المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مؤامرات اليهود ضد المسلمين بعد غزوة خيبر - السيرة النبوية - راغب السرجاني - جـ ٣٤

[راغب السرجاني]

فهرس الكتاب

- ‌فتح خيبر

- ‌أسباب فتح خيبر

- ‌أهداف سرعة خروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خيبر

- ‌سبب عدم قبول الرسول صلى الله عليه وسلم خروج المنافقين معه إلى خيبر

- ‌قرارات الرسول صلى الله عليه وسلم في تأمين عملية اجتياح خيبر

- ‌عوامل ومقومات النصر في جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر

- ‌إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم الراية في خيبر لعلي رضي الله عنه

- ‌بدء تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه تجاه حصون خيبر بعد إصرار اليهود على الحرب

- ‌فتح الرسول صلى الله عليه وسلم لحصون خيبر واحداً تلو الآخر

- ‌فتح الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لحصن ناعم بعد قتل مرحب وأخيه ياسر

- ‌فتح الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لحصن الصعب بن معاذ

- ‌فتح الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لحصن قلعة الزبير

- ‌فتح الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته لحصني أبي والنزار من الشق

- ‌حصار الرسول صلى الله عليه وسلم لحصن القموص وتسليم حصني الوطيح والسلالم

- ‌وقفة مع قتال الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود بخيبر ومقارنة ذلك بقتال غير المسلمين

- ‌مصالحة الرسول صلى الله عليه وسلم ليهود خيبر

- ‌الحكمة من زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي رضي الله عنها

- ‌مؤامرات اليهود ضد المسلمين بعد غزوة خيبر

- ‌الآثار المترتبة على غزوة خيبر

الفصل: ‌مؤامرات اليهود ضد المسلمين بعد غزوة خيبر

‌مؤامرات اليهود ضد المسلمين بعد غزوة خيبر

هل امتنع كيد اليهود بعد هذه الغزوة، وبعد هذا القتال المرير الذي دار عدة أيام بلغ شهراً أو أكثر من القتال؟ هل سكنوا لذلك الأمر؟ لم يكتف اليهود بذلك، بل استمروا في المؤامرات وفي الكيد وفي الدس، حتى إنهم فكروا في قتل الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يغادر خيبر.

وكلنا نعرف قصة الشاة المسمومة، ونحتاج إلى أن نقف وقفة مع هذه الشاة، لنرى رد فعل الرسول عليه الصلاة والسلام مع هذا الأمر، حيث اجتمع اليهود على محاولة اغتيال الرسول عليه الصلاة والسلام بعد انتصار المسلمين في خيبر، وقصة الشاة المسمومة ليست تفكيراً من امرأة واحدة كما تروي بعض الروايات، بل كان بتدبير من كل اليهود، والروايات كلها صحيحة، ولا بد من الجمع بينها كما سنذكر.

هذه رواية في صحيح البخاري تقول: (إن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها صلى الله عليه وسلم، فجيء بها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فسألها عن ذلك؟ قالت: أردت قتلك، قال: ما كان الله ليسلطك على ذلك).

وفي بعض الروايات أن هذه المرأة هي زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم الذي قتله المسلمون قبل ذلك، فأرادت أن تنتقم لزوجها القتيل، ولقومها بصفة عامة.

وهناك رواية أخرى في صحيح البخاري أيضاً وفي صحيح مسلم كذلك، يروي هذه الرواية أبو هريرة رضي الله عنه، يقول:(لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجمعوا لي من هاهنا من اليهود، فجمعوا له اليهود، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقوني عنه؟ فقالوا: نعم، يا أبا القاسم، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: من أبوكم؟ قالوا: أبونا فلان، فقال صلى الله عليه وسلم: كذبتم، بل أبوكم فلان) ذكروا رجلاً معيناً، فذكر لهم خلافه.

(فقالوا: صدقت وبررت).

بهذا السؤال أثبت الرسول عليه الصلاة والسلام لهم أنه يستطيع أن يكتشف الكذب الذي يكذبونه بواسطة الوحي، فسألهم سؤالاً آخر، وقال:(هل أنتم صادقوني عن شيء إن أنا سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كما عرفته في أبينا، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: من أهل النار؟ فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفونا فيها) يعني: يمكث اليهود فيها قليلاً ثم يدخل المسلمون فيها إلى الأبد، هذا كلام اليهود.

فقال صلى الله عليه وسلم: (اخسئوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبداً، فقال لهم بعد ذلك: هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟ فقالوا: نعم، فقال: هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ فقالوا: نعم) يعني: أن اليهود اجتمعوا على جعل السم في الشاة ليقتلوا الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم أعطوا هذه الشاة لامرأة سلام بن مشكم لتهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (ما حملكم على ذلك؟ فقالوا: أردنا إن كنت كذاباً أن نستريح منك، وإن كنت نبياً لن يضرك).

فالرسول صلى الله عليه وسلم بعد اعتراف اليهود اعترافاً صريحاً جازماً بأنهم دبروا محاولة لقتله عفا عنهم جميعاً.

فهذه من أبلغ مواطن الرحمة في حياته صلى الله عليه وسلم، وعفا عن المرأة التي قدمت له الشاة، وسئل مباشرة صلى الله عليه وسلم:(ألا تقتلها؟ قال: لا) ولم يقتل المرأة.

ثم إن أحد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم -وهو بشر بن البراء بن معرور - أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت أكله من الشاة المسمومة، وكما هو مشهور أن الشاة المسمومة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تأكل مني فإني مسمومة)، فالرسول صلى الله عليه وسلم لفظ الشاة وأمر الصحابة ألا يأكلوا، لكن هذا الصحابي بشر بن البراء كان قد ابتلع قطعة من اللحم من هذه الشاة المسمومة فمات بها، فلما مات بشر بن البراء بن معرور رضي الله عنه أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد على المرأة التي قدمت الشاة فقتلها به.

يعني: من كل أرض خيبر لم تقتل إلا امرأة واحدة؛ لأنها قتلت رجلاً من المسلمين بالشاة المسمومة، وإذا قارنا هذه المعركة العظيمة بكل معارك الأرض، كما ذكرنا أن ألمانيا قتل منها (20) مليوناً منهم، (19) مليون مدني، وهذا تكرر في معظم المعارك الأخرى، ففي (ناجازاكي) و (هيروشيما) قتل ربع مليون وكلهم من المدنيين، رجال ونساء وأطفال، فشتان بين حروب المسلمين وبين حروب غير المسلمين.

من الأشياء الهامة جداً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة خيبر غنم مجموعة من صحائف التوراة، ومع أنه صلى الله عليه وسلم يعلم أنها محرفة تمام التحريف، وأنه قد أزيلت منها البشارات التي تبشر به صلى الله عليه وسلم، وأنه قد اعتدي فيها كثيراً على حرمات الله عز وجل، إلا أنه سلم هذه الصحائف كاملة لليهود عندما طلبوها من

ص: 18