الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَلَذُّذُ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ بِعِبَادَتِهِ فِي اللَّيْلِ
64 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَرْبِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْمَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ يَعْنِي الدَّارَانِيَّ، يَقُولُ:" لَوْلَا اللَّيْلُ مَا أَحْبَبْتُ الْبَقَاءَ فِي الدُّنْيَا، وَمَا أُحِبُّ الْبَقَاءَ فِي الدَّنْيَا لِتَشْقِيقِ الْأَنْهَارِ، وِلَا لِغَرْسِ الْأَشْجَارِ "
وَصَايَا رَاهِبٍ
65 -
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
يُونُسَ، حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ عَلِيٍّ الْهِزَّانِيُّ وَكَانَ مِنَ الْعُبَّادِ، قَدْ لَصَقَ بَطْنَهُ بِظَهْرِهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ:" مَرَرْتُ بِرَاهِبٍ فَنَادَيْتُهُ: يَا رَاهِبُ، مَنْ تَعْبدُ؟ قَالَ: " الَّذِي خَلَقَنِي وَخَلَقَكَ " قُلْتُ: " فَعَظِيمٌ هُوَ "؟ قَالَ: " عَظِيمُ الْمَنْزِلَةِ، قَدْ جَاوَزَتْ عَظَمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ " قُلْتُ:" فَمَتَى يَرُوقُ الْعَبْدُ الْإِنْسَ بِاللَّهِ "؟ قَالَ: " إِذَا عَفَا الْوِدُّ وَخَلُصَتِ الْمُعَامَلَةُ " قُلْتُ: " فَمَتَى يَصْفُو الْوِدُّ "؟ قَالَ: " إِذَا اجْتَمَعَ الْهَمُّ فَصَارَ فِي الطَّاعَةِ " قُلْتُ: " فَمَتَى تَخْلُصُ الْمُعَامَلَةُ "؟ قَالَ: " إِذَا كَانَ الْهَمُّ هَمًّا وَاحِدًا " قُلْتُ: " كَيْفَ تَخَلَّيْتَ بِالْوَحْدَةِ "؟ قَالَ: لَوْ ذُقْتَ حَلَاوَةَ الْوَحْدَةِ، لَاسْتَوْحَشْتَ إِلَيْهَا مِنْ نَفْسِكَ " قُلْتُ:" مَا أَكْبَرُ مَا يَجِدُ الْعَبْدُ مِنَ الْوَحْدَةِ "؟ قَالَ: " الرَّاحَةُ مِنْ مُدَارَاةِ النَّاسِ، وَالسَّلَامَةُ مِنْ شَرِّهِمْ " قُلْتُ: " بِمَا يُسْتَعَانُ عَلَى قِلَّةِ الْمَطْعَمِ "؟ قَالَ: " بِالتَّحَرِّي فِي الْمَكْسَبِ، وَالنَّظَرِ فِي الْكَسْرَةِ " قُلْتُ: زِدْنِي "؟ قَالَ: " كُلْ حَلَالًا وَإِنْ قَلَّ حَيْثُ شِئْتَ " قُلْتُ: " فَأَيْنَ طَرِيقُ الرَّاحَةِ "؟ قَالَ: " خِلَافُ الْهَوَى "
قُلْتُ: " وَمَتَى يَجِدُ الْعَبْدُ الرَّاحَةَ "؟ قَالَ: " إِذَا وَضَعَ قَدَمَهُ فِي الْجَنَّةِ " قُلْتُ: " لِمَ تَخَلَّيْتَ مِنَ الدُّنْيَا وَتَعَلَّقْتَ فِي هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ "؟ قَالَ: " لِأَنَّهُ مَنْ مَشَى عَلَى الْأَرْضِ عَثَرَ وَخَافَ اللُّصُوصَ، فَتَعَلَّقْتُ فِيهَا وَتَحَصَّنْتُ بِمَنْ فِي السَّمَاءِ مِنْ فِتْنَةِ أَهْلِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهُمْ سُرَّاقُ الْعُقُولِ، فَخِفْتُ أَنْ يَسْرِقُوا عَقْلِي، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَلْبَ إِذَا صَفَا ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ، وَأَحَبَّ قُرْبَ السَّمَاءِ، وَفَكَّرَ فِي قُرْبِ الْأَجَلِ، فَأَحَبَّ أَنْ يُوَكَّلَ إِلَى رَبِّهِ " قُلْتُ: " يَا رَاهِبُ، مِنْ أَيْنَ تَأْكُلُ "؟ قَالَ: " مِنْ زَرْعٍ لَمْ أَبْذُرْهُ، بَذَرَهُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الَّذِي نَصَبَ الرَّحَا، يَأْتِيهَا بِالطَّحِينِ، وَأَشَارَ إِلَى ضِرْسِهِ قُلْتُ: " كَيْفَ تَرَى حَالَكَ "؟ قَالَ: " كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا بِلَا أُهْبَةٍ، وَيَسْكُنُ قَبْرًا بِلَا مُؤَنِسٍ، وَيَقِفُ بَيْنَ يَدَيِّ حَكَمٍ عَدْلٍ " ثُمَّ أَرْسَلَ عَيْنَيهِ فَبَكَى قُلْتُ:" ما يُبْكِيكَ "؟ قَالَ: ذَكَرْتُ أَيَّامًا مَضَتْ مِنْ أَجَلِي لَمْ أُحَقِّقُ فِيهَا عَمَلِي، وَفَكَّرْتُ فِي قِلَّةِ الزَّادِ، وَفِي عَقَبَةِ هُبُوطٍ إِلَى جَنَّةٍ أَوْ إِلَى نَارٍ " قُلْتُ:" يَا رَاهِبُ، بِمَا يُسْتَجْلبُ الْحُزْنُ "؟ قَالَ: " بِطُولِ الْغُرْبَةِ، وَلَيْسَ الْغَرِيبُ مَنْ مَشَى مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَلَكِنَّ الْغَرِيبَ صَالِحٌ بَيْنَ فُسَّاقٍ " ثُمَّ قَالَ: " إِنَّ سُرْعَةَ الِاسْتِغْفَارِ تَوْبَةُ الْكَذَّابِينَ، لَوْ عَلِمَ اللِّسَانُ مِمَّا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَجَفَّ فِي الْحَنَكِ، إِنَّ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمَ سَاكَنَهَا الْمَوْتُ مَا قَرَّتْ لَهَا عَيْنٌ، كُلَّمَا تَزَوَّجَتِ الدُّنْيَا زَوْجًا طَلَّقَهُ الْمَوْتُ، وَالدُّنْيَا مِنَ الْمَوْتِ طَالِقٌ لَمْ تَقْضِ عِدّتَهَا، فَمَثَلُهَا كَمَثَلِ الْحَيَّةِ ليِّنٌ مَسُّهَا وَالسُّمُّ فِي جَوْفِهَا ثُمَّ قَالَ الرَّاهِبُ: " يَا هَذَا، كَمَا لَا يَجْوزُ الزَّائِفَةُ مِنَ الدَّرَاهِمِ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَلَامُهُمْ إِلَّا بِنُورِ الْإِخْلَاصِ، إِنَّ الْفِضَّةَ السَّوْدَاءَ لَتُزَخْرَفُ بِالْفِضَّةِ