المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عناصر الدرس * باب المسح على الخفين، والحكمة من التبويب به - الشرح الميسر لزاد المستقنع - الحازمي - كتاب الطهارة - جـ ٨

[أحمد بن عمر الحازمي]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ ‌عناصر الدرس * باب المسح على الخفين، والحكمة من التبويب به

‌عناصر الدرس

* باب المسح على الخفين، والحكمة من التبويب به بعد الوضوء.

* حكم المسح على الخفين ثابت بالأخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

* الفرق بين من عصى بسفره، ومن عصى في سفره، وهل يجوز لهما الترخص؟

* يبدأ المسح على الخف من أول حدث.

* شروط الممسوح عليه.

* المسح على الجورب، والعمامة.

* للعمامة في لسان العرب صفتان فقط.

* حكم من جُبر له عضو من أعضاء الطهارة.

* من مسح في سفر ثم أقام، أو عكس، أو شك في ابتدائه.

* تعريف الجرموق، وحكم المسح عليه، وصفة المسح.

* محل المسح من الحائل.

* نواقض المسح على الخف، ونحوه.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد

فنشرع في شرح الزاد المختصر حيث وقفنا عند باب المسح على الخفين، وباب المسح على الخفين يذكره الفقهاء بعد باب الوضوء وصفة الوضوء لأن أحكامه تتعلق بأحد أحكام الوضوء، حيث أنه الأصل يغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ويغسل قدميه هذا الأصل ثم القدمان قد تكونا مكشوفتين حينئذٍ الأصل هو الغسل هذا هو الواجب وقد تكونا مستورتين في حائل حينئذٍ جاء الباب الذي يعنون له الفقهاء بمسح الخفين وبعضهم يعنون بمسح الحائل وهو أشمل لأنهم سيذكرون أربعة أمور المسح على الخفين والعمامة والجبيرة والخمار هذا أربعة أشياء تذكر تحت هذا الباب ويعنون للباب بالمسح على الخفين لأن المسح على الخفين هو الأصل ولذلك العمامة مقيسة عليه مع وجود بعض النصوص وكذلك المسح على الخمار مقيس على المسح على الخفين والجبيرة كذلك إذاً ترجع إلى المسح على الخفين قال أحمد [سبعة وثلاثون نفساً يرون المسح عن النبي صلى الله عليه وسلم] فهو ثابت وهو محل إجماع عند أهل السنة والجماعة، (باب مسح الخفين) [المسح لغة: إمرار اليد على الشيء]، [وشرعاً: إصابة البِلة لحائل مخصوص في زمن مخصوص]، [إصابة البلة] ولا يقيد بالمسح باليدين لأن المراد هو المسح فحسب بمعنى أنه لو مسح بيده أجزأ وهو الأصل ولو مسح بشيء يبله بماء ثم مسح به دون أن يباشر بيديه كذلك أصاب السنة، ولذلك يعرف [بإصابة البلة] إصابة أعم من أن تكون باليد أو غيره فلو بلالا منديل مثلاً ومسح خفيه صح [لحائل مخصوص في زمن مخصوص] يعني ليس مطلقاً كما سيأتي تفصيله، [والخف واحد الخفاف التي تلبس على الرجل سمي بذلك لخفته وقيل مأخوذ من خف البعير]، [وهو شرعاً: الساتر للكعبين فأكثر من جلد ونحوه] والمذهب وكثير من الفقهاء يخصون ما كان من جلد باسم الخف وما عداه فسيأتي أسماؤه كالجرموق وغيره باب مسح الخفين وهو رخصة وهو مذهب الأئمة وهو مجمع عليه ولذلك قال حسن [حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على خفيه] وقال النووي [روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة] ولذلك قال الإمام أحمد [ليس في نفس من المسح شيء في أربعون حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم] وقال بن القيم رحمه الله تعالى [صح في الحضر وفي السفر ولم ينسخ حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم] إذاً هو محل إجماع وجاءت النصوص مبينة لذلك، ولذلك نقول الأصل في المسح حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال (كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما فإن أدخلتهما طاهرتين) والحديث مخرج في الصحيحين، كذلك حديث جرير (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه) إذاً بال ثم توضأ ومسح على خفيه دلت ذلك على أن المسح ثابت ولذلك قال إبراهيم النخعي [وكان يعجبهم ذلك لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة] لأن المائدة جاء فيها (وأرجلَكم) بالنصب عطفاً على الغَسل حينئذٍ هل هو ناسخ للمسح على الخفين أو لا؟ نقول ليس بناسخ للمسح على الخفين؛ لماذا؟ لأن النبي

ص: 1

صلى الله عليه وسلم مسح بعد نزول آية المائدة بدليل أن جرير أسلم بعد نزول المائدة، إذاً المسح ثابت وهو رخصة، قال المصنف رحمه الله تعالى (يجوز يوماً وليلة لمقيم ولمسافر ثلاثة بلياليها) هذا بيان لمدة المسح كم تكون؟ ثَمَّ فرق بين المقيم والمسافر فكل من لم يكن مسافراً فهو مقيم وينبني هذا على الخلاف في حقيقة السفر لم تكون إلى آخره فمن ثبت سفره حينئذٍ انتفت عنه الإقامة وأما المذهب فالناس فيه على ثلاثة أقسام أو ثلاثة أحكام؛ الأول الإقامة وهي لكل مسافر أقام إقامة تمنع القصر فإنه مقيم ولا يسمى مستوطناً، والمستوطن هو الذي اتخذ هذا البلد وطناً له، والسفر واضح حكمه فحينئذٍ الأقسام ثلاثة، والصحيح أنه ليس عندنا إلا مسافر ومقيم فكل مقيم سواء أقام في بلده الذي ولد فيه ونشأ فيه فهو مقيم وكذلك إذا سافر وعلى القول بأنه إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام فهو كذلك مقيم وليس عندنا شيء اسمه مستوطن لعدم وجود النصوص، إذاً (لمقيم) هذا أراد به ما يقابل المسافر (يجوز يوماً وليلة) يعني (يجوز) المسح على الخفين (يوماً وليلة) يعني أربع وعشرين ساعة (لمقيم) ويدخل فيه المستوطن على المذهب والدليل على ذلك حديث علي رضي الله تعالى عنه وهو مخرج في صحيح مسلم (جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمقيم يوماً وليلة) إذاً ثَمَّ تحديد وهذا وقت له ابتداء وله انتهى إذاً هي عبادة مؤقتة المسح على الخفين يعتبر عبادة مؤقتة من الذي أجاز أصالة من حيث المسح هو الشرع من الذي قيد ووقت هو كذلك الشرع، (ولمسافر ثلاثة بلياليها) يعني اثنتان وسبعون ساعة، فثلاثة أيام بلياليها كذلك جاء بالنص (ولمسافر ثلاثة أيام بلياليهن) وهذا وإن لم يكن محل وفاق بين أهل العلم إلا أنه قول الجمهور حيث أن مالك رحمه الله تعالى خالف في هذه المسألة، إذاً أول ما بدء المصنف رحمه الله تعالى ببيان التوقيت (يجوز يوماً وليلة) لماذا عبر بالجواز مع كونه قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً؟ قال يجوز لأنه رخصة وهو يكون في المأذون فيه بلا نزاع والمأذون فيه هو ما لم ينهى عنه حينئذٍ يدخل فيه الواجب والمستحب والجائز إذا قيل يجوز لا يمنع أن يكون واجباً ولا يمنع أن يكون مندوباً ولا يمنع أن يكون مباحاً بالاصطلاح الأصولي حينئذٍ لا يرد على المصنف من حيث كون المسح يوم وليلة هو واجب أو مستحب لأنه عبر بقوله (يجوز) نقول يجوز هذا شيء عام يقابل الذي نهي عنه والذي نهي عنه هو المحرم والمكروه حينئذٍ الذي يقابله ما هو؟ ثلاثة أشياء إما أن يكون واجباً وإما أن يكون مندوباً وإما أن يكون مباحاً إذاً قوله (يجوز) شمل الثلاثة الأنواع فمراده أن فعل الرخصة قد يكون واجباً ومندوباً وجائزاً وغير المأذون وهو الحرام والمكروه هذا محل خلاف بين أهل العلم هل تكون الرخصة متعلقة بالمحرم والمكروه هذا محل نزاع المذهب أن الرخصة هنا خاصة بغير العاصي يعني الذي عصى بسفره هذا لا يترخص لا بمسح على الخفين ولا بفطر في رمضان ولا بأكل ميتة ونحوها والصواب أن النصوص عامة لم تفرق بين سفر وآخر، وفرق بين أن يقال عصى في سفره وبين أن يقال عصى بسفره؛ عصى في سفره هذه وقعت المعصية في أثناء السفر بمعنى أنه سافر لطاعة كحج أو

ص: 2

عمرة أو لأمر مباح كنزهة وسياحة ثم ونحوها ثم وقع في معصية في أثناء السفر هذا يقال فيه بأنه عصى في سفره حينئذٍ هذا يترخص ولا إشكال فيه، عصى بسفره بمعنى أن سفره وقع معصية سافر لمحرم أو نحو ذلك حينئذٍ نقول السفر كله من أوله إلى آخره محرم يعتبر معصية هل يترخص أو لا؟ المذهب لا؛ لأن الرخص إنما هي تخفيف فإذا كان كذلك فالعاصي لا يرخص له لا يخفف له فلا يفطر لا في رمضان لا يجوز له الفطر ولا يقصر الصلاة ولا يمسح على الخفين ولا يأكل الميتة إلى آخر ما يترخص به المسافر والصحيح أنه يترخص كغيره لماذا؟ لأن النصوص عامة ولو كان هذا النوع مما لا تشمله الرخصة لجاء الشرع ببيانه والصواب أن السفر سواء كان سفر طاعة مطلقاً أو وقعت معصية في سفر أو سافر وكان السفر معصية أنه يترخص، قال (ولمسافر ثلاثة - أيام - بلياليها)(لمسافر) سفراً غير محرم ولا مكروه هذا على المذهب ولذلك قال في الشرح [سفراً يبيح القصر](ثلاثة - أيام - بلياليها) لحديث علي يرفعه (للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وللمقيم يوم وليلة)، (من حدث بعد لبس على طاهر) بعد أن بين المدة وأن المسح عبادة مؤقتة لها ابتداء ولها انتهاء حينئذٍ متى يبدأ التوقيت يعني يوماً وليلة أو ثلاثة أيام بلياليها قال (من حدث) يعني ابتداء المدة سواء للمسافر أو للمقيم (من حدث) يعني من أول حدث ولو لم يتوضأ ويمسح على خفيه حينئذٍ يكون هذا الوقت داخل في الوقت المشروع فيه المسح فلو توضأ مثلاً لصلاة الفجر ولبس خفيه ثم بعد الفجر أحدث مباشرة ثم توضأ للظهر ومسح متى يبدأ الوقت؟ متى يحصل أربع وعشرين ساعة؟ من أول حدث ليس من المسح وهذا قول جمهور أهل العلم وهو الصحيح ولذلك قال هنا (من حدث) ومن هنا للابتداء (من حدث بعد لبس على طاهر)(من حدث بعد لبس) لماذا قيد بالحدث؟ لأن الحدث سبب لوجوب الوضوء فعلق الحكم به ولذلك كما جاء في الأحاديث (يمسح يوماً وليلة) فهم بعض أهل العلم أن التقيد هنا بـ (يمسح) دليل على أن أول الوقت هو أول المسح وليس الأمر كذلك بل الصواب أن قوله يمسح هذا بيان لجواز المسح بمعنى أنه يباح له المسح حينئذٍ لا يفهم منه أن الحكم مقيد بأول المسح بالصواب أنه متى ما جاز له حينئذٍ صار من وقته، ولذلك لو قيل لو أحدث بعد الفجر ولم يتوضأ ويمسح إلا لصلاة الظهر ما بين الفجر والظهر هل له أن يمسح أو لا؟ له أن يمسح إذاً جوزت له المسح؛ هل يجوز له المسح لا في الوقت المحدود له شرعاً؟ الجواب لا، فدل لذلك لجواز المسح في هذه الفترة الزمنية دل على أنه قد بدأ في الوقت المحدد له شرعاً، إذاً (من حدث) من هنا للابتداء (من حدث) يعني من أول حدث حصل له لأن الحدث سبب وجوب الوضوء فعلق الحكم به وهذا المذهب وكذلك هو مذهب الحنفية والشافعية لأن ابتداء المدة من حين جواز الفعل كالصلاة فهو وقت لها، الصلاة يؤذن لصلاة الظهر ثم قد لا يصلي إلا قبل خروج بنصف ساعة أو ربع ساعة حينئذٍ وقته ابتداء من دخول الوقت من الأذان مثلاً حينئذٍ الساعة الأولى والساعة الثانية هل هي وقت لفعل الصلاة أم لا؟ وقت لفعل الصلاة لكنه لم يفعل الصلاة إلى في آخرها فكونه لم يفعل لم يتلبس بالصلاة إلا في الجزء الأخير من الزمن المحدد

ص: 3

للصلاة لا ينفي أن يكون أول الصلاة وقت للصلاة ومثله القول في اليوم وليلة للمسح على الخفين، (بعد لبس على طاهر) يعني لا يبدأ للابتداء المدة إلا (بعد لبس) له أي للخف (على طاهر) هذا بيان للخف الذي يجوز المسح عليه (على طاهر) أي على طاهر العين فلا يمسح على نجس ولو في ضرورة حينئذٍ يشترط في الخف الذي يجوز المسح عليه أن يكون طاهر العين أما المتنجس الذي هو في الأصل طاهر لكن حلت به نجاسة فهذا يجوز المسح عليه ولكن لا يصلي فيه حتى يزيل النجاسة بمعنى أن الاحتراز هنا من نجس العين كخف مصنوع من جلد خنزير مثلاً أو جلد كلب نقول هذا طاهر العين أو نجس العين؟ هذا نجس العين ولا يقال متنجس وقد يكون متنجس لكن الأصل يغلب عليه حينئذٍ لا يوصف الشيء بكونه متنجساً إلا إذا كان طاهر في الأصل فحلت به نجاسة وأما إذا كان نجس العين كخف مصنوع من جلد كلب ونحوه نقول هذا لا يصح المسح عليه، أما المتنجس فيجوز المسح عليه لكن لا يصلي به وله مس المصحف إذا كان لابس لخف متنجس ونحو ذلك ولكن لا يصلي به إلا بعد غسله، إذاً (بعد لبس على طاهر) طاهر العين فلا يمسح على نجس كجلد حمار على المذهب أو خنزير لأن نجس العين منهي عنه فلا يصح المسح عليه خف كان أو غيره قد حكي الإجماع على هذا حكاه النووي رحمه الله تعالى حيث قال [لا يصح المسح على خف من جلد كلب أو خنزير أو جلد ميتة لم يدبغ وهذا لا خلاف فيه] أن نجس العين لا يصح المسح عليه وفي الإنصاف [ومنها طهارة عينه إن لم تكن ضرورة بلا نزاع] يعني من شروط المسح على الخفين أن يكون طاهر العين لماذا؟ لأن نجس العين منهي عنه وإذا كان منهي عنه حينئذٍ لا يصح أن يكون مما تجيزه الشريعة لأن المسح على الخفين رخصة فخرج ما نهي عنه شرعاً كذلك اليد المبلولة إذا باشرت النجاسة تنجست أليس كذلك؟ فلو بَلَّ يديه وأراد أن يمسح تنجست اليد، (مباح) هذا الشرط الثاني أن يكون الذي يجوز المسح عليه مباح فلا يجوز المسح على مغصوب سواء كان محرماً لذاته أو محرماً لغيره لأن إذا صححاً المسح على الخف المحرم نكون بذلك قد رتبنا على الفعل المحرم أثراً صحيحاً وهذا كما سبق مراراً النهي يقتضي فساد المنهي عنه لعموم حديث (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) حينئذٍ كل معصية أو كل من تلبس بطاعة وكانت مبنية على معصية فالأصل بطلانها فإذا كان ثَمَّ خفاً مسروقاً أو محرماً أو مغصوباً أو نحو ذلك فلو مسح عليه لا يصح لماذا؟ لأنه منهي عنه وإذا كان منهي عنه قد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا قد عمل عملاً ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو مردود عليه ولو صححاً عبادته مع كونها مبنية على معصية لبنينا أثر على هذا المحرم والأصل هو إعدامه بمعنى أن الأصل هو إعدام الغصب مثلاً بين الناس فإذا صححاً الصلاة في الأرض المغصوبة وصححاً المسح على الخفين أو الثوب المغصوب إذا صلى فيه حينئذٍ هذا لا يكف الناس الغصب وإذا صححاً العبادات كأنا نقول لهم استمروا فيما أنت عليه وعباداتكم كلها صحيحة وإذا قلنا ببطلان العبادات لكونها محرمات هذا يؤيد الأصل العام وهو أن الشريعة إنما جاءت يعني في أوامرها للتحقيق

ص: 4

المصالح العامة ولذلك الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة ومنه هذا الذي نحن بصدده إذاً يشترط في الخف بأن يكون مباحاً فلا يجوز المسح على مغصوب ولا مسروق ولا على حرير لرجل أما المرأة فلا بأس وهذا محرم بعينه لأن لُبسه معصية فلا تستباح به الرخصة والمسح يعتبر من الرخصة فلو صلى أعاد الطهارة والصلاة بمعنى أنه لو صلى بخف مغصوب مسح عليه لم تصح طهارته فلو صلى حينئذٍ قد صلى بلا طهارة يلزمه إعادة الطهارة والصلاة، الشرط الثالث في الخف ونحوه أن يكون ساتر للمفروض (على طاهر مباح ساتر للمفروض) يعني محل الفرض محل الفرض هو من أصابع القدمين إلى الكعبين حينئذٍ يشترط لهذا الخف الذي يجوز المسح عليه أن يكون ساتراً لمحل الفرض لماذا؟ عندهم تعليل؛ أولاً: إذا أطلق الخف في النصوص حينئذٍ حمل على كماله، ثانياً: أنه إذا ظهر شيء من محل الغسل الذي وجب غسله محل الفرض حينئذٍ اجتمع فيه أمران ما ستر ما المشروع فيه المسح وما ظهر وبان ما المشروع فيه الغسل؛ أيهما يغلب؟ قالوا الأصل هو الغسل حينئذٍ نرجع إلى الأصل وهو وجوب الغسل ولذلك قال (ساتر للمفروض) يعني محل الفرض بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض ولا يرى منه الكعبان لكونه ضيقاً أو مشدوداً حينئذٍ يجوز المسح عليه يعني إذا كان ضيقاً أو مشدوداً بحبل ونحوه ولا يشترط فيه أن يكون ساتر للمفروض بنفسه بل لو كان بشد ونحوه جاز لماذا؟ لأنه قد حصل المقصود وهو كونه خفاً ولا يشترط في الخف أن يثبت بنفسه بمعنى أنه لا يشد ولا يربط، (ساتر للمفروض) هذا يشمل أمرين: الأول: أن لا يرى شيء من محل الفرض يعني الجلد الذي يجب غسله، ثانياً: أن لا يكون الخف صفيقاً بمعنى أنه لا يرى منه لون البشرة لأنه قد يلبس شيء على محل القدمين ويستره بحيث لا يظهر شيء إلا وقد ستر وقد يظهر اللون ويكون العضو ساتراً له الخف حينئذٍ هل يعتبر ساتراً أو لا؟ على المذهب لا يعتبر ساتراً لماذا؟ لأنه يرى منه محل الفرض وإذا رئي منه محل الفرض وجب غسله سواء رئي بذاته محل الفرض أو لكون الجورب صفيقاً بحيث ممن خلفه قالوا هذان النوعان يجب فيهما الغسل على الأصل ومذهب الشافعية أنه لا يشترط فيه أن يكون أن لا يرى منه لون البشرة وهذا هو الظاهر بحيث لو لبس شيء مما يستر العضو من أصابع القدمين إلى الكعبين ويكون الكعبان مستورين ولكن البشرة بادية اللون على المذهب لا يصح المسح والصحيح أنه إذا صح تسميته خفاً ومما يمشى عليه عادة حينئذٍ نقول هذا يصح عليه المسح (ساتر للمفروض) قلنا إذا أطلق الخف فإنه يقتضي السلامة ويقتضي الستر لجميع المفروض هذا تعليل للمذهب، (يثبت بنفسه) هذا الشرط الرابع أن يكون ثابتاً بنفسه [فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه لفوات شرطه نص عليه وإن ثبت بنعلين مسح إلى خلعهما مادامت مدته] ولا يجوز المسح على ما يسقط (يثبت بنفسه) هذا ما الدليل عليه؟ قالوا إذا أطلق الخف إنما يشمل الخف المعتاد وإذا كان الخف معتاداً حينئذٍ هو الذي يصح أن يمشي عليه فلو كان الخف يخرج من قدمه ولا يثبت وينزع بنفسه حينئذٍ هذا لا يسمى خفاً لعدم المشي المعتاد عليه فإذا نفي عنه اسم الخف نفي

ص: 5

عنه الأحكام المتعلق به هذا تعليل للمذهب (يثبت بنفسه) إنما الرخصة ثبتت في حق الخف المعتاد وهو ثابت وما لا يثبت بنفسه ليس في معناه فلا يلحق به والصحيح أنه إذا سمي خفاً وعتيد المشي عليه حينئذٍ جاز المسح عليه ولو لم يثبت بنفسه، قال (من خف) هذا بيان لقوله (طاهر) حينئذٍ ماذا قال هناك؟ (من حدث بعد لبس على طاهر) ما هو هذا الطاهر؟ قال (من خف) بيان لطاهر أي يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفاً حينئذٍ إذا كان المرد إلى العرف فإذا كان لا يثبت بنفسه ويخرج وينزع بنفسه وسمي خفاً فالأصل أنه يجوز المسح عليه فإذا رد إلى اسم الخف من حيث هو حينئذٍ قد يقال بأنه يشترط فيه الثبات بنفسه وإذا رد إلى العرف عرف الصحابة حينئذٍ لا يشترط أن يكون ثابتاً بنفسه، قال (من خف) أي يجوز المسح على خف يمكن متابعة المشي فيه عرفاً فيصح المسح عل خف من جلود أو لبود أو خشب أو حديد أو زجاج لا يصف البشرة حيث أمكن المشي فيه لا يصف البشرة بناء على المذهب وإلا الصحيح متى ما أمكن المشي فيه حينئذٍ صح المسح عليه فلو أمكن أن يصنع خف من زجاج حينئذٍ الصحيح أنه يجوز المسح عليه حينئذٍ نقول هل ساتر أم لا؟ نقول نعم هو ساتر لمحل الفرض بمعنى أنه لا يبدو منه شيء حقه الغسل وأما مجرد اللون نقول هذا مدفع بكونه خفاً فمتى سمي خف ثبتت الأحكام المترتبة عليه قال الإمام أحمد [ليس في قلب من المسح شيء فيه أربعون حديثاً عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم]، قال (وجورب صفيق)(من خف) قلنا الخف في المذهب مقيد بالجلد فما كان مصنوعاً من جلد سمي خفاً (وجورب صفيق) الجورب هو ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير جلد؛ بمعنى أن الذي يلبس على القدمين إن كان من جلد سمي خفاً وإن كان من صوف ونحوه حينئذٍ يسمى ماذا؟ جورباً وهو ما يسمى بالشُّرَاب لآن مثلاً هذا يجوز المسح عليه لأنه داخل في مسمى الجورب (وجورب صفيق) وهو ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد وقوله (صفيق) وهو ما لا يظهر منه ما وراءه ولا يصف جلد البشرة هذا على المذهب لأنه يشترط في الخف ويشترط في الجورب أن لا يرى من ورائه لون البشرة فإن رئي حينئذٍ لا يسمى جورباً وإذا كان لا يسمى جورباً في المعتاد في العرف حينئذٍ تنتفي الأحكام المترتبة عليه والصحيح أنه لا يشترط ذلك لعدم ورد النص وإنما جاءت النصوص بترتيب الأحكام على الخفاف والجوارب ولم يأتي النص بتقيد الجوارب بكونها لا تصف لون البشرة (وجورب صفيق) لأنه صلى الله عليه وسلم (مسح على الجوربين والنعلين) رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي وكذلك لما روى المغيرة بن شعبة (أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين) رواه أحمد على ما ذكره المصنف هنا، وهذا يدل على أن النعل لم يكن عليهما لأنه قد يقول قائل بكون النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين أن الجوربين في النعلين مسح معهما معاً نقول لا، كونه نص على النعلين دل على أنهما مسحا استقلالاً والجوربين نص عليهما دل على أنهما قد مسحا استقلالاً وهذا يدل على أن النعل لم يكن عليهما لأنه لو كان كذلك لم يذكر النعلين كما يقال مسحت الخف نعله ولأن جماعة من الصحابة مسحوا عليهما

ص: 6

ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع ولأنه ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف إذاً ثَمَّ خلاف في الجورب هل يمسح أو لا؟ الصحيح أنه يمسح لورود النصوص الدالة على ذلك والأصل فيه حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه، (ونحوهما) أي نحو الخف والجورب فكل ما يستر القدمين هذا الضابط هنا كل ما يستر القدمين محل الفرض من أصابع الرجلين مع الكعبين وصح المشي عليهما يعني اعتاد المشي عليه فصح المسح عليهما ولذلك سيأتي استثناء اللفافة ونحوها وحينئذٍ نقول الصواب أنها داخلة في هذا الضابط إذاً (ونحوهما) أي نحو الخف والجورب كالجرموق لما روى بلال رضي الله تعالى عنه قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين) رواه أحمد وأبو داود ولأنه ساتر يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف، والموق هو الجرموق؛ والجُرموق بضم الجيم نوع من الخفاف قال الجوهري [الذي يلبس فوقه] يعني فوق الخف مثل الخف إلا أنه يلبس فوق الخف في البلاد الباردة فيجوز المسح عليه قياساً على الخف، على كل الجرموق هذا لبس على الخف أو لا مادام أنه ساتر للقدمين ويصح المشي عليه جاز المسح عليه لأن هذا هو الضابط ويسمى الموق وخف يسير فيصح المسح عليه لفعله عليه الصلاة والسلام رواه أحمد وغيره، (وعلى عمامة) هذا النوع الثاني مما ذكره المصنف تحت هذا الباب الأول الخف وما في حكمه من الجورب والجرموق وثانياً العمامة وهي محل خلاف يبن أهل العلم [ويصح المسح أيضاً على عمامة] والعمامة هي ما يلف على الرأس جمعها عمائم وعمام الذي يلف يعني التي لها أكوار ليست هذه التي نلبسها لها أكوار هذه التي تسمى عمامة في لسان العرب وهي التي يعرفها العرب وأما هذه فدخيلة وهي تسمى خمار لكن الناس يسمونها عمامة لعله تأدباً (على عمامة) ويشترط فيها أن تكون طاهرة مباحة كما اشترط في الخف ونحوه والعلة هنا هي العلة هناك (لرجل) يعني العمامة أن تكون لرجل ويقابل الرجل هنا الأنثى وليس المراد بالرجل البالغ بحيث الصبي إذا لبس عمامة لا يمسح عليها لا ليس المراد هنا وإنما الاحتراز لو كانت المرأة قد لبست عمامة الرجل حينئذٍ فعلت ماذا؟ فعلت محرماً لأنها تشبهت بالرجل هل يجوز لها أن تمسح أو لا؟ نقول النهي يقتضي فساد المنهي عنه فلا يجوز لها أن تمسح وإذا مسحت ما صح لماذا؟ لكونها منهية عن لبس شيء يختص به الرجال فلو لبست العمامة حينئذٍ لا تمسح عليها لعدم جواز لبسها أصالة لأن إذا جوزنا المسح حينئذٍ أولنا في الأصل وهو لبس العمامة للمرأة إذاً (على عمامة) طاهرة مباحة لا محرمة كمغصوبة أو حرير (لرجل) ما يقابل الأنثى فيجوز المسح لصبي لا للمرأة (لأنه صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والعمامة) قال الترمذي حسن صحيح، إذاً يمسح العمامة وهذا هو الظاهر من السنة ومعناه عند مسلم وروى البخاري عن عامر بن أمية (رأيت الرسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وخفيه) ولأبي داود عن ثوبان (أمرهم أن يمسحوا على العصايب) يعني العمائم وله عن بلال (ويمسحوا على عمامته) وأحاديث المسح عليها أخرجها غير واحد من الأئمة البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من طرق قوية متصلة حينئذٍ المسح على العمامة ثابت هذا هو الصواب

ص: 7

أن المسح على العمامة ثابت فيمسح عليها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ويشترط هنا عندهم في المذهب أن تكون ساترة لجميع الرأس كما أن الخف يجب أن يكون ساتراً لجميع المحل ولكن هذا الشرط ثبت ماذا؟ ثبت بطريق القياس على الخف حينئذٍ ما لا يكون ساتراً لجميع الرأس قالوا هنا تعارض أمران ظهر من الرأس ما حقه المسح مباشرة وظهر من الرأس ما حقه المسح وهو الحائل حينئذٍ نرجع إلى الأصل إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه حينئذٍ يشترط في العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس فإن هذا يعفى عنه لأنه هذا مما جرت به العادة ويشق التحرز عنه فلا يجب مسحه معها لكنه مستحب، قال (محنكة) هذا شرط يزاد على ما مضى قلنا يشترط فيها أن تكون طاهرة مباحة ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه ويشترط في هذه العمامة أن تكون (محنكة) والمراد بالمحنكة مأخوذة من الحنك وهو ما كان تحت الذقن وهي التي يدار منها تحت الحنك كَور بفتح الكاف فأكثر يعني تلف هكذا وتلف تحت الحنك هذه هي التي تسمى محنكة وهي التي يعرفها العرب (أو ذات ذؤابة) ذات يعني صاحبة (ذؤابة) ولا حنك لها (ذُؤابة) بضم المعجمة وبعدها همزة مفتوحة وهي طرف العمامة المرخي يعني تلف ولا تحنك تحت الذقن وإنما تدار أكوار من الرأس ويجعل لها طرف من الخلف مقدار أربعة أصابع قلة أو كثرة هذه تسمى ذات ذؤابة وهاتان أو هذان النوعان من التعميم هو المعروف في لغة العرب وهو المعروف عند العرب فإذا أطلقت العمامة كون النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح على عمامته حينئذٍ انصرف اللفظ إلى العمامة المعروفة في عهديه عليه الصلاة والسلام فإذا كانت صماء هي التي لا يكون لها كور تحت الحنك أو لا تكون لها ذؤابة حينئذٍ هذه محل خلاف بين أهل العلم هل يصح المسح عليها أو لا إذاً إذا كانت محنكة جاز المسح عليها رواية واحدة سواء كانت ذات ذؤابة أو لا؛ لأن هذه عمائم العرب وهي أكثر ستراً وهي التي يشق نزعها ولأنه مأمور بها وتفارق عمائم أهل الكتاب (أو ذات ذؤابة) يعني التي لها ذؤابة ولا حنك لها لأنه تقابل الأول فلو كان لها حنك دخل فيما سبق ولا يجوز على غير المحنكة إلا أن تكون ذات ذؤابة فيجوز في أحد الوجهين لأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة إذ ليس من عادتهم الذؤابة والوجه الثاني وهي المذهب أنها يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتحليل ونحو ذلك على كل يحترز عن المحنكة والذؤابة بالصماء فالصماء هذه لا يصح المسح عليها في المذهب ولذلك قال في الشرح [فلا يصح المسح على العمامة الصماء] والمراد بها التي لا حنك لها ولا ذؤابة لأنها على صفة عمائم أهل الذمة وقد نهي عن التشبه بهم ولا يشق نزعها، (وخمر نساء مدارة تحت حلوقهن) هذا القسم الثالث مما يمسح ذكر الخفين وذكر العمامة وبقي الخمر، والخمر جمع خمار الخُمُر بضم الخاء والميم قد تسكن خُمْر وخُمُر جمع خمار وهو النصيف والقناع وهو ما تغطي به المرأة رأسها وكل ما ستر شيء فهو خمار أي يصح المسح على خمر نساء واشترط أن تكون مدارة تحت حلوقهن (مدارة) تلك الخمر (تحت حلوقهن) لأن أم سلمة كانت تمسح على خمارها ذكره بن المنذر وروى

ص: 8

أحمد عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم (الأمر بالمسح على الخمار) ولفظ سعيد بن منصور (على النصيف) ولأنه ساتر ويشق نزعه أشبه العمامة المحنكة إذاً (على خمر نساء) المذهب أنه يصح المسح على الخمار الذي تجعلها المرأة على رأسها وهو يشبه العمامة فإذا كان مربوطاً معقوداً محنكاً شق نزعه وإذا شق نزعه حينئذٍ رخص لها أن تمسح عليه وجمهور أهل العلم على أنه لا يصح لها المسح وكل ما ورد من ذلك من النصوص فهو ضعيف ونرجع إلى الأصل (وعلى خمر نساء مدارة تحت حلوقهن) علم منه أنه إذا لم يكن الخمار مداراً تحت حلوقهن لا يجوز وهو كذلك (تحت حلوقهن) يعني لا مطلقة مرسلة لأن المرسلة لا يشق نزعها حينئذٍ نقول ما ورد في العمامة هل يصح القياس عليه الخمار أو لا؟ إذا قيل بأن النصوص التي وردت في الخمار ضعيفة حينئذٍ نقول نرجع إلى الأصل وهو وجوب المسح مباشرة، إذاً نقول ورد وثبت الإذن بالمسح على العمامة أما الخمار فلم يأتي دليل بالمسح عليه والأصل هو المنع وهذا مذهب الجمهور إن كان الحنابلة على أنه يجوز المسح للأحاديث الواردة وقياساً على العمامة والعلة هي مشقة النزع نقول الأصل هو المسح مباشرة ولا يجوز المسح على الحائل إلا إذا أذن الشارع بوضع هذا الحائل حينئذٍ نرجع إلى الشرع وإذا لم يرد حينئذٍ نرجع إلى الأصل حينئذٍ نقول الأصل في الخمار أنه لم يرد فيه دليل فالأصل عدم جواز المسح عليه ولذلك روى البيهقي في السنن الكبرى من طريق بن وهب قال أخبرك بن لهيعة وعامر بن الحارث وعمرو بن الحارث عن بكير بن عبدالله عن أم علقمة مولاة عائشة عن عائشة رضي الله تعالى عنها (أنها كانت إذا توضأت تدخل يدها من تحت الرداء تمسح برأسها كله)(أنها كانت إذا توضأت - وكان شيء على رأسها - تدخل يدها من تحت الرداء فتمسح الرأس كله) والظاهر حسن الإسناد أم علقمة قال في التقريب [مقبولة] وذكرها الذهبي في الميزان في المجهولات وروى البخاري له تعليقاً بصيغة الجزم في كتاب الحيض ووثقها بن حبان وهي تابعية حينئذٍ الحديث حسن فدل على أن عائشة لم تترخص بوضع الخمار فتمسح عليه فدل على أنه يمسح على الأصل وروى بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن مالك عن نافع قال (رأيت صفية بنت أبا عبيد امرأة بن عمر توضأت فأخلت يدها تحت خمارها فمسحت بناصيتها) إذاً مع وجود الخمار نقل عن عائشة وعن صفية نقل عنهما أن هن قد مسحا الرأس مع وجود الخمار لماذا؟ إعمالاً للأصل ولعدم وجود النص الذي يعدل به إلى الفرع، (في حدث أصغر) يعني يمسح جميع ما تقدم من الخف والجورب ونحوهما وعلى العمامة وعلى الخمار يمسح متى؟ في الحدث الأصغر لا في الأكبر بل يغسل ما تحت كل ما ذكر وهذا دل عليه حديث صفوان بن عسان (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح قال محمد بن إسماعيل هو أحسن شيء في هذا الباب إذاً متى يمسح فيما ذكر من السابق؟ نقول يمسح في حدث أصغر يعني إذا لم يكن ثَمَّ جنابة وأما إذا كان غسل جنابة أو حيض أو نفاس حينئذٍ وجب خلع الخف والعمامة والخمار، (وجبيرة) هذا الرابع من الممسوحات على المذهب (و -على - جبيرة)

ص: 9

يعني ويمسح على جبيرة والجبيرة فعيلة بمعنى فاعل وسميت جبيرة تفاؤلاً قال بعض أهل اللغة [وهي أعواد ونحوها تربط على الكسر أو الجرح ليلتأم فعيلة بمعنى فاعل وكذلك يمكن أن تكون جبيرة بمعنى مفعول أي مجبور وقال الأزهري وغيره [هي الخَشَب أو الخُشُب التي تسوى فتوضع على موضع الكسر فتشد عليه حتى ينجبر على استوائها واحدتها جِبارة بكسر الجيم وجَبيرة بفتحها وهما بمعنى] إذاً الجبيرة ما كان على الكسر ونحوه وأما اللَّصوق بفتح اللام ما كان على القرح وكلاهما مما يمسح عليه إذاً الجبيرة هذه مما يجوز المسح عليه، ويمسح على جبيرة مشدودة على كسر أو جرح ونحوهما متى؟ قال (- بشرط - لم تتجاوز قد الحاجة) وهذا قيد لابد من مراعاته في جميع الجبائر بأن تكون الجبيرة على قدر موضع الضرورة لأنها أبيح المسح عليها أو التيمم عنها من أجل الضرورة فإذا لم تكن ضرورة رجعنا إلى الأصل حينئذٍ الضرورة تقدر بقدرها فما كان من جبيرة على الموضع نفسه وما جاورت مما لابد منه من شد الجبيرة فهو معفو عنه وما زاد عن ذلك مما يستغنى عنه فالأصل فيه وجوب الغسل فلابد من غسله حينئذٍ لابد أن يغسل ما تحت ذلك الموضع الذي زِيد لا لحاجة بناء على الأصل (لم تتجاوز) هذا شرط يعني تتعدى (لم تتجاوز) يعني لم تتعدى قدر الحاجة المراد بالحاجة الكسر وهو موضع الجرح والكسر وما قرب منه مما يحتاج إليه في شدها مما لابد من وضع الجبيرة عليه من الصحيح فإن تعدى شدها محل الحاجة نزعها كلها هذا الأصل فإذا لم يتمكن من نزعها كلها حينئذٍ تعين التيمم على المذهب عن الزائد لا لحاجة (ولو في أكبر) بمعنى أن الجبيرة الحكم يختلف فيها عما سبق فحينئذٍ يمسح عليها في الحدث الأصغر وفي الحدث الأكبر وهذا مما فرقة الجبيرة الخف ونحوه (ولو في أكبر) يعني فيجوز المسح عليها لا على غير الجبيرة ونحوها في الطهارة الكبرى إجماعاً لأن الضرر يلحق بنزعها بخلاف غيرها من الحوائل لحديث صاحب الشجة (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعضد - أي يشد أو يعصب - على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده) رواه أبو داود الحديث هذا فيه ضعف يشهد له حديث علي رضي الله تعالى عنه (انكسرت إحدى زندي فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر) رواه بن ماجه وهذا فيه عمرو بن خالد الواسطي قد كذبه أحمد وبن معين قال [كذاب] وقال فيه [غير ثقة ولا مأمون] قال إسحاق بن راهويه [كان عمرو بن خالد الواسطي يضع الحديث] قال أحمد [متروك الحديث ليس يسوى شيء] إذاً حديث علي ساقط ولا يحتج به، وري عن بن عمر (أنه توضأ وكفه معصوبة فمسح عليها وعلى العصابة وغسل ما سوا ذلك) أليس كذلك؟ قال الدار القطني في حديث بن عمر [لا يصح مرفوعاً وفيه أبي عمارة ضعيف جداً] وقال الخطيب [في حديثه مناكير وغرائب] إذاً كذلك لا يثبت حديث بن عمر والحديث الذي أورده كذلك المصنف لا يثبت فإذا لم يكن ثابت فيه شيء حينئذٍ إما أن يقال بأن هذه الأحاديث ضعيفة وإذا كان كذلك حينئذٍ يجمع مع الضرورة قاعدة الضرورة فتقوى بهذه الأحاديث الضعيفة وهو ما جرى عليه المذهب وإما أن يقال بأن الجبيرة إذا لم تمسح حينئذٍ إما تيمم وإما مسح يعني إذا لم يغسل الموضع الذي

ص: 10

وضعت عليه الجبيرة وهي قطعاً باقية

لأنه يتضرر بنزعها حينئذٍ إما تيمم وإما مسح؛ وأي النوعين أقرب إلى الغسل؟ قالوا المسح إذاً المسح متعبد به بالجملة ولذلك يمسح في أثناء الوضوء يمسح رأسه ولا يغسله وقد ثبت كذلك المسح على الخفين وثبت المسح على العمامة وعلى المذهب كذلك على الخمار إذاً أولى ما يحلق به هو المسح لا التيمم وقال بعض أهل العلم بل يعدل إلى التيمم لأن الله تعالى قال (وإن كنتم مرضى أو على سفر ولم تجدوا ماء فتيمموا) وصاحب الجبيرة داخل في قوله (مرضى) وهذا المرض قد يكون عاماً وقد يكون جزئياً والتيمم قد يكون عاماً عن كل البدن أو مواضع الوضوء وقد يكون جزئياً حينئذٍ ما جاء فيه النص أولى بالاعتبار من القياس حينئذٍ من كانت عليه جبيرة فيغسل ما يستطيع أن يغسله ثم يتيمم عن محل الجبيرة ولا يمسح وهذا هو الظاهر والله أعلم وأما النصوص الواردة في هذا المحل فكما سمعتم كلها ضعيفة والقياس مع وجود النص (وإن كنتم مرضى) هذا عام لأنه نكرة في سياق الشرط فيعم كل مرض سواء كان المرض كلي أو جزئي قال (فتيمموا) إذاً أولى بالاعتبار من المسح والله أعلم، قال (إلى حلها) أي يمسح في الجبيرة (إلى حلها) أو برء ما تحتها يعني ليست مؤقتة كالخف ونحوه لا نقول ثلاثة أيام ولا يوم وليلة للمقيم وللمسافر لأنها ضرورة تقدر يقدرها حينئذٍ لو بقيت عليه شهراً أو شهرين أو سنة نقول يمسح عليها على المذهب مادامت للحاجة وعلى ما سبق نقول يتيمم حينئذٍ نقول لا تؤقت بوقت كما هو الشأن فما سبق ولذلك قال (إلى حلها) أي يمسح على الجبيرة إلى حلها أو برء ما تحتها وليس مؤقت كالمسح على الخفين ونحوهما لأن مسحها على الضرورة فتقدر بقدرها واضح هذا، ثم قال (إذا لبس هذا بعد كمال الطهارة) وهذا شرط لكل ما ذكر من الخف والعمامة والخمار والجبيرة بمعنى أنه يشترط في الجميع جواز المسح إذا لبس على طهارة كاملة طهارة مائية فإذا كان كذلك جاز المسح على ما ذكر وإذا لم تلبس على طهارة حينئذٍ لا يجوز المسح عليها (إذا لبس ذلك) المشار عليه الأنواع الأربعة أي ما تقدم من الخفين ونحوهما والعمامة والخمار والجبيرة (بعد كمال الطهارة)(بعد كمال) إذاً قبل كمال الطهارة - له مفهوم - قبل كمال الطهارة لا يصح؛ مفهوم كمال الطهارة نقص الطهارة فإذا كانت الطهارة ناقصة بمعنى أنه غسل بعض أجزاء الوضوء أطراف الوضوء ثم لم يكمل ثم لبس العمامة؛ هل يمسح؟ الجواب لا؛ لماذا؟ لأنه لم يلبس بعد كمال الطهارة بقي عليه القدمان مثلاً كذلك الخفين كذلك الخمار كذلك الجبيرة لو وضع هذه الأربعة في أثناء الوضوء في أثناء الطهارة لم يصح فكيف بما لو وضع هذه الأربعة أو لبسها قبل الطهارة بالكلية من باب أولى وأحرى، إذاً بعد كمال الطهارة له مفهوم إذا الكمال ضده النقص، وكمال الطهارة أن لا يبقي عليه من أعضائها شيء لو بقي غسل الرجل الأخيرة اليسرى فقط ولبس الخف الأيمن ما صح أن يمسح عليه لماذا؟ لأنه لم يتم الطهارة فإذا أتم الطهارة بمعنى أنه توضأ وضوء كاملاً بغسل رجله اليسرى صح له حينئذٍ أن يلبس ثم يمسح، (إذا لبس ذلك بعد كمال الطهارة) لا أكثرها بالماء ولو مسح فيها على حائل بمعنى أنه لو وقع في

ص: 11

أثناء هذه الطهارة المائية مسح على حائل كأن يكون لبساً للعمامة حينئذٍ مسح على العمامة ثم غسل رجليه ثم لبس الخفين نقول هنا لبس الخفين بعد طهارة هي في الجملة مائية لماذا؟ لأن الماء لم يباشر الرأس وإنما باشر الحائل حينئذٍ جاز له ذلك لماذا؟ لأنه جاز له أن يمسح على العمامة فإذا جاز له أن يمسح على العمامة حينئذٍ كل ما ترتب على هذا الوضوء فهو جائز، فإذا جازت الصلاة بوضوء ومسح فيه على العمامة من باب أولى أن يجوز لبس الخفين بل هو أدنى من ذلك، [بعد كمال الطهارة بالماء ولو مسح فيها على حائل] والدليل على ذلك أن الأحاديث الواردة أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما مسح بعد إدخال القدمين طاهرتين ولذلك جاء في الخفين في حديث الصحيحين (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما)(طاهرتين) هذا وصف لماذا؟ للقدمين؛ أي أدخل القدمين كل واحدة منهما طاهرتان فيكون قد أدخلهما بعد كمال الطهارة لأن الطهارة المطلقة إنما تنصرف إلى ماذا؟ تنصرف إلى الوضوء الذي رتب الشارع عليه صحت الصلاة وهذا إنما يكون متى؟ إذا غسل قدمه اليسرى وهذا محل خلاف بين أهل العلم والصحيح أنه إذا غسل رجله اليمنى ثم لبس خف الأيمن قبل غسل رجله اليسرى لم يصح له المسح على الخفين لماذا؟ لأن الشرط أن يدخل الخفين القدمين طاهرتين ولا تكون القدم الأولى طاهرة إلا بغسل الثانية لأنه لو غسل الأولى هل صح له أن يصلي الجواب لا، إذاً ليست بطهارة وإنما تتحقق الطهارة المطلقة فيما إذا انتهى من وضوئه على الوجه الشرع وروى الحميد وغيره عن المغيرة (أيمسح أحدنا على الخفين؟ قال: نعم إذا أدخلهما وهما طاهرتان) ولحمد عن خزيمة عن صفوان قال [أمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر] صحح الذهبي والحافظ وهذا واضح في اشتراط الطهارة عند اللبس، وقال النووي وغيره [إذا لبس محدثاً لم يجز المسح إجماعاً] وهذا في الخفين شئنه واضح وأما في العمامة والخمار هذا قياساً على الخفين وإن لا لم يرد نص في العمامة، وأما الجبيرة فكذلك قياساً على الخفين والصحيح أنه لا يشترط الطهارة في العمامة ولا في الجبيرة لعدم النص حينئذٍ نقول ما جاء النص في اشتراط لبسه على طهارة كاملة اشترط وما لم يرد وجاء المسح حينئذٍ نقول قياسه هذا على خلاف الأصل قياسه على الخف هذا خلاف للأصل لماذا؟ لأن ما جاء مطلقاً في الشرع لا يقيد إلا بالشرع؛ فمادام أن الأمر موجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو اللبس لبس الخفين وقد بين أنها لا تلبس إلا بعد طهارة كاملة حينئذٍ هذا اعتبر وأما العمامة قد مسح عليها النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينقل حرف واحد في اشتراط الطهارة حينئذٍ تبقى على عمومها ولا شك أن المشقة في اشتراط الطهارة فغي العمامة أشد من الخفين والجبيرة من باب أولى وأحرى ولذلك قد يتعذر القول بكونه يجبر يده أو رجله على طهارة ولذلك لآن لو حصل حادث لشخص ما وهو مغمى عليه أرادوا أن يجبروا رجله مثلاً لابد أن يوضأ أولاً أو ينتظرون حتى يقوم فيتوضأ بعد ذلك فتجبر قدمه وهذا فاسد دل ذلك على أن جلب المشقة إنما يكون باشتراط الطهارة وهذا مصادم أولاً المشقة تجلب التيسير ثم لم يرد نص من أصله فما جواز الجبيرة

ص: 12

ثبت للضرورة حينئذٍ تقييده بكونه على طهارة يحتاج إلى نص وليس ثًمَّ نص إذاً الصحيح بعد لبس على طهارة كاملة يقيد بالخفين لورود النص وما عدها فلا (إذا لبس ذلك بعد كمال الطهارة) ثم بعض من المسائل المتفرعة على ما سبق، قال (وإن مسح في سفر ثم أقام أو عكس أو شك في ابتدائه فمسح مقيم) يعني يمسح مسح مقيم هذه ثلاثة صور؛ الصورة الأولى: إذا (مسح في سفر)؛ حينئذٍ يمسح كم؟ ثلاثة أيام بلياليها (ثم أقام)؛ فهل يمسح مسح مسافر أو يمسح مسح مقيم؟ على المذهب قال (فمسح مقيم) لماذا؟ لأن الحكم في الثلاثة الأيام متعلق بوصف هو معلق بوصف والوصف الذي هو السفر هذا وصف معتبر ولذلك علق به الفطر وعلق به قصر الصلاة فهو علة حينئذٍ مادام الحكم معلق على وصف حينئذٍ يدور الحكم مع علته وجوداً وعدماً فما دام أنه مسافر حينئذٍ يمسح ثلاثة أيام بلياليها وإذا زال وصف السفر حينئذٍ نقول رجع إلى الأصل وهو أنه مقيم، (وإن مسح في سفر ثم أقام) أتم مسح مقيم إن بقي منه شيء نعم إن بقي منه شيء فإن لم يبقى منه شيء حينئذٍ نزع خفه؛ يعني لو كان مسافراً إلى المدينة مثلاً ومسح هناك وهو مسافر مسح وهو مسافر ابتدأ يوم السبت بعد الفجر أحدث ومسح والظهر ثم اليوم الثاني سافر إلى مكة حينئذٍ صار مقيم بقي له يوم وليلة؛ هل يتم المسح أما أنه قد انتهى حقه المسح لأنه صار مقيماً؟ انتهى في حقه المسح، كذلك لو مسح يوم السبت ثم سافر رجع إلى بلده مكة بعد العصر حينئذٍ يتم مسح مقيم لأنه بقي له شيء، إذاً لم يبقى منه شيء من الوقت يوم وليلة نزع الخف وإن بقي له منه شيء حينئذٍ أتم مسح مقيم وهذا واضح بين من حيث العلة، (وإن مسح في سفر ثم أقام) أتم مسح مقيم لأن صار مقيم فلم يجز له أن يمسح مسح مسافر، (أو عكس) يعني مسح مقيماً ثم سافر؛ مسح يوم السبت فجراً بمكة ثم سافر ظهراً إلى المدينة؛ حينئذٍ هل يتم مسح مقيم أو يتم مسح مسافر؟ هذه المسألة فيها خلاف طويل وعريض بين أهل العلم والمذهب المرجح أنه يتم مسح مقيم؛ لماذا؟ لأنها عبادة مؤقتة اجتمع فيها حضر ومانع مبيح ومانع حينئذٍ غلب الحاضر وهو المنع فيبقى على الأصل وهو أنه يوم وليلة ولذلك قال (أو عكس) أي مسح مقيماً ثم سافر لم يزد على مسح مقيم لأنها عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فغلب جانب الحضر - الحضر يعني - والمسح عبادة وجد أحد طرفيها في الحضر والآخر في السفر فغلب جانب الحضر، إذاً عبادة مؤقتة لها طرفان بدء في الإقامة ثم سافر حينئذٍ وجد طرفان حضر وسفر غلب الحضر على السفر (أو عكس) أي مسح مقيماً ثم سافر لم يزد على مسح مقيم تغليباً لجانب الحضر أي وإن لم يبقى بعد المدة شيء بأن مضى بعد الحدث يوماً وليلة أو أكثر خلع الخف لانقطاع السفر قال بن تميم [رواية واحدة]، (أو شك في ابتدائه)(شك في ابتدائه) يعني ابتداء المسح؛ هل كان في الحضر أو كان في السفر؟ وإذا شك حينئذٍ رجعنا إلى الأصل وهو الإقامة لأن الأصل في الإنسان أنه مقيم والسفر عارض فإذا شك هل مسافر أم لا؟ أتم الصلاة ولا يجوز له القصر ولو قصر صلاته باطلة لا تصح لماذا؟ لأن القصر معلق بعلة وهي مشكوك فيها عنده فإذا شك هل مسافر أم لا؟ لا يمسح مسح مسافر ولا يقصر الصلاة ألبته

ص: 13

ولا يجوز له الفطر في رمضان لماذا؟ لأن هذه الأحكام متعلقة بعلة لابد من وجودها فيغلب على ظنه أنه مسافر ولا يشترط اليقين غلب على ظنه أنه مسافر حينئذٍ يمسح ثلاثة أيام وكذلك يقصر الصلاة وكذلك يفطر في رمضان (أو شك في ابتدائه) أي ابتداء المسح هل كان حضراً أو سفراً؟ ومن شك في بقاء المدة لم يمسح مادام شاكاً لعدم تحقق شرطه والأصل عدمه إذاً هذه الثلاثة صور التي ذكرها المصنف يمسح مسح مقيم وأما الصورة الثانية وهي أنه إذا مسح مقيم ثم سافر فالأولى أن يقال بأنه يتم مسح مسافر لأن العبرة بالأداء، ثم قال (وإن أحدث ثم سافر قبل مسحه) الصورة السابقة فيما إذا تلبس بالمسح وهنا أحدث ولم يمسح (وإن أحدث ثم سافر)(أحدث) في الحضر ولم يمسح وهو حاضر (ثم سافر) قبل مسحه (فمسح مسافر) هذه الصورة أوردة على المذهب بأنهم قد تناقضوا لماذا؟ لأن ابتداء المسح في المذهب يبدأ من الحدث وهنا لم يعتبر مع كونه وقع الحدث في المدة وهو حاضر ثم المسح وقع وهو مسافر فاعتبر ماذا؟ المسح ولم يعتبر الأصل وهو الحدث والجواب بأن يقال بأن العبادة المؤقتة إذا دخل وقتها ثم عرض ما يخالف الأداء في الأصل فالعبرة بحاله وقت الأداء ولذلك لو دخل عليه وقت الظهر وهو مسافر ثم سافر ووصل بلده يصلي قصراً أم تماماً؟ يتم الصلاة ولا يجوز له القصر مع كون وقت الصلاة قد دخل عليه وهو مسافر إذاً العبرة بالأداء وليس العبرة بدخول الوقت كذلك لو كان مقيم ودخل عليه وقت الظهر ثم سافر يقصر أو يتم له القصر أو لا؟ يجوز له القصر لماذا؟ لأن العبرة بالأداء قالوا كذلك هنا أول المدة بدء وهو حاضر لكنه لم يتلبس بالعبادة لأن العبادة هي المسح عينه عين المسح لم يتلبس إلا وهو مسافر فالعبرة حينئذٍ بالأداء لا بأصل دخول الوقت وهذا مطرد أصل عندهم في هذه المسألة إذاً لا تناقض (وإن أحدث ثم سافر قبل مسحه فمسح مسافر) لأنه ابتدأ المسح مسافراً ولذلك قالوا [كل عبادة اعتبر فيها الوقت فإن ابتداء وقتها من الوقت الذي يمكن فيه فعلها والصفة تكون معتبرة بوقت أدائها كالصلاة فالظهر مثلاً فأول وقتها زوال الشمس وصفتها باعتبار القصر والإتمام بوقت الفعل] كما ذكرناه سابقاً، ثم قال رحمه الله تعالى احترازاً من الشروط السابقة (ولا يمسح قلانس)(قلانس) جمع قلنسوة هذه شيء يوضع على الرأس لكنه لا يربط وأشبه بالثياب المغربية الآن الذي يكون متصل بنفس الثوب هذا ما يسمى بقلنسوة جمع قلنسوة لأنه أدنى من عمامة غير محنكة ولا ذات ذؤابة حينئذٍ لا يشق نوعها فالأصل فيه الرجوع إلى الأصل في مثل هذه الرجوع إلى الأصل حينئذٍ نقول الأصل مسح الرأس وهذا الحائل لم يعتبر شرعاً وإذا لم يعتبر شرعاً فالأصل عدمه (ولا يمسح قلانس) والصحيح أنه لا يمسح خلافاً لما ذهب إليه بن تيمية رحمه الله تعالى (ولا لفافة) يعني لا يمسح لفافة لأنها لا تسمى خف ولا جورباً وليست في معنى الخف ولا الجورب بمعنى أنه لو أخذ عمامة ولفها على قدميه ومشى ولو كان بحاجة إليها وهي ثابت راسخة ويمشي عليها؛ هل يصح المسح عليها أم لا؟ على المذهب لا؛ لعدم ورود النص أولاً وليست في معنى الخف ولا في معنى الجورب والصحيح أنها في معنى الخف لأن الخف المراد به

ص: 14

شيء يستر القدمين مما يمشى عليه ويعتاد المشي عليه الناس حينئذٍ هذه اللفافة قد يحتاجها المجاهدون مثلاً قد يحتاجها من كان في برد فيلف قدميه لفاً شديداً ويمشي عليه حينئذٍ نقول له أن يمسح عليها لأنها في معنى الخف وأما المذهب فعندهم لا (ولا يمسح لفافة) وهي الخرقة تشد على الرجل تحتها نعل أو لا ولو لمشقة لعدم ثبوتها بنفسها ولا تسمى خفاً ولا في معناه، (ولا ما يسقط من القدم) لأنه فات شرط قلنا الشرط عندهم ثبوته بنفسه أن يكون ثابتاً بنفسه ولو شد ولو لبس نعل قالوا جائز وهذا الشرط نقول شرط يحتاج إلى دليل لماذا؟ لأن الخف إذا أطلق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجع فيه العرف المتعارف عليه فلا يتصور فيه الكمال من كل وجه وإنما يعتبر فيه العرف حينئذٍ نقول هذا قيد زائد على مجرد النصوص فنحتاج إلى دليل يثبته (ولا ما يسقط من القدم) لماذا؟ قالوا لأن ما سقط خف غير معتاد فلا يشمله النص لأن الناس لا يلبسون خفافاً تسقط عند المشي إذ لا فائدة فيها لكنه قد يضطر إليه وإذا كان كذلك صار معتاد (أو يرى منه بعضه) يعني ولا يمسح خفاً يرى منه بعضه؛ لماذا؟ لفوات شرط وهو كونه ساتراً للمفروض، فلو كشف من الفرض محل الفرض ولو قدر إبرة قالوا هذا لا يصح المسح عليه لماذا؟ لأن الخف الذي جاءت به النصوص يطلق على الكمال بمعنى أنه يكون ساتراً لجميع الفرض فلو كشف منه كان مخروقاً ولو قدر أنملة أو قدر إبرة قالوا لا يصح المسح عليه والصواب أنه زيادة على النص وهذا غير معتبر (أو) خفاً (يرى منه بعضه) لونه لصفائه أو كونه مكشوفاً (بعضه) البعض ضد الكل وهذا قيد بمعنى أنه لو كشف كله خلعه هذا واضح بين أنه لا يمسح عليه لأنه لو لبسه المرة الثانية بعد حدث يكون قد لبسه على غير طهارة كاملة فإن لبسه على طهارة ولم يحدث هذا واضح بين أنه يصح المسح عليه، (ولا يمسح ما يسقط من القدم أو يرى منه بعضه) أي بعض القدم أو شيء من محل الفرض لأن ما ظهر فرضه الغسل ولا يجامع المسح وهذا تعليل مصادم للنص، (فأن لبس خفاً على خف قبل الحدث فالحكم للفوقاني) بمعنى أنه لو جمع بين خفين حينئذٍ لبس خفاً على خف؛ على أي النوعين يمسح على الأسفل الأدون أو على الأعلى؟ (فإن لبس خفاً على خف) على وجه يصح معه المسح بمعنى أن يكون كل من الخفين قد وجد فيه الشروط المعتبرة (قبل الحدث) أما بعد الحدث فلا شك أنه قد لبس الثاني لا على طهارة حينئذٍ يكون الحكم منصباً على الأدون الذي هو تحت - واضح - لبس خف على خف لكنه لبس الثاني بعد حدث يعني لبس الأول بعد كمال الطهارة ثم أحدث ثم لبس الثاني هذا واضح بين أن الحكم للتحتاني وأما إذا لبس الثاني قبل أن يحدث (فالحكم للفوقاني) بمعنى أنه يجوز المسح على الفوقاني وليس المراد أنه يتعين الفوقاني لأنه لو أراد أن يمسح التحتاني جاز له لكن الذي يمسحه هو الذي يتعين مسحه فيما يأتي فلو ابتدأ المسح بالتحتاني لا يجوز المسح على الفوقاني؛ لماذا؟ لأن الحكم تعلق بالتحتاني؛ ولو ابتدأ المسح بالفوقاني لا يجوز أن يمسح التحتاني - واضح هذا - حينئذٍ (فإن لبس خفاً على خف قبل الحدث فالحكم - للخف - الفوقاني) لأنه ساتر فأشبه المنفرد يعني نزل الثاني منزلة خف

ص: 15

مستقل لو لم يلبس خفاً تحتاني ولبس الفوقاني صح المسح عليه أو لا؟ نعم، كأنك نسيت التحتاني ولم تجعله خفاً مستقلاً واضح هذا، [وكذا لو لبسه على لفافة] لفافة سبق أن المصنف يرى أنها لا يمسح عليها لكن لو لبس لفافة ثم لبس خفاً عليها صح المسح على الفوقاني فقط لا على اللفافة، ثم بين كيفية المسح فقال رحمه الله تعالى (ويمسح أكثر العمامة)(ويمسح) وجوباً (أكثر العمامة) ويختص ذلك بدوائرها يعني أكوارها دون وسطها وهذا ليس فيه نص وإنما جاءت النصوص عامة (فمسح على العمامة)(فمسح على عمامته) والأصل حمل النص على عمومه فالأصل حينئذٍ مادام أن العمامة جاز المسح عليها ولم يرد فيه نص من حيث كفاية بعض المسح دون الكل رجعنا إلى الأصل وما هو الأصل؟ هو التعميم تعميم الرأس حينئذٍ ما كان قائماً مقام الرأس فالأصل فيه التعميم وقد جاءت النصوص مطلقة مسح (على عمامته)(على العمامة) أل فيه للاستغراق حينئذٍ الأصل فيه أنه يعم ولكن المصنف رحمه الله تعالى كغيره جروا في العمامة لعدم ورود النص هكذا ادعوا لعدم ورود النص ألحقوها بالخف والخف لا يجب فيه عموم المسح وإنما يمسح أكثره فكان كذلك الحكم في العمامة بجامع أن كلا منهما يمسح نقول هذا اجتهاد في مقابلة النص على كل المصنف يرى رحمه الله تعالى وهو المذهب أنه يمسح أكثر العمامة ونقول ظاهر النصوص هو التعميم (ويمسح - وجوباً - أكثر العمامة) وروي عن أحمد [يجب استيعابها قياساً على مسح الرأس] وهذا أولى بالاعتبار، (وظاهر قد الخف) كذلك الجرموق والجورب (من أصابعه إلى ساقه دون أسفله وعقبه) هذا جاءت فيه النصوص حينئذٍ الذي يمسح من الخف هو الظاهر يعني من أصابعه إلى أسفل ساقه (بأصابعه) مفرجة وأما العقب فلا يمسح وكذلك أسفل الخف لا يمسح وإنما الذي يمسح هو الظاهر فإن مسح الظاهر مع العقب والأسفل نقول أجزأه وإن كان مخالفاً للنص فإن مسح العقب والأسفل دون الظاهر لم يجزئه ولا يصح المسح ألبته؛ لماذا؟ لأنه منهي عنه وكل منهي عنه في عبادة أفسدها فإذا كان كذلك يصدق عليه النص نطقاً (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وهذا قد خالف النص ولذلك قال علي رضي الله تعالى عنه [لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) فدل على أنه لا يمسح إذاً يمسح أكثر (ظاهر قدم الخف) وما في حكمه (من أصابعه) يعني أصابع رجليه (إلى ساقه) يمسح رجله اليمنى بيديه اليمنى ورجله اليسرى بيده اليسرى ويفرج أصابعه إذا مسح هذا هو السنة وكيف مسح أجزأ قال الحسن [خطوطاً بالأصابع] هذا المسح خطوطاً بالأصابع، ووضع الثوري أصابعه على مقدم خفيه وفرج بينهما ثم مسح إلى أصل الساق هذا وهو السنة في صفة المسح، ولذلك قال (دون أسفله) أي أسفل الخف (وعقبه) وهو مؤخر القدم فلا يسن مسحهما، (وعلى جميع الجبيرة) وهذا إذا قلنا بالمسح وأما إذا قلنا بالتيمم فأمره واضح [ويمسح وجوباً على جميع الجبيرة لما تقدم من حديث صاحب الشجة لأنها عزيمة] الجبيرة عزيمة وليست برخصة حينئذٍ يرجع فيه إلى الأصل، ثم قال (ومتى ظهر بعض محل الفرض بعد الحدث أو تمت مدته استأنف الطهارة) هذا ما يسمى بنواقض المسح على الخفين ولا شك أنه داخل في مفهوم الوضوء فكل ما

ص: 16

نقض الطهارة دون مسح نقض المسح أليس كذلك؟ يعني لو مسح على خفيه ثم بال انتقض المسح أو لا؟ انتقض المسح؛ فكل ما ينقض الوضوء ينقض المسح على الخفين وما في حكمه ويزاد على ذلك عند المصنف مسألتان: المسألة الأولى: متى ظهر بعض محل الفرض ممن مسح بعد الحدث أما قبله فلا يضر بخرق الخف أو خروج بعض القدم إلى ساق الخف أو ظهر بعض رأس وفحش أو زالت جبيرة استأنف الطهارة؛ لماذا؟ لأن ما ظهر فرضه الغسل وما ستر فرضه المسح ولا يجتمعان لأن هذا بدل وهذا مبدل عنه فلا يجتمعان إما غسل وإما مسح فإذا ظهر بعض محل الفرض رجعنا إلى الأصل وهذا بعد الحدث وأما قبل الحدث فلا يضر بل لو خلع الخف ولبسه مرة أخرى لا يضره لماذا؟ لأنه يكون قد لبسه المرة الثاني بعد كمال الطهارة فلا اعتراض وأما إذا أحدث ثم ظهر بعض محل الفرض كشفه عمداً أو خلع خفه قالوا بطلت طهارته لماذا؟ لأنه قد ظهر محل الفرض فوجب غسله ولا يجتمع مع المسح ثم علة أخرى وهي أن مسح الخفين يرفع الحدث وهذا وهو الصحيح أنه يرفع الحدث فإذا رفع الحدث حينئذٍ إذا زال الخف رجع الحدث إلى القدمين وإذا رجع الحدث إلى القدمين الحدث لا يتبعض فيسري إلى البدن كله حينئذٍ بطلت طهارته (أو تمت مدته) أي مدة المسح فحينئذٍ يستأنف الطهارة ولو كان في صلاة لماذا؟ قال لأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال أو انقضت مدته بطلت الطهارة في الممسوح ووجب غسله لزوال حكم البدل كالمتيمم يجد الماء إذا تمت مدت الطهارة وهي يوم وليلة وهو باقي على طهارته ولم يحدث هل له أن يصلي بهذا الوضوء الذي مسح فيه على الخفين وانتهت مدته أو لا؟ هذا مبني على الخلاف هل زالت طهارته بانتهاء المدة أو لا؟ المذهب نعم لماذا؟ لأنه حكم مقيد بوقت وإذا كان كذلك حينئذٍ لا يعتبر رفعاً للحدث إلا في المدة فإذا انتهت المدة رجعنا إلى الأصل فلما انتهت المسح على الخفين وصفت القدمان بالحدث فسر إلى البدن كله حينئذٍ هاتان المسألتان مبنيتان على علة واحدة وهي هل مسح الخفين يرفع الحدث مطلقاً أو أنه مؤقت؟ الصواب أنه مطلقاً وإذا كان كذلك إذا انتقضت طهارته الأمر واضح إذا لم تنتقض طهارته ثبتت بدليل شرعي فلا يعدل إلى بطلانها إلى بدليل شرعي، ولذلك الصواب في المسألتين أنه لا يستأنف الطهارة بل هو باقي على طهارته لماذا؟ لأن الطهارة ثبتت بدليل شرعي وإذا ثبت بدليل شرعي لا ترفع إلا بدليل شرعي وليس عندنا إلا اجتهاد وهذا الاجتهاد محل نظر يعني العلة المذكورة فيها شيء من النظر

والله أعلم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ص: 17