المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} إلى غير ذلك من الآيات فإن الذين - الرد على من كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي - جـ ٤٥

[عبد المحسن العباد]

الفصل: حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} إلى غير ذلك من الآيات فإن الذين

حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} إلى غير ذلك من الآيات فإن الذين تروج عليهم دعوة الدجال في آخر أزمان فيتبعون لعمى بصائرهم مع أنه مكتوب على وجهه كافر يقرأها الكاتب والأمي هم من جنس الذين عميت بصائرهم في عصرنا فلما يحكموا شريعة الإسلام مع قراءتهم القرآن وفيه مثل هذه الآيات وسماعهم لها في الإذاعات ما أشبه الليلة بالبارحة والله المستعان.

‌الشبهة الثالثة:

قوله لماذا لم يذكر في القرآن عن هذا المسيح الدجال شيئا مع خطورة أمره وعظم فتنته كما تدل عليه الأحاديث الموضوعة فهل يعقل أن القرآن يذكر ظهور دابة الأرض ولا يذكر ظهور ذلك الدجال الذي معه جنة ونار يفتتن به الناس.

والجواب عن هذه الشبهة أن الله تعالى قال في كتابه العزيز: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" يعني السنة، والسنة والقرآن متلازمان لا يفترقان ومن لم يؤمن بالسنة لم يؤمن بالقرآن ومن زعم فصل السنة عن القرآن يقال له أين وجدت في القرآن أعداد الصلوات وأعداد ركعاتها وكيفيتها وغير ذلك مما لا يعرف توضيحه وبيانه إلا في السنة التي هي شقيقة القرآن والموضحة والمبينة له، ولم تعدم السنة منذ أزمان أعداء لها هم في الحقيقة أعداء للقرآن يشككون فيها ويحاولون فصلها عن القرآن وقد هيأ الله من العلماء من يذب عنها ويدحض شبه أعدائها ومنهم الحافظ السيوطي فقد ألف رسالة لطيفة سماها مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة افتتحها بعد حمد الله بقوله:"اعلموا يرحمكم الله أن من العلم كهيئة الدواء ومن الآراء كهيئة الخلاء لا تذكر إلا عند داعية الضرورة وإن مما فاح ريحه في الزمان وكان دارسا بحمد الله منذ زمان وهو أن قائلا رافضيا زنديقا أكثر في كلامه أن السنة النبوية والأحاديث المروية- زادها الله علوا وشرفا- لا يحتج بها وأن الحجة في القرآن خاصة" إلى أن قال: "فاعلموا رحمكم الله أن من أنكر كون حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولا كان أو فعلا بشرطه المعروف في الأصول حجة كفر وخرج عن دائرة الإسلام وحشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة روى الإمام الشافعي رضي الله عنه يوما حديثا وقال إنه صحيح فقال له قائل: "أتقول به يا أبا عبد الله" فاضطرب وقال: "يا هذا أرأيتني نصرانيا؟ أرأيتني خارجا من كنيسة أرأيت في وسطي زنارا؟ أروي حديثا عن رسول الله ولا أقول به".

ورسالة السيوطي هذه رسالة عظيمة مفيدة.

‌الشبهة الرابعة:

قوله إن كون هذه الأحاديث موضوعة يعرف بالحسي من الحديث الطويل الذي نسب إلى النواس بن سمعان ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو الحديث الذي ينبئ أن الدجال يخرج من خلة بين الشام والعراق ويعمل الأعاجيب ثم يدركه عيسى فيقتله ثم يؤمر عيسى بأن يعتصم بالطور هربا من قوم لا قدرة عليهم وهم يأجوج ومأجوج- إلى أن قال- فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض فلنقتل من في السماء فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما- إلى أن قال- أن تنظر إلى تركيب هذه القصة نظر منتقد لا يخطر ببالك شك في أنها موضوعة وقد وضعها واضع لا يفرق بين الممكن والمستحيل وبين سنن الله وما تولده الخيالات من الأباطيل ولكن الدليل الحسي على بطلان هذا الحديث أن واضعه لقصر نظره خيل له أن أسلحة الناس لن تزال القسي والسهام والنشاب والجعاب حتى تقوم الساعة ولم يدرك أنه لن يمر على وضع هذا الحديث نحو سبعة قرون حتى يوجد البارود والبندق ولم تمر ستة قرون أخرى حتى لم يكن للقوس والنشاب ذكر وقام مقامه مدافع الماكسيم وقنابل اليد والشرنبيل والأدخنة السامة والغازات الملتهبة والديناميت الذي يتساقط من الطائرات الخ..

وحديث النواس بن سمعان الذي زعم أنه موضوع أخرجه الإمام مسلم في صحيحه وهو واحد من أحاديث

ص: 315

الدجال المتواترة التي اعتبرها محمد فريد وجدي موضوعه وشبهته التي اعتبرها دليلا حسيا على وضع هذا الحديث كون يأجوج ومأجوج يستعملون النشاب وهو سلاح قديم جاءت بعده الأسلحة الفتاكة التي عدد بعض أنواعها ويجاب عن شبهته هذه أن هذا السلاح الذي ورد ذكره في الحديث هو الذي سوف يستعمل حتما من قبل يأجوج ومأجوج إذا خرجوا في آخر الزمان أما الحضارة المادية والأسلحة الفتاكة التي وجدت في هذا العصر فليس بقاء نوعها حتى نهاية الزمان محققا فقد يبقى نوعها حتى ذلك الزمان وقد تنتهي قبل ذلك والله تعالى أعلم بالذي سيكون من بقائها أو انتهائها واحتمال انتهائها أقرب لأن الأحاديث الصحيحة وردت باستعمال الخيل والرماح وإلى السيوف والحراب مع أن النفوس البشرية جبلت على تفضيل المركوبات المريحة واستعمال السلاح الأنكى في الحرب فقد يكون استعمال هذه الأسلحة العادية لعدم وجود الأسلحة الفتاكة. ولا أدري كيف تجرأ هذا المسكين على رد هذا الحديث وزعم أنه موضوع من أجل أنه ذكر فيه سلاح قديم فإن هذا السلاح هو المحقق الوجود في ذلك الوقت لإخبار الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم بذلك في هذا الحديث الصحيح أما أسلحة هذا الزمان ومركوباته فإن وجودها في آخر الزمان غير محقق وإنما هو محتمل ومن قرائن احتمال عدم بقائها ما نسمعه في الإذاعات من الذعر والتخوف من نفاذ النفط وتنافس الدول الصناعية في البحث عن مصادره لما أسموه بالطاقة ليحرك بها الحديد بدلا من البترول حتى لا تكون هذه الحضارة المادية ركاما من الحديد البارد ويحضرني لي هنا نكتة لطيفة سمعتها من رجل قال فيها: "هذه الحمر السائبة التي تعترض طرق السيارات وتسبب الحوادث لو توقف البترول لتشاح الناس فيها وتنافسوا في اقتنائها وشغلوا المحاكم باستخراج صكوك في تملكها والتخاصم عليها وقد يقول قائلهم: إنني قد ورثت هذا عن أبي عن جدي".

ومعذرة للقارئ في هذا الاستطراد الذي لا يخلو من فائدة إن شاء الله في مناقشة محمد فريد وجدي في شبهه الواهية التي اعتمد عليها في إنكار أحاديث الدجال وزعمه أنها موضوعه ومثل هذه الشبه التي أودعها في كتابه دائرة معارف القرن العشرين هي في الحقيقة من جاهلية القرن العشرين.

17-

هناك كاتب من كتاب القرن الرابع عشر اعتمد على كلامه الشيخ ابن محمود دون أن يفصح عن اسمه في رسالته ولا مرة واحدة وهو الأستاذ أحمد أمين صاحب كتاب ضحى الإسلام وسأنقل كلام ابن محمود في رسالته ثم اتبعه بأصله كلام أحمد أمين في ضحى الإسلام.

قال الشيخ ابن محمود ص 37: "إن فكرة المهدي هذه لها أسباب سياسية واجتماعية ودينية وكلها نبعت من عقائد الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها وذلك بعد خروج الخلافة من آل البيت واستغلت الشيعة أفكار الجمهور الساذجة وتحمسهم للدين والدعوة الإسلامية فأتوهم من هذه الناحية الطيبة الظاهرة ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك واحكموا أسانيدها وأذاعوها عن طرق مختلفة فصدقها الجمهور الطيب لبساطته وسكت رجال الشيعة لأنها في مصلحتهم وكانت بذلك مؤامرة شنيعة أفسدت بها عقول الناس وامتلأت بأحاديث تروى وقصص تقص نسبوا بعضها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضها إلى أئمة أهل البيت وبعضها إلى كعب الأحبار وكان لكل ذلك أثر سيئ في تضليل عقول الناس وخضوعهم للأوهام كما كان من أثر ذلك الثورات والحركات المتتالية في تاريخ المسلمين ففي كل عصر يخرج داع أو دعاة يزعم أنه المهدي المنتظر ويلتف حوله طائفة من الناس ويتسببون في إثارة الكثير من الفتن وهذا كله من جراء نظرية خرافية هي نظرية المهدي وهي نظرية لا تتفق مع سنة الله في خلقه ولا تتفق مع العقل الصحيح" انتهى كلام الشيخ ابن محمود.

وقال الأستاذ أحمد أمين في كتاب ضحى الإسلام ج 3/ 241: "وفكرة المهدي هذه لها أسباب سياسية واجتماعية ودينية ففي نظري أنها نبعت من الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها وذلك بعد خروج الخلافة من

ص: 316

أيديهم" وقال في ج 3/243: "واستغل هؤلاء القادة المهرة أفكار الجمهور الساذجة المتحمسة للدين والدعوة الإسلامية فأتوهم من هذه الناحية الطاهرة ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وأحكموا أسانيدها وأذاعوها من طرق مختلفة فصدقها الجمهور الطيب لبساطته وسكت رجال الشيعة لأنها في مصلحتهم" وقال في ص 243. أيضا: "حديث المهدي هذا حديث خرافة وقد ترتب عليه نتائج خطيرة في حياة المسلمين" وقال في ص 244: "فامتلأت عقول الناس بأحاديث تروى وقصص تقص ونشأ باب كبير في كتب المسلمين اسمه الملاحم فيه أخبار الوقائع من كل لون فأخبار العرب والروم وأخبار في قتال الترك" إلى أن قال:

"وجعلت هذه الأشياء كلها أحاديث بعضها نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضها إلى أئمة أهل البيت وبعضها إلى كعب الأحبار ووهب بن منبه وهكذا وكان لكل ذلك أثر سيئ في تضليل عقول الناس وخضوعهم للأوهام كما كان من أثر ذلك الثورات المتتالية في تاريخ المسلمين ففي كل عصر يخرج داع أو دعاة كلهم يزعم أنه المهدي المنتظر ويلتف حوله طائفة من الناس" إلى أن قال: "وهذا كله من جراء نظرية خرافية هي نظرية المهدية وهي نظرية لا تتفق وسنة الله في خلقه ولا تتفق والعقل الصحيح" انتهى.

بعد نقل كلام الشيخ ابن محمود هذا ونقل كلام قدوته في ذلك الأستاذ أحمد أمين يتضح للقارئ أن التابع نقل الكلام المتبوع بنصه ونسبه إلى نفسه دون نسبته إلى قائله وإن كان مثل هذا الكلام يعتبر في الحقيقة منقصة ينسب إليه ثم أن الشيخ ابن محمود يعيب جمهور الأمة سلفا وخلفا أنهم يقلد بعضهم بعضا والمقلد لا يعد من أهل العلم كما في ص 5 و 8 من رسالته وفي نفس الوقت يرضى لنفسه أن يقلد مثل أحمد أمين ومحمد فريد وجدي ممن هم أجانب عن علم الحديث الشريف، فإذا كان من يقلد أهل الاختصاص مثل الترمذي والعقيلي والذهبي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر العسقلاني وغيرهم لا يعد من أهل العلم فبم يوصف من يكون قدوته من هو أجنبي عن العلم الشرعي مثل محمد فريد وجدي وأحمد أمين؟

ومن جعل الغراب له دليلا

يمر به على جيف الكلاب

ثم إني أناقش هذا الكلام الذي اشترك في حمل وزره الأستاذ أحمد أمين والشيخ ابن محمد فأقول:

أولا: ما قاله التابع والمتبوع من أن فكرة المهدي نبعت من عقائد الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها وأنهم استغلوا أفكار الجمهور الساذجة وتحمسهم للدين والدعوة الإسلامية فأتوهم من هذه الناحية الطيبة الطاهرة ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك واحكموا أسانيدها وأذاعوها عن طرق مختلفة وصدقها الجمهور الطيب لبساطته هذان القول الذي قالاه يشتمل على تنقص سلف هذه الأمة أوعية السنة ونقلة الآثار والنيل منهم ووصف أفكارهم بالسذاجة وأنهم يصدقون بالموضوعات لبساطتهم ولا شك أنه كلام في غاية الخطورة لأن القدح بالناقل قدح - بالمنقول وهو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي مقابل هذا الكلام الذي هو من أسوأ الكلام أنقل فيما يلي كلاما لأبي بكر الخطيب البغدادي رحمه الله في أهل الحديث هو من أحسن الكلام قال رحمه الله في كتابه شرف أصحاب الحديث:

"وقد جعل الله تعالى أهله - يعني الحديث - أركان الشريعة وهدم بهم كل بدعة شنيعة فهم أمناء الله من خليقته والواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته والمجتهدون في حفظ ملته أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه أو تستحسن رأيا تعكف عليه سوى أصحاب الحديث فإن الكتاب عدتهم والسنة حجتهم والرسول قدوتهم وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء ولا يلتفتون إلى الآراء، يقبل منهم ما رووا عن الرسول وهم المأمونون عليه والعدول حفظة الدين وخزنته وأوعية العلم وحملته. إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع فما حكموا به فهو المقبول المسموع منهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب مسحن، وهم الجمهور العظيم، وسبيهم- السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر. من كادهم قصمه الله ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم ولا يفلح من اعتزلهم"، المحتاط لدينه إلى إرشادهم

ص: 317

فقير وبصر الناظر إليهم بالسوء حسير وإن الله على نصرهم لقدير، وقال رحمه الله:"فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين وصرف عنهم كيد المعاندين لتمسكهم بالشرع المتين واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين فشأنهم حفظ الآثار، وقطع المفاوز والقفار وركوب البراري والبحار في اقتباس ما يشرع الرسول المصطفى لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى. قبلوا شريعته قولا وفعلا، وحرسوا سنته حفظا ونقلا، حتى ثبتوا بذلك أصلها وكانوا أحق بها وأهلها. وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها فهم الحفاظ لأركانها والقوامون بأمرها وشأنها إذا صدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون".

هذا ما قاله الخطيب البغدادي رحمه الله في أهل الحديث، وبعد أن يتفق ابن محمود مع أحمد أمين في هذا الكلام ينفرد الشيخ ابن محمود بلمز لأهل الحديث فيقول في ص 23 من رسالته: لكن العلماء المتقدمين يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مؤمن بالله ولهذا أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة حتى بلغت خمسين حديثا في قول الشوكاني كما نقله عنه السفاريني في لوامع الأنوار وأورد ابن كثير في نهايته الكثير منها وسأتكلم حول هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.

ثانيا: قول أحمد أمين: "فامتلأت عقول الناس بأحاديث تروى وقصص تقص ونشأ باب كبير في كتب المسلمين اسمه الملاحم فيه أخبار الوقائع من كل لون فأخبار العرب والروم وأخبار في قتال الترك.." ألخ هذا القول فيه زيادة في الهلكة لما فيه من استنكار هذا الباب الذي اشتملت عليه دواوين السنة النبوية وهو باب الملاحم وما يندرج تحته من أحاديث عن أخبار بمغيبات وكثير من أحاديث هذا الباب موجودة في الصحيحين وفي غيرها.

ثالثا: ما قالاه من أن نظرية المهدي نظرية لا تتفق وسنة الله في خلقه ولا تتفق والعقل الصحيح يجاب عنه بأن مثل ذلك لا يصلح أن يطلق عليه نظرية لأنه من الأمور الغيبية التي هي ليست محلا للرأي والنظر وإنما يتوقف قبول ذلك على صحة الحديث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صاحت الأحاديث بخروج المهدي في آخر الزمان والعقل السليم لا يختلف مع النقل الصحيح بل يتفق معه إذ أن العقل تابع للنقل وهو معه كالعامي المقلد مع العالم المجتهد كما قال ذلك بعض العلماء وخروج المهدي في آخر الزمان متفق مع سنة الله في خلقه فإن سنة الله تعالى أن الحق في صراع دائما مع الباطل والله تعالى يهيئ لهذا الدين في كل زمان من يقوم بنصرته ولا تخلو الأرض في أي وقت من قائم لله بحجته والمهدي فرد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينصر الله به دينه في الزمن الذي يخرج فيه الدجال وينزل فيه عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء كما صحت الأخبار بذلك عن الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

18-

اعتبر الشيخ ابن محمود كل ما ورد في المهدي من الأحاديث من قبيل المختلق الموضوع فقد وصف الأحاديث الواردة في المهدي في ص 4 بأنها "مختلقة" وقال في ص 6 "إِنه ليس أول من كذب بهذه الأحاديث" وقال في ص 7 بعد أن ذكر بعض الشبه لإنكارها: "فهذه وما هو أكثر منها مما جعلت المحققين من العلماء يوقنون بأنها موضوعة على لسان رسول الله وأنها لم تخرج من مشكاة نبوته وليست من كلامه فلا يجوز النظر فيها فضلا عن تصديقها". وقال في ص 11: "وأنه بمقتضى التحقيق لها يعني -الأحاديث الواردة في المهدي- والدرس لرواياتها يتبين بطريق اليقين أن فيها من التعارض والاختلاف وعدم التوافق والائتلاف ووقوع الإشكالات وتعذر الجمع بين الروايات ما يحقق عدم صلاحيتها ويجعل العلماء المحققين من المتأخرين وبعض المتقدمين يحكمون عليها بأنها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست من كلامه وينزهون ساحة رسول الله وسنته عن الإتيان بمثلها إذ الشبهة فيها يقينية والكذب فيها ظاهر جلي" وقال في ص 16: "وقد رجح أكثر العلماء المتأخرين من خاصة أهل الأمصار بأنها كلها مكذوبة على رسول الله صلى الله

ص: 318

عليه وسلم"، وقال في ص 19: "لهذا وقبل ذلك تنبه العلماء من المتقدمين والمتأخرين لرد الأحاديث التي يتلونها ويموهون بها على الناس فأخضعوها للتصحيح والتمحيص وبينوا ما فيها من الجرح والتضعيف وكونها مزورة على الرسول من قبل الزنادقة الكذابين" ووصفه في ص 24 بأنه حديث خرافة وكذا في ص 27 وقال في ص 27 "وهذا الجهل هو الذي أدى بأهله إلى وضع خمسين حديثا عند أهل السنة". وقال في ص 29: "وكل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة ويترجح بأنها موضوعة على لسان رسول الله ولم يحدث بها" وقال في ص 31: "وأحاديث المهدي هي بمثابة ألف ليلة وليلة قد أحصاها الشوكاني فيما يزيد على خمسين حديثا" وقال في ص 36: "وقد كاد أن ينعقد الإجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقال في ص58: "ودعوى المهدي في مبدئها ومنتهاها مبنية على الكذب الصريح والاعتقاد السيئ القبيح وهي في الأصل حديث خرافة يتلقفها واحد عن آخر وقد صيغت لها الأحاديث المكذوبة سياسة للإرهاب والتخويف".

هذه فقرات من كلام الشيخ ابن محمود في رسالته تتعلق برد الأحاديث الواردة في المهدي كلها لكونها مختلقة موضوعة مصنوعة مكذوبة مزورة حديث خرافة وبمثابة ألف ليلة وليلة وتعليقي على ذلك ما يلي:

أولا: أن تكرار مثل هذا الكلام وترديد مثل هذه العبارات في مواضع متعددة من رسالة الشيخ ابن محمود هو الذي زاد في حجمها ورفع عدد صفحاتها.

ثانيا: الحديث الموضوع هو الحديث الذي يكون في سنده راو معروف بتعمد الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أسوأ أنواع المردود من الحديث وهو الذي قال فيه المحدثون لا تجوز روايته إلا مع بيان حاله لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" رواه مسلم، والأحاديث الواردة في المهدي كما قال العلماء فيها الصحيح والحسن والضعيف والموضوع فكيف يجرأ أحد على أدعاء أن كل ما ورد في المهدي موضوع! إذ أن معنى هذا الكلام أن كل حديث فيه ذكر المهدي في سنده راو على الأقل معروف بتعمد الكذب في الحديث الشريف ومعلوم أن كل الأحاديث الصحاح والحسان الواردة في المهدي ليس فيها شخص من هذا القبيل بل إن الأحاديث الضعيفة غير الموضوعة مما ورد في المهدي ليس فيها من هو كذاب وقد جمع الحافظ بن حجر الأحاديث التي اعتبرها ابن الجوزي موضوعة في مسند الإمام أحمد وهي قليلة جدا عدتها أربعة وعشرون منها تسعة استخرجها شيخه الحافظ العراقي وذلك في كتاب أسماه القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد أوضح فيها أنه لا يتأتى الحكم على شيء منها بالوضع ومنها حديث ثوبان عند الإمام أحمد:"إذا أقبلت الرايات السود من خراسان فأتوها فإن فيها خليفة الله المهدي" قال فيه في الرد على ابن الجوزي: "وفي طريق ثوبان علي بن زيد ابن جدعان فيه ضعف ولم يقل أحد أنه كان يتعمد الكذب حتى يحكم على حديثه بالوضع إذا انفرد وكيف وقد توبع من طريق آخر رجالها غير رجال الأول" فذكرها.

ثالثا: ما اشتملت عليه هذه العبارات من الإشارة إلى رد الأحاديث والتكذيب بها لكونها متعارضة مختلفة جوابه أن ما كان فيها موضوعا أو ضعيفا لا يلتفت إليه ولا يعارض به غيره وما كان منها ثابتا فإنه مؤتلف غير مختلف وسبق إيضاح هذا في رقم 7.

رابعا: ما أشار إليه في هذه العبارات من أن العلماء المحققين من المتأخرين وبعض المتقدمين حكموا على أحاديث المهدي بأنها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن أكثر العلماء المتأخرين من خاصة أهل الأمصار رجحوا بأنها كلها مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه كاد أن ينعقد الإجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أقول ما أشار إليه في هذه العبارات عن العلماء من متقدمين ومتأخرين من أن الأحاديث في المهدي كلها موضوعة ينقصه التثبت ويفتقر إلى الإثبات ولا سبيل إلى ذلك فأنا شخصيا لا أعلم في المتقدمين من العلماء واحدا قال

ص: 319

بأنها كلها موضوعة وإنما اعرف شخصين أثنين أحدهما أبو محمد بن الوليد البغدادي ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة أنه في طائفة أنكروا أحاديث المهدي معتمدين على حديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم قال ابن تيمية وليس مما يعتمد عليه ولم ينقل عنه ولا عن غيره أنهم اعتبروا أحاديث المهدي موضوعة بل اعتمدوا على حديث ضعيف لا يعتمد عليه والثاني ابن خلدون ولم يقل إن كل الأحاديث في المهدي موضوعة وإنما حكم على أكثرها بالضعف وهو ليس أهلا للحكم لكونه ليس من أهل الاختصاص وأعترف بسلامة بعضها من النقد وقد مر الكلام عن تضعيف ابن خلدون وأنه ليس مما يعتمد عليه في مثل ذلك في رقم 10، ولم يسم الشيخ ابن محمود في رسالته أحدا من العلماء المتقدمين انتقد أحاديث المهدي وضعفها سوى ثلاثة هم ابن خلدون وقبله ابن القيم والشاطبي ولم يكن مصيبا في العزو إليهما إذ لم يقولا بتضعيفها وسبق إيضاح ذلك في رقم 11، 12.

أما القول بأنها موضوعة فهو ما لا أعلم واحدا في الماضين قاله ولو علم الشيخ ابن محمود أحدا منهم سماه في رسالته أما المتأخرون من العلماء الذي كاد أن ينعقد إجماعهم على أن أحاديث المهدي كلها موضوعة كما قال الشيخ ابن محمود فأنا أيضا لا اعرف أحدا له معرفة بالحديث النبوي قال إنها كلها ضعيفة فضلا عن القول بأنها موضوعة وكل الذين سماهم الشيخ ابن محمود في رسالته من المتأخرين خمسة هم الشيخ محمد بن مانع والشيخ أبو الأعلى المودودي والشيخ محمد رشيد رضا ومحمد فريد وجدي والبلاغي، أما الشيخ محمد بن مانع فهو ممن يقول بتصحيح بعض الأحاديث الواردة في المهدي وقد مر إيضاح ذلك في رقم 13 وأما الشيخ المودودي فلم يقل بأنها موضوعة بل لم يقل إنها كلها ضعيفة وإنما قال:"بأن سند هذه الأحاديث ليس في القوة حيث يثبت أمام مقياس البخاري ومسلم لنقد الروايات" وقد مر ذلك في رقم 14، وأما الشيخ محمد رشيد رضا فقد مر في رقم 15 أنه أنكر ما هو أوضع من خروج المهدي وهو نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وأما محمد فريد وجدي فقد زعم أن أحاديث الدجال كلها موضوعة ملفقة وأكثرها في الصحيحين كما هو معلوم وقد مر إيضاح ذلك في رقم 16 أما البلاغي فله ترجمة في معجم المؤلفين المؤلفين 3/ 164لكحالة ذكر فيها أن من آثاره نصائح الهدى في الرد على البهائية ولم أقف على كتابه لأتمكن من إبداء شيء بشأنه ويبدو من ترجمته أنه من الشيعة (فأي إجماع هذا الذي كاد أن ينعقد على خلاف ما عليه سلف الأمة وأوعية السنة) وإني لأسأل الله عز وجل أن يوفق الأحياء ممن عناهم الشيخ ابن محمود بالمتأخرين من علماء الأمصار أسأله تعالى أن يوفقهم لأن يسيروا على الجادة التي سلكها سلفنا الصالح في تعظيم السنة النبوية وأن يعقلوا عقولهم بعقالهم الكتاب والسنة.

19-

نقل الشيخ ابن محمود في ص 20 كلاما لمحمد فريد وجدي من كتابه دائرة معارف القرن العشرين بدأه بقوله ويقول محمد فريد وجدي وقال في نهايته انتهى ومنه ما يلي: "وقد ضعف كثير من أئمة المسلمين أحاديث المهدي واعتبروها مما لا يجوز النظر فيه منهم الدارقطني والذهبي وقد أوردناها مجتمعة لتكون بمرأى من كل باحث في هذا الأمر حتى لا يجرأ بعض الغلاة على التضليل بها على الناس" هكذا عزاه الشيخ ابن محمود إلى محمد فريد وجدي ونص كلام محمد فريد وجدي في كتابه دائرة معارف القرن العشرين ج 10 ص 481 ما يلي: "وقد ضعف كثير من أئمة المسلمين أحاديث المهدي واعتبروها ممن لا يجوز النظر فيه وإننا إذ أوردناها مجتمعة لتكون بمرأى من كل باحث في هذا الأمر حتى لا يجرأ بعض الغلاة على التضليل بها على الناس" انتهى.

وفي كلام ابن محمود هذا خطآن. أحدهما إضافة جملة (منهم الدارقطني والذهبي) إلى كلام محمد فريد وجدي وهو تقويل له ما لم يقله والخطأ الثاني إضافة القول بتضعيف أحاديث المهدي وعدم جواز النظر فيه إلى الحافظين الدارقطني والذهبي وهذا القول بعيد غاية البعد عن مثل هذين الإمامين. أما الذهبي فقد صحح أحاديث كثيرة من أحاديث المهدي في تلخيص المستدرك وأما الدارقطني فلم أقف له على كلام في أحاديث المهدي والقول بأن الحافظين الذهبي والدارقطني يضعفان أحاديث المهدي ويعتبرانها مما لا يجوز النظر فيه غير صحيح وغير مطابق للواقع ولا يستطيع الشيخ ابن محمود إثباته إضافته إليهما مثل إضافة الجملة إلى محمد فريد وجدي.

ص: 320

20-

وقال الشيخ أبو محمود ص 29:

"وإننا بمقتضى الاستقراء والتتبع لم نجد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا صحيحا صريحا يعتمد عليه في تسمية المهدي وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم فيه باسمه".

والجواب أنه ورد فيه أحاديث كثيرة صحيحة قال بصحتها وثبوتها أهل الصناعة الحديثية قديما مثل الترمذي وأبي الحسين الآجري وابن جعفر العقيلي وابن حبان البستي وأبي سليمان الخطابي والإمام البيهقي والقاضي عياض والقرطبي صاحب التفسير المشهور والحافظ الذهبي وشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم والحافظ عماد الدين بن كثير وغيرهم وحديثا بعد القرن العاشر مثل الشيخ علي القارئ والشيخ عبد الرؤوف المناوي والشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني والشيخ صديق حسن خان وغيرهم وممن استقرأها وتتبعها وهو من المحدثين القاضي محمد بن علي الشوكاني مؤلف كتاب نيل الأوطار قال في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح: "والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديث فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف المتواتر عليها هو أقل منها في جميع الاصطلاحات المقررة في الأصول وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك" انتهى.

ومن أوضح الأحاديث في ذلك الحديث الذي أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول لا إن بعضهم أمير بعض تكرمة الله لهذه الأمة" قال ابن القيم بعد أن أورده في كتابه المنار المنيف: "وإسناده جيد وهو مبين لحديث جابر عن مسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمه الله لهذه الأمة".

21-

قال الشيخ ابن محمود في ص 83. سألني غير واحد عن حديث " إن الله يبعث على رأس كل مائة عام سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها" فيسألون هل هذا حديث؟ وهل هو صحيح أو غير صحيح؟ فأجبتهم بأن هذا الحديث رواه أبو داود وصححه الحافظ العراقي والعلامة السخاوي" وفي ص 84 ذكر حديثا ثم قال: "ومثله ما رواه الترمذي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خيرا أم أخره" قال الحافظ أبي بن حجر في فتح الباري: "هذا الحديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة" قال: "وصححه ابن حبان من حديث عمار" انتهى.

أقول: إن المسلك الذي سلكه الشيخ ابن محمود في بيان حكم هذين الحديثين هو المسك الأرشد والمنهج الأحمد إذ عول على حكم من هو أهل للحكم على الأحاديث وتبع أهل الاختصاص في اختصاصهم وكان ينبغي له أن يسير في هذا الاتجاه في معرفة درجه الأحاديث الواردة في المهدي وإذا اقتصرنا على معرفة حكم هؤلاء الحفاظ الأربعة على الأحاديث الواردة في المهدي نجد أن السخاوي اعتبر أحاديث المهدي من قبيل الأحاديث المتواترة إذ ذكر ذلك في جملة الأمثلة والأحاديث المتواترة وذلكَ في كتابه (فتح المغيث بشرح ألفية الحديث) للحافظ العراقي ونجد أنه أيضا ألف في أحاديث المهدي كتابا سماه (ارتقاء الغرف) ذكره في كتابه المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة وقال العجلوني في كشف الخفاء: "ورد ذكره - أي المهدي - في أحاديث أفردها بعض الحفاظ بالتأليف منهم الحافظ السخاوي في كتاب ارتقاء الغرف" الخ.

أما الحافظ العراقي فلم أقف له على كلام بشأن أحاديث المهدي لكن ابنه وتلميذه الحافظ ولي الدين آبازرعه العراقي قد جمع طرق أحاديث المهدي ذكره في مؤلفاته ابن فهد في ذيله على تذكرة الحفاظ للذهبي وأما الحافظ ابن حجر العسقلاني فقد نقل كلام أبي الحسن الأبري في تواتر أحاديث المهدي وسكت عليه وذلك في فتح الباري وفي تهذيب التهذيب كما ذكر جملة من أقوال أهل العلم في ثبوت خروج المهدي في آخر الزمان وذلك في كتابه

ص: 321

فتح الباري وأما أقدم هؤلاء الحفاظ وهو ابن حبان البستي فقد أورد في صحيحه مجموعة من أحاديث المهدي وقد أورد الهيثمي في (موارد الظمآن) جملة منها وقال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري في شرح حديث: "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه" قال: "واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما" انتهى. وهؤلاء الأربعة وهم الإمام ابن حبان البستي والحافظ ابن العراقي والحافظ ابن حجر العسقلاني والحافظ السخاوي يعتبرون قطرة من بحر في عدد الأئمة الحفاظ الذين قالوا بثبوت خروج المهدي في آخر الزمان استنادا إلى الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك.

(22)

- وقال الشيخ ابن محمود في ص 51:

"وهنا حديث كثيرا ما يحتج به المتعصبون للمهدي وهو أن المهدي مع المؤمنين يتحصنون به من الدجال وأن عيسى عليه السلام ينزل من منارة مسجد الشام فيأتي فيقتل الدجال ويدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فيقول المهدي: تقدم يا روح الله فيقول: إنما هذه الصلاة أقيمت لك فيتقدم المهدي ويقتدي به عيسى عليه السلام إشعارا بأنه من جملة الأمة ثم يصلي عيسى عليه السلام في سائر الأيام قال علي بن محمد القارئ في كتابه الموضوعات الكبير: " بأنه حديث موضوع" انتهى.

أقول: لم يقل الشيخ علي القارئ عن هذا الحديث أنه موضوع كما قال الشيخ ابن محمود بل الذي قاله فيه أنه ثابت فقد نقل في كتابه الموضوعات الكبير ص 164 كلام ابن القيم في فضائل المسجد الأقصى وأخرها قول ابن القيم: "وصح عنه صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين يتحصنون به من يأجوج ومأجوج" ثم قال ابن القيم: "فهذا مجموع ما يصح فيه من الأحاديث" وعقب ذلك مباشرة قال الشيخ علي القاري: "قلت وكذا ثبت أن المهدي مع المؤمنين يتحصنون به من الدجال وأن عيسى عليه السلام ينزل من منارة مسجد الشام فيأتي فيقتل الدجال ويدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فيقول المهدي: تقدم يا روح الله فيقول إنما هذه الصلاة أقيمت لك فيتقدم المهدي ويقتدي به عيسى عليه السلام إشعارا بأنه من جملة الأمة ثم يصلى عيسى عليه السلام في سائر الأيام.." انتهى كلام الشيخ علي القاري وهو واضح في إثبات ذلك ولم يقل إنه موضوع كما عزاه إليه الشيخ ابن محمود ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق وقتله الدجال بباب لد وصلاته خلف إمام المسلمين في ذلك الزمان ثابت في صحيح مسلم وغيره وكون ذلك الإمام الذي يصلى عيسى بن مريم خلفه يقال له المهدي ثابت في مسند الحارث بن أبي أسامة.

(23)

عقد الشيخ ابن محمود في رسالته فصلا بعنوان التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر يقع في سبع ورقات يشتمل على أحد عشر حديثا قال قبل كلامه عليها.. وسنتكلم على الأحاديث التي يزعمونها صحيحة والتي رواها أبو داود والإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وكلها متعارضة ومختلفة ليست بصحيحة ولا متواترة لا بمقتضى اللفظ ولا المعنى، وقد أعجب الشيخ عبد الله بن محمود بكلامه في هذا الفصل فقد قال في ص 8:"وقد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه (التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر) شرحت فيه سائر الأحاديث التي رواها أبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والحاكم بما لا مزيد عليه فليراجع".

وقال في ص 27: "إنهم لو رجعوا- يعني الذين يقولون بصحة الأحاديث الواردة في المهدي- إلى التحقيق المعتبر لأحاديث المهدي المنتظر من كتابنا هذا وفكروا في الأحاديث التي يزعمونها صحيحة ومتواترة وقابلوا بعضها ببعض لظهر لهم بطريق اليقين أنها ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة لا باللفظ ولا بالمعنى".

وتعليقي على هذا الفصل ما يلي:

ص: 322

أولا: إن من سهل عليه أن يحكم على كل ما ورد في المهدي سواء كان في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ومسند الإمام أحمد أو في غيرها من دواوين السنة النبوية من سهل عليه أن يحكم على كل ذلك بأنه موضوع مصنوع مزور مختلق مكذوب حديث خرافة بمثابة ألف ليلة وليلة كما أثبت بعض عباراته في ذلك في رقم 18 فإنه يصعب عليه أن يأتي بتحقيق معتبر لأن التحقيق المعتبر يحتاج إلى التأني والتثبت والإطلاع على المصادر المختلفة ومعرفة ما قاله أهل العلم المعتد بهم وأن لا يخرج ذلك التحقيق إلا بعد مدة طويلة ومن أراد أن يقف على التحقيق المعتبر بشأن المهدي المنتظر فيمكنه ذلك بالإطلاع على الرسالة التي أعدها الشيخ عبد العليم عبد العظيم الهندي ونال بها درجة الماجستير من قسم الدراسات العليا بجامعة الملك عبد العزيز بمكة والتي زادت صفحاتها على ستمائة صفحة وهي بعنوان: (الأحاديث الواردة في المهدي في ميزان الجرح والتعديل) والتي مكث في إعدادها مدة تزيد على أربع سنوات جمع فيها ما ورد في الموضوع من الأحاديث والآثار ودرس أسانيدها وبين ما قاله المحدثون عن أحوال رجالها وما قاله أهل العلم في صحتها أو ضعفها ونقل فيها الكثير من أقوال العلماء في تواترها وفي ثبوتها والاحتجاج بها وتكلم فيها في موضوع المهدي من مختلف الجوانب مما جعلها بحق أفضل وأوسع مرجع يرجع إليه في هذه المسألة.

ثانيا: قوله: "وقد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه: (التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر) شرحت فيه سائر الأحاديث التي رواها أبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والحاكم بما لا مزيد علي فليراجع" يفهم من قوله هذا أنه تكلم على كل الأحاديث التي لها تعلق بالمهدي مما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والحاكم وليس الأمر كذلك أما الحاكم فلم يرد له ذكر إطلاقا في ورقات الفصل السبع، وأما الترمذي فقد روى في جامعه في باب ما جاء في المهدي ثلاثة أحاديث الأول والثاني عن ابن مسعود وأبي هريرة:"لو لم يبق من الدنيا إلا يوم" الحديث وقد أورد الشيخ ابن محمود الحديث عند أبي داود فقال: روى أبو داود في سننه عن طريق أبي نعيم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلا منا يملأها عدلا كما ملئت جورا" ورواه الإمام أحمد عن طريق أبي نعيم ورواه الترمذي أيضا.. انتهى.

والملاحظ في هذا شيئان أحدهما عزوه الحديث إلى الترمذي مع أن الترمذي لم يسنده إلا عن ابن مسعود وأبي هريرة. والثاني أن لفظ حديث علي عند أبي داود "لبعث الله رجلا من أهل بيتي" وليس لفظه "رجلا منا" كما نقل الشيخ ابن محمود وهذا اللفظ "رجلا منا" لفظ الحديث في مسند الإمام أحمد وأما الحديث الثالث عند الترمذي فهو حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: "إن في أمتي المهدي" الحديث لم يرد له ذكر في فصل التحقيق المعتبر في رسالة الشيخ ابن محمود، وأما ابن ماجه فقد روى في سننه سبعة أحاديث في باب خروج المهدي ولم يذكر الشيخ ابن محمود في فصله إلا ثلاثة من هذه الأحاديث السبعة وهي حديث أبي سعيد الخدري "يكون في أمتي المهدي" الحديث وحديث ثوبان "يقتتل عند كنزكم" الحديث وحديث أنس "نحن ولد عبد المطلب" الحديث وأما الإمام أحمد فقد عزا إليه الشيخ ابن محمود في الفصل الذي عقده ثلاثة أحاديث مع أن مسند الإمام أحمد فيه أحاديث كثيرة في المهدي غير هذه الثلاثة.

ثالثا: أن كلامه على الأحاديث التي أوردها لبيان ضعفها وبطلانها كما يريد لا يتسم بسمة التحقيق الذي يصلح أن يكون معتبرا وسأكتفي بإيضاح هذا بأمثلة من كلامه على بعض هذه الأحاديث.

المثال الأول: قال الشيخ ابن محمود في ص 48:

"روى الإمام أحمد حدثنا أبو نعيم حدثنا ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمد ابن الحنفية عن أبيه عن علي قال: "المهدى منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة"، وقد رأيت من ينتقد هذا الحديث قائلا: والعجيب أن يكون المهدي بعيدا عن التوفيق والفهم والرشد ثم يهبط عليه الصلاح في ليلة ليكون في صبيحتها داعية هداية ومنقذ أمة ورواه ابن ماجه عن عثمان ابن أبي شيبة وقال: "ياسين العجلي ضعيف" فهذا من جملة الأحاديث التي فيه التصريح باسم المهدي لكنها ليست بصحيحة كما أشار ابن ماجه إلى تضعيفه ومن الأمر العجيب في هذا الحديث

ص: 323

كون المهدي بعيدا عن الهداية والتوفيق والرشد، ثم يهبط عليه في ليلة فيكون في صبيحتها هاديا مهديا ومنقذ أمة من جورها وفجورها".

أقول: بنى الشيخ ابن محمود إنكاره لهذا الحديث على أمرين:

أحدهما: أن ابن ماجه قال: "ياسين العجلي ضعيف".

والثاني: استنكار معناه وهو كون المهدي يصلحه الله في ليلة.

ويجاب عن ذلك: بأن ابن ماجه لم يضعف ياسين العجلي في كتابه السنن عندما أورد هذا الحديث عنه وليس من عادته في سننه أن يشير إلى أحوال الرجال، وإنما طبعة سنن ابن ماجه المشتملة على ترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي اشتملت أحيانا على إيراد كلام البوصيري في زوائد ابن ماجه عقب إيراد الحديث وهو من عمل الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، ثم إن الذين ترجموا لياسين العجلي مثل الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب والحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال لم يذكروا في ترجمته أن ابن ماجه ضعفه ولعل الشيخ ابن محمود لم يسبق إلى نسبة تضعيف ياسين العجلي إلى ابن ماجه، وحاصل ما قاله أهل العلم في تعديل ياسين العجلي أن عباس الدوري قال سمعت يحي بن معين قال:"ليس به بأس" وقال إسحاق بن منصور عن يحي بن معين: "صالح" وقال أبو زرعة: "لا بأس به" ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ولم يزد ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل في بيان حاله على قول ابن معين وأبي زرعة أنه لا بأس به. وقال عنه الحافظ في التقريب: "لا بأس به"، أما ما قيل فيه من الجرح، فقد قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب. وقال البخاري:"فيه نظر" ولا أعلم له حديثا غير هذا يعني هذا الحديث انتهى، ولم يترجم البخاري لياسين في كتابه الضعفاء الصغير وترجم له في التاريخ الكبير ترجمة لم يزد فيها على قوله:"ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية، روى عنه أبو نعيم والعكلي يعد من الكوفيين" وقد أورد البخاري الحديث في ترجمة إبراهيم بن محمد بن الحنفية بإسناد الإمام أحمد وقال: "وفي إسناده نظر" وقال الذهبي في الكاشف: ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية وعنه وكيع وأبو نعيم: ضعيف وحاصل ما قيل في جرحه أن البخاري قال فيه: "فيه نظر" كما نقله الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب غير أن البخاري لم يورده في كتابه الضعفاء الصغير ولم يذكر هذا القدح في ترجمته في التاريخ الكبير وإنما قال في إسناده نظر يعني الحديث فيحتمل أن يكون ذلك النظر الذي في إسناد الحديث لكون ياسين العجلي ليس له إلا هذا الحديث وهو غير مؤثر ويحتمل غير ذلك مما لا يؤثر ويوضح عدم تأثير هذه الكلمة في قبول حديث ياسين العجلي أن الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب أشار إلى ثبوت حديثه هذا فقال: "ووقع في سند ابن ماجه غير منسوب فظنه بعض الحفاظ المتأخرين ياسين بن معاذ الزيات فضعف الحديث به فلم يصنع شيئا" - انتهى.

وأما قول الذهبي في الكاشف: "ضعف" فهو إشارة إلى ما نقل عن البخاري بشأن ياسين وذلك غير مؤثر وقد رمز السيوطي في الجامع الصغير لحسن هذا الحديث واحد من أحاديث كثيرة دالة على ثبوت خروج المهدي في آخر الزمان. وأما القدح في هذا الحديث من جهة استنكار معناه فإن الشيخ ابن محمود تبع في ذلك محمد أبا عبية فإنه هو الذي قال هذا الكلام في تعليقه علن النهاية لابن كثير وقلده فيه ابن محمود ولا شك أن العقل السليم يتفق مع النقل الصحيح، وأي غرابة في معناه حتى يتعجبا منه تعجب المنكر لمقتضاه فالله على كل شيء قدير وهو فعال لما يريد ومن يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ومن أوضح الأمثلة في ذلك ما حصل لمن هو أفضل من المهدي ومن سائر الأمة سوى أبي بكر رضي الله عنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان من أشد الناس على المسلمين ثم تحول بقدرة الله وتوفيقه فصارت شدته على أعداء الإسلام والمسلمين وأصبح ذلك الرجل العظيم الذي إذا سلك فجا سلك الشيطان فجا غيره كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

وبعد هذا أقول: أي تحقيق معتبر قام به الشيخ ابن محمود في الكلام على الحديث؟ أهو إضافة كلام إلى ابن ماجه لم يسبق في إضافته إليه؟ أو هو التقليد للكاتب أبي عبية في إنكار معناه؟

ص: 324

المثال الثاني: قال الشيخ ابن محمود في ص 49:

"روى أبو داود عن هارون بن المغيرة حدثنا ابن أبي قيس عن شعيب بن خالد عن أبي إسحاق قال: "نظر علي إلى ابنه فقال: "إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ثم ذكر قصة - يملأ الأرض عدلا" - وهذا يعد من كلام علي رضي الله عنه وليس بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقط الاحتجاج به، ومن المحتمل أن يكون مكذوبا على علي به". هذه هي الصيغة التي أوردها الشيخ ابن محمود في نقله الحديث من سنن أبي داود وهذا هو ما بنى عليه الشيخ ابن محمود تضعيف الحديث، أما الصيغة في سنن أبي داود فهي عن أبي إسحاق قال: "قال علي رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال: "إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث"، وأما الحديث فهو بهذا الإسناد ضعيف وليس السبب في ضعفه ما قاله الشيخ ابن محمود من أنه يعد من كلام علي رضي الله عنه، وليس بحديث فسقط الاحتجاج به لأن القول الذي يقوله الصحابي ينقسم إلى قسمين..ما للرأي فيه مجال، وما ليس له فيه مجال، فالذي للرأي فيه مجال يكون من قول الصحابي ولا يعد حديثا..أما الذي لا مجال للرأي فيه مثل هذا الحديث، فإنه يعد حديثا وله حكم الرفع وهو الذي يطلق عليه المحدثون المرفوع حكما لا تصريحا..وقد أوضح ذلك الحافظ ابن حجر في كتابه شرح نخبة الفكر فقال:"ومثال المرفوع من القول حكما لا تصريحا أن يقول الصحابي الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات ما لا مجال للاجتهاد فيه ولا له تعلق ببيان لغة أو شرح غريب كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة، وكذا الأخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص، وإنما كان له حكم المرفوع لأن إخباره بذلك يقتضي موقفاً للقائل به، ولا موقف للصحابة إلا النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة، فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني وإذا كان كذلك فله حكم ما لو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع سواء كان ممن سمعه منه أو عنه بواسطة"، انتهى كلام ابن حجر، وقال الشوكاني في كتابه التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والدجال والمسيح: بعد أن ذكر الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنها بلغت حد التواتر قال: "وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة جدا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك" انتهى.

وبهذا يتضح أن كلام الشيخ ابن محمود في تضعيف هذا الحديث ليس من التحقيق المعتبر والتحقيق المعتبر هو ما قاله المحدثون في إسناده وهو أن فيه انقطاعا في أعلاه وفي أسفله، أما الانقطاع الذي في أعلاه، فأبو إسحاق السبيعي قيل إنه لم يسمع من علي رضي الله عنه وإنما رآه رؤية وذلك أنه ولد لسنتين بقيا من خلافة عثمان رضي الله عنه، والانقطاع الذي في أسفله هو أن أبا داود لم يسم شيخه فيه وإنما قال:"حدثت عن هارون ابن المغيرة" وقد قال المنذري في اختصار سنن أبي داود عقب هذا الحديث: "هذا منقطع أبو إسحاق السبيعي رأى عليا رضي الله عنه رؤية"، وقال فيه أبو داود:"حدثت عن هارون ابن المغيرة".

مثال الثالث: قال الشيخ ابن محمود في ص 49:

"روى أبو داود في سننه من حديث سفيان الثوري بسنده عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا من أمتي أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما" ورواه أحمد والترمذي وقال:"حسن صحيح.."

والجواب: أن علماء الحديث قد تحاشوا عن كثير من أحاديث أهل البيت كهذه الأحاديث وأمثالها، لكون الغلاة قد أكثروا من الأحاديث المكذوبة عليهم وفي صحيح البخاري عن أبي جحيفة قلت لعلي رضي الله عنه:"هل خصكم رسول الله بشيء؟ " فقال: "لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا وما في هذه الصحيفة" قلت: "وما في هذه الصحيفة" قال: "العقل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر" وفي رواية: "والمؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم" ولم يذكر شيئا من هذه الأحاديث التي هي من عالم الغيب ولهذا تحاشى البخاري ومسلم عن إدخال شيء من أحاديث المهدي في صحيحيهما لكون الغالب عليها الضعف والوضع،

ص: 325

وأصح ما ورد في ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" وقد وقع ما أخبر به حيث تنازل الحسن عن المطالبة بالملك لمعاوية ابن أبي سفيان فاطفأ الله به نار الحرب بين الصحابة وسموا ذلك العام بعام الجماعة" انتهى.

هذا هو التحقيق المعتبر الذي أتى به الشيخ ابن محمود لإبطال هذا الحديث وتعليقي على هذا التحقيق ما يلي:

أولا: لم يتطرق الشيخ ابن محمود هنا لإبداء علة محددة لتضعيف هذا الحديث وإنما لكون شأنه تضعيف الأحاديث بالجملة أتى بما يشمله ويشمل غيره فقال: والجواب أن علماء الحديث قد تحاشوا عن كثير من أحاديث أهل البيت كهذه الأحاديث وأمثالها لكون الغلاة قد أكثروا من الأحاديث المكذوبة عليهم، ومن جهة أخرى فالحديث قد خرجه فيمن خرجه أبو داود والترمذي والإمام أحمد كما أشار إليه الشيخ ابن محمود هنا فكيف يتفق ذلك مع قوله إن علماء الحديث قد تحاشوا الخ. وهؤلاء الأئمة الثلاثة من علماء الحديث.

ثانيا: ما أشار إليه من سؤال أبي جحيفة عليا رضي الله عنه وإجابة علي أبا جحيفة بجواب ليس منه هذه الأحاديث التي هي من عالم الغيب جوابه أن عدم ذكر أحاديث المهدي التي هي إخبار عن شيء مستقبل في إجابة علي على سؤال أبي جحيفة لا يدل على بطلانها لأن العبرة في ثبوت أي حديث أن يصح إسناده، وهذا الحديث واحد من أحاديث كثيرة صحت عن رسول الله صلى عليه وسلم في خروج المهدي في آخر الزمان، هذا من جهة ومن جهة أخرى فعلي رضي الله عنه أحد الصحابة الذين رووا هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديثه هو المثال الرابع الآتي بعد هذا.

ثالثا: قوله: ولهذا تحاشى البخاري ومسلم عن إدخال شيء من أحاديث المهدي في صحيحيهما لكون الغالب عليها الضعف والوضع جوابه أن عدم إخراج الحديث في الصحيحين ليس دليلا على ضعفه وقد أوضحت ذلك في رقم (5) وهذا أحد المواضع التي يكرر فيها الشيخ ابن محمود مثل هذا الكلام.

رابعا: المتبادر من سياق حديث أبي جحيفة في كلام الشيخ ابن محمود أن قوله: وفي رواية: " والمؤمنون تتكافأ دماؤهم" الحديث في صحيح البخاري وليس الأمر كذلك فهذه الرواية عند الإمام أحمد والنسائي وأبي داود.

خامسا: حديث ابن مسعود رضي الله عنه هذا قال فيه الترمذي: "حديث حسن صحيح" وسكت عليه أبو داود والمنذري وكذا ابن القيم في تهذيب السنن وقد أشار إلى صحته ابن القيم في المنار المنيف وصححه ابن تيمية في كتابه منهاج السنة.

المثال الرابع: قال الشيخ ابن محمودة ص 42: وروى أبو داود في سننه عن طريق أبي نعيم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلا منا يملأها عدلا كما ملئت جورا" ورواه الإمام أحمد عن طريق أبي نعيم ورواه الترمذي أيضا.

والجواب: "أن هذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي يزعمونها صحيحة وهي ليست بصريحة في الدلالة على المعنى الذي ذكروه إذ ليس فيها ذكر للمهدي وعلى فرض صحته فإنه لا مانع من جعل هذا الرجل الذي يملأ الأرض عدلا من جملة المسلمين الذين مضوا وانقرضوا واستقام عليهم أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين فقوله منا.. يحتمل أن يكون من أهل ديننا وأمتنا على أن وجود رجل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يحتمل أن يكون من المحال فقد خلق الله الدنيا وخلق فيها المسلم والكافر والبر والفاجر.. كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لكون الدنيا دار ابتلاء وامتحان.. والمصارعة لا تزال قائمة بين الحق والباطل، وبين المسلمين والكفار، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنتم في الأمم المكذبة

ص: 326

للرسل إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود.." وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله يا آدم ابعث بعث النار فيقول يا رب وما بعث النار فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة" وعلى كل حال فإنه ليس في الحديث التصريح باسم المهدي ولا زمانه ومكانه، ولا الإيمان به ولا يمتنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذي استقام بهم الدين وبسطوا العدل في مشارق الأرض ومغاربها بين المسلمين وبين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين.. وهذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي يزعمونها صحيحة وليست بصريحة" انتهى.

هذا هو التحقيق المعتبر الذي توصل إليه الشيخ ابن محمود لرد هذا الحديث.. وواضح أنه لم يتطرق إلى إبداء علة في الإسناد لرده وإنما درج في رده كما درج في رد غيره من الأحاديث على النهج الذي اتبعه بعض كتاب القرن الرابع عشر وهو الاعتماد على الشبه العقلية في رد النصوص الشرعية ويجاب على هذا التحقيق الذي جزم الشيخ ابن محمود بأنه معتبر بما أرجو أن يكون تحقيقا معتبرا وذلك فيما يلي:

أولا: قوله: "إن هذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي يزعمونها صحيحة وهي ليست صريحة في الدلالة على المعنى الذي ذكروه إذ ليس فيها ذكر للمهدي"، جوابه أن المحدثين عندما يصححون الأحاديث أو يضعفونها يبنون أحكامهم على منهج علمي دقيق لم تحظ به أي أمة من الأمم السابقة ولا يظفر به أحد ليس من أهل الحديث إلا إذا سلك المسلك الذي سلكوه ومشى على النهج الذي رسموه وهو الاعتماد على الإسناد ومعرفة أحوال رجاله واتصاله أو انقطاعه وغير ذلك، وهذا الحديث بهذا الإسناد ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده على شرط البخاري وقد سكت عنه أبو داود والمنذري وقال فيه صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود..

الحديث سنده حسن قوي، وقد روى هذا الحديث جماعة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ابن مسعود وأبو هريرة وأم سلمة وأبو سعيد الخدري. رضي الله عن الجميع.. وقد تقدم حديث ابن مسعود رضي الله عنه في المثال الثالث وهذا الحديث بطرقه المتعددة عن الصحابة رضي الله عنهم يدل على أنه يلي أمر المسلمين في آخر الزمان رجل من أهل بيت النبوة يسمى محمد بن عبد الله وهو وإن لم يصرح فيه بوصف المهدي متفق مع النصوص الأخرى المصرحة بهذا الوصف وعلى ذلك درج أهل الحديث حيث أوردوا مثل هذا مما لم يصرح فيه بوصف المهدي وما صرح فيه بهذا الوصف في باب خروج المهدي كما فعل أبو داود والترمذي وغيرهما.

ثانيا: قوله: "وعلى فرض صحته فإنه لا مانع من جعل هذا الرجل من جملة المسلمين الذين مضوا وانقرضوا واستقام عليهم أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين"، فقوله مما يحتمل أن يكون من أهل ديننا وملتنا جوابه أن الحديث صحيح واقعا لا فرضا، ولا يصلح حمله على أحد مضى لأن علماء الحديث حملوه على المهدي الذي يخرج في آخر الزمان ويدل لكون المقصود ذلك الذي يكون في آخر الزمان الحديث نفسه وذلك في قوله:"لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد " وفي حديث ابن مسعود "لطول الله ذلك اليوم.." وهو واضح في أن ذلك مراد به المهدي الذي يكون في آخر الزمان ولا يصلح حمله على أحد قبله، أما لفظ "رجل منا" التي تأولها الشيخ ابن محمود رجلا من أهل ديننا وملتنا فهو ليس لفظ أبي داود كما يوهم ذلك إيراد الشيخ ابن محمود الحديث عنه وإنما هو لفظ حديث علي في مسند الإمام أحمد، ولفظ الحديث عند أبي داود "رجلا من أهل بيتي" وهو موضح المراد من لفظ الحديث في مسند الإمام أحمد.

ثالثا: قوله: "على أن وجود رجل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يحتمل أن يكون من المحال، فقد خلق الله الدنيا وخلق فيها المسلم والكافر، والبر والفاجر.. كما قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لكون الدنيا دار ابتلاء وامتحان، والمصارعة لا تزال بين الحق والباطل وبين المسلمين والكفار"، جوابه أن الله على كل شيء قدير ولا يستحيل على قدرة الله شيء.. هذا أولا وثانيا أنه لا يلزم من قوله:"يملأها عدلا" انقراض الشر، فالشر موجود في زمن المهدي.. والصراع بين الحق والباطل قائم في زمانه.. وأعظم فتنة في الحياة الدنيا هي فتنة الدجال وخروجه على الناس.. يكون في ذلك الزمان.. يوضح ذلك أن قوله:"كما ملئت جورا" لا يدل على انقراض

ص: 327

الخير وإنما سنة الله في خلقه أن يكون الصراع بين الحق والباطل في هذه الحياة الدنيا ففي بعض الأزمان يقوى جانب الخير على جانب الشر وأحيانا يقوى جانب الشر ولا تخلو الأرض من أهل الخير إلا في الذين تقوم عليهم الساعة وفي زمان المهدي يكون جانب الحق قويا والخير منتشرا كما هو الشأن في صدر الإسلام وسبق في رقم 21 أن ابن حبان كما نقله عنه الحافظ في فتح الباري استدل بأن حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا "لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه" ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي وأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

رابعا: قوله: "وعلى كل حال فإنه ليس في الحديث التصريح باسم المهدي ولا زمانه ولا مكانه ولا الإيمان" به جوابه أن هذا الحديث وغيره من الأحاديث في معناه هي في المهدي الذي يخرج في آخر الزمان كما عليه علماء الحديث كما مر بيانه في الفقرة الأولى من الكلام على هذا الحديث وأما زمانه فقد أوضحت الأحاديث أنه يكون في زمن عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وزمن الدجال وأما مكانه فإنه يكون عند نزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام من السماء في أرض الشام في بيت المقدس كما ورد في بعض الأحاديث إذ يصلي خلف المهدي ثم يخرج لقتل الدجال. وأما الإيمان به فمذهب أهل السنة والجماعة التصديق بما صح من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك خروج المهدي والدجال ونزول عيسى عليه السلام من السماء وغير ذلك.

خامسا: قوله: "ولا يمنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذين استقام بهم الدين وبسطوا العدل في مشارق الأرض ومغاربها بين المسلمين وبين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين" جوابه أن يقال وما المانع أن يكون المقصود به المهدي الذي يخرج في آخر الزمان الذي هو قول العلماء المحدثين أوعية السنة وجهابذة الأمة وهو الذي يقتضيه لفظ الحديث في قوله: "لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد.." ثم إن الشيخ ابن محمود قال في أول الكلام على هذا الحديث: "على أن وجود رجل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يحتمل أن يكون من المحال" ثم في آخر الكلام على الحديث قال: "ولا يمتنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذين استقام بهم الدين وبسطوا العدل في مشارق الأرض ومغاربها بين المسلمين وبين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين"، فالشيء الذي كان في أول الكلام على الحديث يحتمل أن يكون من المحال، أصبح مثله في الكلام على آخر الحديث من الممكن، وهكذا شأن الكلام المفتقر إلى التحقيق ينقض أخره أوله.

هذه أمثلة من كلامه على أربعة أحاديث وهي مقياس ونموذج لكلامه على بقية الأحاديث التي أوردها في فصل التحقيق المعتبر البالغ عددها جميعا أحد عشر عقبت كلامه بما يوضح بأنه كلام يفتقر إلى التحقيق المعتبر وأدهى من ذلك وأمر اغتباطه بهذا التحقيق وقوله أنه تكلم على الأحاديث بما لا مزيد عليه والله المستعان وإن تعجب فعجب قوله: "إنهم- يعني الذين يقولون بصحة الأحاديث في خروج المهدي- لو رجعوا إلى التحقيق المعتبر لأحاديث المهدي المنتظر من كتابنا هذا وفكروا في الأحاديث التي يزعمونها صحيحة ومتواترة وقابلوا بعضها ببعض لظهر لهم بطريق اليقين أنها ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة لا بالفظ ولا بالمعنى" فإن مما لا شك فيه أن الشيخ ابن محمود يعتبر هذه الإحالة هنا إحالة على مليء وكذلك الإحالة في قوله في ص 8: "وقد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر شرحت فيه سائر الأحاديث التي رواها أبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والحاكم بما لا مزيد عليه فليراجع" لكن الواقع أن أي طالب علم له إلمام قليل في معرفة الحديث الشريف يرجع إلى هذا الفصل يجد النتيجة بالعكس كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.

فأنا أحد طلاب العلم الصغار قصير الباع قليل الإطلاع لما رجعت إلى ذلك الفصل أسفت كثيرا وأشفقت على فضيلة الشيخ ابن محمود -حفظه الله- إذ زج بنفسه في لجج لا يجيد السباحة فيها وتذكرت قول الشيخ أحمد شاكر في ابن خلدون إذ قال: " أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس له به علم واقتحم قحما لم يكن من رجالها وتهافت في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي تهافتا عجيبا وغلط أغلاطا واضحة.." وإذا كان هذا رأي طالب العلم الصغير فما الشأن في العلماء الكبار في الحاضر والمستقبل عندما يقفون على هذه الرسالة والفصل الذي اشتملت عليه؟.

- للبحث بقية -

ص: 328