المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الخطبة الثانية في غزوة الخندق] - الضياء اللامع من الخطب الجوامع - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌[القسم الأول من الضياء اللامع من الخطب الجوامع]

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌[القسم الأول العلم]

- ‌[الخطبة الأولى الحث على العلم والعمل به]

- ‌[الخطبة الثانية في فضيلة العلم]

- ‌[الخطبة الثالثة في فضيلة أئمة الدين]

- ‌[الخطبة الرابعة في مقام أهل العلم في الناس]

- ‌[الخطبة الخامسة في الاستفتاء]

- ‌[القسم الثاني في أصول الدين]

- ‌[الفرع الأول أسماء الله تعالى]

- ‌[الخطبة الأولى في شرح بعض الأسماء الحسنى]

- ‌[الخطبة الثانية في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا]

- ‌[الخطبة الثالثة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا]

- ‌[الخطبة الرابعة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا]

- ‌[الخطبة الخامسة في شرح بعض أسماء الله الحسنى أيضا]

- ‌[الخطبة السادسة في الحث على الإيمان بأسماء الله]

- ‌[الفرع الثاني في آيات الله]

- ‌[الخطبة الأولى في ذكر بعض الآيات الكونية]

- ‌[الخطبة الثانية في ذكر بعض آيات الله الكونية أيضا]

- ‌[الخطبة الثالثة في بيان أن السماوات أجرام محسوسة]

- ‌[الفرع الثالث في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وآياته وأخلاقه]

- ‌[الخطبة الأولى في بيان بدعة عيد المولد]

- ‌[الخطبة الثانية في بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وهجرته ووفاته]

- ‌[الخطبة الثالثة في ذكر شيء من آيات النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الخطبة الرابعة في ذكر شيء من آيات الرسل الكرام]

- ‌[الخطبة الخامسة في بيان شيء من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الفرع الرابع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الخطبة الأولى غزوة أحد]

- ‌[الخطبة الثانية في غزوة الخندق]

- ‌[الخطبة الثالثة في غزوة خيبر]

- ‌[الفرع الخامس في أشراط الساعة]

- ‌[الخطبة الأولى في الدجال ونزول عيسى بن مريم]

- ‌[الخطبة الثانية في ذكر يأجوج ومأجوج]

- ‌[الخطبة الثالثة في ذكر عدد من أشراط الساعة]

- ‌[الفرع السادس أحوال القيامة والجنة والنار]

- ‌[الخطبة الأولى في ذكر شيء من أوصاف اليوم الآخر]

- ‌[الخطبة الثانية في أن الحياة الحقيقية حياة الآخرة]

- ‌[الخطبة الثالثة في ذكر شيء من أوصاف اليوم الآخر]

- ‌[الخطبة الرابعة في ذكر بعض الأمور التي تقع يوم القيامة]

- ‌[الخطبة الخامسة في أحوال الناس يوم القيامة]

- ‌[الخطبة السادسة في ذكر شيء من نعيم الجنة]

- ‌[الخطبة السابعة في ذكر نماذج من عذاب النار]

- ‌[الفرع السابع الإيمان بالقدر]

- ‌[الخطبة الأولى في حكم الإيمان بالقدر]

- ‌[الخطبة الثانية في حكم الإيمان بالقدر وكيفيته أيضا]

- ‌[الفرع الثامن في محاسن الإسلام]

- ‌[الخطبة الأولى في سهولة الدين وإصلاحه للمجتمع]

- ‌[الخطبة الثانية في سهولة الدين وإصلاحه للمجتمع أيضا]

- ‌[الخطبة الثالثة في أن الإسلام نظام كامل مصلح للخلق]

- ‌[الخطبة الرابعة في أن من محاسن الإسلام الإيمان بجميع الكتب والرسل]

- ‌[الخطبة الخامسة في الميزان والحكمة]

- ‌[الخطبة السادسة من محاسن الإسلام العدل في التصرفات]

- ‌[الخطبة السابعة في سهولة الإسلام وشموله لأنواع العبادات]

- ‌[الفرع التاسع آداب إسلامية]

- ‌[الخطبة الأولى نماذج من حقوق المسلم على أخيه]

- ‌[الخطبة الثانية في آداب إسلامية]

- ‌[الخطبة الثالثة في مقتضى الإخوة الإسلامية]

- ‌[الخطبة الرابعة نماذج من حقوق المسلم على أخيه]

- ‌[الخطبة الخامسة في آداب إسلامية]

- ‌[الخطبة السادسة في الصبر وأقسامه]

- ‌[الخطبة السابعة في الصبر على أقدار الله]

- ‌[الخطبة الثامنة في أنواع الصبر]

- ‌[الخطبة التاسعة نماذج من الآداب الفاضلة وضدها]

- ‌[الخطبة العاشرة كيف ينظر العبد إلى نعم الله]

- ‌[القسم الثالث العبادات]

- ‌[الفرع الأول الطهارة]

- ‌[الخطبة الأولى في كيفية الوضوء]

- ‌[الخطبة الثانية في فوائد الوضوء والمسح على الخفين والتيمم]

- ‌[الخطبة الثالثة في خصال الفطرة]

- ‌[الخطبة الرابعة في حكم اعفاء اللحية وتغيير الشيب]

- ‌[الفرع الثاني الصلاة وما يتعلق بها]

- ‌[الخطبة الأولى الصلاة وحكمة تشريعها]

- ‌[الخطبة الثانية في العناية بالصلاة والخشوع فيها]

- ‌[الخطبة الثالثة في حكم المحافظة على الصلاة وعقوبة من أضاعها]

- ‌[الخطبة الرابعة في الحث على الصلاة وأدائها جماعة]

- ‌[الخطبة الخامسة في نماذج من شروط الصلاة وأركانها]

- ‌[الخطبة السادسة في نماذج من أحكام الصلاة]

- ‌[الخطبة السابعة في سجود السهو]

الفصل: ‌[الخطبة الثانية في غزوة الخندق]

[الخطبة الثانية في غزوة الخندق]

الخطبة الثانية

في غزوة الخندق الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده وكان الله قويا عزيزا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعرفوا نعمة الله عليكم بما أمد به رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من النصر العزيز والفتح المبين وهذه سنة الله التي لا تبديل لها فمن ينصر الله ينصره إن الله لقوي عزيز. أيها المسلمون في هذا الشهر أعني شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة كانت وقعة الخندق التي اجتمع فيها أحزاب الشيطان على أولياء الرحمن وذلك أن يهود بني النضير حين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة أرادوا أن يأخذوا بالثأر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب جمع منهم إلى قريش وغطفان وحرضوهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم فتحزب الأحزاب لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت قريش بأربعة آلاف مقاتل وخرجت غطفان ومعهم ألف فارس وخرجت بنو مرة وهم أربعمائة وخرجت بنو أشجع وبنو سليم في نحو سبعمائة مقاتل وخرجت بنو أسد وكان عدد الأحزاب عشرة آلاف مقاتل فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه أيخرج إليهم أم يبقى في المدينة فأشار عليه سلمان الفارسي أن يحفر خندقا على المدينة يمنع العدو عنها فأمر صلى الله عليه وسلم بحفره شمالي المدينة من حرتها الشرقية إلى حرتها الغربية وشاركهم في حفره وكان المسلمون ثلاثة آلاف رجل وقد لحقهم من الجهد والجوع ما وصفه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نحفر يوم الخندق فعرضت كدية شديدة فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله: هذه كدية عرضت في الخندق فقام وبطنه من الجوع معصوب بحجر فلبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم المعول فضربه فكان كثيبا مهيلا قال جابر فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأتيت أهلي وقلت لامرأتي لقد رأيت بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا ما كان عليه من صبر فهل عندك من شيء قالت صاع شعير وعناق وهي الصغيرة من المعز فذبحتها وطحنت الشعير

ص: 52

فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله طعيم لي فقم أنت ورجل أو رجلان معك فقال: ما هو فقلت: شعير وعناق فقال كثير طيب ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار وقال ادخلوا ولا تزاحموا فجعل يكسر من هذا الخبز ويجعل عليه من اللحم وكلما أخرج شيئا من اللحم غطى القدر ومن الخبز غطى التنور فما زال كذلك حتى شبع المهاجرون والأنصار وبقيت بقية واشتدت الحال بالمسلمين وكان مما زاد الأمر أن يهود بني قريظة وكانوا شرقي المدينة نقضوا العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم فضاق الأمر بالمسلمين كما قال تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأحزاب: 10] يعني الأحزاب {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 10] يعني بني قريظة {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا - هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10 - 11] وانقسم الناس إلى قسمين فالمنافقون والذين في قلوبهم مرض قالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا والمؤمنون قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما، ومكث الأحزاب محاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم قريبا من شهر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فأرسل الله عليهم ريحا شديدة قوية أسقطت خيامهم وأطفأت نيرانهم وزلزلت بهم وفي ذلك يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9] وبعد تفرق الأحزاب توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة الذين نقضوا عهده فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى طال عليهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب فلما اشتدت بهم الحال طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه وكان سيد الأوس الذين هم حلفاء بني قريظة في الجاهلية وكان سعد رضي الله عنه قد أصيب بسهم يوم الخندق في أكحله فدعا الله تعالى أن لا يميته حتى يقر عينه من بني قريظة الذين نقضوا العهد فاستجاب الله دعاءه فطلبه النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة ليحكم في بني قريظة فلما أقبل قال رضي الله عنه لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فلما جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم «إن هؤلاء وأشار إلى اليهود قد نزلوا على حكمك فاحكم فيهم بما شئت، قال وحكمي نافذ عليهم قال نعم قال وعلى من ها هنا وأشار

ص: 53

إلى الجانب الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قال إني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم وأموالهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة» . ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإخدود فخدت فجيء باليهود مكتفين فضربت أعناقهم وكانوا ما بين السبعمائة إلى الثمانمائة رجل وسبيت ذريتهم ونساؤهم وأموالهم وهكذا انتهت هذه الغزوة العظيمة بهذا النصر العزيز بعد أن لحق المسلمين ما لحقهم من المشقة والبلاء فكانت العاقبة لهم لأنهم يقاتلون لله وبالله لا يقاتلون رياء ولا سمعة ولا عصبية ولا يقاتلون بإعجاب بأنفسهم واعتماد على قوتهم دون الله عز وجل وإنما يقاتلون دفاعا عن الحق وإذلالا للباطل وإعلاء لكلمة الله وصيانة لدين الله فكان الله معهم يتولاهم بولايته ويعزهم بنصره وهو نعم المولى ونعم النصير وكانت النتيجة كما قال تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا - وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا - وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 25 - 27]

أقول قولي هذا وأسأل الله أن ينصر دينه ويعلي كلمته ويجمع المسلمين على الحق وأستغفر الله لي ولكم.

ص: 54