المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ العقيدة في الأساليب الخبرية والإنشائية: - أساليب الدعوة إلى الله في القرآن الكريم - ٥٠ - ٥١

[أبو المجد سيد نوفل]

الفصل: ‌ العقيدة في الأساليب الخبرية والإنشائية:

والإنسان: مخلوق من تراب {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ

} فاطر/11. ومن نطفة {.. مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} عبس/19 ومن علقة {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} العلق/19 ومن طين {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} الأنعام/2 ومن نفس واحدة {.. خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ

} النساء/1. ومن ماء دافق {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} الطارق/6. ومن صلصال من حمأ مسنون {.. مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} الحجر/26. وجعل خليفة لله في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..} البقرة/30 وخلقه سويا {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ..} الانفطار/7. وجعل له عينين ولسانا وشفتين، وهداه النجدين {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} البلد/ 8-10. وفضَّله على سائر المخلوقات بعقله {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} الفجر/5، وعلمه البيان {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} الرحمن/4. وخلقه على ألوان ولغات متعددة {.. وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ..} الروم/22. ويسر له أمره.. {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} عبس/20 وسخر له ما في السموات وما في الأرض {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ

} الجاثية/17.

وهكذا في سائر الآيات يبين أصلها، وخصائصها، وأثارها

كآيات الشمس، والقمر والنجوم، والظلمات، والنشر، والليل، والنهار، والرياح، والسحاب، والشجر، والجبال، والحيوان، والطير، والنبات، والزرع، والثمر..... جاء بها على هذا النحو السابق لبيان عظمة الصنع الإلهي، وروعة الخلق الرباني.... وبهذا يتأكد الإيمان بالذي خلق فسوى والذي قدر فهدى. كما سلك القرآن الكريم هذا المسلك في تقرير سائر مبادئه ومطالبه....

ص: 218

7-

‌ العقيدة في الأساليب الخبرية والإنشائية:

ولا يمكننا عرض كلّ الأساليب التي صيغت فيها العقيدة في القرآن الكريم في هذا البحث القصير؛ إذ أن هذا أمر يصعب تحققه. ولهذا سنكتفي بإيراد نماذج من هذه الأساليب موضحين كل نموذج بمثال أو أكثر، وفيه الكفاية لبيان المراد.

الأساليب الخبرية:

يقول أهل اللغة والبيان: إن الكلام ينحصر في نوعين هما الخبر والإنشاء، فالكلام الذي يحتمل التصديق والتكذيب هو الخبر، والكلام الذي يقترن معناه بلفظه هو الإنشاء 1.

1 وقيل: إن الخبر كلام يفيد بنفسه نسبة أمر من الأمور نفيا أو إثباتا. فإذا قلنا القرآن كلام الله تعالى فإننا نفيد نسبة القرآن إلى الله تعالى. وإذا قلنا الأناجيل الموجودة الآن ليست كلام الله فإننا ننفي هذه النسبة.. أما الإنشاء فهو الذي يحصل مدلوله في الخارج بالكلام أي إذا قلت (قم) فإن القيام يحصل بعد تلفظك بلفظ (قم) لا قبله. والخبر خلافه. والقصد بالخبر هو: إفادة المخاطب أمرا من الأمور كإخبار الله تعالى بأنه خلق كذا وكذا.. ومن أقسامه النفي مثل {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} .

ص: 218

ولقد أورد على تعريف الخبر السابق خبره تعالى، فإنه لا يكون إلا صادقا. وأجيب بأنه يصح دخوله إذا نظرنا إليه من حيث اللغة بقطع النظر عن محتواه. أما من حيث معناه ونسبته إلى قائله فأخبار الله تعالى لصدورها عنه جل وعلا لا تحتمل إلا الصدق فقط سواء كانت إيجابا أو سلباً {.. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} النساء/122. فإذا قال الله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ. وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ. وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الذاريات 47- 49 فهو إخبار عن أنه هو الخالق للأرض والسماء، وكل شيء، وهو إخبار صادق؛ لأنه من الله عز وجل. والقصد من هذا الخبر أن ينظر المخلوق في هذه الآيات ويتأمل صنعها ليؤمن بوجود صانعها.

ومن هذا القبيل قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} الأعراف/54.

كما أخبر تعالى بأنه واحد لا شريك له. والدليل على ذلك يظهر فيما يراه الإنسان أمامه من صنع السماء والأرض، واختلاف الليل والنهار، وخلق البحار والماء، والرياح والسحاب، ولولا وجود هذه الأمور لتوقفت الحياة. وهذه الآيات توجد بنظام وأحكام، وكلّ منها دائب في عمله على أبدع ما يكون، وهو مسخر لإيجاد الحياة الطيبة للإنسان، وهو ما ينطق بوحدة الصنع الدالة على وحدة الصائغ جل وعلا {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} البقرة 163- 164.

وتأكيداً لتفرده سبحانه وتعالى بالخلق والصنع، وتقرير لوحدانيته، فلقد نفى إيجاد أي شيء في هذا العالم عن غيره، ونفى وجود إله أو آلهة أخرى، ونفى أن يكون له شريك، وأخبر أن المتخذين من دونه آلهة لا يستطيعون ضرا ولا نفعا، وأنهم سيكفرون بمن عبدوهم يوم القيامة. إنه تعالى الواحد الأحد المنفرد بالخلق، والمحيطة علمه بجميع مخلوقاته في حركاتهم وسكناتهم، وفي شتى أمورهم وأحوالهم، يعلم أعمارهم وبيده رقابهم.. وهو وحده القادر. ومن قدرته أنه خلق البحرين العذب والملح، لا يطغى أحدهما على الآخر، ومنها يأكل الإنسان لحوم الأسماك، ويستخرج اللؤلؤ وغيره مما يتحلى به الإنسان، وفيهما تسير الجواري المنشآت في البحر كالإعلام، وسائل نقل بحرية للإنسان وغيره.. وهو وحده الذي

ص: 219