المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرأي السديد: أن يراعى في التصحيح الوجوه الثلاثة: ما في النسخة، وما عند المؤلف، وما في نفس الأمر - أصول التصحيح العلمي - مسودة - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٢٣

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: ‌الرأي السديد: أن يراعى في التصحيح الوجوه الثلاثة: ما في النسخة، وما عند المؤلف، وما في نفس الأمر

وقد يؤيَّد هذا الرأي بأنه إن وقع في النسخة الأصل أوفي إحدى النسخ خطأ، فالغالبُ أنه من النساخ، لبعدِ أن يكون من المؤلف، وأيُّ ضرورة إلى بيان خطأ النساخ؟ وعلى فرض أنه من المؤلف، فهو خطأ على كل حال، والمقصود إنما هو الصواب. وإذا ظفر المطالع بالصواب، فأيُّ حاجة به إلى أن يعرف أنه وقع للمؤلف هناك خطأ؟

وهذا الرأي دون ما قبله في الفساد، بشرط أن يكون المصححون من أهل العلم والمعرفة والاحتياط والتثبت.

على أنه قد يقال: لو كانوا كذلك لكثر تنبيههم في الحواشي على ما وقع في النسخة الأصل أو إحدى النسخ، لأن النسخ القلمية لا تخلو عن إهمال النقط والاشتباه والخطأ والاختلاف، وكثير من ذلك يتردد فيه نظر العالم المتثبت.

ومن المحال عادةً أن يحصل القطع بالصواب في جميع الكتاب، كيف، ولا يخلو كتاب من الكتب المذكورة من عدة مواضع طبعت على ما هو غلط في نفس الأمر، وعند المؤلف؟

ف‌

‌الرأي السديد: أن يراعى في التصحيح الوجوه الثلاثة: ما في النسخة، وما عند المؤلف، وما في نفس الأمر

، على ما يأتي إيضاحه.

ص: 55

[4/أ]

(1)

باب

المراد بالمراعاة: أحد أمرين:

- إما الإثبات في أصل المطبوع.

- وإما التنبيه في الحاشية.

فإذا اتفق ما في النسخ، وما عند المؤلف، وما في نفس الأمر؛ فواضح. وإلا أثبت في أصل المطبوع ما هو الأحق، ونُبِّه على الباقي في الحاشية. اللهم إلا أن يكون ما وقع في النسخة الأصل أو إحدى النسخ من الخطأ الذي لا يخفى على أحد ــ كما مر في "الحمد لله" ــ فلا حاجة للتنبيه عليه.

هذا، والأولى أن يثبت في أصل المطبوع ما عُرف عن المؤلف، وإن خالف ما في النسخة أو النسخ وما في نفس الأمر؛ فإن الكتاب حكاية لكلام المؤلف، فالواجب أن يحكى كما صدر عنه.

فإن قيل: إنه وإن عرف ما عند المؤلف، وكان مخالفًا لما في النسخة الأصل، فمن الجائز في بعض المواضع أن يكون له قول آخر موافق

(2)

لما في النسخة، أو أن يكون سها في ذلك الموضع.

قلت: هذا الاحتمال فيه بعد، ويكفي في مراعاته التنبيه في الحاشية على ما وقع في النسخة.

ولذلك إذا كان في الكتاب حكاية عن رجل آخر، فالعبرة بما عند ذلك

(1)

الصفحة (3/ب) مضروب عليها.

(2)

يحتمل "موافقًا".

ص: 56

الرجل، ويكون له حكم المؤلف.

فإن اختلف ما عند المؤلف أثبت في أصل المطبوع من قوليه أو أقواله ما يوافق النسخة أو إحدى النسخ، لأن الظاهر أن الأصل موافق لأصل المؤلف، ولم يقم دليل على خطائه. ولهذا إذا كان الأصل الذي يطبع عنه بخط المؤلف، فالواجب مراعاته على كل حال، اللهم إلا في الخطأ الذي لا يخفى على أحد، ويقطع بأنه زلَّة قلم، كما تقدم في "الحمد لله".

فإن اختلف نسختان

(1)

ــ مثلًاـ وكل منهما موافق لقول المؤلف، أثبت في أصل المطبوع منهما ما يوافق ما في نفس الأمر. فإن اختلف ما في نفس الأمر، فالمرجَّح. فإن لم يكن ترجيح رُجِّح بكثرة النسخ، فإن استوت فبجودتها، وإن استوت تخيَّر المصحح.

فإذا لم يُعلم ما عند المؤلف عُدَّ موافقًا لما في نفس الأمر، لأن الغالب في حقه معرفة الصواب في نفس الأمر؛ حتى إذا كان ما في نفس الأمر مختلفًا فيه، ولا ترجيح، عُدَّ ما عند المؤلف كذلك.

فإذا لم يُعلم ما في نفس الأمر عُدَّ موافقًا لما عند المؤلف لما ذُكِر.

فإذا لم يعلم ما في نفس الأمر، ولا ما عند المؤلف، أثبت في المطبوع كما في النسخة؛ فإن الظاهر صحته، ولم يقم دليل على خطائه. فإن اختلفت النسخ رُجِّح بالكثرة، فإن استوى العدد فبالجودة، فإن استوت تخيَّر المصحح.

فإذا لم يعلم ما في النسخة الأصل لاشتباه أو خرم، أو نحوه، ولم يعلم

(1)

كتب أولًا: "أصلان"، ثم استبدل بها "نسختان"، ونسي تأنيث الفعل قبلها.

ص: 57

ما عند المؤلف، ولا ما في نفس الأمر= تُرك بياض.

[5/ب] فصل

(1)

واعلم أن الاختلاف قد يقع بين موضعين من النسخة، أو بين نسخة ذلك الكتاب ونسخة كتاب آخر للمؤلف، أو لغيره. وهذا على أوجه:

الأول: أن يتبين للمصحح أن كلا الوجهين صواب في نفس الأمر وعند المؤلف فيما يظهر، فلا حاجة للتنبيه على الخلاف؛ إلا أن يخشى أن يظن من يطالع الكتاب ويطلع على الخلاف أن أحد الوجهين خطأ، فيحسن أن ينبِّه على الخلاف وعلى أن كلا الوجهين صواب، ويشير إلى الحجة في ذلك.

الثاني: أن يتبين له أن ما وقع في ذلك الموضع من النسخة صواب في نفس الأمر وعند المؤلف، وما وقع في الموضع الآخر أو الكتاب الآخر للمؤلف، أو لغيره خطأ= فهذا أيضًا لا حاجة للتنبيه [عليه] إلا أن يخشى أن يتوهم كثير من المطالعين أن ما وقع في ذلك الموضع هو الخطأ.

الثالث: أن يكون ما وقع في ذلك الموضع خطأ في نفس الأمر وعند المؤلف، فعليه في هذا إثبات الصواب، والتنبيه على ما وقع في النسخة في ذلك الموضع، ويذكر الحجة على صواب ما أثبته في نفس الأمر وعند المؤلف= فيحتاج هنا إلى ذكر ما وقع في الموضع الآخر أو في الكتاب الآخر، ولا يلزمه استيعاب المظانِّ كلِّها بل يكفيه ما يرى أن الحجة تقوم به.

الرابع: أن يشتبه عليه الأمر، فيشكَّ أي الوجهين الصواب، ولايهتدي

(1)

كتب قبل الكلام الآتي من (4/أ): "بعد ثلاث صفحات"، فلعله أراد تقديم هذا الفصل عليه.

ص: 58

إلى بيانه، ففي هذا ينبغي له التنبيه على الخلاف.

فأما حيث

(1)

يكون الصواب عند المؤلف مخالفًا للصواب في نفس الأمر، فلا بد من البيان على كل حال. والله الموفق.

[رجع إلى 4/أ] هذا، واعلم أن بين أهل العلم خلافًا في إصلاح الغلط، وقد بسط القول فيه في مصطلح الحديث، وقد ذكرت هنا حاصل ما يترجح في ذلك.

وبيانه: أن من مال إلى المنع حجتُه أنه خلاف مقتضى الأمانة، وأن الناظر قد يخطئ، فيظن ما ليس بغلط غلطًا. وقد يترتب على ذلك أن يقع هو في الغلط. وقد يكون ما في الأصل غلطًا، ولكن يخطئ المصلح، فيصلحه بغلط آخر.

والجواب عن ذلك: أن الإذن في الإصلاح إنما هو لمن كان أهلًا، ويلزمه مع ذلك أن يبين ما كان في الأصل، إلا فيما كان مقطوعًا به البتة، كما مرَّ في "الحمد لله". وينبغي للمصحح مع ذلك أن يذكر حجته، فلم يبق محذور. ولله الحمد.

[4/ب] فصل

أما معرفة ما في النسخة القلمية أو النسخ، فبالمشاهدة. وينبغي أن يكون المصحح ذا خبرة بالنسخ القلمية، وممارسة لقراءتها، وأن يعاود النظر، ويقيس المحتمل بالمتيقن. ويكون كذلك عارفًا باصطلاح الخط، وبما يقع في النسخ القلمية القديمة من مخالفة الاصطلاح المشهور.

(1)

تكررت في الأصل.

ص: 59

وينبغي أن تكون النسخة أو النسخ القلمية حاضرة عند المصحح ليراجعها فيما يشك فيه وقت التصحيح، لاحتمال أن يكون الناسخ أو المقابل لم يحقق النظر.

وقد وقع لنا مرارًا أن نعتمد على المقابلة، ثم يقع لنا عند التصحيح في موضع أنه غلط، ونظنه وقع في النسخة القلمية كذلك، فنذهب نفتِّش في المظان فنتعب، ثم يبدو لنا أن نراجع النسخة القلمية، فإذا هو فيها على ما وقع لنا أنه صواب.

وأما معرفة ما عند المؤلف، فيعرف بأحد أمور:

منها: وجوده في بعض كتبه المرتبة على الحروف.

منها: ضبطه إياه بالعبارة.

ومنها: وجوده بخطه المجوَّد.

ومنها: أن ينقله عنه بعض أهل العلم موضحًا، إلى غير ذلك.

وأما معرفة ما في نفس الأمر، فبنقل العلماء المحققين.

واعلم أن نص العالم الواحد يدل على ما في نفس الأمر، ولكن لا ينبغي في هذا والذي قبله الاكتفاء بعالم واحد، أو بكتاب واحد، أو بموضع واحد؛ فإن العالم قد يخطئ، وقد يسهو، وقد يتغير اجتهاده، وقد تكون عبارته تحرفت؛ فقد وجدنا من هذا كثيرًا، وقد نبَّهتُ على طائفة من ذلك في التعاليق على "التاريخ الكبير" للبخاري. وسيأتي لهذا مزيد إن شاء الله تعالى.

ص: 60