المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قد تعود بداية انحراف أبي رية عن السنة إلى عام - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - مقدمة ١٢

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

الفصل: قد تعود بداية انحراف أبي رية عن السنة إلى عام

قد تعود بداية انحراف أبي رية عن السنة إلى عام 1363 هـ حيث نشاهده في "مجلة الفتح الإسلامية" وهو يدافع عن القرآن، لكنه في الوقت نفسه يغمز ويلمز السنة ضمنًا

(1)

.

وبدا أكثرَ صراحة في نقد السنة الصحيحة والقدح فيها بعد ذلك؛ فكتب مقالًا في "مجلة الرسالة" في إنكار حديث سِحْر النبي صلى الله عليه وسلم الوارد في الصحيح، وردّ عليه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي.

ثم وضَح انحرافه عن السنة بعد ذلك في مقال له في "مجلة الرسالة" عدد 633 رمضان 1364 هـ/1945 م بعنوان "الحديث المحمدي". ذَكَر فيه أن مقاله هذا خلاصة كتاب سيُنشر في هذا الخصوص. وقد رد على مقاله ذاك الدكتور محمد أبو شهبة في "مجلة الرسالة" نفسها بعد نحو شهرين عدد 642 سنة 1364 هـ. ثم ردّ على الردّ أبو رية في العدد 654 من المجلة نفسها

(2)

.

وبعد ذلك بنحو ثلاث عشرة سنة نَشَر أبو رية ما وَعَد به في كتاب بعنوان "أضواء على السنة المحمدية".

-‌

‌ مؤلفاته:

1 -

عليٌّ وما لقيه من أصحاب الرسول. مخطوط

(3)

.

2 -

أضواء على السنة المحمدية. وهو الكتاب المردود عليه.

(1)

مجلة الفتح: العدد 546، 10 صفر 1356 هـ، جـ 11، ص 1100.

(2)

انظر "دفاع عن السنة"(ص 34) لأبي شهبة.

(3)

ذكره مرتضى الرضوي ونقل منه في كتابه "مع رجال الفكر": (1/ 130 - 158).

ص: 21

3 -

أبو هريرة شيخ المضيرة. طبع.

4 -

السيد البدوي. طبع.

5 -

كتاب حياة القرى. طبع.

6 -

صيحة جمال الدين الأفغاني. طبع.

7 -

رسائل الرافعي. طبع.

8 -

جمال الدين الأفغاني. طبع.

9 -

دين الله واحد. طبع.

10 -

قصة الحديث المحمدي. طبع.

* وهذا سياق ما ذكره مرتضى الرضوي (شيعي اثنا عشري) من ذكريات مهمة مع "أبو ريّة"

(1)

قال:

"تعرفت إليه عام 1958 م .... وتعرفت على الشيخ سليمان الوكيل صاحب مطبعة "دار التأليف". وقد عمل لنا الأخ حسين محمد كاظم ــ صاحب المكتب أو النادي ــ دعوة في مكتبه فدعاني، والشيخ سليمان الوكيل، والأستاذ محمد برهومة على طعام في ظهر يوم جمعة وجلس معنا، وقد أحضر لنا الطعام من أحد المطاعم القريبة لمحله وبعد أن فرغنا من تناول الطعام أحضر لنا الشاي، والقهوة، والكازوز، والشيشة "النركيله".

(1)

في كتاب "مع رجال الفكر في القاهرة": (1/ 130 - 158). وقد حذفت منه الاستطرادات التي لا تفيد شيئًا عن أبي رية. وحرصت على نقل كلامه بطوله؛ لأنه يكشف حقيقة كانت خفيّة في علاقته مع الرافضة وصلاته القوية بهم واحتفالهم به.

ص: 22

وبعده تكلم الشيخ سليمان الوكيل وقال: إن لي مطبعة وعندي كتب طبعتها ومستعد لطبع الكتب التي عندك. ثم قال: إن العلامة الشيخ محمد أبو رية له كتاب يطبعه الآن عندنا واسمه: "أضواء على السنة المحمدية"، وبلغه مجيئُك إلى القاهرة ويطلب فضيلته الاتصال بك

(1)

، فلو سمحت أن تزورنا في المطبعة، وفضيلته سوف يحضر في الصباح قبل الساعة العاشرة

وعندما دخلت رأيت شيخًا وقورًا جالسًا عن يمينه فسلمت عليه فرد عليّ السلام، وأشار الشيخ سليمان صاحب المطبعة على الشيخ الوقور الجالس عن يمينه وقال: هذا هو الشيخ محمود أبو رية الذي حدّثتك عنه أمس.

فجلست إلى جنب فضيلته وحييته، فرحّب بي كثيرًا، وفتحت الحديث معه وقلت: يا مولانا الشيخ: بأيّ مذهب من المذاهب الأربعة متمسّك.

فأجاب: أنا مسلم أعمل بكتاب الله وسنة نبيه، وأنا غير ملتزم بمذهب من هذه المذاهب الأربعة. وقال: أنا أعلم من الشافعي، وأبي حنيفة!

(2)

فسألته عن رأيه في الصحاح؟ فقال: الصحاح صحاح عند أصحابها.

فقلت: ما رأي سيادتكم في بعض الرواة المكثرين للحديث. فقال: تقصد زي من، مثل من؟

قلت: أبو هريرة.

فقال: أبو هريرة رجل وضَّاع.

(1)

أبو رية هو من سعى للتعرف بهذا الرافضي، وهو مِن قَبْله على علاقة حميمة بعبد الحسين شرف الدين كما سيقص خبرَه.

(2)

إن صدق هذا الرافضي في النقل، فإن الرافعي يقول لأبي رية في إحدى رسائله: "ليتك كنت مجذوبًا يا أبا رية

ولكنك لا تصلح مجذوبًا ولا عاقلًا"! "رسائل الرافعي" (ص 77). أقول: وأين مثل الرافعي خبرةً بأبي رية! !

ص: 23

قلت: قد ألف الإمام شرف الدين العاملي كتابًا في حياة هذا الراوية المكثر وأسماه: (أبو هريرة)، فمد فضيلته يده إلى حقيبة كانت معه وأخرج منها كتاب:(أبو هريرة) الذي ألفه الإمام شرف الدين العاملي ، وكانت الطبعة الأولى طبعة صيدا - لبنان، وقال: هذا ما أهداه لي الإمام شرف الدين. فناوَلَني النسخة فأخذتها بيدي، فرأيتُ الإهداء بخط الإمام شرف الدين على الكتاب وفيه ما يشعر بجهاده وعلمه وإكباره

(1)

.

ثم أخبرته بوفاة

- شرف الدين - قبل أسبوع في يوم الاثنين الماضي الموافق 30/ 12/1957 م الموافق 8/ 6/1377 هـ

فتأثر كثيرًا وقال: كان في نيتي إهداء كتاب "الأضواء" له عند إتمامه من الطبع.

ثم طلب فضيلته الشيخ سليمان - صاحب المطبعة - وقال: هات الملازم المطبوعة من كتاب "الأضواء"، فجاءني بها الشيخ سليمان وكانت آنذاك خمسة عشر ملزمة ولغاية (240) صفحة مطبوعة، فأخذتها بيدي وتصفحتها حتى وصلت إلى عنوان:(أحاديث المهدي)، فرأيت فضيلته ينقل عن ابن خَلْدون البربري ويقول: وقد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي وفندها كلها، فقلت: يا مولانا الشيخ، إن البربري هذا ابن خلدون من ألدّ أعداء الشيعة وخصومهم ولا يصح نقل شيء من الخصم وكلامه ليس بحجة. وإذا كنتم بحاجة إلى (أحاديث في المهدي) فإن معي كتاب (منتخب الأثر) في الإمام الثاني عشر لفضيلة العلامة الكبير الشيخ لطف الله الصافي وفيه ينقل عن أعلام السنة ومحدثيهم، وإني مستعدّ لتقديمه لفضيلتكم حيث أنه ملمّ بهذا الموضوع.

وبعد أيام اتصلت به هاتفيًّا وحددت الموعد معه وقصدت منزله وصحبت معي كتاب: (منتخب الأثر) وأهديته له، وجُلْت معه ساعة وانصرفت.

(1)

هذا يعطينا سببًا من أسباب انحرافات أبي رية عن السنة وطعنه في رواتها وأهلها!

ص: 24

وبعد مدة اتصلت به هاتفيًّا للاجتماع به في منزله

وتذاكرنا حول (أحاديث المهدي) وكتاب (منتخب الأثر) وكان قد أُعجب به كثيرًا واستفاد منه.

ثم طلبت من فضيلته أن يكتب للسيد العسكري حول هذا الموضوع

ثم قلت لفضيلته: السيد العسكري من كبار المؤلفين في العراق، ومعروف لدى كبار علماء النجف الأشرف، ويمكنكم مراسلته وأخذ ما يخص هذا الموضوع منه، فراجعه فضيلته بعد ذلك وذكر هذا في كتابه "أضواء على السنة المحمدية" في الطبعة الثالثة التي طبعتها دار المعارف بمصر تحت إشرافه.

ثم تحدثت عن المذاهب الأربعة وقلت: إن هذه المذاهب: هي التي احتضنتها السياسة، وروّجتها تجاه الإمام الصادق من أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وقلت: إن المستشرقين الذين طعنوا في الإسلام استندوا إلى الخرافات والإسرائيليات التي وجدوها في كتب أهل السنة.

فقال: أنا معك.

وفي إحدى رحلاتي إلى القاهرة قصدت داره العامرة وقد حملت له مجموعة من الكتب كنت قد صحبتها وحملتها معي من العراق، ومن بينها:(أحاديث عائشة) لمؤلف كتاب (عبد الله بن سبأ) ــ السيد العسكري ــ وطلبت منه أن يكتب رأيه حول هذا الكتاب الخالد. وهذا نص ما كتبه:

"أحاديث أم المؤمنين عائشة يحسب العامة وأشباه العامة من الذين يزعمون أنهم على شئ من العلم أن التاريخ الإسلامي وبخاصة في (دوره الأول) قد جاء صحيحًا لا ريب فيه، وأن رجاله جميعًا ثقات لا يكذبون - وهو من أجل ذلك يصدقون كل خبر جاء من هذه الفترة، ويشدون أيديهم على تلك

ص: 25

الأحاديث التي شحنت بها الكتب المشهورة في الحديث. تلك التي حملت الطِّمّ والرِّم، والغث والسمين، والصحيح القليل، والموضوع الكثير. وقد بلغ من ثقتهم بأحاديث هذه الكتب، أن من يشك في حديث منها يعد في رأيهم فاسقًا! ! وإذا كان الله قد آتاهم عقولا لا ليفهموا بها، وفهوما لا يَزِنون بها، فإنهم يعطلون هذه المواهب استمساكا بالتقليد الأعمى، والتعبد لمن سلف! وإذا أنت بصَّرتهم بالحق، وبينت لهم المحجة الواضحة، لووا رؤوسهم، وأصروا على معتقداتهم واستكبروا استكبارا. وليتك تسلم من ألسنتهم، بل يرمونك بشتائمهم، وسبابهم، ويسلقونك بألسنتهم، وقد بلوت ذلك منهم عندما أخرجت كتابي:(أضواء على السنة المحمدية) الذي أرَّخت فيه الحديث، وكشفت كيف روي وما شابه رواية من الموضوعات ومتى دُوّن وما إلى ذلك ما يجب بيانه - فإنهم ما كادوا يقرأونه حتى هبَّت عليَّ أعاصير الشتائم والسباب من كل ناحية، من مصر والحجاز والشام! فلم أبال كل ذلك بل استعذت به لأني على سبيل الحق أسير، فلا يهمني شيء يلاقيني في هذا السبيل مهما كان. ومن عجيب أمر هؤلاء الذين يقفون في سبيل الحق حتى لا يظهر. ويمنعون ضوء العلم الصحيح أن يبدو، لا يعلمون مقدار ما يجنون من وراء جمودهم، وأن ضرر هذا الجمود لا يقف عند الجناية على العلم والدين فحسب؟ بل يمتد إلى ما وراء ذلك.

فإن الناشئين من المسلمين وغير المسلمين الذين بلغوا بدراستهم الجامعية العلمية إلى أنهم لا يفهمون إلا لقبولهم، وما وصلوا إليه بعلمهم، قد انصرفوا عن الإسلام لما بدى لهم على هذه الصورة المشوهة التي عارضها هؤلاء الشيوخ عليهم. من أجل ذلك كله كان من الواجب الحتم على العلماء المحققين الذين حرروا أعناقهم من أغلال التقليد، وعقولهم من رق التعبد للسلف، أن يشمروا عن سواعد الجد، ويتناولوا تاريخنا بالتمحيص، وأن يخلصوه من شوائب الباطل والعصبيات، ولا يخشون في ذلك لومة لائم.

ص: 26

وإني ليسرني كل السرور أن أشيد بفضل عالم محقق كبير من علماء العراق قد نهض ليؤدي ما عليه نحو الدين والعلم فأخرج للناس كتبا نفيسة كانت كالمرآة الصافية التي يرى فيها المسلمون وغير المسلمين تاريخ الإسلام على أجمل صوره في أول أدواره، ذلكم هو الأستاذ (مرتضى العسكري) فقد أخرج لنا من قبل: كتاب (عبد الله بن سبأ) أثبت فيه بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، أن هذا الاسم لم يكن له وجود وأن السياسة "لعنها الله" هي التي ابتدعت هذا الاسم لتجعله من أسباب تشويه وجه التاريخ، وبيَّن أن شيخ المؤرخين في نظر العلماء وهو الطبري قد جعل جل اعتماده في تاريخه ورواياته على رجل أجمع الناس على تكذيبه. ومن الغريب أن جميع المؤرخين الذين جاؤوا بعد الطبري قد نقلوا عن ابن جرير كل رواياته بغير تمحيص ولا نقد، وهذا الرجل الكذاب هو: سيف بن عمر التميمي. وأردف العلامة العسكري هذا الكتاب النفيس بكتاب آخر أكثر منه نفاسة هو كتاب: (أحاديث عائشة) وقد تناول في هذا الكتاب تاريخ هذه السيدة لا كما جاء من ناحية السياسة والهوى والعصبية، ولكن من أفق الحقيقة التي لا ريب فيها، وكتبه بقلم نزيه يرعى حرمة العلم وحق الدين لا يخشى في الله لومة لائم.

أشار الأستاذ في تمهيده لكتابه إلى ما في الأحاديث التي نسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اختلاف بين حديث وآخر، وبين بعض تلك الأحاديث، وآي القرآن فما كان مثار الطعن والنقد إلى النبي من أعداء الإسلام. ثم بيَّن أن هذه الأحاديث إن هي إلا مجموعات مختلفة رويت عن رواة مختلفين، وعلى الباحث العالم النزيه أن يقوم بتصنيفها نسبة إلى رواتها. ثم يدرس أحاديث كل منهم على حدة. وبخاصة أحاديث الرواة المكثرين أمثال: عائشة، وأبي هريرة، وأنس، وابن عمر، مع دراسة حياة راويها، وبيئته وظروفه، ثم مضى يقول: إن التاريخ الإسلامي منذ بعثة الرسول حتى بيعة يزيد بن معاوية لا يفهم صحيحا إلا بعد دراسة أحاديث أم المؤمنين (دراسة موضوعية) ولأن

ص: 27

الأستاذ المؤلف بصدد البحث عن التاريخ الإسلامي في دوره الأول فقد قدم هذه الدراسة على غيرها من الدراسات. وبعد أن بيَّن صعوبة هذه الدراسة لما يجد في سبيلها من عقبات متعددة أخذ في موضوع دراسة فبيَّن نسب عائشة، ومولدها، وتزويجها من النبي صلى الله عليه وسلم وما صنعته معه (كامرأة) كما قال شوي: من مكر وكيد "كيدهن عظيم".

وإنها قد أقامت مع النبي نيفًا وثمانية أعوام، ثم أخذ يذكر أنها كانت تؤيد خلفاء النبي (أبي بكر، وعمر، وعثمان) في أول خلافته ثم انحرافها عنه وترأسها للمعارضة له حتى بلغ من أمرها أنها كانت تحرّض على قتله، وما أن قتل هذا الخليفة بسبب خروجه عن نهج سابقيه، وتركه الأمر لقومه يتصرفون فيه بأهوائهم حتى "برزت" تعارض عليًّا معارضة شديدة لم يلق مثلها من غيرها، وكان في أول شئ بدا منها لهذا الإمام العظيم أنها ما كادت تعلم بنبأ بيعته حتى ثارت ثائرتها وصاحت: لا يمكن أن يتم ذلك! ولو انطبقت هذه - أي السماء على الأرض - ولما لبثت أن ألبت عليه طلحة والزبير وقادوا جميعًا الجيوش الجرارة لمحاربة علي رضي الله عنه في وقعة الجمل - وكانت تركب جملًا من المدينة إلى البصرة، وبعد أن انتهيت هذه المعركة بسفك الدماء المحترمة انتهت المعركة بقتل طلحة فأعادها " علي رضي الله عنه " إلى المدينة مكرمة لم ينلها سوء، ولكنها لم تحفظ له هذا الجميل، ولم ترجع عن غيها وظلت تعمل ضده بكل وسيلة وكان من ذلك أن كانت تؤيد معاوية في حروبه مع " علي رضي الله عنه " ولم تهدأ ثائرتها حتى قُتل علي فقرت عينها، وهدأت نفسها، وتمثلت عند قتله بقول الشاعر:

فألقت عصاها واستقرّ بها النوى

كما قرَّ عينًا بالإياب المسافر

وقد كان ذلك بسبب ضغنها لعلي رضي الله عنه، وما يكنه صدرها له لأنه

ص: 28

زوج فاطمة بنت خديجة. وما كان لموقفه من حديث الإفك

وفي كتاب أرسله إليها وإلى طلحة والزبير أثناء وقعة الجمل، لو أنها عقلته وتدبرته لاشتد ندمها واستغفرت الله مما أجرمت وإن كان الظن أن الله لا يغفر لها.

قال رضي الله عنه: وأنت يا عائشة فإنك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمرًا كان عنك موضوعًا، ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين المسلمين فخبريني ما للنساء وقود الجيوش؟ والبروز للرجال؟ والوقع بين أهل القبلة، وسفك الدماء المحترمة؟ ثم إنك على زعمك طلبت دم عثمان، وما أنت وذاك؟ وعثمان رجل من بني أمية وأنت من تيم؟ إنك بالأمس تقولين في ملأ من أصحاب رسول الله: اقتلوا نعثلًا فقد كفر! ثم تطلبين اليوم بدمه! فاتقي الله وارجعي إلى بيتك والبسي عليك سترك والسلام.

هذه لمحة خاطفة مما حواه كتاب (أحاديث عائشة) ولو نحن ذهبنا نبين ما فصَّله هذا العالم المحقّق في كتابه هذا مما أوفى به على الغاية، ولم نر مثله من قبل لغيره لاحتجنا إلى كتاب برأسه.

وإذا كان لا بد من كلمة نختم بها قولنا هذا الموجز فإنا نقول مخلصين: إنه يجب على كل من يريد أن يقف على حقيقة الإسلام في مستهل تاريخه إلى بيعة يزيد فليقرأ كتابي هذا العلامة (عبد الله بن سبأ - وأحاديث عائشة) وليتدبر ما جاء فيهما، فإن فيهما القول الفصل.

أما ما نرجوه من العلامة مؤلفهما فهو أن يغذّ السير في هذا الطريق الذي اختطه حتى يتم ما أخذ نفسه به. والله ندعو أن يكتب له التوفيق، والسداد في عمله، إنه سميع الدعاء

محمود أبو رية القاهرة: عن جيزة الفسطاط ليلة الجمعة 18 رمضان المبارك 1381 هـ. الموافق 23 فبراير 1962 م".

ص: 29

هذا وإني لما غادرت القاهرة وأتيت إلى سوريا ولبنان وقبل وصولي العراق عَرَّفت فضيلة الأستاذ الشيخ محمود أبو رية على جماعة من الأساتذة والعلماء والكتّاب في كل من سوريا ولبنان، والعراق: كالأستاذ صدر الدين شرف الدين، وفضيلة الشيخ محمد جواد مُغْنية، وآية الله الإمام الخوئي، والعلامة الأستاذ الشيخ أحمد الوائلي، والأستاذ رشيد الصفار.

وقد تبودلت الرسائل بينه وبين السيد صدر الدين شرف الدين وطلب من الشيخ أن يراسله وأرسل له فصولًا من كتابه (شيخ المضيرة) فنشر منه في عدة أعداد من مجلته "مجلة النهج" وتوثقت بينه وبين الشيخ الاتصالات، وتبادلت بينهما الرسائل حتى استطاع الأستاذ صدر الدين أن يقوم بطبع كتابه (شيخ المضيرة) الطبعة الأولى في صور - لبنان.

وكما تبادلت الرسائل بينه وبين الشيخ محمد جواد مُغْنية حول طبع (شيخ المضيرة أبو هريرة) وذلك قبل أن يتم الاتفاق مع السيد صدر الدين شرف الدين. كما تبادلت الرسائل بينه وبين آية الله الخوئي، والأستاذ رشيد الصفار.

وفي 12/ 10/1963 م تسلمت طردًا من دائرة بريد النجف مُرسِلُه فضيلة الأستاذ "أبو رية" من القاهرة، وفي باطنه ثلاث نسخ من كتاب:(أبو هريرة راوية الإسلام) بقلم العجاج الخطيب الشامي، وقد صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة أعلام العرب إلى الأسواق بتاريخ 7/ 11/1963 وكانت النسخ مهداة لي وللسيد العسكري وللأستاذ رشيد الصفار، لأني كنت همزة وصل وتعريف بينهم.

وفي إحدى رحلاتي إلى القاهرة التقيت بالأستاذ رشيد الصفار فكان يذهب معي إلى منزل الأستاذ الشيخ محمود أبو رية. وكان آية الله الخوئي عندما تصل إليه رسائل الشيخ محمود أبو رية كان يرسل إليّ ويطلعني عليها أو يرسلها لي لأطلع عليها. وفي أحد الأيام جاءني السيد عماد حفيد آية الله

ص: 30

الخوئي وقال: إن جدي يطلب حضورك، وكان عندي جماعة وعندما انصرفوا توجهت إلى دار سماحته، ولما دخلت سلّمت وجلست فتوجه نحوي سماحته وقال: لقد تأخرت علينا في المجيء وأرسلت الرسالة إليك مع فضيلة السيد مرتضى الحكمي. وعند ذلك جلست زمنًا يسيرًا وإذا بفضيلة السيد الحكمي قد دخل علينا، فتوجه إليه آية الله الخوئي وقال: لقد حضر السيد، فأعطه رسالة الشيخ ليطلع عليها فتسلمتها وقرأتها وهذا بعضها:"عزمتُ على وضع كتاب باسم: (أمير المؤمنين علي وما لقي هو وبنوه من أصحاب رسول الله). أولًا: من الثالوث الأول: أبو بكر وعمر وعثمان. ثانيًا: من الثالوث الثاني: عائشة وطلحة والزبير. وثالثة الأثافي: ما صنعه عثمان من تأسيس الدولة الأموية، ثم انتهاء أمر الخلافة إلى سكير خمر عربيد ملعون هو وأبوه وجده. وإني الآن أعكف على قراءة المصادر التي تعينني على ذلك، وكل ما أرجوه أن يوفقني الله إلى أداء هذا العمل على أكمل وجه. محمود أبو ريه القاهرة: 12/ 1/ 1388 هـ".

وفي 5/ 11/69 وصلتني رسالة من الأستاذ "أبو رية" تاريخها 26/ 10/ 1969 من القاهرة يقول فيها: (كتاب قصة الحديث المحمدي) الذي كانت وزارة الثقافة قد طلبته مني منذ عشر سنين ووقف الأزهر في سبيله حتى لا يظهر قد أراد الله أن يظهر رغم أنف الأزهر بعد ما قرأه الدكتور طه حسين وشهد بقيمته شهادة فائقة، وسأرسل لك نسخةً منه هدية ومعها بعض نسخ لأصدقائنا الأعزاء، ومع كل نسخة بيان مطبوع منا

وفي 20/ 11/ 1969 جاءني البريد ويحمل ملفًّا فيه ثلاث نسخ من الكتاب (قصة الحديث المحمدي) إحداها كانت باسمي، والثانية باسم السيد العسكري، والثالثة للأستاذ رشيد الصفار، وفي كل نسخة بيان مطبوع وإليك نصه:

"للحقيقة والتاريخ كان من حق هذا الكتاب (قصة الحديث المحمدي) أن يخرج إلى الناس مطبوعًا منذ أكثر من عشر سنين، ذلك بأن وزارة الثقافة

ص: 31

المصرية كانت قد طلبت منا مختصرًا لكتابنا: (أضواء على السنة المحمدية) عندما ظهرت طبعته الأولى في سنة 1958 م لتجعله حلقة في سلسلة مكتبتها الثقافية، وقبل نشره عرَضَتْه على الأزهر ليبدي رأيه فيه، وما كاد يقف عليه حتى أرصد له من كيده، فرماه بأن فيه ما يخالف الدين، وطلب عدم نشره وتداوله بين المسلمين، ولم تستطع هذه الوزارة أن تخالف عن أمره لأنه ما يربطه على الأرض يكون مربوطًا في السماء، وظل هذا الكيد يلاحق الكتاب هذه السنين الطويلة لكي يحول دون نشره بين الناس، إلى أن عَلِم أخيرًا بالأمر نصير الدين والفكر الدكتور طه حسين طلب أصول الكتاب من وزارة الثقافة، ولما اطلع عليه أعاده علينا مع خطاب، دحض فيه ما رماه الأزهر به. وصرّح في جلاء أنه موافق للدين كل الموافقة لا يخالفه ولا ينبو عنه في شئ مطلقًا. وأنه مفيد فائدة كبيرة جدًّا في علم الحديث

وأن في نشره الخير كلّ الخير، والنفع كل النفع. وبذلك انحسم الأمر، وحصحص الحق، واتخذ الكتاب سبيله إلى الناس مطبوعًا لينتفعوا به.

ولأهمية خطاب الدكتور طه حسين نشرنا صورته على غلاف الكتاب، تبصرة لأولي الألباب. محمود أبو ريه 13/ 10/1969". انتهى كلام مرتضى الرضوي.

ثم ساق نص خطاب طه حسين.

قلت: ومع ثناء طه حسين عليه هنا وتقديمه لكتابه إلا أنه كان أكثر ورعًا من أبي رية وأكثر إنصافًا، فقد كتب مقالًا في جريدة الجمهورية (25 نوفمبر سنة 1958) ينتقد فيه أبا رية ويذكر ضعف إنصافه في البحث، واستخدامه لغة لا تليق بلغة العلم، واعتماده على روايات لا يُعرف ثبوتها

وغير ذلك. ساق ملخّص المقال زكريا علي يوسف في كتابه "دفاع عن الحديث النبوي"(ص 113 - 115).

ص: 32