المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدلائل القرآنية على أن الغيب لا يعلمه إلا الله - الدفاع عن الله ورسوله وشرعه - جـ ٨

[حسن أبو الأشبال الزهيري]

فهرس الكتاب

- ‌ الرد على كتاب عمر أمة الإسلام [1]

- ‌إحاطة الفتن بالمسلمين من كل جانب

- ‌مخالفة كتاب عمر أمة الإسلام لمنهج أهل السنة في تحديد وقت قيام الساعة

- ‌عقيدة أهل السنة والجماعة في مسائل الغيب

- ‌الدلائل القرآنية على أن الغيب لا يعلمه إلا الله

- ‌الأنبياء ومعرفة علم الغيب

- ‌حرمة إتيان الكهنة

- ‌إطلاع الله تعالى بعض رسله على الغيب

- ‌بيان آجال الأمم المعلومة لله تعالى

- ‌أمر النبي صلى الله عليه وسلم برد علم وقوع الساعة إلى الله سبحانه وتعالى

- ‌الإخبار عن اقتراب وقوع الساعة

- ‌الإخبار بمجيء الساعة بغتة

- ‌الأدلة من السنة على كون الساعة غيباً لا يعلمه إلا الله

- ‌حديث بعثه صلى الله عليه وسلم والساعة

- ‌أحاديث قيام الساعة على المتبايعين وحالب ناقته وغيرهم

- ‌حديث جبريل في سؤاله عن الساعة

- ‌حديث الأعرابي السائل عن الساعة

- ‌حديث سؤال الأعراب عن الساعة

- ‌سبب نزول قوله تعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها)

- ‌حديث مفاتح الغيب الخمسة

- ‌حديث الإخبار عما لا يعلمه إلا الله من العلم

- ‌حديث الإخبار عن وقوع الساعة يوم الجمعة

الفصل: ‌الدلائل القرآنية على أن الغيب لا يعلمه إلا الله

‌الدلائل القرآنية على أن الغيب لا يعلمه إلا الله

ومعتقد أهل السنة والجماعة في مسائل الغيب أنه لا يعلمه إلا الله، والأدلة على ذلك ما يلي: قال تعالى في سورة الأنعام -الآية رقم (50) -: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام:50].

وهذه الآية نفس معناها في سورة هود الآية رقم: (31).

قال الحافظ ابن كثير: أي: لا أقول لكم: إني أعلم الغيب، وإنما ذاك من علم الله عز وجل، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه ربي.

وهذا يدل على أن الغيب غيبان: غيب استأثر الله تبارك وتعالى بعلمه، وغيب أطلع عليه بعض خلقه من رسله، وليس أحد غير الرسل قد أطلعه الله تبارك وتعالى على بعض الغيب، وهذا يرد على المتصوفة الذين وصلوا -بزعمهم- إلى درجة التجلي، فهم يقولون: المراتب عندنا ثلاث: مرتبة التخلية، ثم مرتبة التحلية، ثم مرتبة التجلية.

فأما التخلية فهي التخلية من كل إثم وذنب ومعصية.

وأما التحلية عندهم -وهي كذلك عند أهل السنة- فأن يتحلى بمكارم الأخلاق والفضائل والطاعات.

وأما المرحلة الثالثة فهي التي اختلف فيها الصوفية عن بقية الأمة، وهذه المرحلة هي الكفر بعينه، وهي مرحلة التجلية، فقالوا: إذا تخلص العبد من معاصيه وتحلى بطاعة ربه تجلى الإله فيه وتجلى هو في الإله حتى يصير هو الله والله هو! كما قال ذلك ابن عربي.

قال الحافظ ابن كثير: أي: لا أقول لكم إني أعلم الغيب، وإنما ذلك من علم الله عز وجل، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه ربي، فالجنة غيب، والنار غيب، والصراط غيب، والحساب والجزاء والمآل، ولكن هذا الغيب أطلع الله عز وجل نبيه عليه، وأخبره بعلم منه، وأخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام بهذا، فلابد أن نؤمن بما أخبرنا به من جهة الغيب على سبيل الإجمال والتفصيل، فإذا أخبرنا بغيب وحجب عنا التفصيل وجب علينا أن نؤمن بهذا الغيب على الإجمال، كما أوجب علينا أن نؤمن بأن الله تبارك وتعالى يقيم الساعة، ولم يأمرنا بالبحث عنها، ولذلك سئل النبي عليه الصلاة والسلام عدة أسئلة من البدو والأعراب وغيرهم عن الساعة فما كان عنده من جواب.

وفي سورة الأنعام في الآية (59) قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:59]، فقال:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام:59] ولم يقل: ومفاتح الغيب عنده، فقدم الظرف ليدل على التخصيص، أي: أن الله تبارك وتعالى مختص ومستأثر بعلم الغيب، ولم يطلع أحداً ولا حتى الرسل عليه، فقال:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59].

وقال الصرصري رحمه الله: فلا يخفى عليه الذر إما تراءى للنواظر أو توارى فهو الذي يعلم الغيب والشهادة، فكل ما غاب عنك الله يعلمه، كما تعلم أنت ما تشاهده وما تراه.

وقال العلامة الشنقيطي في (أضواء البيان) الجزء الثاني (صفحة 174): بين الله تعالى المراد بمفاتيح الغيب بقوله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34].

فعلم الغيب الذي استأثر الله تبارك وتعالى به إنما هو ما ذكر في هذه الخمس، وبذلك جاء الخبر عند البخاري وأحمد من حديث ابن عمر مرفوعاً، وهذه الآية الكريمة تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله، وهو كذلك؛ لأن الخلق لا يعلمون إلا ما علمهم خالقهم جل وعلا.

وأخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية).

أي: قد افترى على الله افتراء عظيماً من زعم أن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم ما سيكون في الغد القريب، وهذا يدل على نفي علم الغيب عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا ما أطلعه ربه عليه، فكيف بادعائه علم الساعة؟ وقال الله تعالى:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65].

ولما رميت عائشة رضي الله عنها بالإفك والمعصية والزنا لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أهي بريئة أم لا، حتى أخبره الله تبارك وتعالى وبرأها من فوق سبع سماوات، ولو كان يعلم الغيب لعلم ما وقع؛ لأنه قد وقع هذا الافتراء والإفك بالأمس، فلو كان يعلم الغيب لعلم ما وقع بالأمس، ولكنه

ص: 5