المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ نماذج من هذا الاستدلال - أساليب الدعوة إلى الله في القرآن الكريم - ٥٠ - ٥١

[أبو المجد سيد نوفل]

الفصل: ‌ نماذج من هذا الاستدلال

ويعني هذا: أنك أيها المنكر للبعث تسلم ولاشك بوجود العظام.. وهو يستلزم الإقرار بأنها مصنوعة ولا يمكن أن تصنع من عدم؛ لأن العدم لا يصنع وجودا. فإذا انتهيت من ذلك وجب عليك التسليم بأن العظام إذا رمت وبليت فليس هناك أي مانع من إعادتها إلى ما كانت عليه قبل أن تبلى؛ لأن من قدر على صنعها ابتداءً، فهو أقدر على إعادة صنعها؛ لأن الإعادة أَسهل من البدء.. {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيم قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} . والقرآن الكريم يستدل بالظاهرة الكونية على صدق ما يقول، بإيراد الظاهرة مجملة ثم يأخذ في بيان ما تشتمل علَيه من آيات، وفي بيان أنوع كل آية، وما تحمله من دليل وبيان آثارها وجمال صنعتها.. فالسماء مثلا أصلها كذا، وهي مؤلفة من كذا، ووظائفها كذا.. ثم يفصل هذه الآية (السماء) ويبين ما اشتملت عليه، ففيها النجوم والشمس والقمر.. وكل من هذه له خصائصه وآثاره في الكون.

والماء مثلا. له أنواعه، ووظائفه، وأثاره، وكذلك الإنسان

خلق من كذا وركب من كذا وهكذا يستخدم القرآن الكريم المظاهر الكونية أدلة على صحة ما يقول، وينهج في هذا الاستدلال منهج الإجمال والتفصيل، والتنويع.. ليزيد من تقرير العقيدة وتثبيتها.

ص: 216

6-

‌ نماذج من هذا الاستدلال

فعندما صدع الرسول صلى والله عليه وسلم بأمر ربه معلنا كلمة التوحيد، وأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب العالمين. وأَن رب العالمين ليس وَدَّا، ولا سواعا،. ولا يغوث، ويعوق، ونسرا، وليس وثنا، ولا ملكا، ولا زعيما، ولا حاكما.. ولا شمسا ولا قمرا، ولا ماء ولا نارا، إنه الله وحده رب العالمين

استدل على صحة ما يقول بوجود الأرض والسماوات. فهما الآيتان الناطقتان بوجوده تعالى ووحدانيته، فهو وحده خالقهما، وهو الذي خلق الأرض، وجعل فيها الرواسي، وأودع فيها البركة والأقوات، وقسم فيها الأرزاق، وهو صاحب السموات السبع، لا يعجزه شيء فيها ولا في الأرض وكل من السماوات والأرض وما فيهما طوع يمينه. فالإيمان به جلّ وعلا واجب، ولا ينبغي الإيمان بغيره؛ لأنه كفر وانحراف عن الطريق المستقيم.

{قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} فصلت-12.

ص: 216

وفي سوق هذا الدليل على هذا النحو الكفاية لذوي العقول والألباب.. لكنه تعالى، وهو الأعلم بخلقه، وما يصلح لهم من أدلة الإقناع والتأكيد...... يأخذ في بيان بعض صفات كل من السماء والأرض ثم يبين بعض ما اشتملت عليه كل منهما.

فالسماء: خلقها الله بغير عمد {.... خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا.....} لقمان/10. كما خلقها بقدرته تعالى {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} الذاريات/47 وهي سبع سموات مطبقة بعضها فوق بعض {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} نوح/15 وهي عظام شداد {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} النبأ/12.. وهي لا شقوق فيها ولا تصدع {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} الملك/3. وهى السقف المحفوظ {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} الأنبياء/32 وهي الممسوكة بقدرته حتى لا تقع على الأرض {.. وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلَاّ بِإِذْنِهِ..} الحج/65.

والأرض: جعلها الله تعالى ذلولا صالحة للمشي والإعاشة {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} الملك/15 وهي مدحوة {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} النازعات/30 ممدودة غير مطوية {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً} الرعد/3. مبسوطة غير مقبوضة. {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطاً. لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} نوح 19- 20 وهي مهاد وسكن للإنسان ولغيره {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً} النبأ/6. وهي الميتة بالجدب والحية بالخصب والري {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} يس/33. وهي التي خلق منها وعاش فيها الإنسان، وهي التي يعاد إليها ميتا، ويبعث منها يوم القيامة {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} طه هـ/55.

والماء: هو أصل كل حي {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ..} الأنبياء/30، وهو سبب إحياء الأرض بعد موتها. {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا

} النحل/65. وهو سبب إخراج الثمر، ورزق للعباد {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ..} البقرة/22. ومنه العذب ومنه الملح {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} الواقعة/ 68- 70. {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} الرحمن/19-20 وهو يكون البحار والأنهار التي يستخرج منها اللؤلؤ والسمك وتسير فيها الفلك {

لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيه

} النحل/14

ص: 217