المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * باب الغسل، وشرح الترجمة. * الموجب الأول للغسل: "خروج - الشرح الميسر لزاد المستقنع - الحازمي - كتاب الطهارة - جـ ١٠

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * باب الغسل، وشرح الترجمة. * الموجب الأول للغسل: "خروج

‌عناصر الدرس

* باب الغسل، وشرح الترجمة.

* الموجب الأول للغسل: "خروج المني دفقًا بلذة"، والصحيح في المسألة.

* الموجب الثاني::وتغييب حشفة أصلية في فرج أصلي".

* الموجب الثالث: "وإسلام كافر".

* الموجب الرابع: "وموت".

* الموجب الخامس، والسادس:"وحيض، ونفاس".

* قوله: "ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة القرآن"، والصحيح في المسألة، وأدلتها.

* من يستحب له الغسل؟

* صفة الغسل الكامل، والمجزئ.

* ما يسن للجنب.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد

قال المصنف رحمه الله تعالى (باب الغسل) أي باب ما يوجب الغسل وما يسن له من صفة الغسل بنوعيه الكامل والمجزئ منه وما يمنع منه الجنب وغير ذلك وهذا ما يتعلق بالقسم الثاني من قسمي الطهارة وقد علمنا أن الطهارة على قسمين طهارة صغرى وطهارة كبرى بعد ما ذكر ما يتعلق بالطهارة الصغرى وهي الوضوء صفة الوضوء كذلك المسح على الخفين ونواقض الوضوء شرع في بيان ما يتعلق بالقسم الثاني وهي الطهارة الكبرى، (باب الغسل) وهو لغة: تعميم البدن بالغسل؛ وبضم الغين وسكون الثاني وهو الاغتسال وهو معناه المصدر، وحده الشارح بقوله [استعمال الماء في جميع بدنه على وجه مخصوص] [استعمال] المراد به الإفاضة والإسالة [الماء] [استعمال الماء] خرج به التيمم؛ التيمم استعمال التراب وقوله [الماء] المراد به الماء الطهور لأن الماء على ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس، والطاهر لا يطهر كذلك النجس من باب أولى فاختص الحكم هنا بالماء، [استعمال الماء] أي استعمال ماء طهور [في جميع بدنه] خرج به الوضوء لأن الوضوء استعمال الماء في بعض بدنه وهي الأعضاء الأربعة، وقوله البدن؛ اسم يقع على الظاهر والباطن، حينئذٍ دخل فيه الفم والأنف لأنه من الظاهر ولذلك دخل في وجوب غسل الوجه في الوضوء قال تعالى (فاغسلوا وجوهكم) والوجه منه الأنف والفم كما سبق في باب فروض الوضوء وإذا كان كذلك حينئذٍ صار الفم والأنف جزأين من مفهوم البدن ووجب غسلهما في الغسل كما هو الشأن في الوضوء حينئذٍ المضمضة والاستنشاق جزء من مفهومه، قوله [على وجه مخصوص] هذه ليست بواجبة في الجملة وإنما الواجب منه النية وما عدا النية فليس بواجب بل هو مستحب كما سيأتي، إذاً [استعمال الماء] المراد بالماء هنا الطهور [في جميع بدنه] إذاً لا في بعض بدنه والبدن كما ذكرنا يصدق على الظاهر والباطن حينئذٍ كل ما يكون بدناً دخل في الحد معنا فوجب غسله [على وجه مخصوص] يعني على صفة مخصوصة منها ما هو واجب وهي النية وهي شرط لطهارة الأحداث كله كما سبق فيما سبق وأما ما عدا ذلك فهو مستحب ولم يذكر المصنف هنا الشارح في الحد الدلك يعني الفرك يسمى التدليك؛ هل هو داخل في مفهوم الغسل أم لا؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم، فالدلك ليس بواجب عند جمهور العلماء وإنما الواجب هو إسالة الماء إفاضة الماء على البدن متى ما عمم البدن بالماء حينئذٍ نقول حصل المقصود وهو الامتثال لقوله (وإن كنتم جنباً فاطهروا) ومتى لم يحصل إلا بإيصال الماء إلى المواضع بيده حينئذٍ تعين هذا لا أشكال فيه حينئذٍ نقول الدلك على مرتبتين: لا يصل الماء إلى البدن إلا بإيصاله باليد هذا لا خلاف فيه أنه واجب كما الشأن في الوضوء، النوع الثاني: تأكيد على وصول الماء إلى البدن وهذا محل خلاف والجمهور على أنه ليس بواجب وهو فرض عند المالكية والأصح مذهب الجمهور لحديث أم سلمة (إنما كان يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاثة حيثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين) ولم يذكر الدلك وإنما ذكر الإفاضة فحسب متى ما أسال الماء على جميع

ص: 1

البدن حصل الغسل فلم يذكر سوى إفاضة الماء على البدن و (إنما) للحصر (إنما يكفيك) كذا حينئذٍ لو كان الدلك واجباً لنص عليه النبي صلى الله عليه وسلم كذلك في حديث (إذا وجد الماء فليمسه بشرته) المراد مساس الماء للبشرة ولم يذكر الدلك فدل على أنه ليس بواجب، إذاً الصحيح أن الدلك أو التدليك أو الفرك أو الدعك هذا ليس بواجب في مسمى الغسل وليس بداخل في مفهوم الغسل حتى في لسان العرب لأن المراد بالغسل هو سيلان الماء على جميع البدن سيلان الماء متى ما أفاض الماء على بدنه حصل الغسل حينئذٍ نقول قد وقع ما طلب الشارع من المكلف، وزيادة الدلك والتدليك والفرك والدعك هذا زيادة تحتاج إلى نص ولا نص، إذاً [استعمال الماء في جميع بدنه على وجه مخصوص]، قال (وموجبه) يعني الحدث الأكبر الذي يوجبه يعني سبب وجوب الغسل ما هو؟ كما علمنا فيما سبق نواقض الطهارة أو موجبات الطهارة الصغرى الخارج من السبيلين الخارج من بقية البدن إذا كان بولاً إلى آخره هذه موجبات للطهارة الصغرى، ما هي موجبات الطهارة الكبرى؟ قال [ستة أشياء] هذه دليلها الاستقراء والتتبع ومنها ما هو مجمع عليه ومنها ما هو مختلف فيه كما الشأن فيما سبق، قال (وموجبه) يعني وموجب الحدث الذي هو سبب وجوب الغسل، ستة أشياء: أولها: (خروج المني دفقاً بلذة لا بدونهما من غير نائم)(خروج المني) المنيِّ بتشديد الياء وبها جاء القرآن (من مني يمنى) ويجوز فيه التخفيف كعميَ منيَ كعمي وهو حده عند أهل العلم: من الرجل في حال صحته ماء غليظ أبيض يخرج عند أشداد الشهوة يتلذذ بخروجه ويعقب البدن بعد خروجه فتور ورائحته كرائحة طلع النخل تقرب من رائحة العجين، وقال النووي رحمه الله تعالى [خواصه المعتمدة الخروج بشهوة مع الفتور عقبه والرائحة التي تشبه الطلع والعجين ونحو ذلك] ومن المرأة: ماء رقيق أصفر ولا خاصية له إلا التلذذ وفتور شهوتها عَقِيب خروجه، وجاء في صحيح مسلم وغيره (ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر) قيل فرق بين ماء المرأة وماء الرجل، ومعرفة الصفات لابد منها من أجل أنه إذا وقع اشتباه هل هو مني أو مذي أو ودي ونحو ذلك؟ حينئذٍ يرجع إلى الصفات، عرفنا المني قال (خروج المني) من مخرجه المعتاد فإن خرج من غير مخرجه المعتاد فلا أثر له، فلو فتحت له فتحة كما سبق في بيان ما يتعلق بالبول والغائط لو فتحت له فتحة وخرج منها البول والغائط أخذنا فيما سبق أنه ينقض مطلقاً قل أم كثر وهذا محل وفاق وأما إن خرج من هذه الفتحة إذا انسد المخرج الطبيعي حينئذٍ لو خرج منه مني لا حكم له بمعنى أنه لا يوجب الغسل؛ لماذا؟ لأن النص إنما دل على خروج المني من موضع معين في مكانه المعتاد فإن خرج لا من مكانه المعتاد حينئذٍ لا يلتفت إليه، وكذلك خروج المني على وجه الصحة فإن كان مريضاً به سلسل مني كما يكون سلسل البول كذلك لا يوجب إلا الوضوء خروج المني من مخرجه المعتاد والمراد به خروج على وجه الصحة إذا لم يصر سلسلاً حينئذٍ يوجب الوضوء، وصف المني الذي هو موجب للغسل بقوله (دفقاً بلذة) يعني لابد من وصفين أولاً: أن يكون دفقاً؛ ودفق الماء صبه فهو ماء دافق أي مدفوق والاندفاق هو الانصباب، حينئذٍ يشترط في

ص: 2

هذا المني الموجب للغسل أن يكون (دفقاً) يعني في دفعات متقاطعة لا يصب صباً كما هو الشأن في البول ونحوه فإن كان كذلك فلا يوجب الغسل، لو صب صباً وسال سيلاناً قالوا هذا لا يوجب الغسل وإنما الذي ويوجب الغسل هو ما كان على دفعات دفقات (بلذة) الباء هذه سببيه يعني بسبب لذة وقوله (دفقاً) هذا زائد؛ لماذا؟ لأنه لا يكون دفقاً إلا إذا كان بلذة، إذاً خروج المني (دفقاً بلذة لا بدونهما) يعني لا إن خرج بدون الدفق واللذة فإن خرج بدونهما حينئذٍ لم يوجب الغسل بل يوجب الوضوء كالبول، (بدونهما) يعني بدون اللذة والدفق (من غير نائم) يعني هذا الحكم السابق متعلق باليقظان المستيقظ يعني يشترط في خروج المني بإيجاب الغسل أن يكون دفقاً بلذة من يقظان مستيقظ وأما النائم فلا يشترط فيه الدفق ولا اللذة وإنما هو عام لورود النص، إذاً قال ابن هبيرة [وأجمعوا على أنه إذا نزل المني بشهوة وجب الغسل وأما إذا خرج لغير شهوة فقد اختلفوا فيه] وجمهور أهل العلم على أنه لا يوجب الغسل ومذهب الشافعي أنه موجب للغسل وهذا محترز بقوله (لا بدونهما) يعني لا بدون دفقاً ولذة فإن خرج بدون دفق ولذة حينئذٍ لا يوجب الغسل إذا كان من يقظان وأما النائم فهو واجب مطلقاً، إذاً إن خرج بغير ففيه قولان جمهور أهل العلم على أنه لا يوجب الغسل وقال الشافعي يجب الغسل واستدل المصنف هنا رحمه الله تعالى للمذهب بقوله لحديث علي يرفعه (إذا فضخت الماء فاغتسل وإن لم تكن فاضخ فلا تغتسل)(إذا فضخت) المراد بالفضخ هو الدفق إذا دفقت الماء يعني المني (فاغتسل) مفهومه صرح به في الجملة الثانية (وإن لم تكن فاضخ فلا تغتسل) وهذا الحديث في الصحيحين دون هذه الزيادة رواه أحمد، والفضخ خروجه بالغلبة قاله إبراهيم الحربي، إذاً هذا هو المذهب إذا لم يكن فاضخ له بأن يخرج منه لشهوة أو دفقاً هذا لا يوجب الغسل ومذهب الشافعي بأنه يوجب الغسل لحديث (نعم إذا رأت الماء) هذا يدل على ماذا؟ يدل على أن الحكم معلق بخروج الماء فمتى ما رأى الماء وجب الغسل ففيه تعميم (نعم إذا رأت الماء) فقوله صلى الله عليه وسلم (الماء من الماء) الماء الذي هو غسل البدن من الماء من هنا سببية يعني بسبب الماء الذي هو خروج من مخرجه ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بكونه خارجاً بلذة أو لا؛ فعمم ولأنه مني خارج فأوجب الغسل كما لو خرج حال الإغماء حينئذٍ هذه الأدلة ذكر الشافعي وغيره وهو المعتمد عندهم أن خروج المني مطلقاً موجباً للغسل سواء كان بشهوة سواء كان دفقاً أو لا؛ وهذا أظهر والله أعلم، (من غير نائم) وعلم منه أنه إن خرج من النائم وجب الغسل مطلقاً إذا كان من النائم لحديث أم سليم (قالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت - السؤال عن الحلم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا رأت الماء) والأصل حكم المحتلم وغيره اليقظان والنائم واحد هذا الأصل هنا النبي صلى الله عليه وسلم أحال إلى رؤية الماء فمتى ما رأى الماء حينئذٍ وجب الغسل والنص جاء هنا في المحتلم وغيره اليقظان مثله سواء ولذلك قال (من غير نائم) فإن كان من نائم حينئذٍ وجب الغسل مطلقاً إذاً هذا هو الموجب

ص: 3

الأول وهو (خروج المني دفقاً بلذة لا بدونهما من غير نائم) وقوله (دفقاً بلذة) يلزم من وجود اللذة أن يكون دفقاً ولهذا لم يعبر في المنتهى وغيره إلا باللذة وإنما قد يقال بأنه وافق قوله تعالى (فلينظر الإنسان مما خلق * خلق من ماء دافق)، (من غير نائم) فإن كان من نائم فحينئذٍ يحكم له بكونه مني قال في الشرح هنا [وإن أفاق نائم أو نحوه يمكن بلوغه فوجد بللاً] يعني باطن ثوبه أو بدنه حينئذٍ [إن تحقق أنه مني اغتسل فقط] يعني ولم يغسل ما أصابه لأن المني عند الجمهور أنه طاهر حينئذٍ لا يجب عليه غسل الموضع ولا غسل الثوب لأنه أصابه شيء طاهر وإنما وجب عليه الغسل وهذا متى؟ إذا استيقظ ووجد بللاً وتحقق أنه مني يعني ينظر في الصفات السابقة فوجدها كما هي في هذا الماء ولو لم يذكر احتلاماً وجب الغسل إذا تحقق أن هذا لماء مني ولو لم يذكر احتلاماً لأن الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه لأنه قد ينسى فإذا نسي لا يلزم أن لا يكون هذا الماء مني بل هو مني بشرط أن يتحقق أنه مني بالصفات السابقة وإن لم يتحقق يعني وجد بللاً وشك هل مني أو مذي تردد فيه هل هو مني أو مذي؟ فحينئذٍ ينظر ما سبق النوم قبل نومه فإن سبق النوم ملاعبة أو نظر أو فكر ونحوه لم يجب الغسل؛ لماذا؟ لعدم يقين الحدث وإنما الظاهر يكون محمولاً على أنه مذي حينئذٍ لم يوجب الغسل ويجب عليه غسل الموضع لأن المذي نجس وإن لا يعني وإن لم يسبق نومه ملاعبة أو نحو ذلك ففيه روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يعني وجد بللاً ولم يتحقق أنه مني أو مذي تردد أو شك ولم يسبق هذا النوم ملاعبة أو نظر أو فكر ما حكمه المذهب أنه يجب الغسل احتياطاً وراية عن الإمام أحمد أنه لا يجب لعدم تحقق الموجب لأنه مشكوك فيه والأصل الطاهرة الأصل أنه طاهر حينئذٍ شك في وجود سبب الحدث وهو خروج المني حينئذٍ نقول اليقين لا يزول بالشك والأصح أنه لا يجب عليه الغسل وإن كان المذهب أنه قال وإلا اغتسل وطهر ما أصابه احتياطاً؛ يعني احتاطوا له فأوجبوا عليه الغسل والأصل أنه لا يوجب غسل ذكره وما أصاب ثوبه قالوا لكن يجب عليه الغسل؛ لماذا؟ احتطنا له في الغسل لاحتمال أن يكون مني واحتطنا له في غسل ما أصابه لاحتمال أن يكون مذي فراعوا الاحتمالين والصحيح أنه لا يجب الغسل لعدم موجبه لأن اليقين أنه طاهر ولا اليقين لا يزول بالشك والسبب الموجب للغسل مشكوك فيه وإذا كان كذلك فحينئذٍ بقينا على الأصل والاحتياط هو مراعاة الأصول الاحتياط مراعاة الأصول ولم يرد نص، إذاً (خروج المني دفقاً بلذة لا بدونهما من غير نائم) فإن كان من نائم وتحقق أنه مني وجب الغسل فإن تردد وشك نظرنا في ما سبق نومه فإن سبقه ملاعبة أو نظر أو فكر حملناه على أنه مذي فإن لم يسبقه شيء فروايتان عن الإمام أحمد والمرجح في المذهب وجوب الغسل وغسل ما أصابه والصحيح أنه لا يوجب الغسل ويطهر ما أصابه؛ لماذا؟ لأن هذا ماء لابد أنه إما مني أو مذي حينئذٍ نحمله على المذي فيوجب تطهير البدن ذكر مثلاً والثوب ولكن لا يوجب الغسل لأنه طهارة كبرى تحتاج إلى موجب، (وإن انتقل ولم يخرج اغتسل له) هذا متعلق بالأول (إن انتقل) المني يعني، يعني أحس رجل أو امرأة بانتقال

ص: 4

المني فأمسك ذكره فلم يخرج انتقل يعني حس بخروج وتحويله من موضعه حينئذٍ قالوا (اغتسل له) يعني لذلك المني؛ لماذا؟ لتحقق وصف الجنابة قالوا لأن الجنابة هي الموجبة للغسل ومتى يقال بأنه جنب؟ قالوا إذا أبتعد المني عن محله سواء خرج أو لا، المني له محل مكان معروف فإذا انتقل منه وتحول سواء خرج أو لا، قالوا هذا موجب للغسل ولذلك قال [لأن الماء قد باعد محله فصدق عليه اسم الجنب] حينئذٍ شمله قوله تعالى (وإن كنتم جنباً فاطهروا)(وإن كنتم جنباً) الجنب لا يلزم منه خروج المني ولذلك سيأتي أن تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي قبلاً كان أو دبراً موجباً للغسل وهنا لا يشترط فيه الإنزال مع كونه جنباً حينئذٍ اسم الجنابة لا يلزم منه خروج المني فلذلك إذا انتقل عن محله أحس بانتقاله ولم يخرج وجب الغسل (وإن انتقل) أي أحس رجل أو امرأة بانتقال المني فأمسك ذكره مثلاً ولم يخرج (اغتسل له) أي لذلك المني وجوباً وهو المذهب وهو من المفردات يعني التي انفرد بها مذهب الحنابلة عن الجمهور وأنكر الإمام أحمد أن الماء يرجع قال لا؛ لابد أنه يخرج لا يوجد ماء انتقل عن محله ولم يخرج، والرواية الثانية عن الإمام أحمد قال لا غسل عليه، لو انتقل ولم يخرج لا يوجب الغسل وهو قول الخرقي وقول أكثر الفقهاء وهو الصحيح؛ لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على رؤية الماء بقوله (إذا رأت الماء)(نعم إذا رأت الماء) فلا يثبت فلا يثبت الحكم بدونه حينئذٍ هذا ليس بتغييب حشفة لأن تغييب الحشفة لا يشترط فيه الإنزال حينئذٍ إذا لم يكن كذلك حينئذٍ تعين أن الحكم معلق بخروج المني لابد أن يراه يخرج يدرك بالحس فإذا لم يكن ولو شعر به في باطنه لا يوجب الغسل ولو حصل الانتقال كذلك لا يوجب الغسل لأن الحكم معلق بخروج المني ولذلك إذا أحس بالريح وقرقرة ونحو ذلك أو حصره البول أو الغائط؛ هل يوجب الوضوء إن كان متوضأ؟ لا يوجب الوضوء، شعوره به في باطنه لا يستلزم الحكم الذي يترتب عليه فيما لو ظهر فالحكم بينهما متباين يعني لا يلزم من وجود المني وشعور بانتقاله في الداخل أنه موجب للغسل بل الحكم معلق بظهوره وخروجه (إذا رأت الماء) حينئذٍ لا يثبت الحكم بدونه وأما التعليل الذي ذكره بأنه باعد المحل حينئذٍ صدق عليه أنه جنب نقول هذا تعيين بلا معين؛ لماذا؟ لأن الجنب يحتمل أنه من المجانبة المباعدة يعني سمي جنباً لكونه باعد الصلاة ابتعد عن الصلاة وابتعد عن دخول المسجد حينئذٍ هذا محتمل فتعينه بكون المني قد باعد محله هذا تعين بلا موجب بلا دليل، وما ذكروه من الاشتقاق ممنوع لأنه يجوز أن يسمى جنباً لمجانبته الماء ولا يحصل إلا بخروجه أو لمجانبته الصلاة أو للمسجد وهذا محتمل، إذاً قوله (وإن انتقل ولم يخرج اغتسل له) أي لذلك المني بسببه نقول هذا قول ضعيف والصحيح أنه لا يوجب الغسل، (فإن خرج بعده) على المذهب (لم يعده) لو انتقل شعر بانتقاله ثم اغتسل للموجب هذا ثم خرج بعد الغسل خرج الماء الذي انتقل سابقاً؛ هل يعيد الغسل أم يكتفي بالغسل الأول؟ قال (إن خرج بعده) يعني خرج المني بعد غسله بسبب الانتقال على القول بوجوب الغسل بالانتقال من غير خروج (لم يعده) يعني لم يعد

ص: 5

الغسل؛ لماذا؟ لأنه مني واحد فلا يوجب غسلين، مادام أنه المني السابق هو الذي أوجب الغسل فإذا خرج حينئذٍ لا يوجب الغسل مرة أخرى وإنما هو موجب لغسل واحد ولذلك قال [فإن خرج المني بعده أي بعد غسل لانتقاله لم يعده لأنه مني واحد فلا يوجب غسلين] ويمكن أن يعلل تعليل آخر للمذهب أنه خرج بدون لذة وإذا خرج بدون لذة حينئذٍ لا يوجب الغسل فيعلل بعلتين، وعلى الصحيح أنه موجب للغسل لأنه مني خرج وسبق (نعم إذا رأت الماء) وهنا رأى الماء حينئذٍ فرق بين أن ينتقل ولا يخرج فلا يوجب الغسل، أن ينتقل ثم بعد وقت خرج حينئذٍ أوجب الغسل لا بالانتقال وإنما بالخروج إذاً نفينا الحكم وهو ترتب الغسل على مجرد الانتقال دون خروج لعدم وجود النص وأثبتنا وجوب الغسل بعد الانتقال والخروج معاً لدخوله في عموم النصوص (نعم إذا رأت الماء)(الماء من الماء) وهذا ماء قد خرج وهو مدرك بالحس فوجب منه الغسل، إذاً (فإن خرج بعده لم يعده) لأنه مني واحد فلا يوجب غسلين، الثاني من موجبات الغسل قال (تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي قبلاً كان أو دبراً)(تغييب) تفعيل من غيب الشيء إذا أدخله تغييب المراد به هنا الإدخال الإخفاء (تغييب) ماذا؟ (حشفة) لا يقصد به تغييب الذكر كله؛ لا إنما المراد به تغييب حشفة والمراد بالحشفة الكمرة ما فوق الختان من رأس الذكر الكمرة ليست رأس الذكر وإنما الكمرة ما فوق الختان من رأس الذكر وموضع القطع غير داخل في حكم الحشفة لأن موضع القطع يسمى حشفة لكن ليس داخل في حكم الحشفة التي يترتب عليها الحكم، (تغييب حشفة) قال (أصلية) دائم إذا قالوا في هذا الموضع إذا قالوا أصلي قبل أصلي وفرج أصلي احترازاً من الخنثى المشكل والخنثى المشكل كاسم مشكل لا يردى هل ذكر أم أنثى؟ له آلة ذكر وله آلة أنثى لكن لا ندري هو في منزلة بين المنزلتين فلا نعطيه حكم الذكر ولا نعطيه حكم الأنثى هذا إذا لم يتبين حاله وأما إذا تبين حاله فلا، يعني لو بال من ذكره صار ذكراً لو حاض صار أنثى لو أنزل من فرجه القبل صار أنثى، إذاً ما لم توجد علامة تدل على أنه ذكر أو أنثى حينئذٍ قبل وجود هذه العلامات كأن يكون بال من الموضعين قالوا هذا مشكل أمنى من الموضعين هذا مشكل أما إذا حاض فلا ليس بمشكل لأن الرجل هنا لا يحيض على كل الخثنى المشكل هو الذي يعنونه في هذا الموضع (تغييب حشفة أصلية) احترازاً من الخنثى المشكل فحشفته ليست أصلية لأنه يحتمل فلو أولج خنثى في فرج امرأة ذكره حشفته نقول لا يوجب الغسل لماذا؟ لأنها ليست أصلية ولماذا نفي الحكم؟ لأن الحكم السبب الموجب للغسل لابد أن يكون يقيناً وهذا مشكوك فيه فلو أولج ذكره حينئذٍ قد يكون أنثى ولا يكون ذكراً حينئذٍ كيف نوجب عليه الغسل بهذا الموجب فلابد من التحقق من السبب الموجب للغسل وهو مشكوك فيه (تغييب حشفة أصلية) والحكم هنا معلق على التغييب لا على الإنزال وإن لم ينزل فلو أنزل لاجتمع في موجبان الموجب السابق خروج المني دفقاً بلذة والموجب الآخر وهو التقاء الختانين (تغييب حشفة)، (في فرج أصلي)(في فرج) قبلاً كان أو دبراً (فرج) أراد به العموم ولذلك فسره بقوله [قبلاً كان الفرج أو دبراً] فجيب على الواطئ والموطوء والدبر

ص: 6

يمثلون به ولا يعنون به أنه مباح؛ لا، إنما هو محرم، لو وطئ زوجته في دبرها فهو ملعون كذلك لو وطئ كان لوطياً كذلك موجب للغسل ولا يعنون به أنه مباح لا، المراد أنه لو فعل محرماً هل هو موجب للغسل أم لا؟ نعم موجب للغسل، وقوله (في فرج أصلي)(أصلي) كذلك احترازاً عن الخنثى المشكل فلو أولج صاحب ذكر صحيح في فرج خنثى هل يوجب الغسل؟ لا يوجب الغسل؛ لماذا؟ لأنه لابد أن يكون الذكر صاحب الحشفة أصلي ولابد أن يكون الفرج القبل الذي أولج فيه أصلياً فلو كان كل منهما ليس أصلياً لم يوجب الغسل لعدم التحقق من الموجب لو كان أحدهما ليس أصلياً والآخر أصلياً سواء كان ذكراً أو قبلاً كذلك انتفى الحكم لابد أن يكون إذا كان (تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي) إذاً لابد من هذه الصورة، أصلي في أصلي وأما إذا لم يكونا أصليين أو كان أحدهما ليس بأصلي انتفى الحكم الشرعي؛ ما الدليل على هذا؟ إذاً تغييب الحشفة الأصلية أو قدر الحشفة الأصلية إن كانت مفقودة موجب للغسل وإن لم ينزل إذ الموجب للغسل التغييب لا الإنزال إجماعاً حكاه الوزير وغيره، لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (إذا جلس بين شعبها الأربع - بين رجليها ويديها - ثم جهدها - يعني جامع - فقد وجب الغسل) زاد أحمد ومسلم (وإن لم ينزل) فتى ما أولج حشفته ولو بدون لذة ولو لم ينزل وجب الغسل مطلقاً فإيلاج الحشفة أو مقدارها إن قطعت هذا موجب للغسل مطلقاً سواء كان بلذة سواء كان مشدوداً سواء كان نائماً سواء كان منزلاً أو لا؛ فهو موجب للغسل مطلقاً لقوله (فقد وجب الغسل) ولم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم زاد مسلم (وإن لم ينزل)، ولأحمد ومسلم عن عائشة مرفوعاً (إذا قعد بين شعبها الأربع ثم مس الختان الختان فقد وجب الغسل) وصححه الترمذي رحمه الله تعالى ولفظه (إذا جاوز الختان الختان) هذا المراد، ليس المراد بأن يضع الختان على الختان يعني موضع القطع على موضع القطع عند المرأة هذا غير موجب للغسل بالإجماع لأنه ليس فيه إيلاج وإنما المراد هنا الإيلاج ولذلك جاءت مفسرة بالرواية الآخر (إذا جاوز الختان الختان) ولا يتحقق المجاوزة إلا بالإيلاج (فقد وجب الغسل)، قال القاضي [إذا غابت الحشفة في الفرج فقد وقعت الملاقاة] يعني ملاقاة الختان، وقال ابن سيد الناس [وهكذا معنى مس الختان الختان أي قاربه وداناه] وليس المراد وضع موضع الختان من الرجل على موضع الختان من المرأة فإنه غير موجب للغسل بالإجماع لأنه ليس فيه تغييب للحشفة وإنما الحكم معلق هنا بدخول الحشفة، إذاً الثاني (تغييب حشفة أصلية في فرج أصلي قبلاً كان أو دبراً) بدون تفصيل، (ولو من بهيمة أو ميت) يعني ولو كان (ولو) هذه أشارة خلاف لكنه خلاف خارج المذهب في المشهور (ولو) كان الفرج (من بهيمة) قال في الإنصاف [هذا المذهب حتى لو كان سمكة وهو قول الجمهور] لو تصور مثلاً أن يولج ذكره في بهيمة ولو في سمكة حينئذٍ نقول هذا موجب للغسل، (أو ميت) يعني سواء كان الفرج الذي أولجه من ذكر في فرج امرأة أو دبر مثلاً كان ميت حينئذٍ موجب للغسل لعموم الأدلة (ولو من بهيمة) لأنه إيلاج في فرج أصلي أشبه الآدمي يعني من باب القياس وهو قول الجمهور وأبو

ص: 7

حنيفة رحمه الله تعالى لا يوجب الغسل لأنه بهيمة وليست في حكم المنصوص ولا في معنى المنصوص وإنما الجماع ولإنزال والشهوة إنما تكون في الأصلي لبني آدم وأما كونه يشتهي بهيمة هذا منكوس الفطرة حينئذٍ لا يتعلق به حكم لكن الجمهور على أن هنا معلق بالشهوة والإنزال والإيلاج فمتى ما أولج في فرج بقطع النظر عن كونه مشتهى أو لا فقد وجب الغسل فالبهيمة في معنى الآدمي هنا أو ميت هذا واضح بين أنه داخل في النصوص لعمومها (ولو من بهيمة أو ميت) قال الشارح [أو نائم أو مجنون أو صغير يجامع مثله وكذا لو استدخلت ذكر نائم أو صغير ونحوه] مجرد الإيلاج موجب للغسل سواء كان الذكر مستيقظ نائم مستيقظ يعني من رجل مستيقظ أو من رجل نائم متى ما حصل الإيلاج حينئذٍ وقع أو استوجب الحكم الشرعي وهو وجوب الغسل، قال أبو حنيفة [لا يجب الغسل بوطء الميتة ولا البهيمة] وهذا الذي رعاه المصنف بقوله (ولو) لأنه [ليس بمنصوص ولا في معنى المنصوص ولنا أنه إيلاج في فرج فوجب به الغسل كوطء الآدمية في حياته وهو داخل في عموم النصوص وما ذكروه يبطل بالعجوز والشوهاء] لأنهم قالوا بأن البهيمة لا تشتهى وكذلك لو قيل بأن الحكم معلق بالشهوة تشتهى أو لا؛ العجوز كذلك لا تشتهى مع كونه لو أولج لوجب الغسل كذلك الشوهاء لا تشتهى لكن لو أولج لوجب الغسل، (إسلام كافر) أي الثالث من موجبات الغسل إسلام كافر سواء كان الكافر أصلياً أو مرتداً هذا المذهب عند الحنابلة وسواء وجد منه ما يوجب الغسل أو لا؛ يعني قد ينزل قبل الإسلام ولا يغتسل ثم يسلم إذاً وجد منه سبب الغسل وسواء اغتسل له قبل إسلامه أو لا؛ يعني مطلقاً (إسلام كافر) سواء وجد منه سبب للغسل قبل إسلامه أو لا؛ سواء اغتسل لذلك الموجب أو لا؛ لأن قيس ابن عاصم أسلم (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر) رواه أحمد والترمذي وحسنه هذا دليلهم (فأمره) والأمر هنا للوجوب والخبر إذا صح كان حجة من غير اعتبار شرط آخر وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لواحد من الصحابة أمر لجميع الصحابة فلما أسلم قيس بن عاصم أمره أن يغتسل حينئذٍ دل على أن الكافر إذا أسلم وجب عليه الغسل وهذا الحديث صححه الترمذي وابن سكن ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان وغيره، وروى أحمد أن ثمامة أسلم فقال صلى الله عليه وسلم (مروه أن يغتسل) هذا أمر والأمر لا يقتضي الوجوب ولأن لا يسلم غالباً من جنابة وأقيمت المظنة مقام الحقيقة كالنوم، وثَمَّ رواية آخر عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى [أنه لا يجب الغسل لإسلام كافر] وهذه الرواية هي المرجحة وهي الصحيح ولذلك نسقط هذا الموجب ونقول إسلام كافر هذا يترتب عليه استحباب الحكم لا الوجوب بمعنى أنه يستحب له أن يغتسل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهنا (أمره) وقال (مروه أن يغتسل) حمله على الوجوب فيه نظر لأن صيغة أمر اللفظ هذا لا يدل على الوجوب ليس من صيغ الوجوب بل هو في الطلب مطلقاً سواء كان جازماً أو لا، ولذلك نقول المندوب مأمور به على الصحيح مأمور به حقيقة أو مجازاً؟ حقيقة على الصحيح حينئذٍ إذا كان المندوب مأموراً به صح أن يقال بأن افعل هذا أمر وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يتعين حمل هذه الصيغة على الإيجاب

ص: 8

إذاً قولهم (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم لا يلزم بأن يكون واجباً وإنما طلب منهم حينئذٍ يكون مشروعاً وإذا كان مشروعاً يحمل على أدنى أحوال التشريع وهو الاستحباب يؤكد هذا لو قيل بأن أمر متعينة في الوجوب نقول وجد الصارف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله فإن هم أطاعوك لذلك فأمره - بالاغتسال قال - بالصلاة) لو كان اغتسل الكافر بعد إسلامه واجباً لكان هو أول الواجبات وهنا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قدم؟ قدم الصلاة فلما لم يأمر معاذاً أن يأمر أهل الكتاب بعد إسلامه بالاغتسال والمقام هنا مقام بيان حينئذٍ دل على أنه ليس بواجب ثم عشرات بل مئات الصحابة أسلموا ولم ينقل حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر وما ذكر هذا يحمل على الاستحباب وهذا قول أكثر أهل العلم لأن العدد الكثير والجم الغفير أسلموا فلو أمر كل من أسلم به لنقل نقلاً من تواتراً ظاهراً وثمامة اغتسل ثم تشهد يعني اغتسل أولاً ثم تشهد رواه البخاري ولم يذكر أنه أمره، وقيس أمره أن يغتسل بماء وسدر والسدر غير واجب فيحمل الحديثان على الاستحباب جمعاً بين الأدلة ولو قيل بأنه لا يدل على الوجوب لكان هذا موافق للقواعد الأصولية فأمره ومروه لا يدل على الوجوب وإنما يدل على أنه مشروع مطلوب الإيجاب فيحمل على الاستحباب حتى يرد دليل على أنه واجب، إذاً هذا أسلام كافر الأصل فيه أنه مستحب لا واجب، (وموت) يعني الرابع من موجبات الغسل الموت تعبداً لا عن حدث بمعنى أن الموت ليس بحدث ولذلك لو كان حدث لو غسلوه قال فمر الماء ما ارتفع؛ لأن الموت باقي حينئذٍ دل ذلك على أنه من باب التعبد لا من باب أنه رفع للحدث ودليله قوله صلى الله عليه وسلم (اغسلنها) وغيره من الأحاديث الآتية في صلاة الجنازة وهو تعبد لا عن حدث وهو محل إجماع أنه من فروض الكفاية، (وحيض ونفاس) يعني الخامس والسادس من موجبات الغسل (حيض ونفاس) والنفاس هو الدم الخارج بسبب الولادة سيأتي معنا الحيض وما يتعلق بالنفاس في باب خاص أو خاتمة أبواب كتاب الطهارة ولا خلاف في وجوب الغسل بهما لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (وإذا ذهبت حيضتك فاغتسل) هذا أمر نعم هذا أمر واضح (اغتسل وصلي) وقوله تعالى (فإذا تطهرن) أي اغتسلن فمنع الزوجة من وطئها قبل غسلها فدل على وجوبه عليها إذاً الحيض والنفاس موجبان للغسل بالإجماع والنفاس دم حيض مجتمع الدليل القائم على إيجاب الغسل من الحيض هو الدليل القائم على إيجاب الغسل من النفاس، (لا ولادة عارية عن دم) مادام أن السبب والمقتضي للنفاس هو خروج الدم فإذا لم يوجد الدم حينئذٍ انتفى السبب فإذا انتفى السبب انتفى الحكم فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً أوجبنا الغسل على المرأة النفاس لخروج الدم لأنه دم حيض حينئذٍ إذا ولدت ولد عاري عن دم وليس فيه قطرة دم إذاً امتنع الغسل ولذلك قال (لا ولادة عارية عن دم) لأنه لا نص فيه ولا هو في معنا المنصوص لأن الدم هو الموجب للغسل فإذا انتفى حينئذٍ انتفى الحكم ولذلك إذا كانت امرأة حاملاً وكانت صائمة فولدت ولد

ص: 9

بلا دم مطلقاً ما حكم صومها؟ صحيح لا يبطل الصوم ولا يوجب الغسل لأن الذي يبطل الصوم هو خروج الدم فلم يخرج أما الولادة كونها تخرج ولد عاري عن دم يحتاج إلى نص وليس عندنا نص واضح بين إذاً (لا ولادة عارية عن دم) فلا غسل بها أو الولد الطاهر فلا يبطل الصوم بالولادة العارية عن الدم ولا يحرم الوطء بها قبل الغسل، ثم قال رحمه الله تعالى بعد بيان موجبات الغسل بين ما يترتب على وجود واحد من هذه المسائل الست التي ذكرها رحمه الله تعالى قال (ومن لزمه الغسل)(من) اسم موصول (من لزمه الغسل حرم عليه قراءة القرآن) يحتمل أنها اسم موصول ويحتمل أنها شرطية وشرطية أولى (من) هذا عام فيشمل حينئذٍ الجنب والحائض والنفساء والكافر دخل فيه، إذاً (من) هذه اسم شرط فتفيد العموم حينئذٍ دخل فيه الجنب والحائض والنفساء والكافر (من لزمه) يعني الذي وجب عليه الغسل لوجود سبب من الأسباب السابقة (حرم عليه قراءة القرآن) كما أنه يحرم عليه الصلاة ومس المصحف وكذلك الطواف للأسباب السابقة في نواقض الوضوء (قراءة القرآن) أطلق المصنف هنا القراءة حينئذٍ تعم سواء كانت القراءة من مصحف دون مس أو عن ظهر قلب حينئذٍ يحرم عليه أن يقرأ القرآن حتى يغتسل فالجنب يحرم عليه سواء كان مباشرة بمس أو بحائل أو عن ظهر قلب كذلك الحائض وكذلك النفساء وكذلك من أسلم ولم يغتسل حرم عليه قراءة القرآن (حرم عليه قراءة القرآن) مطلقاً من مصحف دون مس أو عن ظهر قلب مطلقاً وهذا الحكم وهو تحريم قراءة القرآن على من ذكر مذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة يعني المذاهب الأربعة على هذا القول؛ ما الدليل؟ لحديث علي رضي الله تعالى عنه (لا يحجبه - لا يحجزه - من القرآن شيء ليس الجنابة) يعني الجنابة تحجب النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن فدل على أن الجنابة سبب لتحريم قراءة القرآن رواه الخمسة وغيرهم وهذا الحديث في سنده عبدالله بن سلمة والأكثر على ضعفه وضعف الحديث أحمد والشافعي والنووي والخطابي والبيهقي وحسنه ابن حجر والحديث ضعيف (لا يحجبه من القرآن شيء ليس الجنابة) ولفظ الترمذي (يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً) النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع عن إقراء القرآن إذا كان على جنابة وهذا صححه الترمذي هو وابن حبان وابن السكن والبغوي وغيره قال الخطابي [كان أحمد يوهن هذا الحديث] وقال النووي [خالف الترمذي الأكثرون وضعفوا هذا الحديث] قال الشوكاني [حديث الباب ليس فيه ما يدل على التحريم لأن غايته أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة ومثله لا يصلح متمسكاً للكراهة فكيف يستدل به على التحريم] إذاً حديث علي بالروايتين ضعيف (لا يحجبه من القرآن شيء ليس الجنابة)(يقرئنا القرآن ما لم يكن جنباً) حديثان ضعيفان فلا تثبت بهما الحجة ألبته ثم لو سلمنا أنه صحيح وثابت كما حسنه ابن حجر وغيره حينئذٍ نقول هذا فعل والفعل لا يدل على التحريم لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم أين الصيغ التي تدل على أن الحكم محرم إذاً لا يدل كما ذكر الشوكاني على كونه مكروهاً فضلاً على أن يكون محرماً، وأخرج أبو يعلى عنه (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيء من القرآن ثم

ص: 10

قال هكذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا) هذا لو صح الحديث لكان صحيحاً في الاستدلال به على التحريم وهذا موقوف على علي الصحيح أنه موقوف على علي ووجه الاستدلال أن تبليغ القرآن واجب وتركه فدل على أن تركه لما هو أوجب منه وهو اشتراط الطهارة من الجنابة ثم جوابه أنه موقوف على علي رضي الله تعالى عنه فقد عارضه قد يقال أنه قول صحابي ولم يعلم له مخالف فصار إجماعاً نقول لا؛ هو معارض بقول ابن عباس وقول الصحابي إذا عارضه قول صحابي آخر حينئذٍ سقط الاستدلال به فلا يكون حجة فلا حجة فيه لمعارضة قول ابن عباس له وأيضاً ليس كل قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل التبليغ فهو مجرد فعل والفعل المجرد لا يدل على الوجوب، قال ابن خزيمة [لا حجة في هذا الحديث لمن منع الجنب من القراءة لأنه ليس فيه نهي وإنما هو حكاية فعل] وحديث ابن عمر قوله صلى الله عليه وسلم (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) هذا الحديث ضعيف في إسناده إسماعيل ابن عياش وروايته عن الحجازيين ضعيفة وهذه منها قال أبو حاتم [حديث إسماعيل ابن عياش هذا خطأ وإنما هو من قول ابن عمر] وقال أحمد بن حنبل [هذا باطل] أنكره على إسماعيل بن عياش، بقي حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقرأ الحائض ولا النفساء من القرآن شيئاً) رواه الدار القطني وهو ضعيف كذلك فيه محمد بن الفضل وهو متروك ومنسوب إلى الوضع وقد روي موقوفاً عن جابر وفيه يحي بن أبي أنيسة وهو كذاب وقال البيهقي [هذا الأثر ليس بالقوي] هذه الأحاديث التي استدل بها أرباب المذاهب الأربعة في تحريم القراءة على الجنب وإذا كانت ضعيفة حينئذٍ ما هو الأصل؟ ما هو الأصل التحريم أو عدم التحريم؟ الأصل عدم التحريم ولذلك نقول الصحيح أنه لا يحرم على الجنب ولا على الحائض ولا على النفساء قراءة القرآن كله ولا بعضه بل هو جائز وهذا محل وفاق عند الصحابة وهذه الأدلة كلها ضعيفة بل دلت النصوص بعموماتها على أنه له أن يقرأ قال الله تعالى (إن الذين يتلون كتاب الله)(يتلون) الواو هنا فيه إفادة العموم يعني مطلقاً تلا القرآن سواء كان جنباً كان متطهراً نفساء حائض الحكم واحد، (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم)(الذين) هذه صيغة عموم فتفيد المتطهر وغير المتطهر، قال (واذكروا الله ذكراً كثيراً) وجاء حديث عائشة وهو واضح بين (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه)(على كل أحيانه) فدخل فيه غير المتطهر و (يذكر الله) دخل فيه القرآن من باب أولى وهذا عام والقرآن ذكر وجاء قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر) أي القرآن فدخل في النص (وأنزل إليك الذكر لتبين للناس) فالقرآن ذكر قالت عائشة (يذكر الله على كل أحيانه) إذاً يذكر القرآن على كل أحيانه ويسبح الله على كل أحيانه حينئذٍ النص عام تخصيصه بمثل هذه النصوص لا يستقيم وروى ابن المنذر عن ابن عباس (أنه قرأ شيء من القرآن وهو جنب فقيل له في ذلك فقال ما في جوفي أكثر من ذلك) القرآن موجود في الصدر حينئذٍ كيف يقال بأنه جنب فلا يقرأ فلا يتكلم بما هو في نفسه فقد أخرج البخاري عن ابن عباس (أنه لم يرى في القراءة للجنب بأساً) هذا ورد في البخاري موقوفاً على ابن

ص: 11

عباس (أنه لم يرى في القراءة للجنب بأساً) وقال سعيد [يقرأ القرآن أليس هو في جوفه] إذاً هذا القول مقابل للقول السابق وهو المنع مطلقاً وهنا الجواز مطلقاً وهو الصحيح وحكي عن مالك جواز القراءة للحائض دون الجنب لأن أيامها تطول فلو منعناها نسيت يعني التفصيل بين الحائض والجنب وأما القول بأن الحائض حدثها ليس في يدها والجنب حدثه في يده هذا تعليل عليل لأنه مصادم للنصوص السابقة بل النص عام دل على أن كل مسلم يقرأ القرآن سواء كان على جنابة أو لا؛ سواء كانت حائضاً أو نفساء أو لا؛ فالنصوص عامة والأحاديث المذكورة هذه ضعيفة، إذاً (ومن لزمه الغسل حرم عليه قراءة القرآن) والصحيح أنه يجوز له قراءة القرآن مطلقاً، (ويعبر المسجد لحاجة) يعني يدخل المسجد لكان يمر به مروراً ولو لم يتوضأ؛ الدليل على ذلك قوله تعالى (ولا جنباً إلا عابر سبيل) (إلا عابر سبيل) يعني متجاوزين قال في الإنصاف [يجوز للجنب عبور المسجد مطلقاً على الصحيح من المذهب] وهنا قال صاحب المتن (لحاجة) بمعنى أنه إذا لم يكن لحاجة حرم عليه المرور لأن الأصل التحريم ولذلك قال تعالى (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً) أي لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب (إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا) حينئذٍ النهي عن قربان مواضع الصلاة المراد به المساجد (لاتقربوا الصلاة) أي المساجد والعبور إنما يكون في محل الصلاة وهو المسجد لا في الصلاة؛ أليس كذلك؟ (ولا جنباً إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا) حينئذٍ لا يصح أن يقبل على الصلاة وهو على جنابة فدل ذلك على أن المراد به المسجد إذاً (ولا جنباً إلا عابر سبيل) دل على أن الجنب وكذلك الحائض يجوز لهم العبور من المسجد يعني من باب إلى باب ولو لم يكن متوضأ لكن المصنف قال (لحاجة) بمعنى أنه لا يجوز لغير حاجة أن يعبر المسجد لكن ظاهر الآية ما هي؟ (إلا عابر سبيل) يعني مار؛ هل مطلق أو مقيد؟ يعني هل هو مقيد بحاجة إلا عابر سبيل إذا احتجتم؟ لا؛ حينئذٍ قوله (لحاجة) هذا مخالف لأمرين: أولاً: عموم النص وإطلاقه والصحيح أنه مطلق، الثاني: مخالف للمذهب وهذه أول مسألة تمر معنا أن المصنف خالف المذهب فالمذهب أنه يجوز مطلقاً قال في الإنصاف [يجوز للجنب عبور المسجد مطلقاً] يعني دون تقييده بحاجة ولذلك قال الشارح انظر [لحاجة وغيرها على الصحيح] يعني في المذهب كما مشى عليه في الإقناع وكونه طريقاً قصيراً حاجة وكره أحمد اتخاذه طريقاً، إذاً لجنب عبور مسجد ولو لغير حاجة لقوله (إلا عابر سبيل حتى تغتسلوا) فإن اغتسلتم حينئذٍ جاز لكم المكوث في المسجد (ولا يلبث فيه بغير وضوء) أما المكث في المسجد فلا يجوز إلا بوضوء وأما بغير وضوء فلا يجوز (ولا) يجوز أن (يلبث) أي يقيم (فيه) أي في المسجد من عليه غسل (بغير وضوء) لحديث (لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) رواه أبو داود من حديث عائشة وهذا ضعيف فيه جسرة بنت دجاجة قال البخاري [وعند جسرة عجائب] ولابن ماجه عن أم سلمة (أن المسجد لا يحل لحائض ولا جنب) وهذا كذلك فيه ضعف ولهما شواهد واللبث الإقامة إذاً على كلام المصنف هنا ولا يلبث فيه أي في المسجد بغير وضوء فإن توضأ جاز اللبث فيه؛ لماذا؟ قال عطاء بن يسار

ص: 12

[رأيت رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة] إذاً فعل الصحابة دل على أنهم إذا توضئوا جاز لهم المكث في المسجد قال في المبدع [إسناده صحيح] قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [حينئذٍ يجوز أن ينام في المسجد حيث ينام غيره - لكن بشرط أن يتوضأ - وإن كان النوم الكثير ينقض الوضوء] إذاً (ولا يلبث فيه) أي في المسجد (بغير وضوء) لكن لو تعذر الوضوء على الجنب واحتاج إلا اللبث جاز له من غير تيمم على الصحيح من المذهب الكلام هنا في المذهب أما الترجيح فالظاهر أنه لا يبقى، (ومن غسل ميتاً أو أفاق من جنون أو إغماء بلا حلم سن له الغسل) هذا الأغسال المستحبة انتهينا من الأغسال الواجبة (من) هذه صيغة عموم (غسل ميتاً) ولو في ثوب سواء كان الميت صغيراً أو كبيراً مسلماً أو كافراً سن له الغسل يعني يسن له أن يغتسل بعد تغسيله للميت وسبق معنا أن الغاسل هو الذي يباشر الغسل لا الذي يصب الماء الذي يصب الماء لا يسمى غاسلاً حينئذٍ يسن له أن يغتسل؛ لماذا؟ لأمر أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بذلك رواه أحمد وغيره وحسنه الترمذي ولفظه (من غسل ميتاً فليغتسل) هذا موقوف على أبي هريرة الصحيح موقوف على أبي هريرة وصحح جماعة وقفه عليه وعن علي نحوه وظاهره يفيد الوجوب لو كان مرفوعاً لو كان مرفوعاً لأفاد الوجوب لأن قوله (فليغتسل) هذه تفيد الوجوب ولكنه مصرف لحديث (ليس عليكم في غسل ميتكم غسل فإن ميتكم ليس بنجس فحسبكم أن تغسلوا أيديكم) أخرجه الحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس وحسنه الحافظ ولقول ابن عمر (كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل) أخرجه الدار القطني وصححه الحافظ، إذاً (من غسل ميتاً) مطلقاً (فليغتسل) والأصل فيه أنه واجب على ظاهره لكنه مصروف هذا إن صححنا أنه مرفوع والصحيح أنه مستحب كما ذكرناه فيما سبق ولذلك في الموطأ (أن أسماء غسلت أبا بكر ثم سألت من حضرها من المهاجرين هل عليها من غسل؟ فقالوا: لا) دل على أنه ليس بواجب وقال ابن عقيل [ظاهر كلام أحمد عدم الاستحباب] الظاهر أنه مستحب لما ذكرنا، (أو أفاق من جنون)(أو أفاق) يعني رجع إليه عقله وكان مجنون فاستحب له الغسل (أو إغماء بلا حلم) يعني من المجنون والمغمى عليه فإن وقع حلم منهما حينئذٍ كما سبق أنه يجب الغسل خروج المني من المحتلم مطلقاً سواء كان عاقلاً أو لا؛ موجب للغسل هنا أفاق من جنون ولم يحتلم سن له أن يغتسل، الدليل قياساً على المغمى عليه (أو إغماء) يعني أفاق من إغماء بشرط أن لا يكون احتلام؛ ما الدليل؟ قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل من الإغماء متفق عليه وفعل النبي صلى الله عليه وسلم أقل أحواله أنه سنة وفي معناه المجنون بل هو أولى منه، إذاً المجنون يستحب له الغسل إذا أفاق من جنونه قياساً على المغمى عليه وأما المغمى عليه فلورد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في ما ذكرناه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها إذاً هذه أسباب للغسل المستحب أولاً: إذا غسل ميتاً يستحب له أن يغتسل، ثانياً: إذا أفاق من جنون يستحب له أن يغتسل والدليل قياساً على المغمى عليه، ثالثاً: المغمى عليه إذا أفاق من إغمائه سن

ص: 13

له أن يغتسل والدليل فعل النبي صلى الله عليه وسلم، حينئذٍ هذه ثلاثة أمور أسباب لاستحباب الاغتسال، ثم قال بعد ما انتهى من بيان ما يتعلق بموجبات الغسل ومستحباته شرع في بيان صفته لأن العلم بالموصوف مقدم على العلم بالصفة ثم أعلم أن الغسل على ضربين كامل ومجزئ والكامل هو المشتمل على الواجبات والمستحبات يعني أشتمل على الكمال جاء بالواجبات وجاء بالمسنونات والمجزئ الذي يكتفي بالواجبات فقط ويترك المستحبات قال (أن ينوي) رفع الحدث لما سبق بيانه فيما سبق لحديث (إنما الأعمال بنيات) حينئذٍ يجب عليه أن ينوي بل هو شرط لصحت الطهارة فلو اغتسل دون نية رفع الحدث ما صح الغسل؛ لماذا؟ لانتفاء شرط من شروط صحت الطهارة الكبرى (أن ينوي) ينوي رفع الحدث الأكبر مثلاً أو ينوي غسل الجمعة إذا كان مستحباً فلو وقع في الماء ولم ينوي الغسل أو اغتسل للتبرد لم يكن قربة ولا عبادة ولم يرتفع حدثه باتفاق لأنه لم ينوي وإذا لم ينوي حينئذٍ صار عادة لأن النية هي التي تميز بين النوعين (ثم يسمي) قال في الشرح [وهي هنا كالوضوء] يعني حكم التسمية وسبق أنها واجبة لكن تسقط مع النسيان يعني تجب مع الذكر (تجب التسمية في الوضوء مع الذكر) بمعنى أنه إن نسي سقط هنا كذلك فتجب التسمية قياساً على الوضوء هذا الدليل فما وجب هناك وجب هنا وما جاز سقوطه هناك جاز سقوطه هنا والصحيح أنه لا يجب كما ذكرناه فيما سبق والقياس لا يصح لأنه قياس طهارة كبرى على طهارة صغرى فهي مختلفة من جهتين من جهة الأسباب الموجبة فينتفي القياس يمتنع ثانياً من جهة الصفة هنا تعميم للبدن كله وهناك غسل للأعضاء الأربعة فالقياس منتفي ثم إذا لم يتوضأ لا يشرع له التسمية بمعنى أن التسمية هنا ليست لذات الغسل يعني لو أراد أن لا يأتي بالغسل الكامل وإنما أراد أن يأتي بالمجزئ فقط يعم البدن يدخل تحت الماء ويغتسل لا يشرع له أن يسمي؛ لماذا؟ لعدم النص وإنما سمى هناك لوجود النص وهنا امتنع النص حينئذٍ امتنع الحكم المترتب عليه والقياس باطل لا يصح إذاً (ثم يسمي) هذا إن توضأ لأنه سيذكر الغسل الكامل وأما إذا لم يتوضأ فلا يشرع التسمية، (ويغسل يديه ثلاثاً)(ويغسل يديه) المراد به الكفين معاً (ثلاثاً) كما في الوضوء لحديث ميمونة (ثم غسل كفيه مرتين أو ثلاثاً) ويكون قبل إدخالهما الإناء ويصب الماء بيمينه على شماله (ويغسل يديه) معاً يعني كفيه (ثلاثاً) كما في الوضوء وهو هنا آكد لرفع الحدث عنهما بذلك يعني فيما سبق غسل الكفين قبل الوضوء مستحب ولا يرفع الحدث وهنا غسل الكفين في أول الوضوء آكد لأنه يرفع الحدث؛ لماذا؟ لأنه هناك لا يعد غسل الكفين داخل في مسمى الوضوء الواجب لأن غسل الكفين متى يكون؟ بعد غسل الوجه يغسل ووجه ثم يديه فيغسل الكفين وهنا وقع غسل الكفين في الوضوء قبل غسل الوجه فلا يعتبر وإنما هو مستحب فلا يرفع الحدث (وما لوثه) يعني يغسل (ما لوثه) ما لطخه من أذى على فرجه أو سائر بدنه لحديث عائشة (فيفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه) ثم قال (ويتوضأَ) بالنصب كلها بالنصب هذه الأفعال أن ينويَ ثم يسميَ ويغسلَ ويتوضأَ بالنصب معطوف على ما سبق (ويتوضأ) هنا أطلقه المصنف حينئذٍ لفظ الوضوء إنما

ص: 14

يطلق على الوضوء الكامل فيصدق عليه أنه يأتي بالوضوء على جهة الكمال بمعنى أنه يغسل قدميه كذلك ولذلك قال هنا [(ويتوضأ) كاملاً] الصحيح من المذهب أنه يتوضأ وضوء كاملاً قبل الغسل وعنه الأفضل أن يؤخر غسل رجليه حتى يغتسل رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى؛ (ويحثي على رأسه ثلاثاً يرويه)(يحثي) يعني يصب الماء وهي الحفنة من الماء يقال حثوت أحثو حثواً كغزوة وحثيت أحثي حثياً كرميت (على رأسه ثلاثاً) العدد جاء هنا في النص (يرويه) يعني يروي في كل مرة أصول شعره يعني يصل الماء إلى جذور الشعر (يرويه) بمعنى أن الماء يصل إلى البشرة لحديث عائشة رضي الله عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه ثلاثاً) إذاً التثليث وارد (وتوضأ وضوؤه للصلاة) الوضوء المعهود (ثم يخلل شعره بيديه) وهنا قال (وتوضأ وضوؤه للصلاة) غسل قدميه أو لا؟ غسل قدميه لأنه لا يقال بأنه توضأ وضوؤه للصلاة إلا إذا غسل قدميه وإلا ليس وضوء للصلاة (ثم يخلل شعره بيديه) إذاً لابد من إيصال الماء إلى أصول الشعر (حتى إذا ظن أنه قد روّى بشرته أفاض الماء عليه ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده) متفق عليه وهذا النص فيه بيان للواجبات وبعض المستحبات التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى إذاً يتوضأ أولاً وضوء كاملاً ثم بعد ذلك يحثو على رأسه ثلاثاً يرويه بمعنى أنه يوصل الماء إلى أصول شعره، (ويعم بدنه غسلاً ثلاثاً)(يعم بدنه) بمعنى أنه لا يترك موضعاً إلا وقد غسله (غسلاً) غسل الشيء يغسله غسلاً طهره بالماء وحقيقة الغسل إفاضة الماء على الأعضاء لحديث (ثم أفاض الماء على سائر جسده) انظر هنا لم يذكر الدلك ولا التدليك وإفاضة الماء على جميع البدن وبشرته واجب بلا خلاف وسواء كان الشعر الذي على البشرة خفيفاً أو كثيفاً يعني مطلقاً إفاضة الماء على سائر البدن هذا واجب بلا خلاف لكن يشترط التعميم ولذلك قال (ويعم بدنه) قلنا البدن اسم يقع الظاهر والباطن (غسلاً) يعني يغسله غسلاً ويطهر بالماء فلا يجزئ المسح ولو كرره مرات ثم سال الماء هذا لا يجزئ وإنما لابد من إسالة الماء والغسل الذي يكون معهوداً في لسان العرب يعني إفاضة الماء على البدن بحيث يجري وإذا لم يجري لا يسمى غسلاً وإنما يسمى مسحاً، قوله (يعم بدنه غسلاً ثلاثاً)(ثلاثاً) هذا قياساً على الوضوء وليس فيه نص والصحيح أنه يعم بدنه غسلاً مرة واحدة هذه السنة ولذلك لم يرد كما في حديث عائشة السابق (أفاض الماء عليه ثلاث مرات) يعني على الشعر فذكرت التثليث ثم قالت (ثم غسل سائر جسده) يعني عمم سائر بقية الجسد ولم تذكر التثليث وأقل ما تحمل عليه هو المرة الواحدة إذاً (ثلاثاً) هو المذهب وقيل مرة واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى قال الزركشي وهو ظاهر الأحاديث ولذلك قال البخاري [باب الغسل مرة مرة] فيه (ثم أفاض على جسده) وذكر إفاضة الماء على رأسه ثلاثاً ثم غسل سائر جسده قال الحافظ [ولم يقيده بعدد فيحمل على أقل ما يسمى وهو المرة الواحد ولم ينقل أنه غسل جسده ثلاثاً] ثم قال (ويدلكه) أي يدلك بدنه بيديه وهذا بلا نزاع أنه مشروع لكن هل هو واجب أم لا؟ قلنا على التفصيل إن كان من البدن ما لا يصل إليه الماء

ص: 15

إلى بإيصاله باليد تعين لماذا؟ لأنه يجب عليه غسل البدن ظاهره وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب فإذا كان إيصال الماء إلى البدن لا يصل إلى باليد تعينت اليد وإذا كان يصل بنفسه لو أسال الماء لا يتعين اليد واضح هذا، إذاً قولهم مختلف في الدلك هل هو واجب أم لا؟ نقول فيه تفصيل منه ما هو واجب ومنه ما قد يقال بأن الخلاف فيه بين المالكية والجمهور وهو أنه إذا وصل الماء بنفسه هل يجب عليه أن يدلك يعني يدك مثلاً لو وضعتها تحت الماء حينئذٍ عممت هل يجب عليك أن تفعل هكذا تدلك يدك من أجل التأكد من إيصال الماء؛ لا لا يجب وإنما المواضع التي ينبو عنها الماء لا شك أنها لا يصل الماء بنفسه ولذلك قال هنا (ويدلكه) التدليك هو الفرك والدعك أي يدلك بدنه بيديه هذا بلا نزاع يتعاهد معاطف بدنه وسرته وتحت إبطيه وما ينبو عنه الماء هذا واجب لأنه لا يصل إلى الإبطين إلا بالإيصال كذلك لا يصل إلى داخل السرة إلا بالإيصال كذلك ما ينبو عنه البدن كبعض الأصابع الرجلين مثلاً لا يدخل الماء إلا باستعمال الدلك حينئذٍ يتعين وما عدا ذلك نقول لا؛ بل هو مسنون، (ويتيامن) لأن صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في طهوره وإن كان الوارد في النص هو التيامن في الرأس التيامن في الرأس هذا واضح بين قد جاء في حديث مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب فأخذ بكفه بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر) يعني التيامن في غسل الرأس يبدأ بشق الأيمن ثم الأيسر (ثم أخذ كفيه فقال بهما هكذا برأسه) يعني يغسل شقه الأيمن أولاً ثم الأيسر ثم يأخذ الماء ثم يعمم رأسه رواه البخاري وأما التيامن في البدن بأن يغسل شقه الأيمن وهو الذي عناه المصنف هنا ثم شقه الأيسر فظاهر الأحاديث تنص على إفاضة الماء على البدن وعدم ذكر التيامن ظاهر النصوص كما سبق في حديث عائشة (غسل سائر جسده) ولم تفصل فدل ذلك على ماذا؟ على أنه لم يتيامن قد يقول قائل جاء في حديث عائشة (يعجبه التيامن في طهوره كله) نقول هذا إذا لم ينقل تفصيل في عبادة ما فإن نقل تفصيل حينئذٍ نقول نقل ترك التيامن في غسل سائر الجسد فيبقى على الأصل وهو عدم المشروعية لكن لو قيل يتيامن لعموم النص فالمسألة محل اجتهاد لكن ظاهر النصوص لا إنما التيامن يكون في غسل الرأس فقط وأما سائر البدن فالأصل أنه يفيضه عليه إفاضة (ويتيامن) لأن صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيامن في طهوره نقول هذا استدلال في غير هذا الموضع يمكن لماذا؟ لأنه نقل هنا الترك كون عائشة تقول (غسل سائر جسده) نقلت ترك التيامن حينئذٍ يصير مقدماً على هذا العموم، (ويغسل قدميه مكاناً آخر) انظر يتوضأ سابقاً كاملاً ثم إذا انتهى من غسله قال (ويغسل قديمه) يعني ثانياً مرة أخرى (مكاناً آخر) لماذا؟ لحديث ميمونة (توضأ ثم أفاض الماء عليه ثم تنحى فغسل قدميه) ولهما نحوه من حديث عائشة وهو أكمل وفي رواية غير قدميه (ثم أفاض الماء عليه ثم تنحى فغسل قدميه) عن عائشة في معناه قال الحافظ [وهو مذهب الجمهور] وقيل لا يعيد غسلهما إلا لطين ونحوه وهذا هو الظاهر كونه يتوضأ كاملاً هذا هو ظاهر النص من حديث

ص: 16

عائشة وكونه غسل قدميه هذا في ظاهره أنها تلوثت بطين ونحوه فإذا لم تتلوث فتبقى على الأصل وهو أنه توضأ وضوء كاملاً حينئذٍ لا يعيد غسل القدمين مرة أخرى إذاً (ويغسل قدميه مكاناً آخر) يعني مطلقاً سواء تلوثت أو لا ولو كنت الآن تغتسل على ما هو موجود الآن لا تتلوث ليس عندك طين يشرع لك على كلام المصنف أنك تغسل بعد الغسل تغسل القدمين مكاناً آخر والظاهر أنه فيما إذا تلوثت القدمين بطيناً ونحوه، ويكفي الظن في الإسباغ على الصحيح من المذهب لحديث عائشة (حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته) والإسباغ والإبلاغ وتقدم بمعنى أنه لا نحتاج إلى اليقين لأن الغسل هذا مفتاح للموسوسين بمعنى أنه إذا أراد أن يتيقن كل شعره قد وصلها الماء كما جاء في بعض الأحاديث الضعيفة حينئذٍ فتح على نفسه باباً من الوسواس إنما المراد به الظن متى ما ظن أن الماء قد وصل إلى محله يكفي هذا ولا يشترط اليقين لأن من البدن ما هو خفي كالاستنجاء الاستنجاء الإنسان لا يتيقن أنه قد أنقى الموضع ولكن يكفي غالب الظن وهذا مثله، (والمجزئ) يعني الذي يكفي الإجزاء سقوط الطلب يعني ما وجد فيه الواجبات فقط (المجزئ أن ينوي) رفع الحدث (ويسمي) والصحيح أنه فيما سبق إذا توضأ سمى وإذا لم يتوضأ بأن أراد الواجبات فقط حينئذٍ لا يشرع له التسمية والقياس باطلاً هنا لأن القياس الأصل أنه لا يدخل في العبادات قياس الغسل على الطهارة الصغرى قياس فاسد لأن العبادات الأصل فيها عدم دخول القياس (ويعم بدنه بالغسل مرة) واحدة مع المضمضة والاستنشاق لم ننص على المضمضة فيما سبق ونصصنا على المضمضة هنا لماذا؟ ما ذكرنا المضمضة نسيناه؟ لأنه قال يتوضأ نعم أحسنت قلنا يتوضأ وإذا توضأ لابد من المضمضة والاستنشاق وهنا نقول (ويعم بدنه بالغسل مرة) واحدة مع المضمضة والاستنشاق فشمل الشعر وما تحته وهو المذهب، ثم قال (ويتوضأ بمد ويغتسل بصاع) هذا على جهة الاستحباب والأصل فيه أنه كيفما اغتسل فقد حصل التطهير (ويتوضأ بمد) استحباباً لما في الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه (كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع)(ويتوضأ) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (بالمد ويغتسل بالصاع) المد تقريباً الموجود الآن قرابة ثلاث كيلو ثلاث كيلو تكفي في الوضوء (ويغتسل بصاع) لحديث أنس السابق وهو أربعة أمداد وإن زاد جاز وهو ما يقارب اللترين وأربع وخمسين غراماً والصحيح من المذهب أن الصاع هنا خمسة أرطال وثلث رطل كصاع في الفطرة، (فإن أسبغ بأقل) يعني من المد أو الصاع أجزأ أو لا؟ أجزأ لأن المراد هنا التحديد من باب الاستحباب بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا توضأ بأقل من مد وضوؤه صحيح ولو اغتسل بأقل من صاع غسله صحيح خلافاً للأحناف الأحناف قالوا إن توضأ بأقل من مد وضوؤه لا يصح وإن اغتسل بأقل من صاع غسله لا يصح لكون النبي صلى الله عليه وسلم قد اعتمد على أقل ما يمكن أن يتوضأ به وهو المد في الوضوء حينئذٍ إذا توضأ بأقل من مد لا يكون أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم في المحافظة على الماء دل على أنه لم يتوضأ إذاً حصل قصور في الوضوء والصحيح أنه وضوؤه صحيح ولذلك قال (فإن أسبغ بأقل) مما ذكر في الوضوء أو الغسل أجزأه أو

ص: 17

أسبغ بأقل من الصاع في الغسل أجزأه لأن الله تعالى أمر بالغسل وقد أتى به صوبه في الإنصاف وغيره لغسل النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة من تور مثل الصاع أو دونه ورواه النسائي ورجاله ثقات ولفظ مسلم (من إناء واحد ثلاثة أمداد أو قريب منها) وعن عبدالله بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بثلثي مد) أقل من المد بثلثين قال الموفق وغيره [هو مذهب أكثر أهل العلم ولأنه أمر بالغسل وقد أتى به والقدر المجزئ من الماء ما يحصل به غسل أعضاء الوضوء أو الغسل سواء كان مداً في الوضوء وصاعاً في الغسل أو أقل أو أكثر](أو نوى بغسله الحدثين أجزأ)(أو نوى بغسله الحدثين) يعني الأصغر والأكبر (أجزأ) أجزأ عن ماذا؟ عنهما معاً فارتفع الحدثان الأصغر والأكبر مفهومه إن نوى الحدث الأكبر فقط أجزأ أو لا؟ لم يجزئ عن الحدث الأصغر (أو نوى بغسله الحدثين) أجزأه وهو المذهب مطلقاً وعنه رواية لا يجوز حتى يتوضأ إما قبل الغسل أو بعده إن توضأ قبل الغسل واضح أنه أتى بالوضوء الكامل بشرط أن لا يمس ذكره ثم يغتسل يعني يعمم بدنه بالغسل هذا واضح أنه جمع بين الطهارتين لكن إذا لم يتوضأ واغتسل عمم بدنه هذا محل نزاع بين أهل العلم المذهب لا لابد أن ينوي الغسلين معاً على الصفة السابقة (أو نوى بغسله الحدثين أجزأ) عن الحدثين لقوله (فاطهروا) وقوله (حتى تغتسلوا) فأمر الجنب بالتطهير ولم يأمره معه بوضوء نعم المذهب أنه إذا اغتسل ولم يتوضأ سابقاً ونوى بالغسل الحدثين أجزأ المذهب أنه إذا نوى بغسله الحدثين ولم يتوضأ أجزأ أما إذا توضأ هذا واضح أنه توضأ لكن الكلام في ماذا؟ إذا نوى بغسله الحدثين أجزأه بشرط أن توجد نية رفع الحدث الأصغر والأكبر فإن نوى الحدث الأكبر دون الأصغر لا يجزئه عن الأصغر في المذهب والصحيح أنه يجزئ كما مر معنا فيما سبق وقال عليه الصلاة والسلام (أما أن فأفرغ على رأسي ثلاثاً) رواه مسلم وظاهره الاجتزاء بغير وضوء لشمول الحدث لهما ولأنهما عبادة فتداخلتا في الفعل وهذا واضح بين فإذا لم يتوضأ وعم جميع بدنه فقال ابن عبدالبر وغيره [قد أدى ما عليه لقوله (وإن كنتم جنباً فاطهروا) وهو إجماع لا خلاف فيه] بمعنى أنه إجماع عن السلف والخلاف هذا متأخر إذاً (أو نوى بغسله الحدثين أجزأ) عن الحدثين وهذا واضح بين والصحيح أنه مجزئ أو نوى بغسله الحدث الأكبر فقط فلا يجزئه إلا عن الحدث الأكبر على المذهب ويتعين عليه الوضوء والصحيح أنه يجزئه عن الحدث الأصغر فلا يحتاج إلى أن يتوضأ مرة أخرى لقوله (وإن كنتم جنباً فاطهروا) لم يوجب عليه إلا التطهير مع كونه قائماً إلى الصلاة، (ويسن لجنب غسل فرجه والوضوء لأكل ونوم)(ويسن لجنب) ولو أنثى وحائض ونفساء انقطع دمهما (غسل فرجه) يعني الفرج لماذا؟ لإزالت الأذى لفعل النبي صلى الله عليه وسلم (والوضوء لأكل) وشرب لقول عائشة رضي الله تعالى عنها (رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب أن يتوضأ) زيادة يشرب هذه فيه شيء من النظر (أن يأكل ويشرب أن يتوضأ وضوؤه للصلاة) رواه أحمد بإسناد صحيح ولفظ أحمد (إذا كان جنباً فأراد أن يأكل وينام توضأ) رواه مسلم ولأحمد وأبي داود والترمذي وصححه من حديث عمار

ص: 18

(رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوؤه للصلاة) الثابت الأكل والنوم، فالوضوء عند إرادة الأكل والشرب ثابت من حديث عائشة وغيرها ولذلك قال (ونوم) لقول عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان) تدل على ماذا؟ على الاستمرار هي صيغة عموم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوؤه للصلاة) (لا ينام حتى يغسل فرجه من أجل إزالت الأذى ويتوضأ وضوؤه للصلاة) متفق عليه وأما حديث عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جنب ولا يمس ماء) هذا ضعيف ولا يثبت والمعتمد هو حديث الصحيحين أنه كان لا ينام إلا إذا توضأ وضوؤه للصلاة ولذلك ذهب ابن حزم أنه يجب (لأنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم هل يأخذ أحد وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ) (ومعاودة وطء) يعني يسن أيضاً غسل فرجه وضوؤه لمعاودة العَود بفتح العين أي إلى إتيانها أيضاً يعني إذا أراد أن يعود الكرة مرة أخرى لحديث (إذا أتى أحد أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوء) رواه مسلم وغيره وزاد الحاكم (فإنه أنشط للعود) والغسل أفضل حينئذٍ قال (فليتوضأ) هذا وجوب لو قال قائل الصيغة هنا أمر نحتاج إلى صارف نقول التعليل الذي ثبت من رواية الحاكم (فإنه أنشط للعود) هل العود واجب؟ لا ليس بواجب إذاً الوضوء له ليس بواجب هذا التعليل هذه القرينة تعتبر صارفة للوجوب من ظاهره إلى الاستحباب (فليتوضأ) استحباباً ليس وجوباً فإن قيل ما القرينة الصارفة والصيغة صيغة أمر؟ تقول (فإنه) تعليل هذا الفاء لتعليل (فإنه) أي الوضوء (أنشط للعود) يعني يعينه على المرة الثانية إذاً هذه ثلاثة مسائل يسن فيها الوضوء الأكل التي ذكرها المصنف ولنوم ومعاودة وطء يعني الجماع

والله أعلم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 19