المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الثاني: أن من الأغلاط التي تقع في النسخ القلمية ما لا يكاد يخفى على أحد - أصول التصحيح العلمي - مسودة - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٢٣

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌ الثاني: أن من الأغلاط التي تقع في النسخ القلمية ما لا يكاد يخفى على أحد

شكلها هو الموافق للصواب. ولا أحصي كم مرة جرى لنا مثل هذا، حتى إننا نتعجب بعد التبيُّن كيف قرأناها أولًا على خلاف الصواب!

الوجه‌

‌ الثاني: أنَّ من الأغلاط التي تقع في النسخ القلمية ما لا يكاد يخفى على أحد

.

مثال ذلك: أن تقع هذه الكلمة في أول الخطبة "الحمد لله" بنقطة فوق الحاء، أو تحتها، أو فوق الدال، أو تكون بدل الدال راء، أو يسقط منها الميم، أو تزاد ميم أخرى، أو تقدَّم الميم على الحاء.

فإن قلتم: يطبعها كما في الأصل، فلا يخفى ما فيه من الشناعة التي تُزهِّد الناسَ في الكتاب.

وإن قلتم: أما مثل هذا فينبغي إصلاحه.

قيل لكم: فقد تركتم التطبيق. ومع ذلك فإن كان المصحح قليل المعرفة، فلا بد أن يخبط خبط عشواء

(1)

، كما قدَّمنا في الكلام على العمل

(1)

كتب المؤلف بعده كلامًا، ثم ضرب عليه، وننقله هنا للفائدة:"فقد رأينا من المشهورين بالعلم من إذا رأى اسم "عيَّاش" في موضع هو فيه صحيح أصلحها: "عباس". وهكذا في كلمة "السيباني" أو "السيناني" يصلحها: "الشيباني". وهكذا في اسم "حمار" أو "حِمّان" أو نحوهما يصلحه: "حمَّاد"؛ وغير ذلك. وإذا كان لك إلمام بكتب الحديث ورجاله علمتَ كثرة هذا الضرب.

وقد رأينا منه ما لا يُحصى، حتى إنَّ بعض الأعيان الذي [في الأصل:"الذين"] كان موكولًا إليه أن يتعقبنا في النظر في تجارب الطبع، ليصلح ما لعلَّه خفي علينا أنه غلطٌ، وجد مرةً كلمة "المَرُّوذي" في موضع هي فيه صحيحة، فأصلحها:"المَرْوزي". وكذلك "السَّيباني" أصلحها: "الشَّيباني". وكذلك في نسب "محمد بن شعيب بن شابور" أصلحها: "سابور". وكذلك "مروان الأصفر" أصلحها: "مروان الأصغر". وكذلك كلمة "بأَخَرة" من قولهم: "تغيَّر بأَخَرةٍ" أصلحها: "بآخِره"، في أشياء أخرى.

وقد وقعت أشياء من ذلك لمشاهير العصر. ووقع لي نفسي أشياء من ذلك، تنبَّهتُ لها فيما بعد. ولا أشكُّ أنها بقيت أشياء لم أتنبَّه لها بعدُ. ولعلِّي أذكر فيما يأتي أمثلة ذلك عند الإفاضة في أسباب الوقوع في الغلط.

وأعظم سبب في ذلك هو الاعتماد على الظن. وإذا كان الاعتماد على الظن كثيرًا ما يوقع أهل المعرفة في الغلط، فما بالك بمن ليس منهم! على أننا وجدنا بالخبرة والممارسة أنَّ قليل العلم أكثر اعتمادًا على ظنِّه من العالم رغمًا عمَّا يقتضيه المعقول من أن الغالب صوابُ ظنِّ العالم وخطأ ظنِّ من ليس بعالم".

ص: 52

الثالث

(1)

. فيضيف إلى أغلاط النسخة أغلاطًا أخرى.

فإن في الأسماء: أحمد وأجمد وأحمر، وأحيَد وأجيَد، وأَبان وأُثان، وأنَس وأتَش، وبدر ونُدَّر، وبِشر وبُسْر ويُسْر ونَسْر ونَشْر، وبشير ويسير ونسير، وتوبة وبُوبة وبُونة وبُوَيه ونُوبة ونُونة.

[3/أ] الوجه الثالث: أن كثيرًا من الأغلاط تحصل بسبب التساهل والتهاون وعدم المبالاة، وهذه صفة لازمة غالبًا لقليل العلم، فلا يفي بالتطبيق فيما هو ممكن فيه.

الوجه الرابع: أن غالب الذين يطبعون الكتب يراعون الربح، أو على الأقل عدم الخسارة، أو خفَّتها؛ فإذا طُبع الكتاب مرة امتنع الناس من طبعه مرة أخرى، قبل أن تنفد النسخ الأولى، خوفًا من الخسارة ممن طبعه بلا

(1)

لم يتقدم ذكر "عمل ثالث"، ولعله يقصد ما سبق من قوله عن غالب المصححين في أول الباب.

ص: 53

تصحيح. فقد جنى على ذلك الكتاب وعلى العلم وأهله، إذ لعله لو لم يطبعه لقُيِّض

(1)

له من يطبعه طبعًا مصحَّحًا يصح الاعتماد عليه.

هذه أربعة أوجه تُوضِّح فساد الرأي المذكور، وتُبيِّن أن الاقتصار في التصحيح على تطبيق المطبوع على النسخة غير ممكن، وأنه لا يقتصر فساده على أن يبقى في المطبوع ما كان في النسخة القلمية من الأغلاط، بل لابد أن تضاف إلى ذلك أضعاف مضاعفة.

وإذا عرف العالِم في كتاب مطبوع أنه إنما صُحِّح هذا الضربَ من التصحيح لم يمكنه الوثوق بما فيه، لاحتمال تصرُّف المصحح الجاهل، أو غفلته، أو غير ذلك. هذا، مع احتياجه إذا أراد تصحيح بعض الأسماء أو الكلمات إلى مجهود يبذله في مراجعة المظان.

فإذا فُرِض أنه طُبع من الكتاب ألف نسخة، فقد تقع خمسون منها إلى علماء محتاطين، فيحتاج كل منهم إلى مجهود مستقل، لعله لا يتيسر له لفقدِه الكتب التي يحتاج إلى مراجعتها. ولو أن أرباب المطبعة قاموا بذلك لأغنى مجهود واحد عن خمسين مجهودًا.

فأما بقية النسخ، فإنها تقع إلى من يعتمد عليها، وفي ذلك من الفساد ما فيه.

وكثير من الكتب المطبوعة بمصر وغيرها لا يظهر فيها كثرة الخطأ، ويعِزُّ وجود التنبيه في الحواشي، فيظهر من ذلك أن مصححيها يرون أن الواجب إنما هو مراعاة الصحة في نفس الأمر.

(1)

رسمها في الأصل بالظاء.

ص: 54