المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ العلم في صدر الإسلام - أصول التصحيح العلمي - المبيضة - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٢٣

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌ العلم في صدر الإسلام

‌المقدمة

كان‌

‌ العلم في صدر الإسلام

يُتَلقَّى من أفواه العلماء، ويُحفَظ في الصدور. وكان الناس مختلفين في الكتابة، منهم مَن يثق بجودة حفظه فلا يكتب شيئًا، ومنهم مَن يكتب ما يسمع ليتحفظه ثم يمحو الكتاب، ومنهم مَن يكتب ويحفظ كتابه حتى يراجعه عند الحاجة.

ثم اتسع العلم، وطالت الأسانيد، وصُنِّفت بعض الكتب، فأطبق الناس على الكتابة. وكان أكثرهم يحرصون على الحفظ، وإنما يكتبون ويحفظون كتبهم ليتحفظوا منها، ثم يراجعونها عند الحاجة. ومنهم مَن لا يحفظ، فإذا احتيج للأخذ عنه روى من كتابه.

وكانوا يبالغون في حفظ كتبهم، فلا يمكِّن أحدهم أحدًا من كتابه إلا أن يكون بحضرته، [ص 2] أو يشتد وثوقه برجل فيسمح له.

وفي "صحيح البخاري" في كتاب الحج، باب: من أين يخرج من مكة [1576]: "سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: لو أن مسددًا أتيتُه في بيته فحدثتُه لاستحق ذلك، وما أبالي كُتُبي كانت عندي أو عند مسدد".

وكانت كتب العلماء التي يعتمدون عليها بخط أيديهم، وذلك على أوجه:

- قد يملي الشيخ، والطالب يكتب ثم يحفظ ذاك الكتاب نفسه، أو ينقله إلى كتاب آخر فيحفظه.

ص: 6

- وقد يثق الطالب بجودة حفظه، فيحضر إملاء الشيخ فيحفظ، ثم يرجع إلى بيته فيكتب ما حفظه.

- وقد يسمح له الشيخ بكتابه بحضرته فينقل منه، أو ينقل من نسخة أخرى قد كتبها صاحبها عن الشيخ، ثم يقرأ ما كَتبه على الشيخ؛ فإن كان الشيخ حافظًا اكتفى باستماع ما كتبه الطالب، وأصلح ما يحتاج إلى إصلاحه من حفظه، أو أخذ كتابَ الطالب وأملاه عليه. وإن لم يكن الشيخ يحفظ أخَذَ أصلَه، فقابل له

(1)

ما كتبه الطالب؛ إما بأن يملي الشيخ من أصله والطالبُ ينظر في نقله، وإما بأن يقرأ الطالب من نقله والشيخ ينظر في أصله.

- وربما تسامح بعضهم، فحضر إملاءَ الشيخ أو القراءةَ عليه ولم يكتب هو، ولكن كان معه مَن يكتب عند السماع أو كتَبَ قبل ذلك. ثم بعد ذلك يعتمد ذاك الذي لم يكتب على كتاب صاحبه، فينقل عنه.

- وربما لم يكن هناك سماع ولا قراءة، وإنما ينقل الطالب من أصل الشيخ، أو من فرع قد قرأه الشيخ أو قرئ عليه، ثم يعرض على الشيخ؛ فإذا كان الشيخ حافظًا لعلمه تصفَّحَ هذا النقلَ، [ص 3] وأصلح ما يحتاج إلى الإصلاح، ثم ناوله الطالبَ وأذن له بروايته عنه.

- وربما استغنى الشيخ عن بعض كتبه، فوهبه لبعض أصحابه، وأذن له أن يرويه عنه.

- وربما أوصى الشيخ بكتابه لبعض أصحابه، وأذن له أن يرويه عنه.

- وأشد تسامحًا من هذا أن ينقل الطالب من كتاب طالب آخر ما رواه

(1)

كذا في الأصل، والمقصود:"به" أو "عليه".

ص: 7

عن شيخ حي، ثم يجيء إلى الشيخ بكتابه فيقول: هذا من روايتك، فأرويه عنك؟ فيقول: نعم؛ مع أنه لم ير الكتاب، ولم يقرأه، ولا قرئ عليه. وكان مثل هذا نادرًا، وإنما يتفق مثله إذا كان الطالب كبيرًا من أهل العلم والثقة، فإذا وثق بكتاب صاحبه لثقته عنده، ووثق الشيخ بعلمه وإتقانه ومعرفته= أجازه.

لكن لما كثرت المصنفات، واشتهرت نسخُها، وطالت الأسانيد وتعددت، وضعفت الهمم= توسع الناس في الإجازة. يجيز الشيخ للطالب الكتابَ وإن لم يكن عنده نسخة منه، ولا قرأه، ولا سمعه، ولا رأى نسخة منه. ثم إذا طال عمر هذا الطالب احتاج الناس إلى الرواية عنه، فبحثوا عن نسخة يوثق بها من ذلك الكتاب، فقرأوا عليه، ورووه عنه.

وربما اكتفى بعضهم بالاستجازة منه. فقد يجيز رجلًا، ويجيز هذا الثاني ثالثًا، فيظفر هذا الثالث بنسخة من الكتاب فيمليها على الناس أو يقرؤونها عليه، ويعتمد عليها في القضاء والفتوى والنقل في مصنفاته وغير ذلك؛ مع أن شيخه وشيخ شيخه لم يريا تلك النسخة، بل ولا نسخة [ص 4] من الكتاب.

وتوسعوا في ذلك حتى كانوا يجيزون للأطفال وللرجل ولمن يولد له بعد، ويجيز أحدهم لجميع أهل عصره جميع مصنفاته ومروياته!

وبالجملة صارت الرواية في الآخر صورة لا روح لها، وانحصر الأمر في أن تكون النسخة موثوقًا بها. والثقة بالنسخة على درجات:

- أعلاها: أن تكون بخط المصنف وقرئت عليه، أو قرأها هو على الناس، أو كرر النظر فيها.

- ودون ذلك: أن تكون فرعًا عن أصل المصنف، وقابله ثقة مع المصنف.

ص: 8