوِيله

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الشعْثَاء وَأبي نهيك قَالَا: إِنَّكُم تصلونَ هَذِه الْآيَة وَهِي مَقْطُوعَة {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا} فَانْتهى علمهمْ إِلَى قَوْلهم الَّذِي قَالُوا

وَأخرج ابْن جرير عَن عُرْوَة قَالَ {الراسخون فِي الْعلم} لَا يعلمُونَ تَأْوِيله وَلَكنهُمْ يَقُولُونَ {آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا}

وأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: انْتهى علم الراسخين فِي الْعلم بِتَأْوِيل الْقُرْآن إِلَى أَن قَالُوا {آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا}

وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن أبي قَالَ: كتاب الله مَا استبان مِنْهُ فاعمل بِهِ وَمَا اشْتبهَ عَلَيْك فَآمن بِهِ وَكِلْهُ إِلَى عالمه

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن لِلْقُرْآنِ مناراً كمنار الطَّرِيق فَمَا عَرَفْتُمْ فَتمسكُوا بِهِ وَمَا اشْتبهَ عَلَيْكُم فذروه

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن معَاذ قَالَ: الْقُرْآن منار كمنار الطَّرِيق وَلَا يخفى على أحد فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَلَا تسألوا عَنهُ أحدا وَمَا شَكَكْتُمْ فِيهِ فكلوه إِلَى عالمه

وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق أَشهب عَن مَالك فِي قَوْله {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} قَالَ: ثمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ {والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ} وَلَيْسَ يعلمُونَ تَأْوِيله

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أنس وَأبي أُمَامَة وواثلة بن الْأَسْقَع وَأبي الدَّرْدَاء أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

سُئِلَ عَن {والراسخون فِي الْعلم} فَقَالَ: من برت يَمِينه وَصدق لِسَانه واستقام قلبه وَمن عف بَطْنه وفرجه

فَذَلِك من الراسخين فِي الْعلم

وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الله بن يزِيد الأودي

سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

من {الراسخون فِي الْعلم} قَالَ: من صدق حَدِيثه وبر فِي يَمِينه وعف بَطْنه وفرجه

فَذَلِك {الراسخون فِي الْعلم}

وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:

ص: 151

تَفْسِير الْقُرْآن على أَرْبَعَة وُجُوه: تَفْسِير يُعلمهُ الْعلمَاء وَتَفْسِير لَا يعْذر النَّاس بجهالته من حَلَال أَو حرَام وَتَفْسِير تعرفه الْعَرَب بلغتهَا وَتَفْسِير لَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله

من ادّعى علمه فَهُوَ كَاذِب

ن وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أُنْزِلَ الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف: حَلَال وَحرَام لَا يعْذر أحد بالجهالة بِهِ وَتَفْسِير تفسره الْعَرَب وَتَفْسِير تفسره الْعلمَاء ومتشابه لَا يُعلمهُ إِلَّا الله

وَمن ادّعى علمه سوى الله فَهُوَ كَاذِب

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَنا مِمَّن يعلم تَأْوِيله

وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع والراسخون فِي الْعلم يعلمُونَ تَأْوِيله وَيَقُولُونَ آمنا بِهِ

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أَي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {يَقُولُونَ آمنا بِهِ} نؤمن بالمحكم وندين بِهِ ونؤمن بالمتشابه وَلَا ندين بِهِ

وَهُوَ من عِنْد الله كُله

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {كل من عِنْد رَبنَا} يَعْنِي مَا نسخ مِنْهُ وَمَا لم ينْسَخ

وَأخرج الدِّرَامِي فِي مُسْنده وَنصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة عَن سُلَيْمَان بن يسَار

أَن رجلا يُقَال لَهُ صبيغ قدم الْمَدِينَة فَجعل يسْأَل عَن متشابه الْقُرْآن فَأرْسل إِلَيْهِ عمر وَقد أَعَدَّ لَهُ عراجين النّخل فَقَالَ: من أَنْت فَقَالَ: أَنا عبد الله صبيغ فَقَالَ: وَأَنا عبد الله عمر

فَأخذ عمر عرجوناً من تِلْكَ العراجين فَضَربهُ حَتَّى دمى رَأسه فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَسبك

قد ذهب الَّذِي كنت أجد فِي رَأْسِي

وَأخرج الدِّرَامِي عَن نَافِع

إِن صبيغاً الْعِرَاقِيّ جعل يسْأَل عَن أَشْيَاء من الْقُرْآن فِي أجناد الْمُسلمين حَتَّى قدم مصر فَبعث بِهِ عمر بن الْعَاصِ إِلَى عمر بن الْخطاب فَلَمَّا أَتَاهُ أرسل عمر إِلَى رطائب من جريد فَضَربهُ بهَا حَتَّى ترك ظَهره دبرة ثمَّ تَركه حَتَّى برىء ثمَّ عَاد لَهُ ثمَّ تَركه حَتَّى برىء فَدَعَا بِهِ ليعود لَهُ فَقَالَ صبيغ: إِن كنت تُرِيدُ قَتْلِي فاقتلني قتلا جميلاً وَإِن كنت تُرِيدُ أَن تداويني فقد - والله - برأت

فَأذن لَهُ إِلَى أرضه وَكتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن لَا يجالسه أحد من الْمُسلمين

وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن أنس

أَن عمر بن الْخطاب جلد صبيغاً الْكُوفِي فِي مَسْأَلَة عَن حرف من الْقُرْآن حَتَّى اطردت الدِّمَاء فِي ظَهره

ص: 152

وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَنصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة وَابْن عَسَاكِر عَن السَّائِب بن يزِيد

أَن رجلا قَالَ لعمر: إِنِّي مَرَرْت بِرَجُل يسْأَل عَن تَفْسِير مُشكل الْقُرْآن

فَقَالَ عمر: اللَّهُمَّ أمكني مِنْهُ

فَدخل الرجل يَوْمًا على عمر فَسَأَلَهُ فَقَامَ عمر فحسر عَن ذِرَاعَيْهِ وَجعل يجلده ثمَّ قَالَ: ألبسوه تباناً واحملوه على قتب وابلغوا بِهِ حيه ثمَّ ليقمْ خطيب فَلْيقل أَن صبيغاً طلب الْعلم فاخطأه فَلم يزل وضيعاً فِي قومه بعد أَن كَانَ سيداً فيهم

وَأخرج نصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة وَابْن عَسَاكِر عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ

إِن عمر كتب إِلَى أهل الْبَصْرَة أَن لَا يجالسوا صبيغاً قَالَ: فَلَو جَاءَ وَنحن مائَة لتفرقنا

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن لَا يُجَالس صبيغاً وَأَن يحرم عطاءه ورزقه

وَأخرج نصر فِي الْحجَّة وَابْن عَسَاكِر عَن زرْعَة قَالَ: رَأَيْت صبيغ بن عسل بِالْبَصْرَةِ كَأَنَّهُ بعير أجرب يَجِيء إِلَى الْحلقَة وَيجْلس وهم لَا يعرفونه فتناديهم الْحلقَة الْأُخْرَى: عَزمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر فَيقومُونَ ويدعونه

وَأخرج نصر فِي الْحجَّة عَن أبي إِسْحَق

أَن عمر كتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ

أما بعد

فَإِن الْأَصْبَغ تكلّف مَا يخفى وضيع مَا ولي فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فَلَا تبايعوه وَإِن مرض فَلَا تعودوه وَإِن مَاتَ فَلَا تشهدوه

وَأخرج الْهَرَوِيّ فِي ذمّ الْكَلَام عَن الإِمَام الشَّافِعِي رضي الله عنه قَالَ: حكمي فِي أهل الْكَلَام حكم عمر فِي صبيغ أَن يضْربُوا بِالْجَرِيدِ ويحملوا على الإِبل وَيُطَاف بهم فِي العشائر والقبائل وينادى عَلَيْهِم: هَذَا جَزَاء من ترك الْكتاب وَالسّنة وَأَقْبل على علم الْكَلَام

وَأخرج الدِّرَامِي عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ نَاس يجادلونكم بشبهات الْقُرْآن فخذوهم بالسنن فَإِن أَصْحَاب السّنَن أعلم بِكِتَاب الله

وَأخرج نصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة عَن ابْن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

خرج على أَصْحَابه وهم يتنازعون فِي الْقُرْآن

هَذَا ينْزع بِآيَة وَهَذَا ينْزع بِآيَة

فَكَأَنَّمَا فقىء فِي وَجهه حب الرُّمَّان فَقَالَ: أَلِهَذَا خلقْتُمْ أَو لهَذَا أمرْتُم أَن تضربوا كتاب الله بعضه بِبَعْض انْظُرُوا مَا أمرْتُم بِهِ فَاتَّبعُوهُ وَمَا نهيتم عَنهُ فَانْتَهوا

ص: 153

وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: الْجِدَال فِي الْقُرْآن كفر

وَأخرج نصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة عَن ابْن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

وَمن وَرَاء حجرته قوم يتجادلون فِي الْقُرْآن

فَخرج محمرة وجنتاه كَأَنَّمَا تقطران دَمًا فَقَالَ: يَا قوم لَا تجادلوا بِالْقُرْآنِ فَإِنَّمَا ضَلَّ من كَانَ قبلكُمْ بجدالهم إِن الْقُرْآن لم ينزل ليكذب بعضه بَعْضًا وَلَكِن نزل ليصدق بعضه بَعْضًا فَمَا كَانَ من محكمه فاعملوا بِهِ وَمَا كَانَ من متشابهه فآمنوا بِهِ

وَأخرج نصر فِي الْحجَّة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كُنَّا عِنْد عمر بن الْخطاب إِذْ جَاءَهُ رجل يسْأَله عَن الْقُرْآن أمخلوق هُوَ أم غير مَخْلُوق فَقَامَ عمر فَأخذ بِمَجَامِع ثَوْبه حَتَّى قَادَهُ إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ: يَا أَبَا الْحسن أما تسمع مَا يَقُول هَذَا قَالَ: وَمَا يَقُول قَالَ: جَاءَنِي يسألني عَن الْقُرْآن أمخلوق هُوَ أم غير مَخْلُوق

فَقَالَ عَليّ: هَذِه كلمة وسيكون لَهَا ثَمَرَة لَو وَليتُ من الْأَمر مَا وَلِيتَ ضربت عُنقَه

وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} الْآيَة

قَالَ: طلب الْقَوْم التَّأْوِيل فأخطأوا التَّأْوِيل وَأَصَابُوا الْفِتْنَة وَاتبعُوا مَا تشابه مِنْهُ فهلكوا بَين ذَلِك

وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن مُجَاهِد قَالَ: الراسخون فِي الْعلم يعلمُونَ تَأْوِيله وَيَقُولُونَ آمنا بِهِ

الْآيَة 8

ص: 154

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول: يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك

ثمَّ قَرَأَ {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا} الْآيَة

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يكثر فِي دُعَائِهِ أَن يَقُول: اللَّهُمَّ مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك

قلت: يَا رَسُول الله وَإِن الْقُلُوب لتتقلب قَالَ: نعم

مَا من

ص: 154

خلق الله من بشر من بني آدم إِلَّا وَقَلبه بَين أصبعين من أَصَابِع الله فَإِن شَاءَ الله أَقَامَهُ وَإِن شَاءَ أزاغه

فنسأل الله رَبنَا أَن لَا يزِيغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هدَانَا الله ونسأله أَن يهب لنا من لَدنه رَحْمَة إِنَّه هُوَ الْوَهَّاب

قلت: يَا رَسُول الله أَلا تعلمني دَعْوَة أَدْعُو بهَا لنَفْسي

قَالَ: بلَى قولي اللَّهُمَّ رب النَّبِي مُحَمَّد اغْفِر لي ذَنبي وأذهب غيظ قلبِي وأجرني من مضلات الْفِتَن مَا أحييتني

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا مَا يَدْعُو: يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك

قلت: يَا رَسُول الله مَا أَكثر مَا تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء

فَقَالَ: لَيْسَ من قلب إِلَّا وَهُوَ بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن إِذا شَاءَ أَن يقيمه أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أَن يزيغه أزاغه أما تسمعين قَوْله تَعَالَى {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب} وَلَفظ ابْن أبي شيبَة إِذا شَاءَ أَن يقلبه إِلَى هدى قلبه وَإِذا شَاءَ أَن يقلبه إِلَى ضلال قلبه

وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير عَن أنس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يكثر أَن يَقُول: يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك

قَالُوا: يَا رَسُول الله آمنا بك وَبِمَا جِئْت بِهِ فَهَل تخَاف علينا قَالَ: نعم

قَالَ: إِن الْقُلُوب بَين أصبعين من أَصَابِع الله يقلبها

وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن سيرة بن فاتك قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: قلب ابْن آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الرب فَإِذا شَاءَ أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أزاغه

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الإِخلاص وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

قَالَ: إِن قلب ابْن آدم مثل قلب العصفور يتقلب فِي الْيَوْم سبع مَرَّات

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الإِخلاص عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْقلب قلباً لتقلبه

وَإِنَّمَا مثل الْقلب مثل ريشة بفلاة من الأَرْض

وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن هَذَا الْقلب كريشة بفلاة من الأَرْض تقيمها الرّيح ظهرا لبطن

وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي

ص: 155

عبد الله الصنَابحِي أَنه قدم الْمَدِينَة فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق فصلى وَرَاء أبي بكر الْمغرب فَقَرَأَ أَبُو بكر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِأم الْقُرْآن وَسورَة من قصار الْمفصل

ثمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة فَقَرَأَ بِأم الْقُرْآن وَهَذِه الْآيَة {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب}

وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ فِي السّنة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أَن يَقُول: يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قُلُوبنَا على دينك

قُلْنَا: يَا رَسُول الله تخَاف علينا وَقد آمنا بك فَقَالَ: إِن قُلُوب بني آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن كقلب وَاحِد يَقُول بِهِ هَكَذَا

وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: إِن قلب ابْن آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الله عز وجل فَإِذا شَاءَ أَن يقيمه أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أَن يزيغه أزاغه

وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن النوّاس بن سمْعَان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الْمِيزَان بيد الرَّحْمَن

يرفع أَقْوَامًا وَيَضَع آخَرين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وقلب ابْن آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن

إِذا شَاءَ أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أزاغه وَكَانَ يَقُول: يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك

وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن الْمِقْدَاد: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: لقلب ابْن آدم أَشد انقلابا من الْقدر إِذا اجْتمع غلياناً

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير فِي قَوْله {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا} أَي لَا تمل قُلُوبنَا وَإِن ملنا بأجسادنا

وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته عَن أبي عطاف أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يَقُول: أَي رب لَا أزنين أَي رب لَا أسرقن أَي رب لَا أكفرن

قيل لَهُ: أَو تخَاف قَالَ: آمَنت بمحرف الْقُلُوب ثَلَاثًا

وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كَانَ عبد الله ابْن رَوَاحَة إِذا لَقِيَنِي قَالَ: اجْلِسْ يَا عُوَيْمِر فلنؤمن سَاعَة فنجلس فَنَذْكُر الله على مَا يَشَاء

ثمَّ قَالَ: يَا عُوَيْمِر هَذِه مجَالِس الإِيمان إِن مثل الإِيمان وَمثلك كَمثل قَمِيصك بَينا أَنْت قد نَزَعته إِذْ لبسته وَبينا أَنْت قد لبسته إِذْ نَزَعته

يَا عُوَيْمِر للقلب أسْرع تقلباً من القِدر إِذا استجمعت غلياناً

ص: 156

واخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عتبَة بن عبد الله بن خَالِد بن معدان عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الإِيمان بِمَنْزِلَة الْقَمِيص مرّة تقمصه وَمرَّة تنزعه

وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: ليَأْتِيَن على الرجل أحايين وَمَا فِي جلده مَوضِع ابرة من النِّفَاق وليأتين عَلَيْهِ أحايين وَمَا فِي جلده مَوضِع ابرة من إِيمَان

وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا اسْتَيْقَظَ من اللَّيْل قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ إِنِّي أستغفرك لذنبي وَأَسْأَلك رحمتك اللَّهُمَّ زِدْنِي علما وَلَا تزغ قلبِي بعد إِذْ هديتني وهب لي من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب

وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: إِن قُلُوب بني آدم كلهَا بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن كقلب وَاحِد يصرفهُ كَيفَ يَشَاء

ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ يَا مصرف الْقُلُوب صرف قُلُوبنَا إِلَى طَاعَتك

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا قلب ابْن آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن عز وجل

الْآيَتَانِ 9 - 10

ص: 157

أخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الْخُلْدِيِّ قَالَ: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: من قَرَأَ هَذِه الْآيَة على شَيْء ضَاعَ مِنْهُ رده الله عَلَيْهِ {رَبنَا إِنَّك جَامع النَّاس ليَوْم لَا ريب فِيهِ إِن الله لَا يخلف الميعاد} اللَّهُمَّ يَا جَامع النَّاس ليَوْم لَا ريب فِيهِ اجْمَعْ بيني وَبَين مَالِي إِنَّك على كل شَيْء قدير

الْآيَة 11

ص: 158

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كدأب آل فِرْعَوْن} قَالَ: كصنيع آل فِرْعَوْن

وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كدأب آل فِرْعَوْن} قَالَ: كَفعل

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد

مثله

وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {كدأب آل فِرْعَوْن} يَقُول: كسنتهم

الْآيَتَانِ 12 - 13

ص: 158

أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما أصَاب من بدر وَرجع إِلَى الْمَدِينَة جمع الْيَهُود فِي سوق بني قينقاع وقَالَ: يَا معشر يهود أَسْلمُوا قبل أَن يُصِيبكُم الله بِمَا أصَاب قُريْشًا فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد لَا يغرنك من نَفسك أَن قتلت نَفرا من قُرَيْش كَانُوا أَغْمَارًا ولَا يعْرفُونَ الْقِتَال إِنَّك والله لوما قَاتَلْتنَا لعرفت أَنا نَحن النَّاس وأَنَّك لم تلق مثلنَا

فَأنْزل الله {قل للَّذين كفرُوا ستغلبون} إِلَى قَوْله {لأولي الْأَبْصَار}

وأخرج ابْن إِسْحَق وابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم بن عمر عَن قَتَادَة

مثله

أخرج ابْن جرير وابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ فنحَاص الْيَهُودِيّ فِي يَوْم بدر: لَا يغرن مُحَمَّدًا أَن غلب قُريْشًا وقتلهم إِن قُريْشًا لَا تحسن الْقِتَال

فَنزلت هَذِه الْآيَة {قل للَّذين كفرُوا ستغلبون}

وأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {قد كَانَ لكم آيَة} عِبْرَة وتفكر

وأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله}

ص: 158

أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

ببدر {وَأُخْرَى كَافِرَة} فِئَة قُرَيْش الْكفَّار

وأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عِكْرِمَة قَالَ: فِي أهل بدر نزلت (وإِذْ يَعدكُم الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لكم)(الْأَنْفَال الْآيَة 7) وفيهم نزلت (سَيهْزمُ الْجمع

) (الْقَمَر الْآيَة 45) الْآيَة

وفيهم نزلت (حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ)(الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 64) وفيهم نزلت (ليقطع طرفا من الَّذين كفرُوا)(آل عمرَان الْآيَة 127) وفيهم نزلت (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء)(آل عمرَان الْآيَة 128) وَفِيهِمْ نزلت (ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا)(إِبْرَاهِيم الْآيَة 28) وَفِيهِمْ نزلت (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين خَرجُوا من دِيَارهمْ بطرا ورئاء)(الْأَنْعَام الْآيَة 47) وَفِيهِمْ نزلت {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا}

وأخرج ابْن جرير وابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {قد كَانَ لكم آيَة} يَقُول: قد كَانَ لكم فِي هَؤُلَاءِ عِبْرَة ومتفكر

أَيّدهُم الله ونَصرهم على عدوهم وذَلِك يَوْم بدر كَانَ الْمُشْركُونَ تِسْعمائَة وخمسين رجلا وكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثمِائَة وثَلَاثَة عشر رجلا

وأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين} الْآيَة

قَالَ: هَذَا يَوْم بدر فَنَظَرْنَا إِلَى الْمُشْركين فرأيناهم يضعفون علينا ثمَّ نَظرنَا إِلَيْهِم فَمَا رأيناهم يزِيدُونَ علينا رجلا وَاحِدًا

وذَلِك قَول الله (وَإِذ يريكموهم إِذْ التقيتم فِي أعينكُم قَلِيلا ويقللكم فِي أَعينهم)(الْأَنْفَال الْآيَة 44)

وأخرج ابْن جرير وابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين} الْآيَة

قَالَ: أنزلت فِي التَّخْفِيف يَوْم يدر على الْمُؤمنِينَ كَانُوا يَوْمئِذٍ ثَلَاثمِائَة وثَلَاثَة عشر رجلا وكَانَ الْمُشْركُونَ مثليهم سِتَّة وعشْرين وسِتّمائَة فأيد الله الْمُؤمنِينَ فَكَانَ هَذَا فِي التَّخْفِيف على الْمُؤمنِينَ

ص: 159

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَن أهل بدر كَانُوا ثَلَاثمِائَة وثَلَاثَة عشر الْمُهَاجِرُونَ مِنْهُم خَمْسَة وسَبْعُونَ وكَانَت هزيمَة بدر لسبع عشرَة من رَمَضَان لَيْلَة جُمُعَة

وأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {يُؤَيّد بنصره من يَشَاء} قَالَ: يُقَوي بنصره من يَشَاء قَالَ: وهَل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم

أما سَمِعت قَول حسان بن ثَابت رضي الله عنه: بِرِجَال لستمو أمثالهم أيدوا جِبْرِيل نصرا فَنزل

الْآيَة - 14

ص: 160

أخرج ابْن جرير وابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر بن حَفْص بن عمر بن سعد قَالَ: لما نزلت {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات} إِلَى آخر الْآيَة

قَالَ عمر: الْآن يَا رب حِين زينتها لنا فَنزلت (قل أؤنبئكم

) (آل عمرَان الْآيَة 15) الْآيَة

كلهَا

وأخرجه ابْن الْمُنْذر بِلَفْظ حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله (قل أؤنبئكم بِخَير)(آل عمرَان الْآيَة 15) فَبكى وقَالَ: بعد مَاذَا

بعد مَا زينتها

وأخرج ابْن أبي شيبَة وعبد بن حميد وابْن أبي حَاتِم عَن سيار بن الحكم أَن عمر بن الْخطاب قَرَأَ {زيِّن للنَّاس} الْآيَة

ثمَّ قَالَ: الْآن يَا رب وقد زينتها فِي الْقُلُوب

وأخرج ابْن أبي شيبَة وعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وابْن أبي حَاتِم عَن أسلم قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن أَرقم جَاءَ إِلَى عمر بن الْخطاب بحلية آنِية وفضَّة فَقَالَ عمر: اللَّهُمَّ إِنَّك ذكرت هَذَا المَال

فَقلت {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات} حَتَّى ختم الْآيَة وقلت {لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم وَالله} ) (الْحَدِيد الْآيَة 53) وإِنَّا لَا نستطيع إِلَّا أَن نفرح بِمَا زينت لنا اللَّهُمَّ فاجعلنا ننفقه فِي حق وأعوذ بك من شَره

ص: 160

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {زين للنَّاس} الْآيَة

قَالَ من زينها مَا أحد أَشد لَهَا ذماً من خَالِقهَا

وأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله {زين للنَّاس} الْآيَة

قَالَ: زين لَهُم الشَّيْطَان

قَوْله تَعَالَى: {من النِّسَاء}

أخرج النَّسَائِيّ وابْن أبي حَاتِم والْحَاكِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: حبب إليَّ من دنياكم النِّسَاء والطّيب وجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة

قَوْله تَعَالَى: {والقناطير المقنطرة}

أخرج أَحْمد وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

: القنطار اثْنَا عشر ألف أُوقِيَّة

وأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

عَن قَول الله {والقناطير المقنطرة} قَالَ: القنطار ألف أُوقِيَّة

وأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: القنطار ألف دِينَار

وأخرج ابْن جرير عَن أبي بن كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

: وَالْقِنْطَار ألف أُوقِيَّة ومِائَتَا أُوقِيَّة

وأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: القنطار ألف ومِائَتَا دِينَار

وأخرج عبد بن حميد وابْن أبي حَاتِم وابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: من قَرَأَ فِي لَيْلَة مائَة آيَة لم يكْتب من الغافلين ومن قَرَأَ مِائَتي آيَة بعث من القانتين ومن قَرَأَ خَمْسمِائَة آيَة إِلَى ألف آيَة أصبح لَهُ قِنْطَار من الْأجر والقنطار مثل التل الْعَظِيم

وَأخرج عبد بن حميد وابْن جرير وابْن أبي حَاتِم والْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن معَاذ بن جبل قَالَ: القنطار ألف ومِائَتَا أُوقِيَّة

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: القنطار ألف وَمِائَتَا أُوقِيَّة

وَأخرج عبد بن حميد وابْن جرير والْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة مثله

ص: 161

وَأخرج ابْن جرير والْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القنطار اثْنَا عشر ألف دِرْهَم أَو ألف دِينَار

وأخرج ابْن جرير والْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القنطار ألف وَمِائَتَا دِينَار من الْفضة وألف ومِائَتَا مِثْقَال

وأخرج عبد بن حميد وابْن أبي حَاتِم والْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: القنطار ملْء مسك الثور ذَهَبا

وأخرج ابْن جرير وابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه سُئِلَ مَا القنطار قَالَ: سَبْعُونَ ألفا

وأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: القنطار سَبْعُونَ ألف دِينَار

وأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: القنطار ثَمَانُون ألفا

وأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح قَالَ: القنطار مائَة رَطْل

وأخرج عبد بن حميد وابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن القنطار مائَة رَطْل من الذَّهَب أَو ثَمَانُون ألفا من الْوَرق

وأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وجل {والقناطير} قَالَ: أما قَوْلنَا أهل الْبَيْت فانا نقُول: القنطار عشرَة آلَاف مِثْقَال وأما بَنو حسل فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: ملْء مسك ثَوْر ذَهَبا أَو فضَّة

قَالَ: فَهَل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم

أما سَمِعت عدي بن زيد وهُوَ يَقُول: وَكَانُوا مُلُوك الرّوم تجبى إِلَيْهِم قناطيرها من بَين قل وزَائِد وأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر قَالَ القنطار خَمْسَة عشر ألف مِثْقَال والمثقال أَرْبَعَة وعشرُون قيراطا

وأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {والقناطير المقنطرة} يَعْنِي المَال الْكثير من الذَّهَب والْفضة

وأخرج عَن الرّبيع {والقناطير المقنطرة} المَال الْكثير بعضه على بعض

وأخرج عَن السّديّ {المقنطرة} يَعْنِي المضروبة حَتَّى صَارَت دَنَانِير أَو دَرَاهِم

قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْل المسوّمة}

أخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {وَالْخَيْل المسوّمة} قَالَ: الراعية

وأخرجه ابْن الْمُنْذر من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس

ص: 162

وأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {وَالْخَيْل المسومة} يَعْنِي معلمة

وأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس {وَالْخَيْل المسوّمة} يَعْنِي معلمة

وأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {وَالْخَيْل المسومة} الراعية والمطهمة الحسان

ثمَّ قَرَأَ (شجر فِيهِ تسيمون)

وأخرج عبد بن حميد وابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَالْخَيْل المسوّمة} قَالَ: المطهمة الحسان

وأخرج عبد بن حميد وابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: تسويمها حسنها

وأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول {وَالْخَيْل المسومة} قَالَ: الْغرَّة والتحجيل

أما قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا}

أخرج مُسلم وابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَمْرو عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: الدُّنْيَا مَتَاع وخير متاعها الْمَرْأَة الصَّالِحَة

وأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وَالله عِنْده حسن المآب} قَالَ: حسن المنقلب

وهِيَ الْجنَّة

الْآيَتَانِ 15 - 16

ص: 163

أخرج عبد بن حميد وابْن الْمُنْذر وابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا عمر بن الْخطاب كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ زينت لنا الدُّنْيَا وأنبأتنا أَن مَا بعْدهَا خير مِنْهَا فَاجْعَلْ حظنا فِي الَّذِي هُوَ خير وَأبقى

ص: 163

الْآيَة 17

ص: 164

أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الصابرين} الْآيَة

قَالَ: (الصَّابِرُونَ) قوم صَبَرُوا على طَاعَة الله وصَبَرُوا عَن مَحَارمه (والصادقون) قوم صدقت نياتهم واستقامت قُلُوبهم وألسنتهم وصدقُوا فِي السِّرّ والْعَلَانِيَة (والقانتون) هم المطيعون (والمستغفرون بالأسحار) هم أهل الصَّلَاة

وأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ {الصابرين} على مَا أَمر الله {الصَّادِقين} فِي إِيمَانهم {القانتين} يَعْنِي المطيعين {والمنفقين} يَعْنِي من أَمْوَالهم فِي حق الله {والمستغفرين بالأسحار} يَعْنِي الْمُصَلِّين

وأخرج ابْن أبي شيبَة وابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم {والمستغفرين بالأسحار} قَالَ: هم الَّذين يشْهدُونَ صَلَاة الصُّبْح

وأخرج ابْن جرير وابْن الْمُنْذر وابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يحيي اللَّيْل صَلَاة ثمَّ يَقُول: يَا نَافِع أسحرنا فَيَقُول: لَا

فيعاود الصَّلَاة فَإِذا قَالَ: نعم

قعد يسْتَغْفر الله ويَدْعُو حَتَّى يصبح

وأخرج ابْن جرير وابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نَسْتَغْفِر بالأسحار سبعين استغفارة

وأخرج ابْن جرير عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ: من صلى من اللَّيْل ثمَّ اسْتغْفر فِي آخر اللَّيْل سبعين مرّة كتب من المستغفرين

وأخرج ابْن أبي شيبَة وأَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: بلغنَا أَن دَاوُد عليه السلام سَأَلَ جِبْرِيل عليه السلام فَقَالَ: يَا جِبْرِيل أَي اللَّيْل أفضل قَالَ: يَا دَاوُد مَا أَدْرِي إِلَّا أَن الْعَرْش يَهْتَز فِي السحر

الْآيَات 18 - 19 - 20

ص: 164

أخرج ابْن السّني فِي عمل يَوْم ولَيْلَة وأَبُو مَنْصُور الشجامي فِي الْأَرْبَعين عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن فَاتِحَة الْكتاب وَآيَة الْكُرْسِيّ والآيتين من آل عمرَان {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام}

و (قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وتنْزع الْملك مِمَّن تشَاء وتعز من تشَاء وتذل من تشَاء)(آل عمرَان الْآيَة 26) إِلَى قَوْله (بِغَيْر حِسَاب) هن معلقات بالعرش مَا بَينهُنَّ وبَين الله حجاب يقلن: يَا رب تهبطنا إِلَى أَرْضك وَإِلَى من يعصيك

قَالَ الله: إِنِّي حَلَفت لَا يقرأكن أحد من عبَادي دبر كل صَلَاة - يَعْنِي الْمَكْتُوبَة - إِلَّا جعلت الْجنَّة مَأْوَاه على مَا كَانَ فِيهِ وَإِلَّا أسكنته حَظِيرَة الفردوس وَإِلَّا نظرت إِلَيْهِ كل يَوْم سبعين نظرة وَإِلَّا قضيت لَهُ كل يَوْم سبعين حَاجَة أدناها الْمَغْفِرَة وَإِلَّا أعذته من كل عدوّ ونصرته مِنْهُ

وأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا لما نزلت (الْحَمد لله رب الْعَالمين)(الْفَاتِحَة الْآيَة 1) وَآيَة الْكُرْسِيّ و {شهد الله} و (قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك)(آل عمرَان الْآيَة 26) إِلَى (بِغَيْر حِسَاب) تعلقن بالعرش وقُلْنَ: أنزلتنا على قوم يعْملُونَ بمعاصيك فَقَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وارتفاع مَكَاني لَا يتلوكن عبد عِنْد دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة إِلَّا غفرت لَهُ مَا كَانَ فِيهِ وأسكنته جنَّة الفردوس ونظرت لَهُ كل يَوْم سبعين مرّة وقضيت لَهُ سبعين حَاجَة أدناها الْمَغْفِرَة

وأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وابْن السّني فِي عمل يَوْم ولَيْلَة وابْن أبي حَاتِم عَن الزبير ابْن العوّام قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وهُوَ بِعَرَفَة يقْرَأ هَذِه الْآيَة {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} إِلَى قَوْله {الْعَزِيز الْحَكِيم} فَقَالَ: وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين يَا رب

ولفظ الطَّبَرَانِيّ فَقَالَ: وَأَنا أشهد أَنَّك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم

ص: 165

وَأخرج ابْن عدي وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان وَضَعفه والخطيب فِي تَارِيخه وَابْن النجار عَن غَالب الْقطَّان قَالَ: أتيت الْكُوفَة فِي تِجَارَة فَنزلت قَرِيبا من الْأَعْمَش فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة أردْت أَن أنحدر قَامَ فتهجد من اللَّيْل فَمر بِهَذِهِ الْآيَة {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} إِلَى قَوْله {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} فَقَالَ: وأَنا أشهد بِمَا شهد الله بِهِ وأستودع الله هَذِه الشَّهَادَة وهِيَ لي وَدِيعَة عِنْد الله

قَالَهَا مرَارًا فَقلت: لقد سمع فِيهَا شَيْئا فَسَأَلته فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو وَائِل عَن عبد الله قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يُجاءُ بصاحبها يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُول الله: عَبدِي عهد إِلَيّ وَأَنا أَحَق من وفى بالعهد أدخلُوا عَبدِي الْجنَّة

أخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن حَمْزَة الزيات قَالَ: خرجت ذَات لَيْلَة أُرِيد الْكُوفَة فآواني اللَّيْل إِلَى خربة فدخلتها فَبينا أَنا فِيهَا دخل عَليّ عفريتان من الْجِنّ فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: هَذَا حَمْزَة بن حبيب الزيات الَّذِي يقرىء النَّاس بِالْكُوفَةِ قَالَ: نعم والله لأقتلنَّه قَالَ: دَعه الْمِسْكِين يعِيش قَالَ: لأقتلنه

فَلَمَّا أزمع على قَتْلِي قلت: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين فَقَالَ لَهُ صَاحبه: دُونك الْآن فاحفظه راغماً إِلَى الصَّباح

وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله شهد الله أَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وفِي قِرَاءَته {إِن الدّين عِنْد الله الإِسلام}

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {قَائِما بِالْقِسْطِ} قَالَ: رَبنَا قَائِما بِالْعَدْلِ

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس {بِالْقِسْطِ} قَالَ: بِالْعَدْلِ

وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: فَإِن الله شهد هُوَ وَالْمَلَائِكَة والْعلمَاء من النَّاس {إِن الدّين عِنْد الله الإِسلام}

وَأخرج عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم} بِخِلَاف مَا قَالَ نَصَارَى نَجْرَان

وَأخرج عبد بن حميد وابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الدّين عِنْد الله الإِسلام} قَالَ: الإِسلام شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَالْإِقْرَار بِمَا جَاءَ بِهِ من عِنْد

ص: 166

الله

وَهُوَ دين الله الَّذِي شرع لنَفسِهِ وَبعث بِهِ رسله وَدلّ عَلَيْهِ أولياءه

لَا يقبل غَيره وَلَا يَجْزِي إِلَّا بِهِ

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {إِن الدّين عِنْد الله الإِسلام} قَالَ: لم أبْعث رَسُولا إِلَّا بالإِسلام

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ حول الْبَيْت سِتُّونَ وثلاثمائة صنم لكل قَبيلَة من قبائل الْعَرَب صنم أَو صنمان

فَأنْزل الله {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} الْآيَة

قَالَ: فَأَصْبَحت الْأَصْنَام كلهَا قد خرت سجدا للكعبة

قَوْله تَعَالَى: {وَمَا اخْتلف} الْآيَة

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَمَا اخْتلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: بَنو إِسْرَائِيل

وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم بغياً بَينهم} وَيَقُول: بغيا على الدُّنْيَا وَطلب ملكهَا وسلطانها فَقتل بَعضهم بَعْضًا على الدُّنْيَا من بعد مَا كَانُوا عُلَمَاء النَّاس

وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: أَن مُوسَى عليه السلام لما حَضَره الْمَوْت دَعَا سبعين حبرًا من أَحْبَار بني إِسْرَائِيل فاستودعهم التَّوْرَاة وجعلهم أُمَنَاء عَلَيْهِ

كل حبر جُزْء مِنْهُ واستخلف مُوسَى عليه السلام يُوشَع بن نون فَلَمَّا مضى الْقرن الأول وَمضى الثَّانِي وَمضى الثَّالِث وَقعت الْفرْقَة بَينهم

وهم الَّذين أُوتُوا الْعلم من أَبنَاء أُولَئِكَ السّبْعين حَتَّى أهرقوا بَينهم الدِّمَاء وَوَقع الشَّرّ وَالِاخْتِلَاف

وَكَانَ ذَلِك كُله من قبل الَّذين أُوتُوا الْعلم بغيا بَينهم على الدُّنْيَا طلبا لسلطانها وملكها وخزائنها وزخرفها فَسلط الله عَلَيْهِم جبابرتهم

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير {وَمَا اخْتلف الَّذين أُوتُوا الْكتاب} يَعْنِي النَّصَارَى {إِلَّا من بعد مَا جَاءَهُم الْعلم} الَّذِي جَاءَك أَي أَن الله الْوَاحِد الَّذِي لَيْسَ لَهُ شريك

وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَإِن الله سريع الْحساب} قَالَ إحصاؤه عَلَيْهِم

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {فَإِن حَاجُّوك} قَالَ: إِن حاجَّكَ الْيَهُود وَالنَّصَارَى

ص: 167

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {فَإِن حاجُّوك} قَالَ: الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: إِن الدّين الْيَهُودِيَّة والنصرانية فَقل يَا مُحَمَّد {أسلمت وَجْهي لله}

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير {فَإِن حاجُّوك} أَي بِمَا يأْتونَ بِهِ من الْبَاطِل من قَوْلهم: خلقنَا وَفعلنَا وَجَعَلنَا وأمرنا فَإِنَّمَا هِيَ شُبْهَة بَاطِل قد عرفُوا مَا فِيهَا من الْحق {فَقل أسلمت وَجْهي لله}

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمن اتبعن} قَالَ: ليقل من اتبعك مثل ذَلِك

وَأخرج الْحَاكِم وصَححهُ عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقلت: يَا نَبِي الله إِنِّي أَسأَلك بِوَجْه الله بِمَ بَعثك رَبنَا قَالَ: بِالْإِسْلَامِ

قلت: وَمَا آيَته قَالَ: أَن تَقول {أسلمت وَجْهي لله} وتخليت وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة

كل الْمُسلم على الْمُسلم محرم أَخَوان نصيران لَا يقبل الله من مُسلم أشرك بعد مَا أسلم عملا حَتَّى يُفَارق الْمُشْركين إِلَى الْمُسلمين مَا لي آخذ بِحُجزِكُمْ عَن النَّار أَلا إِن رَبِّي داعيّ أَلا وَأَنه سائلي هَل بلغت عبَادي وَإِنِّي قَائِل: رب قد أبلغتهم فليبلغ شاهدكم غائبكم ثمَّ أَنه تدعون مفدمة أَفْوَاهكُم بالفدام (الْفِدَام والفدام (يجب التشكيل) هُوَ مَا يوضع فِي فَم الإبريق ليعفى بَابه) ثمَّ أول مَا يبين عَن أحدكُم لفخذه وكَفه

قلت: يَا رَسُول الله هَذَا ديننَا قَالَ: هَذَا دينكُمْ وأَيْنَمَا تحسن يَكْفِكَ

وَأخرج ابْن جرير وابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَقل للَّذين أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: الْيَهُود والنَّصَارَى {والأميين} قَالَ: هم الَّذين لَا يَكْتُبُونَ

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع {فَإِن أَسْلمُوا فقد اهتدوا} قَالَ: من تكلم بِهَذَا صدقا من قلبه يَعْنِي الإِيمان فقد اهْتَدَى {وَإِن توَلّوا} يَعْنِي عَن الْإِيمَان

الْآيَتَانِ 21 - 22

ص: 168

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح قَالَ قلت يَا رَسُول

ص: 168

الله أَي النَّاس أَشد عذَابا يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: رجل قتل نَبيا أَو رجل أَمر بالمنكر ونهى عَن الْمَعْرُوف

ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

{وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر حق وَيقْتلُونَ الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس} إِلَى قَوْله {وَمَا لَهُم من ناصرين} ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا عُبَيْدَة قتلت بَنو إِسْرَائِيل ثَلَاثَة وَأَرْبَعين نَبيا أول النَّهَار فِي سَاعَة وَاحِدَة فَقَامَ مائَة وَسَبْعُونَ رجلا من عباد بني إِسْرَائِيل فَأمروا من قَتلهمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَن الْمُنكر فَقتلُوا جَمِيعًا من آخر النَّهَار من ذَلِك الْيَوْم فهم الَّذين ذكر الله

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِيمَن عَاشَ بعد الْمَوْت وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث عِيسَى يحيى فِي اثْنَي عشر رجلا من الحواريين يعلمُونَ النَّاس فَكَانَ ينْهَى عَن نِكَاح بنت الْأَخ وكَانَ ملك لَهُ بنت أَخ لَهُ تعجبه فأرادها وجعل يقْضِي لَهَا كل يَوْم حَاجَة فَقَالَت لَهَا أمهَا: إِذا سَأَلَك عَن حَاجَتك فَقولِي: حَاجَتي أَن تقتل يحيى بن زَكَرِيَّا فَقَالَ الْملك: حَاجَتك

قَالَت حَاجَتي أَن تقتل يحيى بن زَكَرِيَّا

فَقَالَ سَلِي غير هَذَا

قَالَت: لَا أَسأَلك غير هَذَا

فَلَمَّا أَبَت أَمر بِهِ فذبح فِي طست فبدرت قَطْرَة من دَمه فَلم تزل تغلي حَتَّى بعث الله بخْتنصر فدلت عَجُوز عَلَيْهِ فَألْقى فِي نَفسه أَن لَا يزَال يقتل حَتَّى يسكن هَذَا الدَّم فَقتل فِي يَوْم وَاحِد من ضرب وَاحِد وسنّ وَاحِد سبعين ألفا فسكن

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن معقل بن أبي مِسْكين فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الْوَحْي يَأْتِي بني إِسْرَائِيل فَيذكرُونَ قَومهمْ ولم يكن يَأْتِيهم كتاب فيقتلون فَيقوم رجال مِمَّن اتبعهم وصدقهم فَيذكرُونَ قَومهمْ فيقتلون

فهم الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس

وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَيقْتلُونَ الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس} قَالَ: هَؤُلَاءِ أهل الْكتاب

كَانَ أَتبَاع الْأَنْبِيَاء ينهونهم ويذكرونهم بِاللَّه فيقتلونهم

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أقحط النَّاس فِي زمَان ملك من مُلُوك بني إِسْرَائِيل فَقَالَ الْملك: ليرسلن علينا السَّمَاء أَو لنؤذينه فَقَالَ لَهُ جُلَسَاؤُهُ: كَيفَ تقدر على أَن تؤذيه أَو تغيظه وَهُوَ فِي السَّمَاء قَالَ: اقْتُل أولياءه من أهل الأَرْض فَيكون ذَلِك أَذَى لَهُ

قَالَ: فَأرْسل الله عَلَيْهِم السَّمَاء

وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق زيد بن أسلم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله {إِن الَّذين يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر حق وَيقْتلُونَ الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم}

ص: 169

قَالَ: الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس وُلَاة الْعدْل عُثْمَان وَأَضْرَابه

وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله ((إِن الَّذين يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ النَّبِيين بِغَيْر حق وقاتلو الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ من النَّاس))

الْآيَات 23 - 24 - 25

ص: 170

أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَيت الْمِدْرَاس على جمَاعَة من يهود فَدَعَاهُمْ إِلَى الله فَقَالَ لَهُ النُّعْمَان بن عَمْرو والحرث بن زيد: على أَي دين أَنْت يَا مُحَمَّد قَالَ: على مِلَّة إِبْرَاهِيم وَدينه قَالَا: فَإِن إِبْرَاهِيم كَانَ يَهُودِيّا فَقَالَ لَهما رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: فهلُّما إِلَى التَّوْرَاة فَهِيَ بَيْننَا وَبَيْنكُم فأبيا عَلَيْهِ فَأنْزل الله {ألم ترَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب يدعونَ إِلَى كتاب الله ليحكم بَينهم} إِلَى قَوْله {وغرهم فِي دينهم مَا كَانُوا يفترون}

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا} الْآيَة

قَالَ: هم الْيَهُود دعوا إِلَى كتاب الله ليحكم بَينهم وَإِلَى نبيه وهم يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة ثمَّ توَلّوا عَنهُ وهم معرضون

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ أهل الْكتاب يدعونَ إِلَى كتاب الله ليحكم بَينهم بِالْحَقِّ وَفِي الْحُدُود وَكَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَدعُوهُم إِلَى الإِسلام فيتولون عَن ذَلِك

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {نَصِيبا} قَالَ: حظاً {من الْكتاب} قَالَ: التَّوْرَاة

ص: 170

وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {قَالُوا لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا معدودات} قَالَ: يعنون الْأَيَّام الَّتِي خلق الله فِيهَا آدم عليه السلام

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وغرهم فِي دينهم مَا كَانُوا يفترون} حِين قَالُوا: نَحن أَبنَاء الله واحباؤه

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وغرهم فِي دينهم مَا كَانُوا يفترون} قَالَ: غرهم قَوْلهم {لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا معدودات}

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَوُفِّيَتْ} يَعْنِي تُوَفَّى كلُّ نفس برٍ وفاجرٍ {مَا كسبت} مَا عملت من خير أَو شَرّ {وهم لَا يظْلمُونَ} يَعْنِي من أَعْمَالهم

الْآيَتَانِ 26 - 27

ص: 171

أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عليه وسلم سَأَلَ ربه أَن يَجْعَل لَهُ ملك فَارس وَالروم فِي أمته فَأنْزل الله {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء} الْآيَة

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد سل رَبك {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء} إِلَى قَوْله {وترزق من تشَاء بِغَيْر حِسَاب} ثمَّ جَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد فسل رَبك (قل رب أدخلني مدْخل صدق

) (الْإِسْرَاء الْآيَة 8) الْآيَة

فَسَأَلَ ربه بقول الله تَعَالَى فَأعْطَاهُ ذَلِك

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم

قَالَ: اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب فِي هَذِه الْآيَة من آل عمرَان {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء} إِلَى آخر الْآيَة

ص: 171

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اسْم الله الْأَعْظَم {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك} إِلَى قَوْله {بِغَيْر حِسَاب}

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاء عَن معَاذ بن جبل قَالَ شَكَوْت إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم دينا كَانَ عليَّ فَقَالَ: يَا معَاذ أَتُحِبُّ أَن يقْضى دينك قلت: نعم

قَالَ {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء وتعز من تشَاء وتذل من تشَاء بِيَدِك الْخَيْر إِنَّك على كل شَيْء قدير} رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ورحيمهما تُعْطِي مِنْهُمَا مَا تشَاء وتمنع مِنْهُمَا مَا تشَاء اقْضِ عني ديني فَلَو كَانَ عَلَيْك ملْء الأَرْض ذَهَبا أُدي عَنْك

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ بن جبل أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم افتقده يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَتَى معَاذًا فَقَالَ: يَا معَاذ مَا لي لم أرك فَقَالَ: ليهودي عليَّ وقية من تبر فَخرجت إِلَيْك فحبسني عَنْك فَقَالَ: أَلا أعلمك دُعَاء تَدْعُو بِهِ فَلَو كَانَ عَلَيْك من الدّين مثل صبير أَدَّاهُ الله عَنْك فَادع الله يَا معَاذ {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء وتعز من تشَاء وتذل من تشَاء بِيَدِك الْخَيْر إِنَّك على كل شَيْء قدير تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ وترزق من تشَاء بِغَيْر حِسَاب} رَحْمَن الدُّنْيَا والْآخِرَة ورحيمهما تُعْطِي من تشَاء مِنْهُمَا وتمنع من تشَاء مِنْهُمَا ارْحَمْنِي رَحْمَة تغنني بهَا عَن رَحْمَة من سواك اللَّهُمَّ أغنني من الْفقر واقض عني الدّين وتوفني فِي عبادتك وَجِهَاد فِي سَبِيلك

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير بِسَنَد جيد عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِمعَاذ: أَلا أعلمك دُعَاء تَدْعُو بِهِ لَو كَانَ عَلَيْك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عَنْك قل يَا معَاذ {اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وتنزع الْملك مِمَّن تشَاء وتعز من تشَاء وتذل من تشَاء بِيَدِك الْخَيْر إِنَّك على كل شَيْء قدير} رَحْمَن الدُّنْيَا والْآخِرَة ورحيمهما تعطيهما من تشَاء وتمنع مِنْهُمَا من تشَاء ارْحَمْنِي رَحْمَة تغنيني بهَا عَن رَحْمَة من سواك

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {تؤتي الْملك من تشَاء} قَالَ: النُّبُوَّة

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك} أَي

ص: 172

رب الْعباد الْملك لَا يقْضِي فيهم غَيْركُمْ {تؤتي الْملك من تشَاء} أَي أَن ذَلِك بِيَدِك لَا إِلَى غَيْرك {إِنَّك على كل شَيْء قدير} أَي لَا يقدر على هَذَا غَيْرك بسلطانك وقدرتك

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل} قَالَ: يَأْخُذ الصَّيف من الشتَاء وَيَأْخُذ الشتَاء من الصَّيف {وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت} يخرج الرجل الْحَيّ من النُّطْفَة الْميتَة {وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} يخرج النُّطْفَة الْميتَة من الرجل الْحَيّ

وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل} قَالَ: قصر أَيَّام الشتَاء فِي طول ليله وَقصر ليل الصَّيف فِي طول نَهَاره

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل} قَالَ: مَا نقص من اللَّيْل يَجعله فِي النَّهَار وَمَا نقص من النَّهَار يَجعله فِي اللَّيْل

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {تولج اللَّيْل فِي النَّهَار} حَتَّى يكون اللَّيْل خمس عشرَة سَاعَة وَالنَّهَار تسع سَاعَات {وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل} حَتَّى يكون النَّهَار خمس عشرَة سَاعَة وَاللَّيْل تسع سَاعَات

وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل} قَالَ: أَخذ أَحدهمَا من صَاحبه

وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل} قَالَ: يَأْخُذ النَّهَار من اللَّيْل حَتَّى يكون أطول مِنْهُ وَيَأْخُذ اللَّيْل من النَّهَار حَتَّى يكون أطول مِنْهُ

وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت} قَالَ: يخرج النُّطْفَة الْميتَة من الْحَيّ ثمَّ يخرج من النُّطْفَة بشرا حَيا

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} قَالَ: النَّاس الْأَحْيَاء من النطف والنطف ميتَة تخرج من النَّاس الْأَحْيَاء وَمن الْأَنْعَام والنبات كَذَلِك

ص: 173

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة {وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت} قَالَ: هِيَ الْبَيْضَة تخرج من الْحَيّ وَهِي ميتَة ثمَّ يخرج مِنْهَا الْحَيّ

وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة {وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} قَالَ: النَّخْلَة من النواة والنواة من النَّخْلَة والحبة من السنبلة والسنبلة من الْحبَّة

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك

مثله

وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن {وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} يَعْنِي الْمُؤمن من الْكَافِر وَالْكَافِر من الْمُؤمن وَالْمُؤمن عبد حَيّ الْفُؤَاد وَالْكَافِر عبد ميت الْفُؤَاد

وَأخرج سعد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سلمَان قَالَ: خمر الله طِينَة آدم أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ وضع يَده فِيهِ فارتفع على هَذِه كل طيب وعَلى هَذِه كل خَبِيث ثمَّ خلط بعضه بِبَعْض ثمَّ خلق مِنْهَا آدم

فَمن ثمَّ {وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} يخرج الْمُؤمن من الْكَافِر وَيخرج الْكَافِر من الْمُؤمن

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لما خلق الله آدم عليه السلام أخرج ذُريَّته فَقبض قَبْضَة بِيَمِينِهِ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل الْجنَّة وَلَا أُبَالِي وَقبض بِالْأُخْرَى قَبْضَة فجَاء فِيهَا كل رَدِيء فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل النَّار وَلَا أُبَالِي فخلط بَعضهم بِبَعْض فَيخرج الْكَافِر من الْمُؤمن وَيخرج الْمُؤمن من الْكَافِر

فَذَلِك قَوْله {وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ}

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَو عَن سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم {وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} قَالَ: الْمُؤمن من الْكَافِر وَالْكَافِر من الْمُؤمن

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الزُّهْرِيّ فِي قَوْله {وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت} عَن عبد الله بن عبد الله أَن خالدة ابْنة الْأسود بن عبد يَغُوث دخلت على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: من هَذِه قيل: خالدة بنت الْأسود قَالَ: سُبْحَانَ الله الَّذِي يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت

وَكَانَت امْرَأَة صَالِحَة وَكَانَ أَبوهَا كَافِرًا

ص: 174

وَأخرج ابْن مَسْعُود من طَرِيق أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مثله

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ خَفِيفَة

وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن وثاب أَنه قَرَأَ يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ وَقَرَأَ (إِلَى بلد ميت)(فاطر الْآيَة 9) مثقلات كُلهنَّ

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {وترزق من تشَاء بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: لَا يُخرجهُ بِحِسَاب يخَاف أَن ينقص مَا عِنْده

إِن الله لَا ينقص مَا عِنْده

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان {بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: غدقاً

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير {تولج اللَّيْل فِي النَّهَار وتولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَتخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَتخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} أَي بِتِلْكَ الْقُدْرَة الَّتِي تؤتي الْملك بهَا من تشَاء وتنزعها مِمَّن تشَاء {وترزق من تشَاء بِغَيْر حِسَاب} لَا يقدر على ذَلِك غَيْرك وَلَا يصنعه إِلَّا أَنْت

أَي وَإِن كنت سلطت عِيسَى عليه السلام على الْأَشْيَاء الَّتِي يَزْعمُونَ إِنَّه إِلَه من إحْيَاء الْمَوْتَى وإبراء الأسقام وَخلق الطير من الطين وَالْخَبَر عَن الغيوب لأجعله بِهِ آيَة للنَّاس وَتَصْدِيقًا لَهُ فِي نبوته الَّتِي بعثته بهَا إِلَى قومه فَإِن من سلطاني وقدرتي مَا لم أعْطه تمْلِيك الْمُلُوك بِأَمْر النبوّة ووضعها حَيْثُ شِئْت وإِيلاج اللَّيْل فِي النَّهَار وإيلاج النَّهَار فِي اللَّيْل وَإِخْرَاج الْحَيّ من الْمَيِّت وإخرج الْمَيِّت من الْحَيّ ورزق من شِئْت من بر وَفَاجِر بِغَيْر حِسَاب وكل ذَلِك لم أسلط عِيسَى عَلَيْهِ وَلم أملكهُ إِيَّاه أفلم يكن لَهُم فِي ذَلِك عِبْرَة وَبَيِّنَة أَن لَو كَانَ إِلَهًا كَانَ ذَلِك كُله إِلَيْهِ وَهُوَ فِي علمهمْ يهرب من الْمُلُوك وينتقل مِنْهُم فِي الْبِلَاد من بلد إِلَى بلد

الْآيَة 28

ص: 175

أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْحجَّاج بن عَمْرو حَلِيف كَعْب بن الْأَشْرَف وَابْن أبي الْحقيق وَقيس بن زيد قد بطنوا بِنَفر من الْأَنْصَار ليفتنوهم عَن دينهم فَقَالَ رِفَاعَة بن الْمُنْذر وَعبد الله بن جُبَير وَسعد بن خَيْثَمَة لأولئك النَّفر: اجتنبوا هَؤُلَاءِ النَّفر من يهود واحذروا مباطنتهم لَا يفتنوكم عَن دينكُمْ

فَأبى أُولَئِكَ النَّفر فَأنْزل الله فيهم {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافرين} إِلَى قَوْله {وَالله على كل شَيْء قدير}

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى الله الْمُؤمنِينَ أَن يلاطفوا الْكفَّار ويتخذوهم وليجة من دون الْمُؤمنِينَ إِلَّا أَن يكون الْكفَّار عَلَيْهِم ظَاهِرين أَوْلِيَاء فيظهرون لَهُم اللطف ويخالفونهم فِي الدّين

وَذَلِكَ قَوْله {إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاة}

وَأخرج ابْن جُبَير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وَمن يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء} فقد برىء الله مِنْهُ

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَلا أَن تتقوا مِنْهُم تقاة} فالتقية بِاللِّسَانِ من حمل على أَمر يتَكَلَّم بِهِ وَهُوَ مَعْصِيّة لله فيتكلم بِهِ مَخَافَة النَّاس وَقَلبه مطمئن بالإِيمان فَإِن ذَلِك لَا يضرّهُ إِنَّمَا التقية بِاللِّسَانِ

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس {إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاة} قَالَ التقاة التَّكَلُّم بِاللِّسَانِ وَالْقلب مطمئن بالإِيمان وَلَا يبسط يَده فَيقْتل وَلَا إِلَى إِثْم فَإِنَّهُ لَا عذر لَهُ

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاة} قَالَ: إِلَّا مصانعة فِي الدُّنْيَا ومخالقة

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ التقية بِاللِّسَانِ وَلَيْسَ بِالْعَمَلِ

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاة} قَالَ: إِلَّا أَن يكون بَيْنك وَبَينه قرَابَة فتصله لذَلِك

وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ التقية جَائِزَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَأخرج عبد عَن أبي رَجَاء أَنه كَانَ يقْرَأ إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقية

وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة أَنه كَانَ يقْرؤهَا / إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُ تقية / بِالْيَاءِ

ص: 176

وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق أبي بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم {إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاة} بِالْألف وَرفع التَّاء

الْآيَتَانِ 29 - 30

ص: 177

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: أخْبرهُم أَنه يعلم مَا أَسرُّوا من ذَلِك وَمَا أعْلنُوا فَقَالَ {إِن تخفوا مَا فِي صدوركم أَو تبدوه يُعلمهُ الله}

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضراً} يَقُول: موفراً

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمَا عملت من سوء تودُّ لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمداً بَعيدا} قَالَ: يسر أحدهم أَن لَا يلقى عمله ذَلِك أبدا يكون ذَلِك مَنَاة وَأما فِي الدُّنْيَا فقد كَانَت خَطِيئَة يستلذها

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {أمداً بَعيدا} قَالَ: مَكَانا بَعيدا

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {أمداً} قَالَ: أَََجَلًا

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {ويحذركم الله نَفسه وَالله رؤوف بالعباد} قَالَ: من رأفته بهم حذرهم نَفسه

الْآيَتَانِ 31 - 32

ص: 177

أخرج ابْن جرير من طَرِيق بكر بن الأسوف عَن الْحسن قَالَ قَالَ قوم على عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم: يَا مُحَمَّد إِنَّا نحب رَبنَا

فَأنْزل الله {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله وَيغْفر لكم ذنوبكم}

ص: 177

فَجعل أَتبَاع نبيه مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم علما لحبه وَعَذَاب من خَالفه

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق أبي عُبَيْدَة النَّاجِي عَن الْحسن قَالَ قَالَ أَقوام على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: وَالله يَا مُحَمَّد إِنَّا لنحب رَبنَا فَأنْزل الله {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني} الْآيَة

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير من طَرِيق عباد بن مَنْصُور قَالَ إِن أَقْوَامًا كَانُوا على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَزْعمُونَ أَنهم يحبونَ الله فَأَرَادَ الله أَن يَجْعَل لقَولهم تَصْدِيقًا من عمل فَقَالَ {إِن كُنْتُم تحبون الله} الْآيَة

فَكَانَ اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم تَصْدِيقًا لقَولهم

وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالُوا إِنَّا لنحب رَبنَا فامتحنوا

فَأنْزل الله {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله}

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَ أَقوام يَزْعمُونَ أَنهم يحبونَ الله يَقُولُونَ: إِنَّا نحب رَبنَا

فَأَمرهمْ الله أَن يتبعوا مُحَمَّدًا وَجعل اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم علما لحبه

وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: من رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} إِلَى آخر الْآيَة

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير {قل إِن كُنْتُم تحبون الله} أَي إِن كَانَ هَذَا من قَوْلكُم فِي عِيسَى حبا لله وتعظيماً لَهُ {فَاتبعُوني يحببكم الله وَيغْفر لكم ذنوبكم} أَي مَا مضى من كفركم {وَالله غَفُور رَحِيم}

أخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لن يستكمل مُؤمن إيمَانه حَتَّى يكون هَوَاهُ تبعا لما جِئتُكُمْ بِهِ

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء فِي قَوْله {إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني} قَالَ: على الْبر وَالتَّقوى والتواضع وذلة النَّفس

ص: 178

وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو نعيم والديلمي وَابْن عَسَاكِر عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قَوْله {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} قَالَ: على الْبر وَالتَّقوى والتواضع وذلة النَّفس

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة فِي هَذِه الْآيَة {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني} قَالَت: على التَّوَاضُع وَالتَّقوى وَالْبر وذلة النَّفس

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: الشّرك أخْفى من دَبِيب الذَّر على الصَّفَا فِي اللَّيْلَة الظلماء وَأَدْنَاهُ أَن يحب على شَيْء من الْجور وَيبغض على شَيْء من الْعدْل وَهل الدّين إِلَّا البغض وَالْحب فِي الله قَالَ الله تَعَالَى {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله}

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق حَوْشَب عَن الْحسن فِي قَوْله {فَاتبعُوني يحببكم الله} قَالَ: فَكَانَ عَلامَة حبهم إِيَّاه اتِّبَاع سنة رَسُوله

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله الْمَرْء مَعَ من أحب فَقَالَ: ألم تسمع قَول الله {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} يَقُول: يقربكم

وَالْحب هُوَ الْقرب وَالله لَا يحب الْكَافرين لَا يقرب الْكَافرين

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير {قل أطِيعُوا الله وَالرَّسُول} فَإِنَّهُم يعرفونه

يَعْنِي الْوَفْد من نَصَارَى نَجْرَان ويجدونه فِي كِتَابهمْ {فَإِن توَلّوا} على كفرهم {فَإِن الله لَا يحب الْكَافرين}

وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أبي رَافع عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم

قَالَ لَا أَلفَيْنِ أحدكُم مُتكئا على أريكته يَأْتِيهِ الْأَمر من أَمْرِي مِمَّا أمرت بِهِ أَو نهيت عَنهُ فَيَقُول: لَا نَدْرِي

مَا وجدنَا فِي كتاب الله اتبعناه

الْآيَات 34 - 35 - 36

ص: 179

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي

ص: 179

قَوْله {وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ من آل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان وَآل ياسين وَآل مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

وَأخرج عبد بن حميد وان جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: ذكر الله أهل بَيْتَيْنِ صالحين وَرجلَيْنِ صالحين ففضلهم على الْعَالمين فَكَانَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من آل إِبْرَاهِيم

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: فَضلهمْ الله على الْعَالمين بالنبوّة على النَّاس كلهم كَانُوا هم الْأَنْبِيَاء الأتقياء المطيعين لرَبهم

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض} قَالَ: فِي النِّيَّة وَالْعَمَل وَالْإِخْلَاص والتوحيد

وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده أَن عليا قَالَ لِلْحسنِ قُم فاخطب النَّاس قَالَ: إِنِّي أهابك أَن أَخطب وَأَنا أَرَاك

فتغيب عَنهُ حَيْثُ يسمع كَلَامه وَلَا يرَاهُ فَقَامَ الْحسن فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَتكلم

ثمَّ نزل فَقَالَ عَليّ رضي الله عنه {ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض وَالله سميع عليم}

وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الله اصْطفى} يَعْنِي اخْتَار من النَّاس لرسالته {آدم ونوحاً وَآل إِبْرَاهِيم} يَعْنِي إِبْرَاهِيم وإسمعيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب والأسباط {وَآل عمرَان على الْعَالمين} يَعْنِي اخْتَارَهُمْ للنبوّة والرسالة على عالمي ذَلِك الزَّمَان

فهم ذُرِّيَّة بَعْضهَا من بعض فَكل هَؤُلَاءِ من ذُرِّيَّة آدم ثمَّ ذُرِّيَّة نوح ثمَّ من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم {إِذْ قَالَت امْرَأَة عمرَان} بن ماثان وَاسْمهَا حنة بنت فاقوذ وَهِي أم مَرْيَم {رب إِنِّي نذرت لَك مَا فِي بَطْني محرراً} وَذَلِكَ أَن أم مَرْيَم حنة كَانَت جَلَست عَن الْوَلَد والمحيض فَبَيْنَمَا هِيَ ذَات يَوْم فِي ظلّ شَجَرَة إِذْ نظرت إِلَى طير يزق فرخاً لَهُ فتحركت نَفسهَا للْوَلَد فدعَتْ الله أَن يهب لَهَا ولدا فَحَاضَت من ساعتها فَلَمَّا طهرت أَتَاهَا زَوجهَا فَلَمَّا أيقنت بالود قَالَت: لَئِن نجاني الله وَوضعت مَا فِي بَطْني لأجعلنه محرراً

وَبَنُو ماثان من مُلُوك بني إِسْرَائِيل من نسل دَاوُد

وَالْمُحَرر لَا يعْمل للدنيا وَلَا يتزوّج ويتفرغ لعمل الْآخِرَة

يعبد الله تَعَالَى وَيكون فِي خدمَة الْكَنِيسَة وَلم يكن محرراً فِي ذَلِك الزَّمَان إِلَّا الغلمان

فَقَالَت لزَوجهَا: لَيْسَ جنس من جنس الْأَنْبِيَاء إِلَّا وَفِيهِمْ مُحَرر غَيرنَا وَإِنِّي جعلت مَا فِي بَطْني نذيرة تَقول: نذرت أَن أجعله لله فَهُوَ الْمُحَرر

فَقَالَ زَوجهَا: أَرَأَيْت أَن كَانَ

ص: 180

الَّذِي فِي بَطْنك أُنْثَى - وَالْأُنْثَى عَورَة - فَكيف تصنعين فاغتمت لذَلِك فَقَالَت عِنْد ذَلِك {رب إِنِّي نذرت لَك مَا فِي بَطْني محررا فَتقبل مني إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} يَعْنِي تقبل مني مَا نذرت لَك

{فَلَمَّا وَضَعتهَا قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَالله أعلم بِمَا وضعت وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى} وَالْأُنْثَى عَورَة ثمَّ قَالَت {وَإِنِّي سميتها مَرْيَم} وَكَذَلِكَ كَانَ اسْمهَا عِنْد الله {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم} يَعْنِي الملعون فَاسْتَجَاب الله لَهَا فَلم يقربهَا الشَّيْطَان وَلَا ذريتها عِيسَى

قَالَ ابْن عَبَّاس قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: كل ولد آدم ينَال مِنْهُ الشَّيْطَان يطعنه حِين يَقع بِالْأَرْضِ بِأُصْبُعِهِ لما يستهل لَا مَا كَانَ من مَرْيَم وَابْنهَا لم يصل إِبْلِيس إِلَيْهِمَا قَالَ ابْن عَبَّاس: لما وَضَعتهَا خشيت حنة أم مَرْيَم أَن لَا تقبل أُنْثَى محررة فلفتها فِي الْخِرْقَة ووضعتها فِي بَيت الْمُقَدّس عِنْد الْقُرَّاء فتساهم الْقُرَّاء عَلَيْهَا لِأَنَّهَا كَانَت بنت إمَامهمْ وَكَانَ إِمَام الْقُرَّاء من ولد هَارُون

أَيهمْ يَأْخُذهَا فَقَالَ زَكَرِيَّا - وَهُوَ رَأس الْأَحْبَار - أَنا آخذها وَأَنا أحقهم بهَا لِأَن خَالَتهَا عِنْدِي - يَعْنِي أم يحيى - فَقَالَ الْقُرَّاء: وَإِن كَانَ فِي الْقَوْم من هُوَ أفقر إِلَيْهَا مِنْك وَلَو تركت لأحق النَّاس بهَا تركت لأَبِيهَا وَلكنهَا محررة غير أَن نتساهم عَلَيْهَا فَمن خرج سَهْمه فَهُوَ أَحَق بهَا فقرعوا ثَلَاث مَرَّات بأقلامهم الَّتِي كَانُوا يَكْتُبُونَ بهَا الْوَحْي {أَيهمْ يكفل مَرْيَم} يَعْنِي أَيهمْ يقبضهَا فقرعهم زَكَرِيَّا

وَكَانَت قرعَة أقلامهم أَنهم جمعوها فِي مَوضِع ثمَّ غطوها فَقَالُوا لبَعض خدم بَيت الْمُقَدّس من الغلمان الَّذين لم يبلغُوا الْحلم: أَدخل يدك فَأخْرج قَلما مِنْهَا فَأدْخل يَده فَأخْرج قلم زَكَرِيَّا فَقَالُوا: لَا نرضى وَلَكِن نلقي الأقلام فِي المَاء فَمن خرج قلمه فِي جرية المَاء ثمَّ ارْتَفع فَهُوَ يكفلها

فَألْقوا أقلامهم فِي نهر الْأُرْدُن فارتفع قلم زَكَرِيَّا فِي جرية المَاء فَقَالُوا: نقترع الثَّالِثَة فَمن جرى قلمه مَعَ المَاء فَهُوَ يكفلها

فَألْقوا أقلامهم فَجرى قلم زَكَرِيَّا مَعَ المَاء وَارْتَفَعت أقلامهم فِي جرية المَاء وَقَبضهَا عِنْد ذَلِك زَكَرِيَّا

فَذَلِك قَوْله {وكفلها زَكَرِيَّا} يَعْنِي قبضهَا ثمَّ قَالَ {فتقبلها رَبهَا بِقبُول حسن وأنبتها نباتاً حسنا} يَعْنِي رباها تربية حَسَنَة فِي عبَادَة وَطَاعَة لِرَبِّهَا حَتَّى ترعرعت وَبنى لَهَا زَكَرِيَّا محراباً فِي بَيت الْمُقَدّس وَجعل بَابه فِي وسط الْحَائِط لَا يصعد إِلَيْهَا إِلَّا بسلم

ص: 181

وكَانَ اسْتَأْجر لَهَا ظِئْراً فَلَمَّا تمّ لَهَا حولان فطمت وتحركت فَكَانَ يغلق عَلَيْهَا الْبَاب والمفتاح مَعَه لَا يَأْمَن عَلَيْهِ أحدا لَا يَأْتِيهَا بِمَا يصلحها أحد غَيره حَتَّى بلغت

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة قَالَ: اسْم أم مَرْيَم حنة

وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: حنة ولدت مَرْيَم أم عِيسَى

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {نذرت لَك مَا فِي بَطْني محرراً} قَالَ: كَانَت نذرت أَن تَجْعَلهُ فِي الْكَنِيسَة يتعبد بهَا وَكَانَت ترجو أَن يكون ذكرا

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: نذرت أَن تَجْعَلهُ محرراً لِلْعِبَادَةِ

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {محرراً} قَالَ: خَادِمًا لِلْبيعَةِ

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {محرراً} قَالَ: خَالِصا لَا يخالطه شَيْء من أَمر الدُّنْيَا

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت امْرَأَة عمرَان حررت لله مَا فِي بَطنهَا وَكَانُوا إِنَّمَا يحررون الذُّكُور وَكَانَ الْمُحَرر إِذا حرر جعل فِي الْكَنِيسَة لَا يبرحها يقوم عَلَيْهَا ويكنسها وَكَانَت الْمَرْأَة لَا تَسْتَطِيع أَن تصنع بهَا ذَلِك لما يُصِيبهَا من الْأَذَى فَعِنْدَ ذَلِك قَالَت {وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى}

وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {محرراً} قَالَ: جعلته لله والكنيسة فَلَا يُحَال بَينه وَبَين الْعِبَادَة

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة فِي زمَان بني إِسْرَائِيل إِذا ولدت غُلَاما أَرْضَعَتْه حَتَّى إِذا أطَاق الْخدمَة دَفعته إِلَى الَّذين يدرسون الْكتب فَقَالَت: هَذَا مُحَرر لكم يخدمكم

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن امْرَأَة عمرَان كَانَت عجوزاً عاقراً تسمى حنة وَكَانَت لَا تَلد فَجعلت تغبط النِّسَاء لأولادهن فَقَالَت: اللَّهُمَّ إِن عليَّ نذرا شكرا إِن رزقتني ولدا أَن أَتصدق بِهِ على بَيت الْمُقَدّس فَيكون من سدنته وخدامه {فَلَمَّا وَضَعتهَا قَالَت رب إِنِّي وَضَعتهَا أُنْثَى وَالله أعلم بِمَا وضعت وَلَيْسَ الذّكر كالأنثى} يَعْنِي فِي الْمَحِيض وَلَا يَنْبَغِي لامْرَأَة أَن تكون مَعَ الرِّجَال ثمَّ خرجت أم مَرْيَم تحملهَا فِي خرقتها إِلَى بني الكاهن ابْن هَارُون أخي مُوسَى قَالَ: وهم يَوْمئِذٍ يلون من بَيت

ص: 182

الْمُقَدّس مَا يَلِي الحجبة من الْكَعْبَة فَقَالَت لَهُم: دونكم هَذِه النذيرة فَإِنِّي حررتها وَهِي ابْنَتي وَلَا يدْخل الْكَنِيسَة حَائِض وَأَنا لَا أردهَا إِلَى بَيْتِي فَقَالُوا: هَذِه ابْنة إمامنا - وَكَانَ عمرَان يؤمهم فِي الصَّلَاة - فَقَالَ زَكَرِيَّا: ادفعوها إليَّ فَإِن خَالَتهَا تحتي فَقَالُوا: لَا تطيب أَنْفُسنَا بذلك

فَذَلِك حِين اقترعوا عَلَيْهَا بالأقلام الَّتِي يَكْتُبُونَ بهَا التَّوْرَاة فقرعهم زَكَرِيَّا فكفلها

وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {وَالله أعلم بِمَا وضعت}

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك أَنه قَرَأَ {بِمَا وضعت} بِرَفْع التَّاء

وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم بن أبي النجُود أَنه كَانَ يقْرؤهَا بِرَفْع التَّاء

وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن سُفْيَان بن حُسَيْن {وَالله أعلم بِمَا وضعت} قَالَ: على وَجه الشكاية إِلَى الرب تبارك وتعالى

وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأسود أَنه كَانَ يقْرؤهَا {وَالله أعلم بِمَا وضعت} بِنصب الْعين

وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يقْرؤهَا {وَالله أعلم بِمَا وضعت} بِنصب الْعين

أما قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي أُعِيذهَا} الْآيَة

أخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مَا من مَوْلُود يُولد إِلَّا والشيطان يمسهُ حِين يُولد فَيَسْتَهِل صَارِخًا من مس الشَّيْطَان إِيَّاه إِلَّا مَرْيَم وَابْنهَا ثمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: واقرأوا إِن شِئْتُم {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم}

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: كل مَوْلُود من ولد آدم لَهُ طعنة من الشَّيْطَان وَبهَا يستهل الصَّبِي إِلَّا مَا كَانَ من مَرْيَم بنت عمرَان وَوَلدهَا فَإِن أمهَا قَالَت حِين وَضَعتهَا {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم} فَضرب بَينهمَا حجاب فطعن فِي الْحجاب

وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مَا من مَوْلُود يُولد إِلَّا وَقد عصره الشَّيْطَان عصرة أَو عصرتين إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم وَمَرْيَم ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم}

ص: 183

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا ولد مَوْلُود إِلَّا قد اسْتهلّ غير الْمَسِيح ابْن مَرْيَم لم يُسَلط عَلَيْهِ الشَّيْطَان وَلم ينهزه

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: لما ولد عِيسَى عليه السلام أَتَت الشَّيَاطِين إِبْلِيس فَقَالُوا: أَصبَحت الْأَصْنَام قد نكست رؤوسها فَقَالَ: هَذَا حدث مَكَانكُمْ فطار حَتَّى جاب خافقي الأَرْض فَلم يجد شَيْئا ثمَّ جَاءَ الْبحار فَلم يقدر على شَيْء ثمَّ طَار أَيْضا فَوجدَ عِيسَى عليه السلام قد ولد عِنْد مدود حمَار وَإِذا الْمَلَائِكَة قد حفَّت حوله فَرجع إِلَيْهِم فَقَالَ: إِن نَبيا قد ولد البارحة مَا حملت أُنْثَى قطّ وَلَا وضعت إِلَّا وَأَنا بحضرتها إِلَّا هَذَا

فأيسوا أَن تعبد الْأَصْنَام بعد هَذِه اللَّيْلَة وَلَكِن ائْتُوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم} قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: كل بني آدم طعن الشَّيْطَان فِي جنبه إِلَّا عِيسَى بن مَرْيَم وَأمه جعل بَينهمَا وَبَينه حجاب فأصابت الطعنة الْحجاب وَلم ينفذ إِلَيْهِمَا شَيْء

وَذكر لنا أَنَّهُمَا كَانَا لَا يصيبان الذُّنُوب كَمَا يُصِيبهُ سَائِر بني آدم

وَذكر لنا إِن عِيسَى عليه السلام كَانَ يمشي على الْبَحْر كَمَا يمشي على الْبر مِمَّا أعطَاهُ الله من الْيَقِين والإِخلاص

وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم} قَالَ: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: كل آدَمِيّ طعن الشَّيْطَان فِي جنبه غير عِيسَى وَأمه كَانَا لَا يصيبان الذُّنُوب كَمَا يُصِيبهَا بَنو آدم

قَالَ: وَقَالَ عِيسَى صلى الله عليه وسلم فِيمَا يثني على ربه: وأعاذني وَأمي من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَلم يكن لَهُ علينا سَبِيل

وَأخرج عبد بن حميد عَن أبن عَبَّاس قَالَ: لَوْلَا أَنَّهَا قَالَت {وَإِنِّي أُعِيذهَا بك وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم} إِذن لم تكن لَهَا ذُرِّيَّة

الْآيَة 37

ص: 184

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فتقبلها رَبهَا بِقبُول حسن} قَالَ: تقبل من أمهَا مَا أَرَادَت بهَا الْكَنِيسَة فأجرها فِيهِ {وأنبتها نباتاً حسنا} قَالَ: نَبتَت فِي غذَاء الله

وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع وكفلها زَكَرِيَّا قَالَ: ضمهَا إِلَيْهِ

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كفلها زَكَرِيَّا فَدخل عَلَيْهَا الْمِحْرَاب فَوجدَ عِنْدهَا رزقا عنباً فِي مكتل فِي غير حِينه {قَالَ يَا مَرْيَم أَنى لَك هَذَا قَالَت هُوَ من عِنْد الله إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: إِن الَّذِي يرزقك الْعِنَب فِي غير حِينه لقادر أَن يَرْزُقنِي من العاقر الْكَبِير الْعَقِيم ولدا {هُنَالك دَعَا زَكَرِيَّا ربه} فَلَمَّا بشر بِيَحْيَى قَالَ {رب اجْعَل لي آيَة قَالَ آيتك ألَاّ تكلم النَّاس} قَالَ: يعتقل لسَانك من غير مرض وَأَنت سوي

وَأخرج عبد بن حميد وآدَم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وكفلها زَكَرِيَّا} قَالَ: سهمهم بقلمه

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت مَرْيَم ابْنة سيدهم وإمامهم فتشاح عَلَيْهَا أَحْبَارهم فاقترعوا فِيهَا بسهامهم أَيهمْ يكفلها وَكَانَ زَكَرِيَّا زوج خَالَتهَا فكفلها وَكَانَت عِنْده وحضنتها

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وناس من الصَّحَابَة إِن الَّذين كَانُوا يَكْتُبُونَ التَّوْرَاة إِذا جاؤوا إِلَيْهِم بِإِنْسَان مُحَرر واقترعوا عَلَيْهِ أَيهمْ يَأْخُذهُ فيعلمه وَكَانَ زَكَرِيَّا أفضلهم يَوْمئِذٍ وَكَانَ مَعَهم وَكَانَت أُخْت أم مَرْيَم تَحْتَهُ فَلَمَّا أَتَوا بهَا قَالَ لَهُم زَكَرِيَّا: أَنا أحقكم بهَا تحتي أُخْتهَا

قَالَ: فَخَرجُوا إِلَى نهر الْأُرْدُن فَألْقوا أقلامهم الَّتِي يَكْتُبُونَ بهَا أَيهمْ يقوم قلمه فيكفلها فجرت الأقلام وَقَامَ قلم زَكَرِيَّا على قرنيه كَأَنَّهُ فِي طين فَأخذ الْجَارِيَة

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وكفلها زَكَرِيَّا} قَالَ: جعلهَا مَعَه فِي محرابه

وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم بن أبي النجُود أَنه قَرَأَهَا {وكفلها} مُشَدّدَة {زَكَرِيَّا} ممدودة مَهْمُوز مَنْصُوب

وَأخرج عبد بن حميد عَن أبن عَبَّاس {وجد عِنْدهَا رزقا} قَالَ: مكتلاً فِيهِ عِنَب فِي غير حِينه

ص: 185

وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وجد عِنْدهَا رزقا} قَالَ: عنباً فِي غير زَمَانه

وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن مُجَاهِد {وجد عِنْدهَا رزقا} قَالَ: فَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء وَفَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن مُجَاهِد {وجد عِنْدهَا رزقا} قَالَ: علما

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وجد عِنْدهَا رزقا} قَالَ: وجد عِنْدهَا ثمار الْجنَّة

فَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء وَفَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وجد عِنْدهَا رزقا} قَالَ: الْفَاكِهَة الغضة حِين لَا تُوجد الْفَاكِهَة عِنْد أحد

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك {أنَّى} يَعْنِي من أَيْن

وَأخرج عَن الضَّحَّاك {أَنى لَك هَذَا} يَقُول من أَتَاك بِهَذَا

وَأخرج أَبُو يعلى عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَقَامَ أَيَّامًا لم يطعم طَعَاما حَتَّى شقّ ذَلِك عَلَيْهِ فَطَافَ فِي منَازِل أَزوَاجه فَلم يجد عِنْد وَاحِدَة مِنْهُنَّ شَيْئا فَأتى فَاطِمَة فَقَالَ يَا بنية هَل عنْدك شَيْء آكله فَإِنِّي جَائِع فَقَالَت: لَا وَالله

فَلَمَّا خرج من عِنْدهَا بعثت إِلَيْهَا جَارة لَهَا بِرَغِيفَيْنِ وَقطعَة لحم فَأَخَذته مِنْهَا فَوَضَعته فِي جَفْنَة لَهَا وَقَالَت: وَالله لَأُوثِرَنَّ بِهَذَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على نَفسِي وَمن عِنْدِي وَكَانُوا جَمِيعًا مُحْتَاجين إِلَى شبعة طَعَام فَبعثت حسنا أَو حُسَيْنًا إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَرجع إِلَيْهَا فَقَالَت لَهُ: - بِأبي أَنْت وَأمي - قد أَتَى الله بِشَيْء قد خبأته لَك فَقَالَ: هَلُمِّي يَا بنية بالجفنة فَكشفت عَن الْجَفْنَة فَإِذا هِيَ مَمْلُوءَة خبْزًا وَلَحْمًا فَلَمَّا نظرت إِلَيْهَا بهتت وَعرفت أَنَّهَا بركَة من الله

فحمدت الله تَعَالَى وقدمته إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهُ حمد الله وَقَالَ: من أَيْن لَك هَذَا يَا بنية قَالَت: يَا أَبَت {هُوَ من عِنْد الله إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب}

الْآيَة 38

ص: 186

أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما رأى ذَلِك زَكَرِيَّا يَعْنِي فَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء وَفَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف عِنْد مَرْيَم قَالَ: إِن الَّذِي يَأْتِي بِهَذَا مَرْيَم فِي غير زَمَانه قَادر على أَن يَرْزُقنِي ولدا فَذَلِك حِين دَعَا ربه

وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: لما وجد زَكَرِيَّا عِنْد مَرْيَم ثَمَر الشتَاء فِي الصَّيف وثمر الصَّيف فِي الشتَاء يَأْتِيهَا بِهِ جِبْرِيل قَالَ لَهَا: أَنى لَك هَذَا فِي غير حِينه فَقَالَت: هَذَا رزق من عِنْد الله يَأْتِي بِهِ الله {إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب} فطمع زَكَرِيَّا فِي الْوَلَد فَقَالَ: أَن الَّذِي أَتَى مَرْيَم بِهَذِهِ الْفَاكِهَة فِي غير حينها لقادر أَن يصلح لي زَوْجَتي ويهب لي مِنْهَا ولدا فَعِنْدَ ذَلِك {دَعَا زَكَرِيَّا ربه} وَذَلِكَ لثلاث لَيَال بَقينَ من الْمحرم

قَامَ زَكَرِيَّا فاغتسل ثمَّ ابتهل فِي الدُّعَاء إِلَى الله قَالَ: يَا رَازِق مَرْيَم ثمار الصَّيف فِي الشتَاء وثمار الشتَاء فِي الصَّيف هَب لي من لَدُنْك - يَعْنِي من عنْدك - ذُرِّيَّة طيبَة يَعْنِي تقيا

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ذُرِّيَّة طيبَة} يَقُول: مباركة

الْآيَة 39

ص: 187

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {فنادته الْمَلَائِكَة} قَالَ: جِبْرِيل

وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي حَمَّاد قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ((فناداه جِبْرِيل وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب)) وأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: ذكرُوا الْمَلَائِكَة ثمَّ تَلا (إِن الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة ليسمون الْمَلَائِكَة تَسْمِيَة الْأُنْثَى)(النَّجْم الْآيَة 27) وَكَانَ يَقْرَأها ((فناداه الْمَلَائِكَة))

وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فناداه الْمَلَائِكَة بِالتَّاءِ

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ عبد الله يذكر الْمَلَائِكَة فِي الْقُرْآن

ص: 187

وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم بن أبي النجُود أَنه قَرَأَ {فنادته الْمَلَائِكَة} بِالتَّاءِ {أَن الله} بِنصب الْألف {يبشرك} مثقلة

قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي}

أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ثَابت قَالَ: الصَّلَاة خدمَة الله فِي الأَرْض وَلَو علم الله شَيْئا أفضل من الصَّلَاة مَا قَالَ {فنادته الْمَلَائِكَة وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي}

قَوْله تَعَالَى: {فِي الْمِحْرَاب}

أخرج عبد الْمُنْذر عَن السّديّ

الْمِحْرَاب الْمصلى

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: اتَّقوا هَذِه المذابح

يَعْنِي المحاريب

وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن مُوسَى الْجُهَنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لَا تزَال أمتِي بِخَير مَا لم يتخذوا فِي مَسَاجِدهمْ مذابح كمذابح النَّصَارَى

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: اتَّقوا هَذِه المحاريب

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبيد بن أبي الْجَعْد قَالَ: كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن تتَّخذ المذابح فِي الْمَسَاجِد

يَعْنِي الطاقات

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أَي ذَر قَالَ: إِن من أَشْرَاط السَّاعَة أَن تتَّخذ المذابح فِي الْمَسَاجِد

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ أَنه كره الصَّلَاة فِي الطاق

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يكره الصَّلَاة فِي الطاق

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سَالم بن أبي الْجَعْد أَنه كَانَ يكره المذابح فِي الْمَسَاجِد

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب أَنه كره المذابح فِي الْمَسْجِد

وَأخرج ابْن جرير عَن معَاذ الْكُوفِي قَالَ: من قَرَأَ {يبشر} مثقلة فَإِنَّهُ من الْبشَارَة وَمن قَرَأَ {يبشر} مُخَفّفَة بِنصب الْبَاء فَإِنَّهُ من السرُور

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: أَن الْمَلَائِكَة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بِيَحْيَى

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {أَن الله يبشرك بِيَحْيَى} قَالَ: إِنَّمَا سمي يحيى لِأَن الله أَحْيَاهُ بالإِيمان

ص: 188

وَأخرج ابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود مَرْفُوعا خلق الله فِرْعَوْن فِي بطن أمه كَافِرًا وَخلق يحيى بن زَكَرِيَّا فِي بطن أمه مُؤمنا

وَأخرج الْفِرْيَانِيُّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {مُصدقا بِكَلِمَة من الله} قَالَ: عِيسَى بن مَرْيَم والكلمة يَعْنِي تكوّن بِكَلِمَة من الله

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَت امْرَأَة زَكَرِيَّا لِمَرْيَم: إِنِّي أجد الَّذِي فِي بَطْني يَتَحَرَّك للَّذي فِي بَطْنك فَوضعت امْرَأَة زَكَرِيَّا يحيى عليه السلام وَمَرْيَم عِيسَى عليه السلام وَذَلِكَ قَوْله {مُصدقا بِكَلِمَة من الله} قَالَ: يحيى مُصدق بِعِيسَى

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {مُصدقا بِكَلِمَة من الله} قَالَ: كَانَ يحيى أول من صدق بِعِيسَى وَشهد أَنه كلمة من الله

قَالَ: وَكَانَ يحيى ابْن خَالَة عِيسَى وَكَانَ أكبر من عِيسَى

وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {مُصدقا بِكَلِمَة من الله} يَقُول: مُصدق بِعِيسَى وعَلى سنته ومنهاجه

وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس {مُصدقا بِكَلِمَة من الله} قَالَ: كَانَ عِيسَى وَيحيى ابْني خَالَة وَكَانَت أم يحيى تَقول لِمَرْيَم: إِنِّي أجد الَّذِي فِي بَطْني يسْجد للَّذي فِي بَطْنك فَذَلِك تَصْدِيقه بِعِيسَى سُجُوده فِي بطن أمه

وَهُوَ أول من صدق بِعِيسَى وَكلمَة عِيسَى

وَيحيى أكبر من عِيسَى

وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: لقِيت أم يحيى أم عِيسَى وَهَذِه حَامِل بِيَحْيَى وَهَذِه حَامِل بِعِيسَى فَقَالَت امْرَأَة زَكَرِيَّا: إِنِّي وجدت مَا فِي بَطْني يسْجد لما فِي بَطْنك

فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {مُصدقا بِكَلِمَة من الله}

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَسَيِّدًا} قَالَ: حَلِيمًا تقياً

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: السَّيِّد الْكَرِيم على الله

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَضَب وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: السَّيِّد الَّذِي لَا يغلبه الْغَضَب

وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: السَّيِّد الْفَقِيه الْعَالم

ص: 189

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن الضَّحَّاك قَالَ: السَّيِّد الْحسن الْخلق والحصور الَّذِي حصر عَن النِّسَاء

وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: (الحصور) الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: نَادَى منادٍ من السَّمَاء أَن يحيى بن زَكَرِيَّا سيد من ولدت النِّسَاء وَأَن جورجيس سيد الشُّهَدَاء

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: (السَّيِّد) الْحَلِيم والحصور الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} قَالَ: السَّيِّد الْحَلِيم والحصور الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الحصور الَّذِي لَا ينزل المَاء

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الحصور الَّذِي لَا يقرب النِّسَاء

وَلَفظ ابْن الْمُنْذر: الْعنين

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من عبد يلقى الله إِلَّا ذَا ذَنْب إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا فَإِن الله يَقُول: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ ذكره مثل هدبة الثَّوْب وَأَشَارَ بأنملته

وَأخرجه ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة من وَجه آخر عَن ابْن عَمْرو

مَوْقُوفا وَهُوَ أقوى اسناداً من الْمَرْفُوع

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: كل ابْن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عَلَيْهِ إِن شَاءَ أَو يرحمه إلاّ يحيى بن زَكَرِيَّا فَإِنَّهُ كَانَ {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا من الصَّالِحين} ثمَّ أَهْوى النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى قذاة من الأَرْض فَأَخذهَا وَقَالَ: كَانَ ذكره مثل هَذِه القذاة

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَرْبَعَة لعنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأمنت الْمَلَائِكَة: رجل جعله الله ذكرا فأنث نَفسه وتشبه بِالنسَاء وَامْرَأَة

ص: 190

جعلهَا الله أُنْثَى فتذكرت وتشبهت بِالرِّجَالِ وَالَّذِي يضل الْأَعْمَى وَرجل حصور وَلم يَجْعَل الله حصوراً إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُعَاوِيَة بن صَالح عَن بَعضهم رفع الحَدِيث لعن الله وَالْمَلَائِكَة رجلا تحصر بعد يحيى بن زَكَرِيَّا

وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {وَحَصُورًا} قَالَ: لَا يَشْتَهِي النِّسَاء ثمَّ ضرب بِيَدِهِ إِلَى الأَرْض فَأخذ نواة فَقَالَ: مَا كَانَ مَعَه مثل هَذِه

وَأخرج الطسي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {وَحَصُورًا} قَالَ: ألذي لَا يَأْتِي النِّسَاء

قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: وحصور عَن الْخَنَا يَأْمر النا س بِفعل الحراب والتشمير

الْآيَتَانِ 40 - 41

ص: 191

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما سمع زَكَرِيَّا النداء جَاءَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ لَهُ: يَا زَكَرِيَّا إِن الصَّوْت الَّذِي سَمِعت لَيْسَ هُوَ من الله إِنَّمَا هُوَ من الشَّيْطَان ليسخر بك وَلَو كَانَ من الله أوحى إِلَيْك كَمَا يوحي إِلَيْك فِي غَيره من الْأَمر

فَشك مَكَانَهُ وَقَالَ {أَنى يكون لي غُلَام}

وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: أَتَاهُ الشَّيْطَان فَأَرَادَ أَن يكدر عَلَيْهِ نعْمَة ربه قَالَ: هَل تَدْرِي من ناداك قَالَ: نعم

ناداني مَلَائِكَة رَبِّي قَالَ: بل ذَلِك الشَّيْطَان لَو كَانَ هَذَا من رَبك لأخفاه إِلَيْك كَمَا أخفيت نداءك فَقَالَ {رب اجْعَل لي آيَة}

أما قَوْله تَعَالَى {وامرأتي عَاقِر}

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن شُعَيْب الجبائي قَالَ اسْم أم يحيى أشيع

ص: 191

قَوْله تَعَالَى: {قَالَ كَذَلِك الله يفعل مَا يَشَاء}

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {كَذَلِك} يَعْنِي هَكَذَا

وَفِي قَوْله {رب اجْعَل لي آيَة} قَالَ: قَالَ زَكَرِيَّا: رب فَإِن كَانَ هَذَا الصَّوْت مِنْك فَاجْعَلْ لي آيَة

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {رب اجْعَل لي آيَة} قَالَ بِالْحملِ بِهِ

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام} قَالَ: إِنَّمَا عُوقِبَ بذلك لِأَن الْمَلَائِكَة شافهته بذلك مشافهة فبشرته بِيَحْيَى فَسَأَلَ الْآيَة بعد كَلَام الْمَلَائِكَة إِيَّاه فَأخذ عَلَيْهِ بِلِسَانِهِ

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: اعتقل لِسَانه من غير مرض

وَأخرج عَن السّديّ قَالَ: اعتقل لِسَانه ثَلَاثَة أَيَّام وَثَلَاث لَيَال

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن جُبَير بن نفير قَالَ: رَبًّا لِسَانه فِي فِيهِ حَتَّى ملأَهُ فَمَنعه الْكَلَام ثمَّ أطلقهُ الله بعد ثَلَاث

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إلَاّ رمزاً} قَالَ: الرَّمْز بالشفتين

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {إلَاّ رمزاً} قَالَ: إيماؤه بشفتيه

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {إلَاّ رمزاً} قَالَ: الاشارة

وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: الرَّمْز أَن يُشِير بِيَدِهِ أَو رَأسه وَلَا يتَكَلَّم

وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الرَّمْز أَن أَخذ بِلِسَانِهِ فَجعل يكلم النَّاس بِيَدِهِ

وَأخرج الطسي فِي مسَائِله وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {إلَاّ رمزاً} قَالَ: الاشارة بِالْيَدِ وَالْوَحي بِالرَّأْسِ قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم

أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: مَا فِي السَّمَاء من الرَّحْمَن مرتمز إِلَّا إِلَيْهِ وَمَا فِي الأَرْض من وزر وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: لَو رخص الله لأحد فِي ترك الذّكر لرخص لزكريا عليه السلام حَيْثُ قَالَ

ص: 192

{آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا رمزاً وَاذْكُر رَبك كثيرا} وَلَو رخص لأحد فِي ترك الذّكر لرخص للَّذين يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله قَالَ الله (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا لَقِيتُم فِئَة فاثبتوا واذْكُرُوا الله كثيرا)

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَسبح بالْعَشي وَالْإِبْكَار} قَالَ {بالْعَشي} ميل الشَّمْس إِلَى أَن تغيب {وَالْإِبْكَار} أول الْفجْر

الْآيَات 42 - 43 - 44 - 45

ص: 193

أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {إِن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نسَاء الْعَالمين} قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ: خير نسَاء ركبن الْإِبِل نسَاء قُرَيْش

أحناه على ولد فِي صغره وأرعاه على زوج فِي ذَات يَده

قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وَلم تركب مَرْيَم بنت عمرَان بَعِيرًا قطّ أخرجه الشَّيْخَانِ بِدُونِ الْآيَة

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ سَمِعت رَسُول الله يَقُول: خير نسائها مَرْيَم بنت عمرَان وَخير نسائها خَدِيجَة بنت خويلد

وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل نسَاء الْعَالمين خَدِيجَة وَفَاطِمَة وَمَرْيَم وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن

ص: 193

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله اصْطفى على نسَاء الْعَالمين أَرْبعا: آسِيَة بنت مُزَاحم وَمَرْيَم بنت عمرَان وَخَدِيجَة بنت خويلد وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: حَسبك من نسَاء الْعَالمين مَرْيَم بنت عمرَان وَخَدِيجَة بنت خويلد وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن

مُرْسلا

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرِّجَال كثير وَلم يكمل من النِّسَاء إِلَّا: مَرْيَم بنت عمرَان وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن وَفضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على الطَّعَام

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن فَاطِمَة رضي الله عنها قَالَت: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أَنْت سيدة نسَاء أهل الْجنَّة إِلَّا مَرْيَم البتول

وَأخرج ابْن جرير عَن عمار بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: فضلت خَدِيجَة على نسَاء أمتِي كَمَا فضلت مَرْيَم على نسَاء الْعَالمين

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: سيدة نسَاء أهل الْجنَّة مَرْيَم بنت عمرَان ثمَّ فَاطِمَة ثمَّ خَدِيجَة ثمَّ آسِيَة امْرَأَة فِرْعَوْن

وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مقَاتل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَربع نسْوَة سيدات عالمهن: مَرْيَم بنت عمرَان وآسية بنت مُزَاحم وَخَدِيجَة بنت خويلد وَفَاطِمَة بنت مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وأفضلهن عَالما فَاطِمَة

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: فَاطِمَة سيدة نسَاء الْعَالمين بعد مَرْيَم ابْنة عمرَان وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن وَخَدِيجَة ابْنة خويلد

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: خير نسَاء ركبن الْإِبِل نسَاء قُرَيْش أحناه على ولد فِي صغره وأرعاه على بعل فِي ذَات يَده وَلَو علمت أَن مَرْيَم ابْنة عمرَان ركبت بَعِيرًا مَا فضلت عَلَيْهَا أحدا

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِن الله اصطفاك وطهرك} قَالَ: جعلك طيبَة إِيمَانًا

ص: 194

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وطهرك} قَالَ: من الْحيض {واصطفاك على نسَاء الْعَالمين} قَالَ: على نسَاء ذَلِك الزَّمَان الَّذِي هم فِيهِ

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: كَانَت مَرْيَم حَبِيسًا فِي الْكَنِيسَة وَمَعَهَا فِي الْكَنِيسَة غُلَام اسْمه يُوسُف وَقد كَانَ أمه وَأَبوهُ جعلاه نذيراً حَبِيسًا فَكَانَا فِي الْكَنِيسَة جَمِيعًا وَكَانَت مَرْيَم إِذا نفذ مَاؤُهَا وَمَاء يُوسُف أخذا قلتيهما فَانْطَلقَا إِلَى الْمَفَازَة الَّتِي فِيهَا المَاء فيملآن ثمَّ يرجعان وَالْمَلَائِكَة فِي ذَلِك مقبلة على مَرْيَم {يَا مَرْيَم إِن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نسَاء الْعَالمين} فَإِذا سمع ذَلِك زَكَرِيَّا قَالَ: إِن لابنَة عمرَان لشأنا

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّك} قَالَ: اطيلي الركود يَعْنِي الْقيام

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: لما قيل لَهَا {اقنتي لِرَبِّك} قَامَت حَتَّى ورمت قدماها

وَأخرج ابْن جرير عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: كَانَت مَرْيَم تقوم حَتَّى يسيل الْقَيْح من قدميها

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن سعيد قَالَ: كَانَت مَرْيَم تصلي حَتَّى ترم قدماها

وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {اقنتي لِرَبِّك} قَالَ: اخلصي

وَأخرج عَن قَتَادَة قَالَ {اقنتي لِرَبِّك} قَالَ: أطيعي رَبك

وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ ((واركعي واسجدي فِي الساجدين))

وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا كنت لديهم} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا كنت لديهم إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم} قَالَ: إِن مَرْيَم عليها السلام لما وضعت فِي الْمَسْجِد اقترع عَلَيْهَا أهل الْمصلى وهم يَكْتُبُونَ الْوَحْي فاقترعوا بأقلامهم أَيهمْ يكفلها فَقَالَ الله لمُحَمد: {وَمَا كنت لديهم إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم وَمَا كنت لديهم إِذْ يختصمون}

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم} قَالَ: ألقوا أقلامهم فِي المَاء فَذَهَبت مَعَ الجرية وَصعد قلم زَكَرِيَّا فكفلها زَكَرِيَّا

ص: 195

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع قَالَ: ألقوا أقلامهم يُقَال: عصيهم تِلْقَاء جرية المَاء فاستقبلت عَصا زَكَرِيَّا عليه السلام جرية المَاء فقرعهم

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ {أقلامهم} قَالَ: الَّتِي يَكْتُبُونَ بهَا التَّوْرَاة

وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد

مثله

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {أقلامهم} يَعْنِي قداحهم

وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما وهب الله لزكريا يحيى وَبلغ ثَلَاث سِنِين بشر الله مَرْيَم بِعِيسَى فَبَيْنَمَا هِيَ فِي الْمِحْرَاب إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة - وَهُوَ جِبْرِيل وَحده - {يَا مَرْيَم إِن الله اصطفاك وطهرك} من الْفَاحِشَة {واصطفاك} يَعْنِي اختارك {على نسَاء الْعَالمين} عَالم امتها {يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّك} يَعْنِي صلي لِرَبِّك يَقُول: اركدي لِرَبِّك فِي الصَّلَاة بطول الْقيام فَكَانَت تقوم حَتَّى ورمت قدماها {واسجدي واركعي مَعَ الراكعين} يَعْنِي مَعَ الْمُصَلِّين مَعَ قراء بَيت الْمُقَدّس

يَقُول الله لنَبيه صلى الله عليه وسلم {ذَلِك من أنباء الْغَيْب نوحيه إِلَيْك} يَعْنِي بالْخبر {الْغَيْب} فِي قصَّة زَكَرِيَّا وَيحيى وَمَرْيَم {وَمَا كنت لديهم} يَعْنِي عِنْدهم {إِذْ يلقون أقلامهم} فِي كَفَالَة مَرْيَم ثمَّ قَالَ يَا مُحَمَّد يخبر بِقصَّة عِيسَى {إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِن الله يبشرك بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمه الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم وجيهاً فِي الدُّنْيَا} يَعْنِي مكيناً عِنْد الله فِي الدُّنْيَا من المقربين فِي الْآخِرَة {ويكلم النَّاس فِي المهد} يَعْنِي فِي الْخرق {وكهلاً} ويكلمهم كهلاً إِذا اجْتمع قبل أَن يرفع إِلَى السَّمَاء {وَمن الصَّالِحين} يَعْنِي من الْمُرْسلين

وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: لما اسْتَقر حمل مَرْيَم وبشرها جِبْرِيل وثقت بكرامة الله واطمأنت فطابت نفسا وَاشْتَدَّ ازرها وَكَانَ مَعهَا فِي المحررين ابْن خَال لَهَا يُقَال لَهُ يُوسُف وَكَانَ يخدمها من وَرَاء الْحجاب ويكلمها ويناولها الشَّيْء من وَرَاء الْحجاب وَكَانَ أول من اطلع على حملهَا هُوَ واهتم لذَلِك وأحزنه وَخَافَ من البلية الَّتِي لَا قبل لَهُ بهَا وَلم يشْعر من ايْنَ اتيت مَرْيَم وشغله عَن النّظر فِي أَمر نَفسه وَعَمله لِأَنَّهُ كَانَ رجلا متعبداً حكيماً وَكَانَ من قبل أَن تضرب مَرْيَم الْحجاب على نَفسهَا تكون مَعَه وَنَشَأ مَعهَا

ص: 196

وَكَانَت مَرْيَم إِذا نفذ مَاؤُهَا وَمَاء يُوسُف أخذا قلتيهما ثمَّ انْطَلقَا إِلَى الْمَفَازَة الَّتِي فِيهَا المَاء فيملآن قلتيهما ثمَّ يرجعان إِلَى الْكَنِيسَة وَالْمَلَائِكَة مقبلة على مَرْيَم بالبشارة {يَا مَرْيَم إِن الله اصطفاك وطهرك} فَكَانَ يعجب يُوسُف مَا يسمع

فَلَمَّا استبان ليوسف حمل مَرْيَم وَقع فِي نَفسه من أمرهَا حَتَّى كَاد أَن يفتتن فَلَمَّا أَرَادَ أَن يتهمها فِي نَفسه ذكر مَا طهرهَا الله واصطفاها وَمَا وعد الله أمهَا أَنه يعيذها وذريتها من الشَّيْطَان الرَّجِيم وَمَا سمع من قَول الْمَلَائِكَة {يَا مَرْيَم إِن الله اصطفاك وطهرك} فَذكر الْفَضَائِل الَّتِي فَضلهَا الله تَعَالَى بهَا وَقَالَ: إِن زَكَرِيَّا قد أحرزها فِي الْمِحْرَاب فَلَا يدْخل عَلَيْهَا أحد وَلَيْسَ للشَّيْطَان عَلَيْهَا سَبِيل فَمن أَيْن هَذَا فَلَمَّا رأى من تغير لَوْنهَا وَظُهُور بَطنهَا عظم ذَلِك عَلَيْهِ فَعرض لَهَا فَقَالَ: يَا مَرْيَم هَل يكون زرع من غير بذر قَالَت: نعم

قَالَ: وَكَيف ذَلِك قَالَت: إِن الله خلق البذرالأول من غير نَبَات وَأنْبت الزَّرْع الأول من غير بذر ولعلك تَقول: لَوْلَا أَنه اسْتَعَانَ عَلَيْهِ بالبذر لغلبه حَتَّى لَا يقدر على أَن يخلقه وَلَا ينبته

قَالَ يُوسُف: أعوذ بِاللَّه أَن أَقُول ذَلِك قد صدقت وَقلت بِالنورِ وَالْحكمَة وكما قدر أَن يخلق الزَّرْع الأول وينبته من غير بذر يقدر على أَن يَجْعَل زرعا من غير بذر فاخبريني هَل ينْبت الشّجر من غير مَاء وَلَا مطر قَالَت: ألم تعلم أَن للبذور وَالزَّرْع وَالْمَاء والمطر وَالشَّجر خَالِقًا وَاحِدًا فلعلك تَقول لَوْلَا المَاء والمطر لم يقدر على أَن ينْبت الشّجر

قَالَ: أعوذ بِاللَّه أَن أَقُول ذَلِك قد صدقت

فاخبريني هَل يكون ولد أَو رجل من غير ذكر قَالَت: نعم

قَالَ: وَكَيف ذَلِك قَالَت: ألم تعلم أَن الله خلق آدم وحواء امْرَأَته من غير حَبل وَلَا أُنْثَى وَلَا ذكر قَالَ: بلَى

فاخبريني خبرك قَالَت: بشرني الله {بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمه الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم} إِلَى قَوْله {وَمن الصَّالِحين} فَعلم يُوسُف أَن ذَلِك أَمر من الله لسَبَب خير أَرَادَهُ بمريم فَسكت عَنْهَا

فَلم تزل على ذَلِك حَتَّى ضربهَا الطلق فنوديت: أَن أَخْرِجِي من الْمِحْرَاب فَخرجت

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِذْ قَالَت الْمَلَائِكَة يَا مَرْيَم إِن الله يبشرك} قَالَ: شافهتها الْمَلَائِكَة بذلك

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يبشرك بِكَلِمَة مِنْهُ} قَالَ: عِيسَى هُوَ الْكَلِمَة من الله

ص: 197

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لم يكن من الْأَنْبِيَاء من لَهُ اسمان إِلَّا عِيسَى وَمُحَمّد عليهما السلام

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: الْمَسِيح الصّديق

وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد قَالَ: إِنَّمَا سمي الْمَسِيح لِأَنَّهُ مسح بِالْبركَةِ

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن الثَّقَفِيّ أَن عِيسَى كَانَ سائحاً وَلذَلِك سمي الْمَسِيح كَانَ يُمْسِي بِأَرْض وَيُصْبِح بِأُخْرَى وانه لم يتزّوج حَتَّى رفع

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن المقربين} يَقُول: وَمن المقربين عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة

الْآيَتَانِ 46 - 47

ص: 198

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج قَالَ: بَلغنِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {المهد} مَضْجَع الصَّبِي فِي رضاعه

وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لم يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا ثَلَاثَة: عِيسَى عليه السلام وَكَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل يُقَال لَهُ جريج كَانَ يُصَلِّي فَجَاءَتْهُ أمه فدعته فَقَالَ: أجيبها أَو أُصَلِّي فَقَالَت: اللَّهُمَّ لَا تمته حَتَّى تريه وُجُوه المومسات

وَكَانَ جريج فِي صومعته فتعرضت لَهُ امْرَأَة وكلمته فَأبى فَأَتَت رَاعيا فامكنته من نَفسهَا فَولدت غُلَاما فَقَالَت: من جريج

فَأتوهُ فكسروا صومعته وانزلوه وسبوه فَتَوَضَّأ وَصلى ثمَّ أَتَى الْغُلَام فَقَالَ: من أَبوك يَا غُلَام قَالَ: الرَّاعِي

فَقَالُوا لَهُ: نَبْنِي صومعتك من ذهب قَالَ: لَا إِلَّا من طين

وكَانَت امْرَأَة ترْضع ابْنا لَهَا من بني اسرائيل فَمر بهَا رجل رَاكب ذُو شارة فَقَالَت: اللَّهُمَّ اجْعَل ابْني مثله

فَترك ثديها وَاقْبَلْ على الرَّاكِب فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تجعلني مثله

ثمَّ أقبل على ثديها يمصه ثمَّ مرا بِأمة تجزر ويلعب بهَا فَقَالَت: اللَّهُمَّ لَا تجْعَل ابْني مثل هَذِه

فَترك ثديها فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي مثلهَا فَقَالَت: لم ذَاك

ص: 198

فَقَالَ: الرَّاكِب جَبَّار من الْجَبَابِرَة وَهَذِه الْأمة يَقُولُونَ لَهَا زنَيْت وَتقول حسبي الله وَيَقُولُونَ سرَقْتِ وَتقول حسبي الله

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: لم يكن يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا عِيسَى وَشَاهد يُوسُف وَصَاحب جريج وَابْن ماشطة فِرْعَوْن

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {ويكلم النَّاس فِي المهد وكهلاً} قَالَ: يكلمهم صَغِيرا وكبيراً

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس {وكهلاً} قَالَ: فِي سنّ كهل

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الكهل الْحَلِيم

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن أبي حبيب قَالَ: الكهل مُنْتَهى الْحلم

وَأخرج ابْن جرير عَن أبي زيد فِي الْآيَة قَالَ: قد كَلمهمْ عِيسَى عليه السلام فِي المهد وسيكلمهم إِذا أقبل الدَّجَّال وَهُوَ يَوْمئِذٍ كهل

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير قَالَ {كَذَلِك الله يخلق مَا يَشَاء} أَي يصنع مَا أَرَادَ ويخلق مَا يَشَاء من بشر {إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} مِمَّا يَشَاء وَكَيف يَشَاء فَيكون كَمَا أَرَادَ

الْآيَة 48

ص: 199

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ويعلمه الْكتاب} قَالَ: الْخط بالقلم

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {ويعلمه الْكتاب} قَالَ: بِيَدِهِ

وَأخرج ابْن الْمُنْذر بِسَنَد صَحِيح عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: عِنْدَمَا ترعرع عِيسَى جَاءَت بِهِ أمه إِلَى الْكتاب فَدَفَعته إِلَيْهِ فَقَالَ: قل بِسم

قَالَ عِيسَى: الله

فَقَالَ الْمعلم: قل الرَّحْمَن

قَالَ عِيسَى: الرَّحِيم

فَقَالَ الْمعلم: قل أَبُو جاد (قصد بهَا أيحد)

قَالَ: هُوَ فِي كتاب

فَقَالَ عِيسَى: أَتَدْرِي مَا ألف قَالَ: لَا

قَالَ: الآء الله

أَتَدْرِي مَا بَاء

ص: 199

قَالَ: لَا

قَالَ: بهاء الله

أَتَدْرِي مَا جِيم قَالَ: لَا

قَالَ: جلال الله

أَتَدْرِي مَا اللَّام قَالَ: لَا

قَالَ: آلَاء الله

فَجعل يُفَسر على هَذَا النَّحْو

فَقَالَ الْمعلم: كَيفَ أعلم من هُوَ أعلم مني قَالَت: فَدَعْهُ يقْعد مَعَ الصّبيان

فَكَانَ يخبر الصّبيان بِمَا يَأْكُلُون وَمَا تدخر لَهُم أمهاتهم فِي بُيُوتهم

وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَابْن مَسْعُود مَرْفُوعا قَالَ: إِن عِيسَى بن مَرْيَم أسلمته أمه إِلَى الْكتاب ليعلمه فَقَالَ لَهُ الْمعلم: اكْتُبْ بِسم الله قَالَ عِيسَى: وَمَا بِسم قَالَ لَهُ الْمعلم: مَا أَدْرِي قَالَ لَهُ عِيسَى: الْبَاء بهاء الله وَالسِّين سناؤه وَالْمِيم مَمْلَكَته وَالله إِلَه الْآلهَة والرحمن رَحْمَن الْآخِرَة وَالدُّنْيَا والرحيم رَحِيم الْآخِرَة

أَبُو جاد: الْألف

الآء الله وَالْبَاء بهاء الله جِيم جلال الله دَال الله الدَّائِم

هوَّزَ: الْهَاء الهاوية وَاو ويلٌ لأهل النَّار وَاد فِي جَهَنَّم زَاي زين أهل الدُّنْيَا حطي: حاء الله الْحَكِيم طاء الله الطَّالِب لكل حق حَتَّى يردهُ أَي أهل النَّهَار وَهُوَ الوجع

كلمن: الْكَاف الله الْكَافِي لَام: الله الْقَائِم مِيم الله الْمَالِك نون الله الْبَحْر سعفص: سين السَّلَام صَاد الله الصَّادِق عين الله الْعَالم فَاء الله ذكر كلمة صَاد الله الصَّمد

قرشت قَاف الْجَبَل الْمُحِيط بالدنيا الَّذِي اخضرت مِنْهُ السَّمَاء رَاء رِيَاء النَّاس بهَا سين ستر الله تَاء تمت أبدا

قَالَ ابْن عدي هَذَا الحَدِيث بَاطِل بِهَذَا الْإِسْنَاد لَا يرويهِ غير اسمعيل بن يحيى

وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر وَمُقَاتِل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس

أَن عِيسَى بن مَرْيَم أمسك عَن الْكَلَام بعد إِذْ كَلمهمْ طفْلا حَتَّى بلغ مَا يبلغ الغلمان ثمَّ أنطقه الله بعد ذَلِك بالحكمة وَالْبَيَان فَأكْثر الْيَهُود فِيهِ وَفِي أمه من قَول الزُّور فَكَانَ عِيسَى يشرب اللَّبن من أمه فَلَمَّا فطم أكل الطَّعَام وَشرب الشَّرَاب حَتَّى بلغ سبع سِنِين أسلمته أمه لرجل يُعلمهُ كَمَا يعلم الغلمان فَلَا يُعلمهُ شَيْئا إِلَّا بدره عِيسَى إِلَى علمه قبل أَن يُعلمهُ إِيَّاه

فَعلمه أَبَا جاد فَقَالَ عِيسَى: مَا أَبُو جاد قَالَ الْمعلم: لَا أَدْرِي فَقَالَ عِيسَى: فَكيف تعلمني مَا لَا تَدْرِي فَقَالَ الْمعلم: إِذن فعلمني

قَالَ لَهُ عِيسَى: فَقُمْ من مجلسك فقَام فَجَلَسَ عِيسَى مَجْلِسه فَقَالَ عِيسَى: سلني

فَقَالَ الْمعلم: فَمَا أَبُو

ص: 200

أبجد فَقَالَ عِيسَى: الْألف آلَاء الله باءِ بهاء الله جِيم بهجة الله وجماله

فَعجب الْمعلم من ذَلِك فَكَانَ أول من فسر أبجد عِيسَى ابْن مَرْيَم عليه السلام

قَالَ وَسَأَلَ عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا تفسسير أبي جاد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: تعلمُوا تَفْسِير أبي جاد فَإِن فِيهِ الْأَعَاجِيب كلهَا ويل لعالم جهل تَفْسِيره

فَقيل: يَا رَسُول الله وَمَا تَفْسِير أبي جاد قَالَ: الْألف آلَاء الله وَالْبَاء بهجة الله وجلاله وَالْجِيم مجد الله وَالدَّال دين الله هوَّز الهاوية ويل لمن هوى فِيهَا وَالْوَاو ويل لأهل النَّار وَالزَّاي الزاوية يَعْنِي زَوَايَا جَهَنَّم

حطي: الْحَاء حط خَطَايَا المستغفرين فِي لَيْلَة الْقدر وَمَا نزل بِهِ جِبْرِيل مَعَ الْمَلَائِكَة إِلَى مطلع الْفجْر والطاء طُوبَى لَهُم وَحسن مآب وَهِي شَجَرَة غرسها الله بِيَدِهِ وَالْيَاء يَد الله فَوق خلقه

كلمن: الْكَاف كَلَام الله لَا تَبْدِيل لكلماته وَاللَّام إِلْمَام أهل الْجنَّة بَينهم بالزيارة والتحية وَالسَّلَام وتلاوم أهل النَّار بَينهم وَالْمِيم ملك الله الَّذِي لَا يَزُول ودوام الله الَّذِي لَا يفنى وَنون (نون والقلم وَمَا يسطرون)(الْقَلَم الْآيَة 1 - 2) صعفص: الصَّاد صَاع بِصَاع وقسط بقسط وقص بقص يَعْنِي الْجَزَاء بالجزاء وكما تدين تدان وَالله لَا يُرِيد ظلما للعباد

قرشت: يَعْنِي قرشهم فَجَمعهُمْ يقْضِي بَينهم يَوْم الْقِيَامَة وهم لَا يظْلمُونَ

ذكر نبذ من حكم عِيسَى عليه السلام أخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة عَن خلف بن حَوْشَب قَالَ: قَالَ عِيسَى عليه السلام للحواريين: كَمَا ترك لكم الْمُلُوك الْحِكْمَة فَكَذَلِك اتْرُكُوا لَهُم الدُّنْيَا

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن يُونُس بن عبيد قَالَ: كَانَ عِيسَى بن مَرْيَم عليه السلام يَقُول: لَا يُصِيب أحد حَقِيقَة الْإِيمَان حَتَّى لَا يُبَالِي من أكل الدُّنْيَا

وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد فِي الزّهْد عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ: قيل لعيسى عليه السلام لَو اتَّخذت حمارا تركبه لحاجتك فَقَالَ: أَنا أكْرم على الله من أَن يَجْعَل لي شَيْئا يشغلني بِهِ

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: قَالَ عِيسَى: معاشر الحواريين إِن خشيَة الله وَحب الفردوس يورثان الصَّبْر على الْمَشَقَّة ويباعدان من زهرَة الدُّنْيَا

ص: 201

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عتبَة بن يزِيد قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم: يَا ابْن آدم الضَّعِيف اتّق الله حَيْثُمَا كنت وكل كسرتك من حَلَال وَاتخذ الْمَسْجِد بَيْتا وَكن فِي الدُّنْيَا ضَعِيفا وعوّد نَفسك الْبكاء وقلبك التفكر وجسدك الصَّبْر وَلَا تهتم برزقك غَدا فَإِنَّهَا خَطِيئَة تكْتب عَلَيْك

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والاصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن مُحَمَّد بن مطرف

أَن عِيسَى قَالَ: فَذكره

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن وهيب الْمَكِّيّ قَالَ: بَلغنِي أَن عِيسَى عليه السلام قَالَ: أصل كل خَطِيئَة حب الدُّنْيَا

وَرب شَهْوَة أورثت أَهلهَا حزنا طَويلا

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن يحيى بن سعيد قَالَ: كَانَ عِيسَى يَقُول: اعبروا الدُّنْيَا وَلَا تعمروها وَحب الدُّنْيَا رَأس كل خَطِيئَة وَالنَّظَر يزرع فِي الْقلب الشَّهْوَة

وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الايمان عَن سُفْيَان بن سعيد قَالَ: كَانَ عِيسَى عليه السلام يَقُول: حب الدُّنْيَا أصل كل خَطِيئَة وَالْمَال فِيهِ دَاء كَبِير

قَالُوا: وَمَا داؤه قَالَ: لَا يسلم من الْفَخر وَالْخُيَلَاء

قَالُوا: فَإِن سلم قَالَ: يشْغلهُ اصلاحه عَن ذكر الله

وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن عمرَان الْكُوفِي قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم للحواريين: لَا تَأْخُذُوا مِمَّن تعلمُونَ الْأجر الأمثل الَّذِي أعطيتموني وَيَا ملح الأَرْض لَا تفسدوا فَإِن كل شَيْء إِذا فسد فَإِنَّمَا يداوى بالملح وَإِن الْملح إِذا فسد فَلَيْسَ لَهُ دَوَاء وَاعْلَمُوا أَن فِيكُم خَصْلَتَيْنِ من الْجَهْل

الضحك من غير عجب والصبيحة من غير سهر

وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن يزِيد بن ميسرَة قَالَ: قَالَ عِيسَى عليه السلام: بالقلوب الصَّالِحَة يعمر الله الأَرْض وَبهَا يخرب الأَرْض إِذا كَانَت على غير ذَلِك

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: كَانَ عِيسَى بن مَرْيَم عليه السلام إِذا مر بدار وَقد مَاتَ أَهلهَا وقف عَلَيْهَا فَقَالَ: وَيْح لأربابك الَّذين يتوارثونك كَيفَ لم يعتبروا فعلك باخوانهم الماضين وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: قَالُوا لعيسى عليه السلام يَا روح الله أَلا نَبْنِي لَك بَيْتا قَالَ: بلَى

ابنوه على سَاحل الْبَحْر قَالُوا: إِذن يَجِيء المَاء فَيذْهب بِهِ قَالَ: أَيْن تُرِيدُونَ تبنون لي على القنطرة

ص: 202

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن بكر بن عبد الله قَالَ: فقد الحواريون عِيسَى عليه السلام فَخَرجُوا يطلبونه فوجدوه يمشي على المَاء فَقَالَ بَعضهم: يَا نَبِي الله أنمشي إِلَيْك قَالَ: نعم

فَوضع رجله ثمَّ ذهب يضع الْأُخْرَى فانغمس فَقَالَ: هَات يدك يَا قصير الْإِيمَان

لَو أَن لِابْنِ آدم مِثْقَال حَبَّة أَو ذرة من الْيَقِين إِذن لمشى على المَاء

وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن نمير قَالَ: سَمِعت أَن عِيسَى عليه السلام قَالَ: كَانَت وَلم أكن وَتَكون وَلَا أكون فِيهَا

وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: لما بعث عِيسَى عليه السلام اكب الدُّنْيَا على وَجههَا فَلَمَّا رفع رَفعهَا النَّاس بعده

وَأخرج عبد الله ابْنه فِي زوائده عَن الْحسن قَالَ: قَالَ عِيسَى عليه السلام: إِنِّي اكببت الدُّنْيَا لوجهها وَقَعَدت على ظهرهَا فَلَيْسَ لي ولد يَمُوت وَلَا بَيت يخرب

قَالُوا لَهُ: أَفلا نتَّخذ لَك بَيْتا قَالَ: ابْنُوا لي على سَبِيل الطَّرِيق بَيْتا قَالُوا: لَا يثبت قَالُوا: أَفلا نتَّخذ لَك زَوْجَة قَالَ: مَا أصنع بِزَوْجَة تَمُوت وَأخرج أَحْمد عَن خَيْثَمَة قَالَ: مرت امْرَأَة على عِيسَى عليه السلام فَقَالَت: طُوبَى لثدي أرضعك وَحجر حملك

فَقَالَ عِيسَى عليه السلام: طُوبَى لمن قَرَأَ كتاب الله ثمَّ عمل بِمَا فِيهِ

وَأخرج أَحْمد عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: أوحى الله إِلَى عِيسَى عليه الصلاة والسلام: إِنِّي وهبت لَك حب الْمَسَاكِين ورحمتهم تحبهم ويحبونك ويرضون بك إِمَامًا وَقَائِدًا وترضى بهم صحابة وتبعاً وهما خلقان

اعْلَم أَن من لَقِيَنِي بهما لَقِيَنِي بأزكى الْأَعْمَال وأحبها إليَّ

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن مَيْمُون بن سياه قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم: يَا معشر الحواريين اتَّخذُوا الْمَسَاجِد مسَاكِن وَاجْعَلُوا بُيُوتكُمْ كمنازل الأضياف

فَمَا لكم فِي الْعَالم من منزل إِن أَنْتُم الا عابري سَبِيل

وَأخرج أَحْمد عَن وهب بن مُنَبّه أَن عِيسَى عليه السلام قَالَ: بِحَق أَن أَقُول لكم أَن أكناف السَّمَاء لخالية من الْأَغْنِيَاء ولدخول جمل فِي سم الْخياط أيسر من دُخُول غَنِي الْجنَّة

وأخرج عبد الله فِي زوائده عَن جَعْفَر بن حرفاس أَن عِيسَى بن مَرْيَم قَالَ: رَأس الْخَطِيئَة حب الدُّنْيَا وَالْخمر مِفْتَاح كل شَرّ وَالنِّسَاء حبالة الشَّيْطَان

ص: 203

وَأخرج أَحْمد عَن سُفْيَان قَالَ: قَالَ عِيسَى بن عليه السلام: إِن للحكمة أَهلا

فَإِن وَضَعتهَا فِي غير أَهلهَا أضعتها وَإِن منعتها من أَهلهَا ضيعتها

كن كالطبيب يضع الدَّوَاء حَيْثُ يَنْبَغِي

وَأخرج أَحْمد عَن مُحَمَّد بن وَاسع أَن عِيسَى بن مَرْيَم قَالَ يَا بني إِسْرَائِيل إِنِّي أعيذكم بِاللَّه أَن تَكُونُوا عاراً على أهل الْكتاب

يَا بني إِسْرَائِيل قَوْلكُم شِفَاء يذهب الدَّاء وَأَعْمَالكُمْ دَاء لَا تقبل الدَّوَاء

وَأخرج أَحْمد عَن وهب قَالَ: قَالَ عِيسَى لاحبار بني إِسْرَائِيل: لَا تَكُونُوا للنَّاس كالذئب السَّارِق وكالثعلب الخدوع وكالحدأ الخاطف

وَأخرج أَحْمد عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم: يَا معشر الحواريين أَيّكُم يَسْتَطِيع أَن يَبْنِي على موج الْبَحْر دَارا قَالُوا: يَا روح الله وَمن يقدر على ذَلِك قَالَ: إيَّاكُمْ وَالدُّنْيَا فَلَا تتخذوها قراراً

وَأخرج أَحْمد عَن زِيَاد أبي عَمْرو قَالَ: بَلغنِي أَن عِيسَى عليه السلام قَالَ: إِنَّه لَيْسَ بنافعك أَن تعلم مَا لم تعلم وَلما تعْمل بِمَا قد علمت إِن كَثْرَة الْعلم لَا تزيد إِلَّا كبرا إِذا لم تعْمل بِهِ

وَأخرج أَحْمد عَن إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد الْعَبْدي قَالَ: بَلغنِي أَن عِيسَى عليه الصلاة والسلام قَالَ: الزّهْد يَدُور فِي ثَلَاثَة أَيَّام: أمس خلا وعظت بِهِ وَالْيَوْم زادك فِيهِ وَغدا لَا تَدْرِي مَا لَك فِيهِ

قَالَ: وَالْأَمر يَدُور على ثَلَاثَة

أَمر بِأَن لَك رشده فاتَّبِعْهُ وَأمر بَان لَك غِيَّهُ فاجْتَنِبْهُ وَأمر أشكل عَلَيْك فَكِلْهُ إِلَى الله عز وجل

وَأخرج أَحْمد عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ الصلام وَالسَّلَام: سلوني فَإِن قلبِي لين وَإِنِّي صَغِير فِي نَفسِي

وَأخرج أَحْمد عَن بشير الدِّمَشْقِي قَالَ: مر عِيسَى عليه الصلاة والسلام بِقوم فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لنا ثَلَاثًا فَقَالُوا: يَا روح الله انا نُرِيد أَن نسْمع مِنْك الْيَوْم موعظة ونسمع مِنْك شَيْئا لم نَسْمَعهُ فِيمَا مضى فَأوحى الله إِلَى عِيسَى أَن قل لَهُم إِنِّي من أَغفر لَهُ مغْفرَة وَاحِدَة أصلح لَهُ بهَا دُنْيَاهُ وآخرته

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن خثيمَةَ قَالَ: كَانَ عِيسَى عليه السلام إِذا دَعَا الْقُرَّاء قَامَ عَلَيْهِم ثمَّ قَالَ: هَكَذَا اصنعوا بالقراء

وَأخرج أَحْمد عَن يزِيد بن ميسرَة قَالَ: قَالَ عِيسَى عليه السلام: إِن أَحْبَبْتُم أَن

ص: 204

تَكُونُوا أصفياء الله وَنور بني آدم من خلقه فاعفوا عَمَّن ظلمكم وعودوا من لَا يعودكم واحسنوا إِلَى من لَا يحسن إِلَيْكُم وأقرضوا من لَا يجزيكم

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عبيد بن عُمَيْر

أَن عِيسَى عليه الصلاة والسلام كَانَ يلبس الشّعْر وَيَأْكُل من ورق الشّجر ويبيت حَيْثُ أَمْسَى وَلَا يرفع غداء وَلَا عشَاء لغد وَيَقُول: يَأْتِي كل يَوْم برزقه

وَأخرج أَحْمد عَن وهب قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم: يَا دَار تخربين ويفنى سكانك وَيَا نفس اعملي ترزقي وَيَا جَسَد انصب تسترح

وَأخرج أَحْمد عَن وهب ابْن مُنَبّه قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم للحواريين: بِحَق أَقُول لكم - وَكَانَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام كثيرا مَا يَقُول بِحَق - أَقُول لكم: إِن أَشدّكُم حبا للدنيا أَشدّكُم جزعاً على الْمُصِيبَة

وَأخرج أَحْمد عَن عَطاء الْأَزْرَق قَالَ: بلغنَا أَن عِيسَى عليه الصلاة والسلام قَالَ: يَا معشر الحواريين كلوا خبز الشّعير ونبات الأَرْض وَالْمَاء القراح وَإِيَّاكُم وخبز الْبر فَإِنَّكُم لَا تقومون بشكره وَاعْلَمُوا أَن حلاوة الدُّنْيَا مرَارَة الْآخِرَة واشد مرَارَة الدُّنْيَا حلاوة الْآخِرَة

وَأخرج ابْنه فِي زوائده عَن عبد الله بن شَوْذَب قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم: جودة الثِّيَاب من خُيَلَاء الْقلب

وَأخرج أَحْمد عَن سُفْيَان قَالَ: قَالَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام: إِنِّي لَيْسَ أحدثكُم لتعجبوا إِنَّمَا أحدثكُم لِتَعْلَمُوا

وَأخرج ابْنه عَن أبي حسان قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم عليه الصلاة والسلام: كن كالطبيب الْعَالم يضع دواءه حَيْثُ ينفع

وَأخرج ابْنه عَن عمرَان بن سُلَيْمَان قَالَ: بَلغنِي أَن عِيسَى بن مَرْيَم قَالَ: يَا بني إِسْرَائِيل تهاونوا بالدنيا تَهُن عَلَيْكُم وأهينوا الدُّنْيَا تكرم الْآخِرَة عَلَيْكُم وَلَا تكرموا الدُّنْيَا فتهون الْآخِرَة عَلَيْكُم فَإِن الدُّنْيَا لَيست بِأَهْل الْكَرَامَة وكل يَوْم تَدْعُو للفتنة والخسارة

وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأحمد عَن أبي غَالب قَالَ فِي وَصِيَّة عِيسَى عليه الصلاة والسلام: يَا معشر الحواريين تحببوا إِلَى الله ببغض أهل الْمعاصِي وتقربوا إِلَيْهِ بالمقت لَهُم والتمسوا رِضَاهُ بسخطهم

قَالُوا: يَا نَبِي الله فَمن نجالس قَالَ: جالسوا من

ص: 205

يزِيد فِي عَمَلكُمْ مَنْطِقه وَمن يذكركم الله رُؤْيَته ويزهدكم فِي الدُّنْيَا عمله

وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: أوحى الله إِلَى عِيسَى عظ نَفسك فَإِن اتعظت فعظ النَّاس وَإِلَّا فاستحي مني

وَأخرج أَحْمد عَن وهب قَالَ: قَالَ عِيسَى للحواريين: بِقدر مَا تنصبون هَهُنَا تستريحون هَهُنَا وبقدر مَا تستريحون هَهُنَا تنصبون هَهُنَا

وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأحمد عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: قَالَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام: طُوبَى لمن خزن لِسَانه ووسعه بَيته وَبكى من ذكر خطيئته

وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن هِلَال بن يسَاف قَالَ: كَانَ عِيسَى يَقُول: إِذا تصدق أحدكُم بِيَمِينِهِ فليخفها عَن شِمَاله وَإِذا صَامَ فلْيَدَّهِنْ وليمسح شَفَتَيْه من دهنه حَتَّى ينظر إِلَيْهِ النَّاظر فَلَا يرى أَنه صَائِم وَإِذا صلى فليدن عَلَيْهِ ستر بَابه فَإِن الله يقسم الثَّنَاء كَمَا يقسم الرزق

وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن خَالِد الربعِي قَالَ: ثَبت أَن عِيسَى عليه الصلاة والسلام قَالَ لأَصْحَابه: أَرَأَيْتُم لَو أَن أحدكُم أَتَى على أَخِيه الْمُسلم وَهُوَ نَائِم وَقد كشفت الرّيح بعض ثَوْبه فَقَالُوا: إِذا كُنَّا نرده عَلَيْهِ قَالَ: لَا

بل تكشفون مَا بَقِي مثل ضربه للْقَوْم يسمعُونَ الرجل بِالسَّيِّئَةِ فَيذكرُونَ أَكثر من ذَلِك

وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجلد قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم: فَكرت فِي الْخلق فَإِذا من لم يخلق كَانَ أغبط عِنْدِي مِمَّن خلق

وَقَالَ: لَا تنظروا إِلَى ذنُوب النَّاس كأنكم أَرْبَاب وَلَكِن انْظُرُوا فِي ذنوبكم كأنكم عبيد

وَالنَّاس رجلَانِ: مبتلى ومعافى فارحموا أهل الْبلَاء واحمدوا الله على الْعَافِيَة

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن أبي الْهُذيْل قَالَ: لَقِي عِيسَى يحيى فَقَالَ: أوصني قَالَ: لَا تغْضب قَالَ: لَا أَسْتَطِيع قَالَ: لَا تفتن مَالا قَالَ: أما هَذَا لَعَلَّه

وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: مر عِيسَى عليه السلام والحواريون رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم على جيفة كلب فَقَالُوا: مَا أنتن هَذَا فَقَالَ: مَا أَشد بَيَاض أَسْنَانه

يَعِظهُمْ وينهاهم عَن الْغَيْبَة

وَأخرج أَحْمد عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: كَانَ عِيسَى يحب العَبْد يتَعَلَّم المهنة يَسْتَغْنِي بهَا عَن النَّاس وَيكرهُ العَبْد يتَعَلَّم الْعلم يَتَّخِذهُ مهنة

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن سَالم بن أبي الْجَعْد

ص: 206

قَالَ: قَالَ عِيسَى عليه السلام: اعْمَلُوا لله وَلَا تعملوا لبطونكم انْظُرُوا إِلَى هَذَا الطير يغدوا وَيروح وَلَا يحرث وَلَا يحصد الله تَعَالَى يرزقها

فَإِن قُلْتُمْ نَحن أعظم بطوناً من الطير فانظروا إِلَى هَذِه الأباقر من الْوَحْش والحمر تَغْدُو وَتَروح لَا تحرث وَلَا تحصد الله تَعَالَى يرزقها اتَّقوا فضول الدُّنْيَا فَإِن فضول الدُّنْيَا عِنْد الله رجز

وَأخرج أَحْمد عَن وهب قَالَ: إِن إِبْلِيس قَالَ لعيسى: زعمت أَنَّك تحيي الْمَوْتَى فَإِن كنت كَذَلِك فَادع الله أَن يرد هَذَا الْجَبَل خبْزًا فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أوكل النَّاس يعيشون بالخبز قَالَ: فَإِن كنت كَمَا تَقول فثب من هَذَا الْمَكَان فَإِن الْمَلَائِكَة ستلقاك قَالَ: إِن رَبِّي أَمرنِي أَن لَا أجرب نَفسِي فَلَا أَدْرِي هَل يسلمني أم لَا

وَأخرج أَحْمد عَن سَالم بن أبي الْجَعْد أَن عِيسَى بن مَرْيَم كَانَ يَقُول: للسَّائِل حق وَإِن أَتَاك على فرس مطوق بِالْفِضَّةِ

وَأخرج عَن بَعضهم قَالَ أوحى الله إِلَى عِيسَى: إِن لم تطب نَفسك أَن تصفك النَّاس بالزاهد فيَّ لم أكتبك عِنْدِي رَاهِبًا فَمَا يَضرك إِذا بغضك النَّاس وَأَنا عَنْك رَاض وَمَا ينفعك حب النَّاس وَأَنا عَلَيْك ساخط

وَأخرج أَحْمد عَن الْحَضْرَمِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن فُضَيْل بن عِيَاض قَالَا: قيل لعيسى بن مَرْيَم بِأَيّ شَيْء تمشي على المَاء قَالَ: بِالْإِيمَان وَالْيَقِين قَالُوا: فانا آمنا كَمَا آمَنت وأيقنا كَمَا أيقنت

قَالَ: فامشوا اذن

فَمَشَوْا مَعَه فجَاء الموج فَغَرقُوا فَقَالَ لَهُم عِيسَى: مَا لكم قَالُوا: خفنا الموج قَالَ: الا خِفْتُمْ رب الموج فاخرجهم ثمَّ ضرب بِيَدِهِ إِلَى الأَرْض فَقبض بهَا ثمَّ بسطها فَإِذا فِي احدى يَدَيْهِ ذهب وَفِي الْأُخْرَى مدر فَقَالَ: أَيهمَا أحلى فِي قُلُوبكُمْ قَالُوا: الذَّهَب قَالَ: فانهما عِنْدِي سَوَاء

وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن عَسَاكِر عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ عِيسَى بن مَرْيَم إِذا ذكر عِنْده السَّاعَة صَاح وَيَقُول: لَا يَنْبَغِي لِابْنِ مَرْيَم أَن تذكر عِنْده السَّاعَة فيسكت

وَأخرج أَحْمد وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ عِيسَى عليه السلام يلبس الشّعْر وَيَأْكُل الشّجر وَلَا يخبىء الْيَوْم لغد ويبيت حَيْثُ آواه اللَّيْل

وَلم يكن لَهُ ولد فَيَمُوت وَلَا بيتّ فيخرب

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن: أَن عِيسَى رَأس الزاهدين يَوْم الْقِيَامَة وَأَن

ص: 207

الفرارين بدينهم يحشرون يَوْم الْقِيَامَة مَعَ عِيسَى بن مَرْيَم وَأَن عِيسَى مر بِهِ إِبْلِيس يَوْمًا وَهُوَ مُتَوَسِّد حجرا وَقد وجد لَذَّة النّوم فَقَالَ لَهُ إِبْلِيس: يَا عِيسَى أَلَيْسَ تزْعم أَنَّك لَا تُرِيدُ شَيْئا من عرض الدُّنْيَا فَهَذَا الْحجر من عرض الدُّنْيَا فَقَامَ عِيسَى فَأخذ الْحجر فَرمى بِهِ وَقَالَ: هَذَا لَك مَعَ الدُّنْيَا

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب أنّ عِيسَى كَانَ يَأْكُل الشّعير وَيَمْشي على رجلَيْهِ وَلَا يركب الدَّوَابّ وَلَا يسكن الْبيُوت وَلَا يستصبح بالسراج وَلَا يلبس الْقطن وَلَا يمس النِّسَاء وَلم يمس الطّيب وَلم يمزج شرابه بِشَيْء قطّ وَلم يبرده وَلم يدهن رَأسه قطّ وَلم يقرب رَأسه وَلَا لحيته غسول قطّ وَلم يَجْعَل بَين الأَرْض وَبَين جلده شَيْئا قطّ إِلَّا لِبَاسه وَلم يهتم لغداء قطّ وَلَا لعشاء قطّ وَلَا يَشْتَهِي شَيْئا من شهوات الدُّنْيَا

وَكَانَ يُجَالس الضُّعَفَاء والزمنى وَالْمَسَاكِين وَكَانَ إِذا قرب إِلَيْهِ الطَّعَام على شَيْء وَضعه على الأَرْض وَلم يَأْكُل مَعَ الطَّعَام اداماً قطّ وَكَانَ يجتزي من الدُّنْيَا بالقوت الْقَلِيل وَيَقُول: هَذَا لمن يَمُوت وَيُحَاسب عَلَيْهِ كثير

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَنه قيل لعيسى بن مَرْيَم: تزوج

قَالَ: وَمَا أصنع بِالتَّزْوِيجِ قَالُوا: تَلد لَك الْأَوْلَاد

قَالَ: الْأَوْلَاد إِن عاشوا أَفْتَنُوا وَإِن مَاتُوا أَحْزَنُوا

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن شُعَيْب بن إِسْحَق قَالَ: قيل لعيسى: لَو اتَّخذت بَيْتا قَالَ: يكفينا خلقان من كَانَ قبلنَا

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن ميسرَة قَالَ: قيل لعيسى: أَلا تبني لَك بَيْتا قَالَ: لَا أترك بعدِي شَيْئا من الدُّنْيَا أذكر بِهِ

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي سُلَيْمَان قَالَ: بَينا عِيسَى يمشي فِي يَوْم صَائِف وَقد مَسّه الْحر والعطش فَجَلَسَ فِي ظلّ خيمة فَخرج إِلَيْهِ صَاحب الْخَيْمَة فَقَالَ: يَا عبد لله قُم من ظلنا

فَقَامَ عِيسَى عليه السلام فَجَلَسَ فِي الشَّمْس وَقَالَ: لَيْسَ أَنْت الَّذِي أقمتني إِنَّمَا أقامني الَّذِي لم يرد أَن أُصِيب من الدُّنْيَا شَيْئا

وَأخرج أَحْمد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: كَانَ عِيسَى وَيحيى عليهما السلام يأتيان الْقرْيَة فَيسْأَل عِيسَى عليه السلام عَن شرار أَهلهَا وَيسْأل يحيى عليه السلام عَن خِيَار أَهلهَا فَقَالَ لَهُ: لم تنزل على شرار النَّاس قَالَ: إِنَّمَا أَنا طَبِيب أداوي المرضى

وَأخرج أَحْمد عَن هِشَام الدستوَائي قَالَ: بَلغنِي أَن فِي حِكْمَة عِيسَى بن مَرْيَم

ص: 208

عَلَيْهِ السَّلَام: تَعْمَلُونَ للدنيا وَأَنْتُم ترزقون فِيهَا بِغَيْر عمل وَلَا تَعْمَلُونَ للآخرة وَأَنْتُم لَا ترزقون فِيهَا إِلَّا بِالْعَمَلِ وَيحكم

عُلَمَاء السوء

الْأجر تأخذون وَالْعَمَل تضيعون توشكون أَن تخْرجُوا من الدُّنْيَا إِلَى ظلمَة الْقَبْر وضيقه وَالله عز وجل يَنْهَاكُم عَن الْمعاصِي كَمَا أَمركُم بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة

كَيفَ يكون من أهل الْعلم من دُنْيَاهُ آثر عِنْده من آخرته وَهُوَ فِي الدُّنْيَا أفضل رَغْبَة كَيفَ يكون من أهل الْعلم من مسيره إِلَى آخرته وَهُوَ مقبل على دُنْيَاهُ وَمَا يضرّهُ أشهى إِلَيْهِ مِمَّا يَنْفَعهُ وَكَيف يكون من أهل الْعلم من سخط واحتقر مَنْزِلَته وَهُوَ يعلم أَن ذَلِك من علم الله وَقدرته كَيفَ يكون من أهل الْعلم من اتهمَ الله تَعَالَى فِي قَضَاءَهُ فَلَيْسَ يرضى بِشَيْء أَصَابَهُ كَيفَ يكون من أهل الْعلم من طلب الْكَلَام ليتحدث وَلم يَطْلُبهُ ليعْمَل بِهِ وَأخرج أَحْمد عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن أشياخه أَن عِيسَى عليه السلام مرَّ بعقبة أفِيق وَمَعَهُ رجل من حواريه فاعترضهم رجل فَمَنعهُمْ الطَّرِيق وَقَالَ: لَا أترككما تجوزان حَتَّى ألطم كل وَاحِد مِنْكُمَا لطمة فحاولاه فَأبى إِلَّا ذَاك فَقَالَ عِيسَى عليه السلام أما خدي فالطمه

فَلَطَمَهُ فخلى سَبيله وَقَالَ للحواري: لَا أدعك تجوز حَتَّى ألطمك فتمنع عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى عِيسَى ذَاك أعطَاهُ خَدّه الآخر فَلَطَمَهُ فخلى سبيلهما فَقَالَ عِيسَى عليه السلام: اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا لَك رضى فبلغني رضاك وَإِن كَانَ هَذَا سخطاً فَإنَّك أولى بِالْعَفو

وَأخرج عبد الله ابْنه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: بَيْنَمَا عِيسَى عليه السلام جَالس مَعَ أَصْحَابه مرت بِهِ امْرَأَة: فَنظر إِلَيْهَا بَعضهم فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه: زَنَيْت فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أَرَأَيْت لَو كنت صَائِما فمررت بشواء فشممته أَكنت مُفطرا قَالَ: لَا

وَأخرج أَحْمد عَن عَطاء قَالَ: قَالَ عِيسَى: مَا أَدخل قَرْيَة يَشَاء أَهلهَا أَن يُخْرِجُونِي مِنْهَا إِلَّا أَخْرجُونِي

يَعْنِي لَيْسَ لي فِيهَا شَيْء قَالَ: وَكَانَ عِيسَى عليه السلام يتَّخذ نَعْلَيْنِ من لحى الشّجر وَيجْعَل شراكهما من لِيف

وَأخرج أَحْمد عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز قَالَ: قَالَ الْمَسِيح: لَيْسَ كَمَا أُرِيد وَلَكِن كَمَا تُرِيدُ وَلَيْسَ كَمَا أَشَاء وَلَكِن كَمَا تشَاء

وَأخرج أَحْمد عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز قَالَ: بَلغنِي أَنه مَا من كلمة كَانَت تقال لعيسى عليه السلام أحب إِلَيْهِ من أَن يُقَال: هَذَا الْمِسْكِين

ص: 209

وَأخرج ابْنه عَن ابْن حليس قَالَ: قَالَ عِيسَى: إِن الشَّيْطَان مَعَ الدُّنْيَا ومكره مَعَ المَال وتزيينه عِنْد الْهوى واستكماله عِنْد الشَّهَوَات

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن جَعْفَر بن برْقَان قَالَ: كَانَ عِيسَى يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَصبَحت لَا أَسْتَطِيع دفع مَا أكره وَلَا أملك نفع مَا ارجو وَأصْبح الْأَمر بيد غَيْرِي وأصبحت مرتهنا بعملي فَلَا فَقير أفقر مني فَلَا تُشْمِت بِي عدوّي وَلَا تسيء بِي صديقي وَلَا تجْعَل مصيبتي فِي ديني وَلَا تُسَلِّطْ عليَّ من لَا يرحمني

وَأخرج أَحْمد عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: فِي كتب الحواريين إِذا سلك بك سَبِيل الْبلَاء فَاعْلَم أَنه سلك بك سَبِيل الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وَإِذا سُلِكَ بك سَبِيل أهل الرخَاء فَاعْلَم أَنه سُلِكَ بك غير سبيلهم وخُولفَ بك عَن طريقهم

وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: قَالَ عِيسَى: إِنَّمَا أبعثكم كالكباش تلتقطون خراف بني إِسْرَائِيل فَلَا تَكُونُوا كالذئاب الضواري الَّتِي تخطتف النَّاس وَعَلَيْكُم بالخرفان مَا لكم تأتون عَلَيْكُم ثِيَاب الشّعْر وقلوبكم قُلُوب الْخَنَازِير البسوا ثِيَاب الْمُلُوك ولينوا قُلُوبكُمْ بالخشية

وَقَالَ عِيسَى: يَا ابْن آدم اعْمَلْ باعمال البّر حَتَّى يبلغ عَمَلك عنان السَّمَاء فَإِن لم يكن حبا فِي الله مَا اغنى ذَلِك عَنْك شَيْئا

وَقَالَ عِيسَى للحواريين: إِن إِبْلِيس يُرِيد أَن يبخلكم فَلَا تقعوا فِي بخله

وَأخرج أَحْمد عَن الْحسن بن عَليّ الصَّنْعَانِيّ قَالَ: بلغنَا أَن عِيسَى عليه السلام قَالَ: يَا معشر الحواريين ادْع الله أَن يُخَفف عني هَذِه السكرة - يَعْنِي الْمَوْت - ثمَّ قَالَ عِيسَى: لقد خفت الْمَوْت خوفًا أوقفني مخافتي من الْمَوْت على الْمَوْت

وَأخرج أَحْمد عَن وهب بن مُنَبّه إِن عِيسَى عليه السلام كَانَ وَاقِفًا على قبر وَمَعَهُ الحواريون وَصَاحب الْقَبْر يدلى فِيهِ فَذكرُوا من ظلمَة الْقَبْر ووحشته وضيقه فَقَالَ عِيسَى: قد كُنْتُم فِيمَا هُوَ أضيق مِنْهُ فِي أَرْحَام أُمَّهَاتكُم فَإِذا أحب الله أَن يُوسع وسّع

وَأخرج أَحْمد عَن وهب قَالَ: قَالَ الْمَسِيح عليه السلام: أَكْثرُوا ذكر الله وحمده وتقديسه وأطيعوه فَإِنَّمَا يَكْفِي أحدكُم من الدُّعَاء إِذا كَانَ الله تبارك وتعالى رَاضِيا عَلَيْهِ أَن يَقُول: اللَّهُمَّ اغْفِر لي خطيئتي واصلح لي معيشتي وَعَافنِي من المكاره يَا إلهي

وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْجلد أَن عِيسَى عليه السلام قَالَ للحواريين: بِحَق

ص: 210

أَقُول لكم: مَا الدُّنْيَا تُرِيدُونَ وَلَا الْآخِرَة قَالُوا: يَا رَسُول الله فسر لنا هَذَا فقد كُنَّا نرى أَنا نُرِيد إِحْدَاهمَا قَالَ: لَو أردتم الدُّنْيَا لأطعتم رب الدُّنْيَا الَّذِي مَفَاتِيح خزائنها بِيَدِهِ فأعطاكم ولوأردتم الْآخِرَة أطعتم رب الْآخِرَة الَّذِي يملكهَا فأعطاكم وَلَكِن لَا هَذِه تُرِيدُونَ وَلَا تِلْكَ

وَأخرج أَحْمد عَن أبي عُبَيْدَة

أَن الحواريين قَالُوا لعيسى: مَاذَا نَأْكُل قَالَ: تَأْكُلُونَ خبز الشّعير وبقل الْبَريَّة

قَالُوا: فَمَاذَا نشرب قَالَ: تشربون مَاء القراح

قَالُوا: فَمَاذَا نتوسد قَالَ: توسدوا الأَرْض قَالُوا: مَا نرَاك تَأْمُرنَا من الْعَيْش إِلَّا بِكُل شَدِيد قَالَ: بِهَذَا تنجون وَلَا تَحُلّون ملكوت السَّمَوَات حَتَّى يَفْعَله أحدكُم وَهُوَ مِنْهُ على شَهْوَة قَالُوا: وَكَيف يكون ذَلِك قَالَ: ألم تروا أَن الرجل إِذا جَاع فَمَا أحب إِلَيْهِ الكسرة وان كَانَت شَعِيرًا وَإِن عَطش فَمَا أحب إِلَيْهِ المَاء وَإِن كَانَ قراحاً وَإِذا أَطَالَ الْقيام فَمَا أحب إِلَيْهِ أَن يتوسد الأَرْض

وَأخرج أَحْمد عَن عَطاء أَنه بلغه أَن عِيسَى عليه السلام قَالَ: تَرَجَّ ببلاغة وتيقظ فِي سَاعَات الْغَفْلَة واحكم بلطف الفطنة لَا تكن حَلْساً مطروحاً وَأَنت حَيّ تتنفس

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ عِيسَى عليه السلام يَقُول: يَا معشر الحواريين اتَّخذُوا بُيُوتكُمْ منَازِل وَاتَّخذُوا الْمَسَاجِد مسَاكِن وكلوا من بقل الْبَريَّة واخرجوا من الدُّنْيَا بِسَلام

وَأخرج أَحْمد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَن عِيسَى عليه السلام قَالَ: اجعلوا كنوزكم فِي السَّمَاء فَإِن قلب الْمَرْء عِنْد كنزه

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن سعيد الْجعْفِيّ قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم عليه السلام: بَيْتِي الْمَسْجِد وطيبي المَاء وادامي الْجُوع وشعاري الْخَوْف ودابتي رجلاي ومصطلاي فِي الشتَاء مَشَارِق الشَّمْس وسراجي بِاللَّيْلِ الْقَمَر وجلسائي الزمنى وَالْمَسَاكِين وامسي وَلَيْسَ لي شَيْء وأُصبحُ وَلَيْسَ لي شَيْء وَأَنا بِخَير فَمن أغْنى مني

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الفضيل بن عِيَاض قَالَ: قَالَ عِيسَى: بطحت لكم الدُّنْيَا وجلستم على ظهرهَا فَلَا ينازعكم فِيهَا إِلَّا الْمُلُوك وَالنِّسَاء

فاما الْمُلُوك فَلَا تنازعوهم الدُّنْيَا فَإِنَّهُم لم يعرضُوا لكم دنياهم وَأما النِّسَاء فاتقوهن بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاة

ص: 211

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: قَالَ الْمَسِيح عليه السلام: إِنَّمَا تطلب الدُّنْيَا لِتُبرَّ فَتَركهَا ابرُّ

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن شُعَيْب بن صَالح قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم: وَالله مَا سكنت الدُّنْيَا فِي قلب عبد إِلَّا التاط قلبه مِنْهَا بِثَلَاث: شغل لَا يَنْفَكّ عناه وفقر لَا يدْرك غناهُ وأمل لَا يدْرك منتهاه

الدُّنْيَا طالبة ومطلوبة

فطالب الْآخِرَة تطلبه الدُّنْيَا حَتَّى يستكمل فِيهَا رزقه وطالب الدُّنْيَا تطلبه الْآخِرَة حَتَّى يَجِيء الْمَوْت فَيَأْخُذ بعنقه

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن يزِيد بن ميسرَة قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم: كَمَا توضعون كَذَلِك ترفعون وكما ترحمون كَذَلِك ترحمون وكما تقضون من حوائج النَّاس كَذَلِك يقْضِي الله من حَوَائِجكُمْ

وَأخرج أَحْمد وَابْن عَسَاكِر عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم: لَيْسَ الْإِحْسَان أَن تحسن إِلَى من أحسن إِلَيْك تِلْكَ مُكَافَأَة إِنَّمَا الْإِحْسَان أَن تحسن إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْك

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: بَلغنِي أَن عِيسَى بن مَرْيَم مر بِقوم فَشَتَمُوهُ فَقَالَ خيرا

وَمر بِآخَرين فَشَتَمُوهُ وَزَادُوا فَزَادَهُم خيرا

فَقَالَ رجل من الحواريين: كلما زادوك شرا زدتهم خيرا كَأَنَّك تغريهم بِنَفْسِك فَقَالَ عِيسَى عليه السلام: كل إِنْسَان يُعْطي مَا عِنْده

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن أنس قَالَ: مر بِعِيسَى بن مَرْيَم خِنْزِير فَقَالَ: مر بِسَلام

فَقيل لَهُ: يَا روح الله لهَذَا الْخِنْزِير تَقول قَالَ: أكره أَن أَعُود لساني الشَّرّ

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن سُفْيَان قَالَ: قَالُوا لعيسى بن مَرْيَم دلنا على عمل ندخل بِهِ الْجنَّة قَالَ: لَا تنطقوا أبدا قَالُوا: لَا نستطيع ذَلِك قَالَ: فَلَا تنطقوا إِلَّا بِخَير

وَأخرج الخرائطي عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم: خُذُوا الْحق من أهل الْبَاطِل وَلَا تَأْخُذُوا الْبَاطِل من أهل الْحق كونُوا مُنْتَقِدِي الْكَلَام كي لَا يجوز عَلَيْكُم الزُّيُوف

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد عَن زَكَرِيَّا بن عدي قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم: يَا معشر الحواريين ارضوا بدنيء الدُّنْيَا مَعَ سَلامَة الدّين كَمَا رَضِي أهل الدُّنْيَا بدنيء الدّين مَعَ سَلامَة الدُّنْيَا

ص: 212

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم عليه السلام: أكل الشّعير مَعَ الرماد وَالنَّوْم على الْمَزَابِل مَعَ الْكلاب

لقَلِيل فِي طلب الفردوس

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أنس بن مَالك قَالَ: كَانَ عِيسَى بن مَرْيَم يَقُول: لَا يُطيق عبد أَن يكون لَهُ ربان

أَن أرْضى أَحدهمَا أَسخط الآخر وَإِن أَسخط أَحدهمَا أرْضى الآخر

وَكَذَلِكَ لَا يُطيق عبد أَن يكون لَهُ خَادِمًا للدنيا يعْمل عمل الْآخِرَة

لَا تهتموا بِمَا تَأْكُلُونَ وَلَا مَا تشربون فَإِن الله لم يخلق نفسا أعظم من رزقها وَلَا جسداً أعظم من كسوته فاعتبروا

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن المَقْبُري

أَنه بلغه أَن عِيسَى بن مَرْيَم كَانَ يَقُول: يَا ابْن آدم إِذا عملت الْحَسَنَة فاله عَنْهَا فَإِنَّهَا عِنْد من لَا يضيعها وَإِذا عملت سَيِّئَة فاجعلها نصب عَيْنك

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن أبي هِلَال أَن عِيسَى بن مَرْيَم كَانَ يَقُول: من كَانَ يظنّ أَن حرصاً يزِيد فِي رزقه فليزد فِي طوله أَو فِي عرضه أَو فِي عدد بنائِهِ أَو تغير لَونه

أَلا فَإِن الله خلق الْخلق فَهَيَّأَ الْخلق لما خلق ثمَّ قسم الرزق فَمضى الرزق لما قسم فَلَيْسَتْ الدُّنْيَا بِمُعطِيَةٍ أحدا شَيْئا لَيْسَ لَهُ وَلَا بِمَانِعَةٍ أحدا شَيْئا هُوَ لكم فَعَلَيْكُم بِعبَادة ربكُم فانكم خُلِقْتُمْ لَهَا

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عمرَان بن سُلَيْمَان قَالَ: بَلغنِي أَن عِيسَى بن مَرْيَم عليه السلام قَالَ لأَصْحَابه: إِن كُنْتُم إخْوَانِي وأصحابي فوطنوا أَنفسكُم على الْعَدَاوَة والبغضاء من النَّاس

وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الْعَزِيز بن ظبْيَان قَالَ: قَالَ الْمَسِيح: من تَعَلَّم وَعمل وعَلَّمَ فَذَلِك يدعى عَظِيما فِي ملكوت السَّمَاء

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن عِيسَى بن مَرْيَم قَامَ فِي بني إِسْرَائِيل فَقَالَ: يَا معشر الحواريين لَا تُحَدِّثوا بالحكمة غير أَهلهَا فتظلموها وَلَا تمنعوها أَهلهَا فتظلموهم والأمور ثَلَاثَة: أَمر تبين رشده فَاتَّبعُوهُ وَأمر تبين لكم غِيَّهُ فَاجْتَنبُوهُ وَأمر اخْتُلِفَ عَلَيْكُم فِيهِ فَرُدُّوا علمه إِلَى الله تَعَالَى

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَمْرو بن قيس الْملَائي قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم: إِن منعت الْحِكْمَة أَهلهَا جهلت وَإِن منحتها غير أَهلهَا جهلت

كن كالطبيب المداوي إِن رأى موضعا للدواء وَإِلَّا أمسك

ص: 213

وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم للحواريين: يَا معشر الحواريين لَا تطرحوا اللُّؤْلُؤ إِلَى الْخِنْزِير فَإِن الْخِنْزِير لَا يصنع باللؤلؤة شَيْئا وَلَا تعطوا الْحِكْمَة من لَا يريدها فَإِن الْحِكْمَة خير من اللُّؤْلُؤ وَمن لَا يريدها شَرّ من الْخِنْزِير

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: قَالَ عِيسَى: يَا عُلَمَاء السوء جلستم على أَبْوَاب الْجنَّة

فَلَا أَنْتُم تدخلونها وَلَا تدعون الْمَسَاكِين يدْخلُونَهَا

أَن شرّ النَّاس عِنْد الله عَالم يطْلب الدُّنْيَا بِعِلْمِهِ

وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: قَالَ عِيسَى بن مَرْيَم عليه السلام: إِن مثل حَدِيث النَّفس بالخطيئة كَمثل الدُّخان فِي الْبَيْت لَا يحرقه فَإِنَّهُ ينتن رِيحه ويغير لَونه

قَوْله تَعَالَى: {والتوراة وَالْإِنْجِيل} أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ عِيسَى يقْرَأ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل

الْآيَة 49

ص: 214

أخرج ابْن جرير عَن ابْن إِسْحَق أَن عِيسَى جلس يَوْمًا مَعَ غلْمَان من الْكتاب فَأخذ طيناً ثمَّ قَالَ: أجعَل لكم من هَذَا الطين طائراً قَالُوا: أَو تَسْتَطِيع ذَلِك قَالَ: نعم

بِإِذن رَبِّي

ثمَّ هيأه حَتَّى إِذا جعله فِي هَيْئَة الطَّائِر نفخ فِيهِ ثمَّ قَالَ: كن طائراً باذن الله فَخرج يطير من بَين كفيه وَخرج الغلمان بذلك من أمره فذكروه لمعلمهم فأفشوه فِي النَّاس

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج

أَن عِيسَى قَالَ: أَي الطير أَشد خلقا قَالَ: الخفاش إِنَّمَا هُوَ لحم فَفعل

ص: 214

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا خلق عِيسَى طيراً وَاحِدًا

وَهُوَ الخفاش

قَوْله تَعَالَى: {وأبرئ الأكمه والأبرص} أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس {الأكمه} الَّذِي يُولد وَهُوَ أعمى

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {الأكمه} الْأَعْمَى الْمَمْسُوح الْعين

وَأخرج أَبُو عبيد وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن مُجَاهِد قَالَ {الأكمه} الَّذِي يبصر بِالنَّهَارِ وَلَا يبصر بِاللَّيْلِ

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن عِكْرِمَة قَالَ: {الأكمه} الْأَعْمَش

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كَانَ دُعَاء عِيسَى الَّذِي يَدْعُو بِهِ للمرضى والزمنى والعميان والمجانين وَغَيرهم: اللَّهُمَّ أَنْت إِلَه من فِي السَّمَاء وإله من فِي الأَرْض لَا إِلَه فيهمَا غَيْرك وَأَنت جَبَّار من فِي السَّمَاء وجبار من فِي الأَرْض لَا جَبَّار فيهمَا غَيْرك أَنْت ملك من فِي السَّمَاء وَملك من فِي الأَرْض لَا ملك فيهمَا غَيْرك قدرتك فِي السَّمَاء كقدرتك فِي الأَرْض وسلطانك فِي الأَرْض كسلطانك فِي السَّمَاء أَسأَلك بِاسْمِك الْكَرِيم ووجهك الْمُنِير وملكك الْقَدِيم إِنَّك على كل شَيْء قدير

قَالَ وهب: هَذَا للفزع وَالْمَجْنُون يقْرَأ عَلَيْهِ وَيكْتب لَهُ ويسقى مَاؤُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن وهب قَالَ: لما صَار عِيسَى ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة اوحى الله إِلَى أمه وَهِي بِأَرْض مصر - وَكَانَت هربت من قَومهَا حِين وَلدته إِلَى أَرض مصر - أَن اطلعِي بِهِ إِلَى الشَّام فَفعلت فَلم تزل بِالشَّام حَتَّى كَانَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة وَكَانَت نبوّته ثَلَاث سِنِين ثمَّ رَفعه الله إِلَيْهِ

وَزعم وهب أَنه رُبمَا اجْتمع على عِيسَى من المرضى فِي الْجَمَاعَة الْوَاحِدَة خَمْسُونَ ألفا

من أطَاق مِنْهُم أَن يبلغهُ بلغه وَمن لم يطق ذَلِك مِنْهُم أَتَاهُ فَمشى إِلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ يداويهم بِالدُّعَاءِ إِلَى الله تَعَالَى

قَوْله تَعَالَى: {وأحيي الْمَوْتَى بِإِذن الله}

ص: 215

أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة عَن رجل

أَن عِيسَى بن مَرْيَم كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يحيي الْمَوْتَى صلى رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى (تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك)(الْملك الْآيَة 1) وَفِي الثَّانِيَة (تَنْزِيل السَّجْدَة)(السَّجْدَة الْآيَة 2) فَإِذا فرغ مدح الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ دَعَا بسبعة أَسمَاء: يَا قديم يَا حَيّ يَا دَائِم يَا فَرد يَا وتر يَا أحد يَا صَمد

قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ هَذَا بِالْقَوِيّ

وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد بن طَلْحَة بن مصرف عَن أبي بشر عَن أبي الْهُذيْل بِلَفْظِهِ وَزَاد فِي آخِره: وَكَانَت إِذا أَصَابَته شدَّة دَعَا بسبعة أَسمَاء أُخْرَى: يَا حَيّ يَا قيوم يَا الله يَا رَحْمَن يَا ذَا الْجلَال والإِكرام يَا نور السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وَرب الْعَرْش الْعَظِيم يَا رب

وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ: سَأَلت بَنو إِسْرَائِيل عِيسَى فَقَالُوا: إِن سَام بن نوح دفن هَهُنَا قَرِيبا فَادع الله أَن يَبْعَثهُ لنا

فَهَتَفَ فَخرج أشمط

قَالُوا: إِنَّه قد مَاتَ وَهُوَ شَاب فَمَا هَذَا الْبيَاض قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا الصَّيْحَة فَفَزِعت

وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْيَهُود يَجْتَمعُونَ إِلَى عِيسَى ويستهزئون بِهِ وَيَقُولُونَ لَهُ: يَا عِيسَى مَا أكل فلَان البارحة وَمَا ادخر فِي بَيته لغد

فيخبرهم فيسخرون مِنْهُ حَتَّى إِذا طَال بِهِ وبهم وَكَانَ عِيسَى عليه السلام لَيْسَ لَهُ قَرَار وَلَا مَوضِع يعرف إِنَّمَا هُوَ سائح فِي الأَرْض فَمر ذَات يَوْم بِامْرَأَة قَاعِدَة عِنْد قبر وَهِي تبْكي فَسَأَلَهَا

فَقَالَت: مَاتَت ابْنة لي لم يكن لي ولد غَيرهَا

فصلى عِيسَى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ نَادَى: يَا فُلَانَة قومِي بِإِذن الرَّحْمَن فاخرجي فَتحَرك الْقَبْر ثمَّ نَادَى الثَّانِيَة فانصدع الْقَبْر ثمَّ نَادَى الثَّالِثَة فَخرجت وَهِي تنفض رَأسهَا من التُّرَاب فَقَالَت أُمَّاهُ مَا حملك على أَن أَذُوق كرب الْمَوْت مرَّتَيْنِ يَا أُمَّاهُ اصْبِرِي واحتسبي فَلَا حَاجَة لي فِي الدُّنْيَا يَا روح الله سل رَبِّي أَن يردني إِلَى الْآخِرَة وَأَن يهوّن عَليّ كرب الْمَوْت

فَدَعَا ربه فقبضها إِلَيْهِ فاستوت عَلَيْهَا الأَرْض

فَبلغ ذَلِك الْيَهُود فازدادوا عَلَيْهِ غَضبا وَكَانَ ملك مِنْهُم فِي نَاحيَة فِي مَدِينَة يُقَال لَهَا نَصِيبين جباراً عاتياً وَأمر عِيسَى بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ لِيَدْعُوهُ وَأهل تِلْكَ الْمَدِينَة إِلَى

ص: 216

الْمُرَاجَعَة فَمضى حَتَّى شَارف الْمَدِينَة وَمَعَهُ الحواريون فَقَالَ لأَصْحَابه: أَلا رجل مِنْكُم ينْطَلق إِلَى الْمَدِينَة فينادي فِيهَا فَيَقُول: أَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله

فَقَامَ رجل من الحواريين يُقَال لَهُ يَعْقُوب فَقَالَ: أَنا يَا روح الله

قَالَ: فَاذْهَبْ فَأَنت أول من يتبرأ مني فَقَامَ آخر يُقَال لَهُ توصار وَقَالَ لَهُ: أَنا مَعَه قَالَ: وَأَنت مَعَه ومشيا فَقَامَ شَمْعُون فَقَالَ: يَا روح الله أكون ثالثهم فائذن لي أَن أنال مِنْك أَن اضطررت إِلَى ذَلِك قَالَ: نعم

فَانْطَلقُوا حَتَّى إِذا كَانُوا قَرِيبا من الْمَدِينَة قَالَ لَهما شَمْعُون: ادخلا الْمَدِينَة فبَلَّغا مَا أُمِرْتُمَا وَأَنا مُقيم مَكَاني فَإِن ابتليتما أَقبلت لَكمَا

فَانْطَلقَا حَتَّى دخلا الْمَدِينَة وَقد تحدث النَّاس بِأَمْر عِيسَى وهم يَقُولُونَ فِيهِ أقبح القَوْل وَفِي أمه

فَنَادَى أَحدهمَا وَهُوَ الأول: أَلا أَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله فَوَثَبُوا إِلَيْهِمَا من الْقَائِل أنْ عِيسَى عبد الله وَرَسُوله فتبرأ الَّذِي نَادَى فَقَالَ: مَا قلت شَيْئا فَقَالَ الآخر: قد قلت وَأَنا أَقُول: أَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ فآمنوا بِهِ يَا معشر بني إِسْرَائِيل خيرا لكم فَانْطَلقُوا بِهِ إِلَى ملكهم وَكَانَ جباراً طاغياً فَقَالَ لَهُ: وَيلك مَا تَقول قَالَ: أَقُول: أَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ

قَالَ: كذبت

فقذفوا عِيسَى وَأمه بالبهتان ثمَّ قَالَ لَهُ: تَبرأ وَيلك من عِيسَى وَقل فِيهِ مقالتنا

قَالَ: لَا أفعل

قَالَ: إِن لم تفعل قطعت يَديك ورجليك وسمرت عَيْنَيْك

فَقَالَ: افْعَل بِنَا مَا أَنْت فَاعل

فَفعل بِهِ ذَلِك فَأَلْقَاهُ على مزبلة فِي وسط مدينتهم

ثمَّ أَن الْملك هم أَن يقطع لِسَانه إِذْ دخل شَمْعُون وَقد اجْتمع النَّاس فَقَالَ لَهُم: مَا بَال هَذَا الْمِسْكِين قَالُوا: يزْعم أَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله فَقَالَ شَمْعُون: إأيها الْملك أتأذن لي فادنو مِنْهُ فَاسْأَلْهُ قَالَ: نعم

قَالَ لَهُ شَمْعُون: أَيهَا الْمُبْتَلى مَا تَقول قَالَ: أَقُول أَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله

قَالَ: فَمَا آيَة تعرفه قَالَ {وتبرئ الأكمه والأبرص} والسقيم

قَالَ: هَذَا يَفْعَله الْأَطِبَّاء فَهَل غَيره قَالَ: نعم يُخْبِركُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تدخرون قَالَ: هَذَا تَفْعَلهُ الكهنة فَهَل غير هَذَا قَالَ: نعم {تخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير} قَالَ: هَذَا قد تَفْعَلهُ السَّحَرَة يكون أَخذه مِنْهُم

فَجعل الْملك يتعجب مِنْهُ وسؤاله

قَالَ: هَل غير هَذَا قَالَ: نعم

{يحيي الْمَوْتَى}

قَالَ: أَيهَا الْملك إِنَّه ذكر أمرا عَظِيما وَمَا أَظن خلقا يقدر على ذَلِك إِلَّا بِإِذن الله

ص: 217

وَلَا يقْضِي الله ذَلِك على يَد سَاحر كَذَّاب فَإِن لم يكن عِيسَى رَسُولا فَلَا يقدر على ذَلِك وَمَا فعل الله ذَلِك لأحد إِلَّا لإِبْرَاهِيم حِين سَأَلَ ربه (أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى)(الْبَقَرَة الْآيَة 260) وَمن مثل إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن السّديّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بعث الله عِيسَى عليه السلام وَأمره بالدعوة لقِيه بَنو إِسْرَائِيل فأخرجوه فَخرج هُوَ وَأمه يسيحون فِي الأَرْض فنزلوا فِي قَرْيَة على رجل فأضافهم وَأحسن إِلَيْهِم وَكَانَ لتِلْك الْمَدِينَة ملك جَبَّار فجَاء ذَلِك الرجل يَوْمًا حَزينًا فَدخل منزله وَمَرْيَم عِنْد امْرَأَته فَقَالَت لَهَا: مَا شَأْن زَوجك أرَاهُ حَزينًا قَالَت: إِن لنا ملكا يَجْعَل على كل رجل منا يَوْمًا يطعمهُ هُوَ وَجُنُوده ويسقيهم الْخمر فَإِن لم يفعل عاقبه

وَإنَّهُ قد بلغت نوبَته الْيَوْم وَلَيْسَ عندنَا سَعَة قَالَت: قولي لَهُ فَلَا يهتم فَإِنِّي آمُر ابْني فيدعو لَهُ فَيَكْفِي ذَلِك

قَالَت مَرْيَم لعيسى فِي ذَلِك

فَقَالَ عِيسَى: يَا أُمَّاهُ إِنِّي إنْ فعلت كَانَ فِي ذَلِك شَرّ قَالَت: لَا تبال فَإِنَّهُ قد أحسن إِلَيْنَا وَأَكْرمنَا

قَالَ عِيسَى: قولي لَهُ املأ قدورك وخوابيك مَاء

فملأهن فَدَعَا الله تَعَالَى فتحوّل مَا فِي الْقُدُور لَحْمًا ومرقاً وخبزاً وَمَا فِي الخوابي خمرًا لم ير النَّاس مثله قطّ

فَلَمَّا جَاءَ الْملك أكل مِنْهُ فَلَمَّا شرب الْخمر قَالَ: من أَيْن لَك هَذَا الْخمر قَالَ: هُوَ من أَرض كَذَا وَكَذَا

قَالَ الْملك: فَإِن خمري أُوتى بِهِ من تِلْكَ الأَرْض فَلَيْسَ هُوَ مثل هَذَا قَالَ: هُوَ من أَرض أُخْرَى

فَلَمَّا خلط على الْملك اشْتَدَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي أخْبرك

عِنْدِي غُلَام لَا يسْأَل الله شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ وَإنَّهُ دَعَا الله تَعَالَى فَجعل المَاء خمرًا فَقَالَ لَهُ الْملك: وَكَانَ لَهُ ابْن يُرِيد أَن يستخلفه فَمَاتَ قبل ذَلِك بأيام وَكَانَ أحب الْخلق إِلَيْهِ فَقَالَ: إِن رجلا دَعَا الله تَعَالَى فَجعل المَاء خمرًا ليستجابن لَهُ حَتَّى يحيي ابْني

فَدَعَا عِيسَى فَكَلمهُ وَسَأَلَهُ ان يَدْعُو الله أَن يحيي ابْنه فَقَالَ عِيسَى: لَا تفعل فَإِنَّهُ ان عَاشَ كَانَ شرا قَالَ الْملك: لست أُبَالِي أرَاهُ فَلَا أُبَالِي مَا كَانَ قَالَ عِيسَى عليه السلام: فَإِنِّي إِن أحييته تتركوني أَنا وَأمي نَذْهَب حَيْثُ نشَاء فَقَالَ الْملك: نعم

فَدَعَا الله فَعَاشَ الْغُلَام

فَلَمَّا رَآهُ أهل مَمْلَكَته قد عَاشَ تنادوا بِالسِّلَاحِ وَقَالُوا: أكلنَا هَذَا حَتَّى إِذا دنا مَوته يُرِيد أَن يسْتَخْلف علينا ابْنه فيأكلنا كَمَا أكلنَا أَبوهُ

فَاقْتَتلُوا

ص: 218

وَذهب عِيسَى وَأمه وصحبهما يَهُودِيّ وَكَانَ مَعَ الْيَهُودِيّ رغيفان وَمَعَ عِيسَى رغيف

فَقَالَ لَهُ عِيسَى: تشاركني فَقَالَ الْيَهُودِيّ: نعم

فَلَمَّا رأى أَنه لَيْسَ مَعَ عِيسَى عليه السلام إِلَّا رغيف نَدم فَلَمَّا نَامَا جعل الْيَهُودِيّ يُرِيد أَن يَأْكُل الرَّغِيف

فيأكل لقْمَة فَيَقُول لَهُ عِيسَى: مَا تصنع فَيَقُول لَهُ: لَا شَيْء

حَتَّى فرغ من الرَّغِيف

فَلَمَّا أصبحا قَالَ لَهُ عِيسَى: هَلُمَّ بطعامك فجَاء برغيف فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أَيْن الرَّغِيف الآخر قَالَ: مَا كَانَ معي إِلَّا وَاحِد

فَسكت عَنهُ وَانْطَلَقُوا فَمروا براعي غنم فَنَادَى عِيسَى: يَا صَاحب الْغنم أجزرنا شَاة من غنمك

قَالَ: نعم

فَأعْطَاهُ شَاة فذبحها وشواها ثمَّ قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: كل وَلَا تكسر عظما

فأكلا فَلَمَّا شَبِعُوا قذف عِيسَى الْعِظَام فِي الْجلد ثمَّ ضربهَا بعصاه وَقَالَ: قومِي بِإِذن الله

فَقَامَتْ الشَّاة تثغوا فَقَالَ: يَا صَاحب الْغنم خُذ شَاتك فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: من أَنْت قَالَ: أَنا عِيسَى ابْن مَرْيَم قَالَ: أَنْت السَّاحر وفر مِنْهُ

قَالَ عِيسَى لِلْيَهُودِيِّ: بِالَّذِي أَحْيَا هَذِه الشَّاة بعد مَا أكلناها كم كَانَ مَعَك من الأرغفة أَو - كم رغيف كَانَ مَعَك - فَحلف مَا كَانَ مَعَه إِلَّا رغيف وَاحِد

فَمر بِصَاحِب بقر فَقَالَ: يَا صَاحب الْبَقر أجزرنا من بقرك هَذِه عجلاً

فَأعْطَاهُ فذبحه وشواه وَصَاحب الْبَقر ينظر فَقَالَ لَهُ عِيسَى: كل وَلَا تكسر عظما

فَلَمَّا فرغوا قذف الْعِظَام فِي الْجلد ثمَّ ضربه بعصاه وَقَالَ: قُم بِإِذن الله تَعَالَى فَقَامَ لَهُ خوار فَقَالَ: يَا صَاحب الْبَقر خُذ عجلك

قَالَ: من أَنْت قَالَ: أَنا عِيسَى قَالَ: أَنْت عِيسَى السَّاحر ثمَّ فر مِنْهُ

قَالَ عِيسَى لِلْيَهُودِيِّ: بِالَّذِي أَحْيَا هَذِه الشَّاة بعد مَا أكلناها والعجل بَعْدَمَا أكلناه كم رغيفاً كَانَ مَعَك فَحلف بذلك مَا كَانَ مَعَه إِلَّا رغيف وَاحِد

فَانْطَلقَا حَتَّى نزلا قَرْيَة فَنزل الْيَهُودِيّ فِي أَعْلَاهَا وَعِيسَى فِي أَسْفَلهَا وَأخذ الْيَهُودِيّ عَصا مثل عَصا عِيسَى وَقَالَ: أَنا الْيَوْم أحيي الْمَوْتَى

وَكَانَ ملك تِلْكَ الْقرْيَة مَرِيضا شَدِيد الْمَرَض

فَانْطَلق الْيَهُودِيّ يُنَادي: من يَبْغِي طَبِيبا فأُخْبِرَ بِالْملكِ وبوجعه فَقَالَ: ادخلوني عَلَيْهِ فَأَنا أبرئه وَإِن رَأَيْتُمُوهُ قد مَاتَ فَأَنا أحييه فَقيل لَهُ: إِن وجع الْملك قد أعيا الْأَطِبَّاء قبلك قَالَ: ادخلوني عَلَيْهِ فأُدْخِلَ عَلَيْهِ فَأخذ الرجل بِرَجُل الْملك فَضَربهُ بعصاه حَتَّى مَاتَ فَجعل يضْربهُ وَهُوَ ميت وَيَقُول: قُم بِإِذن الله تَعَالَى

ص: 219

فَأَخَذُوهُ ليصلبوه فَبلغ عِيسَى فَأقبل إِلَيْهِ وَقد رفع على الْخَشَبَة فَقَالَ: أَرَأَيْتُم أَن أَحييت لكم صَاحبكُم أتتركون لي صَاحِبي فَقَالُوا: نعم

فأحيا عِيسَى الْملك فَقَامَ

وَأنزل الْيَهُودِيّ فَقَالَ: يَا عِيسَى أَنْت أعظم النَّاس عَليّ منَّة وَالله لَا أُفَارِقك أبدا

قَالَ عِيسَى أنْشدك بِالَّذِي أَحْيَا الشَّاة والعجل بعد مَا أكلناهما وَأَحْيَا هَذَا بعد مَا مَاتَ وأنزلك من الْجذع بعد رفعك عَلَيْهِ لتصلب

كم رغيفاً كَانَ مَعَك فَحلف بِهَذَا كُله مَا كَانَ مَعَه إِلَّا رغيف وَاحِد

فَانْطَلقَا فمرا بِثَلَاث لبنات فَدَعَا الله عِيسَى فصيرهن من ذهب قَالَ: يَا يَهُودِيّ لبنة لي ولبنة لَك ولبنة لمن أكل الرَّغِيف

قَالَ: أَنا أكلت الرَّغِيف

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن لَيْث قَالَ: صحب رجل عِيسَى بن مَرْيَم فَانْطَلقَا فَانْتَهَيَا إِلَى شاطىء نهر فَجَلَسَا يتغديان ومعهما ثَلَاثَة أرغفة فأكلا الرغيفين وَبَقِي رغيف

فَقَامَ عِيسَى إِلَى النَّهر يشرب ثمَّ رَجَعَ فَلم يجد الرَّغِيف

فَقَالَ للرجل: من أكل الرَّغِيف قَالَ: لَا أَدْرِي فَانْطَلق مَعَه فَرَأى ظَبْيَة مَعهَا خشفان فَدَعَا أَحدهمَا فَأَتَاهُ فذبحه وشواه وأكلا ثمَّ قَالَ للخشف: قُم بِإِذن الله فَقَامَ فَقَالَ للرجل: أَسأَلك بِالَّذِي أَرَاك هَذِه الْآيَة من أكل الرَّغِيف قَالَ: لَا أَدْرِي ثمَّ انتهيا إِلَى الْبَحْر فَأخذ عِيسَى بيد الرجل فَمشى على المَاء ثمَّ قَالَ: أنْشدك بِالَّذِي أَرَاك هَذِه الْآيَة من أَخذ الرَّغِيف قَالَ: لَا أَدْرِي

ثمَّ انتهيا إِلَى مفازة وَأخذ عِيسَى تُرَابا وطيناً فَقَالَ: كن ذَهَبا بِإِذن الله

فَصَارَ ذَهَبا فَقَسمهُ ثَلَاثَة أَثلَاث فَقَالَ: ثلث لَك وَثلث لي وَثلث لمن أَخذ الرَّغِيف

قَالَ: أَنا أَخَذته

قَالَ: فكله لَك وفارقه عِيسَى فَانْتهى إِلَيْهِ رجلَانِ فأرادا أَن يأخذاه ويقتلاه قَالَ: هُوَ بَيْننَا أَثلَاثًا فَابْعَثُوا أحدكُم إِلَى الْقرْيَة يَشْتَرِي لنا طَعَاما

فبعثوا أحدهم فَقَالَ الَّذِي بُعِثَ: لأي شَيْء أقاسم هَؤُلَاءِ المَال وَلَكِن أَضَع فِي الطَّعَام سما فاقتلهما

وَقَالَ ذَانك: لأي شَيْء نعطي هَذَا ثلث المَال ولَكِن إِذا رَجَعَ قَتَلْنَاهُ

فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِم قَتَلُوهُ وأكلا الطَّعَام فماتا

فَبَقيَ ذَلِك المَال فِي الْمَفَازَة وَأُولَئِكَ الثَّلَاثَة قَتْلَى عِنْده

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن خَالِد الْحذاء قَالَ: كَانَ عِيسَى بن مَرْيَم إِذا سرح رسله يحيون الْمَوْتَى يَقُول لَهُم: قُولُوا كَذَا قُولُوا كَذَا فَإِذا وجدْتُم قشعريرة ودمعة فَادعوا عِنْد ذَلِك

ص: 220

وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ثَابت قَالَ: انْطلق عِيسَى عليه الصلاة والسلام يزور أَخا لَهُ فَاسْتَقْبلهُ إِنْسَان فَقَالَ: إِن أَخَاك قد مَاتَ

فَرجع فَسمع بَنَات أَخِيه بِرُجُوعِهِ عَنْهُن فاتينه فَقُلْنَ يَا رَسُول الله رجوعك عَنَّا أَشد علينا من موت أَبينَا قَالَ: فانطلقن فأرينني قَبره فانطلقن حَتَّى أرينه قَبره قَالَ: فصوت بِهِ فَخرج وَهُوَ أشيب فَقَالَ: أَلَسْت فلَانا

قَالَ: بلَى

قَالَ: فَمَا الَّذِي أرى بك قَالَ: سَمِعت صَوْتك فحسبته الصَّيْحَة

أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأنبئكم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تدخرون} قَالَ: بِمَا أكلْتُم الرَّاحَة من طَعَام وَمَا خبأتم مِنْهُ

وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ عِيسَى يَقُول للغلام فِي الْكتاب: إِن أهلك قد خبأوا لَك كَذَا وَكَذَا

فَذَلِك قَوْله {وَمَا تدخرون}

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: كَانَ عِيسَى بن مَرْيَم وَهُوَ غُلَام يلْعَب مَعَ الصّبيان فَكَانَ يَقُول لأَحَدهم: تُرِيدُ أَن أخْبرك بِمَا خبأت لَك أمك فَيَقُول: نعم

فَيَقُول: خبأت لَك كَذَا وَكَذَا

فَيذْهب الْغُلَام مِنْهُم إِلَى أمه فَيَقُول لَهَا: اطعميني مَا خبأت لي قَالَت: وَأي شَيْء خبأت لَك فَيَقُول: كَذَا وَكَذَا

فَتَقول: من أخْبرك فَيَقُول: عِيسَى بن مَرْيَم فَقَالُوا: وَالله لَئِن تركْتُم هَؤُلَاءِ الصّبيان مَعَ عِيسَى ليفسدنهم

فجمعوهم فِي بَيت واغلقوا عَلَيْهِم فَخرج عِيسَى يتلمسهم فَلم يجدهم حَتَّى سمع ضوضاءهم فِي بَيت فَسَأَلَ عَنْهُم فَقَالُوا: يَا هَؤُلَاءِ كَأَن هَؤُلَاءِ الصّبيان قَالُوا: لَا

إِنَّمَا هَؤُلَاءِ قردة وَخَنَازِير قَالَ: اللَّهُمَّ اجعلهم قردة وَخَنَازِير

فَكَانُوا كَذَلِك

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عمار بن يَاسر قَالَ {وأنبئكم بِمَا تَأْكُلُونَ} من الْمَائِدَة {وَمَا تدخرون} مِنْهَا وَكَانَ أَخذ عَلَيْهِم فِي الْمَائِدَة حِين نزلت أَن يَأْكُلُوا وَلَا يدخروا وخافوا فَجعلُوا قردة وَخَنَازِير

وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم بن أبي النجُود {وَمَا تدخرون} مثقلة بِالْإِدْغَامِ

ص: 221

آيَة 50 - 51

ص: 222

أخرج ابْن جرير عَن وهب

أَن عِيسَى كَانَ على شَرِيعَة مُوسَى عليهما السلام وَكَانَ يسبت وَيسْتَقْبل بَيت الْمُقَدّس وَقَالَ لبني إِسْرَائِيل: أَنِّي لم أدعكم إِلَى خلاف حرف مِمَّا فِي التَّوْرَاة الا {ولأُحلّ لكم بعض الَّذِي حرم عَلَيْكُم} وأضع عَنْكُم من الآصار

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {ولأحلّ لكم بعض الَّذِي حرم عَلَيْكُم} قَالَ: كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى أَلين مِمَّا جَاءَ بِهِ مُوسَى وَكَانَ قد حرم عَلَيْهِم فِيمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى لُحُوم الْإِبِل والثروب فأحلهما لَهُم على لِسَان عِيسَى وَحرمت عَلَيْهِم الشحوم فأحلت لَهُم فِيمَا جَاءَ بِهِ عِيسَى وَفِي أَشْيَاء من السّمك وَفِي أَشْيَاء من الطير مَا لَا صيصية لَهُ (الصيصية فِي اللُّغَة شَوْكَة الديك وَأَرَادَ بهَا هُنَا مخلب الطير) وَفِي أَشْيَاء أخر حرمهَا عَلَيْهِم وشدد عَلَيْهِم فِيهَا

فَجَاءَهُمْ عِيسَى بِالتَّخْفِيفِ مِنْهُ فِي الْإِنْجِيل

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة

مثله

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وجئتكم بِآيَة من ربكُم} قَالَ: مَا بَين لَهُم عِيسَى من الْأَشْيَاء كلهَا وَمَا أعطَاهُ ربه

الْآيَة 52

ص: 222

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَلَمَّا أحس عِيسَى مِنْهُم الْكفْر} قَالَ: كفرُوا وَأَرَادُوا قَتله

فَذَلِك حِين استنصر قومه

فَذَلِك حِين يَقُول (فآمنت طَائِفَة من بني إِسْرَائِيل وكفرت طَائِفَة)(الصَّفّ الْآيَة 14)

ص: 222

وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {من أَنْصَارِي إِلَى الله} قَالَ: من يَتبعني إِلَى الله

وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {من أَنْصَارِي إِلَى الله} يَقُول: مَعَ الله

وَأما قَوْله تَعَالَى: {قَالَ الحواريون} الْآيَة

أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سموا الحواريين لبياض ثِيَابهمْ

كَانُوا صيادين

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي أَرْطَاة قَالَ {الحواريون} الغسالون الَّذين يحورون الثِّيَاب: يغسلونها

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ {الحواريون} الغسالون وَهُوَ بالنبطية هواري وبالعربية المحور

وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ {الحواريون} قصارون مر بهم عِيسَى فآمنوا بِهِ واتبعوه

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ {الحواريون} هم الَّذين تصلح لَهُم الْخلَافَة

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ {الحواريون} أصفياء الْأَنْبِيَاء

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: الْحوَاري الْوَزير

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: الْحوَاري النَّاصِر

وَأخرج البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن لكل نَبِي حوارياً وَإِن حواريِّ الزبير

وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن أسيد بن يزِيد قَالَ {واشهد بأننا مُسلمُونَ} فِي مصحف عُثْمَان ثَلَاثَة أحرف

آيَة 53 - 54

ص: 223

أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ

ص: 223

وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} قَالَ: مَعَ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وَأمته

إِنَّهُم شهدُوا لَهُ أَنه قد بلِّغ وشهدوا للرسل أَنهم قد بلغُوا

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} قَالَ: مَعَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول إِذا قضى صلَاته: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق السَّائِلين عَلَيْك - فَإِن للسائلين عَلَيْك حَقًا - أَيّمَا عبد أَو أمة من أهل الْبر وَالْبَحْر تقبلت دعوتهم واستجبت دعاءهم أَن تشركنا فِي صَالح مَا يدعونك بِهِ وَإِن تعافينا وإياهم وَأَن تقبل منا وَمِنْهُم وَأَن تجَاوز عَنَّا وعنهم بِأَنا {آمنا بِمَا أنزلت وَاتَّبَعنَا الرَّسُول فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} وَكَانَ يَقُول: لَا يتَكَلَّم بِهَذَا أحد من خلقه إِلَّا أشركه الله فِي دَعْوَة أهل برهم وبحرهم فعمتهم وَهُوَ مَكَانَهُ

وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل حصروا عِيسَى وَتِسْعَة عشر رجلا من الحواريين فِي بَيت فَقَالَ عِيسَى لأَصْحَابه: من يَأْخُذ صُورَتي فَيقْتل وَله الْجنَّة فَأَخذهَا رجل مِنْهُم وَصعد بِعِيسَى إِلَى السَّمَاء

فَذَلِك قَوْله {ومكروا ومكر الله وَالله خير الماكرين}

الْآيَات 55 - 57

ص: 224

أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنِّي متوفيك} يَقُول: إِنِّي مميتك

ص: 224

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ {متوفيك} من الأَرْض

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن الْحسن فِي قَوْله {إِنِّي متوفيك} يَعْنِي وَفَاة الْمَنَام رَفعه الله فِي مَنَامه قَالَ الْحسن: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للْيَهُود: إِن عِيسَى لم يمت وَإنَّهُ رَاجع إِلَيْكُم قبل يَوْم الْقِيَامَة

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِنِّي متوفيك ورافعك إليّ} قَالَ: هَذَا من الْمُقدم والمؤخر

أَي رافعك إليّ ومتوفيك

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مطر الْوراق فِي الْآيَة قَالَ {متوفيك} من الدُّنْيَا وَلَيْسَ بوفاة موت

وَأخرج ابْن جرير بِسَنَد صَحِيح عَن كَعْب قَالَ: لما رأى عِيسَى قلَّة من اتبعهُ وَكَثْرَة من كذبه شكا ذَلِك إِلَى الله

فَأوحى الله إِلَيْهِ {إِنِّي متوفيك ورافعك إليَّ} وَإِنِّي سأبعثك على الْأَعْوَر الدَّجَّال فتقتله ثمَّ تعيش بعد ذَلِك أَرْبعا وَعشْرين سنة ثمَّ أميتك ميتَة الْحَيّ

قَالَ كَعْب: وَذَلِكَ تَصْدِيق حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ: كَيفَ تهْلك أمة أَنا فِي أوّلها وَعِيسَى فِي آخرهَا

وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: لم يكن نَبِي كَانَت الْعَجَائِب فِي زَمَانه أَكثر من عِيسَى إِلَى أَن رَفعه الله وَكَانَ من سَبَب رَفعه أَن ملكا جباراً يُقَال لَهُ دَاوُد بن نوذا وَكَانَ ملك بني إِسْرَائِيل هُوَ الَّذِي بعث فِي طلبه ليَقْتُلهُ وَكَانَ الله أنزل عَلَيْهِ الْإِنْجِيل وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة وَرفع وَهُوَ ابْن أَربع وَثَلَاثِينَ سنة من ميلاده

فَأوحى الله إِلَيْهِ {إِنِّي متوفيك ورافعك إليَّ ومطهرك من الَّذين كفرُوا} يَعْنِي ومخلصك من الْيَهُود فَلَا يصلونَ إِلَى قَتلك

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: رَفعه الله إِلَيْهِ فَهُوَ عِنْده فِي السَّمَاء

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب قَالَ: توفى الله عِيسَى بن مَرْيَم ثَلَاث سَاعَات من النَّهَار حَتَّى رَفعه إِلَيْهِ

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: أَمَاتَهُ الله ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ بَعثه وَرَفعه

وَأخرج الْحَاكِم عَن وهب أَن الله توفى عِيسَى سبع سَاعَات ثمَّ أَحْيَاهُ وَإِن مَرْيَم حملت بِهِ وَلها ثَلَاث عشرَة سنة وَأَنه رفع ابْن ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَن أمه بقيت بعد رَفعه سِتّ سِنِين

ص: 225

وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جَوْهَر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنِّي متوفيك ورافعك} يَعْنِي رافعك ثمَّ متوفيك فِي آخر الزَّمَان

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جرير فِي الْآيَة قَالَ: رَفعه إِيَّاه توفيته

وَأخرج الْحَاكِم عَن الحريث بن مخشبي أَن عليا قتل صبحة إِحْدَى وَعشْرين من رَمَضَان فَسمِعت الْحسن بن عَليّ وَهُوَ يَقُول: قتل لَيْلَة أنزل الْقُرْآن وَلَيْلَة أُسْرِيَ بِعِيسَى وَلَيْلَة قُبِضَ مُوسَى

وَأخرج ابْن سعد وَأحمد فِي الزّهْد وَالْحَاكِم عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: رُفع عِيسَى ابْن ثَلَاث وثلاثينَ سنة وَمَات لَهَا معَاذ

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {ومطهرك من الَّذين كفرُوا} قَالَ: طهره من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَمن كفار قومه

وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير {ومطهرك من الَّذين كفرُوا} قَالَ: إِذْ هموا مِنْك بِمَا هموا

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: أهل الْإِسْلَام الَّذين اتَّبعُوهُ على فطرته وملته وسنته فَلَا يزالون ظَاهِرين على من ناوأهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: نَاصِر من اتبعك على الْإِسْلَام على الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن النُّعْمَان بن بشير سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين لَا يبالون من خالفهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله

قَالَ النُّعْمَان: فَمن قَالَ إِنِّي أَقُول على رَسُول الله مَا لم يقل فَإِن تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى

قَالَ الله تَعَالَى {وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} الْآيَة

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {وجاعل الَّذين اتبعوك} قَالَ: هم الْمُسلمُونَ وَنحن مِنْهُم وَنحن فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: إِنَّهَا لن تَبْرَح عِصَابَة من أمتِي يُقَاتلُون على الْحق ظَاهِرين على النَّاس حَتَّى يَأْتِي أَمر الله وهم على ذَلِك

ثمَّ قَرَأَ بِهَذِهِ الْآيَة {يَا عِيسَى إِنِّي متوفيك ورافعك إليَّ ومطهرك من الَّذين كفرُوا وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة}

ص: 226

وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: النَّصَارَى فَوق الْيَهُود إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَلَيْسَ بلد فِيهِ أحد من النَّصَارَى إِلَّا وهم فَوق يهود فِي شَرق وَلَا غرب هم فِي الْبَلَد كلهَا مستذلون

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: عِيسَى مَرْفُوع عِنْد الله ثمَّ ينزل قبل يَوْم الْقِيَامَة فَمن صدق عِيسَى ومحمداً صلى الله عليه وسلم وَكَانَ على دينهما لم يزَالُوا ظَاهِرين على من فارقهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأما الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} يَقُول: أَدّوا فرائضي {فيوفيهم أُجُورهم} يَقُول: فيعطيهم جَزَاء أَعْمَالهم الصَّالِحَة كَامِلا لَا يبخسون مِنْهُ شيئاَ وَلَا ينقصونه

الْآيَة 58

ص: 227

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ أَتَى رَسُول الله رَاهِبًا نَجْرَان فَقَالَ أَحدهمَا: من أَبُو عِيسَى وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يعجل حَتَّى يَأْمُرهُ ربه

فَنزل عَلَيْهِ {ذَلِك نتلوه عَلَيْك من الْآيَات وَالذكر الْحَكِيم} إِلَى قَوْله {من الممترين}

وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَالذكر الْحَكِيم} قَالَ: الْقُرْآن

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: سَتَكُون فتن قلت: فَمَا الْمخْرج مِنْهَا قَالَ: كتاب الله وَهُوَ الذّكر الْحَكِيم والصراط الْمُسْتَقيم

آيَة 59 - 63

ص: 227

أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رهطاً من أهل نَجْرَان قدمُوا على النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَانَ فيهم السَّيِّد وَالْعَاقِب فَقَالُوا لَهُ: مَا شَأْنك تذكر صاحبنا قَالَ: من هُوَ قَالُوا: عِيسَى تزْعم أَنه عبد الله قَالَ: أجل أَنه عبد الله

قَالُوا: فَهَل رَأَيْت مثل عِيسَى أَو أنبئت بِهِ

ثمَّ خَرجُوا من عِنْده فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: قل لَهُم إِذا أتوك {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم} إِلَى آخر الْآيَة

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن سَيِّدي أهل نَجْرَان وأسقفيهم السَّيِّد وَالْعَاقِب لقيا نَبِي الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَاهُ عَن عِيسَى فَقَالَا: كل أدمي لَهُ أَب فَمَا شَأْن عِيسَى لَا أَب لَهُ فَأنْزل الله فِيهِ هَذِه الْآيَة {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله} الْآيَة

وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ لما بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَسمع بِهِ أهل نَجْرَان أَتَاهُ مِنْهُم أَرْبَعَة نفر من خيارهم مِنْهُم السَّيِّد وَالْعَاقِب وماسرجس ومار بَحر فَسَأَلُوهُ مَا تَقول فِي عِيسَى قَالَ: هُوَ عبد الله وروحه وكلمته قَالُوا هم: لَا وَلكنه هُوَ الله نزل من ملكه فَدخل فِي جَوف مَرْيَم ثمَّ خرج مِنْهَا فأرانا قدرته وَأمره فَهَل رَأَيْت إنْسَانا قطّ خلق من غير أَب فَأنْزل الله {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم} الْآيَة

وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {إِن مثل عِيسَى} الْآيَة قَالَ: نزلت فِي العاقب وَالسَّيِّد من أهل نَجْرَان

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ بلغنَا أَن نَصَارَى نَجْرَان قدم وفدهم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فيهم السَّيِّد وَالْعَاقِب وهما يَوْمئِذٍ سيدا أهل نَجْرَان فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد فيمَ تَشْتُم صاحبنا قَالَ: من صَاحبكُم قَالُوا: عِيسَى بن مَرْيَم تزْعم أَنه عبد

قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أجل أَنه عبد الله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ

فغضبوا وَقَالُوا: إِن كنت صَادِقا فأرنا عبدا يحيي الْمَوْتَى ويبرىء الأكمه ويخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير فينفخ فِيهِ لكنه الله

فَسكت حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد (لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح بن مَرْيَم

) (الْمَائِدَة الْآيَة 17) الْآيَة

فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: يَا جِبْرِيل إِنَّهُم سَأَلُونِي أَن أخْبرهُم بِمثل عِيسَى

قَالَ جِبْرِيل {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون}

ص: 228

فَلَمَّا أَصْبحُوا عَادوا فَقَرَأَ عَلَيْهِم الْآيَات

وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد عَن الْأَزْرَق بن قيس قَالَ: جَاءَ أَسْقُف نَجْرَان وَالْعَاقِب إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَعرض عَلَيْهِمَا الْإِسْلَام فَقَالَا: قد كُنَّا مُسلمين قبلك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتما منع الْإِسْلَام مِنْكُمَا ثَلَاث: قولكما اتخذ الله ولدا وسجودكما للصليب وأكلكما لحم الْخِنْزِير قَالَا: فَمن أَبُو عِيسَى فَلم يدر مَا يَقُول

فَأنْزل الله {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم} إِلَى قَوْله {بالمفسدين} فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَات دعاهما رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الملاعنه فَقَالَا: إِنَّه ان كَانَ نَبيا فَلَا يَنْبَغِي لنا أَن نلاعنه فأبيا فَقَالَا: مَا تعرض سوى هَذَا فَقَالَ: الْإِسْلَام أَو الْجِزْيَة أَو الْحَرْب فأقروا بالجزية

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {الْحق من رَبك فَلَا تكن من الممترين} يَعْنِي فَلَا تكن فِي شكّ من عِيسَى إِنَّه كَمثل آدم عبد الله وَرَسُوله وكلمته

وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ قَالَ: قدم وَفد نَجْرَان على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: حَدثنَا عَن عِيسَى بن مَرْيَم قَالَ: رَسُول الله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم

قَالُوا: يَنْبَغِي لعيسى أَن يكون فَوق هَذَا

فَأنْزل الله {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم} الْآيَة

قَالُوا: مَا يَنْبَغِي لعيسى أَن يكون مثل آدم

فَأنْزل الله {فَمن حاجَّك فِيهِ من بعد مَا جَاءَك من الْعلم} الْآيَة

وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن الْحَرْث بن جُزْء الزبيدِيّ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَيْت بيني وَبَين أهل نَجْرَان حِجَابا فَلَا أَرَاهُم وَلَا يروني من شدَّة مَا كَانُوا يمارون النَّبِي صلى الله عليه وسلم

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق سَلمَة بن عبد يشوع عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كتب إِلَى أهل نَجْرَان قبل أَن ينزل عَلَيْهِ (طس) سُلَيْمَان: بِسم الله إِلَه إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى أَسْقُف نَجْرَان وَأهل نَجْرَان

إِن أسلمتم فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْكُم الله إِلَه إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب

أما بعد فَإِنِّي أدعوكم إِلَى عبَادَة الله من عبَادَة الْعباد وأدعوكم إِلَى ولَايَة الله من ولَايَة الْعباد فَإِن أَبَيْتُم فالجزية وَإِن أَبَيْتُم آذنتكم بِالْحَرْبِ وَالسَّلَام

فَلَمَّا قَرَأَ الأسقف الْكتاب فظع بِهِ

ص: 229

وذعر ذعراً شَدِيدا فَبعث إِلَى رجل من أهل نَجْرَان يُقَال لَهُ شُرَحْبِيل بن ودَاعَة فَدفع إِلَيْهِ كتاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم فقرأه فَقَالَ لَهُ الأسقف: مَا رَأْيك

فَقَالَ شُرَحْبِيل: قد علمت مَا وعد الله إِبْرَاهِيم فِي ذُرِّيَّة إِسْمَاعِيل من النبوّة فَمَا يُؤمن أَن يكون هَذَا الرجل لَيْسَ لي فِي النبوّة رَأْي لَو كَانَ رَأْي من أَمر الدُّنْيَا أَشرت عَلَيْك فِيهِ وجهدت لَك

فَبعث الأسقف إِلَى وَاحِد بعد وَاحِد من أهل نَجْرَان فكلهم قَالَ مثل قَول شُرَحْبِيل فَاجْتمع رَأْيهمْ على أَن يبعثوا شُرَحْبِيل بن ودَاعَة وَعبد الله بن شُرَحْبِيل وجبار بن فيض فيأتونهم بِخَبَر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَانْطَلق الْوَفْد حَتَّى أَتَوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُمْ وسألوه فَلم تزل بِهِ وبهم الْمَسْأَلَة حَتَّى قَالُوا لَهُ: مَا تَقول فِي عِيسَى بن مَرْيَم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: مَا عِنْدِي فِيهِ شَيْء يومي هَذَا فأقيموا حَتَّى أخْبركُم بِمَا يُقَال لي فِي عِيسَى صبح الْغَد

فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب} إِلَى قَوْله {فَنَجْعَل لعنة الله على الْكَاذِبين} فَأَبَوا أَن يقرُّوا بذلك

فَلَمَّا أصبح رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْغَد بَعْدَمَا أخْبرهُم الْخَبَر أقبل مُشْتَمِلًا على الْحسن وَالْحُسَيْن فِي خميلة لَهُ وَفَاطِمَة تمشي خلف ظَهره للملاعنة وَله يَوْمئِذٍ عدَّة نسْوَة فَقَالَ شُرَحْبِيل لصَاحبه: إِنِّي أرى أمرا مُقبلا ان كَانَ هَذَا الرجل نَبيا مُرْسلا فلاعناه لَا يبْقى على وَجه الأَرْض منا شعر وَلَا ظفر إِلَّا هلك فَقَالَا لَهُ: مَا رَأْيك فَقَالَ: رَأْيِي أَن أحكمه فَإِنِّي أرى رجلا لَا يحكم شططاً أبدا

فَقَالَا لَهُ: أَنْت وَذَاكَ

فَتلقى شُرَحْبِيل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي قد رَأَيْت خيرا من ملاعنتك قَالَ: وَمَا هُوَ قَالَ: حكمك الْيَوْم إِلَى اللَّيْل وليلتك إِلَى الصَّباح فمهما حكمت فِينَا فَهُوَ جَائِز

فَرجع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلم يلاعنهم وصالحهم على الْجِزْيَة

وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن حُذَيْفَة أَن العاقب وَالسَّيِّد أَتَيَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَرَادَ أَن يلاعنهما فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: لَا تلاعنه فوَاللَّه لَئِن كَانَ نَبيا فلاعننا لَا نفلح نَحن وَلَا عقبنا من بعده فَقَالُوا لَهُ: نعطيك مَا سَأَلت فَابْعَثْ مَعنا رجلا أَمينا فَقَالَ: قُم يَا أَبَا عُبَيْدَة

فَلَمَّا وقف قَالَ: هَذَا أَمِين هَذِه الْأمة

وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن جَابر قَالَ قدم على النَّبِي صلى الله عليه وسلم العاقب وَالسَّيِّد فدعاهما إِلَى الإِسلام فَقَالَا: أسلمنَا يَا مُحَمَّد

ص: 230

قَالَ: كذبتما إِن شئتما أخبرتكما بِمَا يَمْنَعكُمَا من الإِسلام

قَالَا: فهات

قَالَ: حب الصَّلِيب وَشرب الْخمر وَأكل لحم الْخِنْزِير

قَالَ جَابر: فدعاهما إِلَى الْمُلَاعنَة فواعداه إِلَى الْغَد فغدا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَأخذ بيد عَليّ وَفَاطِمَة وَالْحسن وَالْحُسَيْن ثمَّ أرسل إِلَيْهِمَا فأبيا أَن يجيباه وأقرا لَهُ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَو فعلا لأمطر الْوَادي عَلَيْهِمَا نَارا

قَالَ جَابر: فيهم نزلت {تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم} الْآيَة

قَالَ جَابر: أَنْفُسنَا وَأَنْفُسكُمْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعلي وَأَبْنَاءَنَا الْحسن وَالْحُسَيْن وَنِسَاءَنَا فَاطِمَة

وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر أَن وَفد نَجْرَان أَتَوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: مَا تَقول فِي عِيسَى فَقَالَ: هُوَ روح الله وكلمته وَعبد الله وَرَسُوله قَالُوا لَهُ: هَل لَك أَن نُلَاعِنك أَنه لَيْسَ كَذَلِك قَالَ: وَذَاكَ أحب إِلَيْكُم قَالُوا: نعم

قَالَ: فَإِذا شِئْتُم

فجَاء وَجمع وَلَده الْحسن وَالْحُسَيْن فَقَالَ رئيسهم: لَا تلاعنوا هَذَا الرجل فوَاللَّه لَئِن لاعنتموه ليخسفن بِأحد الْفَرِيقَيْنِ فجاؤوا فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم إِنَّمَا أَرَادَ أَن يلاعنك سفهاؤنا وَإِنَّا نحب أَن تعفينا

قَالَ: قد أعفيتكم ثمَّ قَالَ: إِن الْعَذَاب قد أظل نَجْرَان

وَأخرج أَبُو النَّعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس أَن وَفد نَجْرَان من النَّصَارَى قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وهم أَرْبَعَة عشر رجلا من أَشْرَافهم

مِنْهُم السَّيِّد وَهُوَ الْكَبِير وَالْعَاقِب وَهُوَ الَّذِي يكون بعده وَصَاحب رَأْيهمْ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَهما: أسلما قَالَا: أسلمنَا

قَالَ: مَا أسلمتما

قَالَا: بلَى

قد أسلمنَا قبلك

قَالَ: كذبتما يمنعكم من الْإِسْلَام ثَلَاث فيكما: عبادتكما الصَّلِيب وأكلكما الْخِنْزِير وزعمكما أَن لله ولدا

وَنزل {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله كَمثل آدم خلقه من تُرَاب} الْآيَة

فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِم قَالُوا: مَا نَعْرِف مَا تَقول

وَنزل {فَمن حاجَّك فِيهِ من بعد مَا جَاءَك من الْعلم} يَقُول: من جادلك فِي أَمر عِيسَى من بعد مَا جَاءَك من الْعلم من الْقُرْآن {فَقل تَعَالَوْا} إِلَى قَوْله {ثمَّ نبتهل} يَقُول: نجتهد فِي الدُّعَاء أَن الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد هُوَ الْحق وَإِن الَّذِي يَقُولُونَ هُوَ الْبَاطِل فَقَالَ لَهُم: إِن الله قد أَمرنِي أَن لم تقبلواهذا أَن أُبَاهِلكُم فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم بل نرْجِع فَنَنْظُر فِي أمرنَا ثمَّ نَأْتِيك

فَخَلا بَعضهم بِبَعْض وتصادقوا فِيمَا بَينهم قَالَ السَّيِّد للعاقب: قد وَالله علمْتُم أَن الرجل نَبِي مُرْسل وَلَئِن لاعنتموه إِنَّه ليستأصلكم وَمَا لَاعن قوم

ص: 231

قطّ نَبيا فَبَقيَ كَبِيرهمْ وَلَا نبت صَغِيرهمْ

فَإِن أَنْتُم لم تَتبعُوهُ وَأَبَيْتُمْ إِلَّا إلْف دينكُمْ فَوَادَعُوهُ وَارْجِعُوا إِلَى بِلَادكُمْ

وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خرج وَمَعَهُ عَليّ وَالْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن أَنا دَعَوْت فَأمنُوا أَنْتُم فَأَبَوا أَن يلاعنوه وصالحوه على الْجِزْيَة

وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عَطاء وَالضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَن ثَمَانِيَة من أساقف الْعَرَب من أهل نَجْرَان قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهُم العاقب وَالسَّيِّد فَأنْزل الله {فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا} إِلَى قَوْله {ثمَّ نبتهل} يُرِيد نَدع الله باللعنة على الْكَاذِب

فَقَالُوا: أخرنا ثَلَاثَة أَيَّام فَذَهَبُوا إِلَى بني قُرَيْظَة وَالنضير وَبني قينقاع فاستشاروهم

فاشاروا عَلَيْهِم أَن يصالحوه وَلَا يلاعنوه وَهُوَ النَّبِي الَّذِي نجده فِي التَّوْرَاة

فصالحوا النَّبِي صلى الله عليه وسلم على ألف حلَّة فِي صفر وَألف فِي رَجَب ودراهم

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن قَتَادَة {فَمن حاجَّك فِيهِ} فِي عِيسَى {فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا} الْآيَة فَدَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم لذَلِك وَفد نَجْرَان وهم الَّذين حاجوه فِي عِيسَى فنكصوا وأبوا

وَذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن كَانَ الْعَذَاب لقد نزل على أهل نَجْرَان وَلَو فعلوا لاستئصلوا عَن وَجه الأَرْض

وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن الشّعبِيّ قَالَ كَانَ أهل نَجْرَان أعظم قوم من النَّصَارَى قولا فِي عِيسَى بن مَرْيَم فَكَانُوا يجادلون النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ

فَأنْزل الله هَذِه الْآيَات فِي سُورَة آل عمرَان {إِن مثل عِيسَى عِنْد الله} إِلَى قَوْله {فَنَجْعَل لعنة الله على الْكَاذِبين} فَأمر بملاعنتهم فواعدوه لغد فغدا النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ الْحسن وَالْحُسَيْن وَفَاطِمَة فَأَبَوا أَن يلاعنوه وصالحوه على الْجِزْيَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: لقد أَتَانِي البشير بهلكة أهل نَجْرَان حَتَّى الطير على الشّجر لَو تَمُّوا على الْمُلَاعنَة

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لَو بَاهل أهل نَجْرَان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لَا يَجدونَ أَهلا وَلَا مَالا

وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سعد بن أبي

ص: 232

وَقاص قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم} دَعَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عليا وَفَاطِمَة وحسناً وَحسَيْنا فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهلِي

وَأخرج ابْن جرير عَن علْبَاء بن أَحْمَر الْيَشْكُرِي قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة {فَقل تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم} الْآيَة

أرسل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى عَليّ وَفَاطِمَة وابنيهما الْحسن وَالْحُسَيْن ودعا الْيَهُود ليلاعنهم فَقَالَ شَاب من الْيَهُود: وَيحكم أَلَيْسَ عهدكم بالْأَمْس إخْوَانكُمْ الَّذين مسخوا قردة وَخَنَازِير لَا تلاعنوا

فَانْتَهوا

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه فِي هَذِه الْآيَة {تَعَالَوْا نَدع أبناءنا} الْآيَة

قَالَ: فجَاء بِأبي بكر وَولده وبعمر وَولده وبعثمان وَولده وبعلي وَولده

وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس {ثمَّ نبتهل} نجتهد

وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: هَذَا الْإِخْلَاص يُشِير بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تلِي الْإِبْهَام وَهَذَا الدُّعَاء فَرفع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه وَهَذَا الابتهال فَرفع يَدَيْهِ مدا

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {أَن هَذَا لَهو الْقَصَص الْحق} يَقُول: إِن هَذَا الَّذِي قُلْنَا فِي عِيسَى هُوَ الْحق

وَأخرج عبد بن حميد عَن قيس بن سعد قَالَ: كَانَ بَين ابْن عَبَّاس وَبَين آخر شَيْء فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {تَعَالَوْا نَدع أبناءنا وأبناءكم وَنِسَاءَنَا ونساءكم وأنفسنا وَأَنْفُسكُمْ ثمَّ نبتهل} فَرفع يَدَيْهِ واستقبل الرُّكْن {فَنَجْعَل لعنة الله على الْكَاذِبين}

الْآيَة 64

ص: 233

أخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر فِي الأولى مِنْهُمَا (قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل

ص: 233

إِلَيْنَا

) (الْبَقَرَة الْآيَة 136) الْآيَة

وَفِي الثَّانِيَة {تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم}

وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حَدثنِي أَبُو سُفْيَان أَن هِرقل دَعَا بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فَإِذا فِيهِ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى

أما بعد فَإِنِّي أَدْعُوك بِدِعَايَةِ الْإِسْلَام

أسلم تسلم

أسلم يؤتك الله أجرك مرَّتَيْنِ فَإِن توليت فَإِن عَلَيْك إِثْم الأريسين {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سواءٍ بَيْننَا وَبَيْنكُم أَلا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا} إِلَى قَوْله {اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ}

وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن كتاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْكفَّار {تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم} الْآيَة

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله {تَعَالَوْا إِلَى كلمة} الْآيَة

قَالَ: بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعَا يهود أهل الْمَدِينَة إِلَى ذَلِك فَأَبَوا عَلَيْهِ فجاهدهم حَتَّى أَتَوا بالجزية

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعَا يهود أهل الْمَدِينَة إِلَى الْكَلِمَة السوَاء وهم الَّذين حاجوا فِي إِبْرَاهِيم وَزَعَمُوا أَنه مَاتَ يَهُودِيّا وأكذبهم الله ونفاهم مِنْهُ فَقَالَ (يَا أهل الْكتاب لم تحاجون فِي إِبْرَاهِيم

) (آل عمرَان الْآيَة 65) الْآيَة

وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعَا الْيَهُود إِلَى الْكَلِمَة السوَاء

وَأخرج عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير فِي قَوْله {قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا} الْآيَة قَالَ: فَدَعَاهُمْ إِلَى النّصْف وَقطع عَنْهُم الْحجَّة

يَعْنِي وَفد نَجْرَان

وَأخرج عَن السّديّ قَالَ: ثمَّ دعاهم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

يَعْنِي الْوَفْد من نَصَارَى نَجْرَان فَقَالَ {يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء} الْآيَة

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء} قَالَ: عدل

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع

مثله

ص: 234

وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم} قَالَ: عدل

قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم

أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: تلاقينا تعاصينا سَوَاء وَلَكِن حم عَن حَال بِحَال وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كلمة السوَاء لَا إِلَه إِلَّا الله

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله

وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله} قَالَ: لَا يُطِيع بَعْضنَا بَعْضًا فِي مَعْصِيّة الله وَيُقَال: إِن تِلْكَ الربوبية أَن يُطِيع النَّاس سادتهم وَقَادَتهمْ فِي غير عبَادَة وَإِن لم يصلوا لَهُم

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا} قَالَ: سُجُود بَعضهم لبَعض

الْآيَتَانِ 65 - 66

ص: 235

أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ اجْتمعت نَصَارَى نَجْرَان وأحبار يهود عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عِنْده فَقَالَت الْأَحْبَار: مَا كَانَ إِبْرَاهِيم إِلَّا يَهُودِيّا وَقَالَت النَّصَارَى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيم إِلَّا نَصْرَانِيّا

فَأنْزل الله فيهم {يَا أهل الْكتاب لم تحاجون فِي إِبْرَاهِيم وَمَا أنزلت التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِلَّا من بعده} إِلَى قَوْله {وَالله ولي الْمُؤمنِينَ} فَقَالَ أَبُو رَافع الْقرظِيّ: أَتُرِيدُ منا يَا مُحَمَّد أَن نعبدك كَمَا تعبد النَّصَارَى عِيسَى بن مَرْيَم فَقَالَ رجل من أهل نَجْرَان: أذلك تُرِيدُ يَا مُحَمَّد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: معَاذ الله أَن أعبد غير الله أَو آمُر بِعبَادة غَيره

مَا بذلك بَعَثَنِي وَلَا أَمرنِي

فَأنْزل الله فِي ذَلِك من قَوْلهمَا (مَا كَانَ لبشر أَن يؤتيه الله

ص: 235

الْكتاب وَالْحكم والنبوّة ثمَّ يَقُول للنَّاس كونُوا عباداً لي من دون الله) (آل عمرَان الْآيَة 79) إِلَى قَوْله (بعد إِذْ أَنْتُم مُسلمُونَ) ثمَّ ذكر مَا أَخذ عَلَيْهِم وعَلى آبَاءَهُم من الْمِيثَاق بتصديقه إِذا هُوَ جَاءَهُم وإقرارهم بِهِ على أنفسهم فَقَالَ (وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق النَّبِيين)(آل عمرَان الْآيَة 81) إِلَى قَوْله (من الشَّاهِدين)

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دَعَا يهود أهل الْمَدِينَة وهم الَّذين حاجوا فِي إِبْرَاهِيم وَزَعَمُوا أَنه مَاتَ يَهُودِيّا

فأكذبهم الله ونفاهم مِنْهُ وَقَالَ {يَا أهل الْكتاب لم تحاجون فِي إِبْرَاهِيم} وتزعمون أَنه كَانَ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا {وَمَا أنزلت التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِلَّا من بعده} فَكَانَت الْيَهُودِيَّة بعد التَّوْرَاة وَكَانَت النَّصْرَانِيَّة بعد الْإِنْجِيل {أَفلا تعقلون}

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَا أهل الْكتاب لم تحاجون فِي إِبْرَاهِيم} قَالَ: الْيَهُود وَالنَّصَارَى برأه الله مِنْهُم حِين ادّعى كل أمة مِنْهُم وَألْحق بِهِ الْمُؤمنِينَ من كَانَ من أهل الحنيفية

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {يَا أهل الْكتاب لم تحاجون فِي إِبْرَاهِيم} قَالَت النَّصَارَى: كَانَ نَصْرَانِيّا

وَقَالَت الْيَهُود: كَانَ يَهُودِيّا

فَأخْبرهُم الله أَن التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل إِنَّمَا أَنْزَلَتَا من بعده وَبعده كَانَت الْيَهُودِيَّة والنصرانية

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ حاججتم فِيمَا لكم بِهِ علم} يَقُول: فِيمَا شهدتم ورأيتم وعاينتم {فَلم تحاجون فِيمَا لَيْسَ لكم بِهِ علم} يَقُول: فِيمَا لم تشهدوا وَلم تروا وَلم تعاينوا

وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة

مثله

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: أما الَّذِي لَهُم بِهِ علم فَمَا حرم عَلَيْهِم وَمَا أُمروا بِهِ وَأما الَّذِي لَيْسَ لَهُم بِهِ علم فشأن إِبْرَاهِيم

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: يعْذر من حَاج بِعلم وَلَا يعْذر من حَاج بِالْجَهْلِ

الْآيَة 67

ص: 236