الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
* باب الحيض، وشرح الترجمة.
* الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة باتفاق.
* قوله: "لا حيض قبل تسع سنين، ولا بعد خمسين، ولا مع حمل"، والصحيح خلافه.
* أقل مدة الحيض، وأكثره، وغالبه.
* ما هو أقل طهر بين حيضتين؟
* الحيض يمنع وجوب الصلاة وفعلها، ويمنع فعل الصوم فقط.
* قوله: "ويحرم وطؤها في الفرج"، والواجب على من فعل.
* ماذا يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟
* قوله: "إذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق".
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
قال المصنف رحمه الله تعالى (باب الحيض) أي هذا باب بيان حقيقة الحيض وما يتعلق به من الأحكام إن كان يذكرون معه الاستحاضة والنفاس إلا إن الاستحاضة والنفاس إنما هو دم مرض الاستحاضة مرض والنفاس في حكمه وأما دم الحيض فهو صحة وهو الأصل، الأصل في المرأة هو الصحة، وهذا الباب هو خاتمة أبواب الطهارة ذكرنا السبب تقديم المصنف رحمه الله تعالى باب إزالة النجاسة على باب الحيض مع أنه متعلق بالغسل لأن الحيض موجب من موجبات الغسل ذكرنا أن الحيض خاص بالنساء وأما إزالة النجاسة فهي عامة للرجال والنساء وما كان عاماً فهو مقدم على الخاص، وقال النووي رحمه الله تعالى [وأعلم أن باب الحيض من عويص الأبواب - يعني باب عويص - ومما غلط فيه كثيرون من الكبار لدقة مسائله واعتنى به المحققون وأفرده بالتصنيف في كتب مستقلة] لأن الأحاديث الواردة فيه في باب الحيض أو ما يتعلق بالحيض أحاديث معدودة بمعنى أنها ليست بالكثيرة وكل لما قلت الأدلة كثر الخلاف ولذلك كل لما كثرة الأدلة قل الخلاف العكس بالعكس، إذا وجدت خلافاً بين أهل العلم وكثرت الأقوال في الغالب - أن النص أو الآية - إما أنه لا يكون هناك نص أو يكون هناك لكنه ليس واضح الدلالة، لأن أهل العلم الأصل فيهم أنهم وقافون مع دلالة النص، فإذا جاء خلاف طويل عريض فاعلم أنه إما أنه لا نص أو أنه ثَمَّ نص إلا أنه ليس واضح الدلالة هذا هو الغالب وقد يكون ثَمَّ خلاف والنصوص واضحة بينة، وإنما كان باب الحيض من عويص الأبواب لكثرة تفريعاته، وحاول أهل العلم أن يجعلوا له ضوابط، قال ابن رشد رحمه الله تعالى [اتفق المسلمون على أن الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة - يعني الدماء التي تتعلق بها الأحكام وتخرج من الرحم ثلاثة - الأول: دم الحيض وهو الخارج على جهة الصحة - يعني دليل على الصحة ليس بعلامة مرض - الثاني: دم استحاضة وهو الخارج على جهة المرض وأنه غير دم الحيض - ليس هو دم الحيض ألبته - لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك عرق وليس بالحيضة)(إنما ذلك) المشار إليه دم الاستحاضة (وليس بالحيضة) إذاً فرق بين دم الاستحاضة والحيض - الثالث: دم نفاس وهو الخارج مع الولد] وعلى المذهب قبله بيوم أو يومين وأما المشهور أنه وهو من المفردات المشهور أنه مع الولد، إذاً هذه ثلاثة أنواع دم حيض ودم استحاضة ودم نفاس، ثَمَّ نوع رابع وقع فيه نزاع وهو دم فساد ما يسمى بدم الفساد؛ هل هو عينه الاستحاضة أم أنه غيره؟ محل نزاع والصحيح أنه هو يعني لا فرق بين دم الاستحاضة ودم الفساد فكل منهما دم عرق علل النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلكم عرق وليس بالحيضة) إذاً تقابلا - حينئذٍ - يدخل دم الفساد في دم الاستحاضة هذا هو الصحيح أن الدماء محصورة فيما ذكر، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [والأصل في كل ما خرج من الرحم أنه حيض] هذا أصل مهم الباب لا بد أن يبنى على أصل إذا قيل الدماء ثلاثة حيض ونفاس واستحاضة؛ طيب أيها أصل؟ لا بد من التأصيل - حينئذٍ - نستفيد من ذلك أنه إذا
وقع شك هل هذا دم حيض أو استحاضة وليس عندنا ما يميز أحدهما عن الآخر نرجع إلى الأصل ما هو الأصل؟ الأصل هو دم الاستحاضة قد قيل به - حينئذٍ - قلنا هذا دم استحاضة وليس بحيض وعلى رأي ابن تيمية رحمه الله تعالى أن الأصل هو دم الحيض - حينئذٍ - نرجح أنه هو دم حيض، إذاً معرفة الأصل مهم جداً في هذا الباب لذلك من أراد أن يضبط هذا الباب فليضبط هذا الأصل لأن فيه خلاف بين أهل العلم، هل الأصل في الذي خرج من الرحم أنه دم حيض أو استحاضة؟ ينبني عليه أنه إن لم توجد قرينة هنا محل الإشكال في باب الحيض تتردد المرأة أو يتردد المفتي هل هذا دم حيض أو استحاضة ثَمَّ قرائن ترجح هذا وقرائن ترجح الآخر وقد لا يستطيع أن يرجح - حينئذٍ - نرجع إلى الأصل لأن الشك لا يبنى عليه حكم ما هو الأصل؟ قلنا الأصل هو دم استحاضة إذاً تصلي وتصوم وإذا قلنا الأصل بأن دم الحيض إذاً تترك الصلاة وتترك الصوم إذاً هذا ينبني حكم عظيم الحكم على الدم بكون دم حيض أو دم استحاضة ينبني عليه فعل الصلاة وترك الصلاة وهذا شيء كبير جداً، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى [والأصل في كل ما خرج من الرحم أنه حيض حتى يقوم دليل على أنه استحاضة] إذاً نستصحب الأصل أنه حيض إلا إذا دلت قرينة على أنه استحاضة فنرجع إلى الاستحاضة؛ لماذا؟ ما الدليل؟ قال [لأن ذلك هو الدم الأصلي الجبلي وهو دم ترخيه الرحم ودم الفساد دم عرق ينفجر وذلك كالمرض] إذاً دم الفساد والاستحاضة دم مرض ودم الحيض دم صحة، وأيهما الأصل في الإنسان الصحة أم المرض؟ الصحة - حينئذٍ - ولا نقول بأنه مريض إلا إذا وجدت علامة المرض والأصل أنه صحيح كذلك الحيض الأصل أنه علامة على الصحة - حينئذٍ - دم الاستحاضة علامة على المرض فإذا وجدت قرينة تدل على أنه دم استحاضة رجحناه أنه دم استحاضة وإذا لم توجد قرينة رجعنا إلى الأصل وهو أنه دم حيض، والأصل الصحة لا المرض فمتى رأت الدم جارياً من رحمها فهو حيض تترك لأجله الصلاة، إذاً باب الحيض وما يتعلق به من الأحكام وسيذكر الاستحاضة تبعاً كذلك النفاس في آخر الباب، الحيض أصله لغة السيلان مصدر سل يسيل سيلاً سيلان إذاً المعنى اللغوي هو السيلان من قولهم حاض الوادي إذا سال إذاً لا بد من علاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي فلا بد أن يوجد السيلان في الدم الذي يحكم عليه بأنه حيض إذا لم يسل الدم لا نحكم عليه بأنه حيض، ولذلك إذا قالت المرأة رأيت نقطة أو نقطتين أو ثلاث نقاط متفرقة ما حكمه؟ ليس بحيض؛ لماذا؟ لانتفاء المعنى اللغوي هنا انتفى لا بد أن يكون ثَمَّ سيلان يعني يجري سيلان المراد به الجري معلوم أنه جري يعني يسيل سيلاً إذا لم يكن سيلان - حينئذٍ - حكمنا عليه بأنه ليس بدم حيض هذا أصل تجعله كذلك في باب الحيض، من أجل ضبط الباب هذا الباب عويص كما قال النووي رحمه الله تعالى ولذلك قال الإمام أحمد [كنت في كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته] يعني بكل ما ورد فيه من أحاديث وأقوال أهل العلم يعني فقه مقارن هذا المراد لأن ضبطه يعتمد على ضبط الواقع، إذاً أصله في اللغة السيلان فالحيض لا يطلق على النقطة والنقطتين، وأما في الشرع فعرفه هنا المصنف الشارح [دم طبيعة وجبلة يخرج من
قعر الرحم في أوقات معلوم خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته] دم هذا جنس يدخل فيه الثلاثة الأنواع السابقة دم الحيض ودم النفاس ودم الاستحاضة فهو جنس يدخل فيه كل الأنواع الثلاثة، قوله [طبيعة وجبلة] جبلة المراد به الخلقة وهو المراد به الطبيعة فالعطف عطف تفسير بمعنى واحد إذاً دم الطبيعة هو عينه دم الجبلة يعني أمر فطرت عليه المرأة خلقت وهي تحيض هكذا يعني من شأنها أن تحيض وقوله دم طبيعة أخرج دم الاستحاضة وأخرج دم النفاس؛ لماذا؟ لأن دم الاستحاضة ليس بدم طبيعة بل هو مرض ودم النفساء هو في حكم المرض لأنها مريضة فهي في حكم المرض - حينئذٍ - وقوله [دم طبيعة وجبلة] خرج به النوعان الآخران [يخرج من قعر الرحم] هذا بيان لمخرج الدم من أين يخرج؟ [يخرج من قعر الرحم] هذا بيان لمخرج الدم وليس داخل في الحد وإنما أرادوا أن يبينوا حقيقة دم الحيض وأن يبينوا وقت الحيض ومكانه، [في أوقات معلومة][في أوقات] هذا إشارة إلى أنه لا يكون مستمراً - حينئذٍ - لو كان مستمراً لا يكون حيضاً يعني استمر بها الشهرين والثلاث والأربع بل السنة والسنتين كما سيأتي أن بعضهم قد يجري بها الدم ست سنين - حينئذٍ - نقول هذا ليس بدم حيض لأن دم الحيض يأتي وينقطع وأما إذا استمر فاستمراره علامة على أنه ليس بدم حيض واضح في [أوقات معلومة] إشارة إلى أنه لا يكون مستمراً بخلاف الاستحاضة والأوقات المعلومة المراد بها أقل سن تحيض له وأكثر سن تحيض له ومتى ينقطع وأقل الحيض من حيث الزمن يوم وليلة أكثره خمسة عشر يوماً ونحو ذلك [خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته] هذا بيان لعلة الخلق، والمستحاضة من عبر دمها أكثر الحيض ومن فرق بين دم الاستحاضة ودم الفساد قدموا الفساد أعم من ذلك والذي ينفرد به وهو المذهب عندنا من أجل ضبط المذهب أن المبتدءة بالدم قبل أن يثبت أنها حائض الدم الذي أول ما يأتيها هذا يعتبر دم فساد يعني مبتدءة التي يأتيها قبل أقل سن تحيض له كخمس سنين وسبع سنين وثماني سنين وتسع سنين إذا لم تتم هذا يسمى دم فساد وأما دم الاستحاضة - فحينئذٍ - يكون متصلاً بدم الحيض يعني هو دم الحيض إن استمر صار استحاضة وأما إذا كان منفصلاً فلا يسمى دم استحاضة وإنما يكون دم فساد فلو جاءها في غير موعد الحيض هذا يسمى دم فساد ولا يسمى دم استحاضة على المذهب لأنهم يفرقون بين النوعين والصحيح أنهما بمعنى واحد ودم النفاس سيأتي في محله، قال المصنف رحمه الله تعالى (لا حيض قبل تسع سنين) الفقهاء أرادوا أن يحددوا أقل سن تحيض له المرأة وأكثر سن ينقطع الدم ولا يكون دم حيض وأقل زمن للعادة وأكثر زمن وأقل زمن للحيض وأكثر زمن على أقوال شهيرة الخلاف في هذه المسائل هو الذي جعل باب الحيض من عويص الأبواب والصحيح في المسائل كلها أنه لم يرد تحديد لا في أقل ما تحيض به المرأة بسن أو أكثر ولا لأقل ما يكون زمناً للحيض ولا أكثر وإنما العبرة بوجود الدم فإذا تقرر كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن الأصل هو دم الحيض - حينئذٍ - متى ما رأت الدم فهو دم حيض سواء جلس معها ساعة ثم انقطع فهو حيض سواء أتاها وعمرها سبع سنين ثماني سنين تسع سنين عشر سنين نقول هذا يعتبر دم حيض؛ لماذا
لأن الشارع أطلق عليه بأنه أذى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إذاً متى ما وجد الأذى تعلقت به الأحكام الشرعية وهذا هو علة الحكم يعني كونه أذى ترتبت عليه الأحكام الشرعية وهو قوله (فاعتزلوا النساء) وكذلك ترك الصلاة والصيام ونحوها - حينئذٍ - الحكم يدور مع علته متى ما وجد الأذى تعلقت به الأحكام متى ما انتفى انتفت الأحكام؛ هل بين الشارع أن أقل سن يصدق على الخارج أنه أذى أم لم يرد؟ لا شك أنه الثاني وإنما نظر الفقهاء كل بحسبه سواء كان أبا حنيفة أو مالكاً أو الشافعي أو أحمد كل نظر باعتبار الوجود ولذلك أكثر ما يحتجون به ليس من نصوص الشريعة وإن كان بعضهم يستند إلى بعض الأقوال عن عائشة أو علي أو غير ذلك لكن المعتمد أكثر عندهم هو الوجود يعني نظر فلان من الناس بأن من حوله كلهن قد حاضت لتمام تسع سنين إذاً قال هذا الذي يعلق به الحكم وجد أن من حوله من كبار السن خمسين سنة وتوقف الحيض قال هذا هو الحكم، إذا الوجود بمعنى الواقع وهذا الوجود يسمى استقراء عند أهل العلم ولا شك أن الاستقراء تتعلق به الأحكام لا شك أنه تتعلق به الأحكام لكن الاستقراء التام يعني هذا الفقيه الذي حكم بكون أقل سن تحيض له المرأة تمام تسع سنين إن استقرأ بنات العالم كله - حينئذٍ - يسلم له وأما إذا كان من كان حوله فقط نقول هذا استقراء ناقص والاستقراء الناقص لا يصلح أن يكون مستنداً لإثبات حكم شرعي وإنما يكون الاستقراء التام وكل ما ذكر في كتب أهل العلم من الوجود المراد به الاستقراء الناقص وعليه لا يبنى عليه حكم ألبته، ولذلك يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى [لا حد لأقل سن تحيض فيه] ليس له أقل سن وهذا هو الصحيح؛ لماذا؟ لأن الشارع حكم بكون المرأة تبلغ بوجود الدم ولم يحدد له سناً معيناً - حينئذٍ - متى ما رأته حكمنا عليه بأنه دم حيض ولو بنت خمس سنين ست سنين حكم عليه بأنه دم حيض لأنه أذى ويصدق عليه ما علق الله عزوجل عليه هذا الوصف ترتبت الأحكام الشرعية [لا حد لأقل سن تحيض فيه المرأة ولا لأكثره فمتى رأت الأنثى الحيض فهي حائض وإن كانت دون تسع سنين أو فوق خمسين ولذلك لأن أحكام الحيض علقها الله سبحانه وتعالى على وجوده] يعني وجوده هو بعينه في المحل (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) إذاً متى ما خرج الأذى من المحيض الذي هو محل الخروج الذي هو الرحم - حينئذٍ - حكمنا بوجود الأحكام الشرعية [لأن أحكام الحيض علقها الله سبحانه على وجوده ولم يحدد الله سبحانه ولا رسوله سن معيناً فوجب الرجوع فيه إلى الوجود الذي علق عليه الأحكام وتحديده بسن معين يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة ولا دليل في ذلك] ولذلك لو اعتمد الباب على هذه الترجيحات لصار الباب من أسهل الأبواب ولكن لما أردوا أن يجعلوا حداً لأقل سن - حينئذٍ - لا بد من نظر في الوجود ولا بد من نظر فيما ورد عن الصحابة إلى غير ذلك وكل ما ورد إنما يتكلم عمن حوله فحسب وهذا لا تثبت به الأحكام الشرعية والصحيح ما رآه شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن العبرة بوجود الدم متى ما رأته الأنثى حكمنا عليه بأنه دم حيض فهي حائض فوجبت عليها الصلاة والصيام ونحو
ذلك ولو كانت دون تسع سنين ولو رأت المرأة الكبيرة إذا بلغت ستين وسبعين رأت الدم على عادته كما هو حكمنا عليه بأنها حائض وكذلك الحامل كما سيأتي ولكن لا بد أن نمر على كلام المصنف لنعرف وجه ما ذكره، (لا حائض قبل تسع سنين) شرعاً أو حساً؟ شرعاً؛ لأن الحس قد يوجد يعني خروج الدم قد يوجد من بنت ست سنين سبع سنين ثمان سنين لكن لا يحكم عليه بأنه دم حيض بل هو دم فساد - حينئذٍ - متى ما حاضت لتمام تسع سنين أو نقول بتعبير أدق متى ما خرج الدم دون تمام تسع سنين فلا يسمى حيضاً في الشرع وإنما يسمى دم فساد وهذا الذي يعنون به أنه دم فساد (لا حيض) أي شرعاً لا حساً أما الحس فقد يوجد (قبل تسع سينين) يعني قبل تمام تسع سنين ليس تمام الثامنة فتدخل في التاسعة وإنما المراد أنها تدخل في التاسعة وتكمل التاسعة بمعنى أنها لو دخلت في التاسعة وبقي عليها يوم واحد لتتم التاسعة وتدخل في العاشرة وجاءها الدم على المذهب دم فساد ولا يسمى حيضاً؛ لماذا؟ لأن الحكم معلق هنا لتمام تسع سنين؛ وهل هذا تحديد أم تقريب؟ قالوا تحديد المذهب أنه تحديد فلو جاءها قبل أن تتم تسع سنين بيوم واحد قالوا هذا ليس بدم حيض بل هو دم فساد، (لا حيض قبل تسع سنين) يعني قبل تمام تسع سنين إذاً أقل سن تحيض له الأنثى أو يمكن أن تحيض هو تمام تسع سنين فإن رأت دم لدون ذلك فليس بحيض بل هو دم فساد؛ ما الدليل على أنه دم فساد وليس بدم حيض؟ قال لأنه لم يثبت في الوجود؛ ما معنى لم يثبت في الوجود؟ يعني الفقيه الذي حكم بهذا القول لم يره من أحد ممن حوله وإلا ما أدراه هو في العراق مثلاً ما أدراه عن بنات تسع سنين أو عشر أو دون ذلك وهنا في المغرب هذا في السابق وإلى الآن يعجز الإنسان أن يعرف مثل هذه الأحكام المتعلقة بمثل هذه التي في الغالب أنها خفية إذاً لأن لم يثبت في الوجود، ولقول عائشة رضي الله تعالى عنها ورد أنها قالت (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة) وروي مرفوعاً عن ابن عمر لكنه ضعيف لم يثبت وكذلك قول عائشة إن صح وكان مرادها تحديد أقل سن نقول هذا مبناه على الوجود لأن عائشة ما تدري إلا عمن حولها نحن نحكم بحكم شرعي على كل أنثى في الوجود يعني في الواقع - حينئذٍ - هذا لا يمكن أن يأخذ إلا من جهة الشارع إن لم يكن دليل نص لا بد من استقراء تام وهذا ممتنع سابقاً ولاحقاً وبعدها يعني بعد تمام تسع سنين قد يكون حيضاً ليس بمطلقاً وإنما قد يكون حيضاً؛ لماذا؟ لأنها مقيدة زمن الحيض بيوم وليلة فإذا تمت العاشرة ولم يظهر الدم ثم ظهر لتمام عشر ساعات على المذهب ليس بحيض مع أنها دخلت في السن الذي يمكن التحيض فيه ولذلك عبر الشارح هنا [وبعده - يعني بعد تمام تسع سنين - فحيض] لكن بشرط إن صلح؛ متى يصلح؟ أن يتجاوز يوم وليلة وأما إذا دخلت في السن التي يمكن أن تحيض فيه وجاءها الدم لدون أقل الحيض فليست بحائض يعني لم تبلغ بعد، قال الشافعي [رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة] جدة إحدى وعشرون سنة؛ كيف جاءت هذه؟ يعني بلغت لتمام تسع سنين ثم تزوجت وعلى العاشرة وضعت بنتها حاضت لتمام تسع سنين وتزوجت فتمت العاشرة وهي حائض ووضعت إذاً تمت واحد وعشرين سنة هذا الأثر رواه البيهقي في السنن
وفي سنده أحمد بن طاهر بن حرملة قال الدار القطني [كذاب] وقال ابن عدي [حدث عن جدة عن الشافعي بحكاية بواطيل يطول ذكرها] يعني لم يثبت عن الشافعي ولو ثبت لا يعارض القول الراجح لأننا نقول يمكن أن تحيض لسبع سنين ولثمان سنين متى ما رأت الدم - حينئذٍ - تكون حائضاً، إذاً أقل زمناً تحيض له الأنثى هو تسع سنين يعني تمام تسع سنين والصحيح ما ذكرناه سابقاً وأما أكثر سن تحيض فيه النساء فهو خمسون سنة ولذلك قال (ولا حيض) يعني شرعاً (ولا بعد خمسين) يعني بعد تمام الخمسين بأن تدخل في الستين - حينئذٍ - إذا وجدت الدم أو رأته ولو كان على صفته بعادته ووقته وزمنه فلا يسمى دم حيض بل هو دم فساد؛ لماذا؟ لكون السن الذي يقف عنده الحيض شرعاً قد وجد وهو خمسون سنة لقول عائشة (إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض) ذكره أحمد قال الألباني رحمه الله تعالى [لم أقف عليه ولا أدري في أي كتاب ذكره أحمد] يعني كأنه يشير إلى أنه لم يثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها ولو ثبت فدليله الوجود والوجود هنا استقراء ناقص فلا تثبت به الأحكام الشرعية لو ثبت نقول هذا استقراء ناقص لأن مداره على الوجود عائشة رضي الله تعالى عنها من حولها من أقربائها مثلاً كلهن قد انقطع الحيض لتمام خمسين سنة يلزم أنه في كل مكان من بلغت خمسين ينقطع عندها الدم الجواب لا ليس بلازم إذاً ثبت هذا الأثر أو لا، لا يعتبر مستنداً صحيحاً لثبوت الأحكام الشرعية، إذاً (ولا بعد خمسين) يعني بعد تمام خمسين والصحيح أنه متى ما رأت الدم ولو بلغت السبعين وهو كما هو على حاله فهو حيض، (ولا مع حمل) يعني الحامل لا تحيض وهذه مسألة وقع فيها نزاع كبير، هل الحامل تحيض أو لا؟ المذهب أن الحامل لا تحيض فمتى ما رأت الدم ولو كان بصفاته وزمنه فلا يكون حيضاً بل هو دم فساد، ولذلك قال [فإن رأت دماً فهو دم فساد] ما الدليل؟ الدليل قال أحمد (إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم) وهذه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن الحامل لا تحيض ولآن الأطباء يوافقون يكاد يجمعون على هذا، وعنه رواية أخرى أن الحامل تحيض وفاق لمالك والشافعي واختاره ابن تيمية رحمه الله تعالى وصحاب الفائق قال في الفروع [وهو أظهر] وصوبه في الإنصاف وهو الصحيح أن الحامل متى ما رأت الدم بوصفه فهو دم حيض؛ لماذا؟ لأنه على الأصل فالأصل في الدم الذي يخرج من الرحم أنه دم حيض ثم النصوص العامة الدالة على أن كل أنثى تحيض كما جاء في النص (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)(على بنات آدم) هذا لفظ عام يشمل الحامل وغير الحامل، (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) هذا السؤال عام يعني لم يكن ثَمَّ تفصيل بين الحامل وغيرها - حينئذٍ - حكم الله عز وجل بأن الخارج من المحيض مكان الحيض بأنه أذى فمتى ما وجد ذلك الأذى ترتب عليه الحكم الشرعي إذاً بقاء على الأصل نقول الحامل تحيض، وقال [وقد وجد في زماننا وغيره أنها تحيض مقدار حيضها قبل ذلك ويتكرر في كل شهر على صفة حيضها] وقال الحافظ [هو دم بصفات دم الحيض وفي زمان إمكانه فله حكم دم الحيض فمن ادعى خلافه فعليه البيان] إذاً الذي يقول بأنها لا تحيض هو الذي عليه البيان والأصل بقاء ما كان على
ما كان كما أنها تحيض قبل الحمل فإذا رأت الدم بصفاته وزمنه نقول هذا حيض، وأما الأطباء وإجماعهم فلا عبرة به لا عبرة به فلا يلتبس على بعض من ينظر في هذه المسألة يقول الأطباء قد حكوا الإجماع والاتفاق أن الحامل يستحيل أنها تحيض؛ نقول أولاً الشرع لم يأمرنا بالرجوع إلى الأطباء ثَمَّ مسائل قد يرجع فيها إلى الأطباء إذا لم يكن ثَمَّ دليل واضح بين في الشرع - حينئذٍ - نرجع إلى الأطباء هل هذا مضر أم لا؟ فإن أفتى الطبيب بفتواه العلمية بأنه مضر رتبنا عليه الحكم الشرعي ولذلك كمثال الآن مثلاً نقول العدسات التي تلبسها المرأة ولو للزينة ما حكمها؟ نقول ننظر فيها الأصل الإباحة ما لم يكن تشابهاً أو تشبهاً بالحيوانات ونحوها فالأصل الإباحة إلا إذا ثبتت المضرة ومن الذي يحكم بالمضرة الطبيب - حينئذٍ - نقول الذي له مجال في النظر في هذه المسألة هم الأطباء فإن أثبتوا الضرر فيها حكمنا بالتحريم وإن لم يثبت الضرر حكمنا بالإباحة على الأصل؛ لماذا نرجع للأطباء؟ لأنه لم يرد نص في الشرع بأن هذه العدسات محرمة وإذا لم يكن كذلك فالأصل هو الإباحة هذا الأصل فيها إذاً نرجع إلى الأطباء لعدم وجود النص وأما النصوص الدالة على العموم بأن كل أنثى تحيض فهذه أكثر من أن تحصى فهي عامة وإذا كانت عامة ودخلت فيها الحوامل - حينئذٍ - نقول نرتب الحكم العام أو الحكم المرتب على اللفظ العام على الحامل فنقول الشرع قد دل بأن الحامل تحيض ولو معنا حديث (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)(شيء) ما هو؟ الحيض؛ (هذا) المشار إليه الحيض (شيء كتبه الله على بنات آدم) نقول هذا لفظ عام يشمل كل أنثى سواء كانت حامل أو لا، إذاً حكم الشارع بأن الحامل تحيض لأنه أحد أفراد بنات آدم إذاً وجد النص وإذا وجد النص - حينئذٍ - لا نلتفت إلى الأطباء بوجه من الوجوه، إذاً لا مع حمل يعني لا حيض مع حمل والمسألة خلافية والصحيح أن الحامل تحيض لعموم النصوص وأما المذهب هو ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى، فإن رأت دم على القول بأنها لا تحيض فهو دم فساد يجب عليها أن تصلي ولا تترك له العبادة ألبته ولا يمنع يزوجها من وطئها، ثم قال (وأقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً) هذا كذلك التحديد لأقل ما يسمى حيضاً يعني عرفنا أن الحيض هو السيلان؛ هل كلما سال الدم حكمنا عليه بأنه حيض؟ على القول الراجح نعم متى ما سال الدم ولو ساعة واحدة حكمنا عليه بأنه حيض وهذا قد يوجد ولذلك عند الإمام مالك رحمه الله تعالى قدر أقل الحيض بدفعة واحدة دفعة واحدة يعني مرة واحدة بأن يدفع دفعاً يسيل مرة واحدة حكم بأنه حيض وهو كذلك لما ذكرناه سابقاً بأن المعنى اللغوي لا بد أن يكون موجوداً في المعنى الشرعي ولم يرد في النص تحديد أقل ما يسمى حيض ألبته - حينئذٍ - المرجع يكون إلى الوجود هكذا قال الفقهاء والصحيح أنه لا يرجع إلى الوجود وإنما ينظر إلى كل واحدة على حده وحكم شخص بما يكون على الشخص الآخر نحتاج إلى دليل واضح بين وليس عندنا، إذاً متى نحكم على سيلان الدم بأنه حيض ونثبت هذه بأنها عادة للمرأة؟ على المذهب أن أقل سيلان للدم لا بد أن يجري ويسيل يوماً وليلة ولا سال يوماً كاملاً يعني يوماً فقط دون
ليلة قال هذا ليس بحيض بل هو دم فساد يعني أربع وعشرين ساعة فلو جرى الدم ثلاث وعشرين ساعة ونصف قال هذا دم فساد يعني إذا انقطع هذا دم فساد؛ لماذا؟ لأنه لم يرد أو لم يصل إلى أقل زمن الحيض - حينئذٍ - قالوا هذا ليس بدم حيض (وأقله) أي أقل زمن يصلح أن يكون دمه حيضاً (يوم وليلة) هذا المذهب ومذهب الشافعية كذلك (يوم وليلة) يعني أربع وعشرين ساعة لقول علي رضي الله تعالى عنه الآتي وكذلك الوجود (وأكثره) يعني أكثر ما يصدق عليه أنه حيض (خمسة عشر يوماً) وهذا المذهب عندنا وعند المالكية [(خمسة عشر يوماً) بلياليها لقول عطاء (رأيت من تحيض خمسة عشر يوماً)] هو رأى الأمة كلها أو رأى من رآه؟ رأى من رآه إذاً لا يصدق هذا القول على غير من رآه عطاء رحمه الله تعالى، إذاً مثل هذه الأقوال هي مستند كثير من الفقهاء وإلى لا يوجد نص ألبته في تحديد الأقل أو الأكثر، إذاً أقله يوم وليله في قول علي الآتي (وأكثره خمسة عشر يوماً) لقول عطاء [رأيت من تحيض خمسة عشر يوماً] وبعضهم استدل بقول علي [ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليله] وهذا إن صح عنه كذلك نقول مبني على الوجود يعني وجود النساء اللاتي رآهن علي رضي الله تعالى عنه وهذا ليس بحكم لازم لكل الأمة لأننا نقرر حكم شرعياً عاماً على كل أنثى في كل أرض - حينئذٍ - لا شك أن المناخ ونوعية الأكل كما يقول بعض الفقهاء ونحو ذلك لها أثر في الحيض وهذا لا شك أنه يختلف من مكان إلى مكان فمن رآها علي رضي الله تعالى عنه ليست هي التي تكون في شرق الأرض أو غربها [ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليله] واستفاض عن كثير من السلف أنه وجدوه عياناً يعني ما قاله علي رضي الله تعالى عنه، وعنه [لا حد لأكثره كما أنه لا حد لأقله] لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة فإذا ذهب قدرها) ما حدد النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أحالها إلى ما تعرفه هي من نفسها لا من جارتها وإنما من نفسها (فإذا ذهب قدرها فاغتسل وصلي) ولم يقيد ذلك بقدر بل وكله إلى ما تعرفه من عادتها هذا هو الصحيح في أقل ما يقال بأنه أقل الحيض أو أكثره، قال ابن تيمية [ما أطلقه الشارع عمل بمقتضى مسماه ووجوده ولم يجز تقديره وتحديده فلا حد لأقل الحيض ولا لأكثره ما لم تصل مستحاضة ولا لأقل سن ولا لأكثره واختاره كثير من الأصحاب وكثير من أهل العلم] وهو الصواب كما ذكرناه سابقاً، إذاً هذا المسائل كلها مرجوحة على ما سبق، (وغالبه ست أو سبع) غالب الحيض يعني ما يكون من زمن عرفنا أقله يوم وليله وأكثره خمسة عشر يوماً الغالب في النساء أن تكون عادتها إما ست أو سبعاً (وغالبه) أي غالب الحيض (ست) يعني ست ليالي بأيامها (أو) هذه للتنويع يعني قد تكون المرأة ست أو سبع في نفسها أو ست باعتبارها وسبع باعتبار غيرها الثاني؛ أو للتنويع هنا (أو سبع) ليالي بأيامها وفاقاً لقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش (تحيض - أي اقعدي - أيام حيضتك ودع الصلاة في علم الله ستة أيام أو سبعة ثم اغتسل وصلي أربع وعشرين - أربع وعشرين هذه قعدت كم؟ ستة - أو ثلاث وعشرين ليلة - صلي ثلاث وعشرين هذه قعدت سبعة أيام - وأيامها فإن ذلك
يجزئك) وقوله (ستة أو سبعة) للتنويع يعني من النساء من تكون غالب عادتها ستة ومنهن من تكون سبعة، (وأقل طهر بين حيضتين ثلاث عشرة يوماً) وهذا يكون بين خمسة عشر واليوم يعني إذا جاء الحيض للمرأة ثم رأت الطهر - حينئذٍ - بين حيضة وحيضة هذا يسمى طهراً أقله بحيث لو جاء الدم قبل تمامه لا يعد حيضاً كم مقداره قالوا ثلاث عشرة يوماً بمعنى لو جاءتها العادة ثم طهرت واغتسلت ثم مقدار خمسة أيام ورجع الدم ولو كان بصفاته قال هذا ليس بدم حيض؛ لماذا؟ لأنها طهرت خمسة أيام وأقل طهر إنما يكون ثلاثة عشر يوماً فلا بد أن يكون بين انقطاع الدم وبين وجود الدم الآخر الحيض الآخر لا بد أن تستوفي ثلاث عشر يوماً بمعنى أنه لا يكون أقل وقد يكون أكثر قد تطهر وتبقى شهرين أو ثلاثة لا تحيض وهذا موجود قد تبقى سنة ولا تحيض - حينئذٍ - أقل ما يصدق عليه أنه طهر؟ هو ثلاثة عشر يوماً، وهذا كذلك دليله الوجود والصحيح أنه لا أقل للطهر ولا لأكثره؛ لأكثره هذا يكاد يكون مجمع عليه لأنه وجود من النساء من لا تحيض أصلاً فهي طاهرة مطلقاً وأما أقل طهر بين حيضتين فهذا مبني على أقل وأكثر الحيض والصحيح إذا رجحنا بأنه قد تحيض يوم وليله ثم تطهر يومين أو ثلاث ثم قد ترى الدم بصفاته نقول هذا حيض كذلك؛ لماذا؟ لأنه لم يرد تحديد لأقل طهر بين حيضتين فمتى ما رأت الدم ثَمَّ حكم الله عزوجل - سواء طهر - ولذلك سيأتي التلفيق وهي أن ترى يوماً دماً ويوماً طهراً أو يوم دماً ويومين طهراً - حينئذٍ - لفقوا لها عادة من هذه الأيام التي يتخللها طهر فإذا كان كذلك - حينئذٍ - نقول قد يأتي الدم يوم وليله وتثبت عادتها على ذلك ثم طهر اليوم واليومين ثم يعاودها الدم فنحكم عليه بأنه دم حيض بناء على الأصل السابق أن الأصل الذي يخرج من رحم المرأة على ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أنه حيض ثم الحيض له صفات كما سيأتي فمتى ما وجدت هذه الصفات ترتب عليه الحكم، احتج أحمد بما [روي عن علي أن امرأة جاءته وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض - زعمت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض - فقال علي لشريح قل فيها - يعني احكم - فقال شريح - هذا لأنه مخالف للعادة هذا وجوده قليل جداً فلما كان وجوده قليلاً جداً - حينئذٍ - احتجنا إلى بينة وإلا الأصل أنه قد يحصل هذا لما ذكرناه سابقاً تحيض يوماً وليلة ثم تطهر خمسة أيام ستة أيام ثم تحيض ثم تطهر إلى آخره انتهت عدتها في أسبوعين وهذا ممكن لكنه قليل لذلك قال - إن جاءت ببينة من بطانت أهلها - يعني خواصهم العارفين ببواطن أمورها - ممن يرضى دينه وأمانتها وشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة] بناء على الغالب كبف حاضت ثلاث مرات في الشهر؟ حاضت يوم وليله ثم طهرت اغتسلت ثم طهرت ثلاثة عشر يوماً ثم حاضت الحيضة الثانية اليوم الخامس عشر ليوم وليله ثم طهرت ثلاثة عشر يوماً هذه عشرين حاضت فيها حيضتين ثم حاضت ثم طهرت - حينئذٍ - وجدت الثلاث الحيض في شهر واحد؛ إذاً أقل حيض بين الأولى والثانية والثانية والثالثة هو ثلاثة عشر يوماً لأنه لا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بمثل هذا نقول هذا لا يفهم منه تعميم الحكم على ما ذكر وإن وجد في المرأة التي حكم فيها إلا أنه
ليس بحكم عام وهذا وجود والوجود استقراء ناقص فلا تترتب عليه الأحكام الشرعية، إذاً أقل طهر بين حيضتين ثلاثة عشر يوماً نقول هذا قول مرجوح بل قد يكون أقل من ذلك، قال [إن جاءت ببينة من بطانت أهلها ممن يرضى دينه وأمانته وشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة فقال علي قالون أي جيد - رومية -](ولا حد لأكثره) أي أكثر الطهر بين الحيضتين لأنه قد وجد من لا تحيض أصلاً لكن غالبه بيقت الشهر وهذا أمر يكاد يكون متفق عليه أن الطهر لا حد لأكثره قد تطهر شهرين وثلاث بل والسنة، قال الشارح [والطهر زمن الحيض خلوص النقاء بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها] الطهر كما سيأتي يعني متى تحكم المرأة بأنها طهرت؟ إذا عرفنا أقل الطهر؟ إما القصة البيضاء وإما جفاف الموضع بأن تحتشي قطنة في الموضع فتخرج كما هي قالوا هذا يدل على أن الموضع قد نقا من الدم ولذلك قال [خلوص النقاء] أي الطهر في أثناء الحيض فراغ الدم [بأن لا تتغير معه قطنة احتشت بها]، ثم قال رحمه الله تعالى (وتقضي الحائض الصوم لا الصلاة ولا يصحان منها بل يحرمان ويحرم وطؤها في الفرج فإن فعل) هذه أحكام مترتبت على الحيض يعني متى ما وجد الحيض ثَمَّ أحكام وهذا يجعل المرء يتأنى في ضبط هذه المسائل لأنه بترتب عليها فعل صلاة أو تركها فالعجلت مذمومة (وتقضي الحائض الصوم) إذا قيل (تقضي الصوم) معناه أنه وجب لأن القضاء لا يكون إلا لما تعلقت به الذمة وهو كذلك، إذاً الحيض يرد السؤال الحيض هل يمنع وجوب الصوم؟ لا يمنع وجوب الصوم - حينئذٍ - يتعلق الحكم الشرعي وهو الوجوب بذمتها وقام المانع وهو وجود الدم من فعل الصوم عندنا أمران وجوب الصوم فعل الصوم وجوب الصلاة فعل الصلاة؛ الحيض يمنع فعل الصوم لا وجوبه ما الدليل؟ قضاء الصوم بالإجماع قضاء الصوم دليل على أنه قد تعلقت به الذمة (لا الصلاة) دليل على أن الحيض يمنع وجوب الصلاة وفعل الصلاة إذ لو وجبت الصلاة لتعين القضاء فلما سقط القضاء دل على أنه لم تجب عليها الصلاة، إذاً عندنا أمران وجوب الصوم فعل الصوم وجوب الصلاة فعل الصلاة، وجوب الصلاة وفعل الصلاة يمنعها الحيض ولا إشكال فيه وأما الصوم ففيه تفصيل أما الوجوب فلا يمنعه الحيض بل هو واجب وأما الفعل فيمنعه ولذلك قال (وتقضي الحائض الصوم) لأن الحيض لا يمنع وجوبه فتقضيه إجماعاً ولذلك قالت عائشة رضي الله تعالى عنها (كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) إذاً التعليل هنا بجهة الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن هنا أخذ الأصوليون أنه لا قضاء إلا بأمر جديد بمعنى أن الأدلة الدالة على فعل العبادة لا تدل على القضاء بل لا بد من أمر جديد بمعنى وهذه مسألة مهمة جداً ينبني عليها مسائل عديدة قوله عزوجل (أقيموا الصلاة) هذا أمر بأداء الصلاة؛ هل أقيموا الصلاة أمر بصلاة مطلقاً أو في زمن معين؟ في زمن معين إذاً الصلاة المأمور بها إيقاعها في زمن معين له ابتداء وانتهى؛ إيقاع الصلاة لا في الزمن المعين هل هي مأمور بها أو لا؟ ليست مأمور بها فمن أوجب القضاء لمن أخرج الصلاة عن وقتها متعمداً أوجبه بلا دليل شرعي؛ لماذا؟ لأن الدليل المقتضي للفعل لا يلزم
منه القضاء
والأمر لا يستلزم القضاء
…
بل هو بالأمر الجديد جاء
لأنه في زمن معين
…
يجي لما عليه من نفع بني
وخالف الرازي - في ذلك -
- حينئذٍ - لا بد منه ولذلك عائشة رضي الله تعالى عنها فقهة هذه المسألة وقالت (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) هذه قاعدة أصولية مهمة (كنا نؤمر بقضاء الصوم) مع وجود قول الله تعالى (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) إذاً (فليصمه) هذا أمر لمن استطاع أن يصوم في الشهر فإن أخرجه أخرج الصوم عن الشهر المحدد له ابتداء وانتهاء بلا عذر شرعي لا يؤمر بالقضاء لا يجب عليه أن يقضي وليس هذا تخفيفاً عليه بل هذا تشديد لأنه لو قيل له إيتي به بدلاً بعد شهر رمضان وهو قد فرط وأفطر بدون عذر شرعي - حينئذٍ - سهول عليه قال إما الأداء وإما القضاء نقول لا؛ لا يشرع لك القضاء؛ القضاء هذا بدعة ليس من الشرع في شيء؛ لماذا؟ لأن الشارع أمر بإيقاع الصوم في وقت محدد ولا شك أن له حكمة في تحدبد وقت العبادة ابتداء وانتهاء - حينئذٍ - إخراج العبادة عن وقتها يكون من باب القياس، في الذي يصلي مثلاً بعد خروج وقت العصر يصلي العصر بدون عذر شرعي سوَّا بين الزمن الثاني والزمن الأول يعني جعله ماذا؟ جعله وقت للصلاة والله عزوجل قد حدد انتهاء الصلاة - حينئذٍ - كونه يصلي في الوقت الثاني نقول هذا قياس قاس الزمن الثاني على الزمن الأول نقول ما هي العلة؟ ليس عندنا علة نعم ليس عندنا علة هذا كمن يقف يوم عرفة لا في عرفة قال لا بأس بالعزيزية نقف قال هذه السنة خلها بالعزيزية يجزئ أو لا؟ ما يجزئ قطعاً - مترددين ليش - ما يجزئ بالإجماع ما يجزئ؛ لماذا؟ لأنه إذا جوز الوقت في غير عرفة يكون من باب القياس يعني سوَّا بين الأرضين قاس هذه الأرض على هذه الأرض ثم سحب الحكم الشرعي حكم الأصل للفرع قال كما جاز في عرفة جاز هنا يكون قياس نقول هذا ليس من باب القياس لعدم وجود العلة لأنها تعبدية؛ لماذا حدد الله عزوجل هذه البقعة؟ الله أعلم بها؛ لماذا حدد ابتداء صلاة الظهر وانتهائها بالوقت المعين؟ الله أعلم - حينئذٍ - نقول من جوز فقط قاس، إذاً (وتقضي الحائض الصوم) وهذا محل وفاق (لا الصلاة) - وحينئذٍ - نقول الحيض يمنع فعل الصوم لا وجوب الصوم والحيض يمنع وجوب الصلاة وفعل الصلاة إذ لو وجبت لقضية وأما قول من يقول أمر بقضاء الصوم لأنه خفيف لا يتعدد والصلاة كثيرة وفيه مشقة هذا تعليل فاسد وإنما نقول بالقاعدة هذه التي ذكرناها أن الشارع لم يرد ذلك ابتداء فلا بد من نظر الأصل التي تبنى عليه الأحكام الشرعية، (ولا يصحان منها) يعني لو صامت أو صلت وقت الحيض لا يصح لأنها منهية عن الصوم وقت جريان الدم فإن صامت فالنهي يقتضي فساد المنهي عنه فالصوم باطل يعني لو أرادت أن تصوم قضاء يعني ليس رمضان قال مادام أنه لا يجوز لها الصوم فتصوم قضاء أو تصوم نذراً أو نحو ذلك - فحينئذٍ - نقول الصوم فاسد باطل، والصلاة لو تذكرت صلاة مقضية يعني احتاجت إلى قضائها فائته وأرادت أن تصليها وقت الحيض نقول الصلاة فاسدة لأنها منهية عن الصوم والصلاة وقت الحيض والنهي يقتضي فساد المنهي عنه فلا تصح، إذاً (ولا يصحان) أي الصوم والصلاة (منها) أي من الحائض لأن
خروج الدم يوجب الحدث فمنع استمراره صحت الطهارة كالبول (بل يحرمان) عليها يعني يحرم عليها فعل الصوم وفعل الصلاة كالطواف وقراءة القرآن الطواف هذا محل خلاف بين أهل العلم؛ هل يشترط الطهارة من الحديثين للطواف؟ فيه نزاع والصحيح أنه يشترط لا بد من الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى يعني الحائض لا يحل لها أن تطوف ألبته أن تطوف وهي حائض سواء كان الطواف واجباً كحج أو عمرة أو كان نفلاً وكذلك قراءة القرآن على المذهب وذكرنا فيما سبق أن قراءة القرآن الصحيح أنها تقرأ وهذا هو الصحيح وإنما مس المصحف هي التي تمنع منه الحائض وأما قراءة القرآن فلا بأس بها يعني لم يدل دليل على منع الحائض من قراءة القرآن كما أنه لم يدل دليل على منع الجنب من قراءة القرآن والصحيح أن الجنب يقرأ القرآن ولا حرج في ذلك وذكر البخاري تعليقاً عن عباس أنه كان يقرأ حزبه وهو جنب كذلك ورد عن عدد من السلف الصالح وعدم الدليل يدلنا على الرجوع إلى الأصل لأن الأصل هو الإباحة وإباحة قراءة القرآن مع الجنابة أو غيرها فكما جاز مع الحدث الأصغر جاز مع الأكبر والذي يفرق بين هذا وذاك يحتاج إلى دليل ولذلك منعوا الجنب وجوزوا المحدث حدثاً أصغر؛ لماذا؟ لأن لم يرد دليل على منعه فيجوز ولو لم يكن متوضأ أن يقراء القرآن عن غيب نقول كذلك الجنب إن منعوا إيتي بدليل والأحاديث الواردة كلها ضعيفة كلها هالكة كما ذكرناه سابقاً، ثم قال (ويحرم وطؤها في الفرج)(يحرم) هذا تحريم وهل المراد به التحريم هنا أنه من الكبائر أو من الصغائر؟ في الإقناع [ووطؤها في الفرج ليس بكبيرة] هو محرم لكن لا يستلزم أنه كبيرة ليس كل محرم كبيرة والعكس صحيح [ووطؤها في الفرج ليس بكبيرة وهكذا في الفروع والمبدع]، (ويحرم وطؤها) يعني جماعها (في الفرج) خاصة وهو مخرج الحيض علق الحكم على محل دل على أن ما سواه لا يحرم (يحرم وطؤها في الفرج) خصص (في الفرج) هذا متعلق بقوله (وطؤها) ووطؤها علق عليه الحكم وهو التحريم إذاً مفهومه أن غير الفرج لا يحرم ويستثنى من ذلك الدبر بالإجماع إذاً الفرج هو مخرج الحيض مفهومه - مفهوم مخالفة - أنه لا يحرم في غير المخرج مطلقاً ويستثنى الدبر فهو محرم مطلقاً والدليل قوله تعالى (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض)(في المحيض) أي في مكان الحيض هذا المراد وليس المراد به في زمن الحيض (المحيض) أصلاً مَفْعِل مَحْيِض مفعل وزنه الصرفي مفعل محيض ومفعل يأتي اسم زمان ويأتي اسم مكان - انظر اللغة هنا - يأتي اسم زمان ويأتي اسم مكان يعني تصور أنك لو حملته على اسم الزمان ماذا يكون المعنى (فاعتزلوا النساء في المحيض) أي في زمن الحيض؛ في الزمن أو في المكان؟ إن قلت في الزمن يعني امتنع كل شيء الوطؤ في الفرج وغيره وإذا قلت (فاعتزلوا النساء في المحيض) في المكان المخصوص مخرج الدم إذاً الذي ورد النهي عنه هو المخرج ما عداه يبقى على الأصل هو الإباحة والصحيح أن المراد بالمحيض هنا اسم المكان مكان، إذاً (ويحرم وطؤها في الفرج) قال تعالى (فاعتزلوا) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب (فاعتزلوا النساء) يعني الحُيَّض من إطلاق العام وإيرادة الخاص (في المحيض) أراد بالاعتزال
ترك الوطء لقوله صلى الله عليه وسلم (أصنعوا كل شيء إلا النكاح)(أصنعوا) لما سئل عما يأتي من الحائض قال (أصنعوا كل شيء إلا النكاح) ومعلوم أن الاستثناء معيار العموم إذاً النكاح المراد به الجماع يعني الإيلاج في الفرج ما عدا ذلك قال (أصنعوا كل شيء) وليس هنا الأمر للوجوب وإنما المراد به الإباحة لأنه جاء في جواب سؤال رواه الجماعة إلا البخاري وفي لفظ (إلا الجماع) تفسير للنكاح وهو ظاهر الدلالة [وقال الشيخ - ابن تيمية يعني ابن قاسم إذا قال قال الشيخ فالمراد به ابن تيمية - المراد اعتزال ما يراد منهن في الغالب وهو الوطء في الفرج لأنه قال (هو أذى فاعتزلوا) فذكر الحكم بعد الوصف بالفاء](قل هو أذى فاعتزلوا) الفاء هذه تدل على العلية يعني لماذا أمر بالاعتزال؟ لأجل الأذى والأذى أين محله؟ في الفرج خاصة وليس في موضع آخر [فذكر الحكم - الذي هو الاعتزال - بعد الوصف - الذي هو الأذى - بالفاء فدل على أن الوصف هو العلة - يعني الأذى - لاسيما وهو مناسب للحكم فأمر بالاعتزال في الدم للضرر والنجس وهو مخصوص بالفرج فيختص الحكم بمحل سببه وقال ابن قتيبة المحيض الحيض نفسه] إذاً (فاعتزلوا النساء في المحيض) أي الفرج فإن خالف عصا قال الله عزوجل (فاعتزلوا) وهو لم يعتزل ماذا عليه؟ ماذا يترتب عليه؟ الصحيح أنه يترتب عليه أنه قد ارتكب محرماً - فحينئذٍ - الاستغفار والتوبة وإن واظب وداوم - حينئذٍ - صارت الصغيرة كبيرة يفسق وهل يترتب على فعله كفارة أما لا؟ من مفردات مذهب الحنابلة أنه يترتب عليه كفارة ولذلك قال (فإن فعل) بأن أولج قبل انقطاعه (فعليه دينار أو نصفه كفارةً - بالنصب -)(فإن فعل) بأن أولج قبل انقطاع الدم قال (فعليه) يعني فيلزمه على هنا ظاهرة في الوجوب إذاً الكفارة واجبة وليست الكفارة هنا وحدها وإنما المراد التوبة والاستغفار مع الكفارة فعليه وجوباً (دينار أو نصفه) عرفنا هذه من المفردات يعني نصف الدينار على التخيير (كفارةً) بالنصب لحديث ابن عباس (يتصدق بدينار أو نصفه كفارةً) هكذا الرواية الصحيحة هكذا قال الشارح ومداره على عبدالحميد بن عبدالرحمن بن الخطاب قيل لأحمد في نفسك منه شيء قال نعم لأنه من حديث فلان وقال لو صح كنا نرى عليه الكفارة قال الخطابي لا يصح متصلاً مرفوعاً وقال هو وابن كثير وغيرهما قال أكثر العلماء لا شيء عليه ويستغفر الله يعني لا شيء عليه من الكفارات وأما الاستغفار متعين عليه والذمم بريئة إلا أن تقول الحجة بشغلها والأثر قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه إذاً نرجع إلى الأصل؛ الأصل براءة الذمة فلا يلزمه كفارة إن أخرجها من باب الاستحباب فلا إشكال وأما أنه يلزمه ويجب عليه فلا، إذاً (فإن فعل فعليه دينار أو نصفه) نصف الدينار والدينار المراد به المثقال من الذهب يعني كيف يعرف يسأل المثقال من الذهب كم سعره ويخرجه وهو الدينار أو نصف المثقال يسأل كم سعره اليوم ويخرجه (كفارةً) قال (فإن فعل) بأن أولج قبل انقطاعه يعني قبل انقطاع الدم بعضهم يفرق بين الإيلاج قبل الانقطاع وبعد الانقطاع قبل الاغتسال هو لا شك أنه الجماع قبل انقطاع الدم أشد يعني من حيث التأثيم وأما بعد الانقطاع قبل الاغتسال فهو أخف
مع التحريم ولذلك بعضهم فسر قول ابن عباس عليه يتصدق بدينار قبل انقطاعه أو نصفه بعد انقطاعه قبل الاغتسال وكلاهما محرم وإن كان بعضها أشد تحريم من بعض، (ويتسمتع منها بما دونه) هذا تصريح بالمفهوم السابق لأنه قال (ويحرم وطؤها في الفرج) خاصة إذاً ما عداه يجوز ولذلك قال (ويستمتع منها) يعني له ويجوز أن يستمتع (منها) أي من الحائض (بما دونه) أي دون الفرج بما فوق الإزار وما دون الإزار مطلقاً من القبلة واللمس والوطء دون الفرج لأن المحيض اسم لمكان الحيض الوارد في الآية قال ابن عباس [فاعتزلوا نكاح فروجهن ويسن ستر فرجها عند مباشرة غيره] هذا من باب الاستنان، قال ابن القيم رحمه الله تعالى [حديث أنس ظاهر في أن التحريم إنما وقع على موضع الحيض خاصة وهو النكاح أصنعوا كل شيء إلا النكاح وأباحة ما دونه وأحاديث الإتزار لا تناقضه لأن ذلك أبلغ في اجتناب الأذى وهو أولى] يعني يستحب له أن يلقي شيء على موضع الأذى ثم له المباشرة بعد ذلك، (وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق)(إذا انقطع الدم) والمراد بالانقطاع هنا الانقطاع الذي التي تتعلق به الأحكام وهو الانقطاع الكثير وهذا مختلف في تحديده وأولى ما يمكن أن يقال بأنه انقطاع نصف اليوم من باب الاجتهاد من أجل أن تضبط المسائل بمعنى أنه هل كل انقطاع يكون طهراً؟ الجواب لا لأن المرأة قد تطهر أثناء الحيض لمدة ساعة يجف عندها الدم أو ساعتين أو ثلاث أو أربعة هل هذا يعتبر نقاء فتغتسل أم أنه انقطاع بين أثناء الحيض؟ الثاني وإنما يعتبر انقطاع كلياً إذا كان نصف كنهار كامل أو ليلة كاملة - حينئذٍ - إذا انقطع الدم بعد صلاة الفجر فلا تغتسل للظهر وتصلي إنما تنتظر حتى تغرب الشمس - حينئذٍ - يتعين عليها أن تحكم بأن هذا الانقطاع هو الطهر إلا إذا رأت القصة البيضاء - حينئذٍ - تغتسل وتصلي إذاً (إذا انقطع الدم) ليس كل انقطاع وإنما المراد به الانقطاع الكثير إما أن يقيد بأنه يوم نهار يعني كامل أو ليلة كاملة أو إن جعلناه لمرجع المرأة نفسها ما غلب على ظنها أنه انقطاع كثير كما قلنا في الدم ما ستفحش في النفس اليسير والكثير فإن قلنا الانقطاع اليسير لا يخرجها عن كونها حائضاً إذاً إذا قدرة بأن هذا الانقطاع يسير وبأن هذا الانقطاع كثير لها تعتبر ذلك وهذا قد يكون طرداً للأصول السابقة، إذاً الانقطاع التي تتعلق به الأحكام الانقطاع الكثير الذي يوجب عليها الغسل والصلاة فأما الانقطاع اليسير في أثناء الدم فلا حكم له لأن عادة المرأة أنه ينقطع تارة ثم يجري ينقطع الدم تارة ثم يجري (إذا انقطع الدم) أي دم الحيض (ولم تغتسل) بعد ما الذي يباح لها من المحرمات؟ قال (لم يبح غير الصيام والطلاق) أم الصلاة فلا يباح لها انقطع الدم، إذاً لا تصلي حتى تغتسل لو صلت قبل غسلها قلنا هذا حدث أكبر ولا تصح عندنا تعبير بلفظ طاهر المرأة طاهر هذا اللفظ يصدق على وصفين: انقطاع الدم قبل الاغتسال ولذلك المرأة تقول طهُرت ولم تغتسل هل يصح هذا الوصف؟ نقول نعم يصح؛ لكن المراد به نوع معين وهو انقطاع الدم - حينئذٍ - يصح أن يقال بأنها طاهر، وعندنا وصف آخر بأن يقال طاهر والمراد به الاغتسال يعني الانقطاع
وزيادة على ذلك أن تغتسل بعض الأحكام الشرعية المترتبة على وجود الدم كالتحريم الصلاة لا تحل الصلاة إلا بالانقطاع والاغتسال لكن الوجوب؛ بالانقطاع أو الاغتسال؟ وجوب الصلاة يعني انقطع الدم ثم أذن المغرب ولم تغتسل هل نقول الصلاة ليست واجبة؟ لا وجبت الصلاة لأنها طاهر وإنما بقي عليها ما هو بيدها الانقطاع الدم ليس بيدها - حينئذٍ - لا يمكن أن تجعل نفسها طاهرة وأما إذا انقطع الدم - حينئذٍ - صارت الطهارة بيدها كالوضوء لو قلنا بأنها لا تجب عليها الصلاة لكونها لم تغتسل مع انقطاع الدم قلنا لا تجب على من كان محدثاً حدثاً أصغر ولم يتوضأ وهذا فاسد، هنا قال (ولم تغتسل لم يبح غير الصيام) ولا يشترط الغسل فلو تطهرة على أذان الفجر - حينئذٍ - نقول يجوز لها أن تصبح وهي غير مغتسلة؛ لماذا؟ لأن الدم هو موجب عدم صحة الصوم فلما انقطع - حينئذٍ - نقول صح الصوم منها وأما الاغتسال فليس شرط في صحة الصوم بل هو شرط في صحة الصلاة (والطلاق) يعني يجوز الطلاق بعد انقطاع الدم لحديث (مؤره فليطلقها طاهراً أو حاملاً) والمرأة تطهر بانقطاع الدم قوله (فليطلقها طاهراً) هذا عام يعني يشمل المرأة الطاهر إذا لم تغتسل ويشمل المرأة الطاهر إذا اغتسلت - حينئذٍ - نقول النص يعتبر عاماً (وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق) وأما الصلاة وقراءة القرآن والطواف هذه لا بد من الاغتسال وأما قبل الاغتسال فيجوز للزوج أن يطلقها ولا يكون آثماً ولا يكون طلاقاً بدعياً وإنما يكون طلاقاً بدعياً إذا أوقع الطلاق وقت جريان الدم وهل يقع ألا لا هذه مسألة خلافية طويلة؟
ثم شرع المصنف في بيان المبتدأة والمستحاضة ونحو ذلك والكلام متصل بعضه ببعض
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين