الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عناصر الدرس
تتمة باب الاستنجاء وفيه:
* قوله: "ويستجمر ثم يستنجي بالماء"، والصحيح في المسألة.
* شروط صحة الاستجمار قسمان: شروط تتعلق بالمحل، وشروط تتعلق بما يُستجمر به.
* إذا حصل الإنقاء المطلوب بالحجر الأول هل يتبعه الثاني والثالث؟
* ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الريح.
* قوله: "ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم"، والصحيح في المسألة.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
شرعنا في باب الاستجمار وعرفنا حقيقته وهي أنه (إزالت خارج م سبيل بماء أو حجر) أو حجر بناء على أن الاستجمار مطهر وهذا هو الصحيح أن من استعمل الحجارة ونحوها حينئذٍ يكون المكان قد طهر ولو بقي يسير فحكمه أنه طاهر حينئذٍ لو عرق الرجل والمرأة وسال شيء من ذلك إلى الثياب فلا تكون الثياب حينئذٍ نجسة بناء على أنه طاهر ومن قال بأنه لا يعف عنه إنما يعف عنه في محله وهو المذهب فيعف عن يسير النجاسة في محله حينئذٍ يرى أن الثياب تكون نجس هذا محل الخلاف في الاستجمار هل هو مطهر أو لا؟ بمعنى أنه لابد أن يبقى شيء من الخارج على المحل حينئذٍ قد يزيل الحجر الأثر ولا يزيل كل النجاسة فيبقى شيء فيعرق المحل حينئذٍ قد يصيب شيء من الثياب ومن قال بأنه مطهر فالثياب طاهرة فمن قال بأنه نجس ويعف عن النجاسة في محلها وأما إذا تعدا فنرجع إلى الأصل فيحكم بأن الثياب نجسة والصحيح أن الاستجمار مطهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعمله وتواتر ذلك مع وجود الماء وهي رخصة ولا شك إنما جيء بها من أجل جلب التيسير والمشقة إنما تدفع بذلك وذكر شيء من الآداب وعرفنا الآداب منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب ومنها ما هو مكروه ومنها ما هو محرم ثم شرع في بينان شيء مما يتعلق بالأحكام فقال (ويستجمر ثم يستنجي بالماء)(ويستجمر) يعني بحجر أو نحوه (ثم يستنجي بالماء)(ثم) هنا للترتيب والترتيب مراد بمعنى أنه يستعمل الحجر أولاً فيزيل النجاسة ثم بعد ذلك يستعمل الماء فيجمع بينهما وعلى المذهب وهو صحيح من المذهب أن جمعهما مطلقاً أفضل والصحيح من المذهب أن الماء أفضل عند الانفراد إذاً يجمع بينهما بين الاستجمار والاستنجاء فيستعمل الحجر أولاً ثم يستنجي بالماء مرتباً ولأنه ذكر ثم هنا للترتيب وإن عكس كره بأن قدم الماء ثم الحجر قالوا لعدم الفائدة لأن المراد بالحجر ما هو؟ إزالت النجاسة؛ حينئذٍ لو استعمل الماء أولاً أزال النجاسة وعين النجاسة وأثر النجاسة ثم إذا استعمل الحجر حينئذٍ لا فائدة منه ولا فائدة فيه وذكر أن ذلك قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في حديث عائشة وصححه الترمذي (مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء فإن أستحييهم وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله) واحتج به أحمد كما في رواية حنبل ولفظ الترمذي بدل يتبعوا يستطيبوا بالماء وقال العمل عليه عند أهل العلم حينئذٍ المفضل عندهم أن يجمع بين الحجر والماء ومثله لو جمع بين المنديل مثلاً والماء فيستعمل أولاً المنديل ثم بعد ذلك يتبعه بالماء هذا الذي عليه المذهب والصواب أن الحديث المذكور حديث الترمذي كذلك رواه النسائي حديث ضعيف فإذا كان كذلك النبي صلى الله عليه وسلم استعمل الماء تارة فقط واستعمل الحجارة تارة فقط ولم يثبت عنه أنه جمع بين الحجر والماء فيبقى على أن المكلف إما أن يختار الماء وإما أن يختار الحجارة ولو وجد الماء ولو كان على ساحل بحر شاطئ مثلاً فاستعمل الحجارة ونحوها تقول هذا جائز لفعل النبي صلى الله عليه وسلم استعمل
الحجارة مع وجود الماء فدل ذلك على أنه يجوز أن يستعمل الحجارة أو نحوها ولو وجد الماء أما أن يجمع بينهما هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا لم يثبت حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو أن يستعمل كل واحد منهما على انفراد وأما كونه أبلغ في الإنقاء لأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تباشرها يده والماء يزيل ما بقي نقول هذا التعليل موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه جمع بينهما حينئذٍ كل تعليل لشيء تركه النبي صلى الله عليه وسلم حينئذٍ نقول هذا التعليل عليل ولا يلتفت إليه وأما حديث أن الله عزوجل أثنى على أهل مسجد قباء فقال فيهم (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) قال إنهم يتبعوا الحجارة الماء رواه البزار هذا كذلك حديث ضعيف ولم يثبت حينئذٍ الصحيح أن قول المصنف أنه يجمع بين الاستجمار والاستنجاء بالماء قول ضعيف والراجح خلافه وهو أنه لا يتعبد ويقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم بشيء لم يفعله حينئذٍ إما الماء وإما الحجر وما ذكر من حديث عائشة وكذلك حديث أهل مسجد قباء نقول هذا ضعيف والضعيف لا تثبت به أحكام شرعية وإنما قد يضعف بعض الفقهاء من أصحاب مذهب الإمام أحمد هذين الأثرين أو أحدهما لكن يجعلنه من باب فضائل الأعمال والصحيح أن فضائل الأعمال لا تثبت إلا بحديث صحيح ولا تثبت بالحديث الضعيف وما شاع عند المتأخرين بأن فضائل الأعمال ولو كان بحديث ضعيف تثبت هذا قول يحتاج إلى دليل لأن الأصل الشرعي على أن رواية من لم تقبل روايته مردودة فإذا استثنينا في بعض الأحكام الشرعية نقول هذا تخصيص للعام الذي دلت عليه عامة النصوص فإذا كان كذلك حينئذٍ لا يثبت التخصيص إلا بدليل شرعي صحيح إذا لم يثبت رجعنا إلى الأصل وهو العموم قال (ويجزئه الاستجمار) مر معنا أن الإجزاء المراد به الكفاية بمعنى أنه يخرج عن عهدة المطالبة فلا يطالب بأثر النجاسة بأن يزيلها لأن كما سيأتي أن إزالت النجاسة الاستجمار والاستنجاء يجب عند إرادة الصلاة ونحوها (ويجزئه) أي يكفيه (الاستجمار) يعني لوحده لو لم يضف إليه الماء لأنه بَيَّنَ أولاً أن الجمع بين الحجارة والماء أفضل ثم لو اقتصر على الحجارة ولم يستعمل الماء ولو مع وجود الماء قال هذا مجزئ بمعنى أنه كاف في إسقاط الطلب فلا يطالب بعد أن أزال النجاسة بالحجر أن يزيلها لوروده عن النبي صلى الله عليه وسلم (ويجزئه الاستجمار)(يجزئه) الإجزاء هو الكفاية كفاية العبادة أي كونها كافية في سقوط الطلب والخروج من العهدة لأن الواجب لا يكون المرء ممتثلاً له إلا بعد أن يأتي به فإذا جاء به على الوجه المطلوب شرعاً حينئذٍ نقول سقط عنه الطلب مثله لو صلى خطب بصلاة العصر حينئذٍ صلى صلاة شرعية مستوفية للشروط والأركان والواجبات حينئذٍ نقول لا يطالب بصلاة العصر وقد أسقطت هذه الصلاة التي صلاة الطلب وهذا كذلك (ويجزئه) أي يكفيه الاستجمار حتى مع وجود الماء وهذا مجمع عليه عند السلف وإن وقع عند بعض المتأخرين يعني السلف من التابعين ومن بعدهم نزاع شاذ بأنه لا يجزئ ولابد من الماء حينئذٍ نقول هذا ضعيف (ويجزئه الاستجمار) حتى مع وجود الماء في قول أكثر أهل العلم لحديث جابر مرفوعاً قول النبي صلى الله عليه وسلم
(إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار)(فليستطب) هذا أمر والأمر يقتضي الوجوب ثم علقه بثلاثة أحجار ولم يذكر الماء فدل على أن ثلاثة الأحجار مجزئه وكافية ثم بيَّن ذلك الحكم الذي دل عليه السابق (فإنها تجزئ عنه) يعني هذه الثلاثة الأحجار إذا استعملها في إزالت النجاسة مجزئة عنه ولو لم يستعمل الماء بل ولو وجد الماء معها (ويُجزئ) بضم أوله مهموز الآخر أي يخرج عن العهدة بالاستجمار بكل جامد منق كما سيأتي (إن لم يعد الخارج موضع العادة) ويجزئه الاستجمار مطلقاً أو مقيد؟ قال لك المصنف هنا بشرط (إن لم يعد)(يعد) هذا فعل مضارع مأخوذ من عداك الشر أي تجاوزك (إن لم يعد) أي إن لم يتجاوز (الخارج) من غائط أو بول (موضع العادة) والمعنى المراد إذا لم يتجاوز الخارج المخرج لا شك أن مخرج الغائط له مخرجه ثم ما قد يصيب المخرج ويزيد عليه قد يكون معتاداً وقد يكون غير معتاد - معتاد يعني في غالب الناس - وكذلك مخرج البول ثقب البول إذا خرج منه شيء حينئذٍ إما أن يتجاوز موضع العادة أو يتجاوز ما زاد على موضع العادة حينئذٍ قيد المصنف هنا بأن الاستجمار مقيد بالإجزاء في مخرج الغائط ومخرج البول وما تجاوز عادة حينئذٍ يزيل النجاسة التي على المخرج فإن انتشرت قليلاً عن المخرج كذلك يجزئه وأما ما خرج عن العادة فلا يجزئ في الخارج المتعدي لا في النجاسة التي تكون على المخرج لا يجزئ فيها إلا الماء هذا هو المعتمد في مذهب الحنابلة المتأخرين إذاً إذا تغوط حينئذٍ نقول له لك أن تستجمر فإذا استجمر حينئذٍ نقول ما كان على الخارج وما جاوره يجزئ فيه الاستجمار فإن تجاوز غير ذلك وتباعد إلى نصف الصفحة مثلاً أو زاد حينئذٍ نقول هذا الزائد لا يجوز أن يزيله بالحجر ونحوه وإنما يتعين فيه الماء رجوعاً للأصل وما هو الأصل؟ أن النجاسة لا تزال إلا بالماء الطهور حينئذٍ جاءت الرخصة فيما ماذا؟ جاءت الرخصة في إزالت النجاسة من على الموضع وسكت الشارع عما تجاوز عادة يعني مما يكون من شأن الناس فحينئذٍ يلحق به فنقول هذا يجزئ فيه الحجر ما زاد عن ذلك نقول الرخصة لا تتبع إلا معتاده الناس حينئذٍ لا يجزئ فيه إلا الماء ولذلك قوله (ويجزئه الاستجمار) بمعنى أن الاستجمار مجزئ لكن ليس مطلقاً في كل خارج لا، قال (إن لم يعد) إن لم يتجاوز (الخارج) من بول أو غائط (موضع العادة) يعني المخرج وما جاوره فإن تجاوز غير ذلك حينئذٍ ذلك المتعدي فقط لا يجزئ فيه إلا الماء لابد من الماء رجوعاً إلا الأصل (إن لم يعد الخارج موضع العادة) قال الشارح مثل أن ينتشر الخارج على شيئاً من الصفحة ويعنون بالصفحة باطن الألية المستتر بالانطباق عند القيام حينئذٍ إما يتجاوز إلا باطن الصفحة أو إلا ما عداها كالصفحة كاملة مثلاً حينئذٍ يعتبر ذلك متجاوزاً للعادة فلا يجزئ فيه إلا الماء أو يمتد إلى الحشفة امتداداً فلا يجزئ فيه إلا الماء وضحت المسألة إذاً هل كل استجمار مجزئ؟ الجواب لا فيه تفصيل فنقول التفصيل فيما ماذا؟ في كون استعمال الحجر للثقب نفسه المخرج وما جاوره عادة مجزئ وما تجاوز غير ذلك فلا يجزئ فيه إلا الماء والصحيح أنه يجزئ بلا قيد مطلقاً لماذا؟ لأن النصوص جاءت بالدلالة على
شرعية الاستجمار ولم يقيد وتقيدها بالعادة ونحوها نقول هذا تقيد لنص شرعي بدون دليل وإذا كان ذلك رجعنا إلى الأصل إذاً الصواب أنه يجزئ ولو تعدى الخارج إلى الصفحتين لماذا؟ أولاً: لعموم الأدلة لأن الأدلة ما جاءت مقيدة فالحديث السابق (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار) ما قال له إذا لم يعد الخارج موضع العادة لو كان الحكم كذلك لقيده النبي صلى الله عليه وسلم لكن لما قال (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب) ومعلوم من ذهب إلى الغائط أنه يحتمل أن يتجاوز الخارج موضع العادة يحتمل هذا والناس متفاوت في ذلك (فيستطب بثلاثة أحجار) أمره بالاستطابة ولم يقيد الحكم الشرعي بكونه إن لم يعد الخارج موضع العادة فنقول هذا إطلاق وعموم حينئذٍ نبقى عليه والتقيد هذا يحتاج إلى دليل وليس عندنا دليل واضح بيَّن ولم ينقله عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك تقدير لماذا؟ لأنك إذا قلت إن لم يعد الخارج موضع العادة ما هو موضع العادة؟ يختلف من شخص إلى شخص آخر فنحتاج في مثل هذا المواضع إلى تقدير شرعي بأن يقال ما كان إلى نصف الحشفة أو الحشفة كلها هذا تجاوز وهذا لم يتجاوز كذلك ما وصل إلى نصف الصفحة أو كلها كاملة حينئذٍ نقول هذا تجاوز وهذا لم يتجاوز لكن لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم تقدير في مثل ذلك فرجعنا إلى الأصل إذاً الصحيح فيجزئه الاستجمار مطلقاً لعموم الأدلة ولكون هذا التحديد يحتاج إلى نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل عنه في ذلك حرف واحد، (ويشترط للاستجمار بالأحجار ونحوها) الآن أراد أن يبين هل كل شيء يصح الاستجمار به أم لابد من شروط؟ لابد من شروط ليس كل شيء يصح الاستجمار به يعني الذي يزال به الشيء النجس حينئذٍ نقول لابد من شرط وهذا الشرط إما أن يتعلق بالمحل وإما أن يتعلق بالشيء المستجمر به يعني بالحجر ونحوه، ما تعلق بالمحل شرطان - المحل يعني الخارج القبل أو الدبر - الأول: أن لا يجف يعني أن لا يتأخر فيجف الموضع لأنه إن جف حينئذٍ كيف يستعمل الحجر كيف يستعمل المنديل كيف يستعمل الخرقة نقول هذا متعذر لأنه لا يمكن إزالت النجاسة على هذا الحال والمراد بالاستجمار من حيث الشرعية ما هو؟ إزالت النجاسة هذا هو الأصل وهو مدرك العلة من هذه الحيثية، الثاني: على كلام المصنف أن لا يعد الخارج موضع العادة فالشرط السابق يتعلق بالمحل وعلى ما سبق ترجيحه يبقى عندنا شرط واحد وهو أن لا يجف المحل، ومن تعريف الاستجمار السابق قلنا ماذا؟ ما حقيقته؟ إزالت الخارج من سبيل؛ هذا تضيفه هنا لكن بيناه فيما سبق بمعنى أن الذي يصح الاستجمار فيه أن يكون سبيلاً أصلياً هل عندنا سبيل أصلي وتقليد؟ نعم عندنا السبيل الأصلي المراد به المخرج نفسه يعني مخرج الغائط ومخرج البول قد يكون وهذه مسألة مفروضة في السابق وموجودة الآن وهو أنه قد يفتح له فتحة مثلاً تحت السرة ويكون مخرجاً للبول أو الغائط ويمثل لها فيما سبق إذا فتح له في بطنه وهذا موجود حينئذٍ هذا الموضع الذي ليس بسبيل أصلي ليس بقبل أو دبر إذا خرج منه الخارج بول أو غائط هل يجزئ فيه الاستجمار أو يتعين فيه الماء؟ يتعين فيه الماء لماذا؟ لأن الاستجمار رخصة وإنما وردت في موضع
معين وهو القبل والدبر بشرط أن يكون أصلياً موضعه أصلي فإن فتح له فتحة في موضع آخر في جسده أيا كان ذلك الموضع وخرج منه البول أو الغائط حينئذٍ نقول هذا الموضع الثاني ليس بسبيل أصلي فلا يجزئ فيه إلا الماء يتعين فيه الماء ولا يجزئ فيه الاستجمار هذا فيما سبق في حد الاستجمار إذاً أن لا يجف المحل وزد عليه بأن يكون السبيل أصلياً وعلى كلام المصنف أن لا يعد الخارج موضع العادة، أما ما يتعلق بالاستجمار بالحجر نفسه ففيه شروط (ويشترط) ومعلوم حقيقة الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته حينئذٍ إذا انتفاء وصف من هذه الأوصاف في الحجر الذي يستجمر به نقول لا يصح الاستجمار به فإن استجمر به حينئذٍ كمن صلى بلا طهارة عمداً أليس كذلك؟ لأن الطهارة شرط فلا تصح الصلاة إلا بطهارة فإن صلى بدون طهارة حينئذٍ نقول صلاته باطلة ولا تصح ولكونه فوت شرط من شروط صحة الصلاة هنا كذلك نقول الاستجمار يشترط في الحجر أن يكون طاهراً مثلاً فإذا انتفت الطاهرية عن الحجر حينئذٍ نقول لو استجمر بحجر نجس نقول لا يصح استجماره لماذا؟ لفوات شرط من شروط صحة الاستجمار (يشترط للاستجمار) قال (بأحجار ونحوها) يعني ما يشابه الأحجار فقد جاء النص بذكر الأحجار لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: -في الحديث السابق - (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليستطب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه) هذا دليل واضح بيِّن على أن الحجر يستجمر به (ونحوها) ونحو الأحجار مثل الخشب والخرق والتراب ونحوه حينئذٍ نقول هذا يحتاج إلى دليل لأن الذي ورد النص به صريحاً هو الحجر وغير الحجر هل ورد النص به أم أنه مقيس عليه هذا محل خلاف بين أهل العلم والصحيح الذي عليه أكثر أهل العلم أن غير الحجر إذا أدى ما يؤديه الحجر حينئذٍ هو في حكمه مثله بمعنى أنه لا يتوقف الاستجمار بالأحجار فحسب وإنما كل ما يمكن إزالت النجاسة مع بقية الشروط فهو مما يستجمر به فالحجر ونحوه نقول هذا يستجمر به ولذلك قال سلمان رضي الله تعالى عنه (أمرنا أن لا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم)(أن لا نكتفي دون ثلاثة أحجار ليس فيها رجيع - هل هو حجر؟ لا - ولا عظم - هل هو حجر؟ لا -) لو كان الحكم مقصوراً على الحجر فقط لما كان لهذا الاستثناء معنى فلما استثنى دل على أن مراده دون ثلاثة أحجار ونحوها مما يؤدي وظيفة الحجر ليس فيها رجيع ولا عظم فهذا الاستثناء يدل على أن الحكم السابق عام وليس بخاص ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يستجمر بعظم أو روث ولنهيه أن يستنجى بعظم أو روث لما عين العظم والروث سواء كانا طاهرين أو نجسين كما سيأتي لما عين ونهى عنهما دل على أن ما عداهما الأصل فيه الجواز إذاً ونحوها نقول هذا واضح من حيث الدليل (ويشترط الاستجمار بأحجار ونحوها أن يكون طاهراً) أن يكون ما يستجمر به الحجر مثلاً ونحوه طاهراً خرج به النجس فالنجس لا يزيل النجس إنما يزيده نجاسة وهذا واضح بين (أن يكون طاهراً) فلا يصح بنجس لما رواه البخاري (ولا تأتن بعظم ولا روث) ولحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين
وروثة - حجرين ورثة جاء للنبي بهذه الثلاثة - فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحجرين وألقى الروثة، وقال (هذا رجس) يعني نجس ولم يقل هذا ليس بحجر وإنما قال هذا رجس فدل على أمرين الأول: أنه يستجمر بغير الحجر لأنه علل بشيء ليس بحجر لو كان لا يستنجى بغير الحجر لألقى الروثة وقال ليس بحجر وإنما قال هذا رجس فدل على أنه يجوز الاستجمار بغير الحجر، ثانياً: علل في رفضه ورده للروثة بأنها رجس فدل على أن كل ما كان نجساً فلا يستجمر به لأن الاستجمار إنما يكون لإزالت النجاسة والنجاسة لا تزيل النجاسة بل هي تزيدها وقال (هذا رجس) رواه البخاري، هذا الأول أن يكون طاهراً قال في الشرح مباحاً وهذا على الصحيح من المذهب لأن ما كان محرماً لا يصح الاستجمار به لأنه رخصة ولكل رخصة معلقة بما أباحه الشرع كذلك رخصة وهو كذلك طاعة ولكل منهي عنه لا يتقرب به إلى الله عزوجل فلو استجمر بذهب وفضة مثلاً ماذا نقول؟ لا يصح استجماره لماذا؟ لأنه لا يحل له سواء كان ذكراً أو أنثى أن يستعمل الذهب والفضة كما سبق في باب الآنية حينئذٍ لو استعمل الذهب والفضة أو المغصوب أو المسروق سرق حجر نقول لا يصح استجماره لكونه محرماً وهذا منهي والمنهي عنه نقول لا يتقرب به إلى الله تعالى وسبق معنا قاعدة عامة النهي يقتضي فساد المنهي عنه فهو منهي عن أن يستعمل هذا الحجر المسروق أو المغصوب أو الذهب أو الفضة في كل ما يكون قربة إلى الله عزوجل حينئذٍ إذا استعمله نقول هذا الاستجمار غير مجزئ كمن توضأ بماء مغصوب أو بماء مسروق أو بماء موقوف للشرب نقول وضوؤه لا يصح كما سبق بيانه فلو توضأ بماء موقوف البرادات مثلاً أو بالحرم زمزم نقول هذا الماء موقوف للشرب فلو توضأ به وضوؤه باطل ولا يصح لأنه محرم عليه استعمال في غير الشرب إذا كتب موجود في بعض الطرق ماء للشرب بمعنى أنه عينه الواقف بأن هذا الماء لا يستعمل إلا للشرب فله أن يشرب ما شاء وله عند بعضه أن يحمل إذا كان للشرب وأما استعمله في غير الشرب فهذا محرم وإذا كان كذلك فإذا ترتب عليه عبادة نقول العبادة باطلة من أصلها إذاً كما يشترط في الوضوء أن يكون مباحاً يشترط في الحجر أن يكون مباحاً وهذا هو الصحيح مذهباً وترجيحاً (منقياً) أي يشتر ط فيما يستجمر به أن يكون (مُنْقِيَاً) هذا اسم فاعل من أنقى حينئذٍ كل ما ينقي يصح الاستجمار به وأما ما لا ينقي يعني ما لا يحصل به الإنقاء فهذا لا يصح الاستجمار به وحد الإنقاء بالحجار بقاء أثر لا يزيله إلا الماء هو لابد أن يبقى، الاستجمار الفرق بينه وبين الاستنجاء أن الاستنجاء يزيل العين والأثر وأما الاستجمار يبقى شيء لا يزيله إلا الماء إن بقي شيء لا يزيله إلا الماء حينئذٍ نقول المحل قد طهر والاستجمار الصحيح هو ما استعمله يكون صحيحاً لأنه أنقى الموضع (منقياً) يعني يحصل به الإنقاء وحد الإنقاء بالأحجار بقى أثر لا يزيله إلا الماء والتعليل واضح أن الاستجمار إنما شرع من أحل إزالت النجاسة فكل ما يزيل فهو مشروع وما لا يزيل فليس بمشروع مع بقية الشروط (غير عظم وروث) استثنى هذا شرط وجودي أو عدمي؟ هذا شرط عدمي والأول شرط وجودي (غير) بالنصب (عظم ورث) العظم والروث نوعان منه ما
هو نجس ومنه ما طاهر مثل ماذا الروث الطاهر؟ مأكول واللحم الغنم روثها طاهر الدجاج كذلك الحمام كل مأكول اللحم روثه طاهر والعظم مثل ماذا؟ عظم ما يؤكل لحمه مذكاة، الروث النجس مثل ماذا؟ غير مأكول اللحم القط مثلاً، عظم نجس؟ عظم ما لا يؤكل لحمه لأنه ميتة الميتة عظمها نجس كما سبق بيانه حينئذٍ العظم والروث نوعان منه ما هو طاهر ومنه ما هو نجس ما كان نجساً خرج بقوله (أن يكون طاهراً) بقي ماذا؟ الطاهر (غير عظم وروث) قال الشارح ولو طاهرين بمعنى أن الروث والعظم قد يكون نجساً وقد يكون طاهراً والمنع هنا متعلق بالنوعين بالعظم والروث النجس لكونه ليس بطاهر بل هو داخل في الشرط الأول والعظم الطاهر والروث الطاهر لورد النص الخاص به وهذا يؤكد المسألة السابقة أن المغصوب والذهب والفضة والمحرم لا يصح الاستجمار به فإذا استجمر بما نهي عنه شرعاً كالعظم والروث الطاهرين حينئذٍ قد استعمل ما نهي عنه حينئذٍ لا يترتب عليه الأثر إذاً (غير عظم وروث) النجس واضح حكمه فيما سبق وأما الطاهر حينئذٍ جاء النص الخاص به بمنعه فيكون محرماً من حيث الاستعمال فلا يجزئ حينئذٍ استعمال العظم والروث لحديث (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن) رواه مسلم والترمذي وقال العمل عليه عند أهل العلم وكذلك حديث أبي هريرة (نهى أو نهي أن يستنجى بعظم أو روث) وقال (إنهما لا يطهران) إذا كانا نجساً (إنهما لا يطهران) رواه أبو خزيمة وغيره وقال الشيخ يعني ابن تيمية (الاستنجاء لا يجوز بالرجيع بحال إما لنجاسة وإما لكونه علفاً لدواب إخواننا من الجن) إذاً يشترط فيما يستجمر به أن يكون طاهراً منقياً وزدنا مباحاً غير عظم وروث ولو طاهرين، (وطعام ومحترم ومتصل بحيوان) هذه ثلاثة أشياء كلها داخلة في قوله (محترم)(طعام) يعني ولو كان فضلة الطعام لا يستجمر به ولو أزال النجاسة لماذا؟ لكونه محترماً ولذلك قال الشارح (ولو لبهيمة) فإذا منع طعام البهيمة فمن باب أولى أن يمنع طعام الآدمي (ولو لبهيمة) لأنه كطعام الآدمي (ومحترم) وهو ما له حرمة ويدخل فيه الطعام ويدخل فيه المتصل بحيوان حينئذٍ ذكره كاف عن ذكر الطعام والمتصل بحيوان ومثل الشارح بالمحترم (ككتب علم شرعي تعظيماً وما فيه ذكر الله تعالى قال في الإنصاف هذا لا شك فيه ونعلم ما يخالفه)(ومتصل بحيوان) لأنه له حرمة فإذا نهي عن علفها فمن باب أولى وأحرى وهذا فيم إذا استعمل ذنب بالبهيمة أو صوفها المتصل بها حينئذٍ نقول هذا منهي عنه إذاً يشترط فيما يستجمر به (أن يكون طاهراً منقياً غير عظم وروث وطعام) بالجر على أنه عطف على الشرط العدمي (ومحترم) يعني غير محترم (ومتصل بحيوان) يعني غير متصل بحيوان إن استجمر بواحد من هذه الأوصاف أو ما اشتمل على هذه الأوصاف لا يصح استجماره على الصحيح وإن ذهب بعض أهل العلم على صحته على أن الجهة منفكة يعني صح مع الإثم والصواب أنه لا يصح لأننا إذا صححاً مثل هذه لما أوقفنا الناس عن الكف عن المحرمات ثم الحديث واضح بين (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا قد عمل عملاً ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فهو رد ومردود عليه، ثم قال (ويشترط ثلاث مسحات منقية
فأكثر) يعني يشترط زيادة على ما مضى في الإجزاء في الاستجمار أن يكون بثلاثة أحجار وهذا يعينه النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى أنه حدد ثلاثة أحجار كما جاء حديث عائشة السابق (فليستطب بثلاثة أحجار) حينئذٍ إذا يعين النبي صلى الله عليه وسلم عدداً معين فالأصل فيه عدم الزيادة وعدم النقصان ولما جاء النهي عن أن لا يستجمر بأقل بثلاثة أحجار سكتنا عن الزيادة وعلقنا الترك فيما ماذا؟ فيما نقص عن ثلاثة أحجار إذاً (يشترط ثلاث مسحات) يعني ثلاثة أحجار والحديث يقتضي ثلاث مسحات دون عين الأحجار وذلك أن معناه معقول ومراده معلوم هذا في الحديث السابق وجاء في حديث (إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثاً) وعن سلمان (نهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) رواه مسلم وهذا نص صريح واضح بين بأنه لابد من استيفاء الثلاثة وأنه إذا حصل الإنقاء ولو بحجر واحد لا يجزئ وهذا دل على شيء سبق التنبيه عليه وهو أنه قد يكون الحكم معلوماً والتعليل معلوماً وقد لا يطرد معه سبق في الماء القليل إذا حلت فيه النجاسة ولم يرى لها أثر دل النص على أنه نجس وهو كذلك حينئذٍ لا نعلل بأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً لو طبقاً هذه القاعدة على الماء القليل الذي أصابته نجاسة ولم يتغير قلنا هذا ليس بنجس لماذا؟ لأن أثر النجاسة لم يبدو على الماء فحلت النجاسة في الماء حينئذٍ لم يتغير لم يظهر لها أثر إذاً النجاسة من حيث الإدراك العقلي البشري غير موجودة لكن حكم الشارع بأنه نجس فنقف معه ولا نقول الحكم يدور مع علته وجود وعدماً لو عللنا هناك كذلك لعللنا في هذا الموضع بنفس الكلام لماذا؟ لأن الأحجار الثلاثة منصوصاً عليها حينئذٍ قال أهل العلم لا يحل له أن يستجمر بأقل من ثلاث ولو زالت النجاسة بالحجر الأول إذاً استجمر بالحجر الأول فزالت النجاسة استجمر بالحجر الثاني وليس ثَمَّ نجاسة ويلزمه استعمال الثالث وليس ثَمَّ نجاسة لو كان التعليل بوجود النجاسة لقلنا الحكم يدور مع علته وجود وعدماً فإذا لم توجد النجاسة التي يزيل الحجر الثاني والثالث لقلنا الأصل سقوط الثاني والثالث لو جرينا على هذه القاعدة لا ما أوجبنا الثلاث إذا أزال الحجر الأول عين النجاسة لأن الثاني لم يجد نجاسة من أجل إزالتها والثالث كذلك لو عللنا بهذه العلة السابق التي يذكرها الفقهاء في باب الماء لقلنا فهذا الموضع كذلك ولكن لما كان الحكم توقيفياً بمعنى أنه قد تكون العلة مدركة من وجه وقد تكون مجهولة من وجه آخر حينئذٍ نقول ندور مع الشرع وجوداً وعدماً فإذا أثبت الشرع بأن الماء القليل نجس ولو لم ندرك النجاسة نحن حينئذٍ نرجع إلى أنفسنا ونقول النجاسة موجودة وكذلك هنا الحجر الثاني يجب استعماله والثالث ولو لم تكن النجاسة موجودة لماذا؟ للدليل الذي أوجب ذلك إذاً (يشترط ثلاث مسحات) ولا يجزئ دون الثلاث لكن عبر هنا بالمسحات ليدل على أنه قد يجوز استعمال الحجر الواحد إذا كانت له شعبتان أو ثلاث فالمراد به المسحة التي تعم الموضع سواء كانت بحجر واحد أو بحجرين أو بثلاثة حينئذٍ يعمم الموضع مسحة كاملة ثم يعممه مسحة ثاني كاملة ثم يعممه مسحة ثالثة كاملة سواء كان بحجرين أو بثلاثة أو بحجر واحد واضح هذا
(ثلاث مسحات مُنْقِيَة) وهذا شرط فيه أن تكون هذا الثلاثة المسحات يحصل بها التنظيف (فأكثر) يعني لا يقل عن المشروع وهي ثلاثة وله أن يزيد إذا لم يحصل الإنقاء بالثلاثة إذا بقي مع الثلاث وأزال به نجاسة تعين عليه أن يزيد الرابع ويسن أن يقطعه على وتر إذا لم تزل النجاسة بالرابع تعين أن يزيد الخامس وهكذا حتى يزيل النجاسة لأن إزالت النجاسة هذا متعين حينئذٍ لابد من زيادة العدد باعتبار إزالت النجاسة وأما إذا زالت النجاسة حينئذٍ يتعين عليه الثلاث (ثلاث مسحات منقية فأكثر إن لم يحصل بثلاث ولا يجزئ أقل منها يعني من الثلاث المسحات ويعتبر أن تعم كل مسحة المحل) ويعتبر يعني يشترط أن تعم كل مسحة المحل لأنه إن لم تكن كذلك لم تكن مسحة بل هي بعض مسحة (ولو بحجر ذي شعب) يعني صاحب شعب جمع شعبة وهي الطرف يعني ذي أطراف (ولو) كانت الثلاث المسحات (بحجر) واحد - حجر كبير طبعاً - حجر واحد يكون له (شعب) ثلاث حينئذٍ يجزئ إن أنقت لما روى أحمد عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا تغوط أحدكم فليمسح ثلاث مرات) فبين أن الغرض عدد المسحات لا الأحجار ولأنه يحصل بالشعب الثلاث ما يحصل بالأحجار الثلاث من كل وجه وكيفما حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأ بمعنى أن الفقهاء بعضهم بين كيفية الاستجمار أن يأتي كذا ويمر على كذا فصل لك الكيفية ولكن هذه الكيفية لم تثبت لم تنقل إنما هي اجتهاد من الفقهاء فإذا كان كذلك كيفما حصل الإنقاء أجزأ لأن المراد تعين الحجر لإزالت النجاسة ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة الاستعمال فإذا كان كذلك لا نحدده تحديده يكون من باب التدخل في الشرع (ويسن قطعه على وتر) يعني متى هذا؟ إذا زاد عن الثلاث ولم تزل النجاسة إلا بالحجر الرابع حينئذٍ الحجر الخامس الأصل فيه عدم الحاجة إليه لأن النجاسة قد زالت وجاء الحديث (من استجمر فليوتر) حينئذٍ دل ذلك على أنه يستحب الوتر في الاستجمار فإذا أنقى بالرابعة لم تنقطع النجاسة إلا بالرابعة حينئذٍ يزيد الخامسة وإذا لم تكن الخامسة حينئذٍ يزيد بالسادسة والسابعة وهكذا ولذلك قالوا (ويسن قطعه على وتر) يعني فرد (قطعه) أي قطع ما زاد على الثلاث (على وتر) فإن أنقى برابعة زاد خامسة وهكذا وإن أنقى بسادسة زاد سابعة لحديث (من استجمر فليوتر) وهو حديث متفق عليه وليس بواجب، (ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الريح ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم)(يجب) هذا حكم شرعي بين لك حكم الاستنجاء ما حكمه؟ هو إزالت نجاسة فإذا كان كذلك حينئذٍ نقول الأصل في إزالت النجاسة إن كانت هذه النجاسة مشترط زوالها واجتنابها في الصلاة ونحوها حينئذٍ واجب فنقول (يجب الاستنجاء) في الصلاة ونحوها يعني مما يشترط فيه إزالت النجاسة كالطواف ونحوه ودليل الوجوب قوله تعالى (وثيابك فطهر) وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب والحديث السابق حديث عائشة (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه) والرواية السابقة (فليستطب) والأمر للوجوب قوله (فإنها تجزئ عنه) لفظ الإجزاء تدل على الوجوب أليس كذلك؟ لفظ الإجزاء عند كثير من الأصوليين يدل على الوجوب وعند بعضهم لا يدل على الوجوب وإنما يدل على المطلوب (وخصص
الإجزاء بالمطلوب
…
وقيل بل يختص بالمكتوب) بمعنى أنه خاص بما وجب فإذا قال الشارع يجزئ كذا دل على أنه واجب ومن هنا اختلفوا في الأضحية بلفظ الإجزاء هل هي واجبة أم سنة؟، (ويجب الاستنجاء) عرفنا الدليل (لكل خارج) من سبيل أصلي يعني كل خارج سبق في قول المصنف الشارح في تعريف الاستجمار أنه إزالت الخارج من سبيل وعرفنا أن الخارج قد يكون معتاداً وقد يكون غير معتاد بمعنى أنه نادر وقد يكون طاهراً وقد يكون نجساً وقد يكون كل منهما جافاً وقد يكون مائعاً حينئذٍ هل كل هذه يجب الاستجمار لها؟ هل كل هذه المواضع يجب الاستجمار لها؟ المصنف قال (لكل خارج) وكل هذه من صيغ العموم (إلا الريح) استثنى الريح إذاً الاستثناء معيار العموم فكل خارج من طاهر غيره ملوث وغير ملوث وجب الاستجمار له لماذا؟ لعموم الأدلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب بثلاثة أحجار) قد يذهب ويخرج شيئاً نادر الشيء النادر يعنون به الدود مثلاً والشعر ونحوه والشيء المعتاد كالبول والغائط والطاهر مثل ماذا؟ مثل المني والشيء النجس واضح والشيء النجس قد يكون ملوثاً وقد لا يكون ملوثاً العبر قالوا الجاف هذا قد لا يلوث الموضع حينئذٍ النبي صلى الله عليه وسلم قال (فليذهب بثلاثة أحجار) فدل ذلك على أن كل خارج يجب عليه أن يستعمل ثلاثة أحجار واستثنى المصنف الريح وهذا محل إجماع عند السلف أن الريح لا يستجمر لها ولا يستنجى بل عدوه من البدع نص على ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى حينئذٍ (لكل) خارج من سبيل إذا أراد الصلاة ونحوها (إلا الريح) هذا المذهب وزاد المصنف الشارح (الطاهر وغير الملوث) حينئذٍ عند المتأخرين عند الحنابلة مما لا يستجمر له ولا يستنجى ثلاثة أشياء الريح ثانياً الطاهر كالمني وثالثاً غير الملوث يعني النجس الذي يخرج نجساً جافاً لا يلوث الموضع فهذا لا يجب له استجمار قالوا لأنه إنما شرع لإزالت النجاسة ولا نجاسة هنا قال في الفروع (وهو أظهر) قال في الرعاية (وهو أصح) قال في الإنصاف (قلت وهو الصواب فكيف يستنجي أو يستجمر من طاهر - يتعلل بذلك - أم كيف يحصل الإنقاء بالأحجار في الخارج غير الملوث كيف يزيله وهو لم يكن في الموضع شيء هل هذا إلا شبيه بالعبث) هكذا قال في الإنصاف على كل هذا تعليل والنصوص عامة وإن احتيط فهو أولى، ثم قال (ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم) هذه صورة قليلة الوقوع ونادرة أنه لو تغوط أو تبول ثم توضأ ثم رجع فاستجمر أو استنجى هل وضوؤه صحيح أم لا؟ وبعبارة أخرى هل الاستنجاء والاستجمار شرط في صحة الوضوء أو لا؟ على ما اختاره المصنف أنه شرط ولذلك قال (ولا يصح قبله) أي قبل الاستنجاء لماء أو حجر نحوه (وضوء ولا تيمم) فإن توضأ قبل أن يستنجي يعني انقطع الخارج الآن هذا قطعاً إذا استمر الخارج فتوضأ ما صح وضوؤه محل وفاق لكن انقطع الخارج ولم يغسل الموضع ثم توضأ نسي قد ينسى حينئذٍ إذا توضأ ولم يستجمر قال المصنف هنا (ولا يصح قبله) يعني قبل الاستنجاء (وضوء ولا تيمم) لماذا؟ قالوا لحديث المقداد المتفق عليه (يغسل ذكره ثم يتوضأ) ثم هنا تفيد الترتيب حينئذٍ رتب النبي صلى الله عليه وسلم اغسل ذكرك أولاً يعني استنجي أو
استجمر ثم بعد ذلك توضأ فدل ذلك على الترتيب لما ذكر ثم دل على أنه لابد أن يقع الاستنجاء أولاً ثم يتبعه بالوضوء فإن عكس لم يصح الوضوء هذا لفظ النسائي حديث المقداد وقال الحافظ (منقطع) قول الشارح لحديث المقداد المتفق عليه يغسل ذكره ثم يتوضأ هو متفق عليه في الأصل وأما هذا اللفظ فلا هذا لفظ النسائي وهو منقطع ضعيف لم يثبت ولفظ مسلم (يغسل ذكره ويتوضأ) بالواو والواو لا تفيد ترتيباً إنما تفيد لمطلق الجمع فقط لا تدل على الترتيب ولا المصاحبة وإنما تفيد مطلق الجمع حينئذٍ قد يكون السابق في الذكر هو المتأخر وقد يكون بالعكس ولأحمد وأبي داود ونحوه ولفظ البخاري (توضأ واغسل ذكرك) قدم الوضوء على غسل الذكر قال الحافظ (ووقع في العمدة نسبة ذلك للبخاري بالعكس وفي لفظ لمسلم [اغسل ذكرك وتوضأ] وفي بعض الروايات [توضأ ونضح فرجك] والواو لا تقتضي الترتيب بل لمطلق الجمع على المشهور) قال النووي (والسنة أن يستنجي قبل الوضوء ليخرج من الخلاف ويأمن انتقاض طهره) حينئذٍ لو توضأ بعد استنجائه على كلام النووي وغيره صح لكن بشرط أن لا يمس فرجه لأن مس الفرج يعتبر من نواقض الوضوء فإن أمكنه أن يستنجي أو يستجمر دون أن يمس فرجه حينئذٍ وضوؤه صحيح لأن الرواية التي ذكرها المصنف هنا الشارح فيها نظر فنرجع إلى الأصل ولم يدل دليل على أنه يشترط الترتيب أو أن الاستنجاء أو الاستجمار شرط لصحة الوضوء ولكن احتياطاً والأولى أن لا يفعل ذلك عمداً لكن لو نسي توضأ ثم غسل ثم سأل لا نستطيع أن نبطل صلاته أو وضوؤه لعدم وجود الدليل الذي يدل على البطلان إذاً (ولا يصح قبله وضوء ولا تيمم) نقول الرواية المعتمد عليها ضعيفة من حيث اللفظ ونبقى على الأصل والأصل عدم شرط للوضوء إلا ما دل الدليل الصحيح الواضح البين يعني الأصل ما هو الشرطية أو عدمها؟ الأصل عدم الشرطية حينئذٍ لا يقال بأن هذا شرط لصحة الوضوء إلا إذا دل دليل واضح بين وإذا لم يرد رجعنا إلى الأصل ثم قال باب السواك وسنن الوضوء نقف على هذا
والله أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين