الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اتفاق السلف وأتباعهم على تعريف الإيمان بأنه قول وعمل
والسلف الصالح عرفوا الإيمان بتعريف منضبط دقيق، ومن أعجب الأمور في تعريف السلف للإيمان هو اتفاقهم على تعريف واحد دقيق مع اختلاف أقطارهم، ومع اختلاف أماكنهم، ومع اختلاف السنوات التي عرف فيها هذا المصطلح الشرعي، وهو: أن الإيمان قول وعمل، فقد اتفق المسلمون في شرق البلاد الإسلامية وغربها وشمالها وجنوبها ووسطها على أن الإيمان قول وعمل، والمقصود بالقول قول القلب، وقول القلب: هو تصديقه وإقراره بما جاء في القرآن والسنة، أو هو تصديقه بالخبر والمخبر به.
والقول يشمل أيضاً قول اللسان، فيدخل في قول اللسان شهادة التوحيد: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، ويدخل فيه أيضاً ذكر الله، ويدخل فيه قراءة القرآن، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والنصيحة، وكل العبادات القولية.
أما العمل فيدخل فيه أمران: الأمر الأول: عمل القلب، والمقصود بعمل القلب هو الاستسلام والخضوع لله سبحانه وتعالى، والتوكل عليه والإنابة والرغبة والخوف والرجاء والمحبة ونحو ذلك من الأعمال القلبية، فهي داخلة في الإيمان؛ بل هي أساس الإيمان.
الأمر الثاني: عمل الجوارح، ويدخل في عمل الجوارح كل العبادات التي تكون عن طريق الجوارح مثل: الصلاة والصيام والحج والزكاة والجهاد في سبيل الله ونحو ذلك من الأعمال الإسلامية التي تكون عن طريق الجوارح.
فنلاحظ أن الإيمان يشمل الدين كله، فكل العبادات القولية من الإيمان، وكل العبادات الاعتقادية من الإيمان، وكل العبادات العملية من الإيمان، والإيمان كما هو معلوم شعب وأنواع وخصال، وله سنام، وله أصل وفرع، وله أعلى وأدنى؛ ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الإيمان بضع وستون شعبة -وفي لفظ: بضع وسبعون شعبة-؛ فأعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، ففي هذا الحديث بيان للإيمان بكل شعبه، وبكل أنواعه السابقة، فقوله:(فأعلاها قول لا إله إلا الله) هذا القول، وقوله:(وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) هذا عمل الجوارح، وقوله:(والحياء شعبة من الإيمان) هذا عمل القلب، وتصديق القلب داخل في عمله، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه لا إيمان إلا بعمل القلب، فقول اللسان من دون عمل القلب فإنه يكون مثل فعل المنافقين، وعمل الجوارح بدون اعتقاد القلب فإنه يكون كذلك من أعمال المنافقين؛ فإن المنافقين يتكلمون بالإيمان ويعملون بأعمال الإيمان، لكنهم لا يوجد عندهم اعتقاد القلب ولا عمل القلب؛ بل يقولون بهذه الأعمال وهذه الأقوال من أجل أن يرفعوا عن أنفسهم تهمة الكفر، فيتظاهرون بالإسلام لهذا الغرض.
وهذا الإمام ابن مندة رحمه الله في كتابه العظيم (الإيمان) وهو كتاب مطبوع في مجلدين، استنبط من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، فأخذ منه أن الإيمان يكون بالقول، ويكون بالعمل، ويكون أيضاً بالقلب، وأنه يزيد وينقص، ودلالة أن الإيمان يكون بالعمل مأخوذ من قوله:(فليغيره بيده)، ودلالة كونه يكون باللسان مأخوذ من قوله:(فإن لم يستطع فبلسانه)، وهذا يدل على أن اللسان جزء من الإيمان، وعمل اللسان جزء من الإيمان، وقوله:(فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) هذا يدل على أن اعتقاد القلب من الإيمان، وقوله:(أضعف) يدل على أن هناك ما هو أقوى، فكل ما قبل الزيادة قبل النقصان، وكل ما قبل النقصان قبل الزيادة، فالإيمان يزيد وينقص.
ودلالة زيادة الإيمان ونقصانه أوضح من أن يستدل عليها بمثل هذا الاستدلال؛ لأن النصوص الشرعية في التصريح بالزيادة ظاهر في كتاب الله، قال تعالى:{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4]، وغيرها من الآيات الواردة في هذا الباب.
وقد نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل الإمام أحمد والشافعي وابن عبد البر في التمهيد وابن قدامة المقدسي وغيرهم من أهل العلم.