الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ص 17]
الباب الأول
في الأعمال التي قبل التصحيح العلمي
*
العمل الأول: انتخاب كتاب للطبع
أغراض الناس في طبع الكتب القديمة مختلفة: فالتاجر يؤثر الربح، ومن كان من ذرية مؤلف أو قبيلته أو أهل مذهبه همُّه أن يطبع كتب ذاك المؤلف، والمغرم بفن من الفنون يرجِّح كتب فنه، وقد تكون في ملك الرجل نسخة من كتاب فيدعو إلى طبعه لتُشترى منه النسخة بثمن غال؛ ومن كان له غرض من هذه الأغراض يسعى في حمل غيره على مساعدته. فينبغي عند انتخاب الكتب للطبع الرجوع إلى هيئة علمية من كبار العلماء المتفننين.
وحبذا لو أن الأزهر بمصر يقوم بهذه المهمة العظمى، وذلك بالإيعاز بجمع فهرس عام للكتب المهمة التي لم تُطبع، وبيان موضعها من مكاتب العالم مع ما تيسر من وصف النسخ؛ ثم يُعرض على هيئة كبار العلماء لترتيبها على مراتب في الأهمية واستحقاق تقديم الطبع، ثم يُنشر الفهرس مرتبًا ذاك الترتيب، ويُتقدَّم إلى الراغبين في طبع الكتب أن يجروا على حسب ذلك. ثم كل مَن أراد طبع كتاب كان عليه أن يراجع الهيئة لتُقيِّد اسمه عندها وتُعرِّفه بما يلزم، مثل إبلاغه أن غيره قد التزم طبع الكتاب، أو تنبيهه على اطلاع الهيئة على نسخة أو أكثر زيادةً على ما في الفهرس، وغير ذلك.
وبهذا يأمن الراغبون في الطبع من الخطأ في الانتخاب، ومن الغلط في ظن أن الكتاب لم يطبع، ويعرفون مواضع النسخ. وفي ذلك مصلحة للعلم
وأهله ولأصحاب المطابع. ويمكن توسيع دائرة التعاون إلى حد بعيد.
هذا، وينبغي أن يراعى في الانتخاب أمور:
1 -
أن يكون الكتاب عظيم النفع، كثير الفائدة، يرجى أن يكون لنشره أثر عظيم في إحياء العلم ونشره. ومِن لازم ذلك أن لا يكون قد طُبع ونُشر كتاب يغني عنه.
2 -
أن يقدَّم الأهم فالأهم.
3 -
أن يكون في متناول ملتزم الطبع من نُسخ الكتاب القلمية نسختان جيدتان على الأقل، اللهم إلَّا الكتب العزيزة التي لا توجد منها إلا نسخة واحدة في العالم.
4 -
أن يكون الملتزم مستعدًّا لبذل النفقات التي يقتضيها أداء الواجب في استحضار النسخ، وتصحيحه كما ينبغي، وغير ذلك. فإن من الناس مَن يتصدى لطبع بعض الكتب المهمة، فيشرع في العمل، ثم يقعد به ضيق ذات اليد أو النفس عن توفية ما يجب، فيطبع الكتاب على هيئة يضجُّ منها الكتاب والعلم وأهله.
* العمل الثاني: انتخاب نسخة للنقل
العادة أن تُنتسخ من بعض الأصول القلمية نسخة تكون مسودة للتصحيح فالطبع. فقد تنتسخ المسودة من نسخة رديئة، فيؤدي ذلك إلى كثرة العمل وصعوبته فيما بعد ذلك من المقابلة على النسخ الأخرى والتصحيح، وقد يؤدي إلى ما هو أشد ضررًا؛ فينبغي أن تكون النسخة التي تنتسخ منها المسودة:
1 -
واضحة الخط.
2 -
سليمة من الخروم والبياضات ما أمكن.
3 -
جيدة الصحة.
وإنما يوثق بهذا بأن يتصفحها عالم عارف بالفن خبير بأعمال الطباعة.
* [ص 19] العمل الثالث: انتخاب ناسخ للمسودة
ينبغي أن يكون:
1 -
واضح الخط.
2 -
موثوقًا بأمانته.
3 -
مشاركًا في العلم وعلى الأخص في فن الكتاب.
4 -
يسهل عليه قراءة الأصل الذي ينقل منه على الصحة.
5 -
إذا كان مستأجرًا فينبغي أن يسمح له بالأجرة الكافية والوقت الكافي، فإن قلة الأجرة يحمل على التهاون، وضيق الوقت يحمل على الاستعجال وهو مظنة الإخلال.
* العمل الرابع: نسخ المسودة
يلزم الناسخَ أمور:
1 -
أن يدع في الحواشي وبين السطور بياضًا كافيًا يسع التخاريج والإلحاق وغيرها، وينبغي أن يراجع المصححَ في مقدار ذلك.
2 -
أن تكون الكتابة واضحة مفصلة يؤمن فيها الاشتباه. فقد يشتبه حرف بآخر، وعلامة بغيرها، والنقط بالعلامة، والنقطة بالنقطتين؛ ويقع
الاشتباه في موضع بعض الحروف أو النقاط أو العلامات= فعليه أن يتوقى ذلك.
3 -
ليكن همه النقل على الوجه. فلا يزيد شيئًا باجتهاده، ولا ينقصه، ولا يغيِّره حتى الشكل والنقط والعلامات مثل كلمة التصويب (صح) والتضبيب وهو علامة الشك (صـ)، وعلامة الإهمال، وعلامة تمام الجملة، وعلامة التقديم والتأخير، وعلامة النفي (لا ــ إلى)، وعلامات اختلاف النسخ وغير ذلك.
4 -
[ص 20] لا يوضح مشتبهًا، بل إن تيسر له أن يصوِّر كما في الأصل فليفعل وإلَّا فليدع بياضًا.
5 -
إذا وجد في الأصل كلمة أو عبارة مضروبًا عليها، فليثبتها ولينبِّه في الحاشية على أنها مضروب عليها في الأصل. وكذلك إذا رأى حكًّا أو محوًا وتغييرًا نبَّه عليه في الحاشية. وكذلك إذا ارتاب في كلمة أو جملة يخشى أن تكون بخطٍ غير خط الأصل، فلينبِّه عليها أيضًا.
6 -
إذا وجد زيادة بين السطور أو بالهامش فلا يدرجها في الأصل، بل يثبتها في مثل موضعها، وينبه بالحاشية على أنها كذلك في الأصل، اللهم إلا أن يثق بأنها لحق صحيح كأن تكون بخط كاتب الأصل بلا ريب وبعدها "صح أصل" أو نحوها، وعلامة موضع الإلحاق من الأصل واضحة.
7 -
ينبغي أن يكون نقله من الأصل مباشرة. فإن إملاء إنسان وكتابة آخر يخشى منه الخطأ السمعي الذي تقدم بيانه في المقدمة في السبب السادس، ويخشى منه غير ذلك كما يأتي في العمل الخامس.
8 -
مرَّ في المقدمة في السبب الخامس ما يخشى على الناظر في الأصل ــ سواءً كان الناسخ أو المملي ــ من الخطأ، فينبغي أن يكون للناظر علامة يؤمن من تحولها عن موضعها بدون إرادته. وحبذا لو اتخذ مسطرة هكذا ـا يكون طولها بمقدار عرض ورقة الأصل، وتكون معها صفيحة بطولها تُضَمُّ إليها بلولب في الطرف. فتدخل الصفيحة تحت الصفحة التي يراد نقلها، والمسطرة فوقها، فتكون المسطرة أسفل من السطر [ص 21] الذي ينتهي إليه، وطرفها المنتصب عقب الكلمة التي ينتهي إليها فيما يتحفظه الناسخ ليكتبه. وهكذا تحول بعد كل نظرة.
9 -
إن اشتبه على الناسخ الموضع الذي انتهى إليه من الأصل فلا ينبغي أن يكتفي بأن يرى في الأصل مثل الكلمة الأخيرة التي هي آخر ما كتبه بل ولا الجملة، فإن مثل ذلك قد يقع في موضعين أو أكثر من الكلام، بل يستظهر بمقابلة سطر أو سطرين أو أكثر.
10 -
إذا انتهى وقت الكتابة وأراد أن يطوي الأصل ثم يعود في الوقت الثاني للكتابة، فالأولى أن يدع المسطرة بحالها، ويحفظ الأصل في موضع يأمن فيه من تحوُّل المسطرة عن موضعها، أو يعُدَّ سطور صفحة الأصل، ويُقيِّد في مذكرته السطر الذي انتهى إليه، مع رقم الصفحة وتاريخ اليوم والوقت. فإن لم يكن الأصل مرقم الصفحات وضع ورقة خاصة يكتب فيها ما ذكر من عدد السطر والتاريخ، ووضع الأصل في موضع يأمن فيه من ضياع تلك العلامة أو سقوطها أو تحويلها.
11 -
كثيرًا ما تسقط من النسخ أوراق، أو يقع في الأوراق تقديم وتأخير، أو تلتصق ورقة بأخرى؛ فينبغي للناسخ أن لا ينتقل من صفحة إلى
أخرى حتى يثق بأنها هي التي تليها. فإن اتضح له عدم الاتصال بدأ فتصفح أوراق الكتاب، فإن تبيَّن له بيانًا واضحًا أن في الأوراق تقديمًا وتأخيرًا راجَعَ المصحح أو رجلًا آخر من أهل العلم ويعمل بقوله، [ص 22] ويشرح ذلك في هامش النقل. وإن بان له أن بعض الأوراق سقط راجَعَ ملتزم الطبع. فإن أمَره بمواصلة الكتابة عَمِل بذلك وبيَّن في موضع السقط من هامش النقل أن هناك سقطًا لبعض الأوراق. وإن لم يتبين له شيء، وشكَّ في الاتصال وعدمه، راجَعَ المصحح أو رجلًا آخر من أهل العلم.
وأولى من هذا كله أن يبدأ المصحح أو رجل من أهل العلم بتصفح النسخة قبل النسخ، فإن وجدها متصلة الأوراق، لا سقط فيها ولا تقديم وتأخير، فذاك؛ وإلّا أرشد الناسخ إلى ما يلزم.
ولا يكتفي لمعرفة الاتصال بمطابقة "التَّرْك"
(1)
(وهو الكلمة التي تكتب على طرف آخر الورقة) لأول الورقة التي تليها، فإنه قد يتفق الترك في ورقة مع أول ورقة أخرى غير التي حقها أن تليها. وربما سقط بعض الأوراق أو يقع تقديم وتأخير، فيجيء مالك النسخة التي يريد بيعها، فيكتب على طرف آخر الورقة مثل الكلمة في أول الورقة التي تليها في تلك النسخة إما جهلًا وإما غشًّا. وكذلك لا يكتفي بتسلسل الأرقام فإنه قد يقع الغلط فيها والاشتباه، وقد تكون كتابتها حديثة بعد وقوع السقط أو التقديم والتأخير إما جهلًا وإما غشًّا، بل الدليل القوي اتصال الكلام وتسلسل العبارة، وأقوى من ذلك مراجعة نسخة أخرى.
(1)
يعني التعقيبة. وهو من مصطلحات علماء الهند، ومثله "الركاب". انظر "فرهنك آصفيه"(1/ 610) وقد تمَّ تأليفه سنة 1895 م.