الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أخبار الدولة المجاهدية
قال الأشراف أبو العباس إسماعيل بن العباس تولاه الله بحسن ولايته.
كان مولانا السلطان الملك المؤيد رحمه الله ملكاً شهماً شجاعاً مقداماً جواداً هماماً عالي الهمة شريف النفس كريم الأخلاق حميماً وضيئاً حسن الشمائل.
للشمس فيه وللرياح وللسحا
…
ب وللبحار وللأسود شمائل
ولديه ملعفان والأدب المفا
…
د وملحباء وملمات مناهل
وكان كامل الأوصاف لين العريكة حسن السياسة صادق الفراسة شديد الحركة شديد المملكة.
قال ابن عبد المجيد لما استقرت قاعدة السلطان الملك المجاهد في الملك عزل الأمير جمال الدين يوسف بن يعقوب وفوض نيابة السلطنة إلي الأمير شجاع الدين عمر بن يوسف بن منصور وجعله اتابك العسكر. وكان قبل ذلك شاد الدواوين في الدولة المؤيدية وكتب له بذلك منشورين لهما وقرئا بمحضرهما. وحصل بين السلطان وبين ابن عمه الملك الناصر جلال الدين محمد بن الملك الأشرف مراسلة تقتضي أمانا وعهوداً. فأرسل إليه من جهته الفقيه شهاب الدين عبد الرحمن الظفاوي وهو معلم السلطان والطواشي شهاب الدين صلاح ليحفاه للسلطان فحلف كما يجب الأيمان ثم أرسل
الملك الناصر وكيله وهو الفقيه جمال الدين محمد بن الوشاح ليحلف للسلطان فحلف له كما يجب الأيمان.
ولما تمكن الأمير الشجاع عمر بن يوسف بن منصور من السلطان وعظمت منزلته عنده سعى في خلاص المعتقلين في معقل الدملؤة وكان فيه ممن اعتقله السلطان المؤيد الأمير نجم الدين أحمد بن ازدمر المظفري وأخوه الأمير بدر الدين محمد بن ازدمر والأمير نجم الدين أحمد بن أزمر الخازندار الفارس المظفري والأمير شمس الدين اطينا أمير خازندار الخليفة. والشريفان داود وأخوه ابنا الشريف قاسم بن حمزة وقد كانت لهم يد طويلة. وطرد الأمير جمال الدين بن يوسف بن يعقوب بن الجواد عن الباب وتكلم عليه عند السلطان بأنه مشؤوم وغلب عمر بن يوسف إلى الباب وحملت له الطبلخانة وضبط الباب ضبطاً عظيماً. وكان من أذكياء الرجال ودها متم واعرفهم بتدبير المملكة.
وفي سنة اثنتين وعشرين نزل السلطان من الحصن وكان نزوله يوم الثالث من المحرم فسار آلي دار الشجرة فأقام بها.
ويروى انه لما أراد النزول من الحصن آلي دار الشجرة أرسل رسولاً آلي بعض المتصدرين يومئذ في علم الفلك يأمره أن يختار له وقتا جيدا في ذلك اليوم. فنزل السلطان من الحصن في ذلك الوقت الذي قد اختير له ففزع الرجل لما علم بنزول السلطان في ذلك الوقت فسال باقي أهل فنه عمن اختار للسلطان ذلك الوقت الذي نزل به فقالوا له كلهم ما اختاره له أحد سواك.
فقال والله ما عملت أن مراده النزول وهذا الوقت الذي نزل فيه من الحصن وقت مكروه وربما انه لا يرجع إليه إلا في حالة معكوسة. ثم أن الأمير شجاع الدين عمر بن يوسف بن منصور أوقع في قلب السلطان من الملك الناصر شيئا فأمره بقبضه. فأرسل الأمير شجاع الدين جماعة لقبضه فلما علم الناصر بذلك لجأ إلى تربية الفقيه عمر بن سعيد بذي عقيب فتبعه الجماعة إلى التربة المذكورة وقبضوه من التربة ولم يراعوا حق الجوار. ثم رجعوا به إلى تعز. وكان ذلك في العشر الوسطى من صفر من السنة المذكورة. فلما وصلوا به إلى تعز أمر السلطان
بسجنه فسجن في حصن تعز فأقام محبوسا في الحصن إلى سلخ جمادى الأولى. ثم أمر السلطان به إلى سجن عدن وأرسل مائة فارس تسير به إلى هنالك. وكان السلطان رحمه الله قد تقدم إلى الجند في غرة شهر ربيع الأول فأقام فيها أياما وفي خلال ذلك نصب الفقيه عبد الرحمن الظفاري قاضي قضاة بمحضر جماعة من فقهاء تعز. وأقام بعد ذلك أياما ثم توجه إلى الدملؤة في أثناء شهر ربيع الأول فأقام فيها أياما. وافتقد خزانته ونزل ولم ينعم على أحد بشيء كما جرت العادة. فلما نزل من الدملؤة وتقدم إلى نعمات فأقام فيها إلى يوم الأربعاء الثامن من شهر جمادى الآخرة. وقال ابن عبد المجيد إلى النصف منه ضج أُمراؤُهم وقلوب العسكر نافرة منه. وقد سعى إبراهيم في فساد دولته وقرروا قاعدة عند الملك المنصور أيوب بن السلطان الملك المظفر يوسف بن عمر. فلما كمل سعيهم الذي أرادوا اجتمعت الأمراء والمماليك الكبار وقصدوا دار الشجاع عمر بن يوسف بن منصور وكان يسكن في ناحية المجاذيب من مدينة تعز فقتلوه وقتلوا معه صهره الأمير بدر الدين محمد بن علي الهمام. وكان معهم الفقيه عبد الرحمن الظفاوي قاضي القضاة والشيخ محمد بن عثمان العيسى من عيس حكم فقتلوه أيضاً وخرجوا من فورهم أيضاً إلى ثعبات فلزموا السلطان هنالك ونهب في تلك الليلة عدة بيوت في المغربة والمجاذيب ممن ينتمي إلى مولانا السلطان ورجعوا إلى الملك المجاهد أسيرا فأقام عنده تحت الحفظ ثلاثة أيام وهو يستخلف العسكر فحلفوا له الأيمان المغلظة. فلما كان اليوم الرابع طلع الملك المنصور الحصن في ناموس المملكة وزي السلطان وطلع بالسلطان الملك المجاهد معه تحت الحفظ فجعله في دار الأمارة على الإعزاز والإكرام يؤتي إليه كل يوم بما يحتاجه ويشتهيه من طعام وشراب وحريم ولما استقر الملك المنصور في الحصن أرسل لأبن أخيه الملك الناصر فلما وصل إلى الجند تلقاه بالطبلخانة وأقطعه المهجم إلى عدن وعقد للأمير بدر الدين حسن بن الأسد الأولويه. ورفع له الطبلخانه واقطعه حرض ثم عقد لولديه الملك الكامل بأمور الدين والملك الواثق شمس الدين ورفع لهما الطبلخانه. وجعل لكل واحد منهما إقطاعاً جيداً وأرسل ولده الملك الظاهر أسد الدين إلى الدملؤة وفي خدمته
ياقوت التعزي وفوض نيابة السلطنة إلى الأمير شجاع الدين عمر بن علاء الدين الشهابي. فأقام أياماً فحصلت بينه وبين الأمراء البحرية مخافره فصرفه السلطان عن نيابته وجعل مكانه الأمير جمال الدين يوسف بن يعقوب بن الجواد المعروف بالخصي وفوض إليه أمر الباب كله وأقام السلطان الملك المنصور في سلطنته إلى ليلة السبت السادس من شهر رمضان وذلك على رواية ابن عبد المجيد ثمانون يوماً. وعلى الجندي نحو من تسعين يوماً انصرف فيها من المال نحو من سبعمائة ألف دينار خارجاً عن المركوب والملبوس.
ثم كان من قضاء الله وقدره أن تقدم بعض غلمان الملك المجاهد رحمة الله عليه إلى بلاد العربيين واتفق هو وجماعة منهم كان مقدمهم بشر الذهابي وعاملوا رجلا يقال له بن الفوارس على طلوع الحصن من قفاه باتفاق جماعة من عبيد السربخاناه فأدلوا لهم الحبال وأطلعوهم رجلاً رجلاً. وكانوا أربعين. فلما صاروا كلهم في الحصن أرادوا أن يثوروا فمنعهم عبيد الشربخانات وقالوا لهم لا تحدثوا حادثة حتى نقول لكم فامسكوا عندهم إلى أن أصبح الصباح ونزل الخادم بمفاتيح أبواب الحصن. فلما علم عبيد الشريخانات والمعسكر الذي معهم بنزول الخادم والمفتاح خرجوا عليه فضربوه بأسيافهم. وقبضوا المفاتيح ولم يشعر الملك المنصور حتى دخلوا عليه بمجلسه الذي أمسى فيه فقبضوه منه وخرجوا يريدون الملك المجاهد وكان والي الحصن والرتبة يبيتون في دار المضيف. فلما أشرف عليهم أهل الحصن ونادوا بشعار المجاهد قاتل أمير الحصن قتالا شديداً حتى قتل. وارتجت المدينة فركب الملك الناصر وركب معه كثير من العسكر. ووصلوا اسفل الحصن فلم يتهيأ لهم فيه عمل وأبوابه مغلقة. وركب سائر الأمراء البحرية إلى الملك الناصر وقالوا له أن كان الملك المنصور مات أو قتل أو قبض فأنت أولى بالملك. فاجتمعت كلمتهم على ذلك وابعث المدينة خيلاً ورجلاً يريدون طريقاً إلى الحصن فما وجدوا فلما رآهم السلطان الملك المجاهد كذلك وعلم ما أجمعوا عليه عجب من فعلهم. وقال سبحان الله ما في هؤلاء من يذكر لوالدي حسنة عليه ولا جميلا إليه ثم
أمر صائحا يصيح من أعلى الحصن بأعلى صوته يقول يا أهل تعز بيوت المنصورية لكم حلال فرجعت الأمراء والملوك إلى بيوتهم خوفا من النهب وغشيهم السواد الأعظم. وكان يوما عظيما فلم يمض نصف النهار إلا وقد كتبت إليه والدته جهة صلاح تقول له أعلمك يا ولدي أن بنات عمك وسائر نساء الملوك هتكوا ونهبوا ولم يبق لهم باقية. وقد صاروا في حصر المساجد والمدارس فأقاموا صائحا صيح في الناس من أخذ شيئا من بيوت الملوك فليرده. وأمر بقبض أولاد الملوك فقبض الملك الناصر وولده زين الإسلام. وقبض الملك الكامل بأمور الدين بن الملك المنصور فكان كل واحد من الملوك مسجوناً وحده.
واستولى السلطان الملك المجاهد رحمه الله مرة ثانية وحصل بينه وبين المماليك عهود وذمم وكتب لهم ذراعة بالأمان والوفاء. ونادى لهم بذلك في الأسواق وفي مجامع الناس وبعد أيام قلائل أمر بإطلاق الملك الناصر ونومار الدين بن الملك المنصور. واستناب في سلطنته الثانية الأمير جمال الدين نور بن حسن. وطلب من عمه الملك المنصور أن يكتب له كتاباً إلى ولده الظاهر بتسليم الدملؤة فكتب له بذلك فلم يمتثل وامتنع من تسليمها فجهز السلطان له عسكراً مقدمه من الأمير شجاع الدين عمر بن علاء الدين. والشيخ أحمد بن عمران العبابي والشيخ عمر بن أبي بكر العنسي. وخامر جماعة على الملك الظاهر من الأشعوب فساروا بعسكر السلطان طريقاً يفضي إلى الدملؤة نحواً من شهرين فكثر القتل في الفريقين وطالت مدة الحرب. وكان معظم ذلك في ناحية حبا من أرض المعافر فلما طال الأمر خادعهم الظاهر بأن أعطى ابن العنسي مالاً فارتفع عن المحطة وتلاحق به كثير من الناس فانهزمت المحطة وارتفع أهلها وتركوا كثيراً من أموالهم وثقلهم وفي هذه السنة توفي الفقيه أبو الخطاب عمر بن محمد بن مسعود الحجري وكان فقيها فاضلاً تفقه في بدايته بالفقيه إسماعيل الخلي ثم لما كان في السمكر بسؤال من أهلها درس على الفقيه صالح جعل يختلف إليه في السمكر حتى اكمل قراءته.
ولما ولي ابن الأديب القضاء جعله قاضياً في القرية فأقام على ذلك نحو سنة ثم انصل وبقي على التدريس والخطابة إلى أن توفي في النصف من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه إبراهيم بن يحيى بن سالم بن سليمان بن الفضل بن محمد بن عبد الله الشهابي الكندي وكان فقيهاً حبراً غلبت عليه العبادة واستمر مدرسا بعد ابن محمد بن عبد الرحمن في العومانية وبعد ذلك على التدريس وهو أجود أولاد الفقيه يحيى وكان عالي الهمة سخي النفس إلى أن توفي في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل عثمان بن أبي بكر بن سعيد بن أحمد المرادي وكان فقيهاً فاضلاً مشهوراً بشرف النفس وعلو الهمة وإطعام الطعام. تفقه أبي عبد الله الدلالي وتفقها بذي أشرق. وكانت وفاته على الطريق المرضي في سلخ المحرم من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل عبد الرحمن بن الفقيه عبيد بن أحمد بن مسعود بن عليان بن هاشم الرحمي. وكان مولده سنة ثلاثة وستين وستمائة تفقه بأبيه وغيره وولي القضاء في مدينة.
زبيد من قبل بني محمد بن عمر فأقام هنالك عدة سنين. قال الجندي وكان يسير على أغراضهم وانفصل سنة تسعة وسبعمائة بأبي شكيل الشحري. ولم يزل متدبراً في زبيد مستوطناً بها مدة. ثم استمر مدرساً في المدرسة التاجية بزبيد وهي التي تعرف بمدرسة المبردعين إلى أن توفي في مستهل جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح عبد الصمد بن سعد بن علي بن إبراهيم. وكان مولده ثاني صفر من سنة ست وخمسين وستمائة. وسلك طريقه عمه عمر بن سعد من القيام والصيام والعبادة مع الاشتغال بالعلم ومحبته له. وتفقه بإبراهيم المازني أحد أصحاب عمه وكان يسكن قرية الثمد وهي غربي قرية عمه بثاءً مثلثة مفتوحة وآخر الاسم دال مهملة. وكان مشهوراً بالدين والصلاح وبه يضرب المثل.
وكانت قريته مأمناً للخائفين وملاذاً للمتحوزين وبيته مقصداً للزائرين توفي في النصف من شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العباس أحمد بن الأمام أبي الذبيح إسماعيل ابن محمد الحضرمي تفقه بأبيه وكان فقيهاً فاضلاً عارفاً بفروع الفقه مشهور البركة في التدريس والفتوى وهو من جملة الفقهاء الذين حضروا مقام السلطان الملك المؤيد للنظر في قضية أبي شكيل وأبي بكر بن علي المشير وكان ذلك في قصر الجند سنة ست عشر وسبعمائة. وأشار إليه السلطان بالنظر فيها فلم يفعل وأشار إلى غيره فلم يقبل. ويقال انهم ما دخلوا مقام السلطان حتى أنفقوا على ما كان منهم وهو الإشارة بقضاء ابن الأديب فكان الأمر كما ذكر. ورجع الفقهاء إلى بلادهم بعد أن أعطى السلطان للفقيه أحمد المذكور مالاً جزيلاً لقضاء دين عليه كتب له به إلى عامل المهجم. وكانت وفاته في قرية الضجى لأيام يقين من صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وتوفي بعده ابن أخيه الفقيه الفاضل أبو العباس أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن محمد الحضرمي. وكان فقيهاً محفقاً تفقه بعلي بن محمد الحلي وولده محمد بن علي الحلي وكانت وفاته في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو اسحق إبراهيم بن الفقيه أحمد بن الفقيه إسماعيل بن الحضرمي. وكان فقيهاً محققاً تفقه بعلي بن محمد الحلي وولده محمد بن علي. وكانت وفاته شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى وفيها توفي الفقيه الصالح أبو اسحق بن الفقيه أحمد بن الفقيه إسماعيل بن محمد الحضرمي. وكان فقيهاً صالحاً كثير الملازمة للمسجد وأقام معتكفاً نحواً من عشرين سنة. وكانت وفاته في صفر من السنة المذكورة قبل أبيه بنحو ثمانية أيام رحمهما الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو الخطاب عمر بن إبراهيم بن محمد بن حسين
النحلي. وكان ميلاده سنة سبع وعشرين وستمائة وأقام مدة طويلة لم يتعلق بشيء من قراءة العلم فلما رأس أخوه علي بن إبراهيم وارتفع ذكره. وكان اصغر من عمر نشط حينئذٍ فقرأ على أخيه وتفقه به وكان صاحب دنيا متسعة يحج كثيراً وكان يطعم جماعة من الطلبة ويقربهم. وابتنى مسجداً في قريته بالآجر والنورة وأقام فيه مدة يدرس فيه ويقصده الضيف والزائر وامتحن بالعمى في آخر عمره. وكانت وفاته في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن عمر العربقي بضم العين المهملة وفتح الراء نسبة إلى قرية من أعمال حسيس يقال لها العريق بضم العين المهملة وفتح الراء تصغير عرق. ثم سكن قرية من نواحي موزع يقال لها جاعمة بجيم وألف وعين مهملة مكسورة على وزن فاعلة. وكان رجلاً مباركاً ورعاً زاهداً كاملاً في سلوك الطريق مشهوراً بالخير والصلاح
والكرامات الظاهرة. وكان يزردع مواضع في الوادي فما تحصل منها صرفه في مصالحه وفي طعم الواردين إليه. وكان شريف النفس عالي الهمة له رغبة في طلب العلم يعجز الوقت عن نظيره في جميع أحواله وتوفي في عشر ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي المقري الفاضل إقبال. وكان عبداً صالحاً هندياً لخادم يقال له إقبال أيضاً ويعرف سيده بالدوري. وكان عارفاً بفن القراءات تفقه على ابن الجزاري صاحب عدن. ولما سافر سيده من عدن خرج إقبال هذا من عدن أيضاً وسكن مدينة المهجم فحصل عليه عسف من بعض ولاتها فأرتحل منها إلى تعز فتوفي بها. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الشيخ الصالح أحمد بن موسى بن عمر بن المبارك بن مسعود بن سالم بن سعد بن عمر بن علي. وكان شيخاً صوفياً فقيهاً عارفاً توفي في سلخ شعبان من السنة المذكورة رحمه الله. ودفن عنده والده وابن عمه صوفي بن يحيى في رباط أثعب بهمزة ومثلثة وموحدة بينهما عين مهملة والله اعلم.
وفيها توفي الفقيه الفاضل عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أبي الرجا وكان
ميلاده سنة ثمان وسبعين وستمائة. وكان فقيهاً عارفاً عالماً واستمر مدرساً في مدرسة البرحة وتوفي على الطريق المرضي في النصف من شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة ثلاث وعشرين كتب الملك الظاهر إلى الأمير بدر الدين حسن بن الأسد يستدعيه إلى خدمته فأجابه إلى ذلك ووصله في جمع كثيف فجهزه نحو الجند حتى أخذها يوم الأحد الثالث والعشرين من ربيع الأول. وكان فيها من قِبَل المجاهد يومئذٍ ابن أخيه قطب الدين أبو بكر بن الملك المظفر حسن بن داود وإبراهيم بن شكر وجماعة من المماليك البحرية فخامرت المماليك ومالوا إلى ابن الأسد وحلفهم للملك الظاهر فحلفوا له فخاف قطب الدين على نفسه فسرى من الجند فأصبح في تعز على موادعة بينه وبين ابن الأسد وأقام ابن الأسد في الجند أياماً قلائل ثم توجه نحو تعز في عسكر جرار من الأكراد والمماليك وغيرهم وواجهه الغياث بن الشيباني من ناحية الدمينة. وكان الغياث بن الشيباني قد وصل إلى الملك الظاهر في خلال ذلك فأكرمه ولأعظمه وحباه بمال جزيل وأمره بالتقدم إلى تعز فحطوا جميعاً على حصن تعز فأقامت المحطة سبعة أيام. فلما كان اليوم السابع ارتفع ابن الأسد منهزماً بعد أن قتل من أصحابهما أكثر من مائة نفر. وكان جملة من قتل من أهل تعز نحو من اثني عشر رجلاً.
ولما ارتفعت محطة بن الأسد عن حصن تعز كما ذكرنا توجه نحو الجند وتقدم معه من المماليك نحو من خمسين فارساً وساروا من الجند إلى الظاهر وهو بالدملؤَة فأحسن إليهم وطيب نفوسهم. فلما علم السلطان بذلك انقبض عنهم ولم يطلق لأحد منهم جامكية فتبعوا وطال عليهم الأمر حتى باع كثير منهم عدته وبعض ثيابه فجاهروا السلطان بالقبيح وتكرر منهم القبيح والأذى. فلما كان يوم الخميس الرابع من شهر جمادى الآخرة صاح الصائح من الحصن بأمر السلطان رحمه الله بإباحة المماليك قتلاً وأسراً ونهباً وأمر السلطان على الزعيم أن يخرج في عسكر تهامة ويحفظوا طريق الجند وطريق الشجرة وأمر إبراهيم بن شكر أيضاً أن يخرج في عسكر تهامة
ويحفظوا طريق تهامة وذي هزيم ففعلوا وخرجت على خيولهم فقتل منهم خمسة نفر في الميدان وواحد عند حمام الحاي ولزم منهم جماعة فأطلعوا الحصن إلى السلطان فجلد منهم نفرين الأساوي وآخر وشنق خمسة. فلما كان يوم السابع من الشهر المذكور شنق منهم أيضاً اثنين. وفي يوم الاثنين الرابع عشر شنق منهم اثنين فجميع من قتل وشنق منهم وجلد كلهم ستة عشر رجلاً. ولما خرجت المماليك من تعز ساروا إلى قرية الخوخية فأقاموا فيها أياماً ثم توجهوا نحو زبيدة وكان واليها يومئذ محمد بن طرنطاي وهو أحد أعيانهم فأدخلوا زبيدة بمساعدة بعض أهلها ذلك في غرة شهر رجب من السنة المذكورة فملوكها للظاهر واستولوا عليها. وكان الأمير نجم الدين أحمد بن ازدمر يومئذ في قرية السلامة فطلع إلى السلطان وتقلد له بأن يستعيد له زبيد فحمل له السلطان أربعة أحمال طبلخانة وجهز معه نحواً من خمسمائة فارس وستمائة راجل ونزل معهم الزعيم والمشد ابن العماد فنزلوا بأجمهم وحطوا في بستان المنصورة فيما بين القرتب وزبيد. فخرجت المماليك من زبيد وقصدوهم إلى المنصورة على حين غفلة وقد افترق جمعهم فأنهزم العسكر. ومن جملة من انهزم الزعيم وكان أحمد بن ازدمر غائباً لم يباشر الوقعة وثبت ابن العماد في جماعة من العسكر قتل معظمهم وسلم الباقون واقبل الأمير نجم الدين أحمد بن ازدمر وكان غائباً عن الوقعة فأُخذ أسيراً فدخلوا به زبيد وكانت الواقعة يوم الاثنين الثامن رجب وأقام الأمير نجم الدين أسيراً في زبيد إلى أن توفي آخر شعبان من السنة المذكورة.
وفي شهر شعبان المذكور من السنة المذكورة خالف عمر بن الدويدار في لحج وأَبين وسار إلى عدن فحاصرها نحواً من عشرين يوماً حتى أخذها بمساعدة بعض المرتبين من يافع وخطب فيها للظاهر. وكان دخوله عدن لأيام بقين من السنة المذكورة. وكان أمير عدن يومئذ الأمير بدر الدين حسن بن علي الحلبي فقبض عليه ابن الدويدار وبعث به إلى الظاهر وعث به الظاهر إلى السمدان فحبس هنالك. ونزل جعفر بن الأنف من الدملؤة إلى ابن الدويدار فأقام معه في عدن إلى العشرين
من شوال ثم طلع إلى الدملؤة بخزانة جيدة وبر كثير.
وفي شهر ذي القعدة جهز الظاهر إلى الجند عسكراً مقدمه الأمير بدر الدين محمد بن عمر بن علاء الدين الشهابي ومعه جماعة من البحرية كالقصري وطعشر وغيرهما. وكان وصولهم الجند يوم السابع من ذي القعدة فحاربهم أهل الجند حرباً شديداً فعادوا خائبين إلى قرية العربة فأقاموا بها. وكان في الجند وال كثير الغدر والمكر يقال له ابن حسين كان يأُخذ جامكية من المجاهد وجامكية من الظاهر ولعب بهما معاً. وكان من أسواءَ الولاة حالاً وتصرفاً وأكثرهم خيانة لله وللمسلمين. فلما ارتفعت المحطة عن الجند كما ذكرنا فرق الوالي المذكور ابن حسين على أهل الجند ونواديها إذناً عظيماً فأضرَّ بالناس فعزله السلطان بابن الحجازي وولاه حصن تعز فتشاءم الناس به. وكان معه شفاليت يتغلبون على بيوت الناس وينهبون فكانوا سبب كل قبيح.
وفي هذه السنة توفي السلطان الملك المنصور أيوب بن مولانا السلطان الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول وكانت وفاته يوم الأربعاء ثاني شهر صفر من السنة المذكورة في دار الأمارة في حصن تعز معتقلاً ودفن في مدرسة والده في مدينة تعز المعروفة بالمظفرية رحمه الله تعالى.
وفيها توفي مولانا الملك المسعود تاج الخلافة الحسن بن مولانا السلطان الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول وكانت وفاته في مدينة حيس يوم الثالث والعشرين من شهر المحرم أول شهور سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وهي السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل يوسف بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد بن يحيى وكان فقيهاً فاضلاً معروفاً بأمانة والصبر وكان غالب ودائع أهل تلك الناحية إنما تكون عنده عارفاً في فن الفرائض مجوداً ولد سنة سبع وثمانين وستمائة وتوفي في هذه السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن علي الجدائي نسبة إلى صقع
من الحبشة يقال له جداية بكسر الجيم ودال مهملة وألف بعدها ياءُ مثناة من تحت مفتوحة وآخرها هاءُ. وكان يعرف بالزيلعي اخذ عن ابن زاك بحراز ثم عن الغيثي بوصاب وأخذ عن المقري عدا المذكور أولاً. وكان مجوداً في علم القراءات والنحو وعنه اخذ جماعة. وكانت وفاته في صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفضل أبو الحسن علي بن محمد الأصبحي تفقه بالإمام علي بن أحمد الأصبحي تفقهاً جيداً ثم سار إلى زبيد فتفقه ببعض فقهائها. وكان على ذاك يسكن في مدينة زبيد إلى أن توفي بها في السنة المذكورة وقيل بعدها والله اعلم.
وفيها توفي الفقيه البارع أبو عبد الله محمد بن علي بن جبير. وكان ميلاده في شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وستين وستمائة. وكان فقيهاً مجتهداً في بدايته بخاله الفقيه محمد بن أبي بكر الأصبحي ثم بالأمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي ثم بصالح بن عمر البريهي ثم بفقهاء تعز كأبن الصفي وابن النحوي وغيرهما. ثم ارتحل إلى عدن فأدرك بها ابا العباس أحمد ابن علي الحرازي وابا العباس القزويني فأخذ عنهما وأخذ عن التاجر المعروف بالشهاب صقر الكريني ثم عاد إلى بلده. وكانت وفاته في المحرم من السنة المذكورة. وقيل في الحجة من السنة التي قبلها رحمه الله تعالى والله اعلم.
وفي هذه السنة توفي الفقيه البارع عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد الحيلوتي نسبة إلى كورة حيلو وهو جبل ببلاد فارس. وكان ميلاده سنة ثمان وأربعين وستمائة في بلد فارسي. وكان فقيهاً عارفاً يعرف كتاب الحاوي معرفة تامة لم يقد اليمن من هو اعرف منه به وصنف على منواله كتاباً اكبر منه سماه بحر الفتاوى. وقدم إلى تعز من طريق الحجاز في سنة سبع عشرة وسبعمائة ولم يكن غرضه الوقوف في اليمن فأجتمع به القاضي يومئذ عمر بن أبي بكر العراف في ذي عدينة فأكرمه وانصفه ولازمه على الوقوف فوقف في المدرسة المؤيدية مدرساً في دار الضيف وصار يتردد للتدريس إلى المؤيدية ثم ضعف فاستناب أبا بكر بن جبريل. ثم حصل بينه وبين ابن الأديب وحشة فعزله عن أسبابه كلها ونسبه إلى صحبة أعدائه. وكان كلما
استخرج خطاً من السلطان بإعادته على أسبابه دافعه ابن الأديب بالكلام. ولما طال انقطاعه استخرج من السلطان الملك المجاهد خطاً بالعود على أسبابه فلم يساعده ابن الأديب فسار إلى عدن في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة فتوفي في الطريق رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه أبو حفص عمر بن عبد الله بن سليمان الكندي نسباً والعتمي بلداً. وكان مولده سنة سبعين وستمائة تقريباً. وكان تفقه بأبي القسم والأصبحي محمد بن أبي بكر وبصالح بن عمر البريهي. وكان إمام مدرسة حسن بن فيرقذ إلى أن توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد بن إسماعيل بن مسيح. وكان ميلاده لأربع بقين من رمضان سنة اثنين وتسعمائة. كيوسف بن عبد الملك. وكان معروفاً بجودة الفقه ودرس مع بني بطال مدة ونظر في كتبهم وانتفع بها انتفاعاً جيداً. وكانت وفاته على الطريق المرضي في مستهل القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أحمد بن أحمد بن يوسف بن أحمد بن الفقيه عمر بن الهيثم المشهور. وكان ذا فضل ودين ومعرفة بالفقه. وامتحن بالعمى في آخر عمره. وقتله أهل الفساد في شهر شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين بن أبى السعود الهمداني. وكان ميلاده ليلة الأحد الثالث عشر من شهر جمادى الآخرة من سنة ثمان وستمائة تفقه بالفقيه صالح بن عمر ورزق بصيرة في العلم وزهداً في الدنيا وتوفيقاً في الدين واليه أشار أهل بلده بل آهل عصره في الدين والصلاح ويذكرون له كرمات لا تحصى تدل على خيره وفضله وغالب اشتغاله بالفقه مع كمال العبادة. وكان يزوره العلماء والفقهاء وأرباب الدولة في زمانه ويتبركون به. وكان كثير الورع وإطعام الطعام آلي أن توفي على الطريقة المرضية يوم الخميس من شهر شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الطوشي الأجل أبو السعود شهاب الدين صلاح بن عبد الله المؤيدي. وكان خادماً حازماً يقضاً ذا رئاسة وكرم نفس. وكان زمام الملك المؤيد ثم جعله زماماً لام ولده الملك المجاهد فشهرت به فما تعرف إلا بجهة صلاح. وكانت وفاته يوم الثاني والعشرين من رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عمران موسى بن الحسين الحميري. وكان فقيهاً فاضلاً ذا عبادة عالية وورع كامل. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي القاضي شرف الدين أبو القاسم حسان بن الفقيه اسعد بن الفقيه محمد بن موسى العمراني وزير الملك الأشراف عمر بن يوسف بن علي بن رسول. وكان أحد أعيان زمانه فضلاً ورئاسة ونبلاً. ونكب هو وأهله في الدولة المويدية وجرى عليهم من المصادرة والهتك ما قد شهر وذكر. ولم يزل في خمول آلي أن توفي السلطان الملك المؤيد رحمة الله عليه وعليهم أجمعين. فلما تولى السلطنة ولده السلطان الملك المجاهد عطف عليهم وأعادهم آلي مما كنهم وأجرى عليهم جريات سنية إلى أن توفي القاضي المذكور. وكانت وفاته يوم الحادي عشر من شهر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة أربع وعشرين اقتتل أجناد الحصن والشفاليت الذين هم مع ابن حسين الأمير في الحصن وكانوا اكثر من الأجناد أضعافاً مضاعفة فاستعاذت الأجناد بأهل المغربة واستعاذ أهل المعربة بأهل صبر أيضاً. فكان الشفاليت ومن في الحصن يداً واحدة وكان أهل المعربة وأهل صبر يداً واحدة وتطاولت الحرب بينهم فكتب بعض أهل تعز إلى المماليك الذين في زبيد يخبرهم بأن الحرب بين العسكر وأهل المدينة فخرجت المماليك من زبيد إلى تعز فوصلوا تعز يوم الثالث من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة فحطوا ما بين الأجناد والسائلة ولم يحصل منهم على أحد غيار.
وفي هذا التاريخ نزل الملك المفضل وأخوه الملك الفائز أبناء الملك المظفر
حسن بن داود بن يوسف بن عمر وتوجهوا نحو تهامة فيمن معهما مغاضبين لعمهما السلطان الملك المجاهد لما انقطعا من الإقطاع والجا مكية فأقاموا في قرية السلام ثم انتقلوا إلى بيت الفقيه ابن عجيل فلما كان يوم الأحد الحادي والعشرين من ربيع الأول قدم عمر بن تاليال العلي الدويدار آلي تعز بعد أن نهب الجند نهباً شديداً فحط على الجبل في موضع المدرستين المجاهدين والأفضلية. وكان قد أرسل إلى عدن من يطلع المنجنيق فاطلعوا بعض أخشابه في البحر إلى موزع وبعضها في البر رقاب فلما وصلوا به ركبوه ورموا به عدة أحجار فلم يؤثر شيئا فأرسلوا إلى من يأتيهم بمنجنيق آخر فأرسل لهم الظاهر به صحبة الافتخار ياقوت.
وفي هذا التاريخ ظهر لمولانا السلطان من ابن حسين ما كان يستره من المكر والنفاق فأخرجه من الحصن إخراجاً جميلاً. وكان الغياث بن نور مع السلطان في الحصن وكان بمكانة عنده فخادع السلطان وخرج من الحصن أيضاً وتقدم إلى الظاهر في الدملوة فحلف له أنه ناصح مجتهد فصدره الظاهر صحبة المنجنيق فكان له من الاجتهاد ما يدل على خبث أصله لأنه قابل السلطان بالقبيح البليغ الذي لا سبب له ولا سابقة توجبه. فكان يرمي إلى الحصن في كل يوم بأربعين رجلاً.
قال علي بن حسن الخز رجي وحدثني حسين بن عبد الله بن منصور قال حدثني حسن بن موسى بن بعلان عن جارية يقال لها نخبة بنون مضمومة وخاء معجمه ساكنة وباء موحدة بعدها التاء تأنيث من جوالي موالينا جهة صلاح والدة السلطان الملك المجاهد. وكانت ممن في الحصن أيام الحصار قالت لقد اشتد علينا الحصار يومئذ وكان مولانا السلطان الملك المجاهد رحمه الله ينتقل في يومه وليلته إلى عدة مواضيع. ولقد اذكر عشية من العشايا وقد قربنا لمولانا السلطان ظهوره فتوضأ وفرغ ونحن عنده في موضع من الحصن ووالدته بالقرب منه واقفه في موضع وإذا بجدار من جدار الحصن قد انشق فخرج منه غلام تام الخلقة وله دبوقة إلى آخر ظهره فأكب على مولانا السلطان فاعتنقه وحمله بسرعة من ذلك الموضع الذي كان قاعداً فيه
إلى موضع آخر ففزعنا جميعنا جميعاً وطارت عقولنا مما رأينا فلما وضعه في الموضع الذي وضعه فيه وقع حجر من حجارة المنجنيق في الموضع الذي كان فيه قاعداً لم يمل عنه يميناً ولا شمالاً فلما وقع الحجر في ذلك الموضع وأتلفه قال مولانا السلطان لذلك الرجل من أنت يا أخي الذي من الله بك علي. فقال أنا والله أخوك حقيقة وأبى والله وأبوك داود المؤيد وأمي الجارية فلانة ولكني أخذت من بطن أمي فربيت مع الجن حتى صرت كما ترى. ولما رأيت أن هذا الحجر قاتلك لا محالة حملتك عن ذلك الموضع محبة لك وشفقة عليك واعلم يا أخي أنى قد أنفقت أنا وصاحب الحصن بصيبص أن نقاتل معك في اليوم الفلاني فاجمع من معك لذلك اليوم فأنا سنبلغ ما نريد من نصرك واستودعك الله ومضى. فدخل في الموضوع الذي خرج منه ثم أقبلت والدته موالينا جهة صلاح رحمة الله عليها وهي طائرة العقل على ابنها فلما وصلت إليه جلست عنده تستخره عن ذلك الرجل وما كان منه فاخبرها بما قال ثم سألها عن الجارية فقالت صدق والله ولقد كانت حاملاً لأبيك حتى أشرفت على الولادة فأصبحت يوماً من الأيام وقد مسح ولدها من بطنها وكأنها لم تكن حاملاً ولم يظهر لحملها اثر بعد ذلك وعاشت بعد ذلك مدة وهلكت. ولما كان اليوم الذي وعده فيه بنصرته جمع السلطان أصحابه وخرجوا للقتال فأثروا فيهم أثراً ظاهراً على قلتهم وكثرة العدو. وما هو ألا بقتال قوم آخرين والله اعلم.
ولما كان يوم العاشر من شوال هم المماليك برفع المحطة ونزول البهائم فتعب من ذلك ابن الدويدار فاجتمع بهم وفتح عليهم الرأي فقالوا نحن بلا جامكية فأعطاهم ألف دينار فاقتسموا الألف وأقاموا.
وفي هذا التاريخ قصدت المعازبة القحمة وأخربوها وكانت إقطاع الشريف داود بن قاسم بن حمزة فلما بلغه الخبر بخرابها نزل ونزل معه جماعة من المماليك مغيرين فقتلوا من المعازبة طائفة وتراجعت القحمة وابتنى الناس بيوتهم فيها فأصلحوا مساكنهم.
وفي هذا التاريخ اقبل الزعيم في العساكر من أصحاب صعدة والأكراد
أصحاب ذمار من بني السوغ وبني الأسد وبني علاء الدين واشرف المخلاف السليماني فعيدوا عيد الأضحى في المحالب. وكان ابن طرنطاي قد نزل إلى حيس واستناب السنبلي على المحطة. فلما علم المماليك بوصول الزعيم والعساكر التي معه اجتمعوا في الكد راء واقام الأشراف في المهجم أياماً قلائل ثم توجهوا نحو الكد راء فلقيتهم المماليك في الوادي المسمى جاحف.
فكان يوم جاحف المشهور كانت الأشراف ومن نحوا من ألف وثلاثمائة فارس ونحوا من ألف راجل فاقتتلوا قتالاً شديداً وكان يوماً من الأيام المشهورة فقتل فيه من كل طائفة طائفة وانهزم المماليك هزيمة شنيعة بعد أن قاتلوا قتالاً شديداً وتضعضع صف الأشراف لولا ثبات علي بن موسى وقوله للأشراف إلى أين المهرب. وكانت الواقعة في النصف الأخير من ذي الحجة من السنة المذكورة. فقتل من الأعيان المماليك أيلبه والسراجي وأزبك الصارمي ولظينا المحمودي ويقال أنه كان أشجع من المماليك كلهم وأسر من أعيانهم الأقصري والصارم بن ميكائيل وابن الريا حي. وكان القصري من شجعانهم أيضاً فوقف به فرسه يومئذ وأسروهم الأشراف بقتله فمنع عنه الشريف علي بن موسى وقال مثل هذا لا يقتل ولو كان في أصحابه عشرون رجلاً مثله ما قمنا في وجوههم ساعة واحدة. وأما المحمودي فإنه قاتل قتالا شديداً فأصيب في يده اليمنى بضربة فبطلت عن الحركة فلما وقعت الهزيمة خرج على وجهه فوقع في بلد المعازبة وكان قد قتل في كل قبيلة من الغزب فلما عرفوه قتلوه.
ولما رجع المماليك إلى زبيد بعد الهزيمة أطلق الإشراف القصري بولد ابن علاء الدين وكان المماليك قد حبسوه في زبيد. ولما بلغ الخبر إلى تعز بهزيمة المماليك في جاحف. وكان منهم طائفة في محطة الدور يدار فلم يستقر لهم قرار ارتفعوا من المحطة وتركوا ابن الدويدار فلم يستقر له قرار له بعدهم. وكان مستأنساً بالمماليك فارتفع في آخر ليلته وكان ارتعاعهم جميعاً ليلة العشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة.
فلما ارتفعت المحطة عن تعز رجع جماعة إلى السلطان منهم الغياث بن نور فقابله السلطان بالقبول وسار بن الدويدار ومن معه إلى لحج فأقام بها أياماً يجمع
العساكر بعدن يريدها لنفسه على كره من الظاهر وغيره وفي هذه السنة توفيت الجهة الكريمة ماء السماء ابنة السلطان الملك المظفر شمس الدين يوسف بن علي بن رسول وأمها بنت أسد الدين محمد بن الحسن بن علي بن رسول. وكانت من أخير الواتين كثيرة الشفقة والإحسان إلى ألا هلها وغيرهم وكان لها من الآثار المثبتة للذكر المدرسة التي في مدينة زبيد المعروفة بالواثقة لبيت أخيها الملك الواثق جعلت فيها إماما ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن ومدرساً وطلبة يقرؤون العلم ووقفت عليهم من أملاكها ما يقوم بكفايتهم. وكانت وفاتها في قرية التربية قرية من قرى وادي زبيد معروفة يوم السادس من شعبان من السنة المذكورة ودفنت عند الشيخ الصالح عيسى الهمار رحمه الله عليهم أجمعين. وفيها توفي الفقيه الفاضل عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن محمد أبا حسان الحضري الشامي. وكان قدم زبيد وهو ابن أربعين سنة. وتفقه في أبيات حسين ثم سافر إلى مكة المشرفة فأدرك ابن السبعين واخذ عن أصحابه. وكانت له يد في التصوف وفي النحو والحديث وصنف فيها وكان ورعاً زاهداً عابداً صحب الفقيه إسماعيل الحضرمي وجماعة من أصحاب أبى الغيث بن جميل وابن عجيل. وتوفي على ذلك وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمة الله عليه بعد جاوز عمره مائة سنة لم يتغير له سمع ولا بصر ولا ذهن وتوفي عن عدة بنات وولد ذكر فتوفي الولد بعد أبيه بمدة يسيرة. وكان وفاته في سنة سبع وعشرين وسبعمائة ولم يكن له من الذكور ألا هذا بعده كما ذكرنا رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل إسماعيل بن أحمد بن علي بن محمد بن سليمان المسلى نسبا الخلي بلدا نسبة إلى قرية بحجر تعرف بخلة بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام قبل هاء التأنيث وكان فقيهاً مبارك متفنناً أولا بعمه ثم بمحمد بن أبي بكر أبى ألا صبحي ثم بالإمام علي بن أحمد ألا صبحي ثم بابن الرسول وأخذ عن صالح بن عمر وغيره وليس في تلك الجبال التي في شرقي الجند فقيه معروف بالفقه والتحقيق
غيره وكانت وفاته يوم الاثنين لعشر بقين من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الأمام أبو العباس أحمد بن بكر بن إبراهيم الرسول المخزمي بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الزاي وكسر الميم وآخره ياء نسب نسبة إلى قوم يقال لهم المخازمة وهم بطن من كنده وكان مولده في سنة ست وثلاثين وستمائة وتفقه في بدايته بزريبع ثم ارتحل إلى الضحى فأخذ عن الأمام إسماعيل بن محمد الحضرمي وعليه أكمل التفقه وهو أصحابه معرفة للفقه وغزارة في النقل وقد قيل أنه أخذ عن الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل وكان عارفاً بالفقه والحديث والتفسير زاهداً مبارك التدريس أخذ عنه جمع الكثير من نواح شتى منهم الإمام علي بن أحمد ألا صبحي وصالح بن عمر البر يهي وعبد الله بن سلم وسلمان بن محمد الصوفي وإسماعيل بن أحمد الحلي ومحمد الحرف ومحمد بن أحمد أبا مسلمة وولده ومحمد بن علي ألا حوري ومات طالباً سنة تسع وتسعين وستمائة. ومحمد بن أحمد السبتي الشجري. ومحمد بن يعقوب من لحج من بني الحميدي وغرتهم وما من هؤلاء ألا من رأس ودرس وامتحن بالعمى في آخر عمره وكان يقرئ في بيته وله كرمات ظاهرة وكان وفاته يوم الثاني والعشرين من السنة المذكورة رحمه الله تعالى وعنه اخذ ولداه محمد وأبو بكر وتفقها وتوفي محمد في سنة تسع وسبعمائة وتوفي أبو بكر بعد أبيه في سنة خمس وعشرين وسبعمائة الأتي ذكرها أن شاء الله تعالى.
وفي هذه السنة المذكورة توفي الفقيه الفاضل أبو علي الحسين بن عمر ابن علي بن الفقيه عثمان بن حسين وكان فقيها عارفاً متورعاً فطناً ذكياً توفي في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة خمس وعشرين وسبعمائة سار ابن الدور يدار من لحج إلى عدن وكان خروجه أليها في صفر من السنة المذكورة فحاصر أهلها حصاراً شديداً. فخودع بالصلح وكان ذلك بإشارة من الملم المجاهد إلى والى عدن وهو ابن الصليحي سراً وكان يظهر له انه طاهري وجماعة من الغر بني خليل والجمال الحصى وغيرهم فأصغى ابن ألد ويدار إلى الصلح ومراده أيضاً الغدر بهم.
فلما اصطلحوا وتم الصلح خارج الباب قال للوالي أنى أريد الدخول إلى الدينة فقال له لا يا مولانا البلد بلدك. ولكن المصلحة أن تدخل في جماعة من العقلاء ممن تشويش على الناس فدخل في جماعة من أصحابه فأمسى وأمسي بشرب في خواصه. فلما دخل الحمام فقعد في مخلعة فقال له بعض أصحابه يا مولانا أخذت هذه البلدة للظاهر أو للمجاهد فلم يجيبه فكرر عليه السؤال فهز رأسه وكان عنده حينئذ جاندار يقال له المياح قد فهم مراده فقال هذا الظاهر وهذا المجاهد وهو يشير إليه فتبسم فنقل ذلك الكلام إلى الوالي فجمع الوالي جماعة من أصحابه وهجم عليه فامسكه وقيده ثم قتله. وكان قتله يوم السابع من شهر ربيع الأول وكان أخوه في المحطة في بقية العسكر خارج البلد فصاح الصائح إلى أهل المحطة يخبرهم بقتله فخرج أهلها منها هاربين ولحق أخوه بالحصن الذي قد بناه المعروف بمنيف فأقام فيه أياماً قلائل فآخذته بطنه فهلك ولما قتل ابن الدويدار كما ذكرنا جهز ابن الصليحي عسكراً إلى لحج فقبضها ثم أن أخا ابن الدويدار كتب إلى الطاهر يستمده فأمده بابن وهيب والركن ابن الفخر وجماعة من الخيل والرجل فوصل بهم إلى الزعازع فخرج ربيع بن الصليحي وابن عمه جعفر وغيرهما ومن المعسكر فخذلهم الجحافل وباعوهم فقاتلوا حتى قتلوا ولمل نزلت المماليك ومن معهم من المحطة كما ذكرنا أقاموا في قرية السلامة أياماً ثم توجهوا إلى زبيد فلما دخلوا المدينة قصدوا بيت القصري وهجموا عليه بيته فارتاب منهم ورجب وقال ما ترسمون يا حاسكية فقالوا تخرج عن زبيد فأنت صاحب إقطاع وقد رسم مولانا السلطان الملك الظاهر أن الشهابي يكون والي البلد وطريطبة الهمداني مشدها وبهادر الصقري مشد المشدين. وكان الصقري يومئذ في زبيد فحين علم بوصولهم ركب إليهم إلى بيت القصري فلما وصل إليهم رحب بهم خصوصاً وعموماً وقال للقصري ما قالوا لك لاحقا فقال السمع والطاعة واوجدهم التجهز والخروج فلما افترق جميعهم ذلك استدعى القصري بأعيان العوار ين من أهل زبيد ووعدهم بتسليم أربعة آلاف دينار على انهم يلزموا له الصقري والشهابي والهمداني والشريف
داود بن قاسم بن حمزة فقصدوهم إلى بيوتهم فامتنعوا على أنفسهم وتركوا خيلهم وخرجوا ونهب العوار ين بيوت المماليك يوم الخميس وليلة الجمعة نهباً شنيعاً. فلما كان يوم الجمعة اجتمع العوار ين كلهم وقصدوا بيت القصري وطلبوا منه المال الذي وعدهم به أربعة آلاف دينار.
وكان عنده حينئذ الشريف داود بن قاسم بن حمزة والسنبلي فقالوا ما يكفي هؤلاء ما قد نهبوه من بيوتنا وبيوت أصحابنا وسائر العسكر فطردهم القصري وهددهم ووبخهم فلما سمعوا ذلك منه صاحوا عليه صيحة واحدة. وداروا حول بيته وأمطروا عليه وعلى من معه الحجارة من كل ناحية فاغلق باب بيته دونهم وقاتلهم غلمانه ساعة من النهار. ثم ركبوا عليه البيت من قفاه فلما أحس بهم ركب حصانه وركب معه أصحابه وغلمانه وأخذوا سلاحهم وخرجوا قاصدين لباب الشبارق بعد أن قاتلوا قتالاً شديداً فنهب العوار ين بيت القصري وكان فيه مال جزيل.
قال علي بن الحسن الخز رجي وحدثني والدي رحمه الله قال بينما الناس يوم الجمعة في مسجد الجامع بزبيد إذا قبل جماعة من العوار ين والخطيب على المنبر وكان فيهم شخص يقال له القعموص وكان من شياطينهم وشجعانهم. فقال للخطيب يا فقيه اخطب للملك المجاهد. فقال له الخطيب ما أمرنا بهذا أحد قال وانظر إلى هذه الحربة في يدي والله لئن قال أحد غير هذا القول لأجعلن هذه الحربة فيه ووقف هو وأصحابه عند المنبر يسمعون الخطيب حتى خطب باسم السلطان الملك المجاهد. وكان ذلك يوم الجمعة الرابع عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة فلم يخطب بعد ذلك للظاهر على منبر من منابر تهامة.
وفي هذا التاريخ وصل شمس الدين الملك المفضل وأخوه الفائز قطب الدين من بيت الفقيه بن عجيل فدخلا زبيد لما صارت لعمهما الملك المجاهد فأقاموا ولما خرجت المماليك من زبيد على صفة ما ذكرنا اجتمعوا في حيس وتقدم أعيانهم إلى
الملك الناصر محمد بن الملك الأشراف وكان يومئذ في قرية السلامة فلما اجتمعوا به لازموه على القيام بالملك. ووعدهم من أنفسهم بالطاعة على ما يجب فسار معهم إلى زبيد يوم الأحد السابع عشر من شهر ربيع الأول فحطوا في البستان الشرقي على باب الشبارق ومعهم نحو من سبعين فارسا فجرى بينه وبين أهل زبيد قتال شديد ساعة من نهار ثم انتقل الناصر إلى قرية التربية فأقام فيها نحوا من شهر يجبي أموالها ووصل إليه ابن علاء الدين وابن الأسد وغيرهما من الأمراء فحلفوا له على الطاعة فجمع عسكر وقصده زبيد فخرج إليه شمس الدين المفضل وجماعة من العسكر إلى فشال فاقتتلوا هنالك فانهزم شمس الدين المفضل وقتل جماعة من أصحابه ثم سار الناصر إلى زبيد فحط في قرية التربية ثم زحف إلى زبيد فخرج إليه العوار ين فقاتلوه قتالاً شديداً فاستأجرهم العسكر ساعة ثم عطفوا عليهم فقتلوا منهم نحوا من عشرين رجلاً ورجع الناصر ومن معه إلى فشال فكتب آهل زبيد إلى السلطان الملك المجاهد وسألوه أن يرسل إليهم وليا يحفظ المدينة وعسكرا فأرسل حسين بن علي بن حسين والياً وأرسل من العسكر ناساً بعد ناس فيهم الغياث بن نوز وعبد النبي بن السودي وبيدرة. وطعشر وإبراهيم بن فيروز. فاجتمع في زبيد نحو من مائتي فارس.
وفي هذا التاريخ كتب الصقري إلى مولانا السلطان الملك المجاهد رحمه الله يطلب منه ذمة شاملة فأجيب إلى ما طلب فقدم على مولانا السلطان في آخر شهر ربيع الآخر فانزل في بيت نوز وحمل له السلطان خمسة أحمال طبلخانه وخمسة أعلام وأقطعه مدينة حيس.
وفي سلخ شهر ربيع الآخر أحرقت قرابة السلامة إحراقاً عظيماً وهلك في الحريق نحو من خمسين نفساً من الآدميين خارجاً عن أصناف الدواب وذهب فيه من الأموال ملا ينحصر وكان معظم أموال الناس فيها. وفي يوم العشرين من جمادى الأول قدم ابن السوع من بلاده ذمار إلى مدينة الجند فأقام فيها يومين أو ثلاثة ثم جاءه من السلطان طلب حثيث وأرسل له بكسوة إلى الجند. وأمر أعيان العسكر بلقائه ودخل على السلطان فكساه كسوة ثانية. وحمل له يوم الجمعة الخامس من
جمادى الآخر أربعة أحمال طبلخانة وأربعة أعلام. ثم خرج السلطان بعد صلاة من يوم الجمعة المذكورة يريد الجوة وجمع من الخيل والرجال فدخل الجوة يوم السبت سادس الشهر المذكور والغب في ميدانها وفي رجوع السلطان من الجوة نهب العسكر أم قريش قرية بني مسلمة. وكان قد بلغ السلطان انهم محبون للظاهر. وكان دخول السلطان تعز يوم الأحد السابع من الشهر المذكور. وفي هذا التاريخ وصل جماعة من أهل زبيد إلى السلطان الملك المجاهد فدخلوا عليه وقبلوا قدميه وسألوه أن ينزل إليهم إلى مدينة زبيد وعرفوه انه أن نزل زبيد فلا يقابله أحد إلا بالسمع والطاعة وان لم ينزل فلا بلاد له ولا للظاهر فعزم على النزول تهامة. فكان تقدمه إلى زبيد يوم الأربعاء العاشر من الشهر المذكور وكانت طريقة على بلاد المغلسي في وادي نخله فدخل السلامة صبح يوم الخميس حادي عشر الشهر المذكور فأمر من فوره من صاح بالأمان لكافة الناس فوصله غالب من فيها من الجند كعباس بن عبد الجليل ونوز بن حسين بن نوز وغيرهما فانم على الجميع وتقدم تحت ركابه السعيد إلى زبيد ولم يتأخر عنه ألا السنبلي والشهابي فانهما سألاه أن يفسح لهما ليحجا إلى مكة المشرفة ففسح لهما عن طيبة ثم سار إلى زبيد فكان دخوله إلى زبيد يوم الجمعة الثاني عشر من الشهر المذكور فحط في البستان الشرقي المشهور بحائط لبيق وحصلت المكاتبة والمراسلة بينه وبين أعيان العسكر. وكان الملك الناصر والعسكر جميعاً في محل زريق وهم جمع كثير وجم غفير وفي ظنهم أن السلطان لا ينزل من الحصن أبداً فلما كان يوم الاثنين الخامس عشر من السنة المذكورة قصدهم السلطان فخرج من زبيد آخر النهار فأمسى رحمه الله في محل القلقل واصبح يوم الثلاثاء سائرا إلى النخل فأرسل الملك الناصر رسلا يحققون له الخبر فوقفوا له في أثناء الطريق لينظروه من بين الأشجار فلما عرفوه وتحققوه عادوا إلى محطتهم وأخبروا الناصر وأصحابه بذلك فانحلت عزائمهم وافترقت كلمتهم وارتفعت محطتهم فتقدم الناصر والأشراف بين الواثق وابن طرنطاي وعدة منم المماليك إلى قرية السلامة. ولما وصل السلطان إلى النخل أقام في الدار إلى صلاة الظهر.
ووصل الأمير عز الدين قتادة يسأْل ذمةً لولد بن علاء الدين ولبقية العسكر فأَذم عليهم السلطان وسألهم عن الناصر وابن طرنطاي فقالوا لا نعلم أين توجهوا. فركب السلطان لفوره ورجع إلى زبيد فوصله الفقيه علي بن أبي بكر الزيلعي صاحب قرية السلامة ووصل معه الفقيه علي بن نوح واجتمعا بالسلطان. وشاع الخبر أن الناصر في قرية السلامة فجهز السلطان ولد أخيه المفضل في قطعة من العسكر وجماعة من العوارين فقصدوا السلامة صبح يوم الخميس الثامن عشر فأحاطوا بيت الفقيه ودخل المفضل بيت الفقيه في جماعة فقبض الناصر بن الأشرف والأشرف بن الواثق وابن طرنطاي وخرج بهم يوم الخميس المذكور إلى حيس فلما صاروا قريباً من حيس عطف بهم نحو تعز. وسار فيمن معه من العسكر فدخل بهم تعز صبح يوم السبت العشرين من الشهر المذكور. وقد قيدوا من الحبيل وتلقاهم أهل تعز فكان أوباشهم يسبونهم ويؤذونهم ولولا مدافعة المفضل عنهم لأتوا على ابن طرنطاي. فلما أتوا بهم تعز جعل الناصر وأبن عمه في برج الرماد وجعل ابن طرنطاي في سجن العامة. فأقام الملك الناصر في السجن إلى أن توفي ليلة الخميس عشرة شهر رجب من السنة المذكورة وقبر يوم الخميس مع والده في المدرسة الأشرفية في معزية تعز. وفي نزول السلطان من تعز إلى زبيد وتقدمه إلى النخل ولزم المذكورين يقول الفقيه جمال الدين محمد بن منصور العامري رحمه الله تعالى
وعرض يحدو به راعد
…
يحن في الجو حنين اللقاح
يسوقه البرق بأسواطه
…
إذا ونى مال عليه وصاح
وفيها يقول
لما تلاقينا وقد أثمرت
…
بالموت أطراف غصون الرماح
وللمنايا سحب ماؤُها
…
يجري على حد متون الصفاح
سالت نفوس بين حد الظبا
…
كالماء يجري بين خضر البطاح
ومضمرات الخيل كرّاتها
…
كرّات صب مبتلى بالملاح
فأقبلت خضرا يمانّية
…
عجاجها بالمسك والند فاح
سبقته تحمل أثقالها
…
تمشي رويداً مثل مشي الرداح
بلا ولي أنكحت نفسها
…
لا ينكح الهيجاء إلا سفاح
ملاحها لا يشتهي وصلهم
…
وربَّ وصل فيه حتف متاح
وهي قصيدة طويلة لم اظفر منها إلا بهذا القدر قال الجندي وفي هذا التاريخ وصل المبشرون إلى السلطان بوصول الغارة إليه من الديار المصرية فوقف السلطان رحمه اله لهم في مدينة زبيد حتى قدموا عليه. وكان وصولهم زبيد يوم الأحد السابع عشر من شهر رجب من السنة المذكورة. وكانوا ألفي فارس وألف راحلة فيهم أربعة أمراء والمعول على أميرين منهم وهما الأمير سيف الدين بيبرس والأمير جمال الدين طيلان وكان معهم اثنان وعشرون ألف جمل يحمل عددهم وأزوادهم فلما أشرفوا على المدينة خرج السلطان في لقائهم إلى الفوز الكبير في عسكره وخاصته. فلما دنا منهم ودنوا منه ترجلوا له وقبلوا الأرض بين يديه وساروا في خدمته ساعة وقد أمروا القراشين أن يضربوا خمة هنالك فمالوا إليها وسألوه المصير إليها معهم فساروا إلى الخيمة فدخلوها ودخل السلطان معهم فأخرجوا صندوقاً فيه عمامة بعدبتين وخلعة فاخرة فألبسوه الخلعة والعمامة ثم ركبوا بأجمعهم وركب السلطان وساروا جميعاً في خدمته حتى حطوا على باب الشبارق خلف المدينة من الناحية الشرقية. فأقاموا أياماً قلائل ثم تقدم السلطان إلى تعز في معظم عسكره وبعض العسكر المصري إذ لا يسعهم الطريق إذا ساروا دفعة واحدة. فكان دخول السلطان تعز يوم الخامس والعشرين.
من الشهر المذكور. وخرج في العسكر المصري من زبيد متوجهين إلى تعز فلما وصلوا تعز عاثوا فيها وفي نواحيها وانتشروا إلى الجند ونواحيها من الجهة الشرقية وبلغوا من الجهة اليمنية حدير ومن ناحية القبلة سهفنة وكانوا لا يجدون طعاماً إلا أخذوه ببخس الثمن وانتهبوا بيوتاً كثيرة في هذه النواحي حتى عدم فيها الطعام وصار لا يجلب إلا من البعد. وارتفع السعر وضاقت البلاد على أهلها ضيقاً شديداً وضربوا كثيراً من الناس حتى قتلوهم تحت الضرب الشديد. ونهبوا قرية عقافة وسبوا حريمها وباعوهم كما يباع الرقيق.
وقطعوا جميع الزرع في مدينة تعز ونواحيها. وفي مدة إقامتهم في تعز أرسلوا جماعة منهم إلى الظاهر صاحب الدملؤة فأقاموا عنده نحواً من ثمانية أيام فيقال انه اخرج لهم مناشير قد كتبت له انه اصلح من المجاهد وأعطاهم ذهباً كثيراً وحرضهم على قبض الملك المجاهد فأجابوه إلى ذلك ووعدهم من نفسه بمال عظيم. فلما رجعوا إلى تعز عزموا على ما أمرهم به فوصلوا الشجرة بأجمعهم ووقفوا بأجمعهم على باب السلطان واستأذنوا عليه فاعتذر عن مواجهتهم بأنه في الحمام وخرج من باب السر وطلع الحصن من فوره. وكتب إلى مقدميهم أن قد بلغ شكركما وهذا خطنا بأيديكم يشهد بوصولكما وانقضاء الحاجة بكما ثم لم يكادوا يلبثوا بل قصدوا صبر من ناحية عيدان فقاتلهم أهلها وقتلوا منهم نحواً من أربعين رجلاً ورجعوا مكسورين فقبضوا الصقري ووسطوه وسحبوه ثم علقوه على أثلة في سوق الرعد. ثم قبضوا الغياث بن نور وأقاموا إلى ثلاثة أيام في شعبان وتجهزوا للسفر وساروا بالغياث بن النور تحت حفظهم فراجعهم السلطان فيه وبذل لهم مالاً جزيلاً لغرض له فيه فلم يفعلوا ورجعوا في طريقهم الذي جاءوا فيها فنهبوا تهامة نهباً شنيعاً. ولما وصلوا زبيد حيل بينهم وبين دخولها فحطوا خارجها وكان أميرها يومئذ شجاع نجم الدين محمد الحريري وكان السلطان قد ولاه لما تحقق خيانة بن حسين فأمر بلزمه وإيداعه السجن. ولما صار العسكر المصري في حرض وسطوا الغياث بن نور وكانوا قد ساروا به مقيداً في عنقه وكان السلطان رحمه الله قد الزم الزعيم أن يسعى في فكاك الغياث بن النور من أيدي المصريين ولو بنصف خراج اليمن فتبعهم الزعيم وكاتبهم فيه فيقال أنه كان السبب في هلاكه وأنه أغراهم به حتى وسطوه وذلك لئلا يزاحمه في المرتبة والقرب من السلطان ثم سار العسكر المصري متوجهين إلى الشام ولما فصل العسكر المصري من تعز أول شعبان كما ذكرنا خرج السلطان بعد مسيرهم يريد الجند فحط في الحوبان ثم تقدم من الحوبان فحط في قاعها ثم سار فبات في الرجامية ولم يزل سائراً حتى اصبح في لحج فوصل إليه بن ناصر الدين بمائتي
فارس ثم تقدم الزعازع فأتاه علي بن الدويدار بمائتي فارس ومائة راجل فخلع عليه السلطان وعلى بن المعز وعلى جماعة من الجحافل وكان ذلك ليلة النصف من شعبان. فلما اجتمع الناس للصلاة حضر معهم السلطان وصلى مع الناس في الجامع ثم ركب آخر ليلته يريد عدن وخرج معه سائر العسكر فحط في مسجد المياه يومين ثم أمر العسكر بالزحف على أهل عدن فزحفوا وقاتلوا فخرج من عدن عسكر لم يكن بالذي فقتل ثلاثة من الشفاليت فتشوش السلطان من العسكر الواصل لكونهم لم ينصحوا وربما أنهم هّموا فيه بسوء فأمر بلزم بن الدويدار وابنه وابن أخيه وأستاذ داره الملقب بالمعز وآخر يعرف بابن بلتوت وأمر بتقييدهم والاحتفاظ بهم ثم قبض السلطان حصن ابن الدويدار المسمى عزاف واستولى على ما فيه وهو قريب من الشحر وأقام السلطان في المحطة على باب. عدن سبعة أيام ثم انتقل إلى الأحبة فحط في البستان فأقام فيها ثمانية أيام ثم حصل في المحطة اضطرب فأرتحل السلطان يريد زبيد على طريق الساحل فلما بلغ السلطان الغرة أمر بتغريق ابن تركوث فغرق هنالك. وكان دخول السلطان زبيد في أثناء شهر رمضان فاستقر في زبيد. وطلع الطواشي حصير من زبيد إلى تعز فأنزل آلة العيد الطبلخانة وغيرها. وطلع في صحبته بخزانة جيدة وطلع بمرسوم من السلطان فشنق ابن طرنطاي يوم الأربعاء السابع عشر من شهر رمضان المذكور في موضع محطته يوم كان محاصراً للسلطان فم يزل مشنوقاً هنالك إلى يوم الاثنين والعشرين منه ثم أنزل وقبر بعد أن أكلت منه الكلاب. ولما عيّد السلطان عيد الفطر في زبيد خرج من زبيد يريد بلد المعازبة في شوال
فخربها وأحرقها واستولى عليها ونهب العسكر بلادهم نهباً شديداً وقتل منهم جماعة ومات علي ابن الدويدار في فشال ومات المعز أستاذ داره في نخل المدني والسلطان يومئذ حاط هناك وقد أمر بقطع النخل لما كثر فسادهم.
وفي هذا التاريخ وصل الزعيم من الجهات الشامية فواجهه في فشال راجعاً من بلاد المعازبة فسار في خدمته إلى زبيد ولما دخل السلطان راجعاً من بلاد المعازبة قبض
أبا بكر بن إسرائيل في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة. ولما استقر السلطان في زبيد اقطع بن شكر حيس واقطع الملك المفضل المهجم فتقدم إليها فلما مرَّ بالكدراء وهو سائر إلى المهجم لقي ابن حسين وكان واليها فقبضه قبضة شنيعة بأمر السلطان وضربه ضرباً مبرحاً. ثم تقدم إلى المهجم صحبته فلم يزل يعذبه بأنواع. العذاب كما كان يفعل بالناس. ثم بعد ذلك أمر به فوسط وقطع رأسه وطيف به قال الجندي فما رأيت ولا سمعت في عصرنا بأخبث منه سيرة في دينه ودنياه. ولما كان يوم الخامس عشر من ذي القعدة تقدم القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن إلى الديار المصرية بهدية سنية وكان مسيرها في البحر من ساحل زبيد. وسار ابن مؤمن بنفسه في البر إلى ساحل الحادث فركب من هنالك وساروا. ولما وصل الزعيم إلى السلطان كما ذكرنا كان هو الغالب على أمر السلطان ولا سيما في الجهات الشامية قال الجندي وحدثني الثقة إنه أحدث فيها عدة من الحوادث الرديئة وتصرف فيها تصرف المالك وأبطل صدقات الملوك من مسامحات الفقهاء وأرباب المناصب كبني الحضرمي وبني أبي الخل وغيّر على كثير من الناس فغيّر الله عليه. ومن أعظم الذنوب الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف. وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له وما لهم من دونه من وال.
وفي هذه توفي الفقيه الفاضل أبو محمد الحسن بن بن عمر العماكري وكان مولده في جمادى الآخرة من سنة سبعة وسبعين وسبعمائة. وكان فقيهاً حسن السيرة أمثل من يشار إليه في معرفة الفقه في نواحي الجند تفقه في بدايته في الأمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي فلما توفي الأمام انتقل إلى ذي اشرق باستدعاء أهلها. وكانت وفاته ضحوة يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر ربيع الأول من السنة
المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو محمد عبد الله بن محمد بن سبأ الريمي العياشي الياءِ المثناة. والشين المعجمة نسبة إلى جد له اسمه عياش وأصله من ريمة الأشابط تفقه أولاً في مدينة إِب على الفقيه يحيى بن إبراهيم ثم ارتحل إلى تعز فتفقه بابن العراف وأبن الصفي وغيرهما من فقهاء تعز ثم جعل معيداً في المدرسة المظفرية في ناحية المحاريب بتعز. ثم انتقل عنها إلى مدرسة ابن نجاح ثم عزل منها. وكان من أخير الفقهاء ولم تزل أحواله تنتقل إلى أن توفي في الثالث والعشرين من رجب من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو بكر ابن الفقيه أحمد المازني. وكان مولده يوم الجمعة الثالث من صفر سنة سبع وستين وستمائة. وكان فقيهاً فاضلاً فرضياً عارفاً تفقه بفقهاء جبلة واخذ الفرائض عن المزيحفي المشهور في بادية زبيد. ولما توفي عمه إبراهيم جعل قاضياً مكانه في مدينة جبلة فأقام هنالك عدة سنين. فلما تولى القاضي محمد بن أبي بكر سنة أربع عشرة عزله وهمَّ بمصادرته فخرج هارباً من تعز ولحق بذي عقيب مستجيراً بها وتولى كفايته وأعانته محمد بن الحسين بن علي بن رسول ولم يزل على ذلك إلى أن توفي ليلة الأربعاء الخامس من شهر ربيع من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر فريد بن سعيد وهو ابن أخي الفقيهين عبد الرحمن وعبد الصمد. وكن مولده لخمس مضين من شوال سنة سبع وسبعين وستمائة. وكان فقيهاً عارفاً عفيفاً ورعاً قنوعاً تفقه بعمران بن عقبة من أهل جبلة وبعمه عبد الصمد ومحمد بن إبراهيم. وارتحل إلى وصاب فأخذ بها عن الغيثي وكان في وقته فقيه أهل بلده وامتحن بمرض طويل. وكانت وفاته يوم الثامن عشر من شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الأديب البارع منصور بن عيسى بن سحبان. وكان شاعراً فصيحاً بليغاً مداحاً هجاءً حسن السبك جيد المعاني من افصح الشعراء المجودين
توفي مقتولاً بيد الأشراف الحرانيين. وكان قد هجا الأشراف وعدة من رؤساء العرب وهجا الملوك. وله في مدحهم القصائد المختارة. وكان قتله في ذي القعدة أو في ذي الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر بن يوسف بن عمر بن إبراهيم النخلي. وكان فقيهاً عارفاً فاضلاً محققاً تفقه في بدايته بجده إبراهيم ابن علي ابن إبراهيم وبعبد الله بن محمد الأحمر الخزرجي. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه المشهور أبو العتيق القاضي رضي أبو بكر بن أحمد بن عمر الأديب. وكان مولده سنة إحدى وستين وستمائة. وكان فقيهاً بارعاً عارفاً بالفقه والحديث والأصول والمنطق تفقه بعمر بن أبي الغيث وبمشقر ثم انتقل إلى تهامة فأخذ عن بعض بني عجيل ثم عاد بلده فأقام مدة طويلة على طريق النسك ثم سافر إلى مكة وصحب ابن زريق أحد فقهاء تعز فلما عاد من الحج علم به بنو محمد بن عمر فطلبوه وولوه قضاء عدن مستمراً على القضاء بها فلم يتركه بنو محمد بن عمر يسير على مراده بل ألزموه أن يسير على سيرة وضعوها له وألزموه ذلك فضاق فعزل نفسه عن عدن وأقام على قضاء أبين واستمر عوضه في عدن القاضي يوسف بن مضمون فلم يحسن سيرته ففصل وأعيد ابن الأديب في سنة ست وسبعمائة. ولم يزل إلى سنة ست عشرة وسبعمائة على قضاء عدن. ثم استمر قاضي قضاة فاستمر على قضاء زبيد أبو شكل وأقام هو على القضاء الأكبر إلى أن توفي السلطان الملك. لمؤيد واستمر مولانا السلطان الملك المجاهد ففصله وأمر في القضاء الأكبر الفقيه عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن الظفاري فارتحل ابن الأديب في سلخ صفر من سنة اثنين وعشرين وسبعمائة ولزم منزله في الزعازع فلما لزم السلطان الملك المجاهد واستمر عمه الملك المنصور في السلطنة وقتل القاضي عبد الرحمن الظفاري استدعى الملك المنصور بابن
الأديب المذكور. فطلع في شهر شعبان من سنة اثنين وعشرين فأمره في القضاء الأكبر فأقام بقية أيام الملك المنصور. فلما عاد الملك المجاهد في السلطنة استأذنه القاضي أبو بكر بن الأديب في الرجوع إلى بلاده فأذن له فسار إلى بلاده فأقام فيها إلى أن توفي وكانت وفاته في الحادي والعشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة ست وعشرين تقدم السلطان إلى تعز في شهر المحرم فكان دخوله تعز يوم الثاني والعشرين من الشهر المذكور في عسكر جيد. وطلع معه الزعيم عشية فحط السلطان في بستان الشجرة ونزل أهله إليه في دار الشجرة نحواً من تسعة أيام فخرج الزعيم عشية من العشايا يسير فبينما هو يلعب على فرسه إذا اصطدم هو وفارس آخر فسقط الزعيم عن ظهر حصانه سقطة شنيعة غاب حسه فيها ساعة من نهار. فلما أفاق حمل إلى داره على بغلة ومعه من يشده عليها فركب السلطان في النهار الثاني إلى قريب من دار الزعيم يريد زيارته ورجع ولم بزره. ويقال انه زاره في وقت آخر والله اعلم. ثم تقدم السلطان إلى الجند وكان تقدمه إليها يوم الأحد الرابع عشر من صفر فأقام فيها يوماً أو يومين. ثم أمر ابن شكر أن يتقدم إلى تهامة ويقف فيها فتقدم من الجند إلى تهامة وتقدم السلطان إلى عدن فكان خروجه من الجند يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر المذكور فحط في الرجامية. ثم سار منها إلى عدن فوصل الأحبة يوم الثالث والعشرين من صفر فلبث إلى صبح الخميس الخامس والعشرين من الشهر المذكور ثم غزا المياه يوم الخميس وكان في المياه عسكر من قبل الظاهر فحصل بين العسكرين حرب عظيم فانهزم العسكر الظاهري هزيمة شنيعة. وقتل منهم مقتلة عظيمة نحو من سبعين رجلاً فيهم عمر بن السواق هذا ولم ينصح غالب العسكر ولما انهزم العسكري الظاهري منعهم الظاهر من دخول عدن فوقفوا في المياه. وقتل من العسكر المجاهدي أربعة نفر أحدهم شاوش البغلة يقال له أبو بكر بن حمزة ثم أقام السلطان في الأحبة ستة أيام. ثم حصل آخر فقتل من عسكر السلطان فارسان ولزم ابن أخي ابن السوع وانهزم عسكر مولانا السلطان إلى جبل حديد.
ولما علم السلطان ملزم ابن أخي ابن السوع غلب على ظنه أن الأكراد غير ناصحين وكان الناس قد تحدثوا بذلك. ثم عاد السلطان إلى الأحبة فأقام بها نحواً من نصف شهر ثم غزا إلى جبل حديد فخرج عسكر عدن وحصل يومئذ حرب شديدة وقاتلت الشفاليت قتالاً عظيماً وظهر نصحهم ونصح معهم الملك المفضل وداود بن عمر بن سهيل والأسد بن صالح وجماعة نصحهم ونصح معهم الزعيم وصاح أهل عدن للشفاليت بالطيب وشتموا الغز شتماً قبيحاً وعاد السلطان إلى الأحبة فلما كان يوم الثامن من شهر ربيع الآخر قبض مكتب لابن الأسد بريد عدن وقبضت كتبه منه وإذا بها أنه واصل هو والإمام محمد بن مطهر في ألف فارس واثني عشر ألف راجل فاضطربت المحطة لا سيما محطة الأكراد. وهم معظم العسكر فتأَيد السلطان وتأَمل العسكر وظهر له أنهم غير ناصحين لا سيما الأكراد فخشي السلطان البيعة. فركب وتقدم تعز فوصل الجند صبح يوم الخميس لنيف وعشرين من شهر ربيع الآخر ثم تقدم تعز فوصل الجند صبح يوم الخميس لنيف وعشرين من شهر ربيع الآخرة ثم تقدم تعز يوم الثلاثاء الخامس من جمادى الأولى فحط في الشجرة وأقام بها أياماً ثم تقدم إلى بلاد العوادر يوم الأربعاء الثامن عشر من الشهر وقتل منهم جماعة ثم عاد إلى تعز وقدم الملك الفائز وابن شكر من تهامة في جمادى الأولى فمرَّا على بلد بني أستاني فأخرباها خراباً شنيعاً. ثم دخلا تعز في آخر الشهر المذكور فأقاما أياماً ثم عاد ابن شكر إلى إقطاعه حيس وموزع.
وفي شهر جمادى الآخرة خرج الظاهر من عدن إلى لحج وخرج جميع من كان معه من أصحابه فسار هو طريق الخبت وسار الباقون طريق هبيب فطلع الظاهر السمدان وأقام فيه. وفي شهر شعبان تقدم السلطان إلى زبيد فأوقع بالعوارين وقبض شيخهم محمد الدعيسي وجماعة كثيرة منهم فشنق منهم طائفة وقتل آخرين بالسيف وكان ذلك يوم الثلاثاء ثامن وعشرين شعبان المذكور. وكان قد اقطع قطب الدين أخاه مدينة حرض فبلغه عنه انه قد خرج عن الطاعة فسار إليه من زبيد وكان مسيره إليه يوم السبت العشرين من شوال ولم يزل يتلطف به حتى انتزعه من حرض. ولما خرج السلطان من زبيد
وكان شيخهم يومئذ أحمد الأسد شوال وكان الوالي بها يومئذ عبد الرحمن بن الفخر المعروف بالركن بن العفاء فهرب من زبيدا إلى حلة المجانية. وظن أن أهل المدينة كلهم راضون بذلك. فاجتمع أهل المدينة في ليلتهم وساروا بأجمعهم في طلب راضون بذلك. فاجتمع أهل المدينة في ليلتهم وساروا بأجمعهم في طلب المفسدين فأمسكوا جماعة منهم وشنقوهم حتى رجع الأمير فتولى أمرهم فشنق طائفة منهم وكحل طائفة أخرى ورجع السلطان إلى زبيد.
وفي هذا التاريخ قدم القاضي جمال الدين محمد بن مؤْمن من الديار المصرية ومعه نحو من ثلاثين فارساً من المماليك وكان قدومه يوم الاثنين التاسع والعشرين من ذي القعدة وعيد السلطان عيد الأضحى في مدينة زبيد وحصل عليه بعض وعك فطلع تعز ثم من الله تعالى بالعافية.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو العباس أحمد بن أبي بكر المعروف باليماني من أهل حرار وكان فصيحاً عارفاً أديباً له ذكر مشهور وكرم مذكور. وكان صبوراً على إطعام الوافدين وأكرم الواردين والسعي في قضاء حوائج الناس إلى الأماكن الغريبة والبعيدة يقول القول عند كل أحد وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة سبع وعشرين طلع السلطان حصن العسكر وكان طلوعه يوم الأحد الخامس من المحرم فأقام فيه أياماً وفي أثنائها تقدم الزعيم إلى تهامة. وفي يوم السبت الثاني عشر من جمادى الأولى أخذت منصورة الدملؤة بمساعدة مرتبيها وجعل فيها عسكر من جهة السلطان وطلع القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن إلى جبلة ليعمل في فتح الجبل المعروف ببعدان وطلع بعسكر جيد خيل ورجل وذلك بعد أن وصل ابن السوع إلى تعز ومعه ابن شكر فقابلهم السلطان مقابلة جيدة وخلع عليهم وأحسن إليهم ووصل معهم جماعة من مشائخ مذحج وأعيانهم فطلبوا من السلطان مالاً يبذل لهم على فتح الجبل فبذل لهم السلطان مالاً جيداً وطلعوا يوم السابع من جمادى
الآخرة إلى جبلة فحط القاضي جمال الدين محمد بن مؤْمن في جبلة وحط ابن السوع معه في أب. وحط الزعيم في وادي ضبا وطلعت مذحج جبل بعدان وفتحوا فيه الحرب فلم يتم لهم فيه ما يريدون فقيل كان سببه عدم الوفاء بما بذل لهم وقيل غير ذلك. وطلع أهل الشوافي إلى أهل بعدان بمكاتبة من ولد الفقيه أبي بكر محمد بن عمر اليحيوي. وكتب أيضاً كتباً إلى الملك الظاهر وقد كان من السلطان على وجه خير واقترب أمان.
ولما لم يتفق فتح الجبل كما ذكرنا نزل القاضي جمال الدين محمد ابن مؤْمن من جبلة وابن السوع من أبو الزعيم من محطته بوادي ضبا بطلب ممن السلطان وأقام السلطان في تعز إلى شهر رمضان ثم خرج متوجهاً إلى عدن يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر رمضان حتى حط بالأحبة ونزل معه الزعيم وهو يومئذ أتابك العسكر. وكان مشكور التدبير حسن الثناء يعمل كل يوم سماطين بكرة وعشية لذوي الحاجة من العسكر وذلك في وقت قد عز فيه الطعام وقل وجوده. ولم يزل السلطان يغزو عدن وتخرج إليه عسكر وخيل ورجال وكانت الحرب بيتهم سجالا وظهر من الحمراني وجماعة من المماليك وأولاد تعز سوء أدب وسفه باللسان. وأقام القاضي جمال الدين محمد بن مؤْمن في المحطة إلى أن دخل شهر الحجة. ثم تقدم تهامة وصحبه ابن مفضل لجباية الأموال بها فتقدم المذكور في طائفة من العسكر فعيدوا الأضحى في الغارة ثم توجهوا إلى زبيد.
وفي هذه السنة توفي الفقيه البارع إسحاق إبراهيم بن الفقيه أحمد ابن موسى بن عجيل وكان فقيهاً دينياً ورعاً يحب الاعتزال قلما يجتمع به أحد من الناس الواصلين إليه وأخذ الفقه عن أبيه والنحو عن الفقيه رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الخطيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن جامع المباركي المعروف ابن العجمي. والمباركي نسبة إلى شيخ لوالده احمد. وكان من أهل شيراز ما زار مريضاً قط ودعا له إلا عوفي من مرضه فسمى مباركاً لذلك ونسب إليه أصحابه
وكان ولده هذا محمد رجلاً فاضلاً فقيهاً محدثاً صوفياً أخذ عن جماعة من أعيان المدرسين كالفقيه أحمد بن أبي الخير وأمثاله وكان فيه مروءة وحسن خلق وكرم نفس. وكان بيته موئلا للمنقطعين من الفقهاء والمتصوفين وصنف كتاباً في الرقائق واستمر خطيباً في مدينة زبيد مدة طويلة إلى أن توفي يوم الرابع عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه أبو الحسن أحمد بن الفقيه علي الجنيد بن الفقيه أحمد ابن منصور الجنيد وكان مولده في صفر من سنة سبع وخمسين وستمائة ولما توفي والده في التاريخ المذكور استمر هذا معيداً في المدرسة الأسدية بتعز وجدب الفقيه أبو بكر بن محمد بن عمر اليحيوي عليه وعلى اخوته مراعاة لصحبة أبيهم وأسد الملك المؤَيد في أيام آمريته وقرأ عليه وارتفعت منزلته عنده. وكان فقيهاً أصولياً نحويا شاعراً فصيحا وله في التصوف كلام مرضى وشعر رائق وتوفى يوم الأحد الثاني عشر من جمادى الأولى من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه البارع أبو عبد الله محمد بن بكر بن محمد بن عمر اليحيوي وكان مولده في السابع عشر من ذي الحجة من سنة أربع وسبعين وستمائة وبوقفه وولي قضاء الأقضية في سنة أربع عشرة وسبعمائة فقام كقيام أبيه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان عالي الهمة شريف النفس يقوم بالمنقطعين من أهل العلم وغيرهم وعمل في أيامه مآثر جيدة لم يعملها أحد من أهله ولا من غيرهم واجلب الماء إلى المدرسة الشمسية بذي عدينة بعد أن انقطع مدة وتوفي مقتولاً صبراً على يد السناني في شهر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفى الفقيه الفاضل أبو محمد بن أحمد الحضرمي وكان يسكن قرية في جبل يافع يقال لها رخمة باسم الطائر المعروف وكان مذكوراً بالدين والورع والصلاح والزهد والعبادة وتولى حكم بلده سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وتوفي في سنة سبع وعشرين المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفى الفقيه الصالح أبو مسلمة محمد بن الحضرمي وكان مولده قرية
الطرية بأبين وكان تفقه بأبين على ابن الرسول وعلى علي بن إبراهيم التهامي وإبراهيم الحرف ثم قدم لحج وتديرها بأنس من ابن مناس وامتحن بالعمى وحصر البول إلى أن توفي في شهر السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة وعشرين تقدم القاضي جمال الدين محمد بن مفضل نحو الجهات الشامية وأقام ابن مؤْمن في مدينة زبيد إلى أن رجع إليه ابن مفضل بأموال الجهات الشامية فساق منها مالاً جزيلاً ولم يزل السلطان رحمه الله في محطته بالأَحبة والزعيم في سائر العسكر في المحطة على عدن وهو صاحب الباب وكان على أحسن طريق من وضع الأشياء في مواضعها وفعل ما يذكر عنه. وفي أوائل صفر من السنة المذكورة باع رتبة الدملؤَة الحصن على يد من هو في المنصورة فبادر الأمير عز الدين وموالينا الأدر الكرام جهة صلاح بإرسال الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني ليقبضها فخرج مسرعاً من تعز بمال نقد وخلع فلما طلع حصن الدملؤَة لاطف وبذل حتى استمكن وكان مبذوله فيها ستة آلاف دينار ملكية غير الخلع والكساوي وكان في الحصن يومئذ نور الدين وولد له ووالدة الظاهر وبنت فأَرسل لهم السلطان عز الدين طلحة بن أخت الزعيم فلما وصل المنصورة انزلوا إليه فسار بهم تحت الحفظ إلى حصن تعز فجعلوا في دار الإمارة من الحصن المذكور وقيد الرجال منهم هذا والسلطان يومئذ في محطته على باب عدن. ولما كان آخر شهر صفر كلاماً وأخذ جمعاً من الشفاليت وطلع بهم من جهة التعكر ليلاً فلما كان يوم الخميس الثالث والعشرين من صفر المذكور زحف السلطان على عدن فخرج أهلها لحربه على عادتهم فخرج عليهم العسكر المجاهدي من ورائهم وصاحوا باسم السلطان ففشل أهل عدن وفتح باب المدينة فدخل الزعيم والملك المفضل بعد الظهر. ووصل السلطان بعد العشاء من ليلة الجمعة فبات في التعكر فلما اصبح صبح يوم الجمعة الرابع والعشرين من الشهر المذكور نزل السلطان من التعكر وسار إلى الخضراء على طريق الدرب. فلما كان يوم السبت استدعى بجماعة من المماليك وجماعة من الشفاليت الظاهرية وهو في الخضراء فطلعوا بهم إليه فأمر بقتل جماعة من المماليك
وجماعة من الشفاليت والحمراني ومولد اسمه السغولي والهمذاني والشهابي ونزلوا بالوالي والناظر محمد بن الموفق والد الفخر بن الرضى الذي قتل في الشحر وكحل من الرجل جمع كثير. ولما كان اليوم الحادي عشر من شهر ربيع الأول أمر بشنق ابن أيبك وابن الموفق وغرق ثمانية منهم الجرباني والزمغري. وأقام السلطان إلى يوم العشرين من جمادى الأولى ثم خرج من عدن يريد الدملؤة فدخلها في غرة جمادى الآخرة فأقام فيها نحو نصف شهر ثم نزل منها إلى الجوة ثم سار إلى الجنيد فدخلها آخر يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من الشهر المذكور. ووصل الأمير عز الدين صالح بن ناجي يوم الخميس غرة شهر رجب في عسكر جيد وأعلام وطبلخانة فأقام أياماً وساعة قدموه دخل على مولانا السلطان القصر وضربت له خيمة خارج البلد فخرج إليها بعد السلام. فلما كانت ليلة الخميس الثامن من الشهر المذكور سرق من خيمته مال وقماش له قدر. وفي شهر شعبان وصل حسن بن الأسد من ذمار وصحبته هدايا للسلطان فيها خيل جياد وفي جملتها فرس لا نظير له طوله ثمانية أشبار بالتحقيق. وفي الثامن من شهر شعبان.
خالف الأمير عز الدين في حصن تعز واخرج الخدام الذين فيه وأمر بنهب بيت الزعيم وبيت ابن مؤمن والرشيدية. ثم كاتب السلطان واعتذر مما صنع فتقدم إليه الطواشي جوهر الرضواني وهو يومئذ زمام الباب الشريف فسأل ذمة فعاد الطواشي يخبر ذلك. ووصل ولده الأسد بن صالح ووصل معه جماعة من فقهاء تعز المدرسون والحاكم بها محمد بن عمر بن عبد الله ورأس الفقهاء يومئذ أبو بكر بن جبريل فقصدوا باب السلطان فأذن لهم بالحضور وقابلهم السلطان احسن مقابلة. ورجع السلطان الفقهاء بذمة للأمير عز الدين صالح. ووصل القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن من عدن بخزانة جيدة نقداً وعرضاً. ووصل الأمير عز الدين صالح إلى السلطان يوم السادس عشر من الشهر المذكور. ووصل صحبة الفقهاء فدخلوا على السلطان إلى البستان وفي خلال ذلك الحضور أمر السلطان على الطواشي كافور ويران أن يتقدم لقبض حصن تعز فتقدم لفوره في
جماعة من الأصباهية. وحصل من السلطان كلام حاصله عتاب وأوجده طيبة نفسه. وخرج الفقهاء وصالح من عند السلطان وتقدم الفقهاء إلى تعز. وسكن صالح في بيت من بيوت الجند. فلما كان يوم العشرين من شعبان المذكور خرج السلطان في جماعة قليلة وأشعر على كافة العسكر بالخروج فخرجوا سراعاً إلى الميدان فطلب صالح وولده من جملة الناس فتقاعد ثم خرج وهو غير راض وخرج معه ولده وجماعة من الشفاليت. فلما وقف صالح وابنه في طرف الميدان برز لهما الزعيم ودعاهما على إنه يشاورهما ثم أبعدهما إلى وسط الميدان ومعه جماعة من أصحابه قد أشار إليهما فقالوا لهما التزما وبادروهما بالطعن والضرب فما نزل صالح من بغلته إلا ميتا وأما ابنه فقاتل ساعة ثم قتل فلبثا بقية يومها وليلتها ويومها الثاني إلى الليل والليلة الثانية إلى نصف الليل مكبوبين على وجوهما. ثم أمر بدفنهما فدفنا ولما كان يوم الثالث والعشرين تقدم السلطان إلى تعز فحط في بستان الشجرة وطلع السلطان الحصن يوم السادس والعشرين من الشهر المذكور وفي شهر رمضان خالف بعض أهل صبر على ابن منير فاخذ الحصن من يد قوم يعرفون ببني شريف. وفي يوم الخامس والعشرين من شهر رمضان المذكور أوقع الملك المفضل بالأهمول في جهة موزع وكان قد كثر فسادهم وقصدوا موزع فخرج إليهم الملم المفضل فهزمهم هزيمة شنيعة وقتل منهم نحوا من مائة نفر وجز رؤوسهم فذلوا بعد ذلك ذلاً شديداً. وفي اليوم السادس والعشرين قبض حصن الشرف لولانا السلطان. وخرج يوم الخامس من شوال من تعز يريد الشرف فدخله يوم السادس وأقام فيه أياماً ثم رجع إلى تعز فأقام في الحصن أياماً ثم تقدم إلى تهامة يوم السبت الخامس والعشرين من ذي العقدة وأقام فيها إلى آخر السنة وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل محمد بن عثمان بن محمد بن عمر الهزاز. وكان فريد قومه على ما قيل شريف النفس فقيهاً مدرساً في مدرسة أم السلطان بعد والده ثم ترتب في المؤيدية وأعاد المدرسة إلى ابنه فأقاما مستمرين إلى أن توفي في السنة
الذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر بن عمر بن مدافع. وكان من أخير أولاد المشايخ له اشتغال بالعالم واستمر مدرساً في المدرسة التي في ناحية الوزير وكان فيه مكارم أخلاق وفضل وأنس للأصحاب توفي السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل محمد بن علي بن جابر الجبائي نسبة إلى البلد المقدام ذكره. وكان فقيها فاضلا متقناً ولد سنة ثمان وستين وستمائة وتفقه بابن أبي مسلم وبالفقيه الليث. وكان مدرس البلد ومفتيها. وحج في سنة ثماني عشر وعشرين وسبعمائة فتوفي في الطريق ظناً قاله الجندي رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الرحمن بن الجنيد بن الفقيه عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن زكريا. وكان فقيهاً فاضلاً مدرساً ولد سنة ثلاث وستين وستمائة وتفقه بعلي بن إبراهيم بن محمد بن حسين صاحب شحينة ودرس مدة في بلاده ثم انتقل إلى قرية أخرى. فلما مرض وأحس بالموت أمر أن ينقل إلى الشويراء فتوفي بها في شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفيها توفي الفقيه الصالح الوارع الزاهد أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أبي السعود. وكان فقيهاً صالحاً عالماً وكان زميله في القراءة ابن الرسول وتوفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي سنة تسع وعشرين وسبعمائة وصل الحجاج وأخبروا بخصب الحجاز وإن الوقفة كانت الجمعة. وفي صفر حصل من بعض أهل منصورة الدملؤة مخامرة وأدخلوا جماعة من الأشعوب وانتبهوا غالب بيوت أهل المنصورة الذين لم يخامروا معهم ثم كاتبوا الظاهر يخبرنه بقبض المنصورة له ويطالبون منه الممادة بالمال والرجال فرجع جوابه بكراهة ذلك وأنه لا مال عنده ولا رجال. فأخربوا غالب بيوت المنصورة فلما بلغ العلم بذلك إلى السلطان الملك المجاهد وكان يومئذ في مدينة زبيد جرد الطواشي صفي الدين جوهر الظفاري في مائة رجل وثلاثين فارساً وكان مقدمهم الشامي فلما علم بهم الأشعوب هربوا من المنصورة فقبضها الطواشي أمين
الدين أهيف وطلع الشامي إليها وطلع الطواشي جوهر من الجناب بالخيل والرجال إلى تعز. ووصل السلطان من تهامة يوم الخامس عشر من صفر. وكان مريضاً قد علق به جدري فأقام في الحصن أياماً وتوفي له ولد ثم ولد آخر ومن الله بعافيته في شهر ربيع الآخر فأمر باستخدام الخيل والرجل وطلب الرجال من كل جانب ولم يعلم أحد أين يريد. وفي أول جمادى الأول نزل السلطان من الحصن إلى الشجرة ثم تقدم نحو عدن فأقام بها إلى العشرين من رجب. وفي خلال ذلك صودر ابن مؤمن بمال جزيل واستمر ابن الغنمي شاد الدواوين ثم طلع السلطان من عدن إلى أبين وحضر الكتيب في ليلة السابع والعشرين من رجب وتصدق بصدقة جليلة فلما انقضت أيام الكتيب في ليلة السابع عاد إلى عدن وأقام بها أياماً ثم طلع إلى محروسة تعز في أثناء شعبان فأقام في الحصن إلى أن انقضى عيد الفطر وفي أثناء أقامته اخرج ابن عمه من السجن وهو الأشرف بن الواثق وتزوج السلطان على كريمته بنت الواثق في الثامن من شوال ودخل بها في آخر الشهر المذكور. وفي خلال ذلك طلعت قافلة من عدن فقبضها أهل الهجر فغزاهم السلطان في رابع شهر ذي العقدة وقتل منهم عدة ثم طلع الدملؤة فأقام فيها مدة ثم نزل الجوة فعيد فيها عيد الأضحى. ولما انتصف شهر الحجة خرجا السلطان على الأشعوب وحصل قتال شديد أياماً. وانهزم عسكر السلطان يوم التاسع عشر من الشهر فقتل الحسام بن ظاهر وقريب له وجماعه من العسكر خيل ورجل وفي هذه السنة توفي الإمام أبي الخير منصور بن أبي الخير الشماخي وكان فقيها عالما عاملا وهو شيخ مشايخ الحديث باليمن وأحد أعلام الزمن وكان موصوفاً هو ووالده بجودة الضبط والإتقان وعنها انتشر علم الحديث وسمع عليه السلطان الملك المؤيد سنن أبي داود سنة ثلاث عشرة وسبعمائة. وكانت وفاته في يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل هندوه بن عمر بن سلم الخولاني وكان مولده ليلة الجمعة العشرين من شهر رمضان سنة سبعين وستمائة. وكان له ثلاثة اخوة علي
وعبد الله وعبد الرحمن فاشتغل علي وعبد الرحمن بالقراءات السبع واشتغل عبد الله وهنده بالفقه وكان تفقههما بجباء ولما أخرب السلطان الملك المؤيد خولان هرب المذكور عن بلدهم. فلما تفقه هندوه رجع إلى بلاده وسكن أخوه عبد الله في نواحي قدس إلى أن توفي هناك في سنة خمس وعشرين وسبعمائة وسكن في قرية الحباجر مدة ثم انتقل إلى بلاده ورجع إليها وأما عبد الرحمن فغاب وانقطع خبره. وتوفي هندوه يوم السابع من شهر رمضان السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الشيخ الفاضل أبو محمد الحسن بن محمد بن نصر بن علي عرف بمختار الدولة وكان مختار الدولة وزير أحد العبيديين ملوك مصر. وقدم أبو محمد اليمن في أيام الملك المؤيد فلم يصف له معه حال. وكان من أعيان القضاة الواصلين من مصر وكان عارفاً بالحساب والأصول والفلك والنحو والفرائض والجبر والمقابلة. فقام في تعز مدة فلم يصف لها مع المجاهد وقت فسافر عن تعز في سنة أربع وعشرين وسبعمائة فقام في التهائم حتى ارتفعت المحاط ثم عاد إليها فقام أياماً ثم جعل كتاباً للخزانة والإنشاء. ولما نزل السلطان عدن نزل صحبه ركابة فتطلع عليه وعرف فضله فجعله من جملة خواصه ولم يزل على ذلك مستقيم الحال إلا أن توفي في سلخ شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أحمد بن سليمان بن أحمد بن صبره الحميري وكان فقيهاً مجوداً ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة في قرية من معشار حصن أنور من وادي مسرعة أخذ عند محمد الأصحبي وقرأَ الفرائض على طاهر. وولى القضاء مدة وكان إمام الجامع ودرس في بعض مدارس فيروز. ولم يزل على أحسن حال إلى أن توفي في شهر شوال من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصحابي أبو الحسن علي بن أبي بكر بن محمد الزيلعي العقيلي نسبة إلى عقيل بن أبي طالب صاحب قرية السلامة من وادي نخلة وكان اصل بلدهم بطة قرية من قرى الحبشة ولذلك يقال لهم بنو الزيلعى وكان أول من قدم منهم قرية السلامة جدهم محمد فتأهل بها فظهر لها أبو بكر ثم تأهل
بأمرائه من أهل العقيلية فظهر لها على المذكور وأخوه أيضاً. وهم بيت صلاح وعلم. وكان علي بن أبي بكر فقيهاً ناسكاً كثيراً طعام الطعام وكان كثير الحج وكذلك كان والده. وتوفي بمكة المشرفة آخر شهر الحجة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة ثلاثين وسبعمائة أخذ السلطان حصن يُمَيْن من الغياث بن السناني قهراً على يد الزعيم بعد حاصره مدة حصاراً شديداً وهرب ابن السناني إلى ناحية ذخر ثم حصل الصحابي بين السلطان والظاهر في الحرم ثم اخذ السلطان ذخر قهراً بالسيف وخرب بلاد الغياث بن السناني خراباً شديداً بعد أن ولى في قدس والياً وولى في حصن يمين والياً وهو الطواشي جوهر الظفاري وفي حصن سامع طاهر بن الحسام بن طاهر الذي قتل أبوه فقتل من الأشعوب كثيراً.
وفي هذه السنة أصلح الغياثي بن السنان على يد الزعيم وتوثق له بالأيمان المغلظة وفصل إلى الباب الشريف وسلم بلاده بأسرها ثم لقدم السلطان إلى تعز في اثني عشر ألفاً وقيل في سبعة عشر ألفاً خارجاً عن الخيل من الترك والعرب والأكراد والأشراف وغيرهم. وكان أستاذ داره يومئذ الشرف بن حباجر وأتابكه الزعيم وأمير خان داره أقباي. فلما استقر السلطان في تعز وجد أهل تعز على أخبث ما كانوا عليه من الخلاف وخرق العرض والشتم الشنيع فلما كان ليلة الأحد والعشرين من الشهر المذكور طلب السلطان العسكر وسائر المقدمين ووجه كل مقدم في قطعة من العسكر إلى ناحية من جبل صبر ففتحوا عليهم الحرب من عدة نواحي وغشيهم العسكر من كل طريق وطلع السلطان الجبل وتسنمه فلم يصل الموادم حتى قد صار عنده نحو من أربعين رأساً وسار في عسكره يريد الحصن وشنق في طريقة طائفة منهم ولم يزل يتبعهم وفي كل بلاد وشنقهم في كل طريق ويجز رؤوسهم حتى ذلوا ذلاً شديداً وهرب شيخهم ابن منير إلى الحشا فقام فيها إلى أن توفي هنالك في النصف من جمادى الآخرة وبعد خمسة عشر يوم من يوم الوقعة أمر السلطان صائحاً يصيح بالذمة الشاملة على صفوف أهل صبر ومن لا يحمل السلاح. ولما نزل السلطان من صبر أَقام في ثعبات. فلما كان اليوم الرابع من شهر ربيع الآخر سار إلى الجند.
وفي هذا التاريخ حصل من الملك المفضل وسيف بن حسن بن داود إلى السلطان كلام كثير وأن قصده الخروج عن الطاعة فطلبه السلطان إلى الجند فلما وصل لزمه وقيده وأرسل به إلى حصن تعز فأقام مسجوناً إلى سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة. وفي اليوم الثامن من شهر ربيع المذكور وصل العسكر بالقاضي إبراهيم بن محمد بن عمر بن اليحيوي ومعه بعض أولاده فأودعهم السجن. وفي يوم الثالث عشر من الشهر المذكور قدم الشيخ عبيد بن مهجف وكان مستولياً على حصن التعكر وحافظاً له فخرج غالب العسكر في لقائه ونزل مع الأمير الزعيم فلما كان يوم الرابع عشر أطلق خطه إلى ابنه بأن يسلم الحصن والعهد إلى نائب السلطان فطلع به الطواشي بارع فقبض الحصن ليلة الخميس الخامس عشر من الشهر المذكور. ولما كان يوم الثالث من شوال تقدم في عساكره المنصورة إلى بلد المعافر وفرق المحاط عليها. وكانت محطته في منصورة الدملؤة وكان القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن يومئذ صاحب الباب وكان بينه وبين الزعيم من البغضاء ما قد علمه الخاص والعلم وليس لذلك سبب إلا التنافس على الرياسة والتقدم عند السلطان فأوقع ابن مؤمن في قلب السلطان ما أوحشه عنه وذلك انه اخبره انه اتفق هو والغياث بن السناني على الميل إلى الظاهر وأيّد ذلك في قوله الشرف بن حباجر وكان ابن حباجر صديقاً لأبن مؤمن فوقع في قلب السلطان من ذلك أمر عظيم وصدقهما.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح محمد بن علي الزيلعي. ويروى عنه أنه كان يقول أنه شريف حسيني وكان فقيهاً متقناً صالحاً ورعاً تفقه بإسماعيل الحضرمي وبعلي بن صالح الحسيني وأخذ عن عمر السروي وغيره وكان معروفاً بالفقه والصلاح وإصابة الفتوى وشرح اللمع شرحاً مفيداً. وكان وفاته في السنة المذكورة.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو بكر بن أحمد بن موسى بن عجيل وكان فقيهاً نبيلاً ورعاً جواداً عالماً عاملاً ناسكاً. وكان تفقه بخاله علي بن أحمد الصريدح وكان أجود اخوته فقهاً وورعاً وعلماً وعملاً.
قال الجندي توفى على رأس الثلاثين وسبعمائة رحمه الله تعالى.
وفيها توفى الفقيه الصالح الجواد أبو العباس أحمد بن علي بن منامس الوافدي صاحب لحج وكان من أَعيان الزمان كرماً وفضلاً وجوداً ونبلاً ما صحب أحداً قط إلا وكان له عليه الفضل وما وصله طالب إلا وأعانه.
قال الجندي سمعت الشريف إدريس يثني عليه بالكرم وبالفقه. ويقول ما كنت أظن أن في اليمن مثله ولا أظن مثله في غيرها. وتوفى لأيام مضت من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى وفي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة أوقع السلطان بالزعيم لما أوقع ابن مؤمن في قلب السلطان منه فاستوحش منه السلطان واسودّ ما بينه وبينه ولا علم للزعيم بشيء من ذلك. وكان الزعيم صاحب إطعام لا سيما في المحاط فإنه لا يكاد ينقطع. فاتفق أن عمل سماطاً وكان السلطان قد زحف على أهل مطران ذلك اليوم فاجتمع به الزعيم وعرفه أنه عمل سماطاً للعسكر كافة وسأل من السلطان حضور السماط وان يمشي معهم تلك الليلة فأجابه السلطان إلى ذلك فرجع إلى موضعه وسعى في لتميم السماط والزيادة فيه ولما علم ابن مؤْمن بذلك بادر إلى السلطان وهو ابن حباجر وعرّفاه أنه ما مراده إلا القبض على السلطان والقيام بالدولة الظاهرية فما شك السلطان في ذلك مع تقدّم ما قد أوقعا في قلبه فنهض من فوره إلى منصورة الدملؤَة فدخلها بعد صلاة المغرب واستدعى الزعيم من فوره فلما وصل أمر بقتله فقتل وقطع رأَسه ولزم جماعة من أصحابه وقيدهم ولم يسلم من خاصته إلا القاضي جمال الدين محمد بن حسان وكان كاتب الزعيم يومئذ فيما دق وجل وعليه مدار أمره.
ولما قتل الزعيم كما ذكرنا واخذ السلطان مطران وعاد إلى تعز عرض ابن مؤْمن يذكر الغياث بن السناني وانه ركن من أركان الفساد فأعرض السلطان عن إجابته إلى ما يريد وقال هذا رجل قد توثق مني بالأَيمان المؤَكدة ولا أنقض ما عقدت له على نفسي ولا أشك أنه قطعة فساد ولكن قد أمنته ولكن إذا ادعى عبد الرحمن اليحيوي أنه قتل أخاه ظلماً أحضرناه له شرعاً. فأشار ابن مؤْمن إلى القاضي وجيه
الدين في ذلك واستحضر ابن السناني وطلب السلطان قاضي الأقضية وهو القاضي عبد الأكبر وحضر أعيان الفقهاء ووجوه الدولة وادعى وجيه الدين على الغياث أنه قتل أخاه ظلماً وعدواناً فأنكر ابن السناني ذلك من دعواه فقال الحاكم للقاضي وجيه الدين أقم البينة وإلا استحلفه الأيمان الشرعية فالتفت وجيه الدين إلى السلطان وقال يا مولانا السلطان عندك شهادة أريد أداءها فقال السلطان ما عندي شهادة لك ولا له ولكنه كتب إليَّ كتاباً يخبرني فيه بقتل أخيك فقال يا مولانا السلطان أريد حضور الكتاب فأمر السلطان في مقامه ذلك من احضر الكتاب فلما قرئ الكتاب على الحاضرين اعترف ابن السناني أنه خطه وأنكر أن يكون باشر القتل. فقال له الحاكم قد توجه الحكم عليك لأنك اعترفت أن هذا الكتاب كتابك وقد أقررت في الكتاب انك قاتله فسأل القاضي وجيه الدين من السلطان أن يمكن من غريمه فأمر السلطان بتسليمه إليه فسلم إليه فقبضه ورسم عله من ساعته واخرج إلى الجهملية فقتل في السلف. وكان قتله بعد قتل الزعيم بمدة يسيرة.
وفي هذه السنة أمر السلطان بإنشاء المدرسة التي عمرها في ناحية الجيل من مدينة تعز وجعلها مدرسة وجامعاً وخانقة ورتب فيها إماماً وخطيباً ومؤَذناً وقيماً ومدرّساً يقرؤون الفقه ومحدّثاً وطلبة يقرؤون الحديث ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن وشيخاً ونقيباً وفقراء وطعاماً للواردين ووقف عليها وقفاً جيداً يقوم بكفاية الجميع منهم.
وفي هذه السنة توفي الفقيه البارع أبو محمد الحسن بن أحمد بن سالم بن عمران المنبهي السهلي وكان مولده في شعبان سنة سبع وثمانين وستمائة وكان تفقه بالفقيه صالح بن عمر وارتحل إلى جباء فأخذ عن الفقيه جمال الدين عثمان الجبائي ونقل التنبيه غيبا وحصل المنهاج للنواوي نسخاً ونقلاً في أربعة اشهر وحفظ بعض المهذب لأبي إسحاق الشيرازي غيبا وكان أوحد زمانه علماً وعملاً وفضلاً وورعاً مشهوراً بالصلاح. ولما بلغ درجة في الوصف عالية تناقلها الناس عنه. وكان وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن أبي السعود الهمداني الفراوي وكان فقيهاً جيداً فاضلاً زاهداً ورعاً. وكان وثمانين يوم الاثنين الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر من سنة ثلاث مولده وستمائة. وكان تفقه بأخيه. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة جرد السلطان العساكر إلى المخلاف وفتح الحرب عليهم من كل ناحية فقبض حصن حبّ في ذي القعدة من السنة المذكورة.
وفيها توفي الفقيه أبو الخطاب عمر بن عثمان بن محمد بن علي بن أحمد الحبائي الحميري وكان فقيهاً صالحاً ورعاً استظهر القرآن الكريم وقرأ التنبيه قراءة محققة على فقهاء جُبْلة وسمع بعض المسموعات على غيرهم وكان بارعاً توفي في ذي القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل الأديب أبو الخطاب عمر بن عيسى بن محمد ابن سليمان المنسكي ثم العامري وكان مسكنه الغُقْء بضم العين المهملة وسكون القاف وكان فقهياً متأدباً ويروى من الشعر شيئاً وله مشاركة جيدة في كثير من العلوم مقبول الكلمة في بلده. وكان وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة ثلاث وثلاثين قبض السلطان سائر الحصون الحدقية وأذعنت القبائل طوعاً وكرهاً واتسقت المملكة ودخل المخالفون في الطاعة وأمر السلطان رحمه الله بعمارة سور ثعبات ولم تكن مسورة قبل ذلك وجعل لها أبواباً ورتب على الأبواب حراساً وحفظةً واستقر الملك وهرب أصحاب الملك الظاهر منه لما ضاق بهم الأمر ولم يجدوا ملاذاً يلوذون به. فكتب الملك الظاهر إلى القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن والأمير شرف الدين بن حباجر بأن يسعى له في الصلح والصفح ويطلب له ذمة شاملة عليه وعلى من معه من أهله وغلمانه فأجاب مولانا السلطان إلى ذلك وأرسل القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن والأمير شرف الدين بن حباجر بالتقدم إليه ليصل في صحبتهما فتقدما إليه إلى السمدان بالذمة الشريفة فوصل صحبتهما.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو العتيق أبو بكر بن الفقيه يحيى بن أبي
الرجا. وكان فقيهاً فاضلاً مشهوراً ديّناً ورعاً معروفاً بجودة الفتوى في جبلة ونواحيها. ولد سنة سبع وستين وستمائة تفقه بأبيه وكان هو المشهور المشار إليه في وقته بجودة الفقه إلى أن توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة نزل الملك الظاهر من السمدان على الذمة الشاملة صحبة القاضي جمال الدين محمد بن مؤمن والأمير شرف الدين فأمر السلطان بتطليعه الحصن وان يودع دار الإمارة على الإعزاز والإكرام موسى بن حباجر فأقام به إلى شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة وتوفي رحمه الله تعالى. فلما بلغ علم موته إلى السلطان أمر على الحاكم بمدينة تعز يومئذ وسائر أعيان الفقهاء بها أن يشاهدوه وقت غسله ويتفقدوا أعضاءه فلم يجدوا فيه أثراً وإنما مات حتف أنفه فغسل وكفن وصلى عليه وقبر في تربة الملوك بعدينة وهي التربة التي هي ملاصقة لجامع عدينة من الناحية القبلية.
وفي هذه السنة كملت عمارة سور ثعبات وركبت أبوابها وصارت مدينة حصينة وعمر جامعها وأجري إليه الماء ورتب فيه إماماً ومؤَذناً وخطيباً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن الكريم ومحدثاً يقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف السلطان عليهم وقفاً جيداً يقوم بكفاية الجميع منهم.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو حفص عمر بن الفقيه أبي بكر بن أحمد بن الفقيه علي بن أبي بكر الساعي تفقه أولاً في بلدة المخادن ثم ارتحل إلى زبيد فتفقه بأحمد بن سليمان الحكمي وغيره ودرس في مدرسة ميكائيل التي أنشأَها في زبيد وكان فقيهاً فاضلاً ذا معرفة شافية في الأصول والفروع معروفاً بشرف النفس وعلو الهمة. وكانت وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة خمس وثلاثين وسبعمائة أوقع السلطان بالقاضي جمال الدين محمد بن مؤمن.
قال علي بن الحسن الخزرجي واخبرني الفقيه إسماعيل بن علي بن تمامة وكان من نقلة الأخبار أن القاضي جمال الدين كانت قضيته في سنة سبع وثلاثين والله أعلم.
قالوا وكان ابن مؤمن رجلاً حسوداً لذوي الأقدار لا يزال يغرى السلطان
بذوي المكانة من علمائه حتى يهلكهم فتلف بسعايته كثير من الناس. وكان القاضي موفق الدين عبد الله بن علي بن محمد بن عمر اليحيوي المعروف والده بالصاحب أوحد زمانه فصاحة وصباحة ورياسة وسياسة قل أن يأْتي الزمان بمثله. وكان ابن مؤمن يحسده حسداً كثيراً لكماله وتأَهله للرياسة فكان يحط من قدره عند السلطان ويقع فيه ويغريه به مرة بعد أُخرى فصودر مراراً ثم صودر مرة على يد ابن مؤمن فرسم عليه ترسيماً عنيفاً وضيق عليه ضيقاً شديداً وقصد هلاكه. وكان لابن مؤمن نقيب على بابه يقال له سعيد. وكان بينه وبين القاضي موفق الدين أُنس شديد لم يعلم به ابن مؤمن فاطلعه النقيب على مراد ابن مؤَمن فيه فسأَل منه إحضار دواة وقرطاس سرّاً إلى المستحم فأَحضر له دواة في نصف جوزة وقلماً فكتب وهو في المستحم إلى السلطان كتاباً لطيفاً يقول فيه يا مولانا الغارة الغارة. أن تكن روح أقل العبيد فبيدك يا مولانا السلطان ولا بيد ابن مؤمن وبعدّتك وإن يكن الغرض المال فأدركوني فإني على آخر دقيقة من عمري مع ابن مؤمن ويضاف أقل العبيد إلى من شئتم. فلما وقف السلطان على كتابه أرسل جماعة من الجاندارية فهجموا بيت ابن مؤمن ونزعوه من يده وجاءَوا به إلى الباب الشريف فأضافه السلطان إلى أمين جاندار. فضمن عنه بعض أهله بعشرة آلاف دينار وأطلق من يومه ذلك. فكان القاضي موفق الدين من يومئذ يحرر على خط ابن مؤَمن. وكان بن مؤمن يخط خطاًّ حسناً فلم يزل يحرر على خطه حتى أتقنه حرفاً بحرف وحاكاه في هيئته كلها. فلما أتقنه كتب بخطه إلى كافة القبائل من أصحاب بعدان والشوافي وغيرهم وهو يقدح في السلطان وبسيرته ويطلب منهم أن يمكنوه من الحصون ويعدهم من نفسه بكل خير وبجميع ما يحبونه عاجلاً وآجلاً. وأسقطت الأوراق في الطرق فالتقطها الناس من السيارة وغيرهم ووقف عليها من وقف فحمل إلى السلطان شيء منها فلما وقف عليها ما شك أنها خطة فوقع في نفسه منه شيء عظيم. ثم أن القاضي جمال الدين لما أمكنته
الفرص انتهزها وواطأ جماعة من الحرفاء وخواص السلطان أن يكثروا ذكر ابن مؤمن وأفعاله القبيحة فما يذكرونه إلا بكل ذكر قبيح حتى اشمأَز منه السلطان واسودّ ما بينه وبينه وحقق القاضي موفق السلطان للسلطان خيانة ابن مؤمن من وجوه كثيرة. فلما عزم السلطان على الفتك به أقبل عليه إقبالاً كليّاً بخلاف العادة حتى لا يقطع أمراً إلا بإشارته ووعده بالوزارة شفاهاً. وكان قبل ذلك مستمرّاً في قضاء الأقضية وحمل له أربعة أحمال طلبخانة وأربعة أعلام. وكان قاضياً مقطعاً ويتحدث في أمر الوزارة. وكان الباب كله بيده.
فلما كان يوم الجمعة طُلب إلى ثعبات طلباً حثيثاً وكان يسكن المعزية مدينة تعز فطلع بعد صلاة الجمعة. فلما دخل ثعبات من باب تعز قبض هنالك ورسم عليه ترسيماً عنيفاً وحيز في باب تعز وأمر السلطان من ساعته على الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني بأن يركب ويهجم بيت ابن مؤمن ويقبض جميع ما كان فيه. فركب وهجم البيت وقبض جمع الآنية وقبض دوابه وفرشه وجواريه. ثم أودع السجن بثعبات فأقام فيه إماماً. ثم أرسل السلطان به إلى المعسكر فقتل هنالك وقبر في البقيلين وقبره هنالك معروف مشهور.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام البارع أبو محمد عبد الله بن محمد بن عمر بن علي الأحمر الخزرجي الساعدي الأنصاري وكان فقيهاً بارعاً عالماً متفنناً محققاً مدققاً درس مدة في مدينة زبيد واخذ عنه بها جماعة من فقهائها وكان امثل من يشار إليه في العلم والتواضع والصبر على التدريس طلبه السلطان الملك المجاهد في تعز للتدريس في المدرسة التي أَنشأَها في مدينة تعز فكان أول مَنْ درس فيها ثم عزل عنها وعاد إلى زبيد ثم طلب إلى تعز أَيضاً للتدريس في المدرسة المجاهدية فأقام فيها مدرساً إلى أن توفي هنالك في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة ست وثلاثين قبض السلطان على جميع الحصون السُردُدِية. وفي هذه السنة المذكورة ظهر الدرهم الجديد الرياحيّ وبرز أمر السلطان أن لا يؤخذ من
الرعية والتجار في جميع أموال الخراج إلا هذا الدرهم الجديد فتضررت به الرعية. وكانت العادة في الدولة المؤَيدية والمظفرية والمنصورية أن يطلب من الرعية ما يتوجه عليهم من الخراج في الغلة على حكم السعر في ذي الحجة الماضي. وكان السعر في تلك السنة قد ارتفع في ذي الحجة ارتفاعاً عظيماً وانحط في أيام الصراب انحطاطاً كليّاً مع ظهور هذا الدرهم الجديد الرياحي فتضررت به الرعية ضرراً عظيماً وانكشفت أحوالهم وهرب طائفة منهم وفيهم من صبر. فلما انقضت السنة تركت الرعية في وادي زبيد الحرث وتفرقوا في أثناء البلاد ولم يعمر منهم إلا قليل عجزوا عن الحرث لقلتهم.
وفي سنة سبع وثلاثين وسبعمائة نزل السلطان من تعز إلى زبيد لما بلغه خراب الوادي وافتراق الرعية وكان رحمه الله محبّاً للرعية ومشفقاً عليهم فلما استقر في محروسة وبيد صاحت الصوائح للرعية بالأمان وكشف المظالم التي يشكونها فوصلوا إلى الباب الشريف فبرز أمر السلطان بحضور جماعة من كبرائهم فحضر منهم أربعة نفر وحضرت الأمراء والوزراء والحجاب والكتاب وكان حضوراً عظيماً. فقال السلطان للوزير عرّف رعيتنا ما هو الذي يشكونه منا حتى نزيله عنهم. فقال الوزير للرعية يا هؤلاءِ الرعية ما هو الذي تشكونه من مولانا السلطان وما سبب هربكم وترككم عمارة بلادكم. فقالوا والله ما نشكو من مولانا السلطان شيئاً. وإنما نشكو من سعر ذي الحجة. فقال السلطان وما هو سعر ذي الحجة. فقالوا يا مولانا السلطان صرنا نطلب بما يتوجه علينا للديوان السعيد من كل مغل في وقت الصراب ووقت الطعام ورخصه ولكنهم يطلبون منا سعر السنة الماضية وقت ارتفاع الأسعار وعدم الطعام فلا يتعلق المد إلا بعدة إمداد كثيرة. والذي يتوجه علينا للديوان السعيد إنما هو طعام من عين ما ازدرعناه أو ثمنه في وقت الطلب فهذا السبب الذي اضربنا وهرّبنا.
فقال السلطان هذا والله ظلم بين ولا لوم عليكم إذا هربتم. ثم طبق الدواة وكان من عادته أنه إذا طبق الدواة في مجلس الحضور انفض المجلس. فلما طبق
الدواة كما ذكرنا خرج الحاضرون بأجمعهم ولم يبق إلا الوزير والحاجب فأمر السلطان على الوزير أن يأْمر كتاب الدرج بكتب منشور بإجراء النواصف لجميع الرعية بالتهائم. وذلك شيء لم يسبقه إليه أحد من الملوك وهو أن يأْخذ في كل نصف شهر أضبط سعر للديوان السعيد فيكون في كل شهر سعر أن سعر لمستهله وهو من أول يوم فيه إلى آخر الخامس عشر. وسعر لسلخه وهو من يوم السادس عشر إلى آخر الشهر. ولم يزالوا على ذلك إلى أن توفي قدس الله سره. فكانت هذه الفعلة من حسناته المشهورة.
قال علي بن الحسن الخرزجي. ولما توفي السلطان الملك المجاهد رحمه الله سمعتُ الرعية تعدّد له حسنات كثيرة منها ثلاث حسنات لم يسبقه إليهن أحد إحداهن زيادة ميعاد في جميع الجهات في التهائم كلها على اختلاف قطائعها ولم يسبقه إلى هذه الزيادة أحد من الملوك. الثانية إجراء النواصف في جهات التهائم كلها ولم يسبقه إليه أحد. الثالثة إجراء مزال الربع في جميع الجهات وكانت هذه الثلاثة في آخر عمره. وقد قال صلى الله عليه وسلم العمل بالخواتيم فرحم الله مثواه وبل بوابل الرحمة ثراه.
وفي سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة طلع السلطان إلى ذي جبلة وأَقام في دار السلام ودرد العساكر إلى ذمار صحبة الأمير زين الدين قراجا في أربعمائة فارس وأَحد عشر أَلفاً من الرجل وأصحبهم منجنيقاً فحطوا على ذمار حتى أخذوها قهراً. ثم حطوا على حصن هرّان حتى أَخذوه قهراً. وكان ذلك في ذي الحجة من السنة المذكورة. واستمر الأمير زين الدين قراجا والياً بها.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل عمر بن أحمد بن سالم بن عمران المنبهي السهلي وكان ميلاده في مستهل رمضان من سنة ست وسبعين وستمائة. وتفقه بأهل الجبال ثم إلى تهامة وتفقه بها على فقهاء زبيد. وكان غالب أَخذه فيها عن الفقيه الإمام أبي عبيد الله محمد بن عبد الله الحضرمي. وكان المذكور فقيهاً فاضلاً عالماً عاملاً عارفاً متفنناً ولم يزل في زبيد حتى توفي بها في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة تسع وثلاثين وسبعمائة انفصل الأمير زين الدين قراجا عن ولاية ذمار واستمر فيها ابن الحجازي فساءَت سيرته وخالف عليه الأكراد وحصروه في هرّان أَياماً ثم نزل إلى باب السلطان وقد فاتت البلاد فاغتاظ عليه السلطان وغضب غضباً عظيماً وصادره بمائة ألف دينار وقبض دوابه أربعين رأساً من جياد الخيل المشهورة وستين جملاً.
وفي هذه السنة أمر السلطان بتجديد سور زبيد وعمارة أبوابها وخنادقها وكان متولي العمارة يومئذ الأمير شجاع الدين عمر بن عثمان بن مختار. وكان هو يومئذ أميرها ومشدّها وناظرها فاستمرت العمارة بها إلى سنة أربعين وسبعمائة.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العباس أحمد بن سالم بن عمران بن عبد الله ابن جبران بضم الجيم وسكون الباء الموحدة المنبهي نسبة إلى منبه بن خولان وكان صاحب عبادة وفقه وأُنس للواصل إليه. وكان كثير العبادة والتلاوة والعزلة عن الناس. وكان إذا دخل شهر رمضان اعتزل عن الناس ولا يتكلم بشيء من أمور الدنيا ولا يكاد يوجد في عصره شبيه له وكان ميلاده في سنة خمس وخمسين وستمائة. وتوفي في سلخ ذي القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة أربعين وسبعمائة أمر السلطان بإنشاء المدرسة التي في مكة المشرفة المعروفة بالمجاهدية ووقف عليها وقفاً جيداً من أَملاكه المباركة يقوم بكفاية الجميع وجعل وقفها في ثلاثة مواضع من وادي زبيد موضع في أعلاه. وموضع في أسفله. وموضع في أَوسطه نظراً للمرتبين واحتياطاً لهم خوفاً أن يتغير موضع فيكون في غيره ما يستعينون به سنتهم إلى العام المقبل فرحمة الله عليه ما أَحسن نظره. وأطيب خبره ومخبره.
وفي سنة إحدى وأربعين وسبعمائة انقضت عمارة سور زبيد وجددت الأبواب الثمانية وزخرفت شراريعها حتى كانت كالنجم الزاهر.
وفي هذه السنة أفسد المعازبة بالتهائم فساداً شديداً فنزل السلطان من تعز كجاري عادته فلما صار في حيث أَغار إلى بلاد المعازبة ولم يدخل وحط بالعسكر في
بلادهم وأمر بقطع نخل المدبي فقطع من أُصوله. وقتل من المغاربة عدة مستكثرة وأَمسك آخرين فلعب الفيل ببعضهم وغرق الباقين في البحر ثم كان آخر أَمرهم أن شيخ عليهم امرأَة منهم يقال لها بنت العاطف وكساها فكانت تركب دابة من الحمر أو ناقة وتقود المعازبة بأَسرهم بعد الفساد الشديد والطغيان العظيم.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام الصالح أبو العتيق أبو بكر بن جبريل ابن أوسام العدلي بفتح العين والدال المهملتين. وكان فقيهاً صالحاً حرّاً أديباً تقياَ شريف النفس وأهله في بلاد السودان أهل دين وخير وكان تفقهه بجماعة منهم جمال الدين أحمد بن علي العامري شارح التنبيه وموفق الدين علي بن أحمد الصريدح. والإمام أبو الحسن علي بن أحمد الأصبحي صاحب المعين. ولما توفي الإمام أبو الحسن الأصبحي انتقل المذكور إلى تعز ودرس بالأتابكية ثم درس في الشمسية وكان مبارك التدريس وحصل عليه دين كثير فانتقل بسببهِ إلى زبيد. ودرس في المدرسة الصلاحية إلى أن توفي في شهر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة اثنتين وأربعين سافر السلطان إلى مكة المشرفة يريد حج بيت الله الحرام وسار في ركابه من الجيوش والعساكر ما يزيد على حد الوصف خيلاً ورجلاً فكان تقدمه من تعز المحروسة صبح يوم الخميس السادس من شوال من السنة المذكورة ودخل زبيد يوم الثلاثاء حادي عشر شوال المذكور
في جحفل ستر العيون غباره
…
فكأنما تبصرن بالآذان
يرمي بها البلد البعيد مظفر
…
كل البعيد لهُ قريب داني
فحط في بستان الراحة المعروف بحائط لبيق. وكان تقدمه من زبيد يوم الجمعة الرابع عشر من شوال وصحبته الشريف الخطير الأمير عز الدين ابن رميثة بن أبي نمى صاحب مكة يسير صحبة ركابه. وكان دخوله المُهْجَم صبح يوم الجمعة الثامن والعشرين من الشهر المذكور. فأقام فيها إلى ثالث ذي القعدة ثم ارتحل منها في التاريخ المذكور فكان دخوله على بن يعقوب يوم الأحد الخامس عشر من ذي القعدة فأقام فيها إلى يوم الثامن عشر ثم ارتحل منها في التاريخ المذكور فكان وصوله
وادي يلملم يوم الاثنين سلخ ذي القعدة. فأَمر السلطان بنصب الأحواض فنصبت وملئت ماء وطرح فيها من السويق والسكر ما شاء الله تعالى وسبلها للناس فشرب منها الصغير والكبير وتصدق على الناس بصدقة عظيمة من الدراهم والثياب للإحرام. ووصل يومئذ الشريف رميثة بن أبي نمى وهو يومئذ صاحب مكة ووصل معه سائر الأشراف وأكابر أهل مكة وحضروا عند السلطان فتصدق على الجميع منهم على قدر مراتبهم. وأعطى الشريف رميثة أربعين ألف درهم من الجدد المجاهدية وأعطاه من الكسوة وأنواع الطيب من المسك والعنبر والعود شيئاً كثيراً وخلع عليه وعلى من معه من الأشراف وأعطاه عدة من الخيل والبغال كوامل العدد والآلات. ثم ارتحل السلطان فأَمسى على بئر علي عليه السلام أول ليلة من ذي الحجة فاصبح يومه هنالك ثم سار فكان وصوله مكة ليلة الأربعاء الثاني من ذي الحجة فدخل مكة عشاءً وطاف طواف القدوم وسعى ودخل البيت المعظم بعد الطواف والسعي فلما خرج من البيت دخل مدرسته المجاهدية. ثم خرج إلى المخيم آخر ليلته فلما اصبح صلى صلاة الصبح ثم دخل مكة فأقام بها في مدرسته نهار الأربعاء الثاني من ذي الحجة المذكور وليلة الخميس ويوم الخميس وهو يشاهد الكعبة المشرفة ومن يطوف بها.
فلما كان يوم الجمعة وصل الركب المصري ومن معه من المغاربة والتكاررة ولما كان بعد صلاة الجمعة طلب أمير الركب المصري فكساه كسوة سنية. ووصل الركب الشامي يوم السبت الخامس من ذي الحجة صحيح أهل الشام من الصفديين والحلبيين وغيرهم وتصدق السلطان على أمير الركب الشامي بكسوة حسنة وذلك في يوم الاثنين السابع من الشهر المذكور وفي يوم الثلاثاء الثامن من الشهر المذكور ركب السلطان في عساكره المنصورة إلى منى وأمسى بها ليلة الأربعاء التاسع من ذي الحجة فلما أصبح سار إلى الموقف الشريف في عساكره
وجنده في تواضع وخشوع
…
وتأَدب وخضوع
ونفس لا تميل إلى خسيس
…
وعين لا تدار على نظير
وكانت الوقفة المباركة يوم الأربعاء فلما أذن المؤّذن الظهر يوم عرفة صلى بصلاة الإمام وركب نحو الصخرات يتوخى موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل واقفاً بين يدي الله سبحانه وتعالى في تقديس وتهليل وتسبيح وتبجيل إلى آخر النهار. وفي آخر النهار وصل أمير الركب المصري وأمير الركب الشامي وسأَلاه المثول بين يديه بتقبيل كفه الشريف فأذن لهما فوصلا وقبلا كفه الكريمة مراراً وأكثرا من الدعاء له. فلما غربت الشمس سأَلاه أن يأْذن لهما في المسير في خدمته فأَمرهما أن يسيرا في عساكرهما ومحاملهما فقبلا يده وانصرفا وتوقف هو ومن معه من عساكره وخواصه فلم يزل في بكاءٍ وخشوع ودعاءٍ وخضوع والحاضرون يبكون لبكائه ويؤَمنون على دعائه فلما غشيه الليل ستر في عساكره المنصورة إلى الموقف بمزدلفة. ولم يزل بها إلى أن صلى الصبح يوم النحر وأخذ حاجته من الحصى لرمي الجمار ثم سار إلى منى وقد حفت به العساكر وأَحاطت به الفرسان
همام إذا ما هم أمضى همومه
…
بأرعن وطء الموت فيه ثقيل
وخيل براها الركض في كل بلدة
…
إذا عَرَّست فيها فليس تقيل
ولم يزل سائراً إلى الجمرة الكبرى فرماها هنالك وسار إلى مخيمه وسارت عساكر الشام ومصر بين يديه إلى المخيم فأقام يومه ذلك وهو يوم الخميس العاشر من الشهر فلما كان يوم الجمعة سار إلى مكة المشرفة وطاف بها طواف الزيارة ثم رجع إلى منى فرمي الجمار الثلاث وبات ليلة السبت الثاني عشر في منى فلما أصبح يوم السبت الثاني عشر هرب أمير جاندار من الخدمة وكان قد تنسك وتاب إلى الله تعالى فأقر السلطان في وظيفته الأمير حسام الدين لاجين في التاريخ المذكور. وأقام السلطان في منى يوم الرابع عشر ثم تقدم إلى مكة المشرفة صبح يوم الاثنين وطاف بها طواف الوداع. فلما كان يوم السابع عشر برز السلطان إلى خارج باب النحر وأَشعر على كافة العسكر بالتأَهب وسافر آخر يوم الثامن عشر فاصبح على بئر آدم فأقام هنالك يوم السبت التاسع عشر ثم سار في عساكره قليلاً قليلا فكان دخوله حلى ابن يعقوب يوم الأحد الخامس من المحرم فأقام بها إلى يوم الخميس التاسع من الشهر. وفي إقامته بها أمر الأمير صارم الدين داود بن كشد غدي أستاذ دار الباب الشريف. ثم ارتحل
السلطان من حلى ابن يعقوب آخر يوم الخميس فكان وصوله إلى حَرَض ليلة الاثنين العشرين من الشهر المذكور. فلما أصبح في حرض يوم الاثنين تصدق بصدقة جليلة على سائر الناس. وأَقام فيها أياماً ثم ارتحل المَحَالِب يوم الجمعة الرابع والعشرين وقد عمل صاحب المحالي طلعات على باب الدار وأقام الفرحة بوصول السلطان فأقام السلطان فيها أياماً ثم ارتحل فدخل المهجم يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من الشهر المذكور. وقد عمل صاحب المهجم طلعات تمشى على العجلات بمن فيها من المغاني وأهل الطرب وفرش من الثياب الحرير عند قدوم السلطان شيئاً كثيراً. وكان خروج عسكر السلطان من المهجم آخر نهار الأربعاء التاسع والعشرين فصبح الكَدْرا يوم الخميس سلخ المحرم وكان خروجه من الكدرا آخر يوم الجمعة فصبح فشَال يوم السبت ثاني يوم في صفر وقد عمل صاحب فشال طلعات ومداريه ومغاني. وفي ذلك اليوم وصل السلطان الملك المؤَيد داود بن السلطان وصحبته الوزير القاضي جمال الدين محمد بن حسان في العساكر المنصورة من الخيل والرجل ما يضيق عنه الفضاء. ثم ارتحل السلطان عن فشال ليلة الأحد فصبح مدينة زبيد يوم الأحد الثالث من صفر في العساكر المنصورة. والجيوش المتكاثرة. وقد أَحدقت الفرسان من كل مكان
تحف أغرّ لا قود عليه
…
ولا دية تساق ولا اعتذار
تُريق سيوفه مهج الأعادي
…
فكل دم أَراقته جبار
فحط في بستان الراحة المسمى حائط لبيق. وقد عمل أمير زبيد ومشدها وناظرها ومشد الأملاك بها من الطلعات المزينة بالذهب والفضة والمدارية المزخرفة وفرشوا من الثياب شيئاً كثيراً. وفرش الملك المؤَيد بن مولانا السلطان وفرش الوزير القاضي جمال الدين محمد بن حسان. وكان أمير زبيد يومئذ الأمير نجم الدين محمد أحمد الخَرْتَبِرْتي ومشدها وناظرها القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن قبيب ومشد أملاكها الشهاب بن عبد الرحمن أخو الحكيم الزبيدي. وكان ذلك اليوم يوماً عظيماً مشهوداً وأقام في زبيد يوم الأحد ويوم الاثنين. وفي يوم الثلاثاء
الخامس من الشهر تقدم السلطان إلى نخل الأبيض وكان ذلك الوقت استواء النخل فأقام في النخل الثلاثاء والأربعاء في قصره المعروف بالفائق. وأمسى ليلة الخميس السابع من الشهر في قصره بزبيد فأقام فيه إلى يوم الأحد العاشر من الشهر. ثم ارتحل فاصبح يوم الأربعاء في حيس وكان فيها من الطرب والمغاني والطلعات ما يعجب ويطرب فأقام إلى يوم الخميس الرابع عشر من الشهر. ثم ارتحل منها فأمسى في الزراعي وصبح يوم الجمعة في الروض. فلما كان يوم السبت السادس عشر انعم على كافة العسكر بشيءٍ كثير من الذهب والفضة وأعطاهم من الكساوي والخلع على قدر مراتبهم وكان دخوله تعز يوم الأحد السابع عشر من الشهر في بزة حسنة وعسكر جرار من الملوك والوزراءِ والأشراف والأمراء.
من كل ابيض وضاح عمامته
…
كأنما اشتملت نوراً على قبس
وخرج في لقائه الملوك والفقهاء واعيان البلد وخرج عامة الناس وخاصتهم فوقف لهم في الجُبيْل وقبلوا كفه الكريمة واكثروا من الدعاء له وهو يؤَمن على دعائهم ويقول كثر الله أمثالكم. فلما انقضى سلام الفقهاءِ وأَتباعهم سار في مواكبه وكتائبه ولم يزل سائراً إلى قصره وبستانه بالجهملية وقد عمل أهل تعز من الطلعات التي تمشى على العجل والمدارية شيئاً كثيراً فأقام في بستان الجهملية إلى صبح يوم الأربعاء العشرين من الشهر المذكور.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح جمال الدين محمد بن يوسف الصبري وكان قاضي مدينة تعز فتوفي بعرفة يوم عرفة من السنة المذكورة فحمل إلى الأبطح بمكة ودفن قريباً من تربة الفقيه على بن أبي بكر الزيلعي صاحب قربة السلامة. وكان فقيهاً مجوداً عارفاً محققاً اخذ الفقه عن جماعة من العلماء كالفقيه عمر الشعبي وابن العزاف وكان نحويّاً لغويّاً عارفاً بالقراءات السبع والفرائض والجبر والمقابلة درس في المدرسة المعروفة بالغزالية في مدينة تعز ثم انتقل إلى المظفرية. وامتحن بالقضاء في آخر عمره ثم سافر به السلطان إلى مكة المشرفة فتوفى يوم عرفة مبطوناً كما ذكرنا رحمه الله تعالى.
وفي سنة ثلاث وأربعين استقر السلطان في بلاده ولبست البيوت وعملت الفرحات سبعة أيام وأَنفق السلطان على العسكر المنصور نفقة أربعة اشهر. ووقع مطر عظيم عام في يوم التاسع عشر من الشهر المذكور فدفع الوادي زبيد في آخر ذلك اليوم دفعة عظيمة فوصل السيل قربة المُسَلِّب من وادي زبيد بعد صلاة المغرب فاحتمل معظم القرية. وسال في السيل من سكانها نحو من مائة وخمسين نفساً ما بين رجل وامرأَة وصغير وكبير وهلك من البقر والغنم والحمير شيءُ كثير ولم يبق من البيوت المسكونة إلا شيءُ يسير. وافتقر يومئذ كثير من أهلها. وانتقل أهل القرية من موضعهم إلى موضعهم اليوم وهو قبلي القرية القديمة.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح إبراهيم بن مهنا بن محمد بن مهنا وكان فقيهاً ورعاً ناسكاً وكان مولده سنة تسع وثمانين وستمائة وهو أحد الفقهاء المدرسين على مذهب الإمام أبي حنيفة. واستمر مدرساً في المدرسة الدعاسية بزبيد. وكان ذا مروءَة وخلق حسن توفي في أثناء السنة المذكورة وقيل أن وفاته كانت في سنة سبع وأربعين والله اعلم رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو محمد عبد الله بن عبد الوهاب وكان فقيهاً فاضلاً تقه بذي السفال على الفقيه صالح بن عمرو على ابن أخيه محمد ابن عبد الرحمن. وولى قضاء صعدة مدة ثم عاد إلى تعز وجعل له رزقاً في جامع المهجم فأقام بها إلى أن توفي في سنة ثلاث وأربعين رحمه الله تعالى.
وفي سنة أربع وأربعين خالف الملك المؤَيد على أبيه في شهر رمضان وكان إقطاعه الجثة فاستولى على مدينة المهجم فجرد إليه السلطان العساكر صحبة القاضي موفق الدين ثم جرد الأمير سيف الدين طغي الخراساني في عشر آخر.
وفي هذه السنة حط السلطان في عساكره على جبل شورق وارتفع منه في النصف من المحرم.
وفيها ظهرت عجيبة من العجائب وذلك أن جارية يقال لها غناء من بيت الأمير بدر الدين محمد بن الفخر وضعت ولد أربعة اشهر وجهه وجه جدي وله
قرنان وأربع عيون عينان من قدام وعينان من خلف وآذانه في راس الكتفين في كل كتف أذان وأنفه أعوج وله سن وناب ولسان ابن آدم متلسن أعني مخرج وشعره بين الجنبين وله أربع أرجل في كل رجل أربع أصابع وكوع حمار وله عجز مشقوق وله من قدام فرج ذكر ومن خلفه فرج أُنثى فسبحان الخلاق العليم الفعال لما يريد. وكان ولادته يوم الأحد سلخ شهر رجب من السنة المذكورة والله أعلم.
وفيها توفي الفقيه الصالح أبو العتيق أبو بكر بن أحمد بن عمران المنبهي السهلي وكان فقيهاً ورعاً صالحاً فاضلاً مولده ثامن ذي القعدة من سنة ثلاث وثمانين وستمائة. وكان تفقه بالفقيه صالح بن عمر ثم ارتحل إلى جباء وتفقه بالفقيه عثمان وكان يحفظ كتاب التنبيه لأبي اسحق ومنهاج النواوي غيباً وكان له في الفرائض يد طولى. وكان له في الفقه معرفة تامة وصلاحه مشهور وكان سليم القلب عن الأحقاد الطارئة وتوفي في السنة المذكورة.
ويروى أنه لما توفي وقبر توفي بعده أحد أولاده فقبر إلى جنبه وقد افتتح قبره فالتمسوه في القبر فلم يجدوه فيه أعاد الله علينا من بركاته في الدنيا والآخرة.
وفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة أصلح الملك المؤَيد ورجع إلى طاعة أبيه وضمن له القاضي شمي الدين يوسف بن الصاحب والأمير سيف الدين طغى الخراساني الرضا من أبيه فوصل إلى آخر المحرم أول الشهر من السنة المذكورة. فلما وصل مدينة تعز ودخل على أبيه عاتبه على ما فعل وضربه وحبسه فمات بعد ذلك بأيام قلائل رحمه الله. وكان سبب خلافه استكثاراً من أبيه حين قدَّم عليه أخاه المظفر وكان المظفر الصغير والمؤَيد الكبير فانف من ذلك هذا سبب خلافه. وفي شهر رمضان من السنة المذكورة أخذ السلطان كيكة من جبل السورق.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو محمد القاسم بن عبد الرحمن المؤْمن بن عبد الله بن راشد وكان فقيهاً فاضلاً نحويّاً لغويّاً قرأَ النحو قراءة متقنة في صنعاء واقرأَه فيها مدة ثم ارتحل إلى تعز ودرس النحو في المدرسة المؤَيدية. وأَخذ المهذب قراءة عن
ابن جبريل. وكان أيضاً معيداً في المؤَيدية. ودرس في مدينة ذي هُزَيْم ثم عاد إلى صنعاء وأقام فيها مدة يسيرة ثم عاد إلى تعز فتوفي فيها في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة ست وأربعين تسلم السلطان جبل السورق جمعيه وذلك في الثاني والعشرين من ربيع الأول من السنة المذكورة.
وفي ذي القعدة منها تقدم السلطان إلى عدن فأقام فيها أياماً وتفرج موسمها.
وفيها توفي الأمير أسد الدين محمد بن الملك الواثق إبراهيم بن يوسف ابن عمر بن علي بن رسول وكان عاقلاً شهماً فارساً مقداماً سقط عليه الدار الذي سكنه في عدن رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الفاضل أبو الحسن محمد بن أحمد بن سالم بن عمران ابن أحمد بن عبد الله بن جبران المنبهي السهلي وكان فقيهاً ذكيّاً عارفاً ولد سنة تسع وتسعين وستمائة. وتفقه بالفقيه صالح بن عمر البريهي. وكان أحد المعدودين المشار إليهم بجودة الفقه في ناحية السحول وكان حسن التدريس موفقاً في الفتوى وتوفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة سبع وأربعين رجع السلطان من عدن إلى زبيد وتفرج في زبيد على السبوت ونزل النخل فأقام فيه أياماً ثم سار إلى البحر كجاري عادته. فكانت قصة الملك الفائز قطب الدين أبي بكر بن حسن بن داود بن يوسف ابن عمر بن علي بن رسول. وذلك أن المماليك الغرباء لما تأَخرت نفقاتهم اجتمعوا واتفقوا على لزم السلطان في البحر لأنه هنالك فير غير حرز منيع وافق رأُيهم على سلطنة الملك الفائز أبي بكر بن حسن بن داود. فوصل إليه جماعة من أكابرهم ليلاً وعرفوه صورة الأمر فقال لا أوافقكم على شيء من هذا ولا أصحبكم في شيء منه قالوا فأنا نسعى في الأمر حتى نتمه فإذا تم الأمر فما حجتك. قال ما أظن هذا يتم وان تمَّ فلا إكراه فخرجوا من عنده واتفقوا على انهم يقصدون السلطان إلى البحر ويظهرون أنهم
مطالبون بالنفقة. وافترقوا على هذا الرأي فلما عزموا على الخروج تقدم واحد منهم. وأخبر السلطان بالأمر وقال هؤُلاءِ هم بعدي فركب السلطان للفور وسار يريد النخل في طريق غير الطريق المعروفة. وأرسل نفرين من الجماعة أن يسيروا في الطريق المعتادة لينظروا من في الطريق منهم فلما وصل قصره المشيد في السوجين واجهه النفران اللذان أرسلهما. فاستخبرهما عمن وجدا في الطريق. فاخبراه انهما لقيا الغرباءَ قاطبة على دوابهم. فأرسل السلطان حينئذ إلى الأمير سيف الدين الخراساني والطواشي نظام الدين حصين وقيل بارع في عبيد السلاح وغلمان البغلة وقال تقدموا إلى قطب الدين وجيئوا به طوعاً وكرهاً وانظروا هيئته فتقدموا بأجمعهم إليه. فلما وصلوا موضعه دخل عليه الطواشي والأمير وقد أحاط العسكر بالموضع فوجدوا دوابه كلها مشدودة فقالا بسم الله يا مولانا قم طلبك عمك إلى مقامه الشريف فلم يجد بدّاً من ذلك فقربا له بغلة فركبها وساروا بأجمعهم إلى السوجين. فلما وصلوا به اشرف عليه السلطان وعاتبه ووبخه وأمر بقيده والتقدم به إلى تعز فقيدوه للفور وخرجوا به في ليلتهم فلما وصلوا به إلى تعز لم تطل مدته بل توفي عن قريب. وكان قبضه ليلة الثلاثاء السابع عشر من ريع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى. وفي آخر الشهر طلع السلطان إلى تعز وأتلف جماعة من الغرباء قتلاً وشنقاً وتغريقاً.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحضرمي وكان أوحد أهل زمانه فقهاً ونسكاً وهو أكبر فقهاء زبيد في عصره لا يختلف في ذلك اثنان. وكان مولده في سنة ثلاث وستين وستمائة وكان تفقه بابيه ثم بعلي بن إبراهيم البجلي وبابن ثمامة. وبأحمد بن سليمان الحكمي ثم ارتحل إلى ناحية المهجم فأقام في بيت ابن أبي الخل وأخذ عن أحمد بن أبي الحسين وانتهت إليه رياسة الفتوى في زبيد ونواحيها وكانت وفاته ليلة الجمعة غرة شهر رمضان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الشيخ الصالح العارف بالله محمد بن عمر بن موسى النهاري
المشهور صاحب الكرامات المشهورة والمقامات المذكورة وكان أوحد أهل زمانه علماً وعملاً واجمع الناس على صلاحه وزهده وقلما وصله زائر إلا خاطبه باسمه واسم أبيه واسم بلاده وأين مسكنه منها.
ومن كلامه رحمه الله تعالى الدنيا مدينتي وجبل قاف حصني ومحضري من الفرش إلى العرش والدليل على ذلك أنى آتى الناس بأسمائهم وأسماء آبائهم وما احتووه في قلوبهم وأين مساكنهم ومن صحبني وصحبته أَمن من الفزع الأكبر وأنا فقير لا زرع ولا بقر الماء والمحراب والرزق على الوهاب. اللهم خلصنا من المدر وصفنا من الكدر وأنت عنا راض غير غضبان يا ملك يا ديان. اللهم هذه الأيادي واصلة متصلة بحبلك المتين الذي لا ينقطع. وحصنك المنيع الذي لا ينظلع. واجعل هذه الصحبة والاخوة في مقعد صدق عند مليك مقتدر. اللهم من كادنا فكده ومن تعدى علينا فأهلكه واحمنا بحمايتك لا حامي ولا ضائر لنا سواك بذرنا حبيبات وعليك النبات بيت بيت. وكان يقول وحق الحق ومن له الحق ومن سمى نفسه الحق صاحب الحوض وعدني بحوض أشرب منه وأَسقي من أحب ونحن بين الروضة والمنبر وكان وفاته يوم الخميس سابع المحرم أول شهور السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة ثمان وأربعين وسبعمائة خالف أهل الشوافي وكان أول خلافهم في شهر صفر من السنة المذكورة فجمع السلطان عساكره من كل ناحية ومكان وسار إليهم بنفسه في جنود لا قبل لهم بها
ووجه البحر يعرف من بعيد
…
إذا يسجو فكيف إذا يموج
وكان خروجه إليهم في آخر شهر ضفر من السنة المذكورة واستولى على الجبل وأهله يوم السادس من شهر ربيع الأول. ولما ظفر بهم قتل منهم طائفة بالسيف وغرق طائفة في البحر وكحل طائفة أخرى وأذلهم ذلاًّ شديداً ونزل السلطان إلى زبيد فأقام فيها أياماً وصام شهر رمضان في المدينة وعيّد عيد الفطر بها. ثم توجه إلى عدن في شوال أو في ذي القعدة من السنة المذكورة.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن ابن عمر بن أبي بكر بن إسماعيل الريهي وكان فقيهاً مجتهداً عالماً ورعاً نقالاً للفقه إليه انتهت رياسة الفتوى والفقه في الجند ونواحيها تفقه بعمه صالح بن عمر واخذ وسيط الغزالي عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الأصبحي واخذ عنه المعين ودرس بالمدرسة التي أنشأها خادم الدار النجمي سنة ثمان وعشرين وستمائة. وولي التدريس في المدرسة المؤَيدية ثم عاد إلى بلده واختصر شرح صحيح مسلم. وله فتاوى جمعها بعض أصحابه وكان مشاركاً في كثير من فنون العلم وكانت وفاته في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة رجع السلطان من عدن إلى زبيد فأقام فيها أياماً وتفرج في النخل كجاري عادته ثم سار إلى البحر فأقام هنالك أياماً ثم طلع تعز.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل جمال الدين محمد بن منبر الزيلعي وكان أحد فقهاء المحدثين بزبيد وكان فصيحاً صبيحاً له خط حسن مشهور توفي يوم السادس عشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الأمير الكبير شهاب الدين أحمد بن علي بن إسماعيل الحلبي النقاش وكان ذا همة عالية ورتبة سامية وكان وجيهاً عند السلطان وأَقطعه إقطاعاً حسناً يقوم بكلفته في السنة كلها وكان ناسكاً له عبادة ونقشف توفي ليلة الاثنين السادس من ذي القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى وقيل كانت وفاته في سنة خمسين وسبعمائة.
وفي سنة خمسين وسبعمائة قتل الشيخ عكم بن وهبان صاحب أبيات حسين وكان قد كثر منه الفساد والخروج عن الطاعة وفعل أفعالاً قبيحة في تجار بيت حسين وغيرهم. وكان يقتل وينهب في البلاد وهو مقيم في القرية فتغافل عنه السلطان مدة لا يذكره ولا يذكر عنده فلما كانت هذه السنة المذكورة نزل القاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن عمار لجباية أموال الجهات الشامية. فلما وصل المهجم وقد أَوصاه السلطان في حديثه تزوج امرأَة من بنات عمه وأحسن إليهم إحساناً كثيراً وأنسوا به
وأقام في المهجم أياماً ثم سار إلى بيت حسين فأقام فيها أياماً فسألوه أن يستذم له من السلطان فقال لا تفعلوا فإن السلطان قد نسيه فلا تذكروه به. قالوا فإنه يجب أن يدخل إليك قال إذا قد عزمنا على السفر إلى المهجم وأما الساعة فلا فاظهر لهم أنه لا يريد دخوله إليه. فلما عزم على الرجوع قال لا يأتيني إلا ساعة الركوب وكان عزمه بعد صلاة المغرب فرتب جماعة من الغز عنده فلما استأذنوا له أذن فدخل فأخذوا سلاحه فلما تجرد عن سلاحه وقعوا به فقتلوه. وقتلوا معه رجلاً آخر من بني عمه. واحتزوا رؤوسهما. وركب وركب العسكر معه وخرجوا بالرأسين معهم. وسار إلى المهجم. وكان قتله ليلة الأحد الثالث عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة.
وفيها توفي الفقيه الفاضل شهاب الدين أحمد بن مليح النحوي وكان فقيهاً ظريفاً نحوياً لغوياً وكان نادرة الزمان لطافة وظرافة لين الجانب دمث الأخلاق حسن المعاشرة وامتحن في آخر عمره بالعمى وكان وفاته في النصف الأخير من ذي القعدة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة إحدى وخمسين عزم السلطان على الحج فتجهز وتوجه إلى مكة المشرفة وكان تقدمة من تعز يوم الرابع والعشرين من شوال وترك الأمير شمس الدين بن القاهري والياً في الحصن والطواشي أمير الدين أهيف معه في الحصن مقدماً وشداده. وترك القاضي موفق الدين عبد الله ابن على اليحيوي شداده في تعز. وكان يومئذ وزيراً وقاضي قضاة وترك القاضي جمال الدين بارع في حصن أرباب في عسكر جيد من الخيل والرجل وأعطاه مالاً على حفظ تلك الناحية الشرقية وجعل في حصن تعز من أولاده المظفر والصالح. ومن الأولاد الصغار يومئذ الظافر والأفضل والناصر والمنصور والمسعود. وتقدم بالعادل معه إلى مكة المشرفة مع جدته جهة صلاح. فلما تقدم قاصداً ما ذكرنا تقدم القاضي موفق الدين إلى جبلة يوم الأحد الثاني من ذي الحجة لأمر أوجب ذلك فأقام فيها.
ولما دخل السلطان مكة المشرفة دخل معه الشريف بقية بن رميثة وكان أخوه عجلان قد طرده عن مكة فلاذ بالسلطان وسافر معه فلما صار في مكة نقل إلى
الشريف عجلان أن السلطان يريد يولي أخاه البلاد ويترك معه عسكراً من اليمن وأنه يريد يلزمك ويسير بك صحبته إلى اليمن فوقع الكلام في قلبه. فدخل على أمير ركب مصر وقال أن صاحب اليمن يريد أن يقف في مكة بقد تقدمكم وينزع كسوة البيت ويسكوه بكسوة قد جاء بها معه من اليمن. ويريد أن يولي في مكة والياً من جهته ويترك معه عسكراً ويغير أوضاعكم ولا يترك لكم في مكة أمراً ومن المصلحة أن لا تفوت. وإن لم تفعلوا تقدمت معكم وتركت مكة وبرئت من العهدة. فوقع هذا الكلام في قلوبهم. فاتفق رأُيهم على الإقدام عليه. فلما كان يوم الثاني عشر ركبوا بأجمعهم وانتهبوا المحطة على حين غفلة وأحاطوا بمخيم السلطان وهو في جماعة قليلة فرأَى السلطان أنه أن قاتل قتل هو ومن معه لقلتهم وكثرة العدو فبرز إليهم وسأًلهم أن لا يعترضوا أحداً من الناس ففعلوا وساروا بين يديه إلى محطتهم مرجلين وهو على بغلة على ما يجب من التبجيل والتعظيم وضربوا له خاماً خاصّاً فأنزلوه وسأَلوه أن يصطحب من غلمانه من شاء فاختار الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي وتوجه معهم إلى الديار المصرية.
وسارت الأدر الكرام جهة صَلاح إلى مكة وسار معها الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني وسائر غلمان السلطان فلما دخلوا مكة أقاموا فيها واسترجعوا شيئاً كثيراً من الخيل والبغال والحمير والجمال والآلات ثم ساروا متوجهين إلى اليمن فيمن معهم من المقدمين كالقاضي جمال الدين محمد بن حسان والقاضي فتح الدين عمر بن الخطباء والقاضي صفي الدين أحمد بن عمار وسائر المعسكر.
وفي هذه السنة توفي الفقيه البارع أبو الحسن علي بن نوح الأبوي بضم الهمزة وفتح الباء وكسر الواو نسبى إلى أبي بن كعب الأنصاري الصحابي. وكان فقيهاً فاضلاً بارعاً حنفي المذهب نقالاً للحديث حافظاً لمعانيه. وكان ينقل الهداية عن ظهر الغيب واصل بلاده بلاد السودان مما وراء البحر. وكان أول وقوفه في قرية السلامة عند الفقيه أبي بكر الزيلعي المذكور أولاً ثم دخل زبيد فاستمر مدرساً في المنصورية الحنفية في زبيد. فأَخذ عليه جمع كثير وكان مشهوراً بالفقه والصلاح وكان وفاته في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة اثنتين وخمسين وصل الحاج عمر بن زريزر ثاني يوم من المحرم. وكان ابن زريزر هذا رجلاً من أهل قرية التُّربة بوادي زبيد. وكان يحج كل سنة ولا يتقدمه أحد في الرجوع إلى اليمن بعد انقضاء الحج البتة البتة فيصل بأخبار الموسم وخبر من حج في تلك السنة من الملوك والأمراء وغيرهم ووصل في صحبته في هذه السنة بأوراق من مكة فضربت الطبلخانة ثلاثة أيام. ثم شاع الخبر بما تضمنته الأوراق. وفي ذلك اليوم وصل القاضي موفق الدين من جبلة إلى تعز ولما اتصل العلم بالطواشي جمال الدين بارع وعلم بنزول الوزير من جبلة نزل من أرباب ووقع في نفسه أن السلطان لا يرجع اليمن أبداً وأنه ربما اتفق الأمر على قيام واحد من أولاد السلطان فيكون هو صاحب الباب. فلما صار في الجند هو وكافة العسكر الذي معه كتب إليه الطواشي أمين الدين أهيف كتاباً يقول فيه عرفني ما سبب نزولك من عهدتك وما مرادك بهذا العسكر الذي جمعته من كل مكان فلم يجد عذراً يقيمه. فكتب جواباً يقول فيه ما وصلت إلا بأمر الوزير كتب لي أن أصل بعسكر الجبل جميعه فوصلت بهم فان تأْمرني بالوصول وصلت. وإن تأْمرني بالرجوع رجعت. ولم يكن الوزير كتب إليه في شيء من هذا فلما وقف الطواشي أهيف على كتابه طلب القاضي موفق الدين إلى الحصن فطلع وطلع القاضي عفيف الدين عبد الأكبر والفقيه تقي الدين عمر بن عبيد علي فقبض الطواشي أهيف على الوزير ورسم عليه وحبسه عنده في الحصن. ثم قبض الأمير شمس الدين يوسف بن القاهري أمير الحصن وكاتبه ونقيبه. وكان ذلك يوم السبت الحادي والعشرين من اشهر المذكور. فلما علم الطواشي بارع يقبض الوزير وأمير الحصن سرى ليلاً من الجند فأصبح في المدرسة المجاهدية في تعز متحيراً فأَمر الطواشي أهيف من لزمه من المدرسة المجاهدية فلزم واطلع حصن تعز يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من الشهر. ثم قابل بينه وبين الوزير فقال الوزير للطواشي بارع أن كنت كتبت إليك كما تقول فأوقفني على كتابي إليك فقال الطواشي وأين أجد كتابك الساعة وقد اخذ جميع ما كان معي فأمر بهما فقيدا وباتا في الحصن وأمر في ليلته تلك الأمير شمس الدين يوسف بن
القاهري وبالنقيب والكاتب فاصبحوا مطروحين في الجند يوم الخامس والعشرين من الشهر.
ولما كانت ليلة السبت الثامن والعشرين أمر الطواشي أهيف بشنق الوزير والطواشي بارع فلما أصبح أمر بهما فقبرا في المقبرة بتعز. وفي يوم الأربعاء الثاني من شهر صفر أمر الطواشي أمين الدين أهيف على الشيخ رضي الدين أبي بكر بن حسن بن الفضل أن يكون نائب القاضي فتح الدين في الوزارة وفي يوم الثالث من صفر أمر القاضي عفيف الدين عبد الأكبر في قضاء الأقضية. ولما خرج عسكر السلطان من مكة كما ذكرنا وتوجهوا نحو اليمن ساروا على هيئتهم. فلما وصلوا حرض وكان فيها الأمير نور الدين بن ميكائيل فأمرت موالينا الآدر الكرام جهة صلاح على القاضي جمال الدين محمد بن حسان أن يقف فيها لما يعلمون من سكينته وحسن تدبيره. ثم سارت في بقية العسكر حتى دخلت في مدينة زبيد. فأقامت فيها أياماً ثم سارت إلى تعز فيمن معها من العسكر فوصلتها ليلة الأربعاء السادس عشر من شهر صفر. فوقفت في المحلية وبرز أمرهم العالي بأَن يضرب الطبلخانة نوبة جليل ولم تك تضرب قبل ذلك ووصل معهم القاضي فتح الدين والقاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن عمار والطواشي نظام الدين خضير. وكتبت إلى الطواشي أهيف أن يرسل إليها بالملك المظفر والملك الصالح ليسلما إليها فنزلوا وسلموا إليها ووقفوا عندها في المحلية. فلما صاروا عندها طلعت الحصن وطلبت الطواشي أهيف فاستخلفته وتوثقت منه وأمرته أن يطلب الأولاد من المحلية فطلبهم فطلعوا يوم الخميس السابع عشر من صفر.
وفي يوم الرابع والعشرين من الشهر المذكور وصل رجل يسمى الجمري بأوراق من السلطان كتبها له من المدينة فضربت الطبلخانة لأجل ذلك.
وفي يوم السادس عشر من شهر ربيع الأول وصل الفضل بن الحرازي براس ابن قمار صاحب بعدان إلى مدينة تعز فكسى كسوة وأعطى مالا يستغني به. وفي يوم الخامس والعشرين من الشهر المذكور وصل القاضي جمال الدين محمد بن علي
الفارقي بابتداءات من السلطان كتبت له من مصر وضربت الطبلخانة لأجل ذلك ثلاثة أيام. وفي يوم السادس عشر من شهر ربيع الآخر وصل الحاج مفتاحِ الشداد بابتداءات من السلطان فضربت الطبلخانة لأجل ذلك سبعة أيام وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر وصل العلم أن السلطان خرج من مصر متوجهاً إلى اليمن فلما سار أياماً أمر صاحب مصر برجوعه إلى مصر.
وفي هذه السنة حصل في اليمن موت عظيم فتوفي في يوم الخميس غرة جمادى الأولى سبعون إنساناً في مدينة تعز. وفي غرة جمادى الآخرة وصل الشريف سليمان بن الهادي صاحب صعدة فأقام في تعز أياماً ومرض فتوفي في يوم الخميس الخامس والعشرين من رجب. وفي آخر شهر رمضان قبض الأشعوب حصن سامع وقتلوا من الرتبة خمسة عشر رجلاً. وخالف أهل بعدان وكان أول خلافهم من أبٍّ. وفي يوم الخامس من شوال نهب الأشعوب جباء. وفي يوم السابع من شوال قتل عباس بن جسمر قتله بنو عمه. وفي عشر من الشهر المذكور خرج العسكر المنصور لقتال الأشعوب وفيهم القاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن عمار وأحد بني زياد والأمير الحسام ابن عبد الغني فأخذوهم قهراً بالسيف ورجعوا إلى تعز ظافرين. وكان رجوعهم يوم السابع والعشرين من الشهر المذكور.
وفي التاريخ المذكور وصل رجل يقال له العشيري وشيخ يقال له الجمري بأوراق من الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني من مكة وأخبروا بوصول السلطان وأنه قد صار في أثناء الطريق فضربت الطبلخانة سبعة أيام وعملت فرحة عظيمة وبرز أمر موالينا الآدر الكرام جهة صلاح بتجهيز العساكر للقاءِ السلطان. فلما كان يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي القعدة وصل من السلطان بابتداءات شريفةٍ من سواكن فضربوا لأجله الطبلخانة ثلاثة أيام. وبرز العسكر للقاءِ السلطان يوم الرابع عشر من ذي القعدة وتقدمت الطبلخانة صحبة العسكر بأعلام جدد وخلعات جدد وبزة حسنة وآلة كاملة قد هيئت لوصوله. وتقدم الأمير بهاء الدين السنبلي إلى المخلاف آخر ذلك اليوم. ولما دخل العسكر زبيد أقاموا فيها
يومين أو ثلاثة ثم توجهوا نحو الجهات الشامية.
وكان خروج السلطان من البحر إلى ساحل الحادث يوم الاثنين السادس من ذي الحجة فسار إلى المهجم وعيَّد فيها عيد الأضحى من السنة المذكورة. وفي ليلة الجمعة السادس عشر من ذي الحجة وصل رسول من مولانا السلطان إلى موالينا جهة صلاح فنزلت من حصن تعز يوم الثامن عشر إلى المحلة وتقدمت حينئذٍ ليلة التاسع عشر من الشهر المذكور. ونزل صحبتهم بقية العسكر وأولاد الملوك. فكان دخولهم زبيد يوم الحادي والعشرين من الشهر المذكور. وتقدم السلطان من المهجم الزبيد في عساكره المنصورة
حتى إذا عقدت فيها القباب له
…
أهلَّ لله باديه وحاضره
وجددت فرحاً لا الغم يطرده
…
ولا الصبابة في قلب تجاورهُ
وكان دخوله بستان الراحة من زبيد يوم الأربعاء الثامن والعشرين من ذي الحجة. وقد عملت الفرحات والطلعات وزينت المدينة وفرح الناس بوصوله فرحاً عظيماً فأقام في محروسة زبيد أياماً.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الإمام الحافظ أبو اسحق إبراهيم بن عمر ابن علي بن محمد العلوي. وكان فقيهاً نبيهاً حنفي المذهب عارفاً محققاً واليهِ انتهت الرياسة في علم الحديث باليمن. وكان أخذه عن كبار العلماءِ كابي العباس بن أحمج بن أبي الخير الشماخي وإبراهيم بن محمد الطبري والحجار وغيرهم. وعنهُ أخذ فقهاء العصر واليهِ كانت الرحلة من الآفاق وحضر مجلسه جلة العلماء وكان جامعاً بين فضيلتي العلم والعمل. وكان متواضعاً سهل الأخلاق كثير البشاشة مسموع القول له قبول عظيم عند الخاص والعام درَّس في مدرسة أم السلطان بزبيد وهي المعروفة بالصلاحية. وكان ميلاده سنة ثلاث وتسعين وستمائة وتوفي وقت صلاة العشاءِ من ليلة السبت العشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة.
وفيها توفي الفقيه الصالح المشهور أبو بكر بن أحمد دعسين القرشي وكان فقيهاً بارعاً متفنناً زاهداً ورعاً باذلاً نفسه لطلبة العلم تفقه به كثير من الناس من أهل الجبال
والتهائم. وكان مشهوراً بالعلم والصلاح والتواضع يسعى من موضع إلى موضع في ثوب واحد إذا لم يجد لحافاً ولم يشتغل بكسب شيءٍ من الدنيا. وكان وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف الصبري. وكان فقيهاً بارعاً ذكيّاً تفقه بالفقيه عمر بن سعيد التعزي وبالفقيه عمر بن أبي بكر العرَّاف. وكان عمره عشرين سنة حفظ القرآن العزيز ونقل التنبيه والمنهاج غيباً وأخذ من النحو واللغة ما أعجز أمثاله ودرَّس في المدرسة السابقة بالحميرا. وكان ميلاده في التاسع عشر من صفر سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة رحمه الله تعالى.
وفي سنة ثلاث وخمسين أقطع السلطان ولده المظفرِ فشال وأقطع الصالح الكدراء وأمرهما بالتقدُّم إلى إقطاعهما فتقدما. ولذلك في أول شهر المحرم. ثم تقدم السلطان من زبيد إلى تعز فكان دخوله يوم العاشر من المحرم. فلما استقر في بلاده شفعت إليه والدته جهة صلاح في إطلاق المسجونين من الملوك فأطلقهم جميعاً وكانوا ثلاثة نفر. شمس الدين محمد بن الملك المنصور أيوب بن يوسف بن عمر وزين الإسلام أحمد بن محمد الناصر ابن الملك الأشرف عمر بن يوسف بن عمر. والثالث المفضل شمس الدين يوسف بن حسن بن داود بن يوسف بن عمر. وأطلق أيضاً معهم الشيخ عمر بن حسين الزميلي. وكان مسجوناً أيضاً ثم أمرهم بسكنى قرية السَّلامة فسكنوها إلى أن توفوا إلى رحمة الله تعالى. وأقام السلطان في تعز إلى شهر جمادى الأولى. ثم نزل فأقام فيها بقية جمادى الأولى وشيئاً من جمادى الآخرة. ثم تقدَّم إلى تعز وتقدَّم معه والداه الصالح والمظفر. فلما استقر في تعز جهز عسكراً لأهل بعدان. فكان القاضي صفي الدين أحمد ابن محمد بن عمار في محطة ومعه قطعة من العسكر. وكان القاضي فتح الدين في محطة ومعهُ قطعة من العسكر. وكان الطواشي أمين الدين أهيف في قطعة من العسكر من محطة ثالثة وشرعوا في بيعة في الجبل فلم يتفق لهم ذلك فأقاموا إلى شهر شعبان ونزلوا. وفي شهر شعبان الكريم أرسل السلطان بهدية جليلة وسار فيها ولده الناصر أحمد وسار
معه القاضي فتح الدين عمر بن محمد بن الخطباء. والأمير شمس الدين علي بن حاتم والطواشي نظام الدين حضير فتقدموا جميعاً إلى الديار المصرية. فتوفي الطواشي في عيذاب وقبر هنالك ولما وصل خبر وفاته بادر السلطان بإرسال الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني فتقدم مسرعاً فلم يدركهم إلا وقد دخلوا مصر.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الأوحد أبو الحسن علي بن الفقيه أحمد بن علي بن الجنيد وكان فقيهاً ماهراً نحويّاً لغويّاً بارعاً في علم الطب تفقه بجماعة من فقهاء تعز وأخذ عن ابن الأديب وعن ابن الأحمر ودرس في المدرسة الأسدية بتعز. وكان حسن الأخلاق كريم الطبع شريف النفس عالي الهمة وكان يقول شعراً حسناً على طريقة الفقهاء ثم انتقل إلى مدينة زبيد فسكنها واستوطنها واستمر بعيداً في مدرسة أم السلطان المعروفة بالصلاحية في زبيد. وولي القضاء الأكبر إلى أن توفي في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الماهر أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر بن سلمة الحبشي الوصابي وكان مولده عاشر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة فنشأَ نشوءاً صالحاً وختم القرآن في اقرب مدة وتفقه على والده. وكان ذا فهم وفطنة محباً في جميع العلوم ملازماً للقراءَة زاهداً عابداً كارهاً للدنيا رافضاً لها إلى أن توفي في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة أربع وخمسين وسبعمائة برزامر السلطان يقبض المشايخ بني زياد ومصادرتهم على يد الأمير بهاء الدين بهادر المجاهدي وكانوا ثلاثة نفر أحدهم مقطع لحج وأبين. والثاني ناظر الجهات الجملئية يحكم من المفاليس إلى المعافر. والثالث كان ناظر الجباية والتغزية يحكم إلى حد بطحوات وأَكثر عليهم الكلام وحسدوا وأُغرى السلطان بهم وكان لهم فضل ومروءة ومكارم أخلاق. وكان الناس يقولون هم برامكة الوقت لفضلهم وجودهم واستيلائهم على معظم مملكة اليمن. فنقل إلى السلطان عنهم ما غيَّر باطنه وظاهره فأوقع بهم وصودروا مصادرة قبيحة حتى هلكوا في المصادرة جميعاً في مدينة الجوه ودفنوا فيها فقبورهم هنالك والله أعلم رحمهم الله تعالى.
وفي شهر صفر من السنة المذكورة انفصل الملك المظفر من إقطاعه بفشال واستمر فيها الأمير شجاع الدين عمر بن العماد فكانت ولايته سبباً لخراب التهائم وذلك أنه لما تولى في الجهة المذكورة كانت ولايته على يد القاضي شهاب الدين أحمد بن قبيب وكان القاضي شهاب الدين أحمد بن قبيب المذكور ببعض الأشاعر ويتابعهم متابعة شديدة لميلهم إلى القاضي جمال الدين محمد ابن إحسان الوزير وكان القاضي شهاب الدين أيضاً غساني النسب فلم تعطفه عاطفة فأَخذ ابن العماد أَخذاً شديداً لمتابعتهم ولاسيما الشيخ أحمد بن عمر بن عبد الله الاشعري. فلما دخل ابن العماد فشال. وكان دخوله في جمادى الأُولى طلب الشيخ أحمد بن عمر وقال له أريد منك خمسة آلاف دينار. فقال بأَي حجة فقال مالك طريق إلا على تسليمها طوعاً وكرهاً فخرج الشيخ من عنده. وتقدم إلى قرية المخيريف ولم يأْته بعدها فكتب إليه يطلبه فاعتذر عن الوصول ثم طلبه مرة أُخرى فاعتذر وقال لا ادخل فشال أبداً. فكتب ابن العماد إلى القاضي شهاب الدين يعلمه بامتناعه عليه فكتب القاضي شهاب الدين إلى السلطان يسأَله أن يكون الأمير حسام الدين لاجين مقدماً في فشال فأُجيب إلى ذلك. فنزل الأمير الحسام لاجين إلى فشال. فركب ابن العماد إلى المخيريف لجباية الأموال بها. وكان خروجه إلى المخيريف يوم الثالث عشر من ذي القعدة. فلما وصل المخيريف دخل في عسكر جيد من الخيل والرجل فطلب الشيخ أحمد بن عمر فوصل إليه في جماعة من أهله وعبيده. فلما دخل عليه هد عليه وأسمعه من الكلام ما لا يحسن فخرج الشيخ وهو في أشد ما يكون من الغيظ. فلما جن الليل عول على رجل من أهل البلد أن يدخل على الأمير ويصلح بينه وبينه بما يرى فيه المصلحة فتقدم ذلك الرجل إلى الأمير وحادثه ساعة ثم شرع في حديثه فلم يتفق له معه أمر بل وجده على أخبث نية فيه. وكان آخر كلامه والله ما لي طريق إلا على أخذ رأْسه ولا أخرج من المخيريف إلا به. فخرج ذلك الرجل إلى عند الشيخ أحمد بن عمر وأَخبره بجميع ما سمع من الأمير فقال له الشيخ جزيت خيراً. فلما أصبح الشيخ ركب حصانه وطلب ابنه علي بن أحمد وكان ابنه فارساً فتاكاً فأوصاه بالأمير وخرج على حصانهِ لبعض الأمور فطلب ابنه نفرين من بني عمه وعبداً من
عبيد أبيه ودخلوا على الأمير من غير إذن فوقعوا عليه. وكان عنده أحد غلمانه فلما نظرهم الغلام أخذ شيئاً من سلاحه وقصدهم فانفرد له واحد منهم فتضاربا حتى وقعا على الأرض قتيلين ومضت الجماعة على الأمير فقتلوه موضعه فتشعشع العسكر فقالوا لهم كلكم في الأمان والضمان فخرجوا ولم يتعرض لهم أحد وكان قتله يوم الرابع عشر من القعدة من السنة المذكورة فاستمر القاضي عفيف الدين عثمان بن سليمان بن طلحة الدوري فوصل وقرر أحوال الناس.
وفي هذه السنة نزل السلطان إلى زبيد في آخر شهر ربيع الأول فأقام فيها أياماً.
وتوفي القاضي صفي الدين أحمد بن محمد بن عمار المعروف بالنشو وكان وفاته ليلة السبت الثالث عشر من شهر ربيع الآخر وقبر عند قبر الأمير بدر الدين حسن بن علي الحلبي على جنب طريق الزّيبة من باب سهام. وطلع السلطان تعز في أول شهر جمادى الأولى فلما استقر في تعز أمر القاضي جلال الدين علي بن محمد بن عمار وزيراً في الباب الشريف. وفي أول ليلة استمر في الوزارة حرقت الركبخانة وحرق جميع ما كان فيها من ذهب وفضة وجواهر وسروج وغير ذلك مما يساوي بثلاثمائة ألف دينار.
وفي شهر رجب استخدم السلطان العساكر ونهض إلى المخلاف فحط في دار السلام من جبلة. وحط الطواشي صفي الدين أبو معلق والصارم بن حباجر والمشايخ بنو ناجي في مصال. وكان معهم من العسكر أربعمائة فارس وثمانية آلاف راجل. وكان الأمير البهاء السنبلي والقاضي شهاب الدين أحمد بن قبيب والأمير بدر الدين علي بن إسماعيل بن إياس في مدين وكان معهم من العسكر مائة فارس من الباب وخمسون من الأكراد وأربعة آلاف راجل فأحاطت العساكر بالجبل وضيقوا على أهل بعدان ضيقاً شديداً. فلما رأى السيري ما هم فيه من الضيق وتزايد الأمراء أراد الحيلة في ذلك وكان رجلاً دهياً مكاراً فطلب فقيراً من المدروزين ووهب له شيئاً ووعده بشيء آخر. وقال له أريد منك أن تنفعنا حتى ننفعك قال وبماذا أنفعكم.
قال نتقدم إلى خيمة السلطان ونقول للزمام عندي نصيحة للسلطان وأريد مواجهته ولا اذكرها إلا له. فإذا دخلت على السلطان قلت له يا مولانا السلطان أنا رجل فقير مدروز وبت هذه الليلة في المسجد الفلاني من بعدان. فلما كان نصف الليل وصار جماعة إلى المسجد ووقفوا ساعة ثم جاء جماعة آخرون فإذا هم أهل بعدان وجماعة من أهل الشعر. فاتفقوا وتحالفوا على أن أصحاب الشعر ينزلون إليكم مغيرين ومستنهضين لكم في فتح الحرب على أهل بعدان. فإذا افتتح الحرب وطلعتم للقتال أحاطوا بكم وأشاروا لأهل بعدان بالجملة فيأخذونكم باليد وهم واصلون إليكم غداً أو بعد غد وقد والله أكلنا صدقاتكم غير مرة وإحسانكم علينا وعلى غيرنا كثير. وأردت أن أطلعكم على ما قد اجمع رأيهم فلا يطلعوا إلا على أهبة. فقال له السلطان بارك الله فيك ووهب له نحواً من خمسين ديناراً. وكان أهل الشعر يقاتلون مع السلطان قتالاً عظيماً. وكان القاضي جمال الدين يشكرهم للسلطان ويثنى عليهم عنده وفي مكاتباته. فلما أظل العيد أمرهم القاضي جمال الدين بأن ينزلوا إلى الباب الشريف لأجل العيد.
وفي ظن القاضي جمال الدين أن السلطان يكسوهم ويحسن إليهم فانهم يزدادون بذلك اجتهاداً في القتال ومحافظة على النصيحة. فلما علم السيري بأنهم سينزلون إلى باب السلطان صنع هذهِ المكيدة. فلما نزلوا إلى الباب الشريف طلب السلطان عبيد السلاح وجماعة من الغز ولزم منهم ثمانية عشر شيخاً وقيدهم للفور وأطلعهم حصن تَعْكَر وهرب من أصحابهم من هرب. فلما اتصل العلم بأهل الشعر هجموا المحطة ولزموا القاضي جمال الدين محمد بن حسان والأمير البهاء السنبلي وحرّقوا المنجنيق فارتفعت المحاط وهرب الأكراد إلى ذَمَار وارتفع السلطان إلى الجَنَد واتصل الخلاف وظهر الفساد في كل ناحية.
وفي هذه السنة نزل القاضي جلال الدين علي بن محمد بن عمار لاستخراج أموال الجهات الشامية. وكان نزوله في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة.
وفيها توفي الفقيه الصالح تقي الدين عمر بن أبي بكر العرَّاف. وكان مولدهُ
في تاسع المحرَّم من سنة ثمان وثمانين وستمائة. تفقه بابن النحوي وتزوَّج ابنته. ولما احتضر ابن النحوي أوصى إليه في ضم تركته وقضاء دينه فقام بذلك أتم قيام. ثم خلفهُ في تدريسه بالعربية فوقف فيها مدة ثم حج سنة خمس وعشرين وسبعمائة وجاور بمكة سنتين ثم رجع إلى اليمن فقابله المجاهد بالإجلال والإكرام. وكان له عنده منزلة عظيمة وأمرهُ مدرساً في مدرسته التي أنشأها في مدينة تعز وجعل نظر الخانقة بحيس. وكان يعدُّ من أهل الزهد والورع وسعة العلم. وكان شريف النفس بشوشاً وامتحن بقضاء تعز مدة في أيام ابن الأديب ثم عزل عنه. وكان وفاته يوم السابع من جمادى الآخرة من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه البارع عفيف الدين عبد الأكبر بن الفقيه أحمد الجنيد وكان فقيهاً عاملاً عابداً زاهداً ورعاً حسن السيرة. ولى قضاء السحول في مدة ثم تولى القضاءَ في مدينة تعز وأقام فيه مدَّة ثم تولى قضاء الأقضية في أيام الملك المجاهد. وكانت سيرته مرضية وكان له فهم جيد وحسن نظر وسياسة في الأحكام يعجز عنها غيره. وكانت وفاته بالسهولة في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة خمس وخمسين وسبعمائة استورد القاضي شهاب الدين أحمد ابن قبيب أمر السلطان إلى صاحب فشال أن يغير بالعسكر المنصور على الأشاعر وأن يغير بالقرشيين عليهم وكتب إلى القرشيين يأمرهم بالغارة على الأشاعر كما ورد الأمر الشريف فخرج المقدم لاجين في السكر السلطاني من فشال وخرج أهل القرشية أيضاً في جمعهم وسبق العسكر قبل وصول القرشيين فاقتتلوا ساعة من نهار فانهزم العسكر ورجعوا خائبين.
وأقبل أهل القريشة عند هزيمة العسكر فاقتتلوا قتالا شديداً حتى قتل من كل طائفة ثم افترقوا فقال الشيخ أحمد بن عمر يا هؤلاء الناس ما لنا بقتا السلطان من طاقة فارتفعوا عن البلاد فارتفعوا عنها وتفرَّقوا في وادي زبيد وفي الجوار. فكان خروجهم من البلاد سبب خراب التَّهائم كلها وذلك أن المعازبة اتفقوا هم وأهل القرشية على الفساد فاخرجوا وادي زبيد ووادي رِمَع شيئاً فشيئاً. وكانت الأشاعر ترساً على الودايين ولجاماً في رؤوس المعازبة. فلما غابت
الأشاعر عن البلاد تقلبت المعازبة ووجدوا مقرَاً في طرف البلاد.
ثم أن القاضي جلال الدين علي بن محمد بن عمار رجع من الجهات الشامية في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. وكان في صحبته عدة من غز الرتب نحو من مائتي فارس فاتفق رأيهم على غزو المعازبة فقصدهم العسكر المذكور يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. وكانت المعازبة حلالاً في أطراف الوادي رمع بعد خراب المخيريف. وقد كثرت خيلهم يومئذٍ فلما وافاهم العسكر استتروا عنهم حتى أخذ العسكر شيئاً من أموالهم واجتمعت خيل المعازبة بأسرها وحملوا على العسكر وقد افترق العسكر فهزموهم هزيمة شديدة وقتل المقدم لاجين وقتل معه طائفة من العسكر فأخذوا من الخيل شيئاً كثيراً فرجع ابن سمير إلى فشال فأقام فيها إلى شهر رمضان. ووصل الشجاع ابن يعقوب أميراً في رمع فأقام إلى آخر السنة.
وفي هذه السنة جهز السلطان هدية جليلة إلى الديار المصرية وتقدم فيها الطواشي صفي الدين جوهر الرضواني فالتقاهم شعب عند جبل الزقر فانصلحت القطعة التي فيها الطواشي فهلك هو وجماعة من الذين معه. وكان هذا جوهر الرضواني معدوداً في أهل الرياسة معروفاً بكرم النفس وعلو الهمة وعذوبة الأخلاق خدم الجهة الكريمة جهة الطواشي شهاب الدين صلاح والدة مولانا السلطان الملك المجاهد وجعلته زمام بابها وأضافت إليه أمورها كلها فارتفع شأَنه وكان له سيرة حسنة. ونال من السلطان ثقة تامة وعول في كثير من الأمور عليه وندبه سفيراً في الهدية الأولى لما توفي الطواشي خضير. فقام في ذلك أحسن قيام وعاد على أحسن حال ثم ندبه في هذه الهدية فتوفى كما ذكرنا وكانت وفاته في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة وقبر في مقبرة باب سهام رحمه الله تعالى.
وفي سنة ست وخمسين قويت شوكة العرب المفسدين في التهائم فاجتمع المعازبة وأهل القريشة ورماة البسيط والقحراء ومن انضم إليهم وقصدوا قرية المخيريف بأجمعهم في آخر شهر المحرم فأحاطوا بالقرية فخرج أهل القرية لقتالهم
فقتل الشيخ أحمد بن عمر بن عبد الله الأشعري وقتل معه جماعة من أهل القرية وكانت الوقعة في آخر النهار فلما أصبحوا انتقلوا عن القرية وخرب بخرابها طائفة من قرى رمع وهي الرقبة والمكابرة والحلة والمقترعة والمضرب والبطة والكحلاني ومحل كهلان. وخرب أيضاً بعض قرى الوادي زبيد ولكن تراجعوا بعد أيام. وأما هذه القرى المذكورة من رمع فما رجع منعا إلا الرقبة فان أهلها رجعوا وأقاموا فيها مدة ثم خرجت أيضاً ثم رجعوا وأما القرى المذكورة فلم يرجع منها شيء إلى وقتنا هذا.
ثم استمر القائشي فضمن وادي زبيد ورمع والقحمة فاختبطت عليه البلاد وما عرف ما يفعل فحمل من وادي رمع خمسة عشر ألفاً فلما تحقق السلطان عجزه فصله وأمر القاضي جمال الدين محمد بن حسان الوزير وكان استمراره في آخر السنة المذكورة.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو يعقوب إسحاق بن الفقيه أحمد بن يحيى بن زكريا وكان ميلاده لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول من سنة اثنتين وثمانين وستمائة. وكان تفقه بأخويه محمد وداود وغيرهما ودرس في الأتابكة بذي هزيم ناحية من نواحي تعز ثم درس بالمؤَيدية وتفقه به جماعة من أهل العصر. وكان ممن يعّد محققاً وكان عارفاً بالفقه نقالاً للمذهب لا تدور الفتوى في تعز إلا عليه. ثم على الفقيه أبي بكر بن جبريل. وكان عالي الهمة شريف النفس توفي في أثناء السنة المذكورة بزبيد وقبر في مقبرة باب سهام شرقيها وقيل كانت وفاته في سنة ستين وسبعمائة والله أعلم رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الأمير الكبير أقباي بن عبد الله الحاجب التركي وكان ذا ديانة ونسك وله مقامات مشكورة قل أن يوجد نظيره في أبناء جنسه وكانت وفاته يوم الأحد السابع عشر من شهر صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة سبع وخمسين وسبعمائة اشتد فساد العرب في التهائم وكثرت خيول العرب المفسدين وأخرجوا عدة من القرى وانقطعت الطرق وانضم القرشيون إلى المعازبة فكانوا يغيرون على أطراف البلاد للقتل والنهب والحريق.
وفيها أقطع السلطان ولده الملك الصالح القَحْمَة فسار إليها وقد عظمت شوكة العرب وعظم الفساد فلم يصنع شيئاً وكان فيها المحصور. ثم أن القاضي جمال الدين محمد بن حسان جمع العسكر الذي معه في فشال وطلب عسكر القحمة وجمع فيها جمعاً كثيراً من العرب وقصد القرشية فأغارت المعازبة بخيلها ورجلها فانهزم العسكر وقتل من الرجل طائفة وجماعة من الخيل وفي جملة من قتل الأمير سيف الدين الشهابي أستاذ دار الملك الصالح وكان فارساً شجاعاً وكانت الوقعة يوم السبت الثامن والعشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة. وحمل القاضي جمال الدين محمد بن حسان نيفاً وسبعين ألفاً من رمع وشكر السلطان همته وفي سنة ثمان وخمسين انفصل القاضي جمال الدين محمد بن حسان من رمع واستمر فيها الملك الصالح واستمر الأمير شمس الدين علي بن حسن الحلبي في القَحْمة.
وفي هذه السنة وصلت التجار من الجهات الشامية بعدة من الخيل يريدون بها موسم عدن كما جرت عادتهم فلما دخلوا فشال رأتها الأشاعر ونظروا انتشار الفساد في البلاد فاخذوا الخيل الواصلة إليهم بأسرها وكان أخذهم للخيل يوم الرابع عشر وكان ذلك بموافقة الوالي كما قيل وهو الأمير بدر الدين حسن بن باساك فلما ركبوا الخيل امتنع المعازبة من وادي رمع. فأمر السلطان بقبض الأمير المذكور فقبض في شهر رمضان وكان الذي قبضه الأمير بهادر المجاهدي وهو يومئذ أمير جاندار الباب وطلع به تحت الحفظ إلى السلطان فأمر السلطان بشنقه فشنق في آخر شهر رمضان المذكور.
ونزل الملك الصالح إلى أقطاعه فشال في شهر شوال ونزل بعده الوزير القاضي جمال الدين محمد بن حسان في عسكر من الباب نحو من سبعين فارساً خارجاً عن عسكر الملك الصالح. ولما امتنعت المعازبة عن وادي رمع باجتماع الأشاعر في فشال اجتمع المعازبة وقصدوا مدينة القحمة فحرقوها وأخرجوها ونهبوا أهلها نهباً شديداً وانتقل أميرها إلى بيت الفقيه ابن عجيل بنشبه وثقله. ولما وصل الملك
الصالح فشال ومعه الوزير في العسكر كما ذكرنا انتقلت الأشاعر من فشال إلى قرية الغزالين وهي أَعلى وادي رمِع فأقاموا هنالك وتركوا سائر البلاد خوفاً من السلطان فكانت المعازبة تغير على وادي زبيد تمر في حدود المخيريف وهي خراب لا ساكن فيها وكثر تكرارهم هنالك فتبعهم جماعة من خيل الأَشاعر من الغزالين فقتلوا منهم ثلاثة نفر من الفرسان وهم حسن بن بهيلة وكان كبيراً من كبرائهم سناً وقدراً وكان قتله في شوال من السنة المذكورة. فأَرسلت المعازبة إلى سائر قبائل العرب المفسدين كالقحرا ورماة البسيط ومقاصرة الشام والعامريين واجتمعت دؤال بأسرها وكافة القرشيين خيلاً ورجلاً وقصدوا الأشاعر إلى الغزالين وتركوا كافة الخيل والرجل في ثلاثة مكامن من غربي الغزالين بمسافة. وأَتاهم نحو من عشرين فارساً من شرقي القرية فساقوا أموال الأشاعر وساروا بها نحو تلك المكامن المذكورة فتبعهم الأشاعرة فانبعثت عليهم المكامن فلم يرجع من الأشاعر في تلك الليلة إلا من لم يُعرف. وكانت القضية في وجه الليل فكان الحاضرون أكثرهم لا يعرفون الأشاعر ولا يعرف بعضهم بعضاً. وكان ذلك يوم الثلاثاء السابع والعشرين من ذي القعدة فقتل من الأشاعر يومئذ وممن معهم سبعة وثلاثون نفراً منهم خمسة وعشرون فارساً واقتلعت خيلهم. وكان في جملة المقتولين يومئذ الجلال ابن معيبد وعبد الله بن القلقل وابن قرين وأبو بكر بن الدبر وكان أفرس أهل عصره وأشجعهم.
وفي يوم الثامن والعشرين صبحت المعازبة فشال فخرج الملك الصالح والوزير محمد بن حسان ومن معهم من العسكر وانتقلوا إلى مدينة زبيد وخرجت فشال وارتفع الحكم عن وادي رِمَع بأسره.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الفاضل عمر بن محمد بن الجبلي بضم الجيم وفتح الباء الموحدة وكان فقيهاً عارفاً مشتغلاً بالفقه كان من اعلم أهل عصره بالطب في مدرسة زبيد وانتفع به كثير من الناس. وله أوصاف في الطب يعرفها كثير من أهل زبيد. وكان فقيراً قانعاً بما هو فيه من العيش صابراً على ذلك إلى أن توفي في أثناء السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الفقيه الصالح ابو عبد الله محمد بن عثمان بن حسن بن شنيبه المقري وكان عارفاً بالقراءَات السبع وطرقها مشاركاً في الفقه والحديث والنحو أَخذ علم القراءة عن عدة من الأئمة منهم المقري علي بن شداد. وموسى ابن راشد الحرازي ويوسف بن محمد الأصابي الجعفري. واخذ بمكة عن الإمام برهام الدين إبراهيم بن مسعود بن إبراهيم المروزي. والشيخ أبي زكريا يحيى بن عبد العزيز بن سالم الزواوي واخذ الحديث عن الإمام أبي اسحق إبراهيم بن عمر العلوي. وانتفع به كثير من الناس في فن القراءة خاصة وعليه قرأَت القراءات السبع أفراداً وجمعاً. واخبرني شفاهاً انه رأَى في النوم انه يقرأْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وفاته في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي تسع وخمسين وسبعمائة نزل السلطان إلى زبيد في عسكر جيد وأرسل لابن ميكائيل إلى حَرَض. فوصل أيضاً في عسكر ووصل معه طائفة من غز الرتب. فخرج السلطان في جمع كثيف يريد المعازبة والقرشيين فارتفعوا عن بلادهم ولم يظفر السلطان منهم بأَحد فحرّق بلادهم ورجع. وفي هذه الغزوة قتل ياقوت عبد ابن ميكائيل وكان فارساً شجاعاً إلا أنه لا يعرف البلاد. فلما انفرد عن العسكر قتل. ولما رجع السلطان إلى زبيد أقام أياماً ثم طلع تعز ورجع ابن ميكائيل إلى بلاده حّرَض وتقدم السنبلي إلى إقطاعه الجثة ونزلت المعازبة وسائر المفسدين إلى بلادهم فلما استقروا أقاموا أياماً ثم اجتمعوا نحو الكدراء في آخر شهر صفر فأخربوها وحرقوها فارتفع الحكم عن وادي سَهَام واتصل الخراب والفساد وانقطعت السبل وصار أهل زبيد لا يتصلون بأهل المهجم وأهل المهجم لا يتصلون بأهل زبيد.
وفي اليوم السابع من شعبان من السنة المذكورة قصدت المعازبة والقرشيون النخل من وادي زبيد فنهبوا أهله وانقطع الحكم فيه وخرج أهله منه لا يملك أحدهم قوت يومه ثم اقتسموا النخل فكان الأبيض للقرشيين والمغارس العليا لبني يعقوب من المعازبة والمغارس السفلى لبني بشير وارتفعت أيدي أهل النخل عن أملاكهم وتملكه العرب.
وفي اليوم الثالث والعشرين من شوال اجتمعت طوائف الفساد من المعازبة والرماة والقحرا وقصدوا الجثة وفيها يومئذ الأمير بهاء الدين السنبلي فأحاط العرب بالقرية ومن فيها فخرج إليهم الأمير بها الدين السنبلي ومن معه فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل جماعة من العسكر وقتل محمد بن السنبلي وأخوه مقبل وجرح أبو بكر جراحة شديدة وكان معدوداً من جملة القتلى وانحاز السنبلي ومنه معه من بقية العسكر إلى المهجم وأميرها يومئذ الكمال ابن التهامي.
ثم اجتمعت العرب جميعاً في شهر ذي الحجة من السنة المذكورة وأرسلوا إلى أهل سُرْدد يشتورونهم في قصد المهجم وكان رئيس بني عبيدة يومئذ حسن بن أبي القاسم ورئيس الزيديين ابن حفيص فاتفقوا على قصد المهجم يوم الاثنين الثالث من ذي الحجة من السنة المذكورة فوصلت المعازبو والرماة والقحراء إلى المهجم في اليوم المذكور قبل طلوع الشمس وتأَخر أهل سردد فوقعت الهزيمة في العرب فقتل منهم اكثر من مائة رجل وأقبل ابن حفيص وأهله من الزيديين وحسن بن أبي القاسم العبدي في أهله من بني عبيدة فلقيهم الهارب من العرب فرجعوا من حيث جاءوا.
وفي هذه السنة توفي الفقيه البارع ابو الغيث محمد بن راشد السكوني وكان فقيهاً فاضلاً عارفاً متفنناً جامعاً لعلوم شتى من الفقه والنحو واللغة وعلم المعاني والبيان والعروض والقوافي وله مصنف لطيف يدل على جودة معرفته وصفاء ذهنه وتدقيق فطنته وولي القضاء مدى في فشال. ثم انتقل إلى زبيد فدرس بها في المدرسة العفيفية ثم ولي القضاء في مدينة زبيد مدة. ثم نقله السلطان الملك المجاهد إلى مدرسته التي أنشأَها في مدينة تعز بناحية الجبيل فأقام هنالك إلى أن توفي مسموماً على ما قيل في السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة ستين وسبعمائة نزل القاضي شهاب الدين أحمد بن علي ابن قبيب ونزل معه من أولاد السلطان الولد المسمى أحمد الناصر في عسكر جيد من الباب فوقف في زبيد شدَّاده وكانت خيول العرب تدور حول المدينة في كل يوم لا تغيب أبداً.
ولما كان يوم النصف من شهر ربيع الآخر جاء الشيخ أبو بكر بن عراب القرشي المعروف بالهبل وكان داهية الزمان ووصل معه ابن عمه علي ابن محمد بن عمر بن عراب يريدان حاجة من زبيد. وكان من عادة العرب في ذلك الوقت أن من بدت له حاجة إلى المدينة وصل ووقف خارج المدينة على حصانه وان من وجده من الخطابة أو الحشاشين أو غيرهم أرسله إلى من يريد من معارفه يطلب منه الحاجة التي جاء بسببها ويعلمه بمكانه الذي هو فيه. فلما وصل الهبل وابن عمه كما ذكرنا أرسلا رسولاً إلى الأمير الصارم ابن نشوان وكان يظهر لهم الصداقة هو وغيره لاحتياج الناس إليهم. فلما جاء الرسول وأعلمه بمكانهما صنع لهما طعاماً نفيساً وكذلك كان يصنع هو وغيره. ثم انه جعل لهما في ذلك الطعام شيئاً كثيراً من البنج واخرج لهما ماء مطيباً وفيه ما فيه من البنج أيضاً فأكلا بحسب الكفاية وشربا من الماء ووفقا ينتظران الحاجة التي جاءَا بسببها فأثر فيهما البنج تأثيراً كلياً. وكان الهبل لا يعتاد مسكراً فلما وجد من نفسه ما وجد من الانحلال عرف أن الطعام مشغول. وكان ابن عمه يعتاد المسكر وقد كان في ذلك اليوم استعمل شيئاً منه فلما وجد من نفسه ما وجد ظن إنه عمل المسكر الذي كان استعمله فلما أيقنا بالشر قاما ليركبا فرسهما فركب الهبل وعجز ابن عمه عن القيام من موضعه ذلك. وقيل إنه ركب وسقط عن فرسه. فأخذ الهبل فرسه وسار بالفرسين معاً. وهذا الفعل من الصارم بن نشوان بإشارة ابن قبيب. وكان قد أرسل جماعة من العسكر حينئذ إلى باب النخل وأقام جماعة فوق السور ينظرون ما يكون من الأمر. فلما نظروا الهبل قد ركب فرساً وجنب الآخر صرخوا عليه وخرج بعسكر فلزموا علي بن محمد ووجدوه مطروحاً لا يعقل شيئاً فاركبوه جملاً ودخلوا به المدينة. وأما الهبل فإنه ساق فرسه لما خرج العسكر من زبيد فلما صار في أثناءِ الطريق سقط وقد اشتد عليه الأمر وحمى النهار ففطس وسار الفرسان يطرَّدان حتى دخلا القرشية فصرخ الصارخ في القرية وخرج أهل القرية يقصون أثر الخيل حتى وجدوا الهبل ميتاً قد تفطر جسمه من شدة الرمضاء فحملوه وقبروه وأقام ابن عمه معتقلاً في زبيد إلى أن نزل السلطان في ذي
القعدة. وفي يوم الأربعاء الخامس من شهر رمضان وقع مطر شديد في مدينة زبيد ونواحيها وكان ابتداؤَه وقت آذان العصر إلى ما بين المغرب والعشاء فهدمت بيوت كثيرة على أصحابها. ومات تحت الهدم على ما سمعت في مدينة زبيد نحو من ثمانين إنساناً ولم يبق بيت من بيوت المدينة صغيراً كان أو كبيراً إلا ما تشعث بعضه ومنها ما استولى عليها الخراب وهو كثير أيضاً.
وفي شهر ذي القعدة نزل السلطان إلى زبيد في عسكر جيد يريد الخروج على المفسدين من العرب وأرسل إلى الأمير نور الدين محمد بن مكائيل فلم يصل بل دافعه بالكتب مرة بعد أخرى وكان قد حسن له جماعة من بطانته أن يستولي على الجهات الشامية وهي سَهَام وسُرْدد ومَوْر ورحبان وبترك دؤَال ورمع خراباً فإذا قد استقوى بأموال الجهات المذكورة وغلب عليها قصد بعد ذلك زبيد وحينئذ تتسق له التهائم بأسرها وهي أمهات الأموال فيعجز السلطان وغيره عن مقاومته فوقع هذا الكلام منه موقعاً ورأى إنه كائن لا محالة فامتنع عن الوصول إلى السلطان.
وحصل من قضاء الله وقدره في الخيل من دواب السلطان وغيره داء يقال له مشفرا وقيل مشيفر فهلك في مدة يسيرة من خيل السلطان والعسكر عدد كثير حتى كاد يستولي عليها كلها فأخر السلطان عزم الخروج في ذلك الوقت.
وفي هذه السنة توفي القاضي جلال الدين علي بن محمد بن أبي بكر بن عمار وكان يومئذ يتولى الوزارة للسلطان وكانت له رياسة وسياسة وكان عاقلاً ساكن الريح حسن السيرة وتولى نظر عدن قبل أن يتولى الوزارة وكانت وفاته يوم الثالث والعشرين من شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي الأمير صارم الدين داود بن إبراهيم الدمرداشي وكان أميراً كبيراً عالي الهمة من كبراء الأمراء ممكناً عند السلطان له سيرة حسنة وكانت وفاته في سلخ صفر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة إحدى وستين طلع السلطان من زبيد في غزة شهر صفر فلما استقر في
تعز نزل القاضي عفيف الدين عثمان بن سليمان بن طلحة الدوري في جماعة من العسكر ووقف في زبيد مقدماً عوضاً عن القاضي شهاب الدين أحمد بن قبيب. وطلع ابن قبيب إلى الباب الشريف. وقد استولى الخراب على معظم التهائم ولم يبق من وادي زبيد إلا ثلاث قرى أو أربع وإلا المدنة وكانت الخيل تظل تدور حولها كل يوم.
وفي هذه السنة وصل الشريف الكبير علي بن محمد المعروف بابن الجارية إلى مدينة المهجم وكان معه جماعة من بني الحمزة الشرفاء فخرج في لقائه أمير البلد الشجاع بن يعقوب ومقدمها يومئذ الأمير شمس الدين علي بن حاتم وبعض مشايخ العرب. فلما وقفوا في الميدان وأرادوا أن يلعبوا تنازعوا في التقدمة فاقتتلوا فانحاز أهل المدينة ومن معهم من عسكر أباب إلى المدينة. ومنعوا الشريف وأصحابه من دخول المدينة. فاصلح بينهم الأمير شمس الدين علي بن حاتم ودخلوا المدينة وجلس الشريف فيالدار. ثم أن بعض غلمان الأشراف اخطأَ على واحد من أهل المدينة فلزم وأتى به إلى الشريف فأمر بقطع يده فقطعت للفور فغضب الأشراف وخرجوا من المهجم راجعين إلى بلادهم. وبقى الشريف علي بن محمد في جماعة من أصحابه. وكان السلطان قد أحال له على الأَمير صارم الدين داود بن خليل صاحب المحالب بمال فانتقل إلى المحالب بسبب ذلك. فدافعه صاحب المحالب ولم يعطه إلا التافه اليسير. فلما رأى الشريف انه غالب له على حوالته خرج إليه في جماعة من أصحابه فدخل عليه بيته وقتله فيه وأخذ من بيته ما وجده فيه من المال والقماش والدواب والسلاح وكان قتله ليلة الجمعة السادس عشر من شهر جمادى الأولى من السنة المذكورة. فلما علم الأمير شمس الدين علي بن حاتم بقتل داود بن خليل أرسل إلى القائد وهاس وبعث إليه بعكسر المهجم وقد جعل عليهم شرياً يقال له علي بن حازم وأمر على القائد أن يسير في العسكر والعرب لقتال الشريف وإخراجه من بلاد السلطان. فسار القائد وهاس والشريف بن حازم فيمن معهما من العسكر وعرب
البلاد إلى المحالب فخرج إليهم الشريف علي بن محمد وسأَل من القائد أن يمهله يومه ذلك. فإذا كان الليل خرج من بلاد السلطان. فقال القائد ما تخرج إلا الساعة وإن لم تخرج راضياً خرجت غير راض فلم يجبه إلى الخروج فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل القائد وقتل معه تسعة نفر وانهزم الباقون هزيمة شديدة. وكان ذلك يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر المذكور. فلما علم ابن حاتم بذلك ارتفع من المهجم ورجع إلى السلطان وكان رجوعه في البحر من ساحل الجردة. ولما قتل القائد كما ذكرنا سار الشريف علي بن محمد من المحاب يريد المهجم فدخلها يوم الأحد الخامس والعشرين من الشهر المذكور وأمامه رأس القائد ورؤوس أصحابه الذين قتلوا معه فلما دخل الشريف المهجم قبض الشجاع بن يعقوب أميرها يومئذ وولى فيها الكمال بن التهامي ولم يزل يعذب ابن يعقوب حتى هلك من شدة العذاب. وكان وفاته ليلة الجمعة السابع من شهر جمادى الثانية من السنة المذكورة.
ولما استولى على المهجم أرسل جماعة من الغزالي المحالب فوقفوا في البستان فقصدهم العرب فهربوا من المحالب فنهبها العرب وحرقوها. ثم خرجت القواد في كل ناحية والى كل قبيلة من قبائل العرب يستغيرون بهم فجمعوا المعازبة والرماة والقحراء وعرب وسردد وقصدوا الشريف في المهجم فخرج إليهم فهزمهم إلى الحرمة. ثم عاودوه في النهار الثاني فخرج إليهم فانهزموا إلى أطراف المدينة ثم تفرقوا عنه وعاودوه في اليوم الثالث فأحاطوا بالمدينة فوقف الشريف يمانعهم إلى آخر النهار ثم انه استذم المعازبة وخرج في ثقله بالليل فلما اصبحوا دخلوا المدينة ونهبوها وحرقوها واخذوا منها أموالاً لا تحصى ولا تحصر وذلك في يوم الاثنين الثاني من شهر رجب من السنة المذكورة واستولى الخراب على التهايم كلها ولم يبق الا زبيد وحرض.
فلما استولى الخراب على البلاد كما ذكرنا ثار الأمير نور الدين محمد بن ميكائيل واستخدم العساكر وحدثته نفسه بتصديق ما خيل له أصحابه فطلب أشراف صعدة وغيرهم فلما اجتمعت العساكر عنده في حرض قدم الأمير شهاب الدين أحمد
بن علي بن سمير. وكان فارساً هماماً فصيح اللسان حديد الجنان فسار بالعساكر من حرض إلى قرية البرزة فأقام فيها وكانت المحالب يومئذ خراباً فأراد أن يعمرها وتكون إقامة العسكر في البرزة وأرسل إلى الرعايا يطلب منهم واجبات الديوان. فلما وصل كتابه إلى الضميين امتنعوا عن الوصول إليه وأرسلوا العرب السرددية يطلبونهم لحربه وقتاله فأسرعوا إليهم فاجتمعت العرب من الضميين ومن انضم إليهم وعرب السرددية وقصدوا ابن سمير ومنع معه إلى البرزة فخرج إليهم فيمن معه من العسكر فاقتتلوا قتالاً شديداً ووقعت الهزيمة في العرب فقتل من العرب نحو ثلاثمائة إنسان فيهم من أهل الواسط أكثر من مائة رجل. وكانت الوقعة يوم الرابع عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة.
ولما انقضت الوقعة سار ابن سمير ومن معه من العسكر إلى المحالب واستولوا عليها ودخل العرب في طاعتهم طوعاً وكرهاً.
وفي هذه السنة توفي الملك المنصور عمر بن السلطان الملك المجاهد رحمه الله تعالى.
وفي هذه السنة أيضاً توفي رجل غريب في جامع المرثاة من حارة وادي زبيد فأقام في الجامع أياماً ثم توفى له كنفاً فحفروا له قبراً ولفوه في حشر الموز وربطوه بشعار وأدخلوه القبر فلما استقر في اللحد وصل الشيخ يوسف ابن نجاح الصوفي بثوب يريد تكفينه فيه فوجدهم قد أنزلوه في اللحد فنزل يريد أن يخرجه من القبر فلم يجد في القبر إلا حشر الموز فأخرج الحشر إلى خارج القبر ودفنوا القبر ترابا على غير ميت وهو معروف بقبر الغريب والله أعلم.
وفي سنة اثنتين وستين سار العسكر من حدود المحالب إلى سردد وذلك في أول شهر صفر من السنة المذكورة فاجتمعت عرب سردد جميعاً في بيت حسين ثم خرجوا من بيت حسين يريدون العسكر فلما اتجهوا هربت العرب من غير قتال فتبعهم العسكر وقتلوا منهم شيئاً كثيراً ولكنه اقل من القتلة الأولى وسلبوا سلبا كثيرا ودخلوا بيت حسين فحرقوا بيت العبيد والشرجة وبيوت بني وهبان وكانت هذه الوقعة عند
عدابة العروس ووقفت العسكر في بيت عطا وأطاعت العرب وسلموا الواجبات السلطانية ودخلوا الطاعة ثم انتقل العسكر إلى المهجم فدخلوها يوم الرابع عشر من شهر ربيع الأول واستولى العسكر على ملك الناحية بأسرها.
وفي يوم السابع من شهر رمضان اقتتلت المعازية والقرشيون وكانوا يومئذ جميعاً في النخل بوادي زبيد فقتل يومئذ ابنا العظامي رجلان من المعازبة قتلهما القرشيون. فسافروا يومئذ ثم اتفقوا على الهدنة حتى ينقضي أمر النخل. وكان النخل يومئذ تحت أيديهم معاً فكان هذا أول خلف وقع بينهم. فلما انقضى أمر النخل وارتفع كل أحد منهم إلى بلاده أغارت المعازبة في آخر شهر رمضان وقتلوا من القرشيين رجلاً يقال له داود بن رزام. ثم أغاروا غارة أُخرى في أول شوال وقصدوا القرية فخرج إليهم القرشيون فاقتتلوا عند بيوت المجانبة فقتل من القرشيين رجلان أحدهما يقال له العباسي والآخر الجعالي.
ثم أن القرشيين طلبوا الذمة من السلطان والدخول في الطاعة فأَذم عليهم ذمة شاملة فاصلحوا وطلبوا النصرة من السلطان على المعازبة فأمر السلطان بمناصرتهم وخرج العسكر إليهم فأغاروا يوم الثاني عشر من شوال فقتلوا من المعازبة تسعة رجال فيهم الحيق بن الحري وحرقوا عليهم البريت والكرنبسة ونهبوهم وأخرجوهم من ذلك الحد.
فجمعت المعازبة خيلها ورجلها في آخر شهر شوال وقصدوا القرشية فخرج أهل القرشسة إليهم فاقتتلوا فقتل من القرشيين نحو من أربعين رجلاً فيهم عيسى من الهبل وقتل من المعازبة رجل واحد يقال له مفرح بن الأسحم وأغار القرشيون بعد ذلك في شهر ذي القعدة فقتلوا من المعازبة رجلاً يقال له ابن العقيد وابنه وثلاثة أنفار.
ثم جمعت المعازبة جمعاً عظيماً من قبائل الشام وغيرها وقصدوا القرشية آخر يوم من القعدة فوصلوا إلى طرف القرية العليا ووقعت الهزيمة فيهم فقتل منهم ومنن معهم نحو من ثلاثمائة رجل وكانت الوقعة مشهورة وفي ذلك يقول الفقيه محمد بن سرداح القرشي
ثلاث مئين قتلهم لا حقيقة
…
ولكن تقريباً لعلم المسائل
واحتز من رؤوس القتلى في هذه الوقعة اكثر من مائة رأْس وطلعت الرؤس إلى تعز وكان السلطان يومئذ بها وكسى الجماعة الواصلين بالرؤس وجرد السلطان عسكراً جيداً صحبة القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن قبيب والأمير بهاء الدين بهادر السنبلي وأمرهما بالتقدم إلى الجهات الشامية فسارا من تعز إلى زبيد ثم خرجا من زبيد يريدان المهجم فيمن معهما من العسكر فلما توسطوا بلاد الرماة اجتمعت العرب من كل ناحية عليهم وقصدوهم في جموع كثيرة فاهتزم العسكر وقتل ابن قبيب وكانت الوقعة في حد سهام وقد خرجوا من عواجه فحمل ابن قبيب وقبر في عواجه. واهتزم السنبلي إلى العامرية فأرادوا قتله فسار إلى بني معمة أصحاب بيت المدور ثم سار من بيت المدور إلى الزيدية وكانت الوقعة يوم الثلاثاء الحادي عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة.
ولما علم ابن سمير وكان في المهجم كما ذكرنا بان السنبلي قد صار في الزيدية جمع جموعاً كثيرة وأرسل لطوائف العرب وقصد السنبلي إلى الزيدية يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة فخرج السنبلي إلى حصن منابر فأقام فيه أياماً ثم رجع إلى السلطان في طريق الجبل ورجع سائر المنهزمين إلى السلطان فكساهم وانعم عليهم وصرف لهم دوابَّ وسلاحاً.
وفي هذه السنة المذكورة توفيت الآدر الكريمة جهة الطواشي شهاب الدين صلاح والدة السلطان الملك المجاهد وكان وفاتها في مدينة تعز ودفنت في مشهدها المعروف هنالك. وكانت امرأَة سعيدة عاقلة رشيدة حازمة حليمة سخية كريمة ذات سياسة ورياسة وكرم نفس وعلو همة. ولما غاب ولدها السلطان الملك المجاهد في مصر وكانت غيبته عن البلاد أربعة عشر شهراً وهي القائمة في البلاد فضبطت البلاد وجمعت العساكر ولم يكن في ذلك الوقت الحسن احسن من تلك السنة خصباً وأماناً وعدلاً وإحساناً ولها آثار حسنة في الدين. وكانت تحب العلماء والصلحاء وتكرمهم وتجلهم وتعظمهم وكانت تدور بيوت الناس تتفقدهم بالعطايا الوافرة. وقل أن
يأتي الزمان بمثلها وما أحقها بقول أبي الطيب المتنبي حيث يقول
ولو كان النساءُ كمن ذكرنا
…
لفضلت النساءَ على الرجال
وما التأْنيث لاسم الشمس نقص
…
ولا التذكير فخر للهلال
ومن مآثرها الدينية المدرسة المعروفة الكبيرة المشهورة بالصلاحية في مدينة زبيد ورتبت فيها إماماً ومؤَذناً وقيماً ونازحاً للماء إلى المطاهر بها ومدرساً للشرع ومدرساً في الحديث النبوي. ومدرساً في النحو وطلبة في كل فن من الفنون المذكورة ومعلماً وأيتاماً من خيار ما تملكه ما يقوم بكفاية الجميع وابتنت قبالة المدرسة المذكورة خانقة رتبت فيها شيخاً ونقيباً وفقراء وأوقفت عليهم وقفاً جيداً حسناً كافياً وابتنت في قرية المسلب من وادي زبيد وجعلت فيها إماماً ومؤَذناً وقيماً ونازحاً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن ومدرساً على مذهب الإمام الشافعي ومدرساً على مذهب الإمام أبى حنيفة وطلبة في المذهبين وسيلاً لشرب الدواب وغيرهم. وابتنت مسجداً في قرية التريبة من وادي زبيد ورتبت فيه إماماً ومؤَذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً ودرسه يقرءون القرآن وسبيلاً لشرب الجواب. وابتنت أيضاً في قرية السلامة مدرسة وهي التي على يمين السالك إلى تعز ورتبت فيها إماماً وخطيباً ومؤَذناً وقيماً ونزاحاً للماء إلى المطاهر والى السبيل هنالك ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن ومدرساً للفقه على مذهب الإمام الشافعي ومدرساً للحديث النبوي وطلبة مع كل مدرس وأوقفت على الجميع أوقافاً جيدة نفيسة تقوم بكفايتهم وتزيد. وابتنت مسجداً في مدينة تعز في ناحية المحلية أيضاً وأفعالها في الخير كثيرة وكانت وفاتها يوم الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفيها توفي القاضي فتح الدين عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد بن الخطبا القرشي المخزومي. وكان أحد الرجال المعدودين فضلاً ونبلاً ورياسة وسياسة وكان عاقلاً فطناً ذكيّاً مفرطاً في الذكاء مشاركاً لذوي الصناعات الدقيقة والجليلة ويزيد على فضلائهم زيادة ظاهرة لا أعرف أحداً سبقه في جودة الصنعة. وكان يخط خطاًّ حسناً ونال حظوة عظيمة عند السلطان الملك المجاهد
وتولى الشد الكبير والخاص. ثم اىستوزره بعد ذلك وكان حسن التدبير والسيرة طاهر السريرة إلى أن توفي في مدينة تعز يوم التاسع والعشرين من صفر أحد شهور السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة ثلاث وستين خالف الملك الصالح والملك العادل على أبيها السلطان الملك المجاهد وكان خروجهما من تعز في العاشر من صفر من السنة المذكورة والله اعلم.
وفيها قتل المقاصرة أخا ابن سمير فأغار عليهم أخوه الأمير الشهاب أحمد ابن سمير فنهب بلدهم وحرقها ولم يلق منهم أحداً وكان قتله يوم الثامن عشر من المحرم ولما رجع ابن سمير من الغارة على المقاصرة طلع حسن منابر فقبضه وذلك يوم الرابع والعشرين من المحرم المذكور والله أعلم.
وفي هذه السنة أدعى ابن ميكائيل السلطنة وكان ذلك في شهر صفر من السنة المذكورة فخطب له الخطباء في المهجم والمحالب وحرض وما ينضاف إليها من القرى في الناحية المذكورة. وضربت السكة على اسمه وتسمى في الخطبة بالشريف الحسيب النسيب من أسرى بجده ليلة الاثنين إلى قاب قوسين محمد بن ميكائيل الحسيني الفاطمي النبوي. وكانت مدة سلطنته أربعة وعشرين شهراً أولها صفر من سنة ثلاث وستين وآخرها سلخ المحرم من سنة خمس وستين والله أعلم.
وفي هذه السنة قتل الشيخ أحمد بن حفيص الزيدي وكان شيخ الزيديين في عصره فصادره ابن سمير في المهجم إلى أن قتله ليلة الخميس من رجب من السنة المذكورة والله أعلم.
وفي يوم التاسع والعشرين من رجب المذكور أغار الأمير بهادر السنبلي على المعازبة وأغار معه أهل القرشية فحرقوا الأقطعية وقتلوا ثلاثة من فرسان المعازبة وهم ابن اليماني وابن العنيزي وابن خلف المكني وكانت المعازبة قد اجتمعت وقصدت القرشية على حين غفلة في يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الآخر. وكان خروجهم على أهل القرية السفلى فخرج أهل القرية إليهم فلما توافقوا هم والمعازبة
على مصافهم أَقبل أهل القرية العليا معارضين لهم فاهتزمت المعازبة هزيمة شديدة وقتل منهم نحو من سبعين رجلاً فيهم من الكواكرة ثلاثة وعشرون رجلاً وفيهم من سائر بيوت المعازبة لا يطاق وقتل من القرشيين يومئذ سبعة نفر فيهم إبراهيم الزيلعي كان من فرسانهم المشاهير.
وفي يوم الثامن والعشرين وصل السفراء من الديار المصرية وهم الطواشي صارم الدين نجيب والقاضي جمال الدين محمد بن عمر الشريف والقاضي جمال الدين محمد بن الفارقي والأمير شمس الدين علي بن حاتم ووصل معهم عدّة من أمراء الترك فقابلهم السلطان أَحسن مقابلة.
وفي هذه السنة توفي الطواشي شمس الدين صواب صبري وكان المجاهد رحمه الله قد جعله زمام بابه وتولى في أيامه بعض الجهات فكانت سيرته مرضية. وكانت وفاته في يوم الأربعاء غرة شهر شعبان من السنة المذكورة رحمه الله تعالى.
وفي سنة أَربع وستين خالف الملك المظفر على أبيه السلطان الملك المجاهد وأَفسد المماليك الغرباء الواصلين صحبة السفراء وكان خروجه من تعز ليلة الاثنين السادس والعشرين من المحرم بعد أن هجم اصطبل السفر الذي للسلطان وأخذ ما فيه من الخيل وأخذ من المناخ ما احب ونزل نجد عدن واستخدم جماعة من العقارب وأمرهم بالتقدم قبلة نحو باب عدن فلما تقدموا قبله وقدر أنهم قد صاروا في الباب تبعهم في الذين معه من المماليك فواجهه في الطريق جمل يحمل بطيخاً كثيراً. فنزل المماليك بأجمعهم فأكلوا من ذلك البطيخ حاجتهم. ولما وصل العقارب الباب من عدن وقفوا عند البوابين ينتظرون وصول المظفر ومن معه فلم يظهر لهم علم. فلما طال وقوفهم تشوش منهم البوابون لطول مقامهم من غير حاجة فنحوهم عن الباب فلم يقبلوا منهم فرأَى البوابون كلامهم غير منتظم فطردوهم عن الباب فلم ينطردوا وظهر لهم من الأمر ما أحوجهم إلى قتالهم وإغلاق الباب فلما أغلقوا الباب أَقبل المظفر وأصحابه وقد فات الأمر. فخرج الأمير وأهل المدينة فتقاتلوا ساعة من نهار
ثم رجع المظفر إلى الحج وأبين.. وكان الوزير القاضي جمال الدين محمد بن حسان يومئذ في أبين فقبضه المظفر وقبض ولده علياً وصادرهما أياماً ثم أَطلقهما.
ولما وصل العلم إلى السلطان بما كان من المظفر جهز له جيشاً وقدم عليه بهاء الدين السنسبلي وبعض الأَشراف الحمزيين وسار السلطان إلى الجؤَةِ وسار السنسبلي ومن معه نحو المظفر. والتقوا في موضع يقال له الشراجي فانهزم السنسبلي ومن معه وقتل منهم طائفة فنزل السلطان إلى عدن بسبب ذلك.
وفي هذه السنة أَصلحت المعازبة وأذم عليهم السلطان وطلعوا إلى تعز واجتمع شيخهم الذي يسمى العطور بالسلطان وتكفل له بإصلاح التهائم وجرد السلطان عسكراً إلى زبيد. وأمرهم بالتقدم إلى فَشَال والوقوف فيها حتى يرجع أهلها إليها ويتقرروا فيها. ثم ينتقل العسكر منها إلى القَحْمَةِ فيقفوا فيها حتى تعمر أيضاً ثم ينتقلون إلى أَكَلْدرَاء. فلما اجتمع العسكر في زبيد اتفق العسكر والقرشيون على قتل المعازبة فغقال العسكر للمعازبة إنّا لا نخرج من المدينة حتى يتقرر إلينا أن كنتم مصلحين فوصل عدّة من وجوههم ودخلوا المدينة واطمأَنوا بها فلما عزموا على الخروج إلى فشال أوقع الغز والقرشيون بالمعازبة فقتلوا منهم بضعاً وعشرين رجلاً وكان القتل يوم الثلاثاء العاشر من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة.
وكان فيمن قتل يومئذ الشيخ محمد العكور وكان يومئذ شيخ المعازبة وقتل معه اثنان من إخوته. وقتل يومئذ عمر بن سهيل وابن الأقدر وحسين ابن عبادة وابن العجمي وسهيل بن الحاذق ومكيمن بن فلان بن الأقدر والقصد أن الذين قتلوا كلهم فرسان ومشاهير وسلم منهم جماعة كانوا عند القاضي ناصح الدين أبو بكر بن علي بن مبارك فامتنع عليهم وخشي أن يغلب عليهم فأرسل بهم إلى السجن فأقاموا فيه يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس فلما كان يوم الجمعة هجم الغز عليهم فقتلوهم وكانوا بضعة عشر رجلاً فكان جملة من قتل من المعازبة نحوا من أربعين رجلاً كلهم فرسان.
ولما نزل السلطان إلى عدن كما ذكرنا أقام بها وجرد العساكر لولده المظفر فلم يظفر به أحد. وكان المظفر فتاكاً مهيباً لا يعاقب إلا بالسيف قد استباح عدة من الأنفس بغير وجه لا يأْخذه على أحد شفقة ولا رحمة ولهذا احرمه الله تعالى الملك انه بعباده خبير بصير.
وتوفي السلطان الملك المجاهد في عدن في مدة إقامته فيها وكانت وفاته يوم السبت الخامس والعشرين من جمادى الأولى من السنة المذكورة.
فاتفق الحاضرون من أهل الدولة على قيام الملك الأَفضل ورأوا أنه اصلح للبلاد والعباد. وكان من جملة من نزل معه إلى عدن في تلك السفرة فحضرموت والده.
وكان الملك المجاهد رحمه الله تعالى ملكاً سعيداً عاقلاً رشيداً جواداً لبيباً شجاعاً مهيباً عالماً ذكياً فطناً لوذعياً من جوده وسخائه ما اخبرني به الفقيه الإمام العلامة جمال الدين محمد بن عبد الله الريمي وكان ممن يختص به السلطان الملك المجاهد قال أَعطاني السلطان الملك المجاهد في أول يوم دخلت عليه أَربعة شخوص من الذهب وزن كل شخص منها مائتا مثقال مكتوب على وجه كل شخص منها.
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها
…
على الناس طرّاَ قبل أن تتفلت
فلا الجود يفنيها إذا هي أَقبلت
…
ولا الشح يبقيها إذا هي ولت
وكان مشاركاً في عدة من الفنون ويقال انه اعلم بني رسول وكان شاعراً فصيحاً ومن شعره قوله
نلت أنا العز بأَطراف القنا
…
ليس بالعجز المعالي
تُجتْنَا نحن بالسيف ملكنا اليمنا
كل فخر تدعى الناس لنا
…
أعرق العالم في الملك أنا
أنا شبل للملوك زين الكتب
…
يوسف جدي وداود أبي
فالشهيد الملك زاكي الحسب
وعليّ القتيل عالي المنصب
…
جدنا بعد رسول جدنا
إن تكن أضحت علاهم خبرا
…
فالعلي مسني بالعين يرى
أنا كالليث إذا ما زأَرا
أنا كالليث إذا ما زخرا
…
المنايا في يميني والمنا
أبذل المال ولا أجمعه
…
كل عاف نحونا منجعه
وإذا القرن طغى أصرعه
وإذا ولى فلا أتبعه
…
وإذا لاذ بعفوي أَمنا
شيم تشبه ملك الشيما
…
يمنُ لي من جدودي القدما
ثم ملك الشام من ماءِ السما
يعشرون الناس طرارغما
…
من هنا أو من هنا أو من هنا
وهو الذي مدن ثعبات وبني سورها واخترع فيها المخترعات الفائقة والبساتين الرائقة وبني فيها المساكن العجبة. والقصور الغريبة. وله من الآثار الدينية مدرسة في مكة المشرفة ملاصقة للحرم الشريف يصلي المصلي فيها وهو يشاهد البيت الحرام رتب فيها إماماً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً ومدرساً وطلبة.
وابتنى مدرسة في مدينة تعز وجعلها جامعاً في تلك الناحية وهي ناحية الجبيل ورتب فيها إماماً ومؤَذناً وخطيباً وقيماً ومدرساً للفقه ومحدّثاً وطلبة ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن وجعل فيها خانقاه. ورتب في الخانقاه شيخاً ونقيباً وفقراء.
وابتنى جامعاً أيضاً في ثعبات ورتب فيه إماماً ومؤَذناً وخطيباً وشيخاً للحديث
ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن. وابتنى أيضاً جامعاً في النويدرة على باب زبيد ورتب فيه إماماً وخطيباً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأَيتاماً يتعلمون القرآن ونزاحاً للماء ومدرساً للفقه وطلبة. وابتنى عند بستان الراحة بزبيد مسجداً ورتب فيه إماماً ومؤذناً وقيماً ومعلماً وأيتاماً يتعلمون القرآن. وابتنى الزيادة الغربية في جامع مدينة تعز. وابتنى مدرسة في دار العدل بتعز وجعل فيها خانقاه ورتب فيها إماماً ومؤَذناً وقيماً وشيخاً ونقيباً للفقراء ووقف على الجميع أوقافاً جيدة في وادي زبيد وتعز من محاسن أملاكه ورباعاً وضياعاً وكان محبّاً للعلماءِ مشفقاً على الرعية وله في العدل والرفق والرعية أوصاف حسنة وأفعال مستحسنة. وهو أول من سن النواصف للرعية وأول من زادهم في القطائع معاداً مستمراً في كل قطيعة. وفي آخر أيامه أزال للرعية الربع من كل ما ازدرعوهُ وكانت الرعية في أحسن حال رحمه الله تعالى.