المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عوائق في وجه الدعوة - الدعوة إلى الله فوائد وشواهد

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: ‌عوائق في وجه الدعوة

‌عوائق في وجه الدعوة

كل عمل قد يكون له عوائق إما تصده تمامًا، أو تخفف منه، والدعوة إلى الله من الأعمال التي يرد فيها مثل تلك العوائق والعقبات، لكن ورود هذه العقبات لا يعني التوقف تمامًا.

أولاً: نحاول حلها تمامًا وإزالتها.

ثانيًا: التخفيف منها قدر المستطاع.

أضرب أمثلة لبعض العقبات على عجل:

عائق [1]: قلة المال:

من أكبر العقبات التي تظهر في وجه الداعي خاصة من يتنامى عمله ويكبر يومًا بعد يوم فالمال هو عصب الحياة.

الحل: يستطيع الداعي أن يكيف نفسه وعمله بحسب موارده المادية: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [المؤمنون: 62] المهم الاستمرار حتى ولو بالقليل، كما قال صلى الله عليه وسلم:«خير العمل أدومه وإن قل» والناس في الموارد المالية تأتيهم ساعات إقبال وإدبار، فليعمل على قدر ما هو متوفر من المال، ويرتب نوعًا من الأعمال لا تكلف كثيرًا، والشركات التجارية -وهدفها المال والربح- ترتب أمورها المالية على حسب الوارد والمنصرف وتعيد مراجعة حساباتها ولك أن تقتصد وترتب لكن لا تتوقف، إذا كنت توزع مثلاً مائة كتاب اخفض العدد إلى خمسين وهكذا.

ص: 38

عائق [2]: قصر النفس:

أعني عدم الاستمرار في الدعوة، فتراه الشخص يتحمس مثلاً بعد سماع محاضرة ثم يخبو شيئًا فشيئًا.

الحل: علاج ذلك برفقة صالحة، وقراءة في السيرة والعمل مع مؤسسات دعوية، فإن ذلك أدعى للاستمرار.

عائق [3]: انتظار النتائج واستبطاء الثمرة:

وهذه معضلة وعقبة لمن نظر إليها.

الحل: أنت مأمور بالدعوة وليس عليك انتظار النتائج {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272]: أما سمعت أن النبي وهو نبي مرسل يأتي ومعه الرجل، والنبي وليس معه أحد.

عائق [4]: انحراف النية وفقد الإخلاص:

وخاصة لمن طال بهم السير في ركاب الدعوة فقد يأتيه الشيطان ليصرفه ويجعله يعمل إما للدنيا أو لحظوظ النفس أو غيرها.

الحل: ذكر ابن القيم الداء والدواء فقال رحمه الله: «لا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس، ولا شيء أصلح لها من شهود العبد منة الله وتوفيقه، والاستعانة به والافتقار إليه، وإخلاص العمل له» .

عائق [5]: قلة الرفيق والمعين:

فالإنسان يحتاج إلى من يسليه ويواسيه.

الحل: قضت سنة الله أن ذوي العصيان أكثر عددًا ممن يطيع

ص: 39

الرحمن قال عز وجل: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة: 46]، وقال تعالى:{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 166] فلا تتراجع عن هداية الخلق ولو كثر الانحراف ولا تيأس من السير في دعوتك ولو اعتز الباطل.

يقول الفضيل بن عياض: «لا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين، ولا تستوحش من الحق لقلة السالكين» .

فاثبت على الحق فإنك على صراط مستقيم، يقول ابن مسعود رضي الله عنه:«أنت أمة وإن كنت وحدك» .

ويستطيع الإنسان تكوين رفقة صالحة من الأصدقاء أو الأقارب أو الزوجة والأبناء وسيجد بإذن الله -تعالى-.

عائق [6]: ضعف وقلة الإمكانات سواء في مكونات الشخص أو العوامل المساعدة.

الحل: موسى عليه السلام نبي مرسل ويعاني من صعوبة النطق، وما قال: لست بخطيب ولا أستطيع أن أعتلي المنابر، ولم يتهرب والحجة قائمة لديه، عالج الأمر بأن دعا ربه عز وجل أن يعينه بأخيه هارون:{هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 30 - 33].

وقد ذكر العلماء أن أبر أخ بأخيه هو موسى بهارون إذا سأل الله عز وجل له منزلة النبوة فأعطاها إياها.

ص: 40

عائق [7]: شل حركة الداعي وإغلاق الأبواب دونه وعدم تمكينه من الدعوة.

الحل: داعية من أعظم الدعاة في التاريخ الكل يعرفه، الجدارن سميكة والأبواب موصدة والأعين لا تنام والحراس تتعاقب عليه دعا في السجن في ذلك المكان المظلم البعيد عن وسائل الدعوة:{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39].

وقبل ذلك أحسن إليهم، وفتح قلوبهم:{إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36].

عائق [8]: من أكبر عوائق الدعوة ما يجده الداعي من فقد أسرته ومنزله، وقد يسبب ذلك بعض المشاكل وخلق حواجز تؤخره عن القيام بالدعوة.

الحل: بالإمكان معالجة ذلك بأمور:

أولاً: المرأة الصالحة زوجة مطيعة لزوجها تحب رفعة هذا الدين وتضحي من أجله، وهذا مدخل عظيم إذا تمكن من قلبها، فهي داعية بصبرها وإعانتها حتى وإن فقدت جزء من سعادتها كبقاء الزوج بقربها مثلاً فترة أطول! .

ثانيًا: بإمكان الزوجة الالتحاق بأعمال خيرة من حفظ القرآن العظيم أو العمل في الأعمال الدعوية في بيتها، ولها الالتحاق بمدارس تحفيظ القرآن الكريم وهي ولله الحمد متنشرة في كل مدينة وقرية.

ص: 41

عائق: [9]: قد يكون مكان الداعي سيئًا ويعيق عن الحركة والعمل، مثلاً في مدينة أو مدرسة أو حي أو غير ذلك.

الحل: لما اشتد الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة خاصة بعد حصار شعب عامر والذي قضى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم سنوات ولحقه موت عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب وخروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وعودته بعد أن رماه أهلها بالحجارة وأدموا عقبه الشريف، وعندما اجتمع كفار قريش في دار الندوة وقرروا قتله كحل خير لإطفاء هذا النور والقضاء على الرسالة، هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وترك مراتع الصبا وترك أهله، وأولاده وداره ومنزله؛ فهو بهذا وجد حلاً في استمرار الدعوة: ألا وهو تغيير المكان، وخرج وعينه تدمع، وقال وهو ينظر إلى مكة نظرة مودع:«والله لأنت أحب البقاع إليّ ولولا أن قومك أخرجوني لما خرجت» .

والشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله دعا قومه إلى ترك الشرك وإخلاص العبادة لله وحده فلم يجد منهم إلا العداء والصدود في بلدته العيينة، فتركها وسافر إلى الدرعية ففتح الله له القلوب.

عائق [10]: من العقبات التي تواجه البعض الاستهزاء والغمز واللمز، إما ابتداء أو تنقصًا من قدر الداعي ومكانته ومعرفتهم بحياته وسيرته.

الحل: أما الاستهزاء فلم يسلم منه الأنبياء والمرسلون، فقد استهزأ بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ساحر وكاهن، وكاذب على سبيل تنفير الناس منه ومن دعوته، وقالوا عن أنبياء الله مثل ذلك.

ص: 42

ومن ظن أن يسلم من كلام الناس فهو مجنون قالو: إن الله ثالث ثلاثة وقالوا: يد الله مغلولة، وقالوا: اتخذ الله ولدًا، وقالوا عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه ساحر وكاهن ومجنون فما ظنك بمن دونهما.

فذلك الله –عز وجل خالق البشر ومسدي النعم، وهذا

نبيه صلى الله عليه وسلم ولم يسلم الرب ولا الرسول، فما الظن بمن دونهما! إن في هذا لسلوى وتعزية.

أما الأخرى: وهي الاستهزاء بما كان عليه الداعي وبما جرى له في حايته، ويظنون أنه لا يقوم بالدعوة إلا من كان كاملاً من جميع الوجوه، فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها.

ويجد الداعي في كتاب الله من قصص الأنبياء ما يزيده ثباتًا على طريق الدعوة عزمًا على المضي في تبليغ الرسالة.

نبي الله موسى – عليه الصلاة والسلام كان له ذنب عيره به فرعون، حكى الله عن فرعون قوله:{قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 18 - 21].

ها هو داعية أودع السجن ألا هو نبي الله يوسف – عليه الصلاة والسلام فقد سجن لبضع سنين (قيل سبع) في تهمة بالفاحشة هو منها بريء.

ص: 43

قال -تعالى- عن يوسف صلى الله عليه وسلم: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42] وقال يوسف –عليه الصلاة والسلام: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100].

وهناك ما يقع للداعي من انحراف في أهل بيته.

فهناك زوجات غير مؤمنات بالدعوة بل ويعملن ضدها: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10].

جاء في تفسير الجلالين: {فَخَانَتَاهُمَا} في الدين إذا كفرن، وكانت امرأة نوح واسمها واهلة تقول لقومه: إنه مجنون، وامرأة لوط واسمها واعلة تدل على قومه على ضيوفه إذا نزلوا به ليلاً بإيقاد النار ونهارًا بالتدخين {فَلَمْ يُغْنِيَا} أي: نوح ولوط.

وهنا صورة أخرى فهذا ابن الداعية كافر: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46].

وهكذا نرى أن الشروط التي يشترطها بعض الناس في الدعاة هي شروط تصعيبية وتعجيزية لا توجد في أحد خصوصًا في هذا الزمان، وهي شروط لم يشترطها الله فيمن اصطفاهم للنبوة فكيف

ص: 44

فيمن دونهم؟

ولو أن الناس تشددوا في ذلك لن يأخذوا دينهم عن أحد.

عائق [11]: من العوائق أن الداعي لا يعرف بماذا يبدأ؟ ومن أين ينطلق في دعوته؟

والحل: حل هذا العائق أن نعود لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه في ذلك، فعندما بعث معاذًا إلى اليمن قال له:«إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هو أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هو أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» [رواه البخاري ومسلم].

عائق: [12]: من العقبات التي تقض المضاجع وتوهن القوى والعزائم عدم قبول المدعو للدعوة.

الحل: ليكن الداعي على علم بأن الله – عز وجل هو الهادي فأنت تدعو دعوة دلالة والله – عز وجل بيده هداية التوفيق، قال تعالى:{وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 213]، وقال تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272].

وفي قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب عبرة وعظة في هذا

ص: 45

الجانب فقد قال –عز وجل في كتابه الكريم مخاطبًا النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]، وسبب نزول هذه الآية موت أبي طالب، وكان النبي حريصًا على هدايته في حياته وعند موته، فلم يتيسر له ذلك، ودعا له بعد موته ونهي عن ذلك.

في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل فقال له: «يا عم: قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه صلى الله عليه وسلم فأعادوا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لأستغفرن لك ما لم انه عنك» فأنزل الله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113].

فإذا قام الداعي بواجب الدعوة إلى الله – عز وجل فإذا قام الداعي الدعوة إلى الله –عز وجل ولم يقدر -سبحانه- هداية المدعو فليس هذا مجالاً للإحباط والتراخي بل هو مجال لمعرفة حق الله –عز وجل وحكمته في هداية من يشاء ومن عباده.

وقد قال –سبحانه- في الآية الأخرى مسليًا ومواسيًا: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]، وقال تعالى: {وَمَنْ

ص: 46

كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} [لقمان: 23].

نحن نبذل الأسباب فحسب والله –سبحانه- يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

عائق [13]: عدم وزن الأمر بميزان الشرع فها هي امرأة تأتي وتقول ما الحل: زوجي أدخل في البيت دشًا، ثم هي بعد شهور تأتي وترتفع الصوت وتبكي بحرقة ودموع لا تنقطع ليس لأنه جلب الدش بل لأن زوجها تزوج بأخرى.

الحل: هذا القياس الفاسد أخر عملية الدعوة، وكان عائقًا، جلب الدش إلى الدار أمر منكر والزواج بثانية أمر مشروع فلماذا الانتصار للنفس وعدم الانتصار لدين الله –عز وجل؟

وفي معرفة أحكام الشرع والرضا بها وتطبيقها واقعًا له الأثر في نشر الدعوة.

عائق [14]: عدم الذهاب إلى الناس في مجامعهم ومنتدياتهم، وقد يكن من العوائق التي تمنع عن ذلك الكبر أو الحياء أو الخوف أو المشقة، أو غير ذلك.

الحل: الأصل أن الداعي يبذل ويفعل الأسباب للوصول إلى المدعو.

قال – تعالى- موبخًا أهل النار: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} [الملك: 8، 9].

ص: 47

وقال سبحانه وتعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس: 20].

فعلى الداعي أن يذهب ويغشى مجامع الناس ويصبر عليهم، يدرب نفسه ويعودها على قول الحق والصدع بأمر الدعوة.

عائق [15]: أذكر هنا حلاً لمشكلة واقعية وهي إن كانت أسرية إلا أن فيها فائدة، وتقع كثيرًا في بيوت الدعاة، ومن يقومون بالدعوة إلى دينه.

الجد الشيخ عبد الرحمن –رحمه الله وأجزل مثوبته- له رحلات تشبه رحلات أهل الحديث، كان يغيب عن بيته وأسرته شهورًا طويلة، تقول جدتي – رحمها الله- كان يسافر والجنين في بطني ثم يعود وقد وضعت هذا الجنين بل هو الذي يستقبل والده ماشيًا.

سافر إلى سوريا ولبنان والعراق ومصر وفرنسا وغيرها لجمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وقضى في ذلك أكثر من أربعين عامًا، على قلة مواصلات وتعب ونصب فأسأل الله أن يجز عن الإسلام والمسلمين خير.

شق عليها –رحمها الله- هذا الغياب خاصة بعد كثرة الأبناء وطول سفر الشيخ، فكأنها اشتكت له من ذلك الفراق والبعد وصعوبة التربية ومشقة الأبناء، مع أنها لا تفعل.

الحل: قال لها – رحمه الله: أنت شريكتي في الأجر

تقول: لما قال لي هذه الكلمة ما عاتبته ولا شكوت بعد ذلك.

ص: 48

هنيئًا لها وهي قابعة في دارها هذا الأجر العظيم، مجموع الفتاوى في سبع وثلاثين مجلدًا وهي شريكة في الأجر! ! ! نعمة عظيمة، الشاهد أنه –رحمه الله واجه عقبة كؤد من الزوجة لكنه طيب خاطر الزوجة وصبرت وتحملت الكثير، ونحن نريد من الأزواج والأقارب تشجيع بعضهم البعض بالكلمة وإفساح المجال وعدم التضييق والثناء الحق، فقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على كبار الصحابة فقال في أبي بكر:«لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالم لرجح» [صحيح الإسناد موقوفًا على عمر بن الخطاب].

وهنا ملحظ مهم وهو أن لا نضيع البيوت بحجة الدعوة فالبيوت أولى وأوجب أنواع الدعوة، لكن سددوا وقاربوا.

عائق: [16]: مدرس ذهب إلى منطقة جبلية وبقي فترة يعمل هناك، لكنه لم يستطيع الدعوة كما يريد لاختلاف البيئات؛ هذه عقبة واجهته فهؤلاء يعملون في الرعي وجل حديثهم عن الماعز وبهيمة الأنعام.

الحل: سأل أحد طلبة العلم وهذا أمر مهم وهو السعي لحل هذه المشكلة فقا: اشتر ما عزًا وكن معهم في جلساتهم وسوف ترى النتائج بإذن الله.

فكان أن فعل وبدأ يأتي لهم بمعلومات طبية بيطرية فقد أصبح واحدًا منهم الآن، أحبوه وقبلوا منه وتعلموا على يديه، هذه عقبات مرت بنا لكن تمت معالجتها بما يناسب الحال.

ص: 49

عائق [17]: معلم في مدرسة تفاجأ عندما سأل طلابه من صلى الفجر اليوم؟ فإذا بالقلة القليلة هي التي صلت الفجر أهمه الأمر وجعل جوائز لمن يصلي الفجر في المسجد، فكان له ما طلب: خلال أسبوع واحد صلى الجميع، لكنه تفاجأ بمن يتصل من الآباء هؤلاء صغار والبرد شديد!

الحل: دله أحد طلبة العلم على حل لهذه المشكلة، قال: ابدأ الأسبوع القادم بسؤال الطلاب: من قبل رأس والديه، فكان النتيجة خلال أسبوع، فعاد وقال الحمد لله الجميع يقبل رأس والديه قال: الآن أأمرهم بالصلاة فلن يأتي أب يشتكي لأنك أعطيته متطلباته وأرضيته!

عائق [18]: امرأة دخلت بيت أسرة كبيرة دخلت كزوجة لابنهم وواجهت مجتمعًا جديدًا يختلف عن حال مجتمعها فوجدت الاستهزاء والاحتقار، أي لم تجد القبول في الدعوة.

الحل: أشير عليها: ابتدئي بدعوة الصغار في العائلة، فسرت بالفكرة وبدأت تنظم المسابقات وتدعو الصغيرات، وجعلت لهم الأناشيد والقصص في السيرة حتى تمكنت من قلوبهم، ثم أقبل عليها من كان يستهزئ بها، فتحت قلوب الكبيرات بأيدي الصغيرات، نعم واجهت عقبة لكنها وجدت حلاً.

وليس هناك –بإذن الله- عقبات تحول بين العمل لهذا الدين، نعم قد نواجه صعوبات لكن حلها –بإذن الله- سهل وميسور وإن كان صعبًا وفيه مشقة.

ص: 50

عائق [19] الكسل والفتور:

فإنه يقعد عن العمل ويضيع الأوقات والفرص ولمناسبات وربما تحول إلى داء يستمر معك ولا يتركك.

الحل: الاستعانة بالله –عز وجل والقيام بالعمل الجماعي وتنظيم الوقت وتسجيل الأعمال ومحاسبة النفس كل حين: ماذا قدمت لهذا الدين؟

عائق [20] الرياء والسمعة:

فإنه يقتل العمل وقد يحبطه.

ومن العوائق السير مع حظوط النفس: التي من أبرزها الأنانية ونسبة الأعمال إليك، وتقليل عمل من كان معك.

وأيضًا: التذمر والتشكي: فإن ذلك من أنواع المنة –والعياذ بالله- بل كن صامتًا محتسبًا.

الحل: الملجأ إلى الله –عز وجل وكثرة الدعاء، وانصراف القلب إليه ومجاهدة النفس في ذلك، ويكمل ذلك قراءة في سير السلف الصالح وكيف كانوا يخفون أعمالهم!

عائق [21] الانقطاع عن العمل:

كثير يأخذه الحماس ليوم أو يومين لكنه بعد ذلك يتوقف، والعمل المستمر حتى وإن كان قليلاً فإنه هو المطلوب يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل» .

الحل: إيجاد رفقة صالحة أو الالتحاق بعمل مؤسسي؛ مكاتب الجاليات أو المؤسسات أو غيرها.

ص: 51

عائق [22] تسلل الحقد والحسد والكبر إلى قلب الداعي.

الحل: تطهير القلب لأن الحقد والحسد والكبر تشغل القلب وتجعله ينصرف عن عمله بأوهام ووساوس.

قال الغزالي: «والقلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط أثرهم، ومحل استقرارهم، والصفات الرديئة مثل: الغضب والشهوة، والحقد والحسد، والكبر، والعجب، وأخواتها كلاب نابحة فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب» .

والإخلاص لله – عز وجل يزيل ما علق بالقلب من فساد.

عائق [23] الاندفاع والعجلة:

من عمل في المجال الدعوي يرى أن الساحة تحتاج إلى أضعاف الجهود المبذولة، وقد يدفع هذا بالبعض إلى التسرع والعجلة رغبة في تحصيل الخير وسد الثغرات وقد يكون لهذه العجلة بعض السلبيات.

الحل: العمل الدعوي يحتاج إلى الأناة وعدم العجلة التي هي داء الأدواء وأخطر الأمراض وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «خير العمل أدومه وإن قل» نبراس لمن أراد العمل.

وليكن الرفق حاديك ولصيقك فإنه أدعى للقبول، وقد كان الأنبياء – عليهم السلام ديدنهم الرفق بأممهم والمجادلة بالتي هي أحسن استجابة لأمر الله -تعالى- وسعيًا نحو فتح القلوب، وقد أمر الله موسى وهارون –عليهما السلام بالرفق بفرعون {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:

ص: 52

43، 44] وفي الحديث:«إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله» [متفق عليه].

وليس معنى ذلك التباطؤ والتأخر بل الترتيب والتنظيم حسب المتيسر والمتاح.

عائق [24] حب الرياسة والتصدر:

فإنها مهلكة للنفس الضعيفة جالبة للرياء والسمعة قال الفضيل بن عياض: «ما أحب أحد الرياسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب ليميز هو بالكمال، ويكره أن يذكر الناس أحدًا عنده بخير، ومن عشق الرياسة فقد تودع من صلاحه» .

الحل: الإخلاص لله –عز وجل وتعوية النفس على المشاركة في كل عمل قل أو كثر، وإذلال النفس لله –عز وجل مع التضرع إلى الله -سبحانه- وإخفاء الأعمال وعدم كثرة الحديث عن النفس والتباهي –العياذ بالله-.

عائق [25] مواقف التهم:

أنت في عين المجهر وتحت الأنظار، الحركة تحسب عليك، والزلة تحط من قدرك، ومن يتصيد الأخطاء كثير من الكفار والمنافقين ومن في قلوبهم مرض، بل وبعض الأخيار بحسن نية أو بجهل.

الحل: روى البخاري في صحيحه أن أم المؤمنين صفية –رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم

ص: 53

قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها –أي يردها إلى منزلها- حتى إذا بلغت باب المسجد مر رجلان من الأنصار فسلما على النبي صلى الله عليه وسلم فقا لهما:«على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي» ، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا» .

قال ابن حجر: «وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان» .

وقال ابن دقيق العيد: «وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى بهم، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص، لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم» .

عائق [26] اليأس والقنوط:

الحل: اليأس يفت العضد ويوهن النفس، عليك بالتفاؤل وحسن الظن بالله –عز وجل فإن هذا باب لانشراح الصدر وزيادة العمل، في غزوة الأحزاب وقد بلغت القلوب الحناجر وزلزل المؤمنون زلزالاً شديدًا في وسط هذا الجو المظلم والوضع الحرج يبشر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بسواري كسرى، حتى قال البعض: يذكر لنا سواري كسرى وأحدنا لا يستطيع أن يذهب ليقضي حاجته.

إنه بعث الأمل وإشاعة التفاؤل في المجتمع وبين الناس وأثر ذلك واضح جلي في حسن العمل والمبادرة إليه.

عائق [27]: عين مدرسًا في مناطق رعوية أهلها من البادية

ص: 54

وكان لديه حماس للدعوة، ولكنه صدم بالصد وعدم القبول.

الحل: سأل أحد المهتمين بالدعوة قال له: أعلمني ماذا يحبون؟ وعلى ماذا يجتمعون؟ وكيف هي أوقاتهم؟

قال: يحبون الشعر ويجتمعون يتسامرون ليلاً على نار في الخلاء!

قال له: احفظ أشعار الزهد والرقائق ونونية ابن القيم واجلس معهم وسترى الأثر سريعًا.

قال: جلست معهم ورأيتهم يستمعون إليَّ ويعجبون مما أردده عليهم حتى قبلوا دعوتي.

عائق [28]: إمام مسجد أقض مضجعه قلة المصلين من جيران المسجد فحاول مرة وأخرى بالكتاب والشريط، ولكن لم تظهر النتائج المرجوة.

الحل: ذكر له أحد الدعاة وكان الوقت يقترب من نهاية الامتحانات الدراسية قال له: ضع إعلانًا في المدارس وكذلك العماير والفلل المجاورة أنه سوف يقام حفل في المسجد يوم كذا، يبدأ من صلاة العصر وحتى صلاة العشاء، وفيه جوائز قيمة لكل الحضور، والشرط الوحيد الذي اشترطه حضور الطالب بشهادته مع ولي أمره.

قال: فكان أن امتلأ المسجد بأعداد غفيرة وقد تهيأ المكان لذلك فبدئ بقراءة القرآن ثم مسابقة للصغار ثم توالت الفقرات حتى صلاة المغرب فصلى الجميع صلاة المغرب، ثم كانت محاضرة

ص: 55

طيبة بعد صلاة المغرب حتى العشاء، ثم بعد صلاة العشاء وزعت الجوائز على الجميع ويكفي دخول الآباء المسجد وصلاتهم ثلاث صلوات فيه وتعرفهم على الإمام الذي كان يسلم عليهم فردًا فردًا ويرحب بهم ويأخذ أرقام جوالاتهم ويتبسط معهم ويقول: سوف أزوركم، وكانت هذه الفكرة بداية لحضورهم إلى المسجد وتواصلهم مع الإمام.

عائق [29]: امرأة تسكن في بلدة بعيدة بدأت تدعو في الكلية (مجتمع البلدة) فوجدت الصدود والنفور ولم تستطع أن تستمر فهن قليلات الحظ الديني مع مراهقة وتشبه بأهل الفسق والفجور.

الحل: أشير عليها أن تبدأ بالأرق قلبًا والأكثر خيرًا لتزاد بها رفقة صالحة، ثم شيئًا فشيئًا ثلاث ثم أربع ثم عشر وافتتح مصلى في الكلية فكان لها دعوة فيه.

ص: 56