الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* فصل في القياس الاستثنائي، وبيان اسمه وضابطه.
* صور إنتاج القضية الشرطية المتصلة.
* صور إنتاج القضية الشرطية المنفصلة بأنواعها.
* فصل في لواحق القياس، وشرح الترجمة.
* القياس المركب، وسبب التسمية وحده، وكيفية تركيبه.
* الاستقرار التمثيلي، وحده.
* القياس المركب تفيد القطع دون الاستقرار والتمثيل.
* فصل في أقسام الحجة، وبيانها.
* أنواع الحجة العقلية، وبيان كل نوع، ومبحث المناطقة.
* حد البرهان، وما يتألف منه.
* مسألة العلاقة بين ترتيب المدلول على الدليل والخلاف في ذلك.
* خاتمة، وشرح الترجمة.
* أوجه الخطأ في القياس، وبيان كل وجه بالأمثلة.
* الخاتمة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال الناظم رحمه الله تعالى: (فصل في القياس الاستثنائي) وهو النوع الثاني من نوعي القياس.
لَمَّا عرف القياس قال: (ثُمَّ القِيَاسُ عِنْدَهُمْ قِسْمَانِ) قلنا: هما الاقتراني والشرطي. (فَمِنْهُ مَا يُدْعى بِالاقْتِراني) وبَيَّنَهُ.
ثُمَّ شَرَعَ في بيان النوع الثاني وهو يسمى بالاستثنائي أو الشرطي.
…
(فصل في القياس الاستثنائي)
وَمِنْهُ مَا يُدْعَى بِالاسْتِثْناءِ
…
يُعْرَفُ بِالشَّرْطِ بِلا امْتِرَاءِ
يُعرف بالشرطِي، هذا الأصل فسكن من أجل الوزن، (وَمِنْهُ) أي من القياس من حيث هو (مَا) أي الذي يُدعى أي يُسمى (بِالاسْتِثْناءِ) نسبة إلى الاستثناء لاشتماله على أداة الاستثناء، وهي لكن، لكنه كذا (يُعْرَفُ) أي يُسمى ذلك القياس الاستثنائي بالشرطي لماذا؟ لأنه مشتمل على أداة الشرط، حينئذ وُجد فيه أداتان:
أداة الشرط.
وأداة استثناء.
(بِلا امْتِرَاءِ) يعني بلا شك. إذًا القياس الاستثنائي هو قياس مؤلف من مقدمتين:
إحداهما شرطية وتسمى كبرى.
والأخرى استثنائية وتسمى صغرى.
إذًا فيه مقدمة شرطية وهي الكبرى، ومقدمة استثنائية وهي الصغرى.
ثم عرَّفه بقوله: (وهو) أي القياس الاستثنائي الشرطي
وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيْجَةِ
…
أَوْ ضِدِّها بِالفِعْلِ ......
سبق أن القياس الاقتراني (دَلَّ على النَتيجَةِ بِقُوَّة) بمعنى أن صورة النتيجة ليست موجودة في المقدمتين، وإنما أجزاؤها متفرقة، فموضوع النتيجة يكون موضوعًا للصغرى، ومحمول النتيجة يكون محمولاً للكبرى .. وهكذا، أما الاستثنائي فهو يدل على النتيجة بالفعل يعني بصورتها تكون النتيجة مذكورة بلفظها بالموضوع والمحمول في المقدمتين، (وهو) بإسكان الهاء أي القياس الاستثنائي (وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيْجَةِ أَوْ ضِدِّها) دل على شيئين، دل على النتيجة يعني صورتها عين النتيجة موجودة في القياس، أو ضدها أو على ضدها، أي نقيضها بصورته، حينئذ يدل على أمرين:
الأول: عين النتيجة.
والثاني: نقيض النتيجة.
فالأول وذلك إذا استثنيت عين المقدم عرفنا أن الشرطي لا بد من مقدم وتالي، كما أن الحملي أو الحملية تكون فيها موضوع ومحمول، هنا مقدم وتالي، إذا استثنيت عين المقدم نحو: كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، ولكن الشمس طالعة، هنا استثنيت ماذا؟ المقدم عين المقدم لا نقيضه، كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، أين المقدم الشمس طالعة، النهار موجود تالي، استثني الأول عينه قل: لكن الشمس طالعة حينئذ النتيجة فالنهار موجود، إذًا قولك النهار موجود النتيجة موجودة بعينها هي عين التالي بصورتها لمقدمها وتاليها، وإن شئت قل موضوعها ومحمولها موجودة في القياس، كلما كانت الشمس طالعة هذا المقدم، فالنهار موجود هذا التالي، لكن الشمس طالعة استثنيت ماذا؟ عين المقدم، النتيجة النهار موجود. هذا اللفظ موجود في القياس. والثاني الذي هو النقيض يكون النتيجة موجودة بنقيضها إذا استثنيت نقيض التالي، كلما كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، هذا على ذكر السابق، لكن النهار ليس بموجود هذا نقيض التالي، إذا كانت الشمس طالعة هذا مقدم، فالنهار موجود هذا التالي، استثني نقيض التالي يعني ضده وأدخل حرف السلب فقط، قلنا: النقيض أن تأتي بماذا؟ بدل الكيف، النهار موجود النهار ليس بموجود، إذًا النتيجة الشمس ليست طالعة، إذًا نقيض النتيجة موجود في ماذا؟ في القياس، أنتج ماذا؟ نقيض التالي أنتج نقيض المقدم، نقيض التالي إذا استثنيت نقيض التالي حينئذ أنتج نقيض المقدم، يعني المقدم الشمس طالعة فالنتيجة حينئذ الشمس ليست طالعة، فدَلَّ القياس على النتيجة بنقيضها، فذُكِرَ النقيض الذي هو الشمس طالعة في ضمن القياس هذا يُسمى ماذا؟ يسمى قياسًا استثنائيًّا أو شرطيًّا (وَهْوَ الَّذِي دَلَّ عَلَى النَّتِيْجَةِ أَوْ ضِدِّها) على الضد، الضد المراد به الضد اللغوي وهو مطلق المنافي، أو ضدها بالفعل يعني بصورتها يعني يكون مذكورًا فيه، إما عينها وإما نقيضها، هي عين النتيجة أو نقيضها بصورته (لا بِالقُوَّةِ)، هذا تصريح بما عُلِم، يعني إذا دَلَّ بالفعل حينئذ لم يدل بالقوة، يعني الذي يُدل بالقوة ماذا؟ هو القياس الاقتراني (لا بِالقُوَّةِ)، يعني لا تكون النتيجة متفرقة الأجزاء المقدم والتالي، وإنما هي موجودة بعينها أو بنقيضها، وهذا تصريح بما عُلِمَ. ثم قال بعد أن عرف الاستثنائي:
فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ
…
أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي
وَرَفْعُ تَالٍ رَفْعَ أَوَّلٍ وَلا
…
يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا لِمَا انْجَلَى
بيان كيفية إنتاج القياس الشرطي، كيف ينتج؟ سبق أن القياس الشرطي أو الشرطية نوعان:
شرطية متصلة.
وشرطية منفصلة.
وكل منهما له إنتاج وضروب تصح فيها الإنتاج، وضروب لا يصح فيها الإنتاج، (فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ) القياس الشرطي المتصل (ذَا اتِّصَالِ)، (فَإِنْ يَكُ)، (يَكُ) يعني القضية الشرطية، وذَكَّرَ باعتبار كونها قولاً، والقول مذكر، والقياس الشرطي المتصل القضية الشرطية (ذَا اتِّصَالِ) أي هي ذات اتصال شرطية متصلة كيف الإنتاج؟ قال:(أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي)، (أَنْتَجَ وَضْعُ) يعني إثبات (ذَاكَ) المشار إليه هو المقدم (وَضْعَ التَّالِي) يعني إثبات (التَّالِي) في النتيجة، إثبات المقدم في الاستثنائية يُنتج ماذا؟ إثبات (التَّالِي) في النتيجة، لماذا؟ لأن المقدم ملزوم للتالي، والتالي لازم له، والعلاقة بينهما اللزوم، فالمقدم ملزوم للتالي، والتالي لازم له، حينئذ بثبوت الملزوم يقتضي ثبوت لازمه، فإذا استثنيت المقدم (أَنْتَجَ) ماذا؟ إذا استثنيت إثبات المقدم (أَنْتَجَ) إثبات التالي، مثاله كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، هذا ماذا؟ أين المقدم وأين التالي؟ هذا إنسانًا كان هذا إنسانًا هذا المقدم، كان حيوانًا هذا التالي، تستثني ماذا؟ تستثني المقدم، تقول: لكنه إنسان فهو حيوان، إذًا استثناء المقدم (أَنْتَجَ) إثبات (التَّالِي) لماذا؟ يعني هنا (أَنْتَجَ) إثبات المقدم إثبات (التَّالِي) لماذا؟ لأن الحيوان أعمّ والإنسان أخص، فإذا أثبت الأخص يستلزم إثبات الأعم، هو لازم وملزوم، يعني المقدم ملزوم والتالي لازم، يلزم من وجود الملزوم وجود لازمه، إذا كان إنسانًا لزم أن يكون حيوانًا، ولا ينتفي عنه، كلما كان هذا إنسانًا فهو حيوان، لكنه إنسان إذًا فهو حيوان، (وَرَفْعُ تَالٍ رَفْعَ أَوَّلٍ)، (وَرَفْعُ تَالٍ) يعني يُنتج نفي التالي، الرفع المراد به النفي، نفي التالي (أنتج) ماذا؟ (رَفْعَ أَوَّلٍ) الذي هو المقدم، فإذا استثنيت نفي التالي (أنتج) نفي المقدم، أي وأنتج نفي التالي في الاستثنائية، نفي المقدم في النتيجة، لأن التالي لازم للمقدم وانتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم.
مثاله: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا استثني ماذا؟ رفع التالي لكنه ليس بحيوان، ما هي النتيجة؟ فهو ليس بإنسان. انظر استثنيت نقيض التالي، استثنيت نقيض التالي، أنتج نقيض المقدم، لكنه ليس بحيوان فهو ليس بإنسان، لماذا؟ لأن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص لأن العلاقة بين المقدم والتالي اللزوم، حينئذ إذا نفي الأعم لزم منه نفي الأخص، إذًا كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه ليس بحيوان، فليس بإنسان، لأن رفع اللازم يوجب رفع الملزوم، إذًا (فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ) يعني تكون القضية الشرطية متصلة (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ) يعني إثبات المقدم في الاستثنائية (أنتج) ماذا؟ إثبات (وَضْعَ التَّالِي) إثبات التالي في النتيجة، (وَرَفْعُ تَالٍ) هذه الصورة الثانية في الإنتاج أي وأنتج نفي التالي (وَرَفْعُ تَالٍ)، نفي التالي في الاستثنائية رفع أول يعني نفي المقدم في النتيجة لأن التالي لازم للمقدم وانتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم (وَلا يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا لِمَا انْجَلَى) لما اتضح، (وَلا يَلْزَمُ فِي عَكْسِهِمَا)، ما هو العكس؟ انظر إلى (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي) أنتج رفع المقدم (وَضْعَ التَّالِي) لا، لا يكون منتجًا، كذلك (رفع تال) إثبات تال لا ينتج رفع الأول، [ولا يلزم في حذفهما من أنه قد يكون نعم](1) ولا يلزم في حذفهما في حذفهما الذي هو استثناء (فِي عَكْسِهِمَا) يعني لا يلزم الإنتاج في عكس وضع المقدم وهو وضع التالي، ولا في عكس رفع التالي وهو رفع المقدم، بالمثال يتضح، كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه حيوان ماذا؟ استثنيت هنا، كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا، الإنسان الأول (أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ) إذا أثبت في الاستثنائية المقدم، لكن أثبت التالي، كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه حيوان، هل يُنتج فهو إنسان؟ لا ينتج، لماذا؟ لأن إثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص، فلا يكون منتجًا، إنما الذي يُنتج إذا أثبت المقدم، إذا قلت: لكنه إنسان، أثبت لكن فهو حيوان، لأن إثبات الأخص يستلزم إثبات الأعم، أما إذا قلت: لكنه حيوان، استثنيت هنا إثبات التالي فحينئذ لا ينتج عين المقدم لماذا؟ لأن إثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص فلا يكون منتجًا، ولذلك خصه قال:(أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ) وضع ماذا؟ وضع المقدم، أما إذا وُضِعَ التالي فلا يُنتج عين المقدم، لأن وجود اللازم لا يقتضي وجود الملزوم لاحتمال أن يكون اللازم أعم من الملزوم، ولا يلزم من إثبات الأعم إثبات الأخص، لكنه حيوان، فحينئذ لا يلزم أن يكون النتيجة فهو إنسان قد يكون فهو فرس أو بغل أو نحو ذلك، حينئذ نقول: إثبات الأعم لا يستلزم إثبات الأخص. كي يقول: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه حيوان لم ينتج أنه إنسان ولا أنه ليس بإنسان، وإذا قلت مثلاً: كلما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه ليس بإنسان، انظر الشطر الثاني (ورفع تالٍ) هذا الذي يكون منتجًا، أما رفع المقدم فلا ينتج، لكل واحد منهما احتراز في الأول قال:
فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ
…
أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ ................
(1) سبق.
يعني إثبات المقدم في الاستثنائية، لو أثبت التالي لا ينتج، له مفهوم (ورفع تالٍ رفع أول)، (رفع تالٍ) يعني نفي التالي في الاستثنائية لكنه ليس بحيوان، أما إذا رفع المقدم فلا ينتج ولذلك نقول: إذا قيل مثلاً: كل ما كان هذا إنسانًا كان حيوانًا لكنه ليس بإنسان. إذًا رفعت ماذا؟ رفعت المقدم والمنتج هو رفع التالي، لكنه ليس بإنسان لم ينتج أنه ليس بحيوان ولا أنه حيوان، لماذا؟ لأن نفي الملزوم لا يقتضي نفي اللازم، لأنه أخص، ورفع الأخص لا يوجب رفع الأعم. إذا قلت: ليس بإنسان لا يلزم منه أنه ليس بحيوان، رفع الأخص لا يلزم رفع الأعم.
إذًا ضربان منتجان وضربان غير منتجين يُسميان بالعقيم
فَإِنْ يَكُ الشَّرْطِيُّ ذَا اتِّصَالِ
…
أَنْتَجَ وَضْعُ ذَاكَ وَضْعَ التَّالِي
أي الصورة الأولى المنتجة إثبات المقدم في الاستثنائية إثبات التالي في النتيجة، نفس الصورة الثانية رفع التالي يعني أنتج نفي التالي في الاستثنائية (رَفْعَ أَوَّلٍ) يعني نفي المقدم في النتيجة، ولا يلزم في حذفهما وهو وضع التالي ورفع المقدم (لما انجلى) يعني ما اتضح من أنه قد يكون تالي أعم من المقدم أي المنفي، من أنه قد يكون التالي أعم من المقدم أي اللازم أعم من الملزوم، حينئذ المراد بقوله (في عكسهما) من وضع التالي أو رفع المقدم.
ثم انتقل إلى النوع الثاني من الشرطية المتصلة وهي المنفصلة، عرفنا أن المنفصلة ثلاثة أنواع:
مانعة جمع، ومانعة خلو، ومانعة جمع وخلو معًا، وهذه الثالثة هي الحقيقية وهي الأخص
وَإِنْ يَكُنْ مُنْفَصِلاً فَوَضْعُ ذا
…
يُنْتِجُ رَفْعَ ذَاكَ وَالعَكْسُ كَذا
وَذَاكَ فِيْ الأَخَصِّ ثُمَّ إِنْ يَكُنْ
…
مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْع ِذَا زُكِنْ
رَفْعٌ لِذَاكَ دُونَ عَكْسٍ وَإِذَا
…
مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ فَهْوَ عَكْسُ ذَا
(وَإِنْ يَكُنْ) يعني القياس الشرطي (مُنْفَصِلاً)، عرفنا المنفصل ما أوجبت تنافرًا بين الجزئين # 17.40
…
العدد إما زوجٍ وإما فرد، فإن كان القياس مركبًا من منفصلة حقيقية وهي مانعة جمع وخلو معًا فضروبه الأربعة منتجة كمثال، (وَإِنْ يَكُنْ) القياس الشرطي المراد به هنا منفصلاً (فَوَضْعُ ذَا) يعني فإن كانت حقيقية وهي مانعة الجمع والخلو معًا وهي المنفصلة الحقيقية، (فَوَضْعُ ذَا يُنْتِجُ رَفْعَ ذَاكَ وَالعَكْسُ كَذا) يعني إثبات أحد الطرفين سواء كان مقدمًا أو تاليًا يُنتج نفي الآخر، لأنه لا يمكن اجتماعهما (فوضع ذا) يعني إثبات في الاستثنائية (ذا) المراد به أحد الطرفين (يُنتج رفع ذاك) يعني الآخر (والعكس) ما هو العكس؟ أي رفع ذا ينتج وضع ذاك، رفع ذا يعني نفي أحد الطرفين يُنتج وضع ذاك يعني الطرف الآخر، فرفع أحدهما يُنتج وضع الآخر لأنه يمتنع ارتفاعهما.
إذًا إثبات أحدهما يُنتج رفع الثاني هذا يدخل تحته صورتان:
إثبات المقدم ينتج رفع التالي.
إثبات التالي ينتج رفع المقدم. هذا في الإثبات.
نفي المقدم ينتج رفع التالي.
نفي المقدم ينتج إثبات التالي، أليس كذلك؟ هذه أربع صور.
إذًا القياس الشرطي المنفصل المركب نعم (فوضع ذا ينتج رفع ذاك) إذًا في مانعة جمع والخلو معًا استثناء النقيض كل واحد من طرفيها ينتج عين الآخر، لماذا؟ لعنادهما في العدم لأنهما لا يُعدمان معًا العدد، إما زوجي أو فرد، لا يجتمعان ولا يرتفعان، أليس كذلك؟ لا يجتمعان ولا يرتفعان، واستثناء عين كل من طرفيها يُنتج نقيض الآخر لعنادهما في الوجود، ولذلك هي مانعة جمع فلا يجتمعان، العدد يكون زوج وفرد، ومانعة خلو فلا يكون العدد موصوفًا بكونه زوجًا أو فردًا فلا بد من واحد منهما، إذا أثبت أحدهما انتفى الآخر، إذا نُفِي أحدهما ثبت الآخر، وهكذا حينئذ الصور أربعة أو الضروب أربعة، وكلها منتجة، العدد إما زوج وإما فرد، لكنه زوج ماذا استثنيت؟ عين المقدم وضع المقدم، ما هو المقدم؟ إما زوج وإما فرد، زوج هو المقدم استثنيت بمعنى أنك تثبته، يعني الوضع المراد به الإثبات، لكنه زوج يُنتج ماذا؟ فهو غير فرد بالنفي، فاستثناء وضع عين المقدم يُنتج نفي التالي رفع التالي، لكنه زوج فهو غير فرد، فنستثني التالي لكنه فرد، النتيجة فهو غير زوج، استثني نفيض المقدم لكنه غير زوج النتيجة فهو فرد. إذًا إذا استثنيت نقيض المقدم ثبت ماذا؟ عين التالي، لكنه غير فرد هذا الضرب الرابع فهو زوج، على كل في مانعة الجمع والخلو إذا استثنيت بالإثبات حينئذ ثبت نقيض الآخر، استثنيت الإثبات بمعنى أنك جئت بعين المقدم إثباتًا أو عين التالي ثبت نقيض المقابل، والنقيض ينتج ماذا؟ إثبات المقابل وهكذا .. ، وإن يكن متصلاً القياس الشرطي المتصل (فوضع ذا) يعني إثبات أحد الطرفين (ينتج رفع ذاك) عن الآخر، دخل تحته صورتان (فوضع ذا) وضع المقدم (ينتج رفع) التالي، (فوضع ذا) إثبات التالي (ينتج رفع) المقدم هاتان صورتان (والعكس) الذي هو نفي المقدم يُنتج نفي إثبات التالي، ونفي التالي (ينتج) إثبات المقدم، هذه أربعة ضروب كلها منتجة، (والعكس كذا) أي رفع (ذا ينتج وضع ذاك) رفع أحدهما ينتج وضع الآخر لأنه يمتنع ارتفاعهما (والعكس كذا.
وذاك في الأخص) يعني أن مجموع ذلك الضروب الأربعة في الشرطي الحقيقي (وذاك في) الذي هو (الأخص) من غيره كما سبق، (ثُمَّ إِنْ يَكُنْ مَانِعَ جَمْعٍ) هذا النوع الثاني من الشرطية المنفصلة، مانعة جمع مجوزة الخلو، يعني لا يجتمعان ويريد أن لا يوصفا بهما الذي أريد إثباته، الجسم إما غير أبيض وإما غير أسود، وإما أبيض وإما أسود، (ثُمَّ إِنْ يَكُنْ) أي الشرط بمعنى قضية شرطية (مَانِعَ جَمْعٍ) يعني مانعة الجمع مجوزة الخلو فـ (بوضع ذَا) يعني أحد الطرفين (زُكِن) عُلِم (رَفْعٌ لِذَاكَ دُونَ عَكْسٍ) إذا أثبت (ذَا) أحد الطرفين حينئذ رفع الآخر، إذا أثبت المقدم حينئذ رُفع التالي، إذا أُثبت التالي رُفع المقدم، لماذا؟ من غير حذف، لأن المنع هنا في الجمع فقط لا في الخلو، ولذلك المنتج ضربان فقط، وهو في الإثبات لا في النفي، (ثُمَّ إِنْ يَكُنْ مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْع ِذَا) المراد به أحد الطرفين المقدم أو التالي فدخل تحتها صورتان (زُكِن) أي عُلم (رَفْعٌ لِذَاكَ) أي الطرف الآخر (فَبِوَضْعِ ذَا) فبوضع أحد الطرفين فيما رفع الآخر لأنه يمتنع اجتماعهما (رفع لذاك) الذي هو الطرف الآخر (دون عكس) لأنه لا يمتنع ارتفاعهما فلا ينتج رفع أحدهما وضع الآخر، إذا رُفع أحدهما لا يُنتج رَفع الآخر، لا يُنتج وضع الآخر إثبات الآخر، لماذا؟ لأنها هي مجوزة للخلو، يجوز ألا يتصل بواحد منهما إذًا القياس الشرطي المتصل المركب من مانعة جمع المجوزة للخلو فإنه يُنتج من ضروبه الأربعة اثنان واثنان عقيمان، متى ينتج؟ في الإثبات فقط، وأما في النفي فلا يُنتج فالصور أربعة، فحينئذ المنتج منها استثناء عين المقدم، فإنه يُنتج نقيض التالي.
الصورة الثانية: استثناء عين التالي فإنه يُنتج نقيض المقدم. إذًا في الإثبات فقط، استثناء الإثبات، أما استثناء النقيض فلا ينتج البتة، والضربان العقيمان هما استثناء نقيض المقدم واستثناء نقيض التالي لعدم العناد بين طرفيها في العدم، فالجسم إما أبيض وإما أسود، هذه مانعة جمع، يعني لا يكون أبيض وأسود في وقت واحد في محل واحد، إذًا يمكن الخلو؟ لا يكون أبيض ولا أسود؟ نعم، يكون أزرق مثلاً أو أحمر، حينئذ نقول: هي مانعة جمع وليست مانعة خلو، فإذا استثنيت المقدم وقلت: لكنه أبيض. أنتج فهو غير أسود، نقيض التالي. وإذا استثنيت التالي قلت: لكنه أسود. أنتج فهو غير أبيض، لكن إذا قلت: فهو غير أبيض لكنه غير أبيض لا ينتج أنه أسود، لأنه قد يكون أحمر أو أزرق، واضح هذا؟
....... ثُمَّ إِنْ يَكُنْ
…
مَانِعَ جَمْعٍ فَبِوَضْع ِذَا زُكِنْ
رَفْعٌ لِذَاكَ دُونَ عَكْسٍ ..
…
...........................
الذي هو رفع أو استثناء نقيض المقدم واستثناء نقيض التالي فلا يُنتج، وإذا هذه الحالة الثالثة (وَإِذَا مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ فَهْوَ عَكْسُ ذَا)، (وَإِذَا مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ) وإذا كان مانع رفع، كان هذه مؤخرة، هذه مؤخرة من تقديم، و (مَانِعَ) هذا خبر كان، واسم كان ضمير مستتر يعود على الشرط، وإذا كان يعني كانت القضية الشرطية (مَانِعَ رَفْعٍ) مانعة الرفع المراد بها مانعة الخلو (فَهْوَ عَكْسُ ذَا)، (عَكْسُ ذَا) المشار إليه مانعة الجمع (عَكْسُ ذَا) يعني مانعة الجمع في الحقيقة وفي الإنتاج، في الحقيقة كما سبق، وفي الإنتاج بالعكس، في مانعة الجمع متى يُنتج؟ إذا استُثْنِيَ وضع يعني إثبات عين المقدم والتالي أَنتج، فإذا نُفي لا يُنتج، هذه مانعة الخلو العكس، إذا استُثني نقيض المقدم والتالي أنتج، وإذا استثني إثبات عين التالي والمقدم لا ينتج، واضح هذا؟ (فَهْوَ عَكْسُ ذَا) أي فالقضية مانعة الخلو عكس مانعة الجمع، بمعنى أن رفع أحد طرفيها يُنتج وضع الآخر لمنعها الخلو عنهما، انظر في الرفع بمعنى أنها رفع يعني نفي أحد طرفيها يُنتج وضع الآخر، لمنعها الخلو عنهما، ووضع أحد طرفيها لا يُنتج مانعة الجمع تُنتج بالوضع إثبات ولا تنتج في الرفع، ومانعة الخلو بالعكس تنتج في الرفع ولا تنتج في الإثبات، لمنعها الخلو عنهما، فوضع أحد طرفيها لا ينتج شيئًا لجواز الجمع بينهما، مثالها هذا الشيء إما غير أبيض أو غير أسود، هي تمنع ماذا؟ الخلو، يعني لا يكون غير أبيض ولا غير أسود، وأما الجمع فتُجَوِّز غير أبيض وغير أسود يكون أزرق، أزرق هذا غير أبيض وغير أسود، أما الخلو لا، ألا يكون غير أبيض وغير أسود، لا، خرجت الألوان كلها، لكنه أبيض استثنى ماذا؟ استثنى ليس المقدم، المقدم غير أبيض، النقيض ائت بالنفي فقط زيد لا زيد، هذا نقيضه زيد قائم زيد ليس بقائم تأتي بحرف السلب، الموضوع كما هو والمحمول كما هو، إذا قيل: غير أبيض نقيضه أبيض، [لا غير أبيض نقيضه أبيض] أسود نقيضه غير أسود .. هكذا، فتأتي بلفظ غير أو حرف السلب، فإذا قال: هذا الشيء إما غير أبيض أو غير أسود لكنه ائت بنقيض المقدم لكنه أبيض، حينئذ ينتج أو لا؟ نقول: ينتج، لكنه أبيض، ينتج أنه غير أسود، هذا واضح، أنتج عين الثاني، فإذا استُثني نقيض المقدم أَنتج عين التالي، أو يقال مثلاً: لكنه أسود. استثنى النقيض الثاني يُنتج أنه غير أبيض، فقد لزم من رفع أحد طرفيها ثبوت الآخر، ولو قلت: لكنه غير أبيض. استثنيت عين المقدم، هذا الشيء إما غير أبيض أو غير أسود لكنه غير أبيض، هل ينتج أنه أسود لا، لا ينتج أنه أسود، لأن غير الأبيض يُطلق على الأسود وعلى غيره، لم ينتج أنه أسود ولا غيره، أو قلت: لكنه غير أسود لم ينتج أنه أبيض ولا غيره.
إذًا في مانعة الخلو متى يكون الإنتاج؟ في النفي، وأما في الوضع فلا، (وَإِذَا مَانِعَ رَفْعٍ كَانَ) يعني وإذا كانت القضية شرطية مانعة خلو (فَهْوَ عَكْسُ ذَا) يعني رفع أحد الطرفين أنتج وضع الآخر دون عكس، (عَكْسُ ذَا) يعني مانعة الجمع في الحقيقة والإنتاج استثناء نقيض كل واحد من الطرفين فيه يُنتج عين الآخر لمنعها الخلو عنهما، واستثناء عين كل واحد من الطرفين لا يُنتج شيئًا لجواز الجمع بينهما.
ثم قال رحمه الله تعالى: (فصل في لواحق القياس)، (لواحق) هذا جمع لاحق، أي ما يُلحق بالقياس البسيط في الاستدلال، أي التوابع، الأصل كما سبق أن القياس قد يكون بسيطًا يعني مؤلفًا من مقدمتين، وقد يكون مركبًا، والمركب هذا ما تألف من أكثر من مقدمتين، قد يكون القياس مركب من قياس واحد ومقدمات ثلاث، وقد يكون من أربع مقدمات لكنه قياس في ضمن القياس، كما سيأتي.
(فصل في لواحق القياس) القياس أل هنا للعهد والمعهود القياس البسيط. قال (وَمِنْهُ) أي من القياس من حيث هو لا يمكن أن يعيد الضمير هنا على شيء مخصوص معين، لأن المعين ثبت أنه معين فلا ينتقل إلى وصف آخر، وإنما نعيده للقياس من حيث هو دون وصف، (وَمِنْهُ) أي من القياس من حيث هو (مَا) أي قياس الذي (يَدْعُونَهُ) أي يسمونه
…
(مُرَكَّبَا) أي قياسًا مركبًا، الألف هذه بدل عن التنوين، (وَمِنْهُ) أي من القياس، القياس الذي (يَدْعُونَهُ) يسمونه قياسًا (مُرَكَّبَا) لماذا؟ اللام للتعليل (لِكَوْنِهِ) العلة للتسمية (مِنْ حُجَجٍ قَدْ رُكِّبَا)، (مِنْ حُجَجٍ) من حجج هذا متعلق بقوله (رُكِّبَا) و (قَدْ) هنا للتحقيق يعني هو ما أُلف من أكثر من مقدمتين (مَا يَدْعُونَهُ مُرَكَّبَا) التركيب المؤلف هنا المراد به أكثر من مقدمتين، وإلا المؤلف من مقدمتين كذلك مركب لكن ليس هذا المراد، وإنما المراد مؤلف من أكثر من مقدمتين، (لِكَوْنِهِ) هذا علة للتسمية (مِنْ حُجَجٍ)، (حُجَجٍ) جمع حجة، حُجَج غُرَف، حُجّّة غُرْفَة، جمع حُجّة وهي القياس، والمراد هنا ما فوق الواحدة، (حُجَجٍ) جمع، والمراد به أقيسة بسيطة، اثنين فأكثر، يعني قياس مركب ليس مقدمتين باعتبار المقدمة أصلاً وإنما باعتبار كون القياس في ضمن قياس، يعني يركب القياس بسيط على قياس بسيط آخر، (لِكَوْنِهِ مِنْ حُجَجٍ) أي أقيسة بسيطة اثنين فأكثر (قَدْ رُكِّبَا) هذه للإطلاق ولو بالقوة كما في مفصول النتائج.
فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ
…
وَاقْلِبْ نَتِيْجَةً بِهِ مُقَدِّمَةْ
هذا شروع في بيان كيفية تصويب أو الإتيان بهيئة القياس المركب من أقيسة بسيطة، (فَرَكِّبَنْهُ إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ)، (فَرَكِّبَنْهُ) هذا جواب الشرط الذي بعده على مذهب الكوفيين، لأنه قال: فإن ترد أن تعلما وركبن، قدم هنا، قدم جواب الشرط، على مذهب الكوفيين جواز تقديم جواب الشرط على الشرط، وعلى مذهب البصريين لا يجوز وإنما يكون المذكور دليلاً على الجواب، يعني فركبنه إن ترد أن تعلما فركبنه، هكذا عند البصريين، فهذا يعتبر دليل الجواب على مذهب البصريين، (فَرَكِّبَنْهُ) النون هذه نون التوكيد الخفيفة، ورَكِّب هذا فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، أي إن ترد معرفة القياس فركبه من أكثر من مقدمتين، على الصورة الآتية:
.. إِنْ تُرِدْ أَنْ تَعْلَمَهْ
…
وَاقْلِبْ نَتِيْجَةً بِهِ مُقَدِّمَةْ
يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيْبِهَا بِأُخْرَى
…
نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا
يعني تأتي للنتيجة، القياس البسيط هو المركب من مقدمتين، العالم متغير، وكل متغير حادث النتيجة، العالم حادث. هذا قياس بسيط، إذا أردت أن تركبه مع قياس آخر ماذا تصنع؟ تجعل هذه النتيجة مقدمة وتضم إليها مقدمة أخرى ثم تصل نتيجة، ثم تجعل إذا أردت قياس ثالث تجعل النتيجة مقدمة فتأتي بمقدمة كبرى .. وهكذا، (إِلَى هَلُمَّ جَرَّا) هذا صار ماذا؟ صار [قياسًا بسيطًا مركبًا من أقيسة](1)، قياسًا مركبًا من أقيسة بسيطة، ولذلك قال:(وَاقْلِبْ نَتِيْجَةً) نتيجة تجعلها ماذا؟ اجعلها مقدمة، مقدمة لأي شيء؟ للقياس الذي بعده، حينئذ يكون في الصورة كأنها مقدمات ثلاث أو أربع أو ست والنتيجة واحدة، (وَاقْلِبْ نَتِيْجَةً) اقلبه، هذا ضُمِّنَ معنى اجعل، (وَاقْلِبْ نَتِيْجَةً) هذا مفعول أول ولو تقديرًا كما سيأتي في مفصول النتائج (بِهِ) الباء بمعنى في، فيه يعني في القياس المركب (مُقَدِّمَةْ) هذا مفعول ثاني، أي اجعلها مقدمة صغرى، تقلب النتيجة تجعلها مقدمة صغرى، (يَلْزَمُ) أي اجعل النتيجة الحاصلة من المقدمتين الأوليين مقدمة لقياس ثاني، والقياس الأول انتهى بنتيجة ثم تجعل النتيجة مقدمة صغرى فحينئذ تضم إليها مقدمة كبرى، فيلزم منها نتيجة، (يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيْبِهَا) أي النتيجة التي قَلَبْتَهَا وجعلتها مقدمة (بِأُخْرَى) أي مع أخرى، أي مع مقدمة أخرى كبرى لأن النتيجة تكون صغرى، (يَلْزَمُ)(نَتِيْجَةٌ) أي فيحصل منهما (نَتِيْجَةٌ)، (إِلَى هَلُمَّ جَرَّا) يعني يمكن أن تُركب هكذا أقيسة بسيطة .. إلى هلم جرا .. إلى ما لا نهاية، (إِلَى هَلُمَّ جَرَّا)، (إِلَى) مقدرة الدخول على محذوف موصوف، بقوله محذوف، وكأنه قال إلى أمر يقال فيه ليستمر على ذلك استمرارًا، فـ (إِلَى) هنا ليست داخلة على (هَلُمَّ)، (هَلُمَّ) هذا فعل أمر، وقيل: اسم فعل أمر. إذًا (إِلَى) هنا مقدرة الدخول على محذوف موصوف لقول محذوف، فكأنه قال إلى أمر، أمر هذا موصوف محذوف يقال فيه ليستمر على ذلك استمرارًا، هَلُمَّ في الأصل تستعمل لطلب الإقبال، هَلُمَّ يا زيد يعني أَقْبِل ثم استعيرت لطلب الاستمرار، ويجر، (هَلُمَّ جَرَّا) الألف هذه للإطلاق مصدر، وقيل حال، وقيل تمييز، والْجَرّ في الأصل مصدر جَرَّهُ إذا سَحَبَهُ، والمراد هنا الاستمرار، يعني استمر في ذلك إلى ما لا نهاية.
يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِيْبِهَا بِأُخْرَى
…
نَتِيْجَةٌ إِلَى هَلُمَّ جَرَّا
عرفتم هذا الآن، القياس المركب أنه مركب من أقيسة بسيطة، إذا جئت إلى النتيجة تقلبها وتجعلها مقدمة صغرى وتضم إليها مقدمة كبرى، ثم تظهر النتيجة ولك أن تقلبها وتجعلها مقدمة صغرى إلى آخره .. ، هذا القياس المركب ينقسم إلى قسمين:
متصل النتائج.
ومفصول النتائج.
مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِالَّذِي حَوَى
…
يَكُونُ أَوْ مَفْصُولَها كُلٌّ سَوَا
(1) سبق.
(مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِالَّذِي حَوَى)، (مُتَّصِلَ) بالنصب هذا خبر (يَكُونُ)، (يَكُونُ)(مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِالَّذِي حَوَى) النتائج بأن ذُكر فيه يعني اشتمل عليها (يَكُونُ) أي يُسمى بذلك أو يُسمى (مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِ)(أَوْ مَفْصُولَها)، (أَوْ) بمعنى الواو (مَفْصُولَها) أي مفصول النتائج بأن لم تذكر فيه بل طويت فيكون القياس منفصلها إن لم يحو النتائج (كُلٌّ سَوَا) يعني من المتصل والمفصول سواء في إفادة المطلوب، إنما هو ترتيب فقط، يعني إذا اكتفيت بذكر النتيجة دون تكرارها حينئذ يسمى هذا متصل، وإذا حذفتها سُمِيَ منفصلاً.
(مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِ) و (أَوْ مَفْصُولَها) قسمان من القياس المركب، (مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِ) هو ما ذكر فيه نتائجه، متصل ما ذُكرت فيه نتائجه، مثاله: كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، هذا قياس مؤلف من مقدمتين، كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، فكل إنسان حساس، هذه النتيجة، ثم تعيد النتيجة تريد أن تقلبها تجعلها مقدمة تعيدها بلفظها مرة أخرى تقول: وكل إنسان حساس، وكل حساس نامٍ، فكل إنسان نامٍ .. وهكذا، فالنتيجة ما هي؟ فكل إنسان حساس، إذا أعدتها مرة ثانية، حينئذ تقول: وكل إنسان حساس أعدتها مرتين يعني تبقي النتيجة كما هي في صورتها وتعيدها مرة أخرى بناءً على أنها مقدمة لقياس آخر هذا صار ماذا متصل النتائج، ولك أن تحذفها فيكون هو المفصول، كل إنسان حيوان، هذه مقدمة صغرى، وكل حيوان حساس، النتيجة: كل إنسان حساس، اقلب النتيجة مقدمة فتقول: فكل إنسان حساس، وكل إنسان حساس أعدتها بنفسها الأولى بقيت النتيجة كما هي وأعدتها مرة ثانية بناءً على أنها مقدمة لقياس آخر، إذا ذكرتها مرتين على أنها نتيجة ثم على أنها مقدمة حينئذ صار (مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِ)، إذا حذفتها لم تعدها وإنما أبقيتها على أنها نتيجة ومقدمة في نفس الوقت ولم تكررها صار مفصول النتائج، فكل حساس نام، فكل إنسان نام .. هكذا، النتيجة هنا تذكر مرتين، مرة نتيجة ومرة مقدمة، تنطق بها تلفظ بها، وسُمِّيَ بذلك لوصل نتائجه بمقدماته اتصال النتائج بالمقدمات، مفصول النتائج هو ما لم يذكر فيه نتائجه، كل إنسان حيوان، وكل حيوان حساس، وكل حساس نامٍ، وكل نامٍ جسم، لا تعيدها مرة ثانية، وإنما تبقيها كما هي على أنها نتيجة وهي في نفس الوقت مقدمة، فلا تكررها وإنما تذكر مرة واحدة، وكل نامٍ جسم تنتج كل إنسان جسم، وسُمي بذلك لفصل نتائجه عن مقدماته.
إذًا الفصل هنا فصل صوري يعني، كونه مفصول لأنها حذفت ذكرت مرة، إذا ذكرت النتيجة مرتين فهو متصل النتائج، إذا ذكرتها مرة واحدة فهي أو فهو مفصول النتائج، (مُتَّصِلَ النَّتَائِج ِالَّذِي) الذي هذا مبتدأ وهو صفة للموصوف المحذوف، يعني القياس المركب (ِالَّذِي حَوَى) أي اشتمل عليها أي على النتائج بأن ذكرت فيه (يَكُونُ) متصل النتائج، يعني يُسمى بذلك، أو بمعنى الواو (مَفْصُولَها) أي ويكون القياس منفصلها إن لم يحو النتائج، (كُلٌّ) التنوين هنا عوض عن المضاف إليه، (كُلٌّ) من متصل النتائج أو مفصولها سواء (سَوَا) سواء في إفادة المطلوب، وإنما هو فرق صوري فقط.
ثم قال رحمه الله تعالى:
وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّيْ اسْتُدِلْ
…
فَذَا بِالاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ
الاستقراء هو الاستدلال بالجزئيات على الكليات (وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ) يعني تقدير هذا صفة للموصوف المحذوف (بِجُزْئِيٍّ) بجزئي يعني بحكم جزئي لأننا نثبت أحكام، وإنما تثبت الأحكام باستقراء الجزئيات، فندخل إلى النتائج الكلية، ولذلك يذكر النحاة مثلاً كلمة اسم وفعل وحرف، ما الدليل؟ بالاستقراء والتتبع، يعني نظروا في كل كلمة كلمة فلم يجدوا إلا كلمة دلت على معنى، ثم منها ما هو مقترن بزمن، ومنها ما ليس مقترنًا بزمن، ومنها كلمات لم تدل على معنى، قالوا: القسمة ثلاثية. إذ لو وجدوا قسمًا رابعًا لعثروا عليه، حينئذ يُسمى هذا استقراء، استدلال بالجزئي على الكلي، (وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ) جزئي قلنا: هذا صفة لموصوف محذوف والتقدير وإن استدل بحكم جزئي على كلي بإسكان الياء للوزن أي على حكم كلي استدل (كُلِّيْ اسْتُدِلْ) هذا يحتمل أنه جملة مفسرة ويحتمل أنه متعلق بجزئي لأن (إِنْ) هذه شرطية لا يليها إلا الفعل، وتقدير الكلام وإن استدل (بِجُزْئِيٍّ) على (كُلِّيْ)، وإن استدل بحكم جزئي على حكم كلي (فَذَا) اسم إشارة يعود على الاستدلال، أين هو الاستدلال؟ المفهوم من قوله:(اسْتُدِلْ){اعْدِلُواْ هُوَ} هو أي العدل {أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] مرجع الضمير لا يكون إلا اسمًا، فهي من علامات الأسماء مرجع الضمير، الضمائر لا تعود إلا على الأسماء، هنا عاد على (اسْتُدِلْ) نقول: هنا كهناك {اعْدِلُواْ هُوَ} رجعت إلى اعدلوا وهي جملة فعل حينئذ هل يكون اسم؟ نقول: لا، الضمير لا يعود إلا على الاسم حينئذ عاد إلى المصدر المفهوم من {اعْدِلُواْ} أي العدل {هُوَ} أي العدل (اسْتُدِلْ) هو أي الاستدلال (فَذَا) المشار إليه الاستدلال المفهوم من الفعل (اسْتُدِلْ)، (بِالاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ)، (عُقِلْ) بالاستقراء، بالاستقراء متعلق بقوله:(عُقِلْ)، (عِنْدَهُمْ) أي عند المناطقة، والاستقراء في اللغة التتبع لأمر ما، (عُقِلْ) يعني ضُمِّنَ معنى سُمِّيَ أي عُلِم.
إذًا الاستدلال بالجزئي على الكلي يسمى استقراءً وهو نوعان:
استقراء تام.
واستقراء ناقص.
إذا تتبع كل الأفراد يُسمى ماذا؟ يسمى استقراءً تامًا، وإذا تتبع بعض ما ترك آخر يُسمى استقراءً ناقصًا، والذي يُعتبر حجة هو الاستقراء التام،
وَإِنْ بِجُزْئِيٍّ عَلَى كُلِّيْ اسْتُدِلْ
…
فَذَا بِالاسْتِقْرَاءِ عِنْدَهُمْ عُقِلْ
وَعَكْسُهُ يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِيْ
…
وَهْوَ الَّذِيْ قَدَّمْتُهُ فَحَقِّقِ
(وَعَكْسُهُ) الذي هو الاستدلال بالكلي على الجزئي، بحكم الكلي على الجزئي، (يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِيْ)، (القِيَاسَ المَنْطِقِيْ) السابق وهو استدلال بحكم الكلي على إثبات الجزئيات عكس السابق، (وَعَكْسُهُ) أي ومفيد عكسه على تقدير مضاف، لا بد من تقدير مضاف، لأن عكس ما ذُكر هو الاستدلال بالكلي على الجزئي، وليس ذلك هو المسمى بالقياس المنطقي، وإنما المسمى نفس المقدمتين أو المسمى نفس المقدمتين المستدل بهما. إذًا القياس هو اسم للمقدمتين، (وَعَكْسُهُ) أي مفيد عكسه (يُدْعَى القِيَاسَ المَنْطِقِيْ وَهْوَ الَّذِيْ قَدَّمْتُهُ فَحَقِّقِ) بقولنا:
إِنَّ القِياسَ مِنْ قَضايا صُوِّرا
…
مُسْتَلْزِماً بِالذَّاتِ قَوْلاً آخَرا
(فَحَقِّقِ) أي كن من أهل التحقيق [معلوم]
وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ حُمِلْ
…
لِجَامِعٍ فَذَاكَ تَمْثِيْلٌ جُعِلْ
هذا القياس الفقهي، القياس الفقهي فيه حمل جزئي على جزئي، النبيذ حمل على الخمر، الذي أخذناه في الورقات بالأمس، حينئذ نقول: هذا حمل جزئي على جزئي، حينئذ صارت الأقيسة ثلاثة:
حمل جزئي مع الاستدلال بجزئي على كلي.
كلي على إثبات الجزئي.
جزئي على جزئي. وهو ما يسمى بقياس التمثيل، الذي هو رَدُّ الفرع للأصل في حكم صحيح شرعي لعلة جامعة في الحكم.
(وَحَيْثُ جُزْئِيٌّ عَلَى جُزْئِيْ)، (جُزْئِيٌّ) بالتشديد والتنوين على الأصل (عَلَى جُزْئِيْ) بإسكان الياء للوزن، وحيث حمل جزئي على جزئي، نقدر حُمِل، لأن ماذا؟ لأن حيث لا تُضاف إلا إلى الجملة الفعلية، وجزئي هذا ليس بفعل، وحيث حمل جزئي على جزئي آخر في حكمه لجامع بين الْمُشَبَّه والْمُشَبَّه به (فَذَاكَ) يعني الجمع المشترك بينهما (فَذَاكَ) هذا عائد من حمل المفهوم من قوله:(حُمِلْ) فعل كما قلنا: (اسْتُدِلْ)، (فَذَاكَ) أي الحمل (تَمْثِيْلٌ) يعني يقال له لغة: تمثيل، مثَّل شيء بآخر سواه به، وهو الرد والإلحاق الذي مر معنا في باب القياس، هناك تمثيل مثَّل شيئًا بآخر سواه به (جُعِلْ) أي يُسمى هذا الدليل تمثيلاً.
ثم قال:
وَلا يُفِيْدُ القَطْعَ بِالدَّلِيْلِ
…
قِيَاسُ الاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيْلِ
وسكت عن القياس المنطقي لأنه يفيد ماذا؟ يفيد الخطأ عنده (وَلا يُفِيْدُ القَطْعَ) يعني اليقين (بِالدَّلِيْلِ) المراد به المدلول (قِيَاسُ الاسْتِقْرَاءِ وَالتَّمْثِيْلِ) هذا معطوف على الاستقراء لملاحظة المضاف المحذوف لدلالة المضاف الأول عليه، القياس الاستقرائي وقياس التمثيل، الآن حذف الثاني المضاف الثاني بدلالة الأول عليه قياس الاستقراء وقياس التمثيل، لأنه يلزم من تشابه الأمرين في معنى تشابههما في جميع الأحكام، قَيَّد بعضهم الاستقراء الذي لا يفيد القطع بأنه الاستقراء الناقص، وأما الاستقراء التام فهذا يفيد القطع يفيد اليقين، فمراده حينئذ بالاستقراء هنا بأنه يفيد الظن يقول: هذا محمول على الاستقراء الناقص فهو الذي يفيد الظن (وَلا يُفِيْدُ القَطْعَ) أي اليقين (بِالدَّلِيْلِ) يعني النتيجة، (بِالدَّلِيْلِ) المراد به المدلول، القياس الاستقرائي (لا يُفِيْدُ) القياس هذا فاعل يفيد والقطع مفعول به، كلٌّ من قياس الاستقراء وقياس التمثيل (لا يُفِيْدُ القَطْعَ) بالمدلول الذي استدل عليه بها، لماذا؟ للاحتمال الوارد في السهو والخطأ، بخلاف القياس المنطقي فهو يفيد اليقين.
(فصل في أقسام الحجة)(الْحُجَّةٌ) المراد به هنا القياس أو الدليل، وسمي حجة لأن المتمسك بها يحج خصمه يعني يغلبه (فصل في أقسام الحجة) جملتها ستة، إذا كانت هي من حيث الأصل يعني قسمان رئيسان (نَقْلِيَّةٌ عَقْلِيَّةْ)، الحجة تنقسم إلى حجة نقلية، دليل نقلي يعني مرده إلى الكتاب والسنة والإجماع، وعقلية مرده إلى العقل، والعقلية هذه خمسة مع النقلية صارت ستة، حينئذ أقسام الحجة ستة أقسام، نقلية هذا قسم، والعقلية تحتها خمسة أقسام فصار المجموع ستة. (فصل في أقسام الحجة)
(وَحُجَّةٌ نَقْلِيَّةٌ عَقْلِيَّةْ)، (وَحُجَّةٌ نَقْلِيَّةٌ)، نقلية نسبة إلى النقل، لأنها مستندة إليه، والنقلية هي ما كان كل من مقدمتيها أو إحداهما من الكتاب أو السنة أو الإجماع تصريحًا أو استنباطًا إذا كانت المقدمة من الكتاب أو من السنة أو الإجماع تصريحًا أو استنباطًا هذا كما مر بنا في الحد، هذا زان، وكل زان يُحَدّ، فهذا يحد. هذا نقلية ليس مبناها على العقل كونه يحد العقل لا يدل على أنه لا بد أن يحد، وإنما العقل لا يمنع، إذًا كل ما كان من مقدمتيها أو إحداهما من الكتاب أو السنة أو الإجماع تصريحًا أو استنباطًا، (وَحُجَّةٌ نَقْلِيَّةٌ) نسبة للنقل، وهنا حجة مبتدأ والمسوغ قصد الجنس أو التفصيل، (عَقْلِيَّةْ) نسبة للعقل في استنادها إليه منسوبة للعقل، (أَقْسَامُ هَذِي) التي هي الأخيرة العقلية (خَمْسَةٌ جَلِيَّةْ) واضحة عند أهل المنطق وتعرف عندهم بالصناعات الخمس، لأنها تحتاج إلى ممارسة إلى تعلم، الصنعة تحتاج إلى تعلم، ولذا خطابة شعر وبرهان وجدل وسفسطة كلها تحتاج إلى تعلم وإلى ممارسة من أجل إتقانها، (أَقْسَامُ هَذِي) يعني العقلية تتنوع باعتبار موادها يعني القضايا (خَمْسَةٌ جَلِيَّةْ) واضحة عند أهل المنطق
خَِطَابَةٌ شِعْرٌ وَبُرْهَانٌ جَدَلْ
…
وَخَامِسٌ سَفْسَطَةٌ نِلْتَ الأَمَلْ
(خَِطَابَةٌ) بفتح الخاء يعني أولها خطابة سميت بذلك لأن القصد بها ترغيب المخاطب فيما يفعله كما يفعله الخطباء والوعاظ فلذلك سميت خطابة، ففيها ترغيب المخاطب فيما يفعله، من حيث التعريف عندهم المنطقي قالوا: الخطابة هي قياس مؤلف من مقدمات مقبولة أو من مقدمات مظنونة، اصطلاح خاص عندهم، القياس مؤلف من مقدمات مقبولة قالوا كالصادرة من إنسان تعتقد صلاحه في دينه وعلمه، إذا صدرت المقدمات النصائح سموها مقدمة، جملة مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل حينئذ يسمى ماذا؟ إذا كان الرجل اعتقد صلاحه وعلمه يسمى ماذا؟ مقبولاً، أو من مقدمات مظنونة وهي التي يُحكم فيها بالعقل بواسطة الظن مع تجويز النقيض. إذًا الخطابة: قياس مؤلف من مقدمات مقبولة كالصادرة من إنسان تعتقد صلاحه لدينه أو علمه، أو من مقدمات مظنونة وهي التي يحكم بها العقل بواسطة الظن مع تجويز النقيض، مثاله مثال المقبولة: العمل الصالح يورث الفوز، وكل ما كان كذلك لا ينبغي إهماله، ينتج العمل الصالح لا ينبغي إهماله. هذه كلها مقبولة.
مثال المظنونة: فلان يطوف بالليل بالسلاح، هذا مظنون يحتمل النقيض، فلان من الناس يطوف بالليل بالسلاح، وكل من كان كذلك متلصص، مظنونة هذا يحتمل، ليس كل من طاف بالسلاح فهو متلصص، يُنتج أن فلانًا متلصص. (شِعْرٌ) الشعر سمي بذلك لأن الغرض منه ترغيب الناس أو ترهيبها، وهو انفعال الناس بترغيب في شيء أو تنفيرهم، الشعر ليس المراد به الشعر هذا أوزان وغيره، لا، المراد به قياس مؤلف من مقدمات تنبسط منها النفس أو تنقبض، فالأول ما تنبسط منه النفس كمن يريد، ظالم يريد الترغيب في شرب الخمر أو شيء من المحرمات هذه خمرة، وكل خمرة ياقوتة سيالة، سنتج هذه ياقوتة سيالة، هذا أراد أن يرغب في ماذا؟ في شيء محرم، هذه خمرة، وكل خمرة ياقوتة سيالة
، والثاني كمن يريد التنفير من العسل مثلاً قال: هذا عسل، وكل عسل مرة مهوعة، فهذا مرة مهوعة. يعني مقيئة تسبب القيء أراد أن يُنفر من العسل [جدل نعم](1).
(خَِطَابَةٌ شِعْرٌ وَبُرْهَانٌ) هذا الثاني برهان سمي بذلك لأنه مأخوذ من البره وهو القطع لما فيه من قطع الخصم عند المنازلة، والقياس الجلي عندهم هو هذا النوع البرهان، (وَبُرْهَانٌ) برهان هذا سيأتي تفصيله عنده (أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ)، (جَدَلْ) يعني وجدل على حذف حرف العطف بفتح أوله (جَدَلْ) سُمِّيَ بذلك لأنه يقع في المجادلة وهو قياس مؤلف من مقدمات مشهورة أو مسلمة إما عند الناس وإما عند الخصم، يعني مسلمة بين الخصمين، سواء كانت صادقة أم كاذبة، والمقصود به قهر الخصم وإقناع من لا قدرة له على البرهان، الجدل قياس مؤلف من مقدمات مشهورة أو مسلمة إما عند الناس على جهة العموم أو عند الخصم.
مثال الأول - يعني المشهورة -: الظلم قبيح، وكل قبيح يشين، ينتج الظلم يشين.
مثال الثاني: الإحسان خير، وكل خير يزين، ينتج الإحسان يزين.
مثال الثالث: قول زيد: خبر عدل، وكل ما هو كذلك يعمل به، يُنتج قول زيد يعمل به.
(1) سبق.
(وَخَامِسٌ سَفْسَطَةٌ)، (وَخَامِسٌ) أي خامسها أخرها، لماذا؟ لأنها أضعف الأقسام ولا تفيد علمًا ولا ظنًّا، السفسطة أشبه بالكذب، السفسطة هي في الأصل الحكمة المموهة هكذا عندهم، الحكمة المموهة، وهي قياس مؤلف من مقدمات وهمية كاذبة، أو شبيهة بالحق وليست به، مقدمات كاذبة واضحة صريحة أو شبيهة بالحق وليست به أو شبيهة بالمشهورة وليست بها، فالأول كاذبة الحجر ميت، وكل ميت جماد، يُنتج الحجر جماد. الحجر ميت هذا كذب، والثاني كأن تشير إلى صورة على حائط صورة فرس مثلاً فتقول هذا فرس، وكل فرس صهال، هذا صهال، ما عندنا فرس عندنا صورة فرس. والثالث كأن تقول في شخص يتكلم بالعلم على غير هدى هذا يتكلم بألفاظ العلم، وكل من كان كذلك فهو عالم، هذا غلط ليس بصحيح، أليس كذلك؟ هذه نقول: نوعها شبيهة بالمشهورة وليست بها، شخص يتكلم بعلم، يعني بألفاظ العلم دون أن يكون من أهل العلم، حينئذ نقول: هذا يتكلم بألفاظ العلم، وكل من تكلم بألفاظ العلم فهو عالم، لا، ليس كل من تكلم بألفاظ العلم فهو عالم. (نِلْتَ الأَمَلْ) أي يعطيك ما أَمَّلْتَهُ من تحصيل العلوم.
أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ مَا أُلِّفَ مِنْ
…
مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ
مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ
…
مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ
وَحَدَسِيَّاتٍ وَمَحْسُوسَاتِ
…
فَتِلْكَ جُمْلَةُ اليَقِيْنِيَّاتِ
(أَجَلُّهَا) أي أجل أقسام الحجة (الْبُرْهَانُ) أقواها (الْبُرْهَانُ)، ثم الجدل ثم الخطابة ثم الشعر ثم السفسطة على هذا الترتيب عندهم، أجلها البرهان فالجدل فالخطابة، الجدل لماذا؟ لأن مقدماته قريبة من اليقين، مقدمات الجدل قريبة من اليقين، ثم الخطابة لأنها مظنونة، ثم الشعر لانفعال النفس به، فالسفسطة كما سبق أشبه بالكذب،
أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ مَا أُلِّفَ مِنْ
…
مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ
مقدمات تقترن باليقين، يعني مقدماته لا تكون إلا يقينية (مَا أُلِّفَ)(أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ)، (مَا) هذا عطف بيان على (الْبُرْهَانُ)، أو خبر لمحذوف هو (مَا أُلِّفَ) أي ركب (مِنْ مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ)، (بِاليَقِيْنِ) هذا متعلق بقوله:(تَقْتَرِنْ) أي يقينية، واليقين لغة العلم الذي لا شك معه، والمراد هنا يقينية حقيقة أو حكمًا، حقيقة بأن تكون يقينية أو حكمًا وهي النظريات التي تنتهي إلى الضروريات حينئذ يُشترط في البرهان أن يكون برهانًا يكون مؤلفًا من مقدمات يقينية أو نظرية لكنها تنتهي إلى ضروريات، فلا يُسمى برهانًا إلا إذا كانت مقدمتاه قطعيتين، إذًا (أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ مَا أُلِّفَ) ما ركب، قياس رُكِّب من مقدمات ضرورية أو نظرية تنتهي إلى ضرورة (بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ)، (بِاليَقِيْنِ) خرجت به باقي أقسام الحجة.
ثم بين بعض الأنواع المتعلقة باليقينيات، يعني اليقينيات ما هي؟ أنواع منها أوليات، ومنها مشاهدات، ومنها مجربات، منها متـ .. ، يعني ما هي أنواع المقدمات اليقينية؟ متى نحكم عليها بأنها يقينية؟ قال:(مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) هذا بين اليقينيات الذي يُسمى عند البعض مدارك اليقين، يعني الشيء الذي يُدرك به اليقين (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) هذا بدل من قوله:(مِن مُقَدِّمَاتٍ)، (مِن مُقَدِّمَاتٍ) جار ومجرور (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) نقول هذا: بدل من قوله: (مِن مُقَدِّمَاتٍ)، (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ) هذه منسوبة إلى الأولي أو إلى الأول، الأولى إلى الأول منلأوليات أي الضروريات، والأوليات هذه يعبر عنها بالعقليات المحضة، وهي البدهيات، القضايا التي يدركها العقل بمجرد تصور الطرفين، الأوليات هي القضايا التي يُدركها العقل بمجرد تصور الطرفين، الواحد نصف الاثنين، هذا من البدهيات، الكل أعظم من الجزء هذا من البدهيات، فلا يتوقف العقل فيه على استعانة بحس أو غيره، لا يحتاج ولا يفتقر إلى الاستعانة بشيء آخر منسوبة للأول لحكم العقل بها من أول وهلة، إذ لا تتوقف على شيء بعد تصور الطرفين (مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ)، و (مُشَاهَدَاتِ) على حذف حرف العطف ومشاهدات أو مشاهدات، [نعم] وهي القضايا التي يدركها العقل بسبب المشاهدة للحس الباطني، الحس عنهم نوعان:
حس ظاهر، كالبصر والشم والذوق.
وحس باطن.
القضايا التي يدركها العقل بسبب المشاهدة بالحس الباطن نحو ماذا؟ الجوع مؤلم، هذه بماذا يدركها؟ بالإحساس، لكنه إحساسًا ليس صوريًّا ظاهر يعني شيء يُرى، وإنما هو شيء باطن وتسمى وُجدانيات، كالعلم بأنك جائع أو غضبان أو متألم أو متلذذ، وأما القضايا التي يدركها العقل بسبب المشاهدة بالحس الظاهر فهي المحسوسات، وهذا سيأتي ذكرها في فيما سيأتي. (مُجَرَّبَاتٍ) يعني ومجربات، وهي ما يُدركها العقل بواسطة تكرار يفيد اليقين، يعني تكرر الشيء فعل الشيء أول مرة لا يدل أو لا يفيد اليقين، لكن إذا تكرر مرة بعد مرة حينئذ أفاد اليقين، ما يدركها العقل بواسطة تكرار يفيد اليقين، نحو ماذا؟ النار محرقة هذا من أول مرة قد لا يفيد، هذا يسمى المجرب، ويُعبر عنها باطراد العادات وجعلها بعضهم من النظريات لملاحظة القياس الخفي، وجعله بعضهم واسطة بينهما، والأكثر على أنها ظنيات، والأكثر على أن هذه المجربات ظنيات وليست بقينيات، يعني خولف الناظم هنا، و (مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ) يعني ومتواترات، وسبق أن التواتر نوع مما يفيد العلم اليقيني، وإن اختلف هل العلم اليقيني ضروري أو نظري، فالمتواترات هي ما يُدركها العقل بواسطة السماع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب، وجعلها بعضهم من النظريات، وبعضهم واسطة بين الضروريات والنظريات، و (وَحَدَسِيَّاتٍ)، (وَحَدَسِيَّاتٍ) بتحريك الدال لضرورة الوزن وإلا الأصل حدْسِيات، بإسكان الدال لأنه المقصود من الْحَدْسِ وهو الظن، والحدسيات هي القضايا التي يُدركها العقل بواسطة حَدْسٍ بين يُفيد العلم، نحو ماذا؟ نور القمر مستفاد من نور الشمس، يعني حكم بها العقل بواسطة الحس، حكم بها العقل والحس من غير توقف على تكرر، والأكثر على أنها من الظنيات، يعني خولف الناظم بجعلها من اليقينيات والمجربات الأكثر على أنها من الظنيات والحدسيات الأكثر على أنها من الظنيات، (وَمَحْسُوسَاتِ) جمع محسوس وهي ما يُدركها العقل بواسطة الحس الظاهر مقابل الحس الباطن، نحو الشمس مشرقة، وذهب بعضهم إلى أن الحس لا يفيد اليقين لغلطه في أمور.
إذًا هذه جعلها الناظم مقدمات يقينية وخولف في بعضها، ولذلك قال:(فَتِلْكَ) فتلك هذا تحصيل بعد تفصيل، (فَتِلْكَ) المذكورات (جُمْلَةُ اليَقِيْنِيَّاتِ) يعني التي يتألف البرهان منها لإنتاج اليقين، (جُمْلَةُ) يعني جماعة كل شيء، جماعة كل شيء يُسمى جملة، إذًا جملة اليقينيات هي ما ذكرها الناظم في قوله:
أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ
…
مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ
وَحَدَسِيَّاتٍ وَمَحْسُوسَاتِ
…
......................
ستة أقسام.
وَفِيْ دَلالَةِ المُقَدِّمَاتِ
…
عَلَى النَّتِيْجَةِ خِلافٌ آتِ
عَقْلِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ أَوْ تََولُّدُ
…
أَوْ وَاجِبٌ وَالأَوَّلُ المُؤَيَّدُ
(وَفِيْ دَلالَةِ المُقَدِّمَاتِ) عرفنا ذكرنا العلاقة بين المقدمات والنتيجة، لا بد أن تكون المقدمات دالة على النتيجة، إذًا ثَمَّ ارتباط بين القياس مقدمتين وبين نتيجته، ما نوع هذا الارتباط؟ هل هو عقلي؟ هل هو تولدي؟ هل هو واجب؟ هل هو عادي؟ هو الذي عناه الناظم هنا (وَفِيْ دَلالَةِ المُقَدِّمَاتِ) يعني وفي إفادة المقدمات للنتيجة .. إلى آخره، (وَفِيْ دَلالَةِ المُقَدِّمَاتِ)، لَمَّا كان للدليل ارتباط في المدلول سُمِّيَ ذلك الارتباط دلالة، وقيل المراد هنا الارتباط يعني في الكلام حذف، أي (وَفِيْ دَلالَةِ) العلم أو الظن بالمقدمات على العلم أو الظن بالنتيجة (خِلافٌ آتِ)، على أربعة أقوال، (وَفِيْ دَلالَةِ المُقَدِّمَاتِ عَلَى النَّتِيْجَةِ) يعني في الارتباط بينهما خلاف عقلي، أي الارتباط بينهما عقلي، الارتباط عقلي هذا خبر لمحذوف يعني التقدير أَولها عقلي، يعني أول الأقوال أو هذا الارتباط عقلي، أي الارتباط بينهما عقلي لا يمكن تخلفه فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمات، يعني متى ما أدرك العقل المقدمتين حينئذ لزم منه وجود النتيجة مجردة، متى ما ظن مقدمتين ظُنّ في النتيجة، متى ما علم بالمقدمتين عَلِم بالنتيجة، فلا يمكن تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين، فلا يمكن وجود أحدهما بدون وجود الآخر، وهذا لإمام الحرمين عقلي، عقلي يعني هذا الارتباط عقلي لازم عقلاً، لا يمكن أن يتخلف البتة، (أَوْ) بمعنى الواو، أي والثاني أي الرابط بينهما بين المقدمتين والنتيجة (عَادِيٌّ) يعني لازم عادي، وليس بلازم عقلي مقابل له، لكن قد يكون عقليًّا، وقد يكون عاديًّا، بمعنى أنه يجوز تخلف العلم أو الظن بالنتيجة عن العلم أو الظن بالمقدمتين، إذا كان عاديًّا لم يكن عقليًّا فيجوز التخلف، وهذا منسوب للأشعري (أَوْ) يعني و، أو بمعنى الواو (أَوْ تََولُّدُ) يعني الثالث (تََولُّدُ) بمعنى أن القدرة الحادثة أثرت في العلم أو الظن بالنتيجة بواسطة تأثيرها في العلم أو الظن بالمقدمتين إذ التولد أن يوجد فعل لفاعله فعل آخر، وهذا قول المعتزلة، يعني القدرة الحادثة التي هي قدرة البشر أثرت في العلم هذا بناءً على أن أفعال العباد مخلوقة لهم، أثرت في العلم حينئذ وُجد، وهذا تلازم كذلك، لكنه منسوب إلى العلم نفسه إلى الشخص نفسه، فهو الذي خلق هذه الإفادة، وهذا باطل، إذًا (أَوْ تََولُّدُ) بمعنى أن القدرة الحادثة أثرت في العلم أو الظن بالنتيجة بواسطة ماذا؟ بواسطة تأثيرها في العلم أو الظن بالمقدمتين، لما علم أو ظن المقدمتين حينئذ وجد العلم بـ أو الظن بالنتيجة، إذ التولد أن يوجد فعل لفاعله فعل آخر، (أَوْ وَاجِبٌ) بالتعليل، بمعنى أن العلم أو الظن بالمقدمتين علة أثرت بذاتها في العلم أو الظن بالنتيجة، وهذا للفلاسفة. قال:(وَالأَوَّلُ المُؤَيَّدُ) يعني القول الأول هو المؤيد هو المرجح، أن التلازم عقلي، والأول هو المؤيد يعني قوي لعدم ورود شيء عليه.
ثم قال رحمه الله تعالى: (خَاتِمَةٌ) وهي في اللغة ما يُختم به الشيء، (خَاتِمَةٌ) آخر ما يذكر في كتب العناوين، كتاب، باب، فصل، مسألة، فرع، تنبيه، تتمة، خاتمة. لا تخرج عن هذه الأمور، والخاتمة المراد بها آخر الشيء ما يُختم به الشيء، ألفاظ مخصوصة دالة على معان مخصوصة قد خُتم بها كتاب أو باب أو فصل أو نحو ذلك، (وَخَطَأُ الْبُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا فِيْ مَادَّةٍ) مادة الأصل بالتشديد، لكن لا يوجد في العروض التقاء ساكنين لا بد أن يكون ساكن ومتحرك، وساكن ومتحرك .. وهكذا، (فِيْ مَادَّةٍ) كما قلنا في الخاص وخاص خاصة
...................
…
فِيْ مَادَّةٍ أَوْ صُورَةٍ فَالمُبْتَدَا
فِيْ اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكٍ أَوْ كَجَعْلِ ذَا
…
تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيْفِ مَأْخَذَا
وَفِيْ المَعَانِيْ لالْتِبَاسِ الكَاذِبَهْ
…
بِذَاتِ صِدْقٍ فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ
كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ كَالذَّاتِيْ
…
أَوْ ناتجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ
وَالحُكْمِ لِلْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ
…
وَجَعْلِ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِيْ
وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ
…
وَتَرْكِ شَرْطِ النُّتْجِ مِنْ إِكْمَالِهِ
(وَخَطَأُ الْبُرْهَانِ حَيْثُ) أراد أن يبين الأخطاء التي يُمكن أن تعتري القياس، فلا يكون القياس صحيحًا يكون فاسدًا، وعَبَّرَ هنا بـ (الْبُرْهَانِ) عن القياس لأنه أصلاً يكون خطؤه القياس، لأن (الْبُرْهَانِ) أحد أنواع القياس، وهو ما كانت المقدمات فيه يقينية (وَخَطَأُ الْبُرْهَانِ)، ولم يقل وخطأ القياس، والخطأ محذور في القياس كله ليس في البرهان فحسب، وإنما اقتصر هنا على (الْبُرْهَانِ) لأنه لا يُشترط نفي جميع ما سيذكره إلا فيه، ولو سُلِّم في غيره فتخصيصه بالبرهان لأنه المقصود الأهم، لأنه الذي يفيد اليقين، نعم هو هذا خطأ البرهان لأنه هو الأهم عنده إذ يفيد اليقين، (وَخَطَأُ الْبُرْهَانِ حَيْثُ وُجِدَا)، (وُجِدَا) الألف للإطلاق ونائب الفاعل ضمير للخطأ، حيث وجد الخطأ يعني في أي تركيب وُجِد فلا يخرج عن صورتين:
إما أن يكون في مادة أو في صورة، مادة المراد به المقدمتين، في ذات المقدمتين، أو في صورة يعني في النظم والهيئة، هيئة المقدمتين، في مادة يعني فهو إما في مادة، وهو مجموع المقدمتين باعتبار اللفظ أو المعنى، أو في صورة وهو النظم والهيئة، يعني هيئة المقدمتين، فالخطأ حينئذ يكون في المادة وفي الصورة، نوعان، ثُمَّ المادة تكون خطأ في المعنى وخطأ في اللفظ، خطأ في اللفظ وخطأ في المعنى، هذا في المادة، في الصورة هذه لا يكون إلا نوعًا واحدًا، (فَالمُبْتَدَا) الفاء الفاء الفصيحة (فَالمُبْتَدَا) أي الأول الذي هو الخطأ في المادة وسيذكر مقابله بقوله: والتالي، (فَالمُبْتَدَا) يعني الخطأ في المادة في مجموع المقدمتين قال:(فِيْ اللَّفْظِ) يعني إما في اللفظ وإما في المعاني، البيت الأول ذكره في اللفظ وهو يتعلق بالخطأ في المادة، وفي المعاني كذلك الخطأ في البرهان ويتعلق بالمادة لكنه في المعنى، ويذكر بعض الأمثلة لا يستقصي كل الأخطاء وإنما بعضًا منها، و (فِيْ اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكٍ) يعني أن يقع في المادة في المقدمة لفظ مشترك كما سبق أن الاشتراك ما اتحد لفظه وتعدد معناه، فإذا اشتملت المقدمة الأولى على لفظ مشترك المقدمة الكبرى على لفظ مشترك واختلف المعنى حينئذ لا يُنتج القياس، لماذا؟ لعدم الحد الأوسط لم يتكرر وإن تكرر اللفظ لكنه من جهة المعنى لم يتكرر، لو قال: هذا قرء - وأراد به الحيض -، وكل قرء يجوز الوطء فيه - أراد الطهر -، هل ينتج؟ لا ينتج، لو أنتج يكون فاسد النتيجة، لماذا؟ لعدم وجود الحد الأوسط أو المكرر بين المقدمتين، لأن القرء هنا ليس حدًّا وسطًا، لأن الحد الوسط لا بد أن يتكرر بلفظه ومعناه (كَاشْتِرَاكٍ) هذا مثال لسبب الخطأ لا للخطأ نفسه، يعني أو نقول: كخطأ اشتراك، يعني أن يأتي في المقدمة الصغرى والكبرى حدّ وسط يظن أنه حد وسط وهو لفظ مشترك اختلف معنياه، (أَوْ كَجَعْلِ ذَا تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيْفِ مَأْخَذَا) يعني أن يخطئ في ماذا؟ [يظن أن هذا اللفظ متباين](1) يظنه مترادف وهو متباين، (أَوْ كَجَعْلِ ذَا) ذا هذا على لغة القصر، جعل مضاف وذا مضاف إليه، ذا بمعنى صاحب، والأصل أن يقول كجعل ذي لأنه يجر بماذا؟ بالياء، لكن لغة القصر إلزام الألف كما قال الشارح نفسه صاحب النظم في شرحه (أَوْ كَجَعْلِ) ذي (ذَا) بمعنى صاحب، الأصل في (تَبَايُنٍ) مع لفظ آخر (مِثْلَ الرَّدِيْفِ) يعني هو متباين ويظن أنه مرادف، (مَأْخَذَا) أي مثله في المأخذ في المقدمتين، هذا سيف، وكل سيف صارم، صارم لا يُطلق إلا على قاطع سيف قاطع، والسيف أعم يُطلق على القاطع وغير القاطع، فقال: هذا سيف أشار به إلى غير قاطع.
(1) سبق.
قال: وكل سيف صارم، أخطأ هو الآن لماذا؟ لأنه ظن أن الصارم والسيف مترادفان وهما متباينان، فظن المتباين مترادف فجعله حدًّا وسطًا، تقول: لا، ليس الأمر كذلك، بل السيف يطلق على غير القاطع، وأما الصارم فلا يطلق إلا على قاطع، حينئذ نقول: هذا خطأ، (أَوْ كَجَعْلِ ذَا تَبَايُنٍ) مع لفظ آخر (مِثْلَ الرَّدِيْفِ) له، يعني مرادف له في المأخذ ولذلك قال:(مَأْخَذَا) هذا تمييز لمثل من جهة المأخذ، أي مثله في الأخذ في المقدمتين، هذا سيف مشيرًا به إلى غير القاطع يقول: بسيف صارم. تريد القاطع، والسيف اسم لما كان على هيئة معلومة وهو غير قاطع. إذًا في مادة، ثم فصل المادة هذه في اللفظ قال:(فِيْ اللَّفْظِ كَاشْتِرَاكٍ) الكاف هنا تشبيهية وليست استقصائية، (أَوْ كَجَعْلِ) أو للتنويع والتقسيم (أَوْ كَجَعْلِ ذَا تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيْفِ مَأْخَذَا). إذًا (أَوْ كَجَعْلِ ذَا تَبَايُنٍ مِثْلَ الرَّدِيْفِ مَأْخَذَا) فالخطأ في المادة بسبب جعل المتباين مثل الرديف في أخذه في المقدمتين.
ثم قال: (وَفِيْ المَعَانِيْ) يعني والخطأ للبرهان في المادة قد يكون في المعنى (وَفِيْ المَعَانِيْ)، (المَعَانِيْ) أل هذه للجنس فتُبطل معنى الجمعية، (لالْتِبَاسِ الكَاذِبَهْ بِذَاتِ صِدْقٍ) يعني ظن أن هذه المقدمة صادقة وهي في نفس الأمر كاذبة، التبست عليه، هذا من جهة المعنى ظن أن هذه المقدمة صادقة وهي كاذبة
(لالْتِبَاسِ) أي لأجل التباس فهو علة الخطأ في المعنى، (لالْتِبَاسِ الكَاذِبَهْ) يعني القضية الكاذبة، والالتباس هنا يعني التباس في المعنى لكن لا يلزم منه ألا يكون كذلك في اللفظ، يعني هذا أعم من الأول، إذا التبس في المعنى قطعًا لا بد أن يكون ماذا؟ في اللفظ كذلك، لكن باعتبار هو، هو ثبت عليه لم يتبين للالتباس أو الخطأ في اللفظ، وإنما ظن المعنى هو المعنى فالتبس عليه، وأما اللفظ فهو لازم له، إذًا بالتباس الكاذبة لا ينافي أنه قد يكون علة للخطأ في اللفظ، يعني نفس المثال هذا يصح أن يكون علة للخطأ في اللفظ كما أنه يصح أن يكون في المعنى، (لالْتِبَاسِ الكَاذِبَهْ بِذَاتِ) يعني بقضية ذات (صِدْقٍ) صاحبة صدق، (فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ) هذه تكملة، المخاطبة يعني الكلام المخاطب به، فالمصدر بمعنى اسم المفعول، هذه عينٌ، وكل عين جارية، هذه عين أراد به الباصرة، وكل عين جارية، الكبرى كاذبة، كل عين جارية هذه كاذبة، ظنَّ أنها صادقة لأنه قدر أن العين هنا الباصرة، فحينئذ نقول: هذه كاذبة من جهة اللفظ ومن جهة المعنى لأنه مشترك، هذه القضية كلها كاذبة لأنه ليس كل عين جارية، هذه عين أراد بها الباصرة، وكل عين جارية يعني الباصرة فالكبرى كاذبة من جهة اللفظ كما أنها كاذبة من جهة المعنى (فَافْهَمِ المُخَاطَبَهْ)، (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ) هذا تمثيل بالخطأ في المعنى كذلك (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ كَالذَّاتِيْ)، (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ) بإسكان الياء للوزن، (كَمِثْلِ) الكاف زائدة، لأن الكاف للتشبيه والمثل للتشبيه، والكاف زائدة أو أن مثل لتأكيد معنى الكاف لأنه صلة، إما الكاف زائدة أو مثل زائدة، وإذا تردد بين جعل الحرف زائدًا أو الاسم فجعله في الحرف أولى، هذا لأن الاسم أقل من هذا أما الحرف فهو كثير، (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ كَالذَّاتِيْ) نحو ماذا؟ الجالس في السفينة متحرك، وكل متحرك لا يثبت في مكان واحد، إحدى المقدمتين كاذبة، إن أريد بالمتحرك فيها معنى واحد، وإن أريد بالمتحرك في الأولى الجالس في السفينة متحرك، متحرك بالعرض، وفي الثانية المتحرك بالذات كانتا صادقتين، لو قيل متحرك الإنسان متحرك بمعنى أنه قابل للحركة التي هي ماذا؟ متحرك بالقوة كما نقول: ضاحك بالقوة، هذا نقول ماذا؟ شيء خارج عن الذات، هنا إن أريد بالمتحرك في الأول المتحرك بالعرض يعني الحركة بالفعل لأنها تزول تقع وتزول، وفي الثاني المتحرك بالذات كانتا صادقتين لاختلاف موضع كل منهما، لكن لم يوجد تكرر فلم تصدق النتيجة، لأنه إذا تباينا من جهة المعنى ولو اتحد اللفظ مثل: هذا قرء - وأراد به الحيض -، وكل قرء يجوز الوطء فيه - وأراد به الطهر -، حينئذ نقول: هذا لا يُنتج، لماذا؟ لكون اللفظ وإن اتحدا إلا أن المعنى مختلف، هنا كذلك اللفظ متحد ولكن المعنى مختلف، لأنه قد يراد به معنى ذاتيًّا وقد يراد به معنى عرضيًّا، واللفظ واحد وهو التحرك، وهنا حصل الالتباس بماذا؟ بسبب جعل العرضي وهو التحرك بحركة السفينة كالذاتي وهو التحرك بالذات، الحركة بالذات بالفعل بالقوة هي الأصل وبالفعل تابعة لها، لكن المتحرك بحركة السفينة ليست حركة له، أليس كذلك؟ هو
جالس في سفينة وتحركت به الحركة ليست له وإنما حركة السفينة فأثرت فيه، فالحركة هنا عارضة ليست بذاتية، ولذلك هي ليست باختياره، لو أخذت شخصًا وهززته كذلك حينئذ نقول: هذه الحركة ليست من فعله وإنما هي من فعل ثان، فهذه الحركة عرضية، لكن لو تحرك ماشيًا حينئذ نقول: هذه حركة ذاتية. حينئذ لو فسر هذا بذاك اختلطا (كَمِثْلِ جَعْلِ العَرَضِيْ كَالذَّاتِيْ) أي مثله في الحكم و (العَرَضِيْ) هنا ما ثبت بالشيء بواسطة غيره، كالمتحرك بالسفينة ثبت له نقول: هو متحرك. لكن ليست حركة ذاتية لأنه لم يردها ليست باختياره، متحرك بالسفينة هنا ثبتت الحركة له بواسطة، والذاتي ما ثبت بالشيء من غير واسطة كما في المتحرك بذاته، (أَوْ ناتجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ) أو كجعل (ناتجٍ) يعني النتيجة (إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ)، (أَوْ ناتجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ) كجعل النتيجة إحدى المقدمات، نقول: هذه نقلة، وكل نقلة حركة، فهذه حركة، النتيجة هي عين الصغرى، في هذا القياس هنا قياس ماذا؟ المقدمات هنا حملية، هذا قياس اقتراني، حينئذ يكون في الحمليات، فإذا كان كذلك حينئذ لا توجد النتيجة بصورتها في المقدمات في القياس، فإذا أنتج القياس عين إحدى المقدمتين فهو قياس فاسد، لماذا؟ لأن النتيجة تكون متفرقة الأجزاء ولا تكون موجودة بصورتها، ذاك في الشرط والاستثناء، أما هنا فلا، هذه نقلة، وكل نقلة حركة، فهذه حركة، فالنتيجة عين الصغرى لأن الحركة مرادفة للنقلة، هذه نقلة، وكل نقلة حركة، فهذه حركة، كأنه قال: فهذه نقلة، والنقلة عين الحركة، حينئذ نقول: هذا لا يُنتج (أَوْ ناتجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ)، والظاهر هنا أن الخطأ ليس في المعنى (لالْتِبَاسِ الكَاذِبَهْ بِذَاتِ صِدْقٍ) لصدق كل من المقدمتين، بل ليس من جهة المادة أصلاً وإنما هو من جهة أن النتيجة ليست مغايرة للمقدمتين، فجعل المصنف هنا (أَوْ ناتجٍ إِحْدَى المُقَدِّمَاتِ) أنه خطأ في المعنى المادة فيه نظر، لأن الخطأ هنا من ماذا؟ النتيجة ليست مغايرة للمقدمتين، يعني فات شرط من شروط القياس، وهو أن تكون النتيجة مغايرة للمقدمتين (مُسْتَلْزِماً بِالذَّاتِ قَوْلاً آخَرا). إذًا انتفى الشرط فليس هنا لذاته أن هذه صادقة، فهذه حركة هذه ليست كاذبة لم تلتبس الكاذبة بالصادقة، وإنما انعدم المغايرة بين النتيجة والمقدمتين حصل الخطأ، (وَالحُكْمِ لِلْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ) يعني ومن الخطأ في المعنى الحكم للجنس يعني على الجنس يعني عليه، على كل فرد من أفراده (بِحُكْمِ النَّوْعِ)، هذا يُسمى إيهام العكس، لا شك أن ثَمَّ فرقًا بين الجنس وبين النوع، الجنس [مقول على كثير](1) كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة#1.30.
(1) سبق.
51، والنوع كلي مقول على كثيرين متفقين في الحقيقة، فرق بين هذا وذاك، (وَالحُكْمِ لِلْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ) هذا يؤدي إلى الخطأ في المعنى، هذا حيوان، وكل حيوان ناطق، هذا ناطق، نقول: هذا كذب، ليس كل حيوان ناطق، الناطق هذا يُحكم به على النوع وهو الإنسان، وأنت حكمت به على الجنس وهو الحيوان، إذًا لا يمكن أن يكون كل حيوان ناطقًا [ها يا عمر ها ها]، (وَالحُكْمِ لِلْجِنْسِ بِحُكْمِ النَّوْعِ) هذا حيوان، وكل حيوان ناطق، هذا ناطق. نقول: هذا كذب، وليس ثم التباس فيه. (وَجَعْلِ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِيْ) وجعل يعني من الخطأ في المعنى جعل هذا مضاف، (غَيْرِ القَطْعِيْ) مضاف إليه (كَالقَطْعِيِّ) فصل بين المضاف والمضاف إليه، يعني (غَيْرِ القَطْعِيْ) يعني المضاف غير مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله الأول (كَالقَطْعِيِّ) هذا مفعول ثاني، لأن جعل سواء كانت فعل ماضي أو مصدر أو ما .. إلى آخره وما تصرف منها تنصب مفعولين، حينئذ أضيف المصدر هنا إلى مفعوله الأول (كَالقَطْعِيِّ) هذا مفعول الثاني، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول الثاني، (غَيْرِ) مضاف و (القَطْعِيْ) مضاف إليه، (غَيْرِ القَطْعِيْ) المراد به الوهميات، حينئذ إذا جعل (غَيْرِ القَطْعِيْ) (كَالقَطْعِيِّ) نقول: هذا ماذا؟ لا يُنتج، (وَجَعْلِ كَالقَطْعِيِّ غَيْرِ القَطْعِيْ)، (وَالثَّانِ) انتقل إلى الخطأ في الصورة، انتهى من الخطأ في المادة، مثال جعل [القطعي] (1) غير القطعي كالقطعي: هذا ميت، وكل ميت جماد، هذا جماد. نقول: لا، هذا خطأ. (وَالثَّانِ) أي الخطأ في الصورة (كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ) أي أشكال؟ الأربع أشكال فقط، الشكل الأول والثاني والثالث والرابع، إذا خرج عنها حينئذ نقول: هذا خطأ في الصورة، لا بد أن يأتي بالقياس على الأشكال الأربعة السابقة، (وَالثَّانِ) الخطأ في الصورة (كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ) يعني أشكال القياس الأربعة السابقة كأن لم يؤت بالحد الوسط، مثل ماذا؟ [نعم]
وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ
…
وَتَرْكِ شَرْطِ النُّتْجِ مِنْ إِكْمَالِه
(1) سبق.
(وَتَرْكِ) يعني وكترك (شَرْطِ النُّتْجِ) يعني الإنتاج الذي هو (مِنْ إِكْمَالِهِ) يعني من إكمال خطأ الصورة، (إِكْمَالِهِ) الضمير يعود إلى القسم الثاني وهو الخطأ في الصورة، (مِنْ إِكْمَالِهِ) هذا حال من ترك، أو حال من المضاف إليه يعني من (شَرْطِ) يحتمل أنه حال من ترك بمعنى حال كون ذلك الترك من إكمال الثاني، ويحتمل أنه حال من (شَرْطِ) والمعنى حال كون ذلك الشرط من إكمال النتيجة، لا شيء من الإنسان بحجر، وكل حجر جماد، هذا من أي الأشكال؟ أين الحد الوسط؟ لا شيء من الإنسان بحجر، وكل حجر جماد، الحجر هو الحد الوسط، أين وقع فيه المقدمة الصغرى؟ لا شيء من الإنسان بحجر، وقع محمولاً، وكل حجر جماد، وقع موضوع (حَمْلٌ بِصُغْرَى وَضْعُهُ بِكُبْرَى). إذًا من الشكل الأول. طيب إذًا المقدمتان من الشكل الأول لكن فات شرط الإنتاج، متى ينتج؟ (فَشَرْطُهُ الإِيْجَابُ فِي صُغْرَاهُ) الصغرى أن تكون موجبة وهنا الصغرى سالبة، ولذلك قلت: هنا (فَشَرْطُهُ الإِيْجَابُ) إلا إذا كانت سالبة لا ينتج، إذًا هنا لا ينتج لترك الشرط، وإن كانت المقدمتان من الشكل الأول إلا أنه لفوات الشرط وهو كون الصغرى موجبة لما كانت سالبة هنا فلا ينتج.
وَالثَّانِ كَالخُرُوجِ عَنْ أَشْكَالِهِ
…
وَتَرْكِ شَرْطِ النُّتْجِ مِنْ إِكْمَالِه
ثم قال رحمه الله تعالى:
هَذا تَمَامُ الغَرَضِ المَقْصُودِ
…
مِنْ أُمَّهَاتِ المَنْطِقِ المَحْمُودِ
(هَذا) هذا الظاهر أنه عائد لِمَا تضمنه كلامه من قوله: (وَخَطَأُ الْبُرْهَانِ) من القواعد، وقيل المشار إليه المتن كله، (هَذا) كل ما سبق، أو (هَذا) خاتمة، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، (هَذا تَمَامُ) بمعنى متمم (الغَرَضِ) الغرض أي الهدف الذي يرمي فيه (الْمَقْصُودِ) هذا الصورة الكاشفة لأن الغرض لا يكون إلا مقصودًا (مِنْ) تبعيضية (مِنْ أُمَّهَاتِ) جمع أم أو أمهات، أم كل شيء أصله على خلاف في ذلك، (مِنْ أُمَّهَاتِ) من تبعيضية أو بيان، بيانية أو تبعيضية، والأولى فيها أنها تبعيضية لأنه ما ذكر كل شيء إنما ذكر بعضًا، (مِنْ أُمَّهَاتِ المَنْطِقِ الْمَحْمُودِ) يعني كله محمود، وهذا فيه نظر، احترز به عن المنطق غير المحمود، وهو محشو بضلالات الفلاسفة إن أراد به هذا المعنى فلا إشكال، (الْمَحْمُودِ) أي الخالص (مِنْ أُمَّهَاتِ المَنْطِقِ الْمَحْمُودِ) احترز به عن المنطق غير المحمود وهو المحشي بضلالات الفلاسفة (قَدِ انْتَهَى) قد للتحقيق (انْتَهَى بِحَمْدِ) الباء للملابسة، والحمد هو الثناء بالجميل (رَبِّ الفَلَقِ) يعني خالق للفلق وهو الصبح، (مَا رُمْتُهُ) ما أي الذي أو الشيء (رُمْتُهُ) أي أردته أو قصدته (مِنْ فَنِّ عِلْمِ المَنْطِقِ)، والمشهور أنه نظم إيساغوجي نصّ على ذلك صاحب ((كشف الظنون)) (مِنْ فَنِّ عِلْمِ) من فن مضاف للبيان يعني (مِنْ فَنِّ) هو (عِلْمِ) من هنا بيانية أو تبعيضية (فَنِّ عِلْمِ) أي (فَنِّ) هو (عِلْمِ) أو فن هو علم، (عِلْمِ المَنْطِقِ) من إضافة المسمى إلى الاسم، (نَظَمَهُ) أي جمعه على وجه التقفية بوزن قفى (العَبْدُ الذَّلِيْلُ المُفْتَقِر)، (العَبْدُ) أي المتصف بالعبودية التي هي غاية الخضوع والتذلل، (الذَّلِيْلُ) تأكيد لِمَا يُفهم من العبد (المُفْتَقِر) أبلغ من الفقير وهو شديد الاحتياج، ومعنى الفقير المحتاج، مفتقر لماذا؟ (لِرَحْمَةِ المَوْلَى) المولى الرب جل وعلا، له معان ومنها الناصر (العَظِيْمِ) ذاتًا ومعنى (المُقْتَدِرْ) يعني تام القدرة فهو أبلغ من قادر المتصف بالقوة، (الأَخْضَرِيُّ) نسبة للأخضر قيل جبل بالمغرب، (الأَخْضَرِيُّ) النعت لعبد (عَابِدُ الرَّحْمنِ) عبد الرحمن الأصل زادها للوزن (عَابِدُ)، (الْمُرْتَجِيْ) يعني المؤمِل مع الأخذ في أسباب لأن الرجاء بمعنى الأمل (مِنْ رَبِّهِ) خالقه ومربيه (المَنَّانِ) أي كثير الْمَنِّ فَعَّال من الْمَنِّ وهو تعداد النعم، (الْمُرْتَجِيْ)، (مَغْفِرَةً) مغفرة من الغفر وهو السِّتر والتغطية وعدم المؤاخذة، (تُحِيْطُ باِلذُّنُوبِ) يعني تحيط تلك المغفرة بالذنوب، أل هنا للاستغراق، يعني كل الذنوب لأن محلى بأل كناية عن كونها تعم جميعها، بحيث لا يبقى فرد منها، (وَتَكْشِفُ) أي تزيل تلك المغفرة الغطاء (عَنِ القُلُوبِ) يعني الحجاب المحدث بالقلب الحائل بينها وبين ربها الحاصل بسبب اقتران الذنوب عن تلك القلوب، (وَتَكْشِفُ الغِطَا عَنِ القُلُوبِ) أي الحجاب الْمُحْدِق بالقلوب الحائل بينها وبين ربها يعني صاحبها، الحاصل بسبب اقتران الذنوب عن تلك القلوب، (وَتَكْشِفُ) بمعنى تزيل، (وَأَنْ يُثِيْبَنَا) هذا معطوف على قوله:(مَغْفِرَةً)، (وَأَنْ
يُثِيْبَنَا) والثواب في اللغة الجزاء مطلقًا، وزعموا أن الثواب يختص بجزاء الخير بالخير غير صحيح، إنما هو عام، [بل يطلق الجزاء] (1) بل يطلق الثواب على جزاء الشر بالشر في اللغة ومنه قوله تعالى {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين: 36] ثوب الكفار، الثوب بمعنى الجزاء الشر بالشر هنا، {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً} [المائدة: 60] (وَأَنْ يُثِيْبَنَا بِجَنَّةِ العُلَىْ) يعني بدخولها مع السابقين (بِجَنَّةِ العُلَىْ) الدرجات العلى، (العُلَىْ) صفة لموصوف محذوف أي الدرجات (العُلَىْ) جمع عُلْيَا بضم العين مع القصر بمعنى الْعَلياء بفتح العين مع المد، (فَإِنَّهُ) هذا علة لقوله:(الْمُرْتَجِيْ)، (فَإِنَّهُ) أي الرب جل وعلا (أَكْرَمُ مَنْ تَفَضَّلا) والألف هذه للإطلاق. (وَكُنْ أَخِيْ لِلْمُبْتَدِيْ مُسَامِحَا)، (وَكُنْ) المراد هنا الناظر في هذا الكتاب، أيها الناظر (أَخِيْ) يعني في الإسلام فيه استعطاف، (لِلْمُبْتَدِيْ) يعني أخ من صغار العلم (مُسَامِحَا) أي من الزلل الذي قد يظهر في هذا التأليف، (وَكُنْ لإِصْلاحِ الفَسَادِ نَاصِحَا)، (وَكُنْ لإِصْلاحِ) اللام بمعنى في (الفَسَادِ) يعني الكلام الفاسد (نَاصِحَا) أن لا يكون لبادئ الرأي من غير تأمل أي ناصحًا في ذلك، (وَأَصْلِحِ الفَسَادَ بِالتَّأَمُّلِ) الإصلاح المطلوب لا بد وأن يكون مصحوبا (بِالتَّأَمُّلِ) إذًا هنا إِذْنٌ بالإصلاح في صلب المتن مع التأمل الواسع، أما قوله:(وَكُنْ لإِصْلاحِ الفَسَادِ نَاصِحَا) هذا إذًا بالإصلاح على الهامش، يعني ذكر مرتين (وَكُنْ لإِصْلاحِ الفَسَادِ نَاصِحَا) في ذلك وتهمش على المتن، (وَأَصْلِحِ الفَسَادَ) في المتن نفسه (بِالتَّأَمُّلِ) يعني إذا تأملت ووقع أنه خطأ فأصلحه، (وَإِنْ بَدِيْهَةً فَلا تُبَدِّلِ) فإن كان الفساد بديهة أي ظهوره بديهة لبادئ الرأي (فَلا تُبَدِّلِ) ولا تغير.
إِذْ قِيْلَ كَمْ مُزَيِّفٍ [مزيفٍ مزيفٌ] صَحِيْحَا ** لأَجْلِ كَوْنِ فَهْمِهِ قَبِيْحَا
يعني لا تستعجل (إِذْ) هذا علة لما قبله لأنه قيل لمجرد العزم يعني التضعيف، (كَمْ) هذه للتكثير (كَمْ) للتكثير، وإعرابها مبتدأ خبرها محذوف أي موجود على قول (كَمْ مُزَيِّفٍ) بالجر تمييز، وبالرفع خبر (كَمْ)، فإذا قلت كم مزيفٍ صار مزيف تمييزًا وخبر كم محذوفًا، كم مزيفٌ هذا بالرفع على أنه خبر كم، صحيحًا أي كم شخص جاعل الصحيح مزيفًا أي معيبًا رديئًا لماذا؟ (لأَجْلِ كَوْنِ فَهْمِهِ قَبِيْحَا) الخطأ في فهمه القبيح واذكر العيب النقص
وَقُلْ لِمَنْ لَمْ يَنْتَصِفْ لِمَقْصِدِيْ
…
العُذْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ لِلْمُبْتَدِيْ
(وَقُلْ لِمَنْ لَمْ يَنْتَصِفْ لِمَقْصِدِيْ) يعني في مقصدي أي لمن لم يسلك طريق الإنصاف فيما قصدته من المسائل، بل سلك طريق اللوم في (العُذْرُ) هذا مقول (قُلْ) وقل العذر أي الاعتذار بالمعنى المصدري (حَقٌّ وَاجِبٌ) للتأكيد، يعني حق بمعنى واجب (لِلْمُبْتَدِيْ) ولغيره وللمبتدي أشد.
وَلِبَنيْ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ سَنَةْ
…
مَعْذِرَةٌ مَقْبُولَةٌ مُسْتَحْسَنَةْ
(1) سبق.
نظم هذا النظم وعمره واحدًا وعشرون سنة، هذا على جادة السابقين، والله المستعان، واحد وعشرين سنة الآن يلعب كورة في الشارع، (وَلِبَنيْ إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ سَنَةْ مَعْذِرَةٌ) معذرة مصدر ميمي بمعنى الاعتذار (مَقْبُولَةٌ) أي يُطلق قبولها (مُسْتَحْسَنَةْ) أي استحسانها، كأن يكون باعتبار #1.44.00 .. معذرة (لا سِيَّمَا) لاسيما بمعنى خصوصًا (فِيْ عَاشِرِ القُرُونِ)، (لا سِيَّمَا) يعني خصوصًا تقع موقع المفعول المطلق، ويكون بعدها حالاً (فِيْ عَاشِرِ القُرُونِ) جمع قرن اسم لقدر معتدل من الزمن، القرون من الهجرة النبوية (ذِيْ الجَهْلِ وَالفَسَادِ وَالفُتُونِ)، (عَاشِرِ القُرُونِ) يعني القرن العاشر، وصف هذا القرن العاشر يقوله (ذِيْ الجَهْلِ) يعني أهل الجهل بسيطا أو مركبًا، (وَالفَسَادِ) أي الخروج عن الحالات المستقيمة (وَالفُتُونِ) جمع فتنة وهي الشر الذي يفتتن به، يعني على جهة العموم ليس مطردًا، (وَكَانَ فِيْ أَوَائِلِ المُحَرَّمِ)، (وَكَانَ فِيْ) أي في الأزمنة التي هي (أَوَائِلِ المُحَرَّمِ) المحرم لتحريم القتال فيه في الإسلام، (تَأْلِيْفُ) هذا فاعل كان، كان تامة، (تَأْلِيْفُ) التأليف هو ضم الشيء إلى شيء على وجه فيه ألفة، (هَذا الرَّجَزِ المُنَظَّمِ)، (الرَّجَزِ المُنَظَّمِ) نوع من نوع من أنواع الشعر سُمي رَجَزًا لاضطرابه، والعرب تسمي الناقة التي ترتعش فخذاها رجزاء كصحراء، (المُنَظَّمِ) أي المنظوم أو تام النظم
مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنْ
…
مِنْ بَعْدِ تِسْعَةٍ مِنَ المَئِيْنْ
(مِنْ سَنَةِ) هذا حال من أوائل أو من المحرم، سنةٍ بالتنوين لأجل الوزن، والأصل أنه مضاف، و (إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنْ) مضاف إليه، لسنة بالتنوين (إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنْ) هذا بدل أو عطف بيان، أي حال كون أوائل المحرم من سنة، أو حال كون المحرم كذا، (مِنْ بَعْدِ) هذا حال من إحدى وأربعين حال بعد حال، حال من إحدى وأربعين (مِنْ بَعْدِ تِسْعَةٍ مِنَ المَئِيْنْ) يعني في عاشر القرون في المائة العاشرة.
(ثُمَّ الصَّلاةُ) ثم للترتيب الذكري، (ثُمَّ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ) #1.46.10
…
السلام والأمان من النقائص (سَرْمَدَا) أي دائمًا (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ خَيْرِ مَنْ هَدَى)، (هَدَى) يعني هدى الناس إلى الله تعالى، يعني دَلَّ الناس على طريق الحق، وهداية النبي صلى الله عليه وسلم هداية دلالة وإرشاد، (وَآلِهِ) يعني الصلاة والسلام على آله، وكذلك (وَصَحْبِهِ الثِّقَاتِ) جمع ثقة بمعنى الموثوق به الذي لا يُشك في أخباره، والصحابة كلهم عدول، (السَّالِكِيْنَ) جمع سالك أي المتبعين (سُبُلَ النَّجَاةِ) يعني طرق النجاة، أي الأمور الموصلة للنجاة، (سُبُلَ) بمعنى طرق.
مَا قَطَعَتْ شَمْسُ النَّهَارِ أَبْرُجَا
…
وَطَلَعَ البَدْرُ المُنِيْرُ فِيْ الدُّجَى
(مَا قَطَعَتْ) ما هذه مصدرية ظرفية، أي مدة قطع (شَمْسُ النَّهَارِ أَبْرُجَا) جمع بُرج وإن كان جمع قلة إلا أن المراد به الكثرة لأنها اثنا عشر برجًا، أكثر من عشرة، (وَطَلَعَ البَدْرُ) يعني وما طلع أي مدة طلوع
…
(البَدْرُ) القمر ليلة تمامه (المُنِيْرُ) هذه صفة لازمة، (فِيْ الدُّجَى) جمع دُجْية وهي الظلمة، ومراده هنا غرضه من ذلك التعميم في جميع الأوقات.
هذا ما تيسر التعليق به على هذا النظم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.