المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي - الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي - جـ ٤٥

[عبد المحسن العباد]

الفصل: ‌الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي

‌الرد على من كذَّب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي

.

لفضيلة الشيخ: عبد المحسن بن حمد العباد/ عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية.

الحمد لله رب العالمين وصلوات الله وسلامه وبركاته على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد:

ففي فجر يوم الثلاثاء الموافق الأول من شهر المحرم من عام ألف وأربعمائة من الهجرة تسللت إلى بيت الله الحرام شرذمة آثمة ظالمة من الهمج السذج ممن عميت بصائرهم وساءت أفهامهم وانحط تفكيرهم ومعهم الأسلحة مقدمين شخصاً زعموه المهدي المنتظر الذي جاء ذكره في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجرى بسبب إجرامهم واعتدائهم فتنة عظيمة ومصيبة كبيرة ذهب ضحيتها كثيرون من الأبرياء من الحجاج وغيرهم، وقد رد الله كيدهم في نحورهم وكان تدميرهم في تدبيرهم. وإنما قلت أنهم ممن عميت بصائرهم وساءت أفهامهم وانحط تفكيرهم للأمور التالية:

أولا: أن عملهم الإجرامي حصل في أقدس مكان على وجه الأرض في بلد من دخله حتى الصيد فإن يأمن فيه فلا يزعج ولا ينفر.

ثانيا: أنه ورد في بعض الأحاديث الواردة في خروج المهدي في آخر الزمان أنه يبعث على اختلاف من الناس وزلازل وهؤلاء خرجوا على المسلمين بالبلاء والفتنة في بلاد تتمتع بالأمن والإستقرار على وجه لا مثيل له في أنحاء الأرض وذلك بسبب تطبيق الشريعة الإسلامية فيها.

ثالثا: أن متمهديهم الذي زعموه المهدي الذي جاء ذكره في الأحاديث مشتهر بنسبة القحطاني وذكر بعد ذلك أن والده قال أنه من أصل تركي وقد ذكرني ذلك أبياتا أوردها ياقوت الحموي في معجم الأدباء منها البيت التالي:

وادعت الروم أبا في قيس

واختلط الناس اختلاط الحيس

يعني ادعت الروم أنها من سلالة قيس عيلان فهو تركي ثم قحطاني ثم القرشي هاشمي ثم هالك.

رابعا: أنهم خرجوا عن طاعة ولي الأمر في هذه البلاد الإسلامية التي هي قلب العالم وحكومتها هي الحكومة التي تحكم بشريعة الإسلام في هذا العصر وقد نشأ السعوديون من هذه الفئة المعتدية ونشأ آباؤهم من قبلهم كما نشأ غيرهم في ولايتها في أمن وطمأنينة لكن هكذا شأن اللئام إنكار الفضل والإحسان.

ومن الذي يجحد فضل الملك عبد العزيز رحمه الله وما ساقه الله على يديه من الخير العظيم والنفع العميم في توحيد الجزيرة العربية وحكمها بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإحلال الأمن والاستقرار فيها محل الذعر والخوف والسلب والنهب ومن بعده الملك سعود رحمه الله الذي فتح الجامعة الإسلامية في المدينة

ص: 297

المنورة في عام 1381هـ لأبناء المسلمين من كل مكان يتعلمون فيها العلوم الشرعية ويتثقفون بالثقافة الإسلامية الخالصة النقية ثم يعودون إلى بلادهم دعاة إلى الخير وهداة إلى الصراط المستقيم. ومن الذي يجحد فضل الملك فيصل رحمه الله الذي قاد السفينة أكثر من عشر سنوات وسار فيها بجد وحزم وقوة ويقظة ومواصلة العمل في المصالح العامة في الليل والنهار حتى وافته المنية وهو مكب على عمله في مكتبه ومن بعده خلفه في السير على درب الخير أخواه جلالة الملك خالد وسمو ولي العهد الأمير فهد. ونسأل الله عز وجل أن يثبت حكومتهما السنية على دينه والاستمساك بهدية والالتزام بأمره ونهيه إذ أن ذلك هو السبب الحقيقي لاستمرار النصر والتأييد.

خامسا: أنهم فيما ذكر عنهم أقدموا على عملهم الشنيع معتمدين على أحلام منام أصبحوا نتيجة لها في خبر كان ودخلوا التاريخ أسوأ دخول وأعادوا إلى الأذهان حادثة اعتداء القرامطة في المسجد الحرام وقتل الحجاج فيه سنة سبع عشرة بعد الثلاثمائة من الهجرة.

سادسا: أن الزمان الذي ينزل فيه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء ويخرج فيه المهدي والدجال يختلف عن الزمان الذي نعيش فيه كما ترشد إلى ذلك الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك ما في صحيح مسلم من أن عيسى عليه الصلاة والسلام يقتل الدجال ويرى أصحابه دمه في حربته ومنها الحديث الدال على أن مركوب الدجال حمار عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً وهو حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه ومنها حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أن المسلمين يغزون الروم وفيه فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح خلفكم في أهليكم فيخرجون وذلك باطل فإذا وصلوا الشام خرج ومنها حديث ابن مسعود في صحيح مسلم في غزو المسلمين الروم أيضا وفيه فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك فجاءهم الصريخ أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون فيبعثون عشرة فوارس طليعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ أو من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ"، ومنها الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده عن عكرمة بن خالد قال حدثني فلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نال رجل من بني تميم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تقل فيهم إلا خيرا فإنهم أطول الناس رماحا على الدجال".

فهذه الأحاديث تشعر بأن من السلاح المستعمل في ذلك الزمان الحراب والسيوف والرماح وأن من الدواب التي تركب الحمر والخيل وأن المسلمين يغزون الروم عند خروج الدجال مجاهدين في سبيل الله مستخدمين الخيل ويدل لبقاء الخيل وجهاد المسلمين عليها في سبيل الله في المستقبل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: "الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

وهذه الأنواع من الأسلحة توجد في هذا العصر في المتاحف للفرجة أما الخيول فمنذ أمد لم يجاهد عليها في سبيل الله وتستخدم في السباق وجر الأثقال ونحو ذلك، ولا شك أن الخيل والحمير وهذه الأسلحة ستستعمل في آخر الزمان لدلالة هذه الأحاديث الصحيحة على ذلك أما مركوب هذا الزمان من الطائرات والسيارات وأسلحته الفتاكة فهل سيبقى نوعها حتى ذلك الزمان أو تنتهي قبله؟ علم ذلك عند الله تعالى.

لكن جهاد المسلمين في آخر الزمان على الخيل وسلاحهم السيوف والحراب والرماح مع ما جبل الله عليه النفوس البشرية من تفضيل المركوب المريح السريع واستعمال السلاح الأنكى في جهاد الأعداء قد يفهم منه إنتهاء هذه المركوبات المريحة والأسلحة الفتاكة قبل ذلك الزمان والله تعالى أعلم، أما حمار الدجال وضخامته فهو من جملة فتنته التي هي أعظم فتنة في الحياة الدنيا كما ثبتت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 298

وعلى أثر وقوع هذا الحادث المؤلم لقلب كل مسلم حصلت بعض التساؤلات عن خروج المهدي في آخر الزمان وهل صح فيه شيء من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوضح بعض العلماء في الإذاعة والصحف صحة كثير من الأحاديث الواردة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس إدارات البحوث العلمية والدعوة والإرشاد فقد تحدث في الإذاعة وكتب في بعض الصحف مبينا ثبوت ذلك بالأحاديث المستفيضة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستنكرا ما قام به هؤلاء المبطلون من الاعتداء في بيت الله الحرام ومنهم فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فقد ندد في إحدى خطب الجمعة باعتداء هذه الفئة الآثمة الظالمة وبين أنهم ومن زعموه المهدي في واد والمهدي الذي جاء ذكره في الأحاديث في واد آخر.

وحصل في مقابل ذلك أن أصدر فضيلة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود رئيس المحاكم الشرعية في دولة قطر رسالة سماها (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) نحا فيها منحى بعض الكتاب في القرن الرابع عشر ممن ليست لهم خبرة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة صحيحه وسقيمه وفيه من تعويله على الشبهات العقلية وكذب بكل ما ورد في المهدي وقال كما قالوا إنها أحاديث خرافة وأنها وأنها

الخ.

وقد رأيت كتابة هذه السطور مبينا أخطاءه وأوهامه في هذه الرسالة وموضحا أن القول بخروج المهدي في آخر الزمان هو الذي تدل عليه الأحاديث الصحيحة وهو ما عليه العلماء من أهل السنة والأثر في القديم والحديث إلا من شذ.

ومن المناسب أن أشير هنا إلى أنني سبق أن كتبت بحثا بعنوان (عقيدة أهل السنة والأثر في المهدي المنتظر) وقد نشر هذا البحث في العدد الثالث من السنة الأولى من مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الصادر في شهر ذي القعدة عام 1388 هـ يشتمل هذا البحث على عشرة أمور:

الأول: في ذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثاني: في ذكر أسماء الأئمة الذين خرجوا الأحاديث والآثار الواردة في المهدي في كتبهم.

الثالث: في ذكر العلماء الذين أفردوا مسألة المهدي بالتأليف.

الرابع: في ذكر العلماء الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي وحكاية كلامهم في ذلك.

الخامس: في ذكر بعض ما ورد في الصحيحين من الأحاديث التي لها تعلق بشأن المهدي.

السادس: في ذكر بعض الأحاديث في شأن المهدي الواردة في غير الصحيحين مع الكلام على أسانيد بعضها.

السابع: في ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي واعتقدوا موجبها وحكاية كلامهم في ذلك.

الثامن: في ذكر من وقفت عليه ممن حكى عنه إنكار الأحاديث في المهدي أو التردد فيها مع مناقشة كلامه باختصار.

التاسع: في ذكر بعض ما يظن تعارضه مع الأحاديث الواردة في المهدي والجواب عن ذلك.

العاشر: كلمة ختامية في بيان أن التصديق بخروج المهدي في آخر الزمان من الإيمان بالغيب، وأن لا علاقة لعقيدة أهل السنة في المهدي بعقيدة الشيعة.

1-

سمى الشيخ ابن محمود رسالته (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) وقال في ص 14:

"يا معشر العلماء والمتعلمين والناس أجمعين إنه يجب علينا بأن يكون تعليمنا واعتقادنا قائما على أنه لا مهدي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لا نبي بعده".

ص: 299

وقال في ص 29:

"والحق الذي نعتقده وندعو الناس إلى العلم به والعمل بموجبه هو أنه لا مهدي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لا نبي بعده".

أقول: أولا: هذه التسمية وهي قوله: (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) فيها إطلاق يدخل فيه إنكار خروج المهدي في آخر الزمان ويفهم من جملة (بعد الرسول خير البشر) إنكار نزول عيسى عليه الصلاة السلام في آخر الزمان ولو كانت هذه العبارات فيها تقييد لا يفهم منه احتمال إنكار نزول عيسى عليه الصلاة والسلام لكان بعض الشر أهون من بعض.

ثم إن الرسالة لم تشتمل على التصريح بنزول عيسى عليه الصلاة والسلام إلا ضمن كلام أهل السنة الذين ألفت الرسالة للإنكار عليهم بل اشتملت في ص 15 على إيراد حديث فيه نزول عيسى عليه الصلاة والسلام وقتله الدجال وصلاته خلف المهدي قال فيه الشيخ ابن محمود نقلا عن الشيخ على القاري في كتابه الموضوعات الكبير أنه موضوع مع أن الشيخ علي القاري لم يقل فيه أنه موضوع بل قال عنه في كتابه المذكور أنه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي نقل كلامه بلفظه.

ثانيا: هذه الدعوة إلى إنكار خروج المهدي في آخر الزمان دعوة إلى إنكار ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث في ذلك ودعوة إلى سلوك مسلك يخالف ما درج عليه العلماء من أهل السنة مثل البيهقي والعقيلي والخطابي والقاضي عياض والقرطبي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم.

2ـ وقال الشيخ عبد الله بن محمود في ص 3:

"وإن فكرة المهدي ليست في أصلها من عقائد أهل السنة القدماء فلم يقع لها ذكر بين الصحابة في القرن الأول ولا بين التابعين" انتهى.

والجواب أن الأحاديث الكثيرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خروج المهدي في آخر الزمان قد تلقاها عنه الصحابة رضي الله عنهم وتلقاها عنهم التابعون فكيف يقال أنه لم يكن لذلك ذكر بين الصحابة في القرن الأول ولا بين التابعين، وقد قال الشوكاني في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح كما في كتاب الإذاعة لصديق حسن خان:"والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف المتواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك". انتهى.

3ـ قال الشيخ ابن محمود في ص 3:

"وإن أصل من تبنى هذه الفكرة - يعني فكرة المهدي - والعقيدة هم الشيعة الذين من عقائدهم الإيمان بالإمام الغائب المنتظر يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وهو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري فسرت هذه الفكرة وهذا الاعتقاد بطريق المجالسة والمؤانسة والاختلاط إلى أهل السنة فدخلت معتقدهم وهي ليست من أصل عقيدتهم". انتهى.

ص: 300

وقال أيضا في ص 30:

"والمهدي في مبدأ دعوته واحد وليس باثنين فلم يقل أحد أنهما مهديان وإنما هو مهدي واحد تنازعته أفكار الشيعة وأفكار بعض أهل السنة فكل لوم أو ذم ينحى به على الشيعة لإيمانهم بإمامهم محمد بن الحسن الذي هو في السرداب فإنه ينطبق بطريق التطابق والموافقة على أهل السنة الذين يصدقون بالمهدي المجهول في عالم الغيب فهما في فساد الاعتقاد به سيان". انتهى.

والجواب أن هناك فرقا كبيرا وبونا شاسعا بين الشيعة وأهل السنة فالمهدي عند أهل السنة لا يعدو كونه إماما من أئمة المسلمين الذين ينشرون العدل ويطبقون شريعة الإسلام يولد في آخر الزمان ويتولى أمرة المسلمين ويكون خروج الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء في زمانه وهو غير معصوم ومستندهم في ذلك أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدونة في دواوين أهل السنة، قال بصحتها وثبوتها جهابذة أهل العلم والمعتد بهم مثل البيهقي والعقيلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرهم.

أما المهدي عند الشيعة فهو محمد بن الحسن العسكري ولد في منتصف القرن الثالث تقريبا دخل سردابا في سامرا وهو صغير ولا يزال في ذلك السرداب وهو الإمام الثاني عشر من أئمتهم الإثني عشر الذين يعتقدون فيهم أنهم معصومون ويصفونهم بصفات تجاوزوا فيها الحدود وأذكر منها على سبيل المثال كلام شخصين كبيرين منهم أولهما الكليني مؤلف كتاب الكافي وهو أجل كتاب عندهم إذا هو بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة فقد عقد عدة أبواب في كتابه أصول الكافي أورد فيها أحاديث من أحاديثهم اكتفي هنا بذكر أسماء بعض هذه الأبواب وهي: باب أن الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل، وباب أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم، وباب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم شيء وباب أن الأئمة عندهم يعرفون جميع الكتب التي أنزلت من عند الله عز وجل وأنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها وباب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله، وباب أنه ليس شيء من الحق في أيدي الناس إلا ما خرج من عند الأئمة وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل.

والثاني منهما زعيم الشيعة في هذا العصر والمرجع الأعلى لهم آية الله الخميني فقد قال في كتاب الحكومة الإسلامية الذي هو عبارة عن دروس فقهية ألقاها على طلاب علوم الدين في النجف تحت عنوان: (ولاية الفقهية) قال في الصفحة الثانية والخمسين من هذا الكتاب طبعة بيروت: "وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والأئمة (ع) كانوا قبل هذا العالم أنوارا فجعلهم الله بعرشه محدقين وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله وقد قال جبريل كما ورد في روايات المعراج: لو دنوت أنملة لاحترقت، وقد ورد عنهم (ع) أن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل". انتهى كلام الخميني.

قال الشيخ ابن محمد في ص 5:

"ومن المعلوم أن اعتقاد المهدي والقول بصحة خروجه يترتب عليه من المضار والمفاسد الكبار ومن إثارة الفتن وسفك دماء الأبرياء ما يشهد بعظمته التاريخ المدروس والواقع المحسوس"، وقال في ص 37:"وأما اعتقاد بطلانه وعدم التصديق به فإنه يعطي القلوب الراحة والفرح والأمان والاطمئنان والسلامة من الزعازع والافتتان".

والجواب على ذلك من وجوه:

الأول: أن خروج المهدي في آخر الزمان من الأمور الغيبية التي يتوقف التصديق بها على ثبوت النص فيها

ص: 301

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثبتت النصوص في خروج المهدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان وأن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يصلي خلفه والذين قالوا بثبوتها هم العلماء المحققون وجهابذة النقاد من أهل الحديث والواجب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يخبر به من أخبار سواء كانت عن أمور ماضية أو مستقبلة أو موجودة غائبة عنا.

الثاني: أن إنكار خروج المهدي في آخر الزمان ليس هو الذي يمنع من وقوع الفتن ويحصل به الأمن والاطمنئان بدليل أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} وقال صلى الله عليه وسلم: "وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي" ومع ذلك وجد كثيرون ممن ادعى النبوة وحصل بذلك للمسلمين أضرار كبيرة وإنما الذي يعصم حقيقة من الفتن والمصائب ويكفل السلامة والأمن والنجاة الاستمساك بشرع الله والاعتصام بحبله كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . وقال سبحانه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} .

وقال سبحانه وتعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} . وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وقال صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك" إلى غير ذلك من أدلة الكتاب والسنة.

الثالث: أن وجود متمهدين من المجانين وأشباه المجانين يخرجون في بعض الأزمان ويحصل بسببهم على المسلمين أضرار كبيرة لا يؤثر في التصديق بمن عناه الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة وهو المهدي الذي يصلي عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم خلفه، فما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب التصديق به، ويجب القضاء على كل متمهد أو غير متمهد يريد أن يشق عصا المسلمين ويفرق جماعتهم، والواجب قبول الحق ورد الباطل لا أن يرد الحق ويكذب بالنصوص من أجل أنه ادعى مقتضاها مدعون مبطلون دجالون.

5-

ذكر الشيخ ابن محمود في الصفحات 6 و 8 و 26 و 31 و 39 أن من أسباب ضعف الأحاديث الواردة في المهدي عدم ورودها في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وأن عدم إيرادها في الصحيحين يدل على ضعفها عند الشيخين البخاري ومسلم.

والجواب أن يقال:

أولا: ليس عدم إيراد الحديث في الصحيحين دليلا على ضعفه عند الشيخين البخاري ومسلم رحمهما الله لأنه لم ينقل عنهما أنهما استوعبا الصحيح في صحيحيهما أو قصدا استيعابه حتى يمكن أن يقال بضعف ما لم يخرجاه فيهما عندهما وإنما جاء عنهما التصريح بخلاف ذلك قال أبو عمرو في كتابه (علوم الحديث) : "لم يستوعبا- يعني البخاري ومسلم- الصحيح في صحيحيهما ولا التزما ذلك فقد روينا عن البخاري أنه قال: "ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحيح لحال الطول" وروينا عن مسلم أنه قال: "ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا- يعنى في كتاب الصحيح- إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه"، وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري: "روى الإسماعيلي عنه- يعني البخاري- قال: "لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا وما تركت من الصحيح أكثر"، وقال النووي في مقدمة شرحه صحيح مسلم بعد أن ذكر إلزام جماعة لهما إخراج أحاديث على شرطهما ولم يخرجاها في كتابيهما قال: "وهذا الإلزام ليس بلازم في الحقيقة فإنهما لم يلتزما استيعاب الصحيح

ص: 302

بل صح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جمل من مسائله لا أنه يحصر جميع مسائله" انتهى كلام النووي.

ومما يوضح عدم استيعاب البخاري الصحيح وعدم التزامه بذلك أيضا أنه جاء عن البخاري أنه قال: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائي ألف حديث غير صحيح" مع أن جملة ما في صحيحه من الأحاديث المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في ذلك الأحاديث المعلقة لا تبلغ عشرة آلاف حديث وأيضا استدراك الحاكم على البخاري ومسلم أحاديث على شرطيهما وشرط واحد منهما لم يخرجاها وهي كثيرة جدا أوردها في كتابه المستدرك على الصحيحين وقد صححها الحاكم ووافقه الذهبي في التلخيص على تصحيح الكثير منها.

ثانيا: أن الصحيح من الحديث كما أنه موجود في الصحيحين فهو موجود خارجهما في الكتب المؤلفة في الحديث النبوي كالموطأ وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وجامع الترمذي وسنن أبي داود وسنن ابن ماجة والدارقطني والبيهقي وغيرها وهو أمر واضح غاية الوضوح.

ثالثا: أن المقبول من الحديث عند المحدثين أربعة أنواع هي الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره؛ ومعلوم أن الحديث الصحيح موجود في الصحيحين وفي غيرهما أما الحسن فوجوده في غير الصحيحين وقد ذكر هذه الأنواع الأربعة العلماء ومنهم الحافظ ابن حجر في شرحه نخبة الفكر حيث قال:

"وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ وهو الصحيح لذاته وهذا أول تقسيم المقبول إلى أربعة أنواع لأنه إما أن يشتمل من صفات القبول على أعلاها أولا، الأول الصحيح لذاته والثاني إن وجد ما يجبر ذلك القصور ككثرة الطرق فهو الصحيح أيضا لكن لا لذاته وحيث لا جبران فهو الحسن لذاته وإن قامت قرينة ترجح جانب قبول ما يتوقف فيه فيكون الحسن أيضا لكن لذاته".

رابعا: أن العلماء قسموا الصحيح إلى سبع مراتب مرتبة حسب القوة على النحو التالي:

1-

صحيح اتفق على إخراجه البخاري ومسلم.

2-

صحيح انفرد بإخراجه البخاري عن مسلم.

3-

صحيح انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري.

4-

صحيح على شرطهما معا ولم يخرجاه.

5-

صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه.

6-

صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.

7-

صحيح لم يخرجاه ولم يكن على شرطهما معا ولا على شرط واحد منهما.

وهذه المراتب السبع للصحيح ذكرها أبو عمرو وابن الصلاح في كتابه علوم الحديث والحافظ ابن حجر في شرحه نخبة الفكر وغيرهما وليس في الصحيحين من هذه المراتب إلا الثلاث الأولى، أما الأربع الباقية فلا وجود لها إلا خارج الصحيحين. ولم يزل من دأب العلماء في جميع العصور الاحتجاج بالأحاديث الصحيحة بل والحسنة الموجودة خارج الصحيحين والعمل بها مطلقا واعتبار ما دلت عليه دون إعراض عنها أو تعرض للحط من شأنها والتقليل من قيمتها، ومن أمثلة ذلك في أمور الاعتقاد الحديث المشتمل على العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم فإنه في السنن ومسند الإمام أحمد وغيره وليس في الصحيحين ومع ذلك اعتقدت الأمة موجبه بناء على ذلك وكذا الحديث الذي فيه تسمية الملكين اللذين يسألان الميت في قبره بمنكر ونكير لم يرد في الصحيحين وقد اعتقد موجبه أهل السنة.

خامسا: مما سبق يتضح أنه يجب التصديق والعمل بالأحاديث الصحيحة سواء كانت في الصحيحين أو في غيرهما ومن ذلك أحاديث المهدي على أن بعض الأحاديث الواردة في المهدي أصلها في الصحيحين ومن ذلك الحديث الذي في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي

ص: 303

يقاتلون على أحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل بنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة" فقد وردت تسمية هذا الأمير الذي يصلى عيسى عليه الصلاة والسلام، خلفه في حديث جابر عند الحارث بن أبي أسامة، مسنده بالمهدي ولفظه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة" قال ابن القيم بعد أن أورده في كتابه المنار المنيف بسنده ومتنه قال: "وهذا إسناد جيد".

6-

وقال الشيخ ابن محمود في ص 8:

ثم إن من عادة العلماء المحدثين والفقهاء المتقدمين أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث والقول على علاته تقليدا لمن سبقه.

كما ذكره الإمام أحمد أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد فينقلها ثم يردها إليه. ذكروا ذلك في ترجمة ابن سعد وكان الشافعي يقول للإمام أحمد: "إذا ثبت عندك الحديث فادفعه إلي حتى أثبته في كتابي وكذا سائر علماء كل عصر ينقل بعضهم عن بعض".

فمتى كان الأمر بهذه الصفة فلا عجب متى رأينا أحاديث المهدي تنتشر في كتب المعاصرين لأبي داود كالترمذي وابن ماجه لخروج الحديث من كتاب إلى مائة كتاب وانتقال الخطأ من عالم إلى مائة عالم لكون الناس متقلدة وقليل منها المحققون المجتهدون والمقلد لا يعد من أهل العلم،

والجواب على هذا نقول:

أولا: أن هذا الكلام من أخطر ما اشتملت عليه رسالة الشيخ ابن محمود لما فيه من النيل من محدثي هذه الأمة وفقهائها المتقدمين والحط من شأنهم وهذا إن دل على شيء فإنما يدل مع الأسف أن حصون المسلمين مهددة من داخلها. ويرحم الله الإمام الطحاوي إذ يقول في عقيدته المشهورة:

"وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين- أهل الخبر والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل..". انتهى

وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رسالة عظيمة سماها (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) طبعت مرارا وصف الشيخ جمال الدين القاسمي هذا الكتاب بأنه جدير لو كان بالصين أن يرحل إليه وأن يعض بالنواجذ عليه.

ثانيا: إذا كان من عادة العلماء المحدثين والفقهاء المتقدمين- كما يقول الشيخ ابن محمود- أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث والقول على علاته تقليدا لمن سبقه وأنه لذلك يخرج الحديث من كتاب إلى مائة كتاب وينتقل الخطأ من عالم إلى مائة عالم لكون الناس مقلدة وقليل منهم المجتهدون والمقلد لا يعد من أهل العلم ويمثل بأربعة هم الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام الترمذي والإمام ابن ماجه إذا كان هذا من عادتهم ومثل هؤلاء الأربعة من مقلدتهم والمقلد لا يعد من أهل العلم فمن هم أهل العلم؟ ما هكذا تورد يا سعد الإبل!!، إننا نربأ بالشيخ عبد الله بن محمود أن يقول مثل هذا الكلام ولكن هكذا جاء، وقدر الله وما شاء فعل، وكم من كلمة قالت لصاحبها دعني.

ثالثا: أن الإمامين الترمذي وابن ماجه لم يقلدا الإمام أبا داود في رواية أحاديث المهدي أما ابن ماجه فإنه لا يرو عن أبي داود في سننه شيئا أصلا وأما الترمذي فمن رجاله في جامعه الإمام أبو داود كما رمز الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة أبي داود لكونه من رجال الترمذي والنسائي، والأحاديث التي أخرجها الترمذي في جامعه في باب ما جاء في المهدي ثلاثة. اثنان منها معناهما واحد ولفظهما بنحو لفظ حديث أخرجه أبو داود في سننه لكن شيوخ الترمذي فيهما غير شيوخ أبي داود فيه ولم يروهما من طريق أبي داود، أما الحديث الثالث فليس في سنن أبي داود وإذاً فلم يخرج حديث في المهدي من كتاب سنن أبي داود إلى كتابي الترمذي

ص: 304

وابن ماجه ولم ينتقل خطأ لأبي داود إلى الترمذي وابن ماجه. ولو خرج الترمذي مثلا في جامعه عن أبي داود حديثا قد أخرجه أبو داود في سننه لم يلزم أن يكون بذلك مقلدا له آخذا الحديث على علاته فهما من أوعية العلم ونقاده ولم يلزم أن يكون خطأ انتقل من عالم إلى عالم فقد يكون ذلك الذي انتقل صوابا والتحقق في ذلك سبيله دراسة إسناده ومعرفة ما قاله النقاد فيه، ثم إن وجود الحديث في كتب متعددة من طرق مختلفة يفيد القوة ويعرف به التواتر. قال الحافظ ابن حجر في شرحه لنخبة الفكر:"ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجودا وجود كثرة في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة بأيدي أهل العلم شرقا وغربا المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج حديث وتعددت طرقه تعددا تحيل العادة تواطؤهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني بصحته إلى قائله ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير" انتهى.

رابعا: ما أشار إليه مما ذكر عن الإمام أحمد أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد فينقلها ثم يردها إليه قد ذكره بإسناده على نحو آخر الخطيب البغدادي في ترجمة محمد ابن سعد كاتب الواقدي في تاريخ بغداد إلى إبراهيم الحربي قال: كان أحمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل ابن إسحاق إلى ابن سعد يأخذ منه جزأين من حديث الواقدي ينظر فيها إلى الجمعة الأخرى ثم يردهما ويأخذ غيرهما.

قال إبراهيم: "ولو ذهب وسمعها كان خيرا له"، وأورد كلام إبراهيم الحربي هذا الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة محمد بن سعد.

ويتضح من هذا أن الإمام أحمد كان يستعير أجزاء من حديث الواقدي لينظر فيها ثم يعيدها وليس في ذلك أخذ للحديث على علاته من ابن سعد وتقليد له فإن الواقدي ضعيف جدا عند أهل الحديث. قال فيه الذهبي في الميزان: "واستقر الإجماع على وهن الواقدي"، وقال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب:"متروك مع سعة علمه" والإمام أحمد نفسه قد اتهم الواقدي بالكذب كما نقله الخطيب وغيره في ترجمة الواقدي، ولعل هذا السبب الذي جعل الإمام أحمد لا يكترث بحديث الواقدي فيذهب إلى ابن سعد لسماعه منه ويكتفي بأن يستعير أجزاء منه ينظر فيها ثم يعيدها ليكون على علم بحديث الواقدي مع عدم الاعتماد عليه لكونه لا يعتد بصاحبه.

خامسا: ما ذكره من أن الشافعي كان يقول للإمام أحمد إذا ثبت عندك الحديث فادفعه إلي حتى أثبته في كتابي، قد ذكر معناه البيهقي في كتابه مناقب الشافعي أخرجه بإسناده إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال:"قال لنا الشافعي أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحدث الصحيح فأعلموني إن شاء يكون كوفيا أو بصريا أو شاميا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحا". ثم قال البيهقي: "وهذا لأن أحمد بن حنبل كان من أهل العراق فكان أعلم برجالها من الذي لم يكن من أهلها وكان أحمد عند الشافعي من أهلها وكان أحمد عند الشافعي من أهل العلم بمعرفة الرجال فكان يرجع إلى قوله فيهم"، ثم روى البيهقي بإسناده إلى حرملة قال سمعت الشافعي يقول:"خرجت من بغداد وما خلفت بها أحدا أتقى ولا أورع ولا اعلم وأظنه قال ولا أفقه من أحمد بن حنبل".

ومن الواضح أن الإمام الشافعي لا يكون بذلك ناقلا عن الإمام أحمد حديثا على علاته مقلدا له وإنما رغب الشافعي من الإمام أحمد أن يعلمه بما يصح لديه من الحديث مما لم يكن عنده حتى يذهب إلى ما دل عليه الحديث الصحيح ويعمل به وهو متفق مع ما نقل عنه في مسائل كثيرة من قوله: "إن صح الحديث فيها- أي في المسألة قلت به" ومتفق مع ما أثر عنه وعن غيره من الأئمة من أن الاعتماد عندهم على ما يصح من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتى كان الحديث عند الإمام أحمد بإسناد صحيح ثم يرويه عنه شيخه الإمام الشافعي ويحتج به فإنه بذلك متبع الطريقة المثلى في العلم والعمل وهو محمدة له لا مذمة.

سادسا: ولو أن الشيخ ابن محمود نسب هذه العادة وهي أخذ الحديث أو القول على علاته عن المعاصرين أو نقل ذلك كذلك من كتب المتقدمين إلى طلاب العلم في هذا العصر إلا من شاء الله منهم لما أبعد النجعة وذلك لقلة

ص: 305

الاهتمام والعناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم تمييز صحيحه من سقيمه ومعرفة رجاله وأحوالهم وعدم التمكن من تطبيق ما رسمه علماء الجرح والتعديل لمعرفة الحكم على الحديث قبولا أو ردا صحة أو حسنا أو ضعفا بل حسب الكثيرين منهم معرفة ما دون في كتب العلماء المعتد بهم وما حكموا به على الحديث وتقليدهم في ذلك، ومادام أن الغالب على طلاب العلم في هذا العصر التقليد في معرفة درجة الحديث وهل هو مقبول أو مردود فإن الأليق بل المتعين تقليد الجهابذة النقاد كالعقيلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم دون غيرهم ممن لم يكن من أهل الحديث فالصلاة خير من النوم واليد العليا خير من اليد السفلى ولا يصار إلى المتطبب ويترك الأطباء الحذاق المهرة.

7-

ذكر الشيخ ابن محمود في ص 6 و 12 "أن من أسباب رد أحاديث المهدي كونها متناقضة متعارضة ومختلفة غير مؤتلفة" وقال في ص 51: "ومتى حاولت جمعها نتج لك منها عشرون مهديا صفة كل واحد غير الآخر مما يدل بطريق اليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتكلم بها" ثم ذكر أمثلة لذلك آخرها قوله: "ومهدي قال فيه رسول الله: " لا مهدي بعدي إلا عيسى بن مريم".

والجواب أن أحاديث المهدي كما قال أهل العلم مثل ابن القيم وغيره فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع فما كان منها موضوعا أو ضعيفا لا يحتج به فإنه لا يلتفت إليه ولا يعارض به غيره، وأما ما صح منها فهو مؤتلف غير مختلف ومتفق غير مفترق وهو يتعلق بشخص واحد يأتي في آخر الزمان في زمن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام من السماء وخروج المسيح الدجال وهو محمد بن عبد الله الموصوف بالمهدي والذي أخبر عن اسمه واسم أبيه ووصفه بالمهدي في عدة أحاديث هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والواجب التصديق فيما أخبر به، ولم يفهم أحد من أهل السنة والجماعة قديما وحديثا فيما أعلم ما فهمه الشيخ ابن محمود من أن كل حديث أتى فيه ذكر المهدي يفيد تعدد من يوصف بالمهدي وأنه بناء على ذلك تكون الأحاديث متعارضة فيلزم ردها وإنكارها فإن الألف واللام في المهدي في جانب الخير كالألف واللام في الدجال في جانب الشر ولا يستفاد من كل حديث يأتي فيه ذكر الدجال موصوفا بصفة من الصفات تعدد الدجال فالدجال الذي جاءت الأحاديث المتواترة - بذكر خروجه آخر الزمان واحد غير متعدد ولا تعارض بين الأحاديث الواردة فيه والمهدي كذلك واحد غير متعدد ولا تعارض بين الأحاديث الواردة فيه، أما حديث لا مهدي إلا عيسى بن مريم فلم يستدل به أهل السنة على خروج المهدي وهو يعارض الأحاديث الواردة فيه وقد أجابوا عنه بكونه ضعيفا فلا يعارضها وعلى فرض صحته يكون المراد به لا مهدي كاملا معصوما إلا عيسى بن مريم وذلك لا ينفي إثبات خروج المهدي غير المعصوم كما قال ذلك بعض أهل العلم مثل القرطبي وابن القيم وغيرهما.

8-

وقال الشيخ ابن محمود ص 13:

"وفي البخاري أن موسى لما لقي ذا القرنين في مجمع البحرين وهاله ما رآه من تصرف ذي القرنين من قتله للغلام وبنائه للجدار الذي يريد أن ينقض وخرقه لسفينة المساكين الذين يعملون فيها في التكسب في البحر فضاق صدر موسى من تصرفه وعيل صبره فأراد أن يفارقه فقال له ذو القرنين: " يا موسى أنت على علم من الله لا أعلمه أنا وأنا على علم من الله لا تعلمه أنت" ثم قال: "وهكذا يقع تفاوت العلماء فيما علموه والاختلاف فيما فهموه". انتهى.

والملاحظ هنا ورود ذكر ذي القرنين ثلاث مرات ومعلوم أن صاحب موسى في هذه القصة هو الخضر وليس ذا القرنين وقد وردت تسمية صاحب موسى بالخضر في الحديث في صحيح البخاري.

9-

وقال الشيخ ابن محمود في ص 12 و 13 بعد كلام له في إنكار أحاديث المهدي:

لكن قد يعرض لتحقيق ما قلنا قول بعضهم بأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال بصحة خروج المهدي

ص: 306

وهو العالم المحقق المشهود له بصحيح الرؤية وصريح الدراية وأقول: "نعم وإنني رأيت لشيخ الإسلام قولا يثبت فيه بأنه ورد في المهدي سبعة أحاديث رواها أبوداود وكنت في بداية نشأتي أعتقد اعتقاد شيخ الإسلام حيث تأثرت بقوله حتى بلغت سن الأربعين من العمر وبعد أن توسعت في العلوم والفنون ومعرفة أحاديث المهدي وعللها وتعارضها واختلافها فبعد ذلك زال عني الاعتقاد السيئ والحمد لله، وعرفت تمام المعرفة بأنه لا مهدي بعد رسول الله وبعد كتاب الله" وقال: "وقد شبهوا زلة العالم بغرق السفينة يغرق بغرقها الخلق الكثير وكم غرق في كلمة شيخ الإسلام هذه كثير من العلماء والعوام حين اعتقدوا صحة خروج المهدي فكان من لقيته من العلماء والعوام يحتج بكلام شيخ الإسلام" رحمه الله ثم قال معتذرا عن شيخ الإسلام: "ولعل هذا القول خرج منه في بداية عمره قبل توسعه في العلوم والفنون وهو مجتهد مأجور على اجتهاده إذ يقول العالم المحقق قولا ضعيفا مرجوحا فلا يكون المقلد لقوله والمنتصر لرأيه بمثابته في حصول الأجر.. وحط الوزر بل فرضه الاجتهاد والنظر فكم من عالم كان يقول أقوالا في بداية عمره ثم يتبين له ضعفها فيقول بخلافها"،

أقول الجواب عن ذلك من وجوه:

الأول: لا شك أن ما كان عليه الشيخ عبد الله بن محمود في ذلك قبل بلوغه سن الأربعين خير مما كان عليه بعد الأربعين لأنه بذلك على مسلك العلماء المحدثين قبل شيخ الإسلام ابن تيمية وبعده ويا ليته وفقه الله لم يشر إلى أنه توسع في العلوم والفنون لأن التواضع هو الأليق بطلاب العلم.

الثاني: واعتذاره عن شيخ الإسلام ابن تيمية مدفوع بكون شيخ الإسلام قال بصحة خروج المهدي في آخر الزمان في كتابه منهاج السنة النبوية الذي يعتبر من أجل كتبه وأغزرها علما وأكثرها تحقيقا فلا يصلح أن يقال: لعل هذا القول خرج منه في بداية عمره قبل توسعه في العلوم والفنون هذا من جهة ومن جهة أخرى ليس شيخ الإسلام ابن تيمية أول القائلين بصحة خروج المهدي في آخر الزمان فقد سبقه إلى ذلك العلماء المحققون مثل البيهقي والخطابي وابن حبان والعقلي وأبي الحسين الابري والقاضي عياض والقرطبي وغيرهم.

الثالث: ما أشار إليه هنا وفي ص 71 من أن قول شخ الإسلام بصحة خروج المهدي خرج بمقتضى اجتهاد منه مردود بأن مثل ذلك لا مجال للاجتهاد فيه لأنه من الأمور الغيبية التي يتوقف القول بها على ثبوت النص فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة ثبوت النصوص والتمييز بين مقبولها ومردودها وصحيحها وسقيمها لا يتأتى إلا لأهل الخبرة والتمكن في علم الحديث مثل البيهقي والعقلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم، وقد قال الشوكاني بعد أن أشار إلى كثرة الأحاديث الواردة في صحة خروج المهدي آخر الزمان وبلوغها حد التواتر قال:"وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك" انتهى.

10 -

ذكر الشيخ ابن محمود في ص 19 و 24 أن ابن خلدون تصدى في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها- يعني أحاديث المهدي- وحكم عليها بالضعف.

والجواب أولا أن ابن خلدون اعترف بسلامة بعضها من النقد حيث قال بعد إيراد الأحاديث في المهدي: "فهذه جملة الأحاديث التي خرجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل والأقل منه.." انتهى. على أن ابن خلدون فاته الشيء الكثير من الأحاديث.

وثانيا: أن ابن خلدون مؤرخ وليس من رجال الحديث فلا يعتد به في التصحيح والتضعيف وإنما الاعتداد بذلك بمثل البيهقي والعقيلي والخطابي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم من أهل الرواية والدراية الذين قالوا بصحة الكثير من أحاديث المهدي فالذي يرجع في ذلك إلى ابن خلدون كالذي يقصد الساقية ويترك البحور الزاخرة وعمل ابن خلدون في نقد الأحاديث أشبه ما يكون بعمل المتطبب إذا خالف الأطباء الحذاق المهرة..

ص: 307

وقد أحسن الشيخ أحمد شاكر في تخريجه أحاديث مسند الإمام أحمد حيث قال: "أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها.." وقال: "إنه تهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتا عجيبا وغلط أغلاطا واضحة.." وقال: "إن ابن خلدون لم يحسن قول المحدثين الجرح مقدم على التعديل.. ولو اطلع على أقوالهم وفقهها ما قال شيئا مما قال.." انتهى.. ودخول ابن خلدون في ميدان الجرح والتعديل والحكم على الأحاديث بالضعف وهو ليس من أهل الصناعة الحديثية واغترار من اغتر بكلامه لا يبعد كثيرا عن معنى المقالة التي حكاها شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية إذ قال: "وقد قال بعض الناس: أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف متطبب، ونصف نحوي.. هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان"، فإن ابن خلدون وإن كان في التاريخ علما من الأعلام، فهو في الحديث من الاتباع المستفتين وليس من المتبوعين المفتين، والقاصر في فن كالعامي فيه، وإن كان متمكنا في غيره.

والواجب الرجوع في كل فن إلى أهله، ولا شك أن المرجع في الحديث لمعرفة صحيحه وسقيمه أوعيته ونقاده.. قال الحافظ ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه الجرح والتعديل:

ثم احتيج إلى تبين طبقاتهم - يعني الرواة - ومقادير حالاتهم وتباين درجاتهم ليعرف من كان منهم في منزلة الانتقاد والجهبذة والتنقير والبحث عن الرجال والمعرفة بهم، وهؤلاء هم أهل التزكية والتعديل والجرح.

وقال أيضا: "فإن قيل: فبماذا تعرف الآثار الصحيحة والسقيمة قيل بنقد العلماء الجهابذة الذين خصهم الله عز وجل بهذه الفضيلة ورزقهم هذه المعرفة في كل دهر وزمان.." انتهى.. وإذا اقتصرنا على القرنين الثامن والتاسع اللذين عاش ابن خلدون فترة منهما إذ كانت ولادته سنة 732 هـ ووفاته سنة 808 هـ - نجد أن من أبرز العلماء المتمكنين في الحديث النبوي ومعرفة صحيحه وسقيمه ممن أدركته الوفاة خلال هذين القرنين الحفاظ الجهابذة النقاد الذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن حجر العسقلاني وقد قالوا جميعا بصحة خروج المهدي في آخر الزمان استنادا إلى ثبوت الأحاديث الصحيحة في ذلك عندهم فقد صحح الذهبي جملة من الأحاديث الواردة في المهدي وذلكَ في كتابه تلخيص المستدرك وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه منهاج السنة النبوية وابن القيم في كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف وابن كثير في النهاية وفي كتابه التفسير ونقل ابن حجر في كتابه فتح الباري جملة من أقوال أهل العلم في ذلك وسكت عليها، ومن ذلك كلام أبى الحسين الابري في تواتر أحاديث المهدي.

11-

حكى الشيخ ابن محمود عن ابن القيم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف أنه يضعف الأحاديث الواردة في المهدي فقال في صفحة 9 بعد أن أورد الأقوال التي ذكرها ابن القيم إجمالا قال: "ومن لوازم قوله - يعني ابن القيم - أن ما يزعمونه من خروج المهدي المجهول في عالم الغيب أنه لا حقيقة له"

وقال ابن محمود في ص 19:

"لهذا وقبل ذلك تنبه العلماء من المتقدمين والمتأخرين لرد الأحاديث - أي المتعلقة بالمهدي - التي يتلونها ويموهون بها على الناس فأخضعوها للتصحيح والتمحيص وبينوا ما فيها من الجرح والتضعيف وكونها مزورة على الرسول من قبل الزنادقة الكذابين وممن انتقد هذه الأحاديث وبين معايبها العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه المنار المنيف في الصحيح والضعيف" وقال أيضا في ص35:

"وقد رأينا من يؤيد قول ابن خلدون من العلماء المتقدمين والراقين في العلم والمعرفة والاعتصام بالكتاب والسنة ومنهم العلامة ابن القيم فقد ذكر في كتابه المنار المنيف عن أحاديث المهدي وضعفها".

والجواب أن نقول: لم يضعف ابن القيم الأحاديث الواردة في المهدي كما يقول ابن محمود بل بين أن فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع وذلك في كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف ولا أدري كيف خفي ذلك على الشيخ ابن محمود فنسب إليه القول بتضعيفها مع أن كلامه رحمه الله واضح وصريح في تصحيحها والقول بثبوتها.. ومن ذلك أنه نقل كلام أبي الحسين الابري المتوفى عام 363 هـ في تواتر الأحاديث الواردة في المهدي وسكت عليه ولم يتعقبه، وهو قول أبي الحسين الابري في كتابه مناقب الشافعي: وقد تواترت الأخبار

ص: 308

واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلا وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه.. ومن ذلك أنه نقل قول البيهقي: "والأحاديث على خروج المهدي أصح إسنادا"، ثم ذكر ابن القيم بعض الأمثلة لهذه الأحاديث، ومنها أن ابن القيم قال:"وفي الباب عن حذيفة بن اليمان وأبي أمامة الباهلي وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص وثوبان وأنس بن مالك وجابر وابن عباس، وغيرهم..".

ثم أورد عدة أحاديث رواها بعض أهل السنن والمسانيد وغيرها منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف أورده للاستئناس به ثم قال ابن القيم: "وهذه الأحاديث أربعة أقسام صحاح وحسان وغرائب وموضوعة".

ومنها أنه ذكر الأقوال في المهدي وقال في ثالثها: "القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.. من ولد الحسن بن علي يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورا وظلما، فيملاها قسطا وعدلا وأكثر الأحاديث على هذا تدل. وفي كونه من ولد الحسن سر لطيف، وهو أن الحسن ترك الخلافة لله فجعل الله من ولده من يقوم بالخلافة الحق المتضمن للعدل الذي يملأ الأرض. وهذه سنة الله في عباده أن من ترك شيئا لأجله أعطاه الله وأعطى ذريته أفضل منه" فهذه نصوص متعددة من كلام ابن القيم في المنار المنيف صريحة في أنه يقول بصحة الأحاديث في خروج المهدي في آخر الزمان، ولا يفهم من كلامه إطلاقا أنه يضعف الأحاديث الواردة فيه مطلقا كما نسب ذلك إليه ابن محمود..

12-

وقال الشيخ ابن محمود في ص 19:

"وممن انتقد هذه الأحاديث - يعني أحاديث المهدي - العلامة ابن القيم في المنار المنيف في الصحيح والضعيف" ثم قال:

"ومنهم الشاطبي صاحب كتاب الاعتصام فقد ألحق المهدية والإمامية بأهل البدع" ويعني بالمهدية الذين يصدقون صحة خروج المهدي..

وقال أيضا في ص 35:

"وقد رأينا من يؤيد ابن خلدون من العلماء المتقدمين والراقين في العلم والمعرفة والاعتصام بالكتاب والسنة ومنهم العلامة ابن القيم فقد ذكر في كتابه المنار المنيف عن أحاديث المهدي وضعفها" ثم قال: "ومنهم الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام فقد جعل المهديين والإمامية من أهل البدع ويعني بالمهديين الذين يصدقون بخروج المهدي ودونك كلامه بلفظه إثباتا للحجة والعذر وإزالة للشبهة والعذل قال بعد كلام له سبق في المتبعين لأهل الأهواء والبدع:

"وكذلك من اتبع المهدي المغربي المنسوب إليه كثيرا من بدع المغرب، فهو في الإثم والتسمية مع من اتبع إذا انتصب ناصرا لها ومحتجا عليها" وقال: "ولقد زل بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابه والتابعين واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل..".

وقال: "ومذهب الفرقة المهدية التي جعلت أفعال مهديهم حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت بل جعلوا أكثر ذلك أنفحة في عقد أيمانهم من خالفها كفروه وجعلوا حكمه حكم الكافر الأصلي..".

ثم قال ابن محمود: "وبذلك تنقطع حجة من ادعى أنه لم يسبق الإمام ابن خلدون أحد من العلماء في تضعيف أحاديث المهدي.." انتهى.

والجواب أن الشيخ ابن محمود ذكر أن ممن سبق ابن خلدون في تضعيف أحاديث المهدي الإمامين ابن القيم والشاطبي وسبق إيضاح عدم صحة ما نسبه إلى ابن القيم في ذلك، أما الإمام الشاطبي فما نسبه إليه غير صحيح أيضا فإن كلام الشاطبي عن اتباع المهدي المغربي لا علاقة له بموضوع الأحاديث الواردة في المهدي الذي يخرج في آخر الزمان والتي قال بصحتها وثبوتها العلماء من أهل السنة والجماعة قديماً وحديثا، أما قول الشاطبي رحمه

ص: 309

الله "ولقد زل بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل"، فهو كلام جميل لكنه لا ينطبق على العلماء الذين يعولون فيما يقولون على الدليل وإنما ينطبق على الذين يعرضون عن الدليل ويتبعون أهواءهم.. ولهذا قال عقب ذلك مباشرة:"ولنضرب لذلك عشرة أمثلة أحدها - وهو أشدها- قول من جعل اتباع الآباء في أصل الدين هو الرجوع إليه دون غيره حتى ردوا بذلك براهين الرسالة وحجة القرآن ودليل العقل فقالوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} الآية" إلى آخر كلامه رحمه الله ثم قال: "والثاني رأي الإمامية في اتباع الإمام المعصوم - في زعمهم - وإن خالف ما جاء به النبي المعصوم حقا وهو محمد صلى الله عليه وسلم فحكموا الرجال على الشريعة ولم يحكموا الشريعة على الرجال وإنما أنزل الكتاب ليكون حكما على الخلق على الإطلاق والعموم"، ثم قال:"والثالث لاحق بالثاني.. وهو مذهب الفرقة المهدية التي جعلت أفعال مهديهم حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت، بل جعلوا أكثر ذلك أنفحة (؟) في عقد أيمانهم من خالفها كفروه وجعلوا حكمه حكم الكافر الأصلي وقد تقدم من ذلك أمثلة" انتهى كلام الإمام الشاطبي رحمه الله، ثم ذكر بقية الأمثلة العشرة. ومن الواضح الجلي أنه فسر المهدية بتفسير خاص بمبتدعة وهم أتباع المهدي المغربي حيث قال:"والثالث لاحق بالثاني وهو مذهب المهدية التي جعلت أفعال مهديهم حجة وافقت الشريعة أوخالفت" وقد أوضح ذلك في كلام له سبق وذكر الأمثلة التي أشار إلى تقدمها فقال عن المهدي المغربي: "إنه عد نفسه الإمام المنتظر وأنه معصوم حتى أن من شك في عصمته أو في أنه المهدي المنتظر فهو كافر.." وقال عنه: "إنه نزل أحاديث الترمذي وأبي داود في الفاطمي على نفسه وأنه هو بلا شك" وقال: "وأحدث في دين الله أحداثا كثيرة زيادة إلى الإقرار بأنه المهدي المعلوم والتخصيص بالعصمة ثم وضع ذلك في الخطب وضرب في السكك بل كانت تلك الكلمة عندهم ثالثة الشهادة فمن لم يؤمن بها أو شك فيها فهو كافر وشرع القتل في مواضع لم يضعه الشرع فيها وهي نحو من ثمانية عشر موضعا كترك امتثال أمر من يستمع أمره وترك حضور مواعظه ثلاث مرات والمداهنة إذا ظهرت في أحد قتل وأشباه ذلك"، أقول فهؤلاء هم الذين عناهم الشاطبي بالفرقة المهدية والتي فسرها بقوله:"التي جعلت أفعال مهدي حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت"، وهم الذين اعتبرهم من المبتدعة وقد فسر هو مراده بالفرقة المهدية بهذا التفسير وليس مراده بالفرقة المهدية الذين يصدقون بخروج المهدي كما زعم الشيخ ابن محمود، ولا يليق بإمام كالشاطبي أن يصف أئمة أهل السنة وعلماء الحديث كالعقيلي والخطابي والابري وابن حبان البستي والقاضي عياض والقرطبي وابن تيمية والذهبي وابن القيم وابن كثير وغيرهم بأنهم من أهل البدع لكونهم يقولون بصحة خروج المهدي في آخر الزمان..

وبهذا يتضح أن الشاطبي رحمه الله لم يقل بتضعيف أحاديث المهدي ولم يصف القائلين بثبوتها بأنهم من أهل البدع بل أن ما حكاه عن المتمهدي المغربي من أنه نزل أحاديث الترمذي وأبي داود في الفاطمي على نفسه أنه هو بلا شك، دون أن يشير إلى تضعيف الأحاديث في ذلك، يشعر بأنه يعتبر خروج المهدي في آخر الزمان أمرا ثابتا..

13-

وقال الشيخ ابن محمود في ص 70:

ولست أنا أول من قال ببطلان دعوى المهدي وكونه لا حقيقة لها فقد رأيت لأستاذنا الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع رسالة حقق فيها بطلان دعوى المهدي، وأنه لا حقيقة لوجوده وكل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة جدا فلا ينكر على من أنكره.

والجواب أن الشيخ محمد بن مانع رحمه الله قال أولا كلا ما محتملا تضعيف أحاديث المهدي وذلك في كتابه الكواكب الدرية اغترارا بكلام ابن خلدون يدل على ذلك قوله في كتابه المذكور:

"ومن أراد تحقيق هذه المسألة فليراجع مقدمة ابن خلدون فقد أفاد فيها وأجاد" ولكنه بعد أن حدق النظر في الموضوع عاد فألف رسالة سماها (تحديق النظر بأخبار الإمام المنتظر) توجد منها نسخة خطية في دار الكتب

ص: 310

المصرية قال فيها بعد أن ذكر كلام ابن خلدون وتعقب صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود عليه قال وأقول: "قول العلامة الهندي في هذه الأحاديث أقرب إلى الصواب من قول من جزم بضعفها كلها فمن صح عنده حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم منها أو من غيرها وجب عليه قبوله والاعتقاد بمدلوله ومن علم بضعف الحديث وتيقنه لم يجب عليه شيء من ذلك، وإذا اعتبرنا هذه الأحاديث الواردة في المهدي بخصوصها وجدنا التي لم يصرح فيها باسمه أقوى ورأينا الضعف غالبا على ما ذكر فيها اسمه ولهذا قلت في الكواكب لما قال السفاريني: "فكلها صحت به الأخبار" أي بأكثرها فإن الأحاديث التي فيها ذكر المهدي لم تصح عند علماء الحديث ولم أقل الواردة في شأن المهدي ليشمل التعميم ما لم يذكر فيها فإن التي لم يذكر فيها اسمه بل ذكر نعته فيها القوي والضعيف ولهذا نعتقد ونجزم بخروج رجل من أهل البيت آخر الزمان اسمه محمد ابن عبد الله يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وكذلك قولنا فلا نعتقد بمجيء المهدي مرادنا أن هذا اللفظ غير ثابت فلا يجب أن يسمى محمد بن عبد الله الذي يخرج في آخر الزمان بالمهدي بل تسميته بذلك جائزة لا واجبة إذ هذا اللفظ غير ثابت عند علماء الحديث ولعل أحدا أن يظن أن المقصود من عبارة الكواكب هو القول بعدم مجيء المهدي مطلقا كما هو قول بعض الأئمة وليس كذلك بل المراد ما قدمناه من أن هذا اللفظ غير ثابت وإنما الثابت أن اسمه مواطئ لاسم النبي واسم أبيه مواطئ لاسم أبيه فالإيمان بذلك واجب على الإجمال والإطلاق" إلى أن قال: "وقد خرج جماعة من العلماء عن الاعتدال في هذه المسألة فبالغ طائفة في الإنكار حتى ردوا جملة من الأحاديث الصحيحة وقابلهم آخرون فبالغوا في الإثبات حتى قبلوا الموضوعات والحكايات المكذوبة" إلى أن قال: "وبهذا التوضيح والتبيين يزول الإشكال ويتبين المراد وبالله التوفيق".

أقول: وبهذا يتضح أن الشيخ ابن مانع رحمه الله لا يقول بتضعيف أحاديث المهدي كلها بل يقول بصحة بعضها ويعتقده، وأضيف أن بعض الأحاديث التي جاء فيها لفظ المهدي ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا:"ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا". الحديث أخرجه الحارث ابن أبي أسامة في مسنده وقال فيه ابن القيم إسناده جيد ومنها الحديث الذي رواه أبو داود في سننه عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المهدي مني أجل الجبهة" الحديث قال فيه ابن القيم رواه أبو داود بإسناد جيد وأورده البغوي في مصابيح السنة في فصل الأحاديث الحسان.

14-

قال الشيخ ابن محمود في ص 9:

"وكلام العلماء من المتأخرين كثير وأعدل من رأيته أصاب الهدف في قضية المهدي هو أبو الأعلى المودودي حيث قال في رسالة اسمها البيانات عن المهدي: "إن الأحاديث في هذه المسألة على نوعين: أحاديث فيها الصراحة بكلمة المهدي وأحاديث إنما أخبر فيها بخليفة يولد في آخر الزمان ويعلي كلمة الإسلام وليس سند أي رواية من هذين النوعين من القوة حيث يثبت أمام مقياس الإمام البخاري لنقد الروايات فهو لم يذكر منها أي رواية في صحيحه وكذلك ما ذكر منها الإمام مسلم إلا رواية واحدة في صحيحه ولكن ما جاءت فيها أيضا الصراحة بكلمة المهدي"، وقال: "لا يمكن بتأويل مستبعد أن في الإسلام منصبا دينيا يعرف بالمهدية يجب على كل مسلم أن يؤمن به ويترتب على عدم الإيمان به طائفة من النتائج الاعتقادية والاجتماعية في الدنيا والآخرة" وقال: "مما يناسب ذكره في هذا الصدد أن ليس من عقائد الإسلام عقيدة عن المهدي ولم يذكرها كتاب من كتب أهل السنة للعقائد" انتهى.

وأقول جوابا على ذلك:

أولا: كون أحاديث المهدي لم ترد في الصحيحين لا يؤثر ذلك في قبولها فما صح من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مقبول سواء كان في الصحيحين أم لم يكن فيهما وسبق إيضاح هذا في رقم 5.

ص: 311

ثانيا: قوله: ولا يمكن أن يستنبط من هذه الروايات ولو بتأويل مستبعد أن في الإسلام منصبا دينيا يعرف بالمهدية يجب على كل مسلم أن يؤمن به ويترتب على عدم الإيمان به طائفة من النتائج الاعتقادية والاجتماعية في الدنيا والآخرة يجاب عن هذا بأنه يستنبط من الأحاديث الصحيحة في شأن المهدي حصول الأخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم بوجود إمام للمسلمين عند نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء يواطئ اسمه اسم الرسول صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبيه ومن أهل بيته يقال له المهدي والواجب على كل مسلم أن يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من أخبار عن أمور مغيبه مطلقا ومن ذلك ما كان في المستقبل كإخباره عن المهدي وعن الدجال وغير ذلك.

ثالثا: قوله: "ومما يناسب ذكره بهذا الصدد أنه ليس من عقائد الإسلام عقيدة عن المهدي ولم يذكرها كتاب من كتب أهل السنة للعقائد" يجاب عنه بأن من عقائد أهل السنة التصديق بكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخبار ومن ذلك إخباره بشأن المهدي وقد قال السفارينى في عقيدته: "فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة" انتهى.

وذكر ذلك الشيخ الحسن بن علي البربهاري الحنبلي المتوفى سنة 329 هـ في عقيدته المثبتة ضمن ترجمته في كتاب طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى الحنبلي.

15-

قال الشيخ ابن محمود في ص 70:

بعد كلامه عن الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع المتقدم قال: "كما رأيت أيضا لمنشئ مجلة المنار محمد رشيد رضا رسالة ممتعة يحقق فيها بطلان دعوى المهدي وأن كل الأحاديث الواردة فيه لا صحة لها قطعا وأشار إلى بطلان دعواه في تفسير المنار" ونقل في ص 62 والصفحتين بعدها شيئا من كلامه في دعوى بطلان أحاديث المهدي ومنه في ص 64 قوله:

"وردت أحاديث في المهدي منها ما حكموا بقوة إسناده ولكن ابن خلدون عني بإعلالها وتضعيفها كلها ومن استقصى ما ورد في المهدي المنتظر من الأخبار والآثار وعرف مواردها ومصادرها يرى أنها كلها منقولة عن الشيعة".

والجواب أن نقول:

أولا: اعتماد الشيخ محمد رشيد رضا على بطلان الأحاديث الواردة في المهدي مبني على إعلال ابن خلدون لأحاديث المهدي وسبق أن أوضحت أن ابن خلدون ليس ممن يعتمد عليه في مجال نقد الأحاديث والحكم عليها صحة أو ضعفا لأنه ليس من أهل الاختصاص.

ثانيا: ما ادعاه من أن الأحاديث في المهدي كلها منقولة عن الشيعة مردود بأن أحاديث المهدي عند أهل السنة مدونة في كثير من الكتب المعتمدة في السنن والمسانيد وغيرها بأسانيد تنتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق صحابته الكرام رضي الله عنهم أما الأحاديث عند الشيعة فهي تنتهي إلى أئمتهم المعصومين في زعمهم وقد تصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما صح من الأحاديث الواردة في المهدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا علاقة له بالشيعة ولم ينقل عن الشيعة ثم إن المهدي عند الشيعة هو محمد بن الحسن العسكري صاحب السرداب أما المهدي عند أهل السنة فاسمه مواطئ اسم الرسول صلى الله عليه وسلم واسم أبيه اسم أبيه فعقيدة أهل السنة في المهدي في واد وعقيدة الشيعة في مهديهم في واد آخر.

ص: 312

ثالثا: لا شك أن ما زعمه الشيخ محمد رشيد رضا من إنكار خروج المهدي في آخر الزمان خطأ واضح وأخطر منه خطأه في إنكار رفع عيسى عليه الصلاة والسلام حيا إلى السماء ونزوله منها في آخر الزمان ولن أكلف نفسي في سرد كلامه ومناقشته وإنما أحيل إلى الرسالة التي ألفها في الرد عليه الشيخ محمد خليل الهراس رحمه الله والتي أسماها: (فصل المقال في رفع عيسى عليه السلام حيا وفي نزوله وقتله الدجال) قال فيها بعد حمد الله والثناء عليه: "أما بعد فمنذ مطلع هذا القرن أو قبله وجدت جماعة تدعو إلى التحرر الفكري وتتصدر حركة الإصلاح الديني وتعمل لإحياء المفاهيم الدينية الصحيحة في نفوس المسلمين ولكنهم في سبيل ذلك عمدوا إلى إنكار كثير من المغيبات التي وردت بها النصوص الصريحة المتواترة من الكتاب والسنة الأمر الذي يجعل ثبوتها قطعيا ومعلوما من الدين بالضرورة ولا سند لهم في هذا الإنكار إلا الجموح الفكري والغرور العقلي وقد راجت بتأثيرهم تلك النزعة الفلسفية الاعتزالية التي تقوم على تحكيم العقل في أخبار الكتاب والسنة وعمت فتنتها حتى تأثر بها بعض الأغرار ممن تستهويهم زخارف القول وتغرهم لوامع الأسماء والألقاب لهذا رأيت من واجب البيان الذي أتخلص به من إثم الكتمان أن أضع الحق في نصابه فأبين لهؤلاء الشاردين عن منهج الرشد أن تلك الأمور التي يمارون فيها ثابتة ثبوتا قطعيا بأدلة لا تقبل الجدل ولا المكابرة وأن من يحاول ردها أو يسوغ الطعن فيها فهو مخاطر بدينه وهو في الوقت نفسه قد فتح بابا للطعن فيها هو أقل منها ثبوتا من قضايا الدين الأخرى وبذلك نكون أمام موجة من الإنكار لا أول لها ولا آخر وتصبح قضايا العقيدة كلها عرضة لتلاعب الأهواء وتنازع الآراء" ثم ذكر الآيات في رفع عيسى عليه الصلاة والسلام حيا إلى السماء وفي نزوله ثم أورد الأحاديث في نزوله من السماء وقتله الدجال ثم أورد بعض الآثار بذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وجملة من أقوال الأئمة والعلماء في ذلك ثم عقد عنوانا للرد على صاحب المنار قال فيه: "والعجب من هذا الرجل الذي حمل لواء الدفاع عن الإسلام دهرا طويلا ضد خصومه والطاعنين عليه من أهل الأديان الأخرى ونافح مشكورا عن مذهب السلف في العقيدة وأحيا وجدد كثيرا مما درس من معاني الإسلام أقول العجب منه أن يسقط في هذه المسألة سقطة لا قاع لها ويلتوي في فهم الآيات والأحاديث التواء معيبا ويتأثر وهو من رجال الأثر بكلام أستاذه يعني محمد عبده في هذه المسألة السمعية ولكيلا نكون متجنين على الرجل.. ننقل هنا عباراته بنصها ثم نناقشه فيها" وبعد فراغه من مناقشته والرد عليه وعلى شيخه محمد عبده نقل جملة من رد الشيخ محمد حامد الفقي على شلتوت في إنكاره رفع عيسى حيا ونزوله من السماء ثم ذكر جملة من كلام الشيخ عبد الله ابن الصديق الغماري في الرد على شلتوت في ذلك أيضا.

ومن أسوأ ما نقله الشيخ محمد رشيد رضا عن شيخه محمد عبده وسكت عليه ولم يتعقبه قوله في تفسير المنار ج 3 ص 317: "وسئل عن المسيح الدجال وقتل عيسى له فقال: أن الدجال رمز للخرافات والدجال والقبائح التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها والأخذ بأسرارها وحكمها وأن القرآن أعظم هاد إلى هذه الحكم والأسرار وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم مبينة لذلك فلا حاجة للبشر إلى إصلاح وراء الرجوع إلى ذلك" انتهى. أقول: ومادام أن الشيخ محمد رشيد رضا سقط هذه المسقطة السحيقة في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام فليس بمستغرب أن يسقط ويتردى في شأن المهدي.

16-

ذكر الشيخ ابن محمود في ص 20:

أن محمد فريد وجدي صاحب دائرة معارف القرن العشرين ممن ضعف أحاديث المهدي ونقل كلامه في ذلك وأحب أن يضيف الشيخ ابن محمود إلى معلوماته أن محمد فريد وجدي في كتابه المذكور ج 8 ص 788 اعتبر جميع الأحاديث الواردة في الدجال موضوعة بناء على شبه عقلية وأكثر أحاديث الدجال في الصحيحين للبخاري ومسلم كما هو معلوم وما دام أن أحاديث الدجال على كثرتها في الصحيحين وفي غيرهما حظها من محمد فريد وجدي أن يبطلها بجرة قلم ويحكم عليها جميعها بأنها موضوعة ملفقة فمن باب أولى إبطال أحاديث المهدي لأنها دونها في الكثرة والصحة وقد يكون من المناسب هنا أن أناقش بإيجاز محمد فريد وجدي في شبهه العقلية الأربع التي اعتمد عليها في توهين أحاديث الدجال وقال عنها أنها لا تقبل المناقشة:

ص: 313