المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس · فصل في شرح المعرفات، وشرح الترجمة. · أقسام المعرفات، - الشرح المختصر للسلم المنورق - جـ ٣

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس · فصل في شرح المعرفات، وشرح الترجمة. · أقسام المعرفات،

‌عناصر الدرس

· فصل في شرح المعرفات، وشرح الترجمة.

· أقسام المعرفات، وبيان كل منها.

· شروط المعرفات.

· باب القضايا، وأحكامها.

· حد الخبر والقضية.

· أنواع القضايا، وبيان كل منها.

· القضية الحملية وأنواعها باعتبار الكم والكيف، وأسماء أجزائها.

· القضية الشرطية وأنواعها، وأسماء أجزائها.

· بيان الشرطية المتصلة.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد.

قال الناظم رحمه الله تعالى:

(فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ)

هذا شروع منه في بيان مقاصد التصورات، تعلمون أن العلوم منحصرة في التصورات والتصديقات، وأن كلاً منهما له مبادئ وله مقاصد.

مبادئ التصورات ما سبق من الكليات الخمس: جنس، وفصل، والعرض العام، والنوع، والخاص. وهذه الخمسة منها ما هو ذاتي كليٌّ ذاتي وهو: الجنس، والفصل. ومنه ما هو كليٌّ عرضي وهو: العرض العام، والخاصة. ومنه ما هو مختلف فيه وهو: النوع. والمراد بالكلي الذاتي كما سبق أنه ما كان داخلاً في الماهية جزءًا من الماهية، يعني: كل جنس لا بد أن يكون داخلاً أو جزءًا في الماهية. وكذلك الفصل يكون داخلاً في جزء الماهية إلا أن الفرق بين الجنس والفصل أن الجنس يصدق على الماهية وعلى غيرها، الحيوان مثلاً هذا جنس في الإنسان ويصدق على الإنسان وعلى الفرس، وأما الفصل فهو جزء الماهية كالناطق بالنسبة للإنسان لكنه لا يصدق على غير الإنسان.

المعرفات التي يعبر عنها بالحدود هذه لها صورة ومادة وغاية لها صورة هيئة يعني ومادة وغاية.

غاية معرفة الحد محدود يعني: ما معنى الصلاة؟ ما معنى الإنسان؟ ما معنى الزكاة؟ إذا حددته عرفته حينئذٍ عرفت معنى الصلاة هذا غاية الحد.

وأما المادة وهي التي يتألف منها ويتركب الحد أو التعريف هو الكليات الخمس، فكل حد لا يخرج عن الخمسة الأنواع السابقة إما بجنس، والفصل، إما العرض، عام، وإما، العرض العام مختلف فيه هل يقع وحده مُعَرِّفًا أم لا؟ أو الخاصة أو النوع، حينئذٍ المادة الذي يتألف منها التعريف أو المعرف أو الحد هو قول الشارح: هو الكليات الخمس. في هذا الفصل سيبين كيف نركب الحد كيف نؤلف من هذه الكليات الخمس حدًا يكون جامعًا مانعًا.

(فَصْلٌ فِي المُعَرِّفاتِ) المعرفات جمع معرف، ويسمى تعريفًا لتعريف المخاطب بالماهية، يعني: وظيفته وغايته يعرف المخاطب بالماهية بالحقيقة. وقولاً شارحًا قولاً كما سبق المراد به عند المناطقة بـ أو يعبر عنه بالمركب وشارحًا لشرحه الماهية يعني يكشف الماهية، المعرفات عندهم على المشهور ثلاثة أقسام: حد، ورسم، ولفظي. ولذلك قال الناظم:

مُعَرِّفٌ عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ

حَدٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ عُلِمْ

هذا على المشهور، وأوصله بعضهم إلى الخمس أو الست. (مُعَرِّفٌ)، هذا مبتدأ قيل: حذفت منه أل للضرورة. الأصل المعرف، ويحتمل أنه نفي على أصله وسوغ الابتداء به وقوعه في معرض التفصيل لأنه سيفصل هذه المعرفات إلى ثلاثة أقسام، يحتمل هذا ويحتمل ذاك (عَلَى ثَلَاثَةٍ قُسِمْ)، يعني: المعرف منقسم على ثلاثة أقسام بالتتبع والاستقراء، وهذا مجرد اصطلاح عند المناطقة تبعهم كثير من الشراح والمؤلفين سواء كان في العلوم الشرعية أو في غيرها.

(حَدٌّ) هذا الأول الحد وهو نوعان: تام، وناقص.

(وَرَسْمِيٌّ) هذا النوع الثاني، ويقال له: رسم. هذا منسوب للرسم اللغوي وهو: الأثر. كما سيأتي وهو نوعان كذلك: تام، وناقص.

ص: 1

والثالث: (لَفْظِيٌّ)، أي: تعريف لفظي منسوب للفظ المطلق لفظ نسب للفظ المطلق نسبة الخاص إلى العام.

(وَلَفْظِيٌّ عُلِمْ)(عُلِمْ) هذا تكملة للبيت، يعني: علم معناه، وإنما جهل كونه مسمًى للفظ الآخر على جهة الإجمال هي ثلاثة: حد، ورسم، ولفظي. وعند التفصيل هي خمس، لأن الحد ينقسم إلى قسمين: تام، وناقص. وكذلك الرسم ينقسم إلى قسمين: تام، وناقص. واللفظي واحد، وبعضهم أدخل اللفظي في الرسمي لأن اللفظي أثر، اللفظي أن يقال: البُّر ما هو البر؟ تقول: هو القمح. والغضنفر ما هو؟ ابن الأسد. أتى لفظ فسره بلفظ آخر، وهذا جعله بعضهم في الرسم، حينئذٍ صارت القسمة ثنائية على جهة العموم وخماسية على جهة التفصيل، ثم شرع في بيان ضابط كل واحد من هذه الخمسة فقال:(فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ وَقَعَا). (فَالحَدُّ) الفاء هذه فاء الفصيحة، والحد في اللغة هو: المنع. وهو: مانع من دخول أفراد غير المعرف فيه. ولذلك كلما مر بك تعريف تجد الفقهاء وغيرهم يجعلون هذا التعريف خاص بالمعرف يعبرون عنه بالجامع المانع، يعني: يجمع كل أفراد المعرف بحيث لا يخرج عنه فرد من أفراده ويمنع أيَّ فرد من غير أفراد المعرف من الدخول في الحد، جامع مانع (فَالحَدُّ)، إذًا في اللغة هو: المنع. المنع لأنه يمنع من غير أفراد المعرف من الدخول في الحد، وكذلك يمنع بعض أو فرد من أفراد المعرف من الخروج عن الحد، فالحد المراد به في هذا الشطر الحد التام بدليل قوله فيما يأتي:(وَنَاقِصُ الحَدِّ). إذًا المراد بالحد هنا الحد التام، متى أو مما يتألف الحد التام؟ قال:(بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ). عرفنا أن الجنس كليٌّ ذاتيٌّ وأن الفصل كليٌّ ذاتيٌّ، إذًا متى يكون الحد تامًا إذا اشتمل على جميع ذاتيات الماهية وهو الجنس والفصل، (فَالحَدُّ) أي التام. سمي تامًا لأنه كاشف للحقيقة كلها وهو الحد الحقيقي عند المناطقة لأنه مشتمل على الأوصاف الذاتية التي تركبت منها الحقيقة ونسب إليها

(بِالْجِنْسِ)، يعني: الجنس القريب. سبق أن الجنس ثلاثة أنواع: بعيد، ومتوسط، وقريب. إذا أطلق الجنس انصرف إلى قريب وإذا أريد المتوسط وهو: الأبعد، أو البعيد. حينئذٍ يقيد، وهنا أطلق الجنس حينئذٍ يحمل على الجنس القريب، وهو الذي ليس تحته جنس إنما تحته أنواع، (فَالحَدُّ بِالْجِنْسِ وَفَصْلٍ وَقَعَا) الحد مبتدأ و (وَقَعَا) الألف هذه للإطلاق

و (بِالْجِنْسِ) هذا متعلق بقوله: (وَقَعَا). فالحد وقعا يعني: حصل بالجنس والفصل، مثاله: الإنسان حيوان ناطق. ما الإنسان؟ الإنسان هذا مفرد ونريد تعريفه قال: حيوان ناطق. كلمة حيوان هذه جنس قريب وناطق هذا فصل، إذًا اشتمل هذا الحد على الجنس والفصل (وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ مَعَا)، الرسم التام كذلك لأنه سيذكر في البيت الرابع (وَنَاقِصُ الرَّسْمِ)، إذًا الرسم التام والرسم في اللغة هو: العلامة وهو الأثر، والخاصة أثر من آثار المعرف مما يتألف يتركب الرسم التام؟ قال:(بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ). عرفنا المراد بالخاصة فيما سبق وهو: كليٌّ عرضيٌّ.

ص: 2

والجنس هنا أطلقه ومراد به الجنس القريب، إذًا الرسم الثاني يتألف مما من جنس قريب وخاصة، والخاصة التي هي العرض هنا الخاص يشترط فيه أن تكون شاملة لازمة شاملة، يعني: لكل الأنواع، ولازمة بمعنى أنها لا تنفك عن فرد من أفراد الجنس، مثاله الرسم التام الإنسان حيوان ضاحك بالقوة، حيوان ناطق هذا حد تام، حيوان ضاحك، ضَاحك هذا قلنا: خاصة لأنه مما يختص به الإنسان، ولذلك قال: بالقوة. أما بالفعل فهذا ينفك فلو قال: حيوان ضاحك. وسكت حينئذٍ يحمل على الضحك بالفعل وهذا لا يكون شاملاً لأن الإنسان لا يكون ضاحكًا بالفعل في وقته كله، وإنما الذي يوصف بكونه لازمًا في كل وقت هو الضحك بالقوة، يعني: مؤهل وعنده أهلية الضحك إن وجد سببه حينئذٍ حيوان هذا جنس قريب وضاحك بالقوة هذا فصل خاصة وهي شاملة لازمة، (وَالرَّسْمُ بِالْجِِنْسِ وَخَاصَةٍ مَعَا) أي: حالة كونهما مجتمعين. إذًا هذا حقيقة الرسم أنه مركب من الجنس والخاصة.

ثم بين الناقص من الحد والناقص من الرسم بقوله:

وَنَاقِصُ الحَدِّ بِفَصْلٍ أَوْ مَعَا

جِنْسٍ بَعيِدٍ لَا قَرِيبٍ وَقَعَا

الحد التام له صورة واحدة وهي: أن يتألف من جنس وفصل، ويشترط فيه أن يتقدم الجنس على الفصل، وأما ناقص الحد يعني: نقص بعض الذاتيات. ناقص الحد يعني: الحد الناقص من إضافة الصفة إلى الموصوف، وله صورتان قال:(بِفَصْلٍ). يعني: وحده. أن يأتي بالفصل وحده يقول: ما الإنسان؟ تقول: ناطق. ما الإنسان عرف الإنسان؟ يقول: ناطق. ما أتى بالجنس وإنما أتى بماذا؟ بالفصل وحده فقط، هذا يسمى حدًا ناقصًا، ما الذي نقص؟ الجنس لم يأت بلفظ الحيوان، حينئذٍ يقول: الإنسان حيوان الناطق، هذا حد تام، فحذف الجنس حينئذٍ اقتصر على الفصل فيكون حدًا ناقصًا لأن الإنسان مركب من شيئين: حيوانية، والناطقية. فكونه اقتصر على الناطقية دون ذكر الجنس يعتبر حدًا ناقصًا هذه الصورة الأولى (وَنَاقِصُ الحَدِّ بِفَصْلٍ) وحده، (أَوْ مَعَا جِنْسٍ بَعيِدٍ)، يعني: أن يأتي بالجنس والفصل معًا، لكن لا يكون الجنس قريبًا، وإنما يكون بعيدًا أو متوسطًا لأن الأجناس ثلاثة: جنس بعيد، جنس متوسط، جنس قريب. إذا أتى بالقريب مع الفصل حينئذٍ نقول: هذا حد تام. إذا أتى بالفصل ولم يأتي بالجنس القريب وإنما جاء بالجنس المتوسط أو البعيد نقول: هذا حد ناقص. هذا كله مجرد اصطلاح عند المناطقة، (أَوْ مَعَا) حال كونهما معًا (جِنْسٍ بَعيِدٍ) أو نعم (جِنْسٍ بَعيِدٍ لَا قَرِيبٍ) قال:(لَا قَرِيبٍ). نفى القريب حينئذٍ أين يدخل المتوسط؟ في قوله: (جِنْسٍ بَعيِدٍ). يعني: باعتبار القريب، فيشمل البعيد والمتوسط حينئذٍ كل جنس يوصف بكونه ليس قريبًا الإتيان به مع الفصل يسمى حدًا ناقصًا (وَنَاقِصُ الحَدِّ بِفَصْلٍ)، أي: وحده. هذه الصورة الأولى.

ص: 3

الصورة الثانية: (أَوْ مَعَا). يعني: أو بفصل (مَعَا) الألف هذه للإطلاق أو معًا يحتمل أنها بدل عن التنوين (جِنْسٍ بَعيِدٍ) أو متوسط (لَا قَرِيبٍ) هذا تأكيد لما قبله، (وَقَعَا) الألف هذه للإطلاق الألف للإطلاق، إذًا له صورتان ناقص الحد أو الحد الناقص أن يأتي بالفصل وحده فقط فيكون الإنسان هو الناطق و، أو الصورة الثانية أن يأتي بالجنس البعيد مع الفصل، يقول: الإنسان جوهر ناطق. عرفنا أن الجوهر هذا أعلى الأجناس، أو يقول: الإنسان جسم ناطق. هذا أدنى متوسط أو الإنسان نامٍ ناطق، هنا لم يأتي بالجنس القريب حينئذٍ نقول: هذا جنس بعيد بمعنى أنه ليس قريبًا فدخل فيه المتوسط مع الفصل، إذًا إذا قيل: جسم ناطق، هل هذا حد ناقص أو تام؟ نقول: هذا حد ناقص. لماذا؟ لكون الجنس هنا وهو قوله: جسم. متوسط وليس بقريب، وجوهر ناطق كذلك جوهر هذا جنس بعيد بل هو أبعد الأجناس مع وجود الفصل حينئذٍ نقول: هذا حد ناقص.

بقي صورة ثالثة وهي أن يأتي بالحد التام لكنه يقدم ويؤخر يشترط الحد التام أن يتقدم الجنس القريب على الفصل يقول: الإنسان حيوان ناطق. لو قال: الإنسان ناطق حيوان. هنا أتى بالجنس القريب مع الفصل لكنه قدم فأخر قدم وأخر حينئذٍ نقول: هذا ناقص وليس بتام. يعني: يشترط في الحد التام الترتيب، فإذا لم يلتزم الترتيب حينئذٍ نقول: هذا حد ناقص.

وَنَاقِصُ الرَّسْمِ بِخَاصَةٍ فَقَطْ

أَوْ مَعَ جِنْسٍ أَبْعَدٍ قَدِ ارْتَبَطْ

ص: 4

(وَنَاقِصُ الرَّسْمِ) أيضًا كذلك من إضافة الصفة للموصوف، أي: الرسم الناقص. وله صورتان ذكرها الناظم هنا: (بِخَاصَةٍ فَقَطْ). يعني: أن يأتي بالخاصة وهي يشترط فيها أن تكون شاملة لازمة فقط، يعني: دون الجنس. يقول: الإنسان ما الإنسان؟ ضاحك بالقوة، الإنسان ضاحك هنا أتى بالخاصة ولم يأتي بالجنس، والأصل في الرسم أن يأتي بالجنس القريب مع الخاصة إذا اكتفى بالخاصة كما إذا اكتفى بالفصل هناك حينئذٍ انتقل من كونه حدًا تامًا إلى النقص، كذلك هنا إذا اكتفى بالخاصة دون الجنس القريب حينئذٍ انتقل الرسم من التام إلى الناقص (وَنَاقِصُ الرَّسْمِ) أن يكون (بِخَاصَةٍ فَقَطْ) تقول: ما الإنسان؟ ضاحك (أَوْ مَعَ جِنْسٍ أَبْعَدٍ) أو بخاصة مع جنس أبعدٍ، يعني: بالتنوين هنا صرف للضرورة أو متوسط لأنه يقابل القرين، المقابلة هنا بين الرسم التام والرسم الناقص، الرسم التام يشترط فيه الجنس القريب ما عداه إن وجد الجنس فهو إما متوسط وإما بعيد فإن وجدت الخاصة مع الجنس المتوسط أو الجنس البعيد حينئذٍ صار رسمًا ناقصًا، (أَوْ مَعَ جِنْسٍ) أو بخاصة مع جنس أبعدٍ أو متوسط (قَدِ ارْتَبَطْ)، يعني: اختار مع ذلك الجنس الأبعد بالخاصة، يعني: جمع بينهما في تعريف واحد. وكذلك يشترط الترتيب في الرسم التام فإذا قيل: حيوان ضاحك بالقوة. نقول: هذا رسم تام. إن قيل: حيوان. إن قيل: الإنسان ضاحك بالقوة حيوانًا. قدم الخاصة على الجنس القريب حينئذٍ صار رسمًا ناقصًا، فنزيد صورة على الصورتين اللتين ذكرهما الناظم وهي فيما إذا تقدمت الخاصة على الجنس القريب إما أن يتقدم الخاصة على الجنس القريب، إذًا خلاصة ما ذكره نقول: الحد التام أن يأتي بالجنس القريب والفصل، والرسم التام أن يأتي بالجنس القريب والخاصة، ويشترط فيهما الترتيب بأن يقدم الجنس القريب على الفصل في الحد التام وعلى الخاصة في الرسم التام، فإن قدم الفصل على الجنس أو الخاصة على الجنس حينئذٍ انتقل من الحد التام إلى الناقص ومن الرسم التام إلى الناقص هذين صورة من الصور التي لم يذكرها الناظم. (وَنَاقِصُ الحَدِّ) له صورتان فيما ذكره الناظم أن يأتي بالفصل فقط الإنسان ناطق، أو يأتي بالفصل مع جنس ليس قريبًا بل هو بعيد أو متوسط حينئذٍ نقول: هذا حد الناقص كذلك ناقص رسمي أن يأتي بالخاصة فقط دون جنس أو يأتي بالخاصة مع جنس ليس قريبًا بل هو متوسط أو بعيد.

ثم قال:

وَمَا بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ شُهِرَا

تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ أَشْهَرَا

ص: 5

(وَمَا)، يعني: والذي أو المعرف الذي يعرف باللفظ لديهم، يعني: عند المناطقة في اصطلاحهم (شُهِرَا) الألف هذه للإطلاق صلة ما، والذي شهرا (بِلَفْظِيٍّ لَدَيْهِمْ) اصطلاحهم يعني: اشتهر ما مبتدأ وقوله: (تَبْدِيلُ لَفْظٍ بِرَدِيفٍ أَشْهَرَا). يعني: أشهر منه، حذفه للعلم به يعني عند السامع، لا يعرف مثلاً معنى البُّر ما البُّر؟ يقول: هو القمح. بدل لفظًا بلفظ، الغضنفر قال: ما الغضنفر؟ لا يعرفه، قال: هو الأسد. أبدل لفظًا بلفظ ما الزخيخ أو الزخيفة؟ قالوا: هي النار. إذًا أبدل لفظًا بلفظ يأتي بلفظ فقط، لكن هذا اللفظ يشترط فيه أن يكون أشهر عند المخاطب، يعني لو قال: ما الذهب؟ قال: العسجد. ما حصل البيان بل زاده خفاءً لماذا؟ لأنه يشترط أن يأتي بلفظ هو أظهر عند السامع وأشهر من اللفظ الذي سأل عنه، هو ما عرف الذهب يعني في العسجد، حينئذٍ لا بد أن يأتي بلفظ أظهر من الذي سأل عنه (تَبْدِيلُ لَفْظٍ)، يعني: تغير لفظ كالقمح بالبر. (بِرَدِيفٍ)، يعني: بلفظ رديف أو مرادف، صفة لموصوف محذوف رديف هذا صفة لموصوف محذوف برديف له أي: للمعرف. المعرف هنا البُّر قال: ما البر؟ هذا معرف قال: هو القمح. فالمخاطب يعرف القمح ولا يعرف البر (بِرَدِيفٍ) له أي: للمعرف. (أَشْهَرَا)، يعني: أشهر منه عند السامع، وحذف الجار والمجرور للعلم به، إذًا هذه الأنواع الخمسة هي التي يتألف منها ويتركب أو هي صورة وهيئة التعريف، فكيف نستحضر العلم بالتصورات؟ أن تأتي بالكليات الخمس على هذا الترتيب، ثُمَّ ثَمَّ شروط لا بد من توافرها في الحد أو المعرف، ذكر شيئًا منها الناظم هنا على المشهور قال:(وَشَرْطُ كُلٍّ). من الحد والرسم، الشرط معلوم ما يلزم من عدم إلى العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته حينئذٍ إذا تخلف شرط من هذه الشروط الآتية حينئذٍ الحد يكون فاسدًا، (وَشَرْطُ كُلٍّ) من الحد والرسم (أَنْ يُرَى)، يعني: المعرف. شرط هذا مبتدأ وجملة (أَنْ يُرَى) خبر (أَنْ يُرَى) المعرف (مُطَّرِدَا مُنْعَكِسًا)، ولذلك بعضهم يعرف التعريف يقول: هو الجامع المانع. أو المطرد المنعكس، وهذا أهم شرط عندهم والمراد هنا أن يكون (مُطَّرِدَا) أي: مانعًا من دخول غير المعرف. (مُنْعَكِسًا) جامعًا لجميع أفراده.

الجامع المانع حد الحد

أو ذو انعكاسًا إن تشأ وطرد

ص: 6

وبعضهم يعبر بهذا وبعضهم يعبر بذاك الطرد والعكس، أو الجمع والمنع، واختلفوا في تفسير كل منهما، إذًا (أَنْ يُرَى) المعرف (مُطَّرِدَا)(مُطَّرِدَا) هذا حال من ضمير (يُرَى)، أي: مانعًا من دخول غير المعرف (مُنْعَكِسًا) جامعًا لجميع أفراده، ولذلك سمي حدًا لأن الحد في اللغة هو: المنع. فيمنع من غير المعرف من الدخول في التعريف، ويمنع أن يخرج أي فرد من أفراد المعرف عن التعريف، فهو يمنع من الجهتين من الخروج ومن الدخول، قيل: الطرد كلما وجد الحد وجد المحدود. الطرد هو: التلازم في الثبوت. والعكس هو: التلازم في الانتفاء. التلازم في الثبوت الذي هو الطرد، [والانتفاء أو نعم](1)، والعكس هو [الانتفاء](2) هو التلازم في الانتفاء نعم، تلازم في الثبوت هذا هو الطرد، والتلازم في الانتفاء هو العكس، يعني: ثَمَّ خلاف في معنى العكس والطرد، فالطرد كلما وجد الحد وجد المحدود لزم منه منع غير المحدود للدخول في الحد قطعًا، والعكس كلما انتفى الحد انتفى المحدود، يعني: كلما انتفى الناطق انتفى الإنسان هذا صحيح؟ كلما انتفى الناطق انتفى الإنسان، كلما انتفى الناطق انتفى الحيوان صحيح؟ لا ليس بصحيح وإنما كلما انتفى الناطق انتفى الإنسان هذا الصحيح كلما انتفى الناطق انتفى الحيوان؟ نقول: لا ليس بصحيح لأن الحيوان يصدق على الإنسان وعلى غيره لو قال: الإنسان هو الحيوان. ما الإنسان؟ قال: هو الحيوان. [حيوان مو حيوان ها ها] ما الإنسان؟ قال: هو الحيوان. الحيوان فَعْلان، يعني: ما فيه حياة لذا قال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64]. {لَهِيَ الْحَيَوَانُ} يعني: التي فيها الحياة الكاملة، المراد بالإنسان أنه حيوان بمعنى أنه متصف بالحياة حيوان فَعْلان لو قال: الإنسان هو الحيوان. صح التعريف أو لا؟ صحيح أو ليس بصحيح؟ الإنسان هو الحيوان الحيوَان هذا جنس يصدق على الإنسان وعلى غيره، هل هو مانع؟ ليس مانعًا لماذا؟ لأن الحد لم يختص بالإنسان إذا قلت: الإنسان هو الحيوان. الحيوان منه إنسان، إذًا لم يخرج فرد فهو جامع قطعًا، فهو جامع لجميع أفراد المعرف لكنه غير مانع من دخول غير المعرف في التعريف، يعني: إذا قلت: الإنسان هو الحيوان. دخل الفرس والبغل والحمار هذا خطأ، حينئذٍ هو جامع لكنه غير مانع، إذا قيل: الإنسان هو الحيوان. هذا التعريف نقول: هذا جامع غير مانع. جامع لأفراد الإنسان نعم لم يخرج عنه، لأن الحيوان من أفراده الإنسان، وكل فرد صدق عليه لفظ إنسان فهو داخل في الحد، لكن دخل معه الفرس ودخل معه الحمار ودخل معه البالغ وهكذا، فنقول: هذا غير مانع. الحيوان هو الناطق، ما هو الحيوان؟ قال: هو الناطق. حد صحيح أو لا؟ هذا مانع أو لا؟

(1) سبق.

(2)

سبق.

ص: 7

ليس بجامع نعم، هو مانع من غير دخول فرد من أفراد الحيوان في هذا الحد، لكنه غير جامع، لأن الحيوان منه ما هو ناطق وزيادة حينئذٍ أين ذهبت هذه الزيادة؟ إذًا خرج أفراد عن الحد، إذًا الإنسان والحيوان نقول: هذا جامع غير مانع الحيوان هو الناطق، هذا مانع من دخول غير الحيوان لكنه غير جامع، (وَشَرْطُ كُلٍّ) من الحد والرسم (أَنْ يُرَى مُطَّرِدَا)، أي: مانعًا من دخول غير المعرف (مُنْعَكِسًا)، أي: جامعًا لجميع أفراده.

الشرط الثاني قال: (وَظَاهِرًا لَا أَبْعَدَا). يعني: وأن يرى ظاهرًا لا أبعدا. وهذا في اللفظ أن يكون ظاهرًا، يعني: واضحًا عند السامع إذا أراد أن يبدل لفظ بلفظ فيأتي بلفظ واضح عند السامع، فإذا قال: الذهب هو العسجد. نقول: هذا لا يصح تعريف اللفظي بهذا، لأن العسجد أشد خفاءً من الذهب، فالذي لم يعرف الذهب من باب أولى أن لا يعرف العسجد، وهذا نقول وإن كان صحيحًا العسجد هو الذهب، لكن التعريف خطأ، لا يعتبر صحيحًا، لماذا؟ لكونه عرف بالأخفى من المحدود [من الحد](1) من المحدود نعم، عرف بالأخفى من المحدود، وظاهرًا أن يرى، ظاهرًا يعني: واضحًا عند السامع. (لَا أَبْعَدَا) منه في الفهم، يعني: أخفى من المعرف احترز به عن المساوي والأخفى كما مثلنا بما سبق، ولذلك قال:(وَلَا مُسَاوِيًا). هذا تصريح بما ذكره في قوله: (وَظَاهِرًا لَا أَبْعَدَا). يعني: لا أخفى من المحدود ولا مساويًا له، يعني: المعرف في الخفاء، لأنه إما أن يأتي بلفظ مساوي له في الخفاء، وإما أن يأتي بلفظ أشد خفاءً مما سبق لا هذا ولا ذلك لو قال: ما المتحرك؟ قال: هو ما ليس بساكن. هذا مساوٍ له، ما هو المتحرك؟ ما ليس بساكن، هذا مساوي للسابق ما هو الزوج؟ قال: ما ليس فردًا. ما الفرد؟ ما ليس بزوج، حينئذٍ إذا نفى أدخل ما أو حرف السلب على المحذوف نقول: هذا صار مساويًا. ما المتحرك؟ هو ما ليس بساكن، ما الزوج؟ ما ليس فردًا، ما الفرد؟ ما ليس بزوج، نقول: هذا مساوٍ فلا يصح التعريف به.

(1) سبق.

ص: 8

ثم قال من الشروط: (وَلَا تَجَوُّزَا). يعني: لا يقع في الحد لفظ هو مجازي، وإنما الأصل في التعاريف أن تكون الألفاظ مستعملة في معناها الحقيقي، لأن المجاز فيه نوع خفاء حينئذٍ إذا أتي بلفظ هو مجاز نقول: هذا لا يصح، لو قيل بتعريف البليد هو: الحمار. يطلق الحمار على البليد يطلق لفظ الحمار مجازًا على البليد فنقول: هذا لا يصح. لماذا؟ لأنه موهم ما البليد؟ قال: الحمار. الحمار يحتمل أنه حيوان المعروف ويحتمل أنه مجاز، فلكون ذلك فيه نوع خفاء حينئذٍ يمتنع أن يقع المجاز في الحد، لكن استثنى يعني: محل امتناع المجاز متى؟ إذا كان بلا قرينة، أما إذا وجدت قرينة تُبَيِّن أن هذا اللفظ استعمل في مجازه فلا إشكال لانتفاء العلة التي منعنا من أجلها أن يدخل المجاز في الحد يعني: إذا قيل في تعريف البليد: حمار. نقول: هذا بدون قرينة، إذًا وقع لبس، لكن لو قال: البليد حمار يقرأ. حينئذٍ نقول: يقرأ هذا الحمار لا يقرأ، الحمار كاسمه فلما قيل: حمار يقرأ، أو يكتب، أو يحفظ أو نحو ذلك جيء بوصف يختص بالناطق حينئذٍ نقول: هذه قرينة دلت على أن هذا اللفظ مجازي، (وَلَا تَجَوُّزَا) الألف هذه للإطلاق يعني: لا أن يرى التعريف، أي: لفظ تجوزا. أي: لفظًا مجازيًّا، لكن محل الامتناع امتناع المجاز أن يدخل في الحد بلا قرينة معينة للمراد بها، يعني: بتلك القرينة (تُحُرِّزَا)، يعني: التي يتحرز بها عن إرادة غير المراد كالمثال الذي ذكرناه.

ثم قال:

وَلَا بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ وَلَا

مُشْتَرَكٍ مِنَ القَرِينَةِ خَلَا

ص: 9

(وَلَا) يكون التعريف (بِمَا)، يعني: بلفظ. (يُدْرَى بِمَحْدُودٍ)، يعني: يعلم معناه بالمعرف، وهذا ما يسمى بالدور السبقي كما ذكرناه فيما سبق العلم هو: إدراك المعلوم. هنا أدخل لفظ في الحد في التعريف لا يعلم معناه إلا بمعرفة المحدود، نحن نريد أن نعرف ماذا؟ العلم، إذًا لا يدخل في التعريف مادة مشتقة من لفظ العلم واضح؟ لا يدخل في التعريف مادة مشتقة من لفظ العلم لأنه لو أدخله حينئذٍ لزم الدور فتقول مثلاً: العلم هو: معرفة المعلوم، أو إدراك المعلوم. المعلوم هذا اسم مفعول من العلم، ما هو العلم؟ معرفة المعلوم لا يمكن أن تعرف المعلوم إلا إذا عرفت العلم فحينئذٍ أنبنى بعضه على بعض فلا يمكن أن يعرف المحدود إلا بمعرفة هذا اللفظ المشتق، وهذا اللفظ المشتق لا يمكن معرفته إلا بمعرفة الحد، ونحن نريد ماذا؟ نريد حد العلم، وهذا ما يسمى بالدور السبقي بمعنى أنه [لا يصح أن يتوقف معرفة الحد على معرفة لا نعم](1) لا يتوقف معرفة فرد أو لفظ في التعريف على معرفة المحدود يسمى ماذا؟ يسمى دورًا، أن لا يكون في التعريف دور سبقي وهو: توقف معرفة الحد على معرفة المحدود. العلم إدراك المعلوم، ما هو المعلوم؟ هذا اسم مفعول مشتق من العلم لا يمكن أن تعرف المعلوم إلا إذا عرفت العلم، وما هو العلم؟ إدراك المعلوم، حينئذٍ تبقى في دوامة ويدخل في الدور الممنوع إدخال الأحكام في الحدود، يعني: يدخل في هذا النوع وإن فصله الناظم كما سيأتي إلا أنه يدخل في الدور ماذا؟ إدخال الأحكام في الحدود لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا قيل: الفاعل هو الاسم المرفوع. نقول: لا، لا تقول اسم مرفوع، لأن المرفوع ماذا؟

(1) سبق.

ص: 10

لأن المرفوع هذا حكم، يعني: اللفظ المتصل بالرفع، ولا يمكن أن تتصور الحكم إلا إذا تصورت الماهية، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره فحينئذٍ تحتاج معرفة المحدود ثم بعد ذلك تحكم عليه، إذًا قوله:(وَلَا بِمَا يُدْرَى بِمَحْدُودٍ). يعني: الدور السبقي. بمعنى أنه لا يتوقف في معرفة المحدود لفظ في التعريف لا يمكن فهمه إلا بفهم الحد نفسه، وهذا كما ذكرنا توقف معرفة الحد على معرفة المحدود (وَلَا مُشْتَرَكٍ)، يعني: ولا يكون في التعريف، أو لا يكون التعريف بلفظ مشترك، والمراد بالمشترك هنا المشترك اللفظي وهو: ما اتحد لفظه وتعدد معناه. ما هي الشمس؟ عين، لا يصح لماذا؟ لأن لفظ العين هذا وإن كان جامعًا لأفراد الشمس إن كان لها أفراد إلا أنه لا يمنع من دخول غير المحدود في الحد لأن العين كما سبق يصدق على الشمس، على القمر، وعلى الذهب، والفضة

إلى آخره حينئذٍ إذا قيل: الشمس هي عين. عرفها بماذا؟ بلفظ مشترك، إذًا ما حصل التعريف لكن قال:(مِنَ القَرِينَةِ خَلَا). خلا من القرينة، هذا كالقول في المجاز بمعنى أن المنع من إدخال اللفظ المشترك في التعريف إذا خلا عن قرينة تعين المراد، وأما إذا صاحب المشترك قرينة تعين المراد حينئذٍ لا إشكال لو قال: الشمس هي عين تضيء جميع آفاق الدنيا. صح، لماذا؟ لأنه وصف العين بما تختص به الشمس وهو: المحدود. عين تضيء جميع آفاق الدنيا، ولو قال: نهارًا. كذلك يتحلل أكثر، إذًا مشترك (وَلا مُشْتَرَكٍ) يعني: بلفظ مشترك. (مِنَ القَرِينَةِ) المعينة للمراد (خَلَا) خلا من القرينة، وأما إذا كان ثَمَّ قرينة فحينئذٍ لا بأس من إدخالها في الحد.

ثم قال:

وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ

أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ

(وَعِنْدَهُمْ) هذا خبر مقدم، يعني: عند المناطقة وعند غيرهم كذلك النحاة والفقهاء، (مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ) هذا حال من الضمير المستتر ففي الخبر

مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ

أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ

أو رسوم فدخول الأحكام في التعاريف كائن عندهم حالة كونهم من جملة المردود، يعني: الحد يعتبر مردودًا، لماذا؟ لانتفاء شرط من شروطه، وهو أن لا يوجد فيه دور سبقي لأنه لا يتصور معرفة الحكم إلا بعد معرفة الماهية، فإذا قيل: الاسم الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله، حينئذٍ المرفوع هذا لا يتصور إلا بعد تصور الفاعل ما هو؟ فتقول: هو الاسم المرفوع من القول والفعل. المرفوع ما هو؟ الفاعل، ما هو الفاعل؟ إلى آخره حينئذٍ فيه دور سبقي.

وَعِنْدَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ المَرْدُودِ

أَنْ تَدْخُلَ الأَحْكَامُ فِي الحُدُودِ

ص: 11

وَلَا يَجُوزُ فِي الحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ)، (وَلَا يَجُوزُ فِي الحُدُودِ)، يعني: الحقيقة. (ذِكْرُ أَوْ)، يعني: أو التي للتقسيم، وحملها بعضهم أو التي للشك، والمشهور أنها أو التي للتقسيم، لماذا لا يجوز دخول أو في الحد؟ قال: لأن الماهية المحدودة شيء معين لا يتنوع، الماهية من حيث هي شيء واحد فإذا قيل: الإنسان حيوان ناطق. ماهية الإنسان هذه لا تتنوع إنما هي شيء واحد ومحلها الذهن وإنما وجودها في الخارج ضمن أفرادها، يعني: الحيوانية الناطقية أين وجودها؟ نقول: هذا هو المراد بلفظ إنسان. أين وجودها؟ وجودها وجود ذهني فقط، وأما في الخارج خارج الذهن فهي موجودة لكن لا على جهة الاستقلال وإنما في ضمن أفرادها فتقول: زيد حيوان ناطق، وعمرو حيوان، وهكذا أما أن يوجد حيوان ناطق لا زيد ولا عمرو هذا لا وجود له، الحقائق الذهنية كلها إنما وجودها وجود الذهن، الكليات التي سبق ما أفهم اشتراكًا هذا لا يوجد إلا في الذهن مثل الرجل قلنا: هذا ذكر بالغ من بني آدم. هذا وجوده في الذهن فقط، وأما في الخارج فلا يوجد عندنا ذكر بالغ من بني آدم وليس بزيد وعمرو فتقول: هذا ذكر بالغ. يوصف بكونه وليس فردًا من أفراده هذا محال ووجوده إنما هو وجود ذهني وهذا شأن الحقائق الذهنية إنما توجد في الخارج في ضمن أفرادها (وَلَا يَجُوزُ فِي الحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ)، إذًا ليس عندنا شيء يقسم الماهية شيء واحد فلا يتنوع (وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ)، أي: التعريف الرسمي لأنه أضعف من الحد

(فَادْرِ مَا رَوَوْا)، يعني: فاعلم ما رووه من التعليم، إذًا أو التي للتقسيم لا يصح دخولها في الحد لأن الحد لكشف الماهية، والرسم إنما هو علامته وأثر، فالثاني يقبل القسمة والأول لا يقبل القسمة، الحد شيء واحد معين في الذهن لا يتنوع محدود، وأما الرسم فهذا العلامة والأثر والخاصة هذا يقبل التقسيم، ولذلك صح دخول أو التي للتقسيم في الرسم وامتنع دخولها في الحدود.

ثم قال رحمه الله تعالى:

(بَابُ القَضَايَا وَأَحْكَامِهَا)

هذا شروع منه في بيان النوع الثاني من نوعي العلم وهو: التصديق. التصديق إدراك المركب كما سبق.

(إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّرًا عُلِمْ وَدَرْكُ نِسْبَةٍ)، أي: خارجية. (بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ) التصديقات لها مبادئ ولها مقاصد، مبادئها القضايا، هذا الباب التي سيذكره (وَأَحْكَامِهَا) الذي هو التناقض العكس، وهما بابان تاليان، ومقاصدها التصديقات مقاصد التصديقات هو القياس البرهان الحجة كما سيأتي بيانه، يعني: ما هي المادة التي يؤلف منها القياس؟ القياس لا بد أن يكون مركبًا من مقدمات ما نوع هذه المقدمات؟ هي التي سيعينها، كما ذكرنا في مبادئ التصورات الكليات الخمس، ما وظيفتها؟ هي مادة المقاصد، المقَاصد التصورات هو التعريف، هنا عندنا البرهان الذي هو القياس بأنواعه هو مقاصد التصديقات، مما يتألف هذا القياس مما يتركب؟ التعريف يتركب من جنس، وفصل، وخاصة

إلى آخره، والرسوم كذلك هذه مادتها الكليات الخمس، هنا سيتكلم عن مادة القياس بأنواعه مما يتألف سيذكر ما يأتي.

مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى

بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا

ص: 12

(مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ) الكلام عند أهل اللغة ينقسم إلى قسمين: خبر، وإنشاء. والخبر هو: ما احتمل الصدق والكذب لذاته. (مَا احْتَمَلَ)، (مَا) يعني: لفظ مركب، أو إن شئت قل: كلام احتمل الصدق، خرج ما لا يحتمل وهو الإنشاء كله الإنشاء بأنواعه الثمانية الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والترجي

إلى آخره هذه كلها لا تحتمل الصدق، يعني: لا يقال لقائلها لصاحبها: صدقت، أو كذبت. وإنما هذا شأن الخبر، إذًا (مَا احْتَمَلَ) خرج ما لم يحتمل من المركبات وهو: الإنشاء. وكذلك كزيد مثلاً زيد لا يحتمل الصدق والكذب، غلام زيد لا يحتمل الصدق والكذب لأنه ليس مركبًا، والكذب هذا مقابل للصدق (لِذَاتِهِ)، يعني: لذات الخبر لذات الكلام. لا لقائله لأنه إذا نُظِرَ لقائله فثَمَّ كلام يحتمل إلا الصدق وهو كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وثَمَّ كلام لا يحتمل إلا الكذب كقول مسيلمة: إني رسول الله. هذا لا يحتمل الصدق البتة، وما يخالف الضرورات العقلية لو قال: الكل أصغر من الجزء. نقول: هذا كذب لا يحتمل الصدق البتة. أو قال: الجزء أكبر من الكل. نقول: هذا لا يحتمل إلا الكذب. حينئذٍ (لِذَاتِهِ)، يعني: لذات القول لذات الكلام، لا باعتبار قائله وأما باعتبار القائل فثم أنواع ثلاث: منه ما لا يحتمل إلا الصدق وهو: كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وما لا يحتمل إلا الكذب كما ذكرنا قول مسيلمة وغيره، وما يحتمل الصدق والكذب وهو غيرهما. كقولك مثلاً: زيد قائم. قال: زيد مسافر. يحتمل أنه صادق ويحتمل أنه كاذب، (مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ)، إذًا قوله:(مَا). هنا أي: اللفظ شامل لجميع الألفاظ (احْتَمَلَ)، خرج به ما لم يحتمل وهو: الإنشاء. وكذلك زيد لفظ المفرد وغلام زيد، احتمل الصدق والكذب ذكر الصدق ولم يذكر الكذب هذا يسمى اكتفاءً، (لِذَاتِهِ) خرج به ما احتمله لا لذاته بل للازمه لو قال: اسقني. قلنا: هذا إنشاء. لكن يلزم منه خبر، لأنه في قوة قولك: أنا عطشان. أو قوة قولك: أنا أطلب، أو طالب للماء. هذا خبر أو لا أنا طالب للماء؟ خبر، أنا عطشان خبر، إذًا يحتمل الصدق والكذب، لكن لا لذات اسقني وإنما للازمه، فيلزم من كل أمر أن يعبر عنه بماذا؟ بخبر، هذا الخبر يحتمل الصدق والكذب، لكن ليس هو المراد وإنما الحكم هنا منصب على اللفظ نفسه على الذات على الذي ينطق ويلفظ، أما الأمور اللازمة هذه لا التفات لها البتة (جَرَى بَيْنَهُمُ)، يعني: بين المناطقة، (قَضِيَّةً) هذا حال من الضمير في (جَرَى)(وَخَبَرَا)، يعني: يسمى قضية، ويسمى خبرًا. الخبر هذا عبارة النحاة والبيانيين فكل ما احتمل الصدق والكذب لذاته يسمى خبرًا، ويسمى عند المناطقة قضية يسمى قضية لماذا سميت قضية؟ قالوا: هذا مشتق من القضاء، والقضاء هو الحكم فلاشتمالها على الحكم سميت قضية، إذًا لها اسمان عندهم تسمى قضية وتسمى خبرًا، ولكن القضية هو المشهور عندهم في الاستعمال، يقال: هذه قضية كلية وهذه قضية شخصية.

مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى

بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا

ص: 13

ثم قسم لك القضاء إلى قسمين (ثُّمَ القَضَايَا)، التي عرفها بقوله:(مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ). (عِنْدَهُمْ) عند المناطقة، (قِسْمَانِ) بالاستقراء والتتبع (شَرْطِيَّةٌ) و (حَمْلِيَّةٌ) قضايا نوعان: قضية شرطية، وقضية حملية.

قضية شرطية هذا الأول القسم الأول، سميت بذلك لوجود أداة الشرط فيها اشتملت على أداة الشرط إِنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ أداة شرط هذه جملة شرطية لاشتمالها على أداة الشرط، وفيها تعليق وهي: ما حكم فيها على وجه الشرط والتعليق، كُلَّمَا كَانَتِ الشَّمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُود هذه تسمى ماذا؟ شرطية فيها تعليق، إذًا (شَرْطِيَّةٌ) سميت بذلك لوجود أداة الشرط فيها لفظًا أو تقديرًا هذا النوع الأول من القضايا.

النوع الثاني: حملية وهي: ما حكم فيها على وجه الحمل، وهي كل جملة ليس فيها أداة شرط ولا تعليق، يعني: ما يقابل الجملة الشرطية، سميت حملية نسبة إلى المحمول، لأن الجملة الاسمية تقول: زَيْدٌ قَائِمٌ. سبق أن زيد هذا موضوع سمي موضوعًا من الموضع كأنه وضع كالأرض مثلاً أو البساط ليحمل عليه الخبر، ولذلك قائم هذا محمول سمي محمولاً لماذا؟ لأنه حُمِلَ على غيره كالسقف على الجدار، بالنسبة للنظر أو بالنظر إلى المحمول سميت حملية، لأنه فيه حمل شيء على شيء آخر، فيه إخبار بشيء عن شيء آخر.

إذًا القضية تنقسم إلى نوعين: شرطية، وحملية. نسبة إلى الحمل باعتبار طرفها المحكوم به.

(وَالثَّانِي) أراد أن يبين يقسم لنا كُلاً من الشرطية والحملية، كل منهما ينقسم إلى أقسام (وَالثَّانِي)، يعني: الذي هو حملية، لم يقل الثانية مع أن الحملية مؤنث هذا باعتبار القسم، يعني: كأنه قال: والقسم الثاني.

الحملية تنقسم إلى قسمين: كلية، وشخصية. هنا على حذف الواو كما قال:(شَرْطِيَّةٌ حَمْلِيَّةٌ). يعني: شرطية وحملية. حذف الواو وهو جائز اتفاقًا في الشعر، كلية وشخصية، كلية تسمى الحملية كلية متى؟ التي يكون موضوعها كلي، عرفنا الكلي والجزئي فيما سبق، إذا كان موضوعها كليًّا سميت كلية، وإذا كان موضعها جزئيًّا، يعني: لا يفهم اشتراكًا سميت شخصية، فالنظر هنا للمحكوم عليه، هل المحكوم عليه بالمحمول كلي أو جزئي؟ بقطع النظر عن كونها مسورة أو لا، فإن كان كليًّا (فَمُفْهِمُ اشْتِرَاكٍ الكُلِّيُّ) فحينئذٍ نقول: هذه قضية حملية كلية، وإن كان المحكوم عليه شخصيًّا جزئيًّا لا يفهم اشتراكًا حينئذٍ نقول: هذه قضية حملية شخصية. إذًا كلية ما موضعها؟ كلي سواء كانت مسورة بسور كلي أو جزئي أو مهملة من السور، الإنسان حيوان، الإنسان نقول: هذا كلي. أفهم اشتراكًا أو لا؟ أفهم اشتراكًا، ودخول أل هنا هذه أل استغراقية لا يمنع من إفهامه الاشتراك، ولذلك سبق أن العام مدلوله كلية، إذًا الإنسان نقول: هذا كلي قولك: الإنسان حيوان. أي: كل فرد من أفراد الإنسان محكوم عليه بالحيوانية، إذًا هذه قضية حملية كلية لأن موضوعها المحكوم عليه كلية.

ص: 14

(شَخْصِيَّةٌ) وهي ما موضوعها؟ معين مشخص، وتسمى مخصوصة زيد كاتب، هذه شخصية أو كلية؟ تقول: شخصية. لماذا؟ لأن الموضوع الذي هو زيد المبتدأ مشخص معين هل يفهم اشتراكًا؟ لا يفهم اشتراكًا، إذًا هو جزئي كما سبق أن الأعلام من قبيل الجزئي.

ثم أراد أن يقسم الكلية قال: (وَالأَوَّلُ). أي: الكلية تنقسم على جهة العموم إلى قسمين: (إِمَّا مُسَوَّرٌ وَإِمَّا مُهْمَلُ). كلية مسورة، وكلية مهملة، يعني: مهملة من السور، ترك السور فلم تسور (وَالأَوَّلُ)، أي: الكلية. (إِمَّا مُسَوَّرٌ)، يعني: بالسور الكلي، أو الجزئي (وَإِمَّا مُهْمَلُ)، يعني: مهمل عن السور. يعني: خال عن السور. إذًا هذان قسمان على جهة العموم، ثم عند التفصيل تكون القسمة رباعية، ولذلك قال:(وَالسُّورُ كُلِّيًّا وَجُزْئِيًّا يُرَى). والسور يرى كليًّا وجزئيًّا، السور هو: اللفظ الدال على الإحاطة بجميع الأفراد، أو بعضها إيجابًا أو سلبًا، كل إنسان حيوان نقول: هذا اللفظ كل هذا يسمى سورًا، وهو لفظ دال على الإحاطة بجميع الأفراد، بعض الحيوان إنسان كلمة بعض نقول: هذا سور. وهذا السور يدل على بعض الأفراد لا على الكل، إذًا السور هو: اللفظ الدال على الإحاطة بجميع الأفراد أو بعضها سلبًا أو إيجابًا، (وَالسُّورُ كُلِّيًّا) متى؟ إن دل على الإحاطة بجميع أفراده، وهذه في قوة المخصوصة والسور مأخوذ من سور البلد لأن فيه نوع إحاطة، (وَجُزْئِيًّا) إن دل على الإحاطة لبعضها

(يُرَى)، أي: يعلم.

(وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ حَيْثُ جَرَى)(وَأَرْبَعٌ) الأصل يقول: أربعة. بالتاء لكن حذفه للضرورة، (وَأَرْبَعٌ أَقْسَامُهُ حَيْثُ جَرَى)(حَيْثُ جَرَى)، يعني: في أي تركيب وقع فيه فالأقسام حينئذٍ أقسام السور الأربع، لماذا؟ لأنه: إما سور كلي موجب، وإما سور كلي سالب، وإما سور جزئي موجب، وإما سور جزئي سالب. صارت القسمة رباعية ستأتي الأمثلة كلها، إذًا قسم لنا القضايا إلى قسمين: شرطية، وحملية. ثم قسم الحملية إلى: كلية، وشخصية.

والكلية ما موضعها كلي سواء كانت مسورة بسور كلي أو جزئي أو مهملة من السور.

والشخصية ما موضوعها معين مشخص، وتسمى مخصوصة وهي: ما كان الموضوع فيه علم مثلاً، أو محلاً بأل العهدية، أو اسم إشارة مطلقًا بشرط يكون المشار إليه معينًا، أو الكنية كل ما دل كل ما لا يفهم اشتراكًا، إذا كان المبتدأ لا يفهم اشتراكًا حينئذٍ نقول: هذه شخصية.

والكلية إما مسورة أو مهملة من السور حينئذٍ نقول: السور إما أن يكون كليًّا، وإما أن يكون جزئيًّا، وكل منهما إما سالب وإما موجب، اثنان في اثنين بأربعة، والمهملة هي موضوعها الكلي وأهملت من السور، ولذلك الحملية من حيث هي أربعة أقسام: مشخصة، مهملة، مسورة بسور كلي، مسورة بسور جزئي، أربعة أقسام مشخصة، ومهملة، ومسورة بسور كلي، ومسورة بسور جزئي.

المشخصة والمسورة بسور كلي متماثلتان في القوة، والمهملة والمسورة بسور جزئي متماثلتان في القوة، يعني: كل منهما في قوة الآخر.

ثم قال:

إِمَّا بِكُلٍّ أَوْ بِبَعْضٍ أَوْ بِلَا

شَيءٍ وَلَيْسَ بَعْضُ أَوْ شِبْهٍ جَلَا

ص: 15

يعني: يريد أن يذكر لك بعض ما يسمى بالسور، إما أن يكون سورًا كليًّا، أو سورًا جزئيًا، يعني: متى تحكم على القضية بأنها مسورة بسور كلي؟ إذا جاء لفظ كل، متى تحكم عليه بكونها مسورة بسور جزئي؟ إذا جاء لفظ بعض، يعني: السور محصور. كل لفظ دل على الإحاطة وهو ما يذكر في كتب الأصول من صيغ العموم فهو صور كلي، وكل لفظ دل على عدم الإحاطة فهو سور جزئي، حينئذٍ لذلك قال:(أَوْ شِبْهٍ جَلَا). يعني: ما كان مشابهًا لما ذكر (إِمَّا بِكُلٍّ)، يعني: إما أن يكون السور متلبسًا بكل بلفظ كل كُل إنسان حيوان، نقول: هذه قضية حملية كلية مسورة بسور كلي لأنه قال: (إِمَّا بِكُلٍّ). كل إنسان حيوان (إِمَّا بِكُلٍّ)، أي: أن يكون السور ملتبسًا، أو مصورًا بلفظ كل كقولك: كل إنسان حيوان. والسور الكلي الموجب له ألفاظ مشهورة عند المناطقة وغيرها كل، وجميع، وعامة، وأل الاستغراقية، وطرًا، وقاطبة، وكافة، وأجمعْ، وأجمعُ، هكذا كل ما يفيد العموم والشمول كل صيغ العموم هناك فهي سور كلي (أَوْ بِبَعْضٍ)، يعني: أو أن يكون السور متلبسًا، أو مسورًا بلفظ بعض كقولك: بعض الإنسان كاتب. هذا سور جزئي موجب، فكل قضية حملية مسورة بلفظ بعض فحينئذٍ نقول: هذه جزئية، أو قِسْم مثل بعض، أو فريق، أو منهم، أو فئة، أو طائفة، نقول: هذه كلها قضايا جزئية لأنها مسورة بسور لا يدل على الإحاطة، إذًا (بِكُلٍّ) أشار به إلى السور الكلي الموجب ولفظ بعض أشار به إلى السور الجزئي الموجب (أَوْ بِلَا شَيءٍ) هذا إشارة إلى السور الكلي السالب، لا شيء من الإنسان بحجر صحيح أو لا؟ لا شيء هذه نكرة في سياق النفي فتعم لا شيء من الإنسان هذا الموضوع بحجر هذا المحمول، إذًا كل فرد من أفراد الإنسان نفي عنه أن يكون حجرًا وهذا حق ومثله السور الكلي السالب لا أحد لا ديار، وهكذا كل نكرة في سياق النفي حينئذٍ هي سور كلي سالب (وَلَيْسَ بَعْضُ) هذه الواو بمعنى أو، ليس بعض هذا سور جزئي سالب، ليس بعض الحيوان بإنسان، بعض هذا سور جزئي تقدم عليه حرف السلب ليس لَيس بعض إذًا صار سالبًا، ليس بعض الحيوان بإنسان صحيح؟ ليس بعض الحيوان بإنسان، ليس بصحيح؟ ليس بعض الحيوان بإنسان.

ص: 16

صحيح نعم ليس بعض الحيوان بإنسان بعض الحيوان يصدق على الفرس نفيت عنه أنه إنسان، نحن لا نقول: ليس الحيوان بإنسان، هذا خطأ ما بصحيح ليس الحيوان بإنسان خطأ، لكن ليس بعض الحيوان بإنسان صحيح لأن الحيوان منه إنسان ومنه غير إنسان، بعض الحيوان ليس بإنسان كالبغل ونحوه وهذا صحيح، (وَلَيْسَ بَعْضُ) إذًا أشار به إلى السور الجزئي السالب، وهو: أن يجمع بين السور الجزئي وأداة من أدوات السلب، سواء تقدم النفي على السور الجزئي أو تأخر. يعني: ليس بعض الحيوان بإنسان، بعض الحيوان ليس بإنسان، صحيح؟ ليس بعض الحيوان بإنسان، عرفنا هنا سور جزئي تقدم عليه حرف السلب، حينئذٍ هو جزئي سالب، طيب بعض الحيوان ليس بإنسان أخرت حرف السلب نفس القضية، يعني: حرف السلب سواءٌ أن تقدم على السور الجزئي أو تأخر حينئذٍ هي حملية جزئية سالبة، (أَوْ شِبْهٍ جَلَا)، هذا عطفٌ على الكل وما عطفت عليه، (جَلَا)، يعني: أظهر. (أَوْ شِبْهٍ جَلَا)، يعني: ما يشبه هذه الألفاظ في الدلالة على الإحاطة بجميع الأفراد في السورة للكلي، أو بعضها في السور الجزئي.

ثم قال: (وَكُلُّهَا). أي: القضايا الأربعة المعلومة المتقدم التي ذكرنا بأنها: المشخصة، والمهملة، والمسورة بسورٍ كلي، والمسورة بسورٍ جزئي. (وَكُلُّهَا)، أي: القضايا الأربعة المعلومة مما تقدم، إمَّا موجبة، وإمَّا سالبة، أربعة في اثنين بثمانية، (وَكُلُّهَا مُوجَبَةٌ)، أي: أصل موجبٌ فيها (مُوجَبَةٌ)، يعني: مثبتة ليست منفية. (وَسَالِبَهْ)، يعني: منفية، كلٌّ منها إمّا موجب وإمّا سالب (فَهْي َ)، أي: هذه القضايا الأربع المعلومة المتقدم، (إِذَنْ) إذ كانت (مُوجَبَةٌ وَسَالِبَه ْ)(إِلَى الثَّمَانِ آيِبَهْ)، يعني: راجعة. (آيِبَهْ) أَبَى يعني: رجع. (إِلَى الثَّمَانِ) بحذف الياء تخفيفًا، حينئذٍ نقول: القضايا الأربعة السابقة إمّا أن تكون موجبة، وإمّا أن تكون سالبة. حينئذٍ أربعة في اثنين بثمانية، (فَهْيَ إِذَنْ) إذا علمت ما سبق (فَهْيَ إِذَنْ) إذ كانت منقسمة إلى موجبة وإلى سالبة، (آيِبَهْ) راجعة إلى الثمان.

ثم قال:

وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّهْ

وَالآخِرُ المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّةْ

ص: 17

حملية عرفنا أنها ليست مبنية على التعليق والشرط كزيدٌ قائمٌ زيدٌ يسمَّى موضوعًا، وقائمٌ يسمَّى محمولاً. (وَالأَوَّلُ)، يعني: في الرتبة، وهو: المحكوم عليه، وإن ذُكِر آخِرًا لأنه المبتدأ قد يتأخر، المحكوم عليه قد يتأخر، حينئذٍ نقول: هو محكوم عليه سواءٌ تقدم أو تأخر، هو: موضوع سواءٌ تقدم على المحمول أو تأخر عن المحمول فلا يضر، المراد الرتبة. (وَالأَوَّلُ المَوْضُوعُ فِي الحَمْلِيَّهْ)(فِي الحَمْلِيَّهْ) هذا متعلق بمحذوف صفة للأول، (وَالآخِرُ) في الرتبة وإن ذُكِر أولاً (وَالآخِرُ) بكسر الخاء بمعنى المتأخِّر، أما فتحها الآخَر، هذا بمعنى المتغاير أو المغاير، بدليل مقابلته بالأول، إذًا (وَالآخِرُ) بكسر الخاء، (المَحْمُولُ بِالسَّوِيَّهْ)، أي: حالة كونهما مستويين، أي: مصطحبين في الذكر فلا يُذكَر أحدهما إلا مع الآخر، نعم المحكوم عليه لا يُذكَرُ إلا مع المحكوم به، والمحكوم به لا يُذكَرُ إلا مع المحكوم عليه، لأن المبتدأ والخبر متلازمان، ولذلك نقول: الموضوع من أجل التيسير ينحصر في ثلاثة أشياء: المبتدأ، والفاعل، ونائب الفاعل. لا يوجد موضوع إلا وهو واحد من هذه الثلاثة: إمّا مبتدأ، وإمّا فاعل، وإمَّا نائب الفاعل. والمحمول ينحصر في اثنين: إمّا خبر، وإمّا فعل. حينئذٍ زيدٌ قائمٌ أين الموضوع وأين المحمول؟ زيدٌ موضوع، وقائمٌ محمول. قائمٌ زيدٌ أين المحمول؟ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ هذا خبر مقدم، وَزَيْدٌ مبتدأ مؤخر، قائمٌ هو المحمول، تقدم هنا في اللفظ لا في الرتبة، وزيدٌ هذا تأخر وهو محكوم عليه وهو الموضوع، قام زيدٌ أين الموضوع؟ زيد وهو فاعل، لأنك حكمت عليه بالقيام تصور محكوم عليه، ولذلك إذا التبس عليك المبتدأ بالخبر انظر في الجملة أين المحكوم عليه بالمعنى، الذي تحكم عليه هو المبتدأ وهو الفاعل، والذي تحكم به هو الخبر وهو الفعل، إذا قلت: قام زيدٌ. حكمت على زيد بالقيام، إذًا المحكوم عليه زيد هو الموضوع وهو الفاعل، وقام هو الفعل، زيدٌ قائمٌ، قائم حكمت به على زيد وهو محمول، ضُرِبَ زيدٌ. زيدٌ نائب فاعل وهو أي موضوع وضُرِبَ هو المحمول، إذًا الموضوع ينحصر في ثلاث: مبتدأ، فاعل، نائب الفاعل. المحمول انحصر في اثنين: الفعل، والخبر. تحفظهم هكذا.

ثم انتقل إلى بيان الشرطية فقال:

وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا قَدْ حُكِمْ

فَإِنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَتَنْقَسِمْ

أَيْضًا إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ

وَمِثْلِهَا شَرْطِيَّةٍ مُنْفَصِلَةْ

ص: 18

بالجر (وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا قَدْ حُكِمْ)، (فِيهَا)، يعني: القضية، هذا أشبه ما يكون بتعريف القضية الشرطية، إن حصل فيها تعليق بمعنى توقيف شيءٍ على شيءٍ آخر، وهذا خاص بالمتصلة كما سيأتي، إِنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ هنا توقف إكرامي لك بمجيئك إليّ، إذًا فيه توقيفٌ أو لا؟ فيه توقيف فيه تعليق، وهذا إنما يكون بأدوات الشرط هذه تسمى شرطية، يعني: مأخوذٌ من الاسم شرط، (وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا) التعليق المراد به الربط والتوقيف، يعني: الربط بين الجزأين ولو على وجه العناد كما سيأتي (فِيهَا)، أي: في القضية. (قَدْ حُكِمْ) بالتعليق (فَإِنَّهَا)، أي: هذه القضية. (شَرْطِيَّةٌ) كما عرفنا سميت شرطية لاشتمالها على أداة الشرط، أداة الشرط تسمى عند المناطقة بالرابط تسمى الرابط، كُلَّمَا كَانَت الشمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُود، كُلَّمَا هذا يسمى رابطًا عندهم ربطت بين الجملتين، إِنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ، إن هنا ربطت بين الجزأين، (وَتَنْقَسِمْ) هذه الشرطية إلى قسمين: متصلة، ومنفصلة. ولذلك قال:(شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ) و (شَرْطِيَّةٍ مُنْفَصِلَةْ) نعم.

وَإِنْ عَلَى التَّعْلِيقِ فِيهَا قَدْ حُكِمْ

فَإِنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَتَنْقَسِمْ

أَيْضًا .........................

............................

ص: 19

يعني: آضَ يَئِيضُ أَيْضًا، أيضًا هذا دائمًا منصوبٌ على المفعولية المطلقة، فهو مصدر آضَ يَئِيضُ أَيْضًا مصدر بمعنى رجع، (أَيْضًا) رجوعًا إلى الانقسام السابق، نقسم انقسامًا ثانيًا كما قسمنا أولاً، (إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ) لأنه حكم فيها على وجه الشرط والتعليق، فهي شرطية سميت شرطية متصلة، شرطية لما سبق حكم فيها على وجه الشرط والتعليق، و (مُتَّصِلَةْ) لاتصال طرفيها، أي: لاجتماعهما في الوجود وفي العدم، الطرفان المقدم والتالي إذا اجتمعا في الوجود وفي العدم حينئذٍ تسمى ماذا؟ تسمى شرطية متصلة، كُلَّمَا كَانَت الشمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُود، يجتمعان في الوجود؟ يجتمعان، وينتفيان في العدم إذا لَمْ تَكُن الشمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ لا يَكُونُ مَوْجُودًا، إذًا اجتمعا في الوجود وفي العدم هذه تسمى ماذا؟ تسمى شرطيةً متصلة، بخلاف الشرطية المنفصلة العدد إما زوجٌ وإما فردٌ هل يجتمعان؟ هل يكون عدد الواحد زوج وفرد؟ إذًا ما يجتمعان، هل ينتفيان بأن يكون العدد لا زوج ولا فرد؟ لا، لا يجتمعان ولا ينتفيان، هذه تسمى ماذا؟ شرطية منفصلة، إذًا إذا كانت العلاقة بين المقدم والتالي الذي جمع بينهما بأداة الشرط، الاجتماع في الوجود وفي العدم لا يحيل العقل اجتماعهما في الوجود أو عدمهما أو وجود أحدهما وعدمهما حينئذٍ نقول: هذه شرطيةٌ متصلة، وأما النوع الثاني وهو الشرطية المنفصلة، إذًا (إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ) لماذا سميت متصلة؟ لاتصال طرفيها، أي: اجتماعهما في الوجود وفي العدم، (وَمِثْلِهَا شَرْطِيَّةٍ مُنْفَصِلَةْ)(وَمِثْلِهَا)، يعني: وإلى مثلها (أَيْضًا إِلَى شَرْطِيَّةٍ) وتنقسم (إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ)، وإلى (وَمِثْلِهَا)، يعني: في أصل الربط (شَرْطِيَّةٍ) بالجر (مُنْفَصِلَةْ)، (شَرْطِيَّةٍ مُنْفَصِلَةْ) لانفصال طرفيها وتنافيهما لعدم اجتماعهما في الوجود، مثال الشرطية المنفصلة ما ذكرناه العدد إما زوجٌ وإما فردٌ، هنا يتنافيا في الاجتماع في الوجود وكذلك يمتنع عدمها معًا بخلاف الشرطية المتصلة، فالتآلف والترابط بين الجزأين المقدم والثاني واضحة في الوجود وفي العدم، وهنا لا يمكن ثَمَّ تنافر بين المقدم والتالي، إذا قيل: العدد إما زوجٌ، هذا مقدم وإما فردٌ هذا تالي، حينئذٍ هذان النوعان الزوج والفرد لا يجتمعان في محلٍ واحد كذلك لا يرتفعان، إذًا بينهم منافرة بخلاف إِذَا كَانَت الشمْسُ طَالِعَةً فَالنَّهَارُ مَوْجُود الجملة ليس بينهما تنافر بل يجتمعان هذا الفرق بين النوعين.

ص: 20

(أَيْضًا إِلَى شَرْطِيَّةٍ مُتَّصِلَةْ وَمِثْلِهَا)، أي: في أصل الربط (شَرْطِيَّةٍ)، سميت شرطية لما ذكرناه سابقًا (مُنْفَصِلَةْ جُزْآهُمَا مُقَدَّمٌ وَتَالِي)(جُزْآهُمَا)، أي: القضيتين المتصلة والمنفصلة (جُزْآهُمَا)، يعني: من ما تتألف منه كما قلنا هناك في الحملة موضوع محمول هنا كذلك ليس عندنا موضوع محمول إنما عندنا مقدم وتالي، فالجزء الأول في الشرطية بنوعيها يسمى (مُقَدَّمٌ) العدد إما زوج وإما فرد، زوج هذا يسمى مقدم، وفرد يسمى تاليًا، كُلَّمَا كَانَت الشمْسُ طَالِعَةً هذا يسمى مقدمًا، وَالنَّهَارُ مَوْجُود يسمى تاليًا، باب الاصطلاح.

(جُزْآهُمَا)، أي: القضيتين المتصلة والمنفصلة، (مُقَدَّمٌ)، يعني: الأول منهما في الرتبة، أو في الذكر. نقول: الجزء الأول يسمى مقدمًا وهو مدخول أداة الشرط، يعني: الذي يلي أداة الشرط كُلَّمَا كَانَت الشمْسُ طَالِعَةً تَلِيَ أداة الشرط، إِنْ جِئْتَنِي أَكْرَمْتُكَ جِئْتَنِي هذا تلى أداة الشرط، لتقدم رتبته في المتصلة وتقدم ذكره في المنفصلة، (وَتَالِي) أي: الجزء الثاني من الجزأين التالي يسمى التالي، لماذا؟ لأنه تلى المقدم في الرتبة أو الذكر لتلوه، أي: تبعيته، وهو ما علق على مدخولها.

إذًا

جُزْآهُمَا مُقَدَّمٌ وَتَالِي

أَمَّا بَيَانُ ذَاتِ الاتِّصَالِ

ص: 21

أراد أن يعرف لنا المتصلة والمنفصلة، (أَمَّا بَيَانُ) وإيضاح وكشف حقيقة (ذَاتِ الاتِّصَالِ)، يعني: القضية الشرطية (ذَاتِ) بمعنى صاحبة (الاتِّصَالِ)، أي: المتصلة، ما تعريفها؟ قال:(مَا أَوْجَبَتْ تَلَازُمَ الجُزْأَيْنِ). يعني: الجزءان متلازمان أحدهما يلزم الآخر والثاني ملزومٌ للآخر (مَا)، أي: القضية التي (أَوْجَبَتْ)، يعني: اقتضت واستلزمت. (تَلَازُمَ) بمعنى اللزوم (تَلَازُمَ) تصاحب على وجه اللزوم والاتفاق (الجُزْأَيْنِ) المقدم والتالي (تَلَازُمَ الجُزْأَيْنِ) في الوجود لزومًا بأن كان لعلاقةٍ، أو اتفاقًا، بأن كان لا علاقة فشمل الاتفاقية، ثَمَّ ما المتصلة هذه متصلة لزومية ومتصلة اتفاقية، المتصلة اللزومية أن يكون بينهما تلازم كطلوع الشمس مع وجود النهار هذا واضح، الاتفاقية أن لا يكون بينهما تلازم مثلوا له بقولهم: كلما كان هذا إنسانًا كان الحمار ناهقًا. ما العلاقة بينهما؟ لا علاقة إنما هو اتفاق في الوجود هذا إنسان وهذا الحمار وهذا ناطق وهذا ناهق، إذًا ليس بينهما ترابط، لكن جمع في الجملة الواحدة فإذا جيء بالمقدم والتالي مع أداة الشرط ولم يكن بينهما تلازم قيل: هذه اتفاقية. وإذا كان بينهما تلازم في الوجود كالنهار مع طلوع الشمس قيل هذه لزومية والاتفاقية لا بحث للمناطقة فيها، (مَا أَوْجَبَتْ تَلَازُمَ الجُزْأَيْنِ) عرفنا المراد بها وهي المتصلة، (وَذَاتُ الانْفِصَالِ)، يعني: القضية الشرطية صاحبة الاتصال حال كونها (دُونَ مَيْنِ) دون كذب ذات بمعنى صاحبة و (الانْفِصَالِ) يعني: منفصلة، حال كونها دون مين يعني: كذبٍ. (مَا أَوْجَبَتْ تَنَافُرًا بَيْنَهُمَا)(مَا)، يعني: القضية التي أوجبت واقتضت واستلزمت (تَنَافُرًا)، أي: تعاندًا وتنافيًا واستحالة اجتماع المقدم والتالي، كما ذكرنا في العدد إما زوجي وإما فرد، هنا المقدم والتالي بينهما تنافر وتعاند، يعني: لا يجتمعان، هذا تسمى ماذا؟ تسمى شرطية منفصلة، لماذا؟ لأن العلاقة بين المقدم والتالي التعاند والتنافر بمعنى أنهما لا يمكن أن يجتمعان في محلٍ واحد ممكن أن ينفرد الأربعة زوج والواحد فرد انفكت الجهة، وأما أن يكون عدد الواحد زوجًا وفردًا في وقتٍ واحد نقول: هذا لا وجود له. (مَا أَوْجَبَتْ تَنَافُرًا بَيْنَهُمَا)، يعني: تعاندًا بين جزأيها في الصدق، يعني: في الوجود، أو في الكذب، يعني: العدم أو فيهما، إذًا هذه القضية الشرطية المنفصلة وجود التعاند بين المقدم والتالي، هذه تنقسم إلى ثلاثة أقسام المنفصلة كما قلت لكم بالأمس أن المنطق كله اصطلاح تقسيمات واصطلاحات تريد أن تضبط المسائل كلها كل الأقسام ينقسم إلى كذا وكذا، وتعريف كلي فقط تضبط الباب.

(أَقْسَامُهَا) القضية المنفصلة (ثَلَاثَةٌ فَلْتُعْلَمَا) الفاء هذه زائدة، واللام لام الأمر تعلما هذا فعل مضارع مغير الصيغة مبني على الفتح لاتصاله بنون توكيد الخفيفة، الألف هذه منقلبة عن نون التوكيد الخفية فلتعلمن هذا الأصل تعلما، إذًا تنقسم القضية الشرطية المنفصلة إلى ثلاثة أقسام.

(مَانِعُ جَمْعٍ) هذا القسم الأول.

(أَوْ خُلُوٍّ)، يعني: مانع خلوٍ هذا القسم الثاني.

ص: 22

(أَوْ هُمَا)، يعني: مانع جمعٍ وخلوٍ، مانع جمعٍ وخلوٍ.

(مَانِعُ جَمْعٍ) الأصل مَانِعَةُ بالتاء وَذُكِّرَ اللفظ باعتبار كون القضية خبرًا أو تقول: حذفت التاء ضرورة كما قال هناك في المعرف أل (مَانِعُ جَمْعٍ) هي التي تمنع الجمع بين الطرفين وهي ما دلت على عدم صحة الاجتماع بين المقدم والتالي، وإن جوزت الخلو، يعني: الجمع يمتنع، وأما الخلو من الطرفين فهو جائز، مثال ذلك قالوا: الجسم إما أبيض وإما أسود. حينئذٍ نقول: إما أبيض وإما أسود، طيب هل يجتمعان؟ أبيض أسود؟ ما يجتمعان، لكن خلوهما معًا لا أبيض ولا أسود يمكن، يكون أحمر فهي منعت الجمع لكن خلو الجسم من البياض والسواد لا تمنع، الجسم إما أبيض وإما أسود، يمتنع أن يكون أبيض أسود الشيء الواحد الجسم في مكان واحد أن يكون أبيض وأسود هذا ممتنع، إذًا منعت الجمع مانعة الجمع، لكن خلو الجسم من البياض والسواد يمكن يكون أحمر أو أزرق لا تمنع، ولذلك يعبر عنها بأنها مانعة جمعٍ مجوزةٌ للخلو، يعني: من الوصفين المذكورين، هذا نوعٌ من الشرطية المنفصلة (مَانِعُ جَمْعٍ)، إذًا (مَانِعُ جَمْعٍ) هذه يعبر عنها بمانعة الجمع المجوزة للخلو وهي: ما دلت على عدم صحة الاجتماع بين المقدم والتالي، وهي مجوزة الخلو، فالعناد حينئذٍ بين طرفيها في الوجود فقط لا في العدم، العناد بين طرفيها في الوجود لا في العدم، يعني: لا يجتمع البياض والسواد، وقد يعدما فتقول: لا أبيض ولا أسود.

(أَوْ خُلُوٍّ) وهي: مانعة الخلو، مانع خلوٍ وهي: ما دلت على امتناع الخلو من الطرفين وإن جوزت الاجتماع، عكس الأولى تمنع الخلو وتجوز الجمع مثلوا له بقولهم: زَيْدٌ إما أن يكون في البحر وإما أن لا يغرق. هل يجتمعان؟ يكون في البحر ولا يغرق يمكن؟ كيف يكون في البحر ولا يغرق يمكن أو لا؟ ممكن، نعم، ما كل من طلع البحر غرق، يعني [ها ها] إما أن يكون في البحر وإما أن لا يغرق، إذًا يمكن أن يكون في البحر ولا يغرق، لكن هل يمكن أن لا يكون في البحر ويغرق؟ لا، أين يغرق؟ في الأرض؟ الغرق الأصل أن يكون في الماء، أن لا يكون في البحر ويغرق نقول: لا هذا لا يمكن. إذًا جوزت هنا جوزت ماذا؟ ما دلت على امتناع الخلو من طرفيها جوزت الاجتماع ومنعت الخلو، ما هو الخلو؟ أن لا يكون في البحر ويغرق هذا ممنوع، أن لا يكون في البحر ويغرق نقول: هذا ممتنع. إذًا خلو هذه القضية الشرطية المنفصلة ممتنع، وأما الجمع بين المنطوق المقدم والتالي فهذا جائزٌ، إذًا (أَوْ خُلُوٍّ) أو مانع خلوٍ وهي: ما دلت على امتناع الخلو من طرفيها وإن جوزت الاجتماع، فالعناد حينئذٍ بين طرفيها في العدد فقط.

القضية الأولى: مانعت الجمع العناد في ماذا؟ في الوجود فقط وجوزت الخلو.

ص: 23

هنا العكس [العناد في الخلو وجوزت الجمع](1) العناد في ماذا؟ بين طرفيها في العدم وجوزت الجمع بين المنطوق المقدم والتالي، إما أن يكون في البحر ولا يغرق. إذًا الجملة يمكن أن تصدق على زيد يكون في البحر ولا يغرق، وأما أن ينتفيا معًا أن لا يكون في البحر ويغرق، نقول: هذا ممتنع. إذًا وهي ما دلت على امتناع الخلو من طرفيها وإن جوزت الاجتماع، فالعناد بين طرفيها في العدد فقط مانعت الخلو المجوزة للجمع.

(أَوْ هُمَا) هذا النوع الثالث: مانعهما، هما في الأصل مضاف إليه فصل الضمير لما حذف المضاف وقام مقام المضاف، يعني: أصل مانعهما هذا عطف على المانع، أي: قضية مانعت جمعٍ وخلوٍ معًا، يعني: تمنع الجمع وتمنع الخلو، وهذا المثال الذي ذكرناه سابقًا العدد إما زوجٌ وإما فرد هل يجتمعان؟ يكون زوج فرد؟ لا يجتمعان

، هل يمتنعان معًا ينتفيان العدد لا يكون زوجًا ولا فردًا؟ نقول: لا. إذًا هنا منعت الجمع ومنعت، مانعة جمعٍ وخلو، منعت الجمع ومنعت الخلو، حينئذٍ تأخذ من الاسم نفسه مانعة جمعٍ، إذًا الخلو جائز مانعة خلوٍ، إذًا الجمع جائز مانعة جمعٍ وخلوٍ معًا، حينئذٍ لا يجتمعان لا وجودًا ولا عدمًا، مانعة جمعٍ وخلو ما دلت على امتناع الجمع والخلو معًا العدد إما زوجٌ وإما فردٌ بمعنى أن طرفيها لا يمكن اجتماعها في الوجود ولا في العدم فلا يوجدان معًا ولا يعدمان معًا، بل لا بد من وجود أحدهما وعدم الآخر هذا النوع الثالث قال:(وَهْوَ الحَقِيقِيُّ). (وَهْوَ)، أي: مانع الجمع والخلو، (الحَقِيقِيُّ) لأن التعاند فيه بين الطرفين في الصدق والكذب، العناد هنا واضح يعني: أيها أكمل لو قيل التنافر وجودًا وعدمًا، أو وجودًا فقط أو عدمًا فقط أيهما أكمل؟ لا شك أن تعاند والتنافر في الوجود والعدم أكمل، ولذلك قال:(وَهْوَ). أي: مانع جمع والخلو، (الحَقِيقِيُّ) لأن التعاند فيه بين الطرفين المقدم والتالي في الصدق والكذب، يعني: في الوجود والعدم، وهو (الأَخَصُّ)، يعني: من مانع الجمع ومن مانع الخلو. (فَاعْلَمَا) أخص من الطرفين (فَاعْلَمَا) الفاء هذه زائدة واعلمن يقال فيه مقيلة في فلتعلما، كل ما منع الجمع والخلو منع الجمع فقط، أو منع الخلو فقط، لأنه أخص هي تمنع النوعين الجمع والخلو، فيلزم من وجود مانعة الجمع والخلو وجود كلٍّ من الآخرين ولا يلزم من وجود أحدهما منعهما معًا، إذًا الحاصل أن الشرطية المنفصلة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مانعة جمعٍ، ومانعة خلوٍ، ومانعة جمعٍ وخلو.

ومانعة الجمع والخلو هي الأخص، يعني: أخص من مانعة الجمع، وأخص من مانعة الخلو، ولأنه يصدق التعاند بين الطرفين في الصدق والكذب، والله أعلم.

وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1) سبق.

ص: 24