المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أصل ضلال الفرق المنحرفة في باب الإيمان - أصول العقيدة - عبد الرحيم السلمي - جـ ٧

[عبد الرحيم السلمي]

الفصل: ‌أصل ضلال الفرق المنحرفة في باب الإيمان

‌أصل ضلال الفرق المنحرفة في باب الإيمان

بقي أن نشير إلى نقطة مهمة جداً، ونختم بها ما يتعلق بموضوع الإيمان، وعن نواقض الإيمان، وفي اللقاءات القادمة سنتحدث عن أركان الإيمان تفصيلاً بإذن الله تعالى.

القضية التي نختم بها: هي أن أصل ضلال الفرق الضالة في باب الإيمان هو اعتقاد هذه الفرق بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهم يعتقدون أن الإيمان كلية واحدة لا تزيد ولا تنقص، فإذا نقص الإيمان اعتبروه كفراً، فترتب على هذه العقيدة الفاسدة في موضوع زيادة الإيمان ونقصانه الانحراف الكبير الذي وقع في فهمهم لحقيقة الإيمان.

فالخوارج قالوا: الإيمان قول وعمل قطعاً، واستدلوا بالنصوص الشرعية الواردة في أن الإيمان قول وعمل، ثم جاءوا إلى العمل، وقالوا: إذا زال جزء من العمل فإنه يزول الإيمان بأكمله، ولهذا كفروا أصحاب المعاصي، والذين يتركون الواجبات الشرعية.

والمرجئة اعتقدوا أنهم لو قالوا: إن العمل من الإيمان فإنه يلزمهم مذهب الخوارج، فنفوا وجود العمل في حقيقة الإيمان بناء على الهروب من طريقة الخوارج.

إذاً: أصل الداء واحد، ثم افترقت منه فرقتان متقابلتان، وأصل انحرافهم واحد هو اعتقادهم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ثم الخوارج قررت أن الإيمان قول وعمل، فرتبوا على أنه إذا نقص جزء من العمل فإن صاحبه كافر، والمرجئة وافقت على الأصل أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ورأت أثر تعريف الإيمان بأن الإيمان قول وعمل على الخوارج فنفت دخول العمل في حقيقة الإيمان، وقالوا الإيمان: تصديق القلب، وإذا نقص تصديق القلب فإنه كفر، أما إذا وجد تصديق القلب فإنه مسلم، حتى لو ترك جميع أعمال القلب والجوارح، يعني: لو لم يوجد في قلبه محبة لله، ولو لم يوجد في قلبه خوف من الله، ولو لم يوجد في قلبه توكل، ولو لم يعمل من أعمال الظاهر أي عمل فإنه يكون مؤمناً، وهذا لا شك أنه تلاعب بالدين؛ فإن حقيقة الإيمان التي مارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم توجد هذه الحالة مطلقاً عندهم، فقد أسلم في فترة دعوته عليه الصلاة والسلام في مكة وفي المدينة أعداد كبيرة من الناس، ومع هذا لم يوجد شخص يقول: أنا مصدق، ثم لا يعمل شيئاً من أعمال الإسلام الظاهرة والباطنة، حتى المنافقين وهم منافقون كانوا يأتون بأعمال الإسلام الظاهرة؛ لأنهم يعرفون أنهم لو تركوا أعمال الظاهر فضلاً عن أعمال القلب فإنهم لا يكونون مسلمين؛ لأن المسلم هو المستسلم لله المنقاد له.

وكان المنافقون يذهبون معهم في الجهاد على تباطئ فيهم وضعف وتراجع، ويشهدون الصلاة مع الناس، ويتظاهرون بالإسلام، ولو كانوا يعلمون أنه يمكن لهم ترك جميع أعمال الظاهر وأعمال القلب، ويكونون مسلمين ولا يقام عليهم حد الردة، لما فعلوا ذلك ولما أتعبوا أنفسهم ولما أشقوا أنفسهم في العمل وهم غير مقتنعين به.

لكن المرجئة يلعبون بالدين وهم من أهل التفريط، وكذلك الخوارج من أهل الغلو والإجحاف والظلم والجور على المسلمين، فهم يكفرون المسلمين ويستحلون دماء عصاة المسلمين، مع أن هؤلاء العصاة موطن دعوة يجب أن يدعون إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز تكفيرهم؛ لأنهم من أهل الإسلام، وممن يقومون بالإسلام، وهذه الأخطاء والذنوب ينصحون بالتوبة عنها، أما التكفير فإنه من أخطر الأمور، ولا يوقع إلا على صاحبه، ولا يصح لمسلم أن يكفر مسلماً آخر، وإنما إذا كفر الإنسان فإنه ينظر إلى حاله، إن وجدت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع فإنه يكفر، وإن لم توجد به الشروط ولم تنتف عنه الموانع، فإنه لا يكفر.

بهذا نكون انتهينا من درس هذا اليوم، وفي اللقاء القادم إن شاء الله سنتحدث عن نواقض الإيمان بشكل عام، وأيضاً سنتحدث عن شيء من ضوابط التكفير بإذن الله تعالى.

ص: 10