المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * فصل في أنواع الدلالة، وشرح الترجمة. * أنواع الدلالة. * - الشرح المختصر للسلم المنورق - جـ ٢

[أحمد بن عمر الحازمي]

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * فصل في أنواع الدلالة، وشرح الترجمة. * أنواع الدلالة. *

‌عناصر الدرس

* فصل في أنواع الدلالة، وشرح الترجمة.

* أنواع الدلالة.

* دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام، وحد كل منها.

* فصل في مباحث الألفاظ، وشرح الترجمة.

* أقسام اللفظ المستعمل من حيث الإفراد والتركيب.

* أقسام المفرد، وتعريف كل منه.

* أقسام الكلي الذاتي، والكلي الغرضي، والواسطة.

* الكليات الخمس، وبيان كل منها.

* فصل في نسبة الألفاظ للمعاني، وشرح الترجمة.

* أنواع النسب، ووجه الحصر، وبيان كل منها.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال الناظم رحمه الله تعالى:

(فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الدَّلَالَةِ الوَضْعِيَّةِ)

سبق أن بحث المنطق إنما هو في المعاني والمعقولات وما يبحثون في الألفاظ، لأن البحث في الألفاظ هو مبحث النحويين الصرفيين البلاغين، أهل اللغة هم الذين يشتغلون البحث في الألفاظ. إذًا: لما كانت هذه المعاني المعقولات لايمكن التعبير عنها إلا بلفظٍ حينئذٍ بحث المناطقة في الألفاظ تبعًا واستكمالاً، وبحثهم هنا يعتبر تابعًا لما يذكره النحاة أو يذكره الصرفيون أو البيانيون أمَّا الأبحاث مشتركة فثم ما يزيد المناطقة ببعض الاصطلاحات مما انفردوا به عن أهل اللغة، هنا بحث الدلالات مشترك بحثه الأصوليون، ويبحثه البيانيون، وكذلك المناطقة. بحث لغوي وليس بمنطقي صِرف إنما لهم بعض الاصطلاح الذي يختصون به دون غيرهم (فِي أَنْوَاعِ الدَّلَالَةِ الوَضْعِيَّةِ) خص نوعًا من أنواع الدلالة، وأنواع الدلالة ستة، محصورة في ستة أقسام.

الدلالة أولاً تعريفها: كون أمرٍ بحيث يفهم منه أمرٌ آخر سواءُ فهم بالفعل أم لا. كون أمرٍ: يعني: وجود شيءٍ وهو الدال، الأمر الأول هذا الدالّ كون أمرٍ من حيث يفهم منه أمرٌ آخر. أمرًا آخر هو المدلول. عندنا دالّ وعندنا مدلول كما تقول الأسد مدلوله: الحيوان المفترس، لفظ الأسد دالّ والمدلول حيوانٌ مفترس. فعندنا دالّ وعندنا مدلول سواءٌ فهم بالفعل أم لا، يعني: لا يشترط في كون الدالّ دالاً أن يفهم بالفعل بحيث إذا لم يفهم حينئذٍ ينتفي عنه وصف الدلالة لا، يكون دالاً ولو لم يفهم منه أحدٍ شيء لأن الوصف بذات اللفظ، لو قال قائل: أسد ولم يفهم منه أحد شيءٍ حينئذٍ هل ينتفى كون الأسد دالاًّ؟ نقول: لا، لا يشترط في كونه دالاًّ أن يفهم بالفعل نعم قد يكون مفهومًا بالفعل، وقد يكون مفهومًا بالقوة. إذًا: كون أمرٍ هو الدالّ بحيث يفهم منه أمرٌ آخر وهو المدلول سواءُ فهم بالفعل أم لا. والدالُّ ينقسم إلى قسمين: لفظي، وغير لفظي. يعني: إمَّا أن يكون لفظًا وإمَّا أن لا يكونَ لفظًا هذان قسمان رئيسان ولا ثالث لهما. وكل واحدٍ منهما ينقسم إلى ثلاثة أقسام فثلاثة في اثنين ستة (3×‌

‌2

=6) لذا قلنا أقسامها ستة، ومبحث المناطقة بواحدٍ منها.

ص: 1

وغير اللفظي إما دالٌّ بالعقل كدلالة التغير على الحدوث كما ذكرناه بالأمس، دلالة التغير على الحدوث كونه لم يكن ثم كان. نقول: هذا دلالة عقلية أو بالعادة التي تسمى: الدلالة الطبيعية، ويعبر عنها بالدلالة العادية، كدلالة المطر على النبات إذا وجد المطر حينئذٍ عادةً أنه يوجد النبات، ولو لم يوجد بالذات حينئذٍ نقول: المطر وجوده دالٌ على وجود النبات هذا هو المكان وليس بلازمٍ ولكنه معتاد، حينئذٍ صارت هذه الدلالة دلالة وضعية، والحمرة على الخجل، إذا خجل الإنسان وكان عنده حياء يحمر وجهه أليس كذلك؟ حينئذٍ نقول: هذه دلالة لكنها طبيعية ليس فيها لفظ، والصفرة على الوجل الخوف، حينئذٍ: اصفر وجهه نقول: هذه دلالة لكنها دلالة غير لفظية. إذًا هذه دلالة طبيعية، أو بالوضع، يعني: التعارف وضعه أو العرف أو الاصطلاح الخاص بين الناس. قالوا: كدلالة الإشارة باليد مثلاً على نعم، أو لا، أو دلالة

نقول: هذه دلالة غير لفظية ماذا تفهم أنت؟ تفهم بالإشارة قم، إذا أشار من سفلٍ إلى علوٍ أو من علوٍ إلى سفلٍ، بمعنى أجلس، نقول: هذه الدال. الإشارة دالّ والمفهوم منه الأمر بالجلوس أو بالقيام، حينئذٍ نقول: هذه دلالة لكنها دلالة غير لفظية، وهذه الثلاثة الأنواع لا بحث للمناطقة فيها البتة وإنما يبحثون في الدالّ اللفظي في نوعٍ واحدٍ منها. واللفظ يعني: الدالّ باللفظ. إمَّا دالٌ بالعقلِ كدلالة اللفظ على وجود اللافظ من وراء جدار قالوا: اللفظ قد يدلُّ دلالة عقلية، متى؟ إذا سمعت شخص يتكلم من وراء جدار مثلاً تعلم أنه حيّ أليس كذلك؟ لماذا؟ ما الذي دلَّك على أنه حي ليس بميت؟ كونه تلفظ كونه تكلم حينئذٍ نقول: هذه دلالة لفظية، دلّت بالعقل على حياته على وجوده فهو حيٌّ ليس بميت أو بالعادة، يعني: لفظٌ وضع في العادة ليدلَّ على شيءٍ آخر: أُحْ. قالوا: هذه دلالة على الوجع الصمتي، حينئذٍ: هذا اللفظ أُحْ بضم الهمزة وإسكان الحاء يدلُّ على وجع الصابرين، أو بالوضع كدلالة الأسد على الحيوان المفترس. هذه ثلاثة أنواع للدالّ اللفظي من باب العقل كدلالة اللفظ على حياة من وراء جدار - الذي تكلم -، أو بالعادة الوضعية كدلالة أُحْ على وجع الصبر، أو دلالة لفظية كدلالة الأسد على الحيوان المفترس. هذه ثلاثة أنواع المناطقة يبحثون في النوع الثالث فقط، وأمَّا الدلالة اللفظية العقلية، والدلالة اللفظية الطبيعية، والعادية لا بحث للمناطقة فيها. حينئذٍ: هذا الفصل عقده لبيان هذا النوع: الدلالة الوضعية. لذلك قال: (فِي أَنْوَاعِ الدَّلَالَةِ الوَضْعِيَّةِ)، أيْ: وضعية، الدلالة الوضعية من حيث هي قسمان: دلالةٌ وضعية عقلية، كما ذكرنا في المثال السابق: دلالة التغيُر على الحدوث. أو دلالة وضعية لفظية: كدلالة الأسد على الحيوان المفترس، لكن أراد لهذا الفصل الدلالة الوضعية اللفظية ولذلك قال:(دلالَةُ اللَّفْظِ) في البيت سنقيد الترجمة لما ذكره في البيت، ونقيد البيت دلالة اللفظ هذه مطلق يشمل ثلاثة أنواع، نقيده بالترجمة فكلٌ منهما نجعله قيدًا للآخر.

(فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الدَّلَالَةِ الوَضْعِيَّةِ)

قال رحمه الله:

ص: 2

دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وَافَقَهْ

يَدْعُونَهَا دَلَالَةَ المُطَابَقَةْ

وَجُزْئِهِ تَضَمُّنًا وَمَا لَزِمْ

فَهْوَ التِزَامٌ إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ

الدلالة الوضعية اللفظية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

دلالة تطابق، أو دلالة مطابقة.

دلالة تضمن.

دلالة امتثال. هذه المشهورة حتى في باب المعتقد، نقول: أسماء الربِّ جلَّ وعلا تدلُّ على صفات بأنواع الدلالات الثلاث كما ذكره ابن القيم وغيره.

دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا وَافَقَهْ

يَدْعُونَهَا دَلَالَةَ المُطَابَقَةْ

(دَلالَةُ اللَّفْظِ)، قلنا: نقيدها بترجمة، أيْ: دلالة اللفظ الوضعية، (عَلَى مَا وَافَقَهْ)، (عَلَى مَا وَافَقَهْ)، (مَا) هنا بمعنى: المعنى، يعني: اسمٌ موصول يصدق على اللفظ: المعنى، (عَلَى) المعنى الذي (وَافَقَهْ)، يعني: وافق اللفظ بأن وُضِعَ له ذلك اللفظ لا لأقل منه ولا لزائدٍ عليه، إذا دلّ اللفظ على تمام المعنى الموضوع له في لسان العرب حينئذٍ نقول: هذه دلالة مطابقة، (دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى) المعنى الذي (وَافَقَهْ)، يعني: وافقه اللفظ بأن لم يكن المعنى زائدَا على ما دلَّ عليه اللفظ ولا أقلَّ منه. نقول: هنا دلَّ اللفظ على تمام ما وضع له في لسان العرب هذا يسمى ماذا؟ دلالة مطابقة.

ما هو الإنسان: حيوانٌ ناطق، إذًا لفظ إنسان صدق على المعنى كله حيوان ناطق لا نقول: الإنسان هو الحيوان فقط دون ناطق ولا نقول: الإنسان هو ناطق فقط دون حيوان. وإنما المعنى الذي وُضِعَ له بلسان العرب هو اصطلاح خاص، لكنهم يمثلون بهذا حيوان ناطق، ومتى ما دلّ اللفظ على تمام المعنى الذي وضع له دون زيادةٍ أو أقل نقصان حينئذٍ نقول: هذه دلالة مطابقة، فدلالة المطابقة ودلالة اللفظ على تمام ما وُضِع له، يعني: في لسان العرب كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق فالمفهوم من اللفظ هو عين المعنى الموضوع له اللفظ، يعني: الذي تفهمه أنت مدلول اللفظ هو المعنى الذي وضع له الملفوظ كما ذكرنا كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق.

(يَدْعُونَهَا)، أيْ: يسمونها. يعني: المناطقة، دلالة المطابقة من إضافة المصاحَب للمصاحِب دلالة المطابقة لمطابقة الدالّ للمدلول لماذا سميت دلالة مطابقة؟ قالوا: إذا تطابق النعلان إذا طابق النعل النَّعل إذا توافقا حينئذٍ نقول: تطابقا. وهنا وافق اللفظ المعنى فتطابقا حصلت المطابقة، طابق النعل النَّعل، يعني: لم يزد أحدهما على الآخر استويا، حينئذٍ حصل بينهما توافق لذلك اللفظ والمعنى حصل بينهما توافق لم يزد اللفظ من حيث الدلالة على المعنى ولم ينقص المعنى عن اللفظ لمطابقة الدالِّ للمدلول، يعني: اللفظ والمعنى. مطابقة الفهم للوضع اللغوي.

ص: 3

ثم قال: (وَجُزْئِهِ تَضَمُّنًا). هذا النوع الثاني، وهو دلالة التضمن وإذا فهمت دلالة التضمن تفهم على جهة التأكيد دلالة المطابقة. دلالة التضمن هنا قال:(وَجُزْئِهِ). بخفض جر عطفًا على قوله: (دَلالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَا)، ما: اسم موصول بمعنى الذي، إذا دلَّ اللفظ على المعنى الذي وافقه فهي دلالة مطابقة، وإذا دلَّ اللفظ على جزئه جزء ماذا؟ جزء المعنى الذي وُضِعَ له في لسان العرب وهذا إنما يتأتى في المعاني المركبة، يعني: اللفظ قد يكون معناه مركبًا فإذا أطلق اللفظ وأريد بعض المعنى دون كله دون تمامه حينئذٍ نقول: هذه دلالة تضمن كما يذكر في اسم الرحمن أنه يدلُّ على الذات فقط بدلالة التضمن، ويدلُّ على صفة الرحمة فقط دون الذات في دلالة التضمن، ويدلُّ على الذات المتصفة بصفة الرحمة بدلالة المطابقة، واضح هذا. اسم الرحمن علم على الربِّ جل وعلا له معنيان، يعني: معناه مركب، ذات متصفة بصفة الرحمة هذا معناه الذي وضع له في لسان العرب. الرحمن ذات متصفة بصفة الرحمة فإذا دلَّ اللفظ وأردت بإطلاق اللفظ الذات مع الوصف كلاهما معًا حينئذٍ نقول: هذه دلالة مطابقة لأن اللفظ أطلق وأريد به المعنى تمامه الذي وضع له في لسان العرب، إذا أردت الذات فقط الرحمن الذات حينئذٍ نقول: هذه دلالة تضمن، لأن اللفظ هنا أطلق وأريد به جزء المعنى لا تمام المعنى هذا ما يسمى بدلالة التضمن. (وَجُزْئِهِ)، يعني: ودلالة اللفظ على جزئه، يعني: جزء المعنى الذي وافق اللفظ يدعونها (تَضَمُّنًا)، يعني: دلالة تضمن. جزئه قلنا: معطوف على ما، وتضمنًا معطوف على دلالة، وهذا ما يسمى العطف على معموليه لعاملين مختلفين، وفيه خلاف بين النحاة. إذًا دلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له تضمنًا وهذه لا تكون إلا في المعاني المركبة، مثالهم المشهور: كدلالة الإنسان على الحيوان فقط، ما معنى الإنسان؟ قالوا: الحيوان الناطق. دلالة الإنسان على الحيوان فقط هذه دلالة تضمن لأن اللفظ أُطلق وأُريد به جزء المعنى لا تمام المعنى، دلالة الإنسان على الناطق فقط دون لفظ الحيوان نقول: هذا أُطلق اللفظ وأُريد به جزء المعنى فيه دلالة تضمن، أو الأربعة على الواحد، الأربعة إذا أُطلق وأريد به الواحد أو الاثنين أو الثلاث حينئذٍ نقول: هذه دلالة تضمن. إذا أُطلق الأربعة وأُريد به تمام اللفظ: أربعة العدد حينئذٍ نقول: هذه دلالة مطابقة. (وَمَا لَزِمْ فَهْوَ التِزَامٌ)، يعني: وأمَّا دلالة اللفظ على ما، يعني: على المعنى اللازم الذي لزم معناه.

ص: 4

هنا دلالة اللزوم أو دلالة الالتزام، أو اللازم أو دلالة الالتزام المعنى لا يؤخذ من المعنى الموضوع له في لسان العرب وإنما هو أمر خارج عن مسمى اللفظ، فاللفظ يطلق ويراد به المعنى حينئذٍ يطلق اللفظ ولا يفهم منه المعنى من جهة دلالة الالتزام وإنما يفهم من خارج كدلالة الأربعة على الزوجية، أربعة في لسان العرب وُضِع للعدد هذا أربعة كونه زوجًا وهو ما قَبِلَ القسمة على اثنين أو قبل الانقسام نقول: هذا أُخذ من ماذا؟ من خارج وهو العقل وأمَّا اللفظ وما وُضع له لا يفهم منه الزوجية كما أن العدد واحد فرد لا يفهم منه الفردية وإنما هو شيء خارج عن مسمى اللفظ لذلك قال: (وَمَا لَزِمْ فَهْوَ التِزَامٌ). (وَمَا)، يعني: المعنى اللازم الذي لزم معناه، يعني: لزم معنى اللفظ. إذا أُطلق اللفظ فُهِم معناه المطابق له في لسان العرب ثم يلزم من هذا المعنى كذا وكذا، فإذا أطلق لفظ الأربعة فُهِمَ منه المعنى المراد في لسان العرب، لكن الزوجية هذا أمر خارج عن مسمى اللفظ هذا يسمى دلالة التزام، ومنه ما ذكره ابن القيم في اسم الرحمن فإنه يدلُّ على صفات أخرى ليست من ذات اللفظ: كالحياة، والعلم، والقدرة هذه كلها يلزم لوصف الرحمن كما نقول: ذات متصفة بالرحمة. إذًا الذات هذه لا تكون إلا حية لا بد من وصفها بالحياة، ولا بد من وصفها بالقيومية، ولا بد من وصفها بالكبرياء والملك إلى آخره حينئذٍ نقول: هذه الصفات لازمة لاسم الرحمن. ولذلك الخلاف بينهم هل أسماء الربّ جلّ وعلا مترادفة أو متباينة؟ ينبني على مثل هذه الدلالات. إذًا نقول: دلالة التزام هي دلالة اللفظ على معنًى خارج عن مسماه لازمٍ له لزومًا ذهنيًّا، إذًا المعنى الذي فهم من اللفظ ليس هو المعنى الذي وُضِع له في لسان العرب بل هو شيء آخر يسمى لازم، والملزوم هو المعنى الذي دلَّ عليه اللفظ بحيث يلزم من فهم المعنى المطابق فهم ذلك الخارج اللازم. الأسد الحيوان المفترس، يلزم منه ماذا يدلُّ على الشجاعة، الشجَاعة هذه مأخوذة من خارج أمَّا اللفظ: حيوان مفترس لا يلزم أن يكون شجاعًا قد يفترس ويكون جبانًا ولا يكون شجاعًا لكن كونه شجاعًا هذا خارجٌ عن مسمى اللفظ، لفظ الشجاعة لم يدلُّ عليها لفظ الأسد وإنما لفظ الأسد وُضِع في لسان العرب ليدلَّ على حيوان مفترس حينئذٍ دلالته على الشجاعة من أين أخذناها؟ نقول: من خارج، فهو لازم للمعنى المطابق له، والأربعة على الزوجية. ودلالة العمى على البصر إذا قيل: فلان أعمى.

ص: 5

ما معنى الأعمى؟ يعني: العمى سلب البصر عدم البصر، إذًا إذا قيل: أعمى يلزم منه أن تفهم معنى البصر لأنك لا يمكن أن تصفه بالعمى إلا إذا أدركت معنى البصر فتفهم أولاً البصر ما هو ثم سلب هذا البصر هو العمى، حينئذٍ لفظ أعمى دلَّ على: معنى البصر لكن هل وضع لفظ أعمى للبصر؟ ما يمكن، لماذا؟ لأنهما متناقضان لا يمكن أن يكون أعمى ومفهومه البصر حينئذٍ نقول: ما معنى أعمى؟ هو عدم البصر ليس مبصرًا، إذًا لا بد أن تفهم معنى كلمة بصر حينئذٍ نقول: لفظ بصر أو معنى البصر لازمٌ خارجٌ عن معنى كلمة أعمى، لا يمكن أن تفهم المعنى المطابقي للفظ أعمى إلا إذا فهمت معنى البصر، هذه تسمى ماذا؟ دلالة التزام، فمعنى البصر خارج ليس هو المعنى الذي وُضِعَ لفظ أعمى له بلسان العرب وإنما المعنى هو عدم البصر هذا معناه في لسان العرب عدم البصر، يعني: نفي البصر، سلب البصر. ما هو البصر لا يمكن أن تسلبه إلا إذا عرفت معنى البصر فصار إدراك معنى البصر لازمٌ خارجٌ عن مسمى أعمى، هل وُضِعَ له في لسان العرب أعمى مفهوم من حيث المفهوم المطابقي له معنى البصر؟ الجواب: لا، اللازم عندنا لازم وملزوم المعنى المطابقي هذا ملزوم وخارج هذه تسمى لازم، ما هو اللازم؟ اللازم هو ما يمتنع انفكاكه عن الشيء، يعني: لا يوجد هذا الشيء إلا ويوجد معه اللازم ما هو اللازم هنا؟ معنى البصر، ما هو الملزوم؟ عدم البصر. عندنا ملزوم، ولازم لا يلتبس عليك، الملزوم هو المعنى المطابقي سلب البصر لازمه إدراك معنى البصر. اللازم ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: اللازم في الذهن والخارج معًا، يعني: في الذهن وفي الخارج كدلالة الأربعة على الزوجية، عرفنا الزوجية المراد بها الانقسام إلى متساويين، يعني: ما يقبل القسمة على اثنين، الانقسام إلى متساويين نقول: هذا الزوج. وإذًا أربعة في العقل في الذهن يلزم منه أن يكون زوجًا، وفي الخارج كذلك وهو الزوج. إذًا اللازم هنا اتحد في الذهن وفي الخارج معًا.

الثاني: اللازم في الذهن دون الخارج، يعني: فقط في الذهن أمَّا في الخارج لا وجود له كالمثال الذي ذكرناه: الأعمى أو العمى عدم البصر يلزم منه إدراك معنى البصر، لكن هل هو موجود في الخارج؟ لا، يعني أن تقول: زيد من الناس أعمى كيف تفسرها؟ زيد من الناس أعمى حينئذٍ لا تفهم معنى أعمى وصفه بالعمى إلا إذا أدركت أنه مبصر، في الخارج هل هو مبصر؟ لا وإنما هو أمر ذهنيٌّ فقط لهذا لازم في الذهن ولا وجود له في الخارج لأن المصدق واحد ولا يمكن أن يكون الأعمى مبصر إلا إذا افترقا عين مبصرة وعين مسلوبة، أمَّا إذا كان بوصفه العينين حينئذٍ نقول: يمتنع أن يوصف بالعمى والبصر في وقت واحد، وأنت لا يمكن أن تدرك معنى العمى إلا إذا أدركت معنى البصر حينئذٍ اللازم يكون في الذهن فقط لا وجود له في الخارج.

ص: 6

الثالث: اللازم في الخارج فقط، قالوا: هذا كدلالة الغراب على السواد. في العقل لا يلزم أن يكون الغراب أسود قد يكون أبيض، قد يكون أحمر لا مانع لكن في الخارج لا يوجد إلا أسود هذا لازم له، إذا أُطلق لفظ الغراب انصرف من حيث اللون إلى السواد، وهذا لازم له لا ينفك عنه، لكن هل هو لازم عقلي؟ الجواب: لا، الثالث هذا لا يسمى دلالة التزام عند المناطقة الذي لا وجود للذهن من حيث اللزوم وعدمه هذا لا يسمى دلالة التزام عند المناطقة، وإنما يختص بالأول والثاني لا بد أن يكون لازمًا في الذهن سواءٌ كان لازمًا في الخارج كالزوجية للأربعة أو ليس بلازم في الخارج كالبصر للعمى، ولذلك قال:(إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ). دلالة الالتزام ما هي؟ وما لزم فهو التزام، متى؟ (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ)، يعني: إن التُزِم هذا اللازم في العقل، الباء هنا بمعنى: في، يعني: لا بد أن يكون اللازم ذِهنيًّا بقطع النظر عن كونه موجودًا في الخارج أو لا، (إِنْ بِعَقْلٍ)(إِنْ) هذا حرف شرط حذف جوابه، وبعقل، يعني: العقل المراد به الذهن القوة المدركة التي يعبر عنها بالنفس كما ذكرناه في الأمس، (إِنْ بِعَقْلٍ) يعني: في عقل (التُزِمْ)، يعني: ذلك اللازم. إذًا دلالة الالتزام نقول: هي دلالة اللفظ على معنًى خارجٍ عن مسماه لازم له لُزومًا ذهنيًّا سواءٌ وجد هذا اللازم في الخارج أو لا، إن لم يكن اللازم لزومًا ذهنيًّا بل كان في الخارج فقط فلا يسمى دلالة التزام فدخل في هذا القيد (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ) نوعان من اللزوم. إذًا هذه أنواع الدلالة الوضعية ثلاثة أقسام: دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام. وهذه تطبق حتى على أسماء الربِّ جلَّ وعلا: كالعليم، والرحمن والرحيم إلى آخره تدلُّ بدلالة المطابقة على الذات مع الوصف، فإذا أريد الذات مع صفة العلم من لفظ العليم فهي دلالة مطابقة، إن أريد به الذات فقط دون الصفة أو الصفة دون الذات حينئذٍ نقول: هذه دلالة تضمن، إن أريد دلالة العليم على الحياة ونحوها من الصفات حينئذٍ نقول: هذه دلالة التزام. واضح هذا.

ثم قال:

(فَصْلٌ فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ)، يعني: في المسائل التي يبحث فيها عن الألفاظ من حيث الإفراد، والتركيب ونحو ذلك والجزئية، والكلية. والمباحث جمع مبحث اسم مكان بمعنى: بحث، يقال: مبحث كذا، أيْ: مكان بيانه، والمكان هنا كناية عن المسائل إذًا:(فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ)، يعني: في مسائل الألفاظ. هو يريد بهذا الفصل أن يصل إلى البيتين الأخيرين وكل هذه الأبيات التي تسبقها إنما هي مقدمة هو يريد الكليات الخمس، لكن لا يمكن أن تفهم الكليات الخمس إلا إذا عرفت التقسيم الذي سيذكره لأن الكليات الخمس هي مبادئ التصورات، قلنا فيما سبق: أن أنواع العلوم محصورة في التصورات، والتصديقات وكل منهما له مبادئ، وله مقاصد. مبادئ التصورات هي الكليات الخمس التي سيذكرها، ومقاصد التصورات هي المعرفات. وهي مادة المعرفات مادتها الكليات الخمس كما سيأتي.

(فَصْلٌ فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ)

مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ حَيْثُ يُوجَدُ

إِمَّا مُرَكَّبٌ وَإِمَّا مُفْرَدُ

ص: 7

فَأَوَّلٌ مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى

جُزُءِ مَعْنَاهُ بِعَكْسِ مَا تَلَا

وَهْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ أَعْنِي المُفْرَدَا

كُلِّيٌّ اوْ جُزْئِيُّ حَيْثُ وُجِدَا

فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ

كَأَسَدٍ وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ

(مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ)، أيْ: المستعمل من الألفاظ. ألفاظ جمع لفظ، واللفظ هو: الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية التي أولها الألف وآخرها الياء، وهو قسمان: مهمل، وهو ما لم تضعه العرب كديز مقلوب زيد، ورفعج مقلوب جعفر، ومستعمل وهو ما وضعته العرب. والتقسيم هنا خاص بالثاني كما هو معلوم من كلام النحاة. (مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ) إذًا المستعمل من الألفاظ، يعني: ما وضعته العرب، (حَيْثُ يُوجَدُ)، يعني: في أيِّ مكان يوجد في أيِّ تركيب، (حَيْثُ) هنا للإطلاق (حَيْثُ) للإطلاق، يعني: في أيِّ تركيب وُجد مستعمل الألفاظ لا يخرج عن نوعين: إمَّا مركب كزيد قائم، وإمَّا مفردٌ كزيد. وهذا ذكرناه أيضًا في معنى الإدراك قلنا: تصور، وتصديق. ما هو الإدراك الذي هو الحقيقة العلم مطلق الإدراك وصول النفس إلى المعنى بتمامه، قلنا: المعنى هذا قد يكون معنى لفظٍ مفرد إن تعلق به الإدراك فهو تصور، وقد يكون هذا المعنى معنى لفظٍ مركب زيد قائم، قام زيد جملة فعلية، وجملة اسمية إن تعلق بالإدراك فهو تصديق قال هنا:(مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ). عند المناطقة (إِمَّا) في أيِّ مكان وجد (إِمَّا مُرَكَّبٌ) كزيد قائم قام زيدٌ، يعني: جملة اسمية، وجملة فعلية، (وَإِمَّا مُفْرَدُ) كزيد (فَأَوَّلٌ) الذي هو المركب ما حقيقته عند المناطقة؟ يختلف التعريف المركب عند النحاة والمفرد عند النحاة ليس هو كالمفرد والمركب عند المناطقة، وهذه من الألفاظ التي اتحدت لكنها اختلفت من حيث المعنى (فَأَوَّلٌ) الذي هو المركب الفاء هذه فاء الفصيحة، أول هذا مبتدأ، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعها في مقام التفصيل، (فَأَوَّلٌ مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزُءِ)، جُزُءِ، جُزْءِ هو فيه لغتان، وهنا يتعين الضم من أجل الوزن. جُزْء هذ اللغة الفصحى، وجُزُء فُعُل هذه لغة كذلك فصيحة لكن هنا يتعين الثاني للوزن (مَا)، أيْ: لفظٌ. (دَلَّ جُزْؤُهُ)، يعني: له جزء وهذا الجزء يدلُّ، دل على ماذا؟ (عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) خرج بقوله:(مَا دَلَّ جُزْؤُهُ).

ص: 8

ما لا جزء له أصلاً مثل ماذا؟ كباء الجر باء الجر هل له جزء؟ هو جزء واحد ليس له جزء، ما له جزء يكون مركب من جزءين فأكثر وهذا ليس له جزء أصلاً كباء الجر، ولام الجر، وواو العطف، وهمزة الاستفهام ونحوه كل ما وضع على حرف واحد فليس له جزء أصلاً خرج به كذلك الثاني ما له جزءٌ لكنه لا يدلُّ على جزءِ المعنى كـ: زَ يَ دَ من لفظ زيد، ز هذا جزء من زيد، ي جزء من زيد، د جزء من زيد هل نقول: زيد يدلُّ على ماذا؟ يدلُّ على ذات مشخصة مشاهدة في الخارج هذا المعنى الذي زيد شخص هل لفظ ز يدلُّ على ما دلَّ عليه زيد أو بعض ما يدلَّ عليه زيد؟ لا، ليس له معنى هو حرف هجاء ليس له معنى حينئذٍ زيد نقول: له جزء ليس كباء الجر ليس له جزء له جزء ولكن هذا الجزء لا يدلُّ على بعض ما دلَّ عليه لفظ زيد لأن لفظ زيد يدلُّ على الذات المشخصة المشاهدة في الخارج وأمَّا ز، وي، ود فهذا ليس له معنًى أصلاً إذًا خرج بقوله:(مَا دَلَّ جُزْؤُهُ). خرج به نوعان:

النوع الأول: ما لا جزء له أصلاً كباء الجر.

النوع الثاني: ما له جزء لكنه لا يدلُّ على جزء المعنى الذي دلَّ عليه اللفظ كـ ز من زيد.

ص: 9

(عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) هذا متعلق بدلَّ أكثر الشراح على أن هذا تتميم، يعني: لم يخرج به شيء، (عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) هذا تتميم للتعريف لأنه إذا قال:(مَا دَلَّ جُزْؤُهُ). إذًا دلَّ على ماذا؟ الذي دلَّ جزؤه قطعًا أنه دلَّ جزؤه على ماذا؟ على بعض المعنى الذي دلَّ عليه ذلك اللفظ إذًا قوله:

(عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) هذا تميم للتعريف لكن الأوْلَى أن يقال: بأنه خرج به شيء ثالث وهو لفظ أبكم ونحوه مما له جزء لكنه لا يدلُّ على شيء البتة مما يدلُّ عليه لفظ أبكم، أبكم - الأخرص -، يعني: عدم الحديث هذا هو التكلم أب هذا جزء، كم هذا جزء. هل لفظ أب يدلُّ على شيء مما دلَّ عليه أبكم؟ لا، لأن أبكم هذا له معنًى وهو الخرص أب هذا مدلول الأبوة كم استفهامية أو خبرية، إذًا لا تدلُّ على شيء مما دلَّ عليه لفظ أبكم، ولذلك الأوْلَى كما ذكر البيجوري وغيره أن قوله:(عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) خرج به نحو أبكم مما له جزء لكنه لا يدلُّ على جزءٍ معناه لأن المركب الإضافي مثلاً غلام زيدٍ هذا يدلُّ على ماذا؟ على أن ثَمَّ غلامًا منسوبٌ لزيد هذا معناه نسبة هذا الغلام لزيد، غلام لوحدها دلَّت على بعض المعنى الذي دلَّ عليه غلام زيد، وزيد لوحده دلَّ على بعض المعنى الذي دلَّ عليه غلام زيد أليس كذلك؟ غلام زيد يدلُّ على ماذا؟ مفهوم المركب الإضافي مفهومه أن غلامًا منسوب لزيد هذا الغلام منسوب لزيد هذا معناه، طيب غلام لوحدها هل تدلُّ على بعض المعنى الذي دلَّ عليه غلام زيد؟ نعم زيد لوحده يدلُّ على بعض المعنى الذي دلَّ عليه غلام زيد. إذًا هذه يسمى مركبًا، وأمَّا نحو أبكم فهذا لا يدلُّ على جزء معناه إذًا هذا حد المركب، (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) خرج به ثلاثة أشياء. كل ما خرج بهذا الحد وهو ما ليس له جزء أصلاً، أو له جزء لا يدلُّ على جزء المعنى، أو له جزء وله معنى لكنه لا يدلُّ على بعض المعنى الذي دلَّ عليه اللفظ داخل في حد المفرد، ولذلك قال:(بِعَكْسِ مَا تَلَا). ما الذي تلا؟ بعكس ما تلاه، الضمير هنا المحذوف يعود على المركب بعكس الذي تلاه المركب، ما الذي تلاه المركب؟ [هاه] بعكس الذي تلا المركب نعم، بعكس الذي تلا المركب، ما هو الذي تلا المركب؟ هو المفرد إذًا ما هو المفرد؟ ما لا يدلُّ جزؤه على جزء معناه ما هو المفرد؟ المركب عرفته بالإيجاب، (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ) عكسه ما لا يدلُّ جزؤه على جزء المعنى الذي وُضِعَ له في لسان العرب هذا يسمى المفرد. إذًا دخل فيه ما ليس له جزء أصلاً، وما له جزء ولا معنى له كـ ز من زيد، وما له جزء وله معنى لكنه لا يدلُّ على جزء المعنى، وبهذا تعرف أن اصطلاح المفرد هنا هو الذي يعرِّف به كثير من النحاة هناك وهذا غلط، كل تعريف للمفرد عند النحاة يمرُّ بك تعريف المفرد ما لا يدلُّ جزؤه على جزء المعنى فاعلم أنه خطأ لأنه من تداخل الحدود.

ص: 10

المفرد عند النحاة غير المفرد عند المناطقة، لأن محل الخلاف أن عبد الله علمًا هذا عند النحاة قاطبة بإجماع في حقيقته مركب وليس بمفرد، وأمَّا عند المناطقة فهو مفرد لو سميت شخصًا تأبط شرًا، أو عبد الله مركب إضافي، أو حيوان ناطق ونحو ذلك أعلامًا هذه عند المناطقة مثل: زيد مفرد ليس له وجود أن يدلُّ على جزء المعنى، حينئذٍ نقول: هذا يسمى مفردًا عند المناطقة ولا يسمى مفردًا عند النحاة فكيف يعرَّف بتعريف المناطقة؟ على كل قول: (بِعَكْسِ)، يعني: حال كون المركب ملتبسًا بعكس، العكس المراد به العكس اللغوي، يعني: بخلاف (مَا تَلَا)، يعني: بخلاف المفرد الذي تلا المركب، تلاه. تلا المركب في الذكر، يعني: تبعه، فضمير تلا المستتر يعود إلى ما، والمقدر تلاه هذا يعود للمركب. إذًا ينقسم اللفظ المستعمل إلى مركب، وإلى مفرد ثم المركب ما دلَّ جزؤه على جزء المعنى، والمفرد ما لا يدلُّ جزؤه على جزء المعنى، هذا تعريف ..

ص: 11

ثم قال: (وَهْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ) المركب هنا لا بحث للمناطقة فيه وإنما البحث في ماذا؟ في المفرد فذكر المركب من أجل أن تفهم معنى المفرد، ذكر المركب توطئة وتقدمة من أجل أن تفهم المراد بالمفرد والمحك هنا في المفرد. (وَهْوَ عَلَى قِسْمَيْنِ)، يعني: بحسب تشخص معناه وعدم تشخصه (أَعْنِي المُفْرَدَا) جاء بالعناية هنا (أَعْنِي)، يعني: بمصدوق الضمير السابق وهو (المُفْرَدَا)، يعني: لئلا يلتبس بأن التقسيم هنا للمركب لا للمفرد لأنه قدم ذكر المركب وقال: (فَأَوَّلٌ). المركب (مَا دَلَّ جُزْؤُهُ عَلَى جُزُءِ مَعْنَاهُ)(وَهْوَ)، أيْ: المركب. لا ليس هذا المراد وإنما المراد المفرد فالقسمان هنا مذكوران للمفرد (وَهْوَ)، أيْ: المفرد (عَلَى قِسْمَيْنِ) اثنين، جملة (أَعْنِي المُفْرَدَا) الألف هذه للإطلاق لئلا يتوهم متوهم أن الضمير في:(وَهْوَ) عائد إلى المركب (كُلِّيٌّ اوْ جُزْئِيُّ)، (كُلِّيٌّ اوْ) بإسقاط الهمزة، يعني: بوصل الهمزة من أجل الوزن (جُزْئِيُّ) الأصل بالتنوين لكن يترك من أجل الوزن، (كُلِّيٌّ اوْ جُزْئِيُّ حَيْثُ وُجِدَا)، يعني: في أيِّ تركيب فالحيثية هنا للإطلاق. (وُجِدَا) الألف هذه للإطلاق. إذًا ينقسم المفرد: إلى كُلِّي وإلى جُزْئِي، ما هو كُلِّي وما هو الجُزْئِي؟ قال:(فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ كَأَسَدٍ) كل لفظ أفهم اشتراكًا بين الأفراد في معنًى يسمى كليًّا، يعني: ما لا يختص بفردٍ دون الأفراد يسمى كليًّا، (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) هذا خبر مقدم، والكلِّيُّ هذا مبتدأ مؤخر، (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) بين أفراده بمجرد تعقله وتصوره في الذهن نقول: هذا كليِّ. رجل، هذا لفظ نقول: هذا كلِّي. لماذا؟ لأنك إذا تصورت معناه في الذهن ما المراد به؟ هو البالغ، أو الذكر البالغ من بني آدم، وبعضهم يعبر حيوانٌ ناطقٌ بالغٌ ذكرٌ من بني آدم، هذا المعنى موجود في الذهن هل هذا المعنى يختص بفرد دون آخرين؟ أم يشترك فيه أفراد ما لا حصر لهم؟ لا شك أنه الثاني إذًا أفهم اشتراكًا، لما تصورت المعنى العقل لا يمنع الاشتراك في هذا المعنى فزيد من الناس، وعمرو، وخالد، وسعيد إلى آخره كلهم يشتركون في هذا المعنى إذًا لا يختص به واحد دون آخر هذا يسمى ماذا؟ يسمى كليًّا. (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ)، يعني: بين أفراده الموجودة في الخارج، (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ) بين أفراده الموجودة في الخارج حين تعقله هذا يسمى كليًّا، ولذلك بعضهم يعرفه بأنه: ما لا يمنع تعقل مدلوله من وقوع الشركة فيه، ما لا يمنع من تعقل مدلوله، يعني: تصور مدلول اللفظ من وقوع الشركة فيه، مثل حيوان لفظ حيوان هذا يشترك فيه ما لا حصر من الأفراد ورجل، امرأة، أنثى كل نكرة فهي من قبيل الكلِّي، ما لا يمنع تعقل مدلوله من وقوع الشركة فيه إذًا:(فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ) الفاء هذه فاء الفصيحة، ومفهم اشتراك مضاف ومضاف إليه وهو خبر مقدم، والكُلِّيُّ هذا مبتدأ مؤخر.

ص: 12

حينئذٍ الكُلِّي يصدق على كثيرين من الأفراد ولا يختص به فرد دون فرد، (كَأَسَدٍ)، يعني: وذلك (كَأَسَدٍ) الكُلِّي مثل له بلفظ أسد مثل جنس كُلِّي، كل أسماء الأجناس كلية اسم الجنس هذا كُلِّي لا يختص به واحد دون آخر بخلاف علم الجنس فهو جزئي، علم الجنس كأسامة هذا يختص به مثل زيد، زَيد من الناس نقول: هذا يختص به دون آخر فإذا قلت: جاء زيد. لا يدخل تحته فرد آخر وإنما يختص بفرد واحد وهو مشخص. حينئذٍ نقول: ما لا يمنع الاشتراك فهو كُلِّيٌّ كالأسد هذا يصدق على كل أسامة بأنه أسد فهو اسم جنس وهو كُلِّيٌّ، (وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ) عكس ماذا؟ ما لا يفهم اشتراكًا بل اختص به فرد دون آخر، (وَعَكْسُهُ)، أيْ: خلافه. (الجُزْئِِيُّ) فهو ما لا يفهم الاشتراك بين أفراده، يعني: ما يكون معناه مشخصًا لا يصدق على كثيرين كالأعلام نقول: هذه خاصة لا تقبل الاشتراك البتة كـ زيد، وخالد، وعمرو إلى آخره نقول هذه لا تقبل الاشتراك البتة، أو إن شئت قل: ما يمنع تعقل مدلوله من وقوع الشركة فيه عكس الكُلِّي فإذا تصوره وتعقله الإنسان في ذهنه حينئذٍ يمنع أن يدخل فرد آخر تحت مدلول هذا اللفظ، والاشتراك المراد به هنا الاشتراك المعنوي. الاشتراك نوعان سيأتي في الفصل القادم، الاشتراك المشترك: ما اتحد اللفظ وتعدد المعنى مثل عين هذا مشترك، لكن المراد هنا الاشتراك ليس هو الاشتراك العادي، إنما المراد به بالاشتراك المعنوي: أن يتحد اللفظ والوضع والمعنى وتتعدد الأفراد المشتركة في ذلك المعنى. إذًا هنا الاتحاد حصل في اللفظ والوضع والمعنى، بخلاف المشترك الآتي فهو: متحد في اللفظ فقط والمعنى مختلف متعدد وكذلك الوضع متعدد إذا قيل: رجل. نقول: هذا مشترك بين أفراده. اشتراك معنوي أو لفظي؟ نقول: لا اشتراك معنوي. لماذا؟ لأن اللفظ واحد فتقول: زيدٌ رجل، وعمروٌ رجل، وخالدٌ رجل. إذًا اللفظ واحد، هل الوضع هنا متعدد؟ نقول: لا الوضع واحد وُضِع مرة واحدة بخلاف لفظ العين، لفظ العين هذا مشترك لفظي وُضِعَ وأريد به العين الباصرة، ثم وُضِعَ وضعًا آخر وأريد به العين الجاسوسة، ثم وضع وضعًا ثالثًا فإذا قيل: بأنه يصدق على ثلاثين معنى حينئذٍ وضع ثلاثين مرة، هذا الاشتراك اللفظي ولذلك إذا قيل: زيد مثلاً، زيد هذا زيد وهذا زيد متعدد هل هذا مشترك معنوي أو لفظي؟ نقول: هذا مشترك ماذا؟ [مشترك معنوي، لأن المعنى المدلول واحد](1) نعم هذا مشترك لفظي وليس بمشترك معنوي مشترك لفظي بمعنى أنه إذا وُضِعَ زيد وأريد به شخص بعينه حينئذٍ إذا سمي به شخص آخر فالوضع ليس هو عين الوضع السابق، ولذلك نقول هنا: الاشتراك المراد به الاشتراك المعنوي، وهو أن يتحد اللفظ والوضع والمعنى، وأمَّا المشترك اللفظي فاتحد اللفظ وتعدد الوضع وتعدد المعنى. فرقٌ بين النوعين (وَعَكْسُهُ الجُزْئِِيُّ). ثم قال:

وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ إِنْ فِيهَا انْدَرَجْ

فَانْسُبْهُ أَوْ لِعَارِضٍ إذَا خَرَجْ

(1) سبق.

ص: 13

(أَوَّلاً) بدأ في تعريف الكل لأنه سيصل إلى الكليات الخمس التي هي مبادئ التصورات. (وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ) ما هو الأول؟ الكُلِّي عرفنا المراد بالكُلِّي، ما أفهم اشتراكًا ينقسم إلى قسمين: كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، وكُلِّيٌّ عَرضي. الكُلِّي قسمان: كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، وكُلِّيٌّ عَرضي. ولذلك قال:(وَأَوَّلاً). الذي هو الكُلِّي (لِلذَّاتِ إِنْ فِيهَا انْدَرَجْ فَانْسُبْهُ)، يعني: انسب أولاً للذات فقل: كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ إذا نسبته قلت: كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ. متى؟ إذا اندرج في الذات، إذا دخل في الذات التي أردت حدها وتعريفها كان جزءًا منها حينئذٍ يسمى كُليًّا ذاتيًّا لماذا؟ لأن هذا الكُلِّي جزء ذاتي فإذا دخل في الذات اندرج فيها حينئذٍ يسمى كليًّا ذاتيًّا، (وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ إِنْ فِيهَا) يعني: في ماهية أفراده (انْدَرَجْ) كالحيوان بالنسبة للإنسان نقول: هذا جزء الذات، وهو جنس وكذلك الناطق هذا جزءٌ ذاتي. إذًا الجنس والفصل كليَّان ذاتيَّان اختص الشطر الأول هذا من الكليات الخمس بالجنس والفصل، وكل منهما كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ لماذا؟ لأنه داخل في الذات فهو جزء من الذات، (وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ إِنْ فِيهَا)، يعني: في ماهية أفراده (انْدَرَجْ) بأن كان جزءًا منها وهذا يختص بالجنس والفصل، هكذا عَبِّر: يختص بالجنس والفصل. فالجنس كُلِّيٌّ ذاتي، والفصل كٌلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، (فَانْسُبْهُ أَوْ لِعَارِضٍ إذَا خَرَجْ)، يعني: انسبه لعارض فقل: كُلِّيٌّ عَرَضِيٌّ. متى؟ إذا خرج عن الذات بأن لم يكن جزءًا من الذات وهذا يدخل فيه العرض العام والخاصة. إذًا قوله: (وَأَوَّلاً) هذا مفعول به لفعل محذوف، أيْ: انسب أولاً، لا بالاشتغال وفيه اعتراض بينته في الشرح هناك المطول، (وَأَوَّلاً لِلذَّاتِ)، يعني: انسب أولاً الذي هو الكُلِّي للذاتي فقل: كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ متى؟ إن اندرج فيها، يعني: في الذات.

(أَوْ لِعَارِضٍ)، يعني: انسبه لعارض فقل: كُلِّيٌّ عَرَضيٌّ إذا خرج عن الذات بأن لم يكن جزءًا منها حينئذٍ ماذا؟ عُلِمَ مما سبق أنَّ ما كان جزء الماهية قلنا: هذا جنسًا كان أو فصلاً فهو كُلِّيٌّ ذاتي فالجنس كُلِّيٌّ ذاتي وهو في الكليات الخمس الآتي ذكرها. الفصل كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، وما كان خارجًا عنها عن الذات خاصةً أو عرضًا عامًا فهو: كُلِّيٌّ عَرَضِيّ. هذه أربعة أنواع من الكليات الخمس ماذا بقي؟ بقي نوع واحد وهو: النوع. النوع كالإنسان هل هو كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، أو كُلِّيٌّ عَرَضِي؟ ظاهر النظم أنه واسطة بينهما، لا ينسب لهذا ولا لذاك لأنه قسَّم الكليات الخمس إلى نوعين: كُلِّيٌّ ذاتي، وكُلِّيٌّ عرضي.

الأول اختص به الجنس، والفصل.

ص: 14

والثاني اختص به العرض العام، والخاص. سبق النوع إذًا ليس كُليًّا ذاتيًّا ولا كليًّا عرضيًّا. وهذا قضية النظم فهو واسطة بينهما وهذا أحد أقوال ثلاثة: أفيد النوع كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، النوع كُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ، وقيل: كُلِّيٌّ عَرَضِي. فهي ثلاثة أقوال في النظم، على ما اختاره الناظم هنا: أنه ليس بكُلِّيٌّ ذاتِّيٌّ ولا عَرَضِي، لكن من قال: بأن النوع الذاتي حينئذٍ لا بد أن يفسر الذات بما ليس خارجًا عن الماهية بأن كان جزئها أو تمامها، لأن الإنسان هذا نوع هذا ليس داخلاً في جزء الماهية وليس خارجًا عنها وإنما هو تمام الماهية، حينئذٍ كيف نجعله جزءًا للذات أو خارجًا عن الذات وليس بالأول ولا بالثاني؟ قالوا: إذًا لا بد أن نغير التعريف الذاتي فنقول: الذاتي ما ليس خارجًا عن الماهية، يعني: كان جزئها أو تمامها. تمامها هو: النوع، لأن النوع ليس داخلاً في جزء الماهية ولا خارجها بل هو تمام الماهية. إذًا لا بد من إدخاله ونجعله كُليًّا ذاتيًّا، والقول الثالث من قال: بأن النوع عَرَضِي، فسَّر العَرَضي بما ليس داخلاً فيها بأن كان تمامها أو خارجًا عنها، على كلٍّ هذا الخلاف لا ينبني عليه شيء من العمل.

ثم قال رحمه الله: (وَالكُلِّيَاتُ خَمْسَةٌ دُونَ انْتِقَاصْ).

هاه

ما سبق في المسألة هذا يظهر من التعريف: الجنس والفصل عرضًا سيأتي إن شاء الله،

وَالكُلِّيَاتُ خَمْسَةٌ دُونَ انْتِقَاصْ

جِنْسٌ وَفَصْلٌ عَرَضٌ نَوْعٌ وَخَاصْ

ص: 15

انظر أرباب المتون عندهم ترتيب عقلي جيد للطالب يساعد، انظر أول الفصل قسَّم لك مستعمل الألفاظ إلى مركب، ومفرد. ثم قسَّم المفرد إلى نوعين إلى: كُلِّي وجُزْئِي. وهو لا يريد المركب، ولا يريد الجزئي، ثم قسم الكُلِّي إلى: ذاتي وعرضي، ثم جاء إلى المقصود قال لك:(وَالكُلِّيَاتُ خَمْسَةٌ) عرَّفنا معنى الكليات وأنها لفظ مفرد وليس بمركب، وأنه يقابل الكُلِّي الجُزْئِي ترتيب عقلي لذلك من يسير على طريقة المتون عقليته تكون مرتبة، (وَالكُلِّيَاتُ) كُلِّيَّا، كُلِّي أصلها كُلِّيّ بتشديد الياء لكن الوزن خففه، يعني: حذف إحدى الياءين (وَالكُلِّيَاتُ) جمع كُلِّي (خَمْسَةٌ)، يعني: منحصرة في خمسة أنواع. كُلِّي الذي عرفه بقوله: (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ كَأَسَدٍ) هذه خمسة أنواع (دُونَ انْتِقَاصْ)، يعني: من غير نقص، أيْ: ولا زيادة. من غير نقص ولا زيادة أيضًا هذا اكتفاء كقوله:

{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]، أيْ: والبرد ففيه اكتفاء الأول (جِنْسٌ) فهذا خبر لمحذوف، (وَفَصْلٌ عَرَضٌ)، يعني: عام لا بد من تقيده عام، حينئذٍ هذا نعت حذف للعلم به عرض عام. (نَوْعٌ)، أيْ: ونوعٌ وعرضٌ ونوعٌ على حذف الواو (وَخَاصْ) أصلها: خاصّةَ بالتشديد والتاء. خاصّةَ لكن فخمه من أجل الوزن وخفف الصاد من أجل الوزن إذًا فخمها ضرورة بحذف التالي ثم خفف الصاد، والأصل: خاصَّة. إذًا عندنا خمسة أنواع من الكليات: الجنس وتعريفه كُلِّيٌّ مقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة، كُلِّيٌّ لا بد أن نأخذ الكُلِّي جنس، لا بد أن نأخذ الكُلِّي جنسًا في حد الجنس، لماذا؟ لأننا إذا أردنا أن نقسِّم شيء إلى أشياء لا بد أن نأتي بالمفصول في ضمن الحد فإذا قلت مثلاً الكلمة: اسمٌ، وفعلٌ، وحرف. أردت أن تُعَرِّف الاسم ما هو المقصود؟ الكلمة إذًا لا بد أن تأخذ الجنس أول ما تبدأ بالمقصود تقول: الاسم كلمةٌ دلَّت على معنى. الفعل ما هو؟ كلمة دلَّت على معنى، الحرف: كلمةٌ دلَّ على معنى في غيره. إذًا لا بد أن تأخذ أول ما تأخذ الاسم المقصود وهنا أراد أن يقسِّم ماذا؟ الكُلِّي إذًا تقول: الكُلِّي ينقسم إلى جنس، وفصل إلى آخره ما هو الجنس؟ هو كُلِّيٌّ. إذًا شَمِل الكليات الخمس دخل في الكليات الخمس، كما نقول: الاسم: كلمة. كلمة دخل فيها: الاسم، والفعل والحرف فنحتاج إلى قيد لإخراج الفعل وإخراج الحرف هنا نقول: الجنس كُلِّيٌّ. مقول على كثيرين، يعني: محمول في الإخبار على كثيرين، قال: والقول ومقول عند المناطقة بمعنى: الحمل. يعني: يصدق على كثيرين، كثِيرين هذا جمع: كثير، وأقلُّ الكثرة ثلاثة لكن ليس مرادًا هنا، وإنما المراد اثنين فصاعدًا. كُلِّيٌّ مقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة في جواب ما هو كالحيوان. كُلِّي هذا شامل لجميع الكليات فهو جنس، والمراد بالكثيرين ما يشمل اثنين فأكثر، وفي التعبير مسامحة تراهم كثيرين وهذا غير مراد، إنما المراد به اثنين فأكثر. مختلفين في الحقيقة قلنا: كُلِّيٌّ مقول على كثيرين. على كثيرين هذا خرج به الحد، لأن الحد مقول على شيء واحد، تريد أن تعرِّف الصلاة فقط حينئذٍ الحدّ لا يصدق إلا على الصلاة.

ص: 16

حينئذٍ محمول على واحدٍ فقط لا على اثنين فأكثر، تريد أن تعرِّف معنى الجنس حينئذٍ تعريفه لا يصدق إلا على واحد. إذًا التعاريف كلِّها أو كلُّها لا تصدق إلا على واحد فقط فهو كُلِّيٌّ مقول على واحد فقط. إذًا خرج بقوله: على كثيرين الحد التعريف - يعني -. مختلفين في الحقيقة. خرج النوع، لأن النوع: كُلِّيٌّ مقولٌّ على كثيرين متفقين في الحقيقة. لفظ إنسان هذا له أفراد ما هو الإنسان؟ حيوان ناطق، له أفراد ما هي أفراده؟ زيد، وعمرو، وخالد، وبكر إلى آخره. هذه الأفراد متحدة في معنى الإنسان، هل هي مختلفة أو متفقة في معنى الإنسان حيوان ناطق؟ زيدٌ حيوانٌ ناطق، وعمروٌ حيوانٌ ناطق. إذًا المعنى موجود في جميع الأفراد وهي متحدة بخلاف لفظ الحيوان فإنه مقول على كثيرين لكنها ليست متحدة لأن أفراد الحيوان إنسان، وفرس، وبغل، وحمار إلى آخره هذه متحدة أو مختلفة؟ هذا قطعًا إنها مختلفة. إذًا حيوان لفظ حيوان هذا جنس محمولٌ مقولٌ يصدق على أفراد كثيرين لكنها ليست متحدة في الحقيقة بل هي مختلفة، فالإنسان مختلف في ذاته عن الفرس، والفرس مختلف بذاته عن الحمار، وأمَّا لفظ إنسان له أفراد وهو زيد، وعمرو، وخالد إلى آخره من حيث الحقيقة كلّها متحدة. نعم قد يكون ثَمَّ ما فاصل بين الأفراد لكن بشيء خارج وهو الطول، والعرض، والسواد، والسمر .. إلى آخره. إذًا مختلفين في الحقيقة خرج النوع في جواب ما هو، في جواب يعني: لا بد أن يقع في جواب. سؤال فتقول مثلاً: ما الإنسان، والفرس، والحمار؟ تقول: حيوان. نريد جواب مشترك يصدق على الكل لو قال قائل: ما الإنسان، والفرس، والحمار؟ ايت بلفظ مشترك يصدق على الجميع تقول: حيوان. إذًا وقع في جواب ما هو، ما الذي لا يقع في جواب أصلاً عند المناطقة؟ هو العرض العام فقط حينئذٍ كونه وقع في جواب نقول: خرج به العرض العام، ما هو هذا خرج به الفصل والخاصة إذًا هذا حد. الجنس كُلِّي مقولٌ على الآخرين مختلفين في الحقيقة، أو إن شئت قل: الجنس هو جزء الماهية الصادق عليها وعلى غيرها. جزء الماهية هذا حقيقة الجنس لأنه كُلِّيٌّ ذاتي الصادق عليها وعلى غيرها، حينئذٍ تقول: الحيوان جزء من الإنسان فيصدق على الإنسان لكن هل يختص به الإنسان؟ لا، وإنما يصدق على الإنسان لكونه جزء الماهية ويصدق على غير الإنسان كالفرس والحمار وهذا تعريف واضح. جزء الماهية الصادق عليها على الماهية وعلى غيرها حينئذٍ لا يختص به الإنسان دون غيره، (جِنْسٌ وَفَصْلٌ)، الفصل هو جزء الماهية الصادق عليها في جواب أيُّ شيء هو في ذاته، أو إن شئت قل ما صدق في جواب أيِّ شيء هو في ذاته، وهذا يمثلون بالفصل بالناطق. إذا قيل: الناطق فالمراد به القوة التي يفكر بها ليس النطق باللسان. كونه ناطقًا، يعني: مفكرًا عنده عقل، وعنده ذهن، وقوة مدركة وليس المراد بالنطق هنا: النطق باللسان. جزء الماهية الصادق عليها في جواب أيُّ شيء هو في ذاته، يعني: حال كونه مندرجًا في ذاته، وإذا عرفته بالثاني ما صدق في جواب أيُّ شيء هو في ذاته ما هذا الجنس وقع على كلِّ كأنك تقول: كُلِّيٌّ فحينئذٍ شَمِلَ جميع الكليات.

ص: 17

صَدَقَ في جواب قلنا: خرج به العرض العام لأن العرض العام هذا لا يكون في جواب لا يقع في جواب. أيُّ شيء هذا الخبر للجنس والنوع لأن السؤال عند المناطقة اثنان فقط، ما هو أيُّ شيء هو، ما هو؟ هذا السؤال يسأل به عن الجنس والنوع، أيُّ شيء بأيّ لا بما، أيُّ شيء هذا يسأل به عن العرض العام نعم، يسأل به عن الفصل والخاصة. وأمَّا النوع فليس داخلاً كما سبق. حينئذٍ السؤال محصور في اثنين: بما، وأيّ. ما الذي يسأل عنه بما؟ نقول: الجنس. الجنس وماذا؟ الذي يسأل عنه بـ: ما، الجنس

[لا إنه لا يسأل عنه بـ: ما]، الجنس والنوع نعم، والذي يسأل عنه بـ: أيّ هذا الخاصة والفصل، ولذلك هنا قال: ما صدق في جواب أيُّ شيء خرج الجنس والنوع لأن السؤال في الجنس والنوع يكون بـ: ما، هو في ذاته خرج الخاصة الخاصة يسأل عنها: بأيّ شيءٍ هو في عرضه، .... #1:00:37 فصل العرض وكل عرض عام وهو الكُلِّيُّ الخارج عن الماهية. إذًا حد الجنس والفصل كلاهم يشتركان بأنه جزء الماهية، يعني: جزء من الماهية بحيث لو فات هذا الجزء لما وُجِدَ الفرد أو النوع، فإذا قيل: الإنسان حيوان ناطق. حيوان هذا جنس، وناطق هذا فصل. إذا قلت: الإنسان حيوان. صحَّ؟ ما صحَّ التعريف، لماذا؟ كأنك قلت: الإنسان فرس لأن الحيوان دخل فيه الفرس ودخل فيه الحمار والبغل وغيرها حينئذٍ الحيوان جزء ماهيّة لكن هل يتم الحد بها؟ الجواب لا، لا بد من ذكر الشيء الثاني وهو الناطق. حينئذٍ لما قلت الناطق اختص الحدّ بالإنسان العرض العام هو الكُلِّيُّ الخارج عن الماهيّة الصادق عليها وعلى غيرها، على غيرها خرج به الخاصة، خلق المتحرك هذا عرض عام، يعني: شيء ليس داخلٌ في جزء الماهية، قد يولد الإنسان ولا يتحرك، أليس كذلك؟ قد يولد الإنسان ولا يمشي، المشي هذا عرض عام، بمعنى: أنه ليس داخلاً في الماهية بحيث يوجد الفرد ولو لم يكن ماشيًا ولو لم يكن متحركًا، حينئذٍ الحركة والمشي نقول: هذا عرض عام، لماذا عرض عام؟ لأن يصدق على الإنسان وعلى غيره، صفة المشي ليست خاصة بالإنسان، الإنسان يمشي والحيوان الفرس يمشي كذلك سائر الحشرات تمشي، كذلك الحركة الإنسان يتحرك يقوم ويجلس إلى آخره وكذلك غير الإنسان يتحرك. إذًا هذا عرض لكنه عام، يعني: لا يختص بالإنسان. أمَّا العرض الخاص، يعني: الوصف الذي يكون خارجًا عن الماهيّة يختص بالإنسان هذا مثَّلوا له: بالضحك، قالوا: الضحك هذا لا يوجد حيوان يضحك إلا الإنسان والله أعلم، انتفت حينئذٍ نقول: هذا وصفٌ خارجًا عن الماهية لكنه خاص بالإنسان لماذا؟ لعدم وجود من يشارك الإنسان في هذه الصفة بخلاف المشي والمتحرك. إذًا عندنا عرض عام، وعرض خاص. العرض الخاص هذا الذي يسمى بالخاصة. العام والخاص كلٌّ منهما وصف خارجٌ عن ماهيّة الإنسان، لكن في العرض العام يشاركه غيره وفي العرض الخاص لا يشاركه غيره. (وَفَصْلٌ عَرَضٌ)، يعني: عام، (نَوْعٌ).

ص: 18

النوع هو الكُلِّي المقولُ على كثيرين متحدين في الحقيقة في جواب ما هو كالإنسان، عرَّفنا ما سبق في حد الجنس: أن الجنس يصدق على كثيرين لكنهم مختلفون في الحقيقة، والنوع يصدق على كثيرين لكنهم متفقون في الحقيقة كزيد، وعمرو، وخالد يطلق عليهم لفظ إنسان وهو نوع ولكن هذه الأفراد متحدة في ماذا؟ متحدة في المعنى، حيوانٌ ناطق. زيدٌ حيوان ناطق، وعمروٌ حيوان ناطق، وخالدٌ حيوان ناطق فكلها متحدة في هذا المعنى، لأن معنى الإنسان هو هذا التركيب حيوان ناطق. هذا موجود بذاته في عمرو، وموجود في خالد، وموجود في محمد وإلى آخره. وإن كان ثم تفاوت بين الأفراد فهي لصفات عارضة، لصفات عارضة كالطول والقصر إلى آخره لكن هذا القدر مشترك. إذًا النوع كُلِّيٌّ مقولٌ على كثير متحدين في الحقيقة بجواب ما هو كإنسان. (وَخَاصْ)، يعني: خاصة وهذا يسميه البعض بالعرض الخاص. العرض الخاص هو الخارج عن الماهيّة الخاص بها، خارج عن الماهية لكنه خاصٌّ بها، كالضاحك أو الضحك بالنسبة للإنسان، والمراد هنا الضحك، يعني: بالقوة، الإنسان قد لا يضحك إذا قيل: بأن الضحك وصفٌ خاص بالإنسان يشمل الضحك بالفعل والضحك بالقوة، يعني: قد يكون نائمًا ولا يضحك أو جالس ولا يضحك هل انتفى عنه وصف الضحك؟ نقول: لا، كونه قابلاً للضحك لو وُجِد سببه. كونه قابلاً هذا يسمى ضاحك، ضَاحك بقوة وكل وصفٍ للإنسان ينقسم إلى هذين القسمين، كلُّ وصف: النوم، والأكل، والشرب، والجوع، والعطش، والحزن، والبكاء كل هذا. فالإنسان باكٍ أربع وعشرين ساعة، ونائم أربع وعشرين ساعة، كيف نائم أربع وعشرين ساعة إن كان نائم بالفعل فهو نائم بالفعل، وإن لم يكن وهو مستيقظ حينئذٍ تقول: هذا نائم لكنه بقوة، يعني: قابل للنوم. كذلك الأكل ممكن يأكل أربع وعشرين ساعة لا يَفْتُر يكون آكلاً بالفعل إذا كان يأكل، ويكون آكلاً بالقوة بمعني: أنه قابل للأكل، وهكذا في الكتابة ونحوها.

وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ بِلَا شَطَطْ

جِنْسٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ أَوْ وَسَطْ

ص: 19

(وَأَوَّلٌ) ما هو الأول؟ الجنس، أراد أن يقسِّم الجنس وأراده مبتدأ فهو ابتدأ به لكونه وقع في مقام التفصيل، (وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ)، يعني: الجنس يقسَّم إلا ثلاثة أقسام، (بِلَا شَطَطْ)، يعني: بلا زيادة ولا نقص بالاستقراء والتتبع، (جِنْسٌ قَرِيبٌ)، (جِنْسٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ)، يعني: جنس بعيد، أو وسط جنس متوسط. عرفنا المراد بالجنس، ثم هو ثلاثة أقسام: جنسٌ قريب، جنسٌ بعيد، جنس وسطٌ، يعني: متوسط ما هو الجنس القريب؟ سمي قريبًا لقربه من النوع، وهو ما لا جنس تحته، يعني: الجنس قد يكون متداخلاً بعضها تحت بعض، ما لا جنس تحته هذا يسمى جنس القريب، يعني: أقرب الأجناس للإنسان هو الحيوان مع كونه بعد الحيوان في نامه، أو متحرك هذا جنس، يعني: مقول على كثيرين مختلفين في الحقيقة إذا قيل نامٍ، يعني: ما يقبل النمو، هذا يدخل تحته النبات، وتحته الحيوانات، وتحته الإنسان إلى آخره فهو جنس، يعني: يصدق على كثيرين مختلفين بالحقائق، لكن ما قربه من جهة الإنسان؟ نقول: بينهما جنس وهو الحيوان، إذًا الحيوان أقرب الأجناس إلى الإنسان، ليس تحته جنسٌ ألبتة لذلك سمي: جنسًا قريب. إذًا الجنس القريب ما لا جنس تحته وإنما تحته [حيوان](1)، تحته الأنواع فقط كالحيوان، الحيوان هذا جنس وتحته الإنسان، والبغل ونحو ذلك. وفوقه النامي، فوق الحيوان النامي. (أَوْ بَعِيدٌ)(أَوْ) للتقسيم، (بَعِيدٌ)، يعني: لبعده عن النوع نسبيًا وهو ما لا جنس فوقه، يعني: أعلى الأجناس هذا مختلف فيه هل هو موجود أو لا، أعلى الأجناس لفظ جوهر، يعني: ليس فوقه جنس ألبتة، ما لا جنس فوقه وتحته أجناس كالجوهري (أَوْ وَسَطْ)، يعني: متوسط، ما فوقه جنس وتحته جنس. فالجسم فوقه الجوهر وتحته الحيوان. جسم هذا جنس يصدق على كثيرين مختلفين في الحقيقة، فوقه جنس وهو الجوهر، وتحته جنس وهو الحيوان. إذًا الأجناس متداخلة أعلى الأجناس هو أبعدها، وأقرب الأجناس هو أقربها بالنسبة لنوع الإنسان وما بينهما يعتبر متوسطًا ثم قال رحمه الله تعالى:

(فَصْلٌ فِي نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) كما ذكرنا أن بحث المناطقة في هذه الألفاظ إنما هو عرضي، يعني: تابع وإلا الأصل بحثه في المعاني (فَصْلٌ فِي نِسْبَةِ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) ونسبة معنى لفظ إلى معنى لفظٍ آخر، يعني: سيكون النظر في أمور. أولاً نسبة المعنى للفظ للعلاقة ما العلاقة يبنهما؟ ثم معنى لفظ إلى معنى لفظ آخر، ثم لفظ مع لفظ. هذه ثلاثة أقسام كلية يدخل تحتها خمسة أنواع سيذكرها الناظم. ونسبة معنى لفظٍ إلى معنى لفظ آخر، ونسبة لفظٍ إلى لفظٍ آخر ليدخل التراجح. فالنظر في الماعني مع الألفاظ إمَّا أن ينظر للمعنى بالنسبة للفظه هو، وإمَّا معنى لفظ مع معنى لفظ آخر، وإمَّا لفظ مع لفظ. الأخير هذا من أجل إدخال التراجح، قال هنا:

وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي

خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلَا نُقْصَانِ

(1) سبق.

ص: 20

(وَنِسْبَةُ الأَلْفَاظِ لِلْمَعَانِي) اللام هنا بمعنى: معى. يعني: معى المعاني إذا أردنا أن ننظر للفظ مع المعنى، وهذا ذكر الأهم وإلا النظر يكون بالنسبة للفظ مع المعنى، ومعنى لفظ مع معنى لفظٍ آخر، ولفظٍ مع لفظ. ولكن ذكره اختصارًا فقط. (خَمْسَةُ أَقْسَامٍ بِلَا نُقْصَانِ)، (لِلْمَعَانِي) جمع معنى، وعرفنا أنَّ المعنى ما يُعْنَى، يعني: أن يُقْصَد، فيشمل الأفراد، يعني: يدخل فيه الأفراد وهذا هو المراد هنا، (خَمْسَةُ أَقْسَامٍ) هذا خبرٌ مبتدأ نسبة الألفاظ مع المعاني خمسةُ أقسامٍ، (بِلَا نُقْصَانِ) ولازيادة، يعني: دلَّ الاستقراء على أنَّ الخمسة هي المرادة حينئذٍ لا زيادة ولا نقص.

تَوَاطُؤٌ تَشَاكُكٌ تَخَالُفُ

وَالِاشْتِرَاكُ عَكْسُهُ التَّرَادُفُ

ص: 21

هذه خمسة: التواطؤ، والتشاكك، والتخالف أراد به التباين، والاشتراك أيْ: اللفظ، والترادف هذه خمسة أنواع. وهذه كلها تقسيم للكلِّي، الجزئي انتهى بحثه. فنقول: الكُلِّيُّ إن كان معناه واحدًا فإن كان مستويًا في أفراده فالنسبة بينه وبين أفراده: تواطؤٌ كالإنسان. الإنسان معناه حيوانٌ ناطق حينئذٍ زيد، وعمرو، وخالد هذه أفراد، المعنى الذي هو الحيوانية الناطقية استوت الأفراد فيها لا يزيد عمروٌ عن خالد في هذا المعنى وإنما المعنى متحد، هذا يسمى ماذا؟ يسمى: متواطئًا، والتواطؤ هو: التوافق، فهذه الأفراد توافقت وتواطئت في أصل المعنى الذي دلَّ عليه لفظ إنسان، وما هو الاستواء في الحيوانية والناطقية فليس هذا أكثر من هذا المعني من الثاني، وإنما كلهم الأفراد كلها مستوية في ذلك. إذًا فإن كان مستويًا في أفراده فالنسبة بينهم وبين أفراده: تواطؤٌ. كالإنسان فإن معناه لا يختلف في أفراده، ويسمى ذلك المعنى: متواطئًا لتواطئ أفراده أيْ توافقها فيه، فإن أفراد الإنسان كلها متوافقة في معناهم الحيوانية والناطقية، وإنما الاختلاف بينهم بعوارض خارجة كالبياض والسواد، والطول والقصر ونحو ذلك، هذه الصفات لا تعتبر داخلة في مفهوم الإنسان الطول والقصر ليست داخلة في ماهية الإنسان، وإنما هو يقصد عارضٍ خارج عنه، والذي يعتبر جزء الماهية وحقيقة الإنسان هو الحيوان الناطق هذه الأفراد كلها مستوية فيها، هذا يسمى ماذا المعنى يسمى: متواطئًا، وكذلك اللفظ يسمى: متواطئًا، وهذا إنسان، وهذا إنسان، وهذا إنسان اللفظ متوافق، تقول: زيدٌ إنسان، وعمروٌ إنسان، وخالدٌ إنسان هذا نقول ماذا؟ متواطئ من حيث اللفظ، ومن حيث المعنى كذلك: متواطئ، فما دلَّ عليه إنسان عند زيد هو الذي دلَّ عليه لفظ إنسان عند عمروٍ، ولذلك قال:(تَوَاطُؤٌ)، أيْ: توافقٌ، (تَشَاكُكٌ)، أيْ: وتشاكك، على حذف حرف العطف فإن كان معناه مختلفًا قلنا: في الأول التواطؤ إن كان معنى الكلِّ واحدًا وهو مستوٍ في أفراده، إن اختلف في أفراده هو الذي يسمى:(تَشَاكُكٌ) كالبياض مثلاً، البياض هذا يختلف هذا أبيض، وهذا أبيض، وهذا أبيض لكن هذا البياض شديد قوي جدًا وهذا ضعيف إلى آخره. إذًا النسبة ليست واحدة، ليست كالحيوانية الناطقية هنا، وإنما هنا حصل تفاوت في القوة والضعف، هذا يسمى:(تَشَاكُكٌ)، فإن كان معناه مختلفًا في أفراده قوةً وضعفًا كالنورِ فإن معناه في الشمس أقوى منه في القمر، النور هو النور لكنه يختلف قوةً وضعفًا، حينئذٍ نقول هذا: مشكك، وكالبياض فإن معناه في العادة أطول منه في الثوب فالنسبة بينه وبين أفراده:(تَشَاكُكٌ) ويقال بالمعنى: مشكك كما أنه يقال للفظ: مشكك، لماذا سمي مشككًا؟ لأن الناظر إذا نظر في الأفراد باعتبار أصل المعنى ظن أنه متواطئ.

ص: 22

النور له أصل قبل أن يكون قويًا وضعيفًا، لو نظرت للأفراد في النور قلت هذه متواطئة مثل الإنسان، وإذا نظرت إلى القوة والضعف كأنك ظننت أنها متباينة فشكك هل هذا المعنى متحد في أفراده المتواطئة؟ أم أنه متباين؟ إذا نظرت إلى القوة والضعف ذهب ذهنك إلى التباين لأنها مختلفة، وإن نظرت إلى أصل النور وأصل البياض قلت هذه متواطئة وحصل تردد لأن الناظر إذا نظر في الأفراد باعتبار أصل المعنى ظنه متواطئًا، وإذا نظر باعتبار التفاوت ظنه مشتركًا فحصل له التشكك ليس تباينًا إنما هو مشترك لذلك قال هنا:(تَشَاكُكٌ)، يعني: وتشاكك (وَتَخَالُفُ)، يعني: تباين هذا النوع الثالث. لكن النظر هنا ليس بين المعنى واللفظ، وإنما هنا النظر بين معنى الفظ وبين معنى لفظٍ آخر ليس في اللفظ نفسه التواطؤ، والتشاكك الحكم فيه بين اللفظ والمعنى في أفراده، لا نقول هي لفظٍ آخر، وأمَّا التباين فلا، وإنما يكون بين معنى لفظٍ ومعنى لفظٍ آخر، فإن لم يصدق أحدهما على شيءٍ من ما صدق عليه الآخر فالنسبة بينهما تخالف وهكذا كالإنسان، والفرس ما العلاقة بينهما تباين. كلُّ لفظين لا يصدق أحدهما على ما صدق عليه الآخر يُسمى تباينًا، هذا ماء، وهذا خشب، الخشب لا يصدق على ما يصدق عليه الماء، والماء لا [يصدق على ما يصدق عليه الخشب]. إذًا نقول هذا تباين، كل من اشترك بينهم في أصل المعنى وليس بينهما معنًى مشرك حينئذٍ نقول: هذا تباين. (تَخَالُفُ وَالِاشْتِرَاكُ) الاشتراك اللفظ المفرد إن تعدد معناه كعين للباصرة لفظ عين هذا مشترك لفظي والجارية فالنسبة بينه وبين ما له من المعاني الاشتراك لاشتراك المعنيين في اللفظ الواحد، لفظ عين عَين عا هي نا حينئذٍ، نقول: هذا اللفظ لفظ واحد وله معانٍ متعددة لكن هذه المعاني متباينة فلفظ عين يصدق على الذهب وعلى الفضة وعلى العين الباصرة، وعلى الجاسوس، وعلى ثلاثين معنى عدها صاحب القاموس، حينئذٍ نقول: الذهب والفضة متباينة، والعين الباصرة والعين الجاسوسة هذا متباينة، إذًا: اللفظ واحد والمعنى متعدد فاتحدا في اللفظ واختلفا في ماذا؟ في الوضع وفي المعنى، يعني: وُضِع لفظ عين بالذهب، ثم وُضِع مرةً أخرى وضعًا ثانيًا للعين الجاسوسة، ثم وضع وضعًا ثالثًا تعدد اللفظ ليس كالجنس هناك الكُلِّي، قلنا الكُلِّي: مشترك معنوي، بمعنى: أنَّ الوضع متحد وكذلك المعنى وماذا؟ اللفظ والوضع والمعني، هذه الثلاثة كلّها متحدة. وهنا في باب الاشتراك اللفظي الوضع متعدد والمعنى متعدد، ولكن وقع الاشتراك في ماذا؟ في اللفظ، يعني: لفظ عين من حيث الحروف هو الذي اشترك وأمَّا من حيث المعنى فلا وكذلك من حيث الوضع، (وَالاشْتِرَاكُ عَكْسُهُ التَّرَادُفُ)، يعني: خلافه الترادف. وهو: إن تعدَّد اللفظ واتحد المعنى، مثل: إنسان، وبشر هذا اللفظ متعدد لكن المعنى متحد، يعني: ما صدق عليه لفظ إنسان هو ما صدق عليه لفظ بشر تقول: هذا بشر، وهذا إنسان.

ص: 23

إذًا: المصدق واحد، واللفظ مختلف، ليث، أسد، قسورة، نقول: هذه كلها ألفاظ متعددة والذي يصدق عليه واحدٌ، إن تعدد اللفظ واتحد المعنى كالإنسان والبشر فالنسبة بين اللفظين الترادف لترادف اللفظين على المعنى الواحد، إذًا: هذه خمسة أقسام، باعتبار اللفظ والمعنى نفسه، أو باعتبار معنى لفظ مع معنى لفظٍ آخر، أو باعتبار لفظٍ مع لفظٍ آخر، ثم قال:(وَاللَّفْظُ)، يعني: المستعمل

وَاللَّفْظُ إِمَّا طَلَبٌ أَوْ خَبَرُ

وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ سَتُذْكَرُ

أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلَا وَعَكْسُهُ دُعَا

وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا

واللفظ المستعمل ينقسم إلى قسمين: إمَّا طلب، أو خبر، والمشهور: إنشاءٌ، وخبر.

محتملٌ للصدق والكذب الخبر

وغيره الإنشاء ولا ثالث قر

يعني: استقر عند البيانيين قاطبة باتفاق البيانيين، وعند الحذاق من النحاة كان القسمة ثنائية، ينقسم الكلام إلى خبر وإلى إنشاء، ما هو الخبر؟ ما احتمل الصدق والكذب لذاته، يعني: كل لفظٍ مركب احتمل أن يقال لقائله صدقت أو كذب فهو خبر، قام زيدٌ هذا يحتمل أنه صدق فيقال له: صدقت، ويحتمل أنه كذب فيقال له: كذبت، بخلاف: ليس لي مالاً فأتصدق به، أو قم يا زيد، قم هذا طلب فعل أمر لا يقال له: صدقت، وإنما يجاب بالامتثال، (وَاللَّفْظُ إِمَّا طَلَبٌ)، والطلب نوعان: طلب فعلٍ كقم، وطلب تركٍ كلا تقم، يعني: النهي والأمر. الطلب دخل فيه النهي والأمر. (أَوْ خَبَرُ) وهو ما احتمل الصدق والكذب لذاته وسيأتي النص عليه في باب القضايا (وَأَوَّلٌ) الذي هو الطلب (ثَلاثَةٌ)، (وَأَوَّلٌ) هذا مبتدأ وسوغ الابتداء به لكونه في مقام التفصيل، (وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ سَتُذْكَرُ)، يعني: في البيت الآتي، والتقسيم هنا لطلب الفعل فقط، قلنا الطلب نوعان: طلب فعل، وطلب تركٍ. طلب الفعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أمر، ودعاء، والتماس. ثلاثة أقسام، وهذه الأقسام الثلاثة ليس عليها رائحة دليل في لسان العرب وإنما هي مجرد اصطلاح، ففعل الأمر أو الدالَّ على طلب الفعل سواءٌ كان من أدنى لأعلى، أو من أعلى لأدنى، أو من مساوٍ لمساوٍ فهو فعل أمر، وإنما هذا اصطلاح عند البيانيين وعند المناطقة وليس عليه رائحة دليل من لسان العرب إنما هو مجرد اصطلاح. (وَأَوَّلٌ ثَلاثَةٌ سَتُذْكَرُ)، إذًا تقسيم لطلب الفعل فقط، (أَمْرٌ مَعَ اسْتِعْلَا) (أَمْرٌ) وهو ما دلَّ على طلب الفعل بذاته حالة كونه (مَعَ اسْتِعْلَا) وهذا كما سبق في:((شرح الورقات)) هناك أنَّ بعضهم اشترط أن يكون الطلب أن لايسمى أمر وأمرًا إلا إذا كان على جهة الاستعلاء أو على جهة العلو، والحذاق من الأصوليين أنه لا يشترط في الأمر علوٌ ولا استعلاء، والفرق بين العلوّ أن يكون الآمر أعلى مرتبة كالملك مع أحدِ من الرعية، أو الأب مع أبناءه أعلى مرتبة من المأمور، والاستعلاء أن لا يكون صفةً في الآمر وإنما يكون صفة في اللفظ أن يكون بقوة وقهر: قم، حينئذٍ نقول: هذا فيه جبروت وفيه نوعٌ من الغلظة هذا يسمى استعلاء، وأمَّا العلوّ هذا وصفٌ للآمر، والاستعلاء وصفٌ للأمر باللفظ نفسه، والصحيح أنه لا يشترط فيه علوّ ولا استعلاء.

وليس عند جلِّ الأذكياء

شرط العلو فيه واستعلاء

ص: 24

وخالف الباجي بشرط التالي

وشرط ذاك رأي ذي اعتزال

(وَعَكْسُهُ)، أيْ: طلب الفعل لا مع الاستعلاء بل مع خضوع (دُعَا)، يعني: يسمى دعاءً في الاصطلاح إذا كان من أدنى لأعلى يكون هذا يسمى دعاءً، ولا يسمى فعل أمرٍ:{ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا} [آل عمران: 147]، {اغْفِرْ} مخلوق يقول لخالقه:{اغْفِرْ} هل نقول فعل أمر؟ هذا نقول تأدبًا مع الربِّ جلَّ وعلا يسمى: فعل دعاء، أما في لسان العرب فهو فعل أمرٍ، (وَعَكْسُهُ دُعَا وَفِي التَّسَاوِي)، يعني: والطلب في حال التساوي (فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا)(وَقَعَا)، يعني: ثبت، الألف هذه للإطلاق، (فَالْتِمَاسٌ)، أيْ: عند إظهار الطالب المساواة للمطلوب منه، يعني: كلٌ منهما مساوٍ للآخر لا أعلى ولا أدنى لأنه قسمة ثلاثية، إمَّا أدنى لأعلى، أو أعلى لأدنى، أو مساوٍ لمساوٍ. الأدنى لأعلى يسمى دعاءً، والأعلى لأدنى يسمى أمرًا بشرط الاستعلاء، والمساوي للمساوي يسمى التماسًا، (وَفِي التَّسَاوِي فَالْتِمَاسٌ وَقَعَا)، يعني: الفاء هذه زائدة، ثم لما ذكر الكُلِّي استطرد بذكر بعض المصطلحات عند المناطقة فقال:

(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ)

قال رحمه الله تعالى: (فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ وَالكُلِّيَّةِ وَالجُزْءِ وَالجُزْئِيّةِ). هذه العبارات يستعملها المناطقة، تقال: هذا الكُلّ وهذا الكُلِّية، وهذا جزء وهذا جزيئة، ما المراد بهذه المصطلحات؟ ولذلك علم المنطق من أوله إلى آخره لو أراد الطالب أن يضبطه كله اصطلاح، كله تعاريف، يعني: تستطيع أن تأخذ كل ما مضى معنا تقول تعريف الكُلِّي كذا، وتعريف الجُزْئِي كذا، من أوله لآخره، فجمهور مسائل المناطقة إلا ما يأتي في الأشكال ونحوها فهو تعاريف فقط تعاريف التقسيم هذه.

(فَصْلٌ فِي بَيَانِ الكُلِّ)

قال:

الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ

كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ

وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا

فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا

وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ هُوَ الجُزْئِيَّةْ

وَالجُزْءُ مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّهْ

ص: 25

أيْ: كُلُّ لفظ (الكُلُّ) هذا خطأ في اللغة لأن لفظ كل هذا ملازم للإضافة لفظًا ومعنًى، بمعنى: أنه قد ينفك ويعوض عن المضاف إليه التنوين وهو ما يسمى بتنوين العوض عن كلمة المضاف إليه حينئذٍ لا يجوز أن يجامع المضاف أن، يعني: هذا ليس من المسائل المستثناة عند النحاة لا يصح أن تقول: الغلام زيد، لا يصح وكل من الألفاظ الملازمة للإضافة سواءٌ تُلُفِّظ بالمضاف أو حُذِفَ المضاف، سَواءٌ تُلفظ بالمضاف إليه أو حُذِف المضاف إليه وعوض عنه التنوين على كلٍّ هذا اصطلاح عند المناطقة وعليه جرى النحاة، تقول: بدل الكل من الكل. هذا غلط وإنما يقولون: بدل كل من كل. لأن كل هذا ملازم للإضافة ما هو الكل؟ الكل هو ما يتركب من جزأين فصاعدًا هذا الأصل فيه، ما ترتب من جزأين اثنين فصاعدًا كالكرسي قالوا: مركب هذا كل حينئذٍ مركب من ماذا؟ من خشب ومسامير وحديد وله هيئة حينئذٍ نقول: هذا كُلٌّ لأنه تركب من جزأين فصاعدًا الكل ما هو؟ (حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ)، بمعنى: أن الحكم هنا يكون على جملة الأفراد، يعني: مجموعة من الأفراد لا كل الأفراد فيصدق على البعض فيصدق على المجموع لا على كل فرد فردٍ، في المثال يقولون مثلاً إذا قيل: كل بني تميم - على النساء من الأصل - كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة. حمل الصخرة هذا حكم، هل ينفرد واحد من بني تميم بحمل الصخرة أو أنه يصدق على المجموع على الجملة؟ بحيث لا يتبع الحكم بعض الأفراد، لا يستقل بعض الأفراد بالحكم؟ نقول: هذا المراد به أن الحكم هنا على المجموع بمعنى أنه لا ينفرد واحد من بني تميم بحمل الصخرة بخلاف الكلية، حينئذٍ الفرق نستعبر به من أجل الإفهام الفرق بين الكُلّ والكُلِّية أن كلاً منهما يرتب عليه الحكم والحكم في الكل لا يتبع كل فرد على جهة الاستقلال، والحكم في الكلية يتبع كل فرد على جهة الاستقلال ولذلك ذكرنا البارحة أن العام مدلوله الكلية:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، قلنا: القتل هذا حكم هل يتبع مجموع المشركين أو كل اسم مشرك يتبعه الحكم ويستقل بالحكم دون غيره؟ لا شك أنه يتبع كل فردٍ من أفراد المشركين هذه يسمى كلية، وأمَّا الكُلّ فهذا يتبع المجموع:{وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17]، مجموع الثمانية تحمل العرش، حكمه هنا هو حمل العرش هل يستقلّ واحد بحمل العرش؟ نقول: لا نقطع بهذا لأن مدلول اللفظ هو هذا فنقول: مجموع الثمانية كُلّ الثمانية هي التي يصدق عليها الحكم وهو حمل العرش حينئذٍ لا يستقلّ واحد لو أراد الله عز وجل لكان ذلك أليس كذلك؟ لكن نقول: مدلول اللفظ الآية هنا أن الثمانية الجملة كلها تحمل العرش فلا يتبع الحكم واحدٌ فيستقل بالحمل دون الآخر، فإذا قيل: كل بني تميم يحملون الصخرة العظيمة. حينئذٍ جملة الأفراد بحيث لا يستقل واحد منهم بالحكم دون الآخر.

ص: 26

(الكُلُّ حُكْمُنَا عَلَى المَجْمُوعِ)، يعني: لا على الجميع، أيْ: على جملة الأفراد من حيث كونها مجموعة، بحيث لا يستقلّ منهم فردٌ منهم بالحكم، (الكُلُّ حُكْمُنَا) من حيث هو مجموع لا باعتبار كل فرد على المجموع لا على الجميع، أيْ: على الأفراد أفراد المجتمع جميعها، (كَكُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ) هذا مثال بالمعنى أراد به حديث النبي صلى الله عليه وسلم ذي اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كل ذلك لم يكن» . ما هو المنفي؟ القصر والنسيان. إذًا نفى النبي صلى الله عليه وسلم القصر والنسيان. حينئذٍ صار من دلالة الكُلّ على أجزائه ولكن هذا المثال هنا لا يصلح، المثال الصحيح أنه من قبيل الكُلِّية لا من قبيل الكُلّ لماذا؟ لأن هنا إمَّا قصر، وإمَّا نسيان ولذلك جاء في بعض الروايات:«لم أنس ولم تُقْصَر» . حينئذٍ تَبِعَ النفي كُلُّ ذلك لم يكن تبع النفي كُلّ فرد وإذا قلنا لأن الكلام هنا في ماذا؟ في ما له فردان لا يحتمل إلا قصر أو نسيان صلَّى الرباعية ركعتين، إذًا إمَّا قصرت الصلاة خُفِّفَ فيها، وإمَّا نسيان هذا أو ذاك هل ثَمَّ احتمال ثالث؟ لا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«كل ذلك لم يكن» . هل المراد به المجموع أو الجميع؟ المجموع إذا كان من قبيل الكُلّ كقولنا في الآية السابقة وفي النساء كل بني تميم يحملون الصخرة أو من قبيل الكُلِّية بحيث يتبع النفي كُلَّ فردٍ. الناظم يرى: أنه من قبيل الكُلّ وغُلِّطَ خُطِّأَ في هذا قيل: المثال هذا خطأ، بل الصواب أنه من قبيل الكُلِّية بدليل ماذا؟ بدليل الرواية الثانية:«لم أنس ولم تُقْصَر» . إذًا هذه مفسرة بالرواية [الثانية #1:31:34 الأولى]: «كل ذلك لم يكن» . هذا محتمل لكن لما جاءت الرواية: «لم أنس ولم تُقْصَر» . حينئذٍ تبع النفي كل فردٍ، وإذا تبع النفي كل فردٍ حينئذٍ استقلّ كل فردٍ بالحكم وهذا شأن الكُلِّية لا الكُلّ، (كُلُّ ذَاكَ لَيْسَ ذَا وُقُوعِ) هذا الرواية بالمعنى، يعني: غير فيها: «كل ذلك لم يكن» . وفي رواية: «لم أنس ولم تُقْصَر» . وفي رواية قال ذو اليدين: بل بعض ذلك قد كان. على كُلٍّ هذا الحديث الصواب أنه من قبيل الكُلِّية وليس من قبيل الكُلّ.

ثم قال:

وَحَيْثُمَا لِكُلِّ فَرْدٍ حُكِمَا

فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا

ص: 27

(وَحَيْثُمَا لِكُلِّ) اللام هنا بمعنى على، وحيثما على كل فرد حُكِمَا، الألف للإطلاق، فإنه الضمير هنا عائد على الحكم المفهوم من قوله:

(حُكِمَا). كُلِّية يسمى كُلِّية: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} كُلُّ الناس؟ لا يدخل الشرط؟ لا يدخله شرط إلا من اختصاصه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} لا شيء من الحجر بحيوان كُلِّية أو لا؟ هل شيء من الحجر حيوان؟ لا إذًا كُلِّية لكنها سالبة، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} هذه كُلِّية، موجبة لا شيء من الحجر بحيوان هذه كُلِّيةٌ سالبة، (فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا) إذًا الكُلِّية يتبع الحكم كل فرد من أفرادها بخلاف الكُلّ، الكل يتبع المجموع، وأمَّا الكلية فهذا يتبع كُلَّ فرد ولذلك يأتي الشراح هناك في الآجرومية وغيرها يقولون: هذا من تقسيم الكُلِّ إلى أجزائه. وهذا من تقسيم الكُلِّ إلى جزئياته. فرق بين التقسيمين، (فَإِنَّهُ كُلِّيَّةٌ قَدْ عُلِمَا). ثم قال:(وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ)، يعني: على البعض. والحكم على البعض (هُوَ الجُزْئِيَّةْ) الحكم يسمى جزئيًّا وكذلك القضية المشتملة عليها، إذا حُكِمَ على البعض يسمى جزئيًا. بعض الحيوان إنسان، نقول: الحيوان هذا جنس مقولٌ على كثيرين مختلفين بالحقيقة يدخل فيه الإنسان والفرس وغيرها، حينئذٍ لو قيل: بعض الحيوان إنسان، هذا حكم على كل الحيوان أفراد الحيوان أو على بعض أفراد الحيوان؟ على بعض أفراده وسيأتينا الصورة الكُلِّي والصورة الجزئي متى نفرِّق بين هذا وذاك. ليس بعض الإنسان بكاتب، نفي صحيح هذا ليس بعض الإنسان بكاتب، يعني: بالفعل نعم، بعض الناس لا يكتب مثلاً أُمِّي حينئذٍ نقول: ليس بعض الإنسان بكاتب. إذًا (وَالحُكْمُ لِلْبَعْضِ)، يعني: على البعض. والبعض هذا يصدق بالواحد فأكثر (هُوَ الجُزْئِيَّةْ)، يعني: يسمى جزئية. (وَالجُزْءُ) جزء الإنسان الزائد على الأصل (مَعْرِفَتُهُ جَلِيَّهْ)، يعني: واضحة. وهو ما تركب منه ومن غيره الكُلِّ (جَلِيَّهْ)، يعني: واضحة للمبالغة في ظهور المعنى الجزئي. إذًا بين لنا في هذا الفصل الكُلّ والكُلِّية، والجزء والجزئية. الكُلّ هو الحكم على المجموع، والكُلِّية هو الحكم على الجميع، والجزئية هو الحكم على البعض. وفرْق بين المجموع، والجميع. إذا قال قائل مثلاً: أعطي مجموع أولادك، عطاهم مال وعنده مثلاً عشرين من الأولاد، أو عنده عشرون حينئذٍ قال: أعطي المجموع أولادك. فأعطى خمسًا وترك البقية، صح؟ نعم صحيح لأن المراد بعض الأفراد، قال: أعطي مجموع الأفراد. مجموع أبنائك مجموع الطلاب فأعطى البعض وترك صح، أعطي جميع أولادك أعطى البعض وترك صح؟

لا، لماذا؟

لأن الجميع لا بد أن يستوفي الكُلّ لا يخرج عنه فرد من الأفراد، ولذلك الكُلِّية يتبع كل فرد فَرد، والكُلّ يتبع البعض دون الآخر، والجزء والجزئية واضح معناهما. والله أعلم.

وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 28