المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر معرفة الرب تبارك وتعالى بوحدانيته وعظيم قدرته وسلطانه ولطيف حكمته وتدبيره وعجائب صنعه، وأنه لا تحيط به الصفات ولا تدركه الأوهام تعالى وتقدس - العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني - جـ ١

[أبو الشيخ الأصبهاني]

الفصل: ‌ذكر معرفة الرب تبارك وتعالى بوحدانيته وعظيم قدرته وسلطانه ولطيف حكمته وتدبيره وعجائب صنعه، وأنه لا تحيط به الصفات ولا تدركه الأوهام تعالى وتقدس

‌ذِكْرُ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ تبارك وتعالى بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ وَلَطِيفِ حِكْمَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَعَجَائِبِ صُنْعِهِ، وَأَنَّهُ لَا تُحِيطُ بِهِ الصِّفَاتُ وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ

ص: 323

62 -

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَرَجِ

⦗ص: 324⦘

، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ رحمه الله قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانُوا يَعْنِي أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا الرَّفِيقِ الَّذِي لَوْ جَعَلَ هَذَا الْخَلْقَ خَلْقًا دَائِمًا، لَا يَتَصَرَّفُ لَقَالَ الشَّاكُّ فِي اللَّهِ: لَوْ كَانَ لِهَذَا الْخَلْقِ رَبٌّ حَادِثُهُ، فَكَانَ اللَّهُ تبارك وتعالى قَدْ حَادَثَ بِمَا تَرَوْنَ مِنَ الْآيَاتِ أَنَّهُ جَاءَ بِضَوْءٍ طَبَّقَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، وَجَعَلَ فِيهَا مَعَاشًا، وَسِرَاجًا وَهَّاجًا، ثُمَّ إِذَا شَاءَ ذَهَبَ بِذَاكَ الْخَلْقِ، وَجَاءَ بِظُلْمَةٍ طَبَّقَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، وَجَعَلَ فِيهَا سَكَنًا

⦗ص: 325⦘

وَقَمَرًا مُنِيرًا، وَإِذَا شَاءَ بِنَا رَبُّنَا جَعَلَ فِيهَا مِنَ الْمَطَرِ، وَالرَّعْدِ، وَالْبَرْقِ، وَالصَّوَاعِقِ مَا شَاءَ، وَإِذَا شَاءَ صَرَفَ ذَلِكَ الْخَلْقَ، وَإِذَا شَاءَ بِبَرْدٍ يُقَرْقِفُ النَّاسَ، وَإِذَا شَاءَ ذَهَبَ بِذَلِكِ الْبَرْدِ، وَجَاءَ بِحَرٍّ يَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ النَّاسِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ، أَنَّ لِهَذَا الْخَلْقِ رَبًّا هُوَ يُحَادِثُهُ بِمَا تَرَوْنَ مِنَ الْآيَاتِ كَذَلِكَ، إِذَا شَاءَ ذَهَبَ بِالدُّنْيَا وَجَاءَ بِالْآخِرَةِ.

ص: 323

63 -

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ خَلِيفَةَ الْعَبْدِيَّ، وَكَانَ

⦗ص: 326⦘

مُتَعَبِّدًا، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمْ يُعْبَدْ إِلَّا عَنْ رُؤْيَةٍ مَا عَبَدُهُ أَحَدٌ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنِينَ تَفَكَّرُوا فِي مَجِيءِ هَذَا اللَّيْلِ إِذَا جَاءَ فَمَلَأَ كُلَّ شَيْءٍ، وَغَطَّى كُلَّ شَيْءٍ، وَفِي مَجِيءِ سُلْطَانِ النَّهَارِ إِذَا جَاءَ فَمَحَا سُلْطَانَ اللَّيْلِ، وَفِي السَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَفِي النُّجُومَ، وَفِي الشِّتَاءَ وَالصَّيْفِ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ الْمُؤْمِنُونَ يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا خَلَقَ رَبُّهُمْ تبارك وتعالى، حَتَّى أَيْقَنَتْ قُلُوبُهُمْ بِرَبِّهِمْ عز وجل، وَحَتَّى كَأَنَّمَا عَبَدُوا اللَّهَ تبارك وتعالى عَنْ رُؤْيَةٍ.

ص: 325

64 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَارِسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا

⦗ص: 327⦘

عَوَانَةَ رحمه الله يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: " أَخْبِرْنِي عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عز وجل أَيُّهُ أَعْجَبُ؟ فَقَالَ: وَأَيُّهُ لَيْسَ بِأَعْجَبَ، فَأُخْبِرُكَ بِأَعْجَبِهِ "

ص: 326

65 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي حَسَّانَ الْأَنْمَاطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ قَتَادَةَ

⦗ص: 328⦘

رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عز وجل: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى، فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} [الإسراء: 72] قَالَ: مَنْ عَمِيَ عَمَّا يَرَى مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَاللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ، وَمَا يَرَى مِنَ الْآيَاتِ، وَلَمْ يُصَدِّقْ بِهَا، فَهُوَ عَمَّا غَابَ عَنْهُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ أَعْمَى، وَأَضَلُّ سَبِيلًا.

ص: 327

66 -

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْهِرْمَاسِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ الْعُكَّاشِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ رحمه الله يُحَدِّثُ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ: قَالَ

⦗ص: 329⦘

: مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: " مَنْ عَرَفَ اللَّهَ تَعَالَى لَفِي شُغُلٍ شَاغِلٍ، الْوَيْلُ كُلَّ الْوَيْلِ لِمَنْ ذَهَبَ عُمْرُهُ فِي الدُّنْيَا بَاطِلًا.

ص: 328

67 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُكْتِبُ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ التَّمِيمِيُّ، قَالَ: كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا تَلَا {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20] قَالَ: " أَشْهَدُ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَمَا فِيهَا آيَاتٌ تَدُلُّ عَلَيْكَ، وَتَشْهَدُ لَكَ بِمَا وَصَفْتَ بِهِ هَيْبَتَكَ ، وَكُلٌّ يُؤَدِّي عَلَيْكَ الْحُجَّةَ، وَيُقِرُّ لَكَ بِالْأُلُوهِيَّةِ مَوْسُومًا بِآثَارِ قُدْرَتِكَ، وَمَعَالِمِ تَدْبِيرِكَ

⦗ص: 330⦘

الَّذِي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِخَلْقِكَ، فَوُسِمَتِ الْقُلُوبُ مِنْ مَعَرِفَتِكَ مَا آنَسَهَا مِنْ وَحْشَةِ الْفِكْرِ، وَكَفَاهَا رَحِمَ الِاحِتْجَابِ فَهِيَ عَلَى اعْتِرَافِهَا بِكَ شَاهِدَةٌ أَنَّكَ لَا تُحِيطُ بِكَ الصِّفَاتُ، وَلَا تُدْرِكُكَ الْأَوْهَامُ، وَأَنَّ حَظَّ الْمُتَفَكِّرِ فِيكَ الِاعْتِرَافُ بِكَ، وَالتَّوْحِيدُ لَكَ.

ص: 329

68 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا

⦗ص: 331⦘

عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ رحمه الله فِي قَوْلِهِ عز وجل:{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} [الإسراء: 72]، قَالَ: " فِي الدُّنْيَا فِيمَا أَرَاهُ اللَّهُ عز وجل مِنْ آيَاتِهِ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالْجِبَالِ، وَالنُّجُومِ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ الْغَائِبَةِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا أَعْمَى، وَأَضَلُّ سَبِيلًا.

ص: 330

69 -

حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْكِسَائِيُّ، حَدَّثَنَا مِنْجَابٌ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، ثُمَّ قَالَ:{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى} [الإسراء: 72] يَقُولُ: " مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا أَعْمَى عَمَّا يَرَى مِنْ قُدْرَتِي مِنْ خَلْقِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَهُوَ عَمَّا وَصَفْتُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يَرَ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا، يَقُولُ: وَأَبْعَدُ حُجَّةً.

ص: 331

70 -

أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ

⦗ص: 332⦘

سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ} [الأنعام: 50] ، " وَالْأَعْمَى، الْكَافِرُ الَّذِي عَمِيَ عَنْ حَقِّ اللَّهِ عز وجل، وَأَمْرِهِ، وَنِعَمِهِ عَلَيْهِ. وَالْبَصِيرُ، الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ الَّذِي أَبْصَرَ بَصَرًا نَافِعًا، وَوَحَّدَهُ، وَعَمِلَ بِطَاعَةِ رَبِّهِ عز وجل، وَانْتَفَعَ بِمَا أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

ص: 331

وَفِي كِتَابِي عَنْ مُوسَى بْنِ عِيسَى النِّيلِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ رحمه الله قَالَ: الْتَقَى حَكِيمَانِ مِنَ الْحُكَمَاءِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: " بَفَسْخِ الْعَزْمِ، وَمَنْعِ الْهَمِّ، لَمَّا عَزَمْتُ فَأَزَالَنِي الْقَدَرُ، وَهَمَمْتُ فَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ هَمِّي، فَعَلِمْتُ أَنَّ الْمُسْتَوْلِي عَلَى قَلْبِي غَيْرِي. قَالَ: فَبِمَ عَرَفْتَ الشُّكْرَ؟ قَالَ: " بِكَشْفِ الْبَلْوَى لَمَّا رَأَيْتُهُ مَصْرُوفًا عَنِّي مَوْجُودًا فِي غَيْرِي شَكَرْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: فَبِمَ أَحْبَبْتَ لِقَاءَهُ؟ قَالَ: " بِأَصْلِ التَّخْيِيرِ، وَانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ. قَالَ: فَمَا أَصْلُ التَّخْيِيرِ، وَانْتِفَاءُ التُّهْمَةِ؟

⦗ص: 333⦘

قَالَ: «لَمَّا اخْتَارَ لِي تبارك وتعالى دِينَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمَلَائِكَةِ أَحْسَنْتُ بِهِ الظَّنَّ، وَنَفَيْتُ عَنْهُ التُّهْمَةَ، وَعَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ لِي هَذَا لَا يُسِيءُ إِلَيَّ، فَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ»

ص: 332