الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث توحيد الله
(1)
معناه وأقسامه
الله - سبحانه - واحد في ذاته، ليس له مثيل ولا نظير، تعالى عن الصاحبة والولد (قل هو الله أحد - الله الصمد - لم يلد ولم يولد - ولم يكن له كفواً أحد) [الإخلاص: 1-4] وهو سبحانه متصف بصفات الكمال، لا يشبهه شيء من مخلوقاته في صفة من صفاته:(ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير)[الشورى: 11] وهو وحده الخالق المحيي المميت قيوم السماوات والأرض، ولا يعد مؤمناً من لم يعلم علماً يقينياًً بأن الله متفرد بذلك كله.
لا يكفي التوحيد العلمي، بل لا بدّ من التوحيد العملي:
إلا أن هذا التوحيد النظري لا يكفي كي يعد المرء مؤمناً، بل لا بد من اتخاذه وحده إلهاً معبوداً بالتوجه إليه بالعبادة دون سواه.
لأن الخالق الرزاق المنعم المتفضل المحيي المميت المتصف بصفات الكمال المنزه عن صفات النقص هو المستحق أن يُعبَد دون سواه، فغيره مربوب مألوه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، فكيف يعبد من دون الله تعالى؟
(1) التوحيد الحق: الاعتقاد بوحدانية الله سبحانه في ذاته وصفاته، ثم عبادته وحده لا شريك له، وقد حرف هذا المفهوم، فزعم قوم أن التوحيد يقتضي نفي صفات الله، لأنه يلزم منه بزعمهم تعدد الواجب، وزعم بعض الصوفية أن التوحيد الذي أشرنا إليه توحيد العامة، أما توحيد الخاصة فهو الذي يثبت بالحقائق، وزعموا أن هناك توحيد خاصة الخاصة، وكل ذلك ضلال.
تناقض الذين لا يعبدون الله وحده:
والكفرة من مشركي العرب وكثير غيرهم كانوا يعتقدون بوحدانية الله في الخلق والإيجاد، وتفرده في الرزق والإحياء والإماتة والملك، ولكنهم يرفضون عبادته وحده دون غيره، وقصده دون سواه، وهذا تناقض شنيع، فالمتفرد بالخلق والإيجاد هو المستحق للعبادة والخضوع والتعظيم، وقد أطال القرآن في مناقشة المشركين وبيان تناقضهم في هذا وبين لهم أن الذي أقروا به من تفرده بالخلق والرزق
…
إلخ يلزمهم بعبادته وإخلاص الدين له.
كلمة التوحيد: معناها، فضلها، شروطها
(لا إله إلا الله) كلمة التوحيد، جمعت الإيمان واحتوته، وهذه الكلمة عنوان الإسلام وأساسه.
ومعناها: لا معبود يستحق العبادة إلا الله سبحانه، وقد أخطأ من فسرها بأنه لا موجود إلا الله، لأن معنى الإله: المعبود، فيصبح المعنى بناء على قول هؤلاء، لا معبود موجود إلا الله، وهذا غير صحيح؛ لأنه يلزم منه أنّ كلّ معبود بحق أو باطل هو الله، فيكون ما عبده المشركون من شمس وقمر ونجوم
…
إلخ هو الله، فكأنه قيل: ما عُبِد على هذا التقدير إلا الله، وهذا من أبطل الباطل.
فالمعنى الصحيح المتعين هو ما ذكرناه أولاً: أنه لا معبود يستحق العبادة إلا الله وحده.
وقد جاءَت النصوص دالة على فضل (لا إله إلا الله) ، وعظيم نفعها، وقد سبق ذكر النصوص الدالة على أن من قال:(لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة) . وبهذه الكلمة يعصم العبد ماله ودمه، ويصبح مسلماً.
ولكن ليس المراد بهذه الكلمة مجرد النطق، فلا تنفع هذه الكلمة قائلها عند ربه إلا بسبعة شروط:
1-
العلم بمعناها: قال تعالى: (فاعلم أنَّه لا إله إلَاّ الله)[محمد: 19] وقال: (إلَاّ من شهِد بالحق وهم يعلمُون)[الزخرف: 86] .
وفي الصحيح عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة) . (1)
2-
اليقين: بأن يكون القائل مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا اليقين لا الظن، قال تعالى:(إنَّما المؤمنون الَّذين آمنوا بالله ورسوله ثُمَّ لم يرتابوا)[الحجرات: 15] فاشترط في صدق إيمانهم كونهم لم يرتابوا، أي لم يشكوا، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيهما فيحجب عن الجنة) . (2)
وفي الصحيح أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل أبا هريرة بنعليه قائلاً له: (من لقت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة)(3) فاشترط دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقناً بها قلبه غير شاكّ فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.
3-
القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه، وقد حدثنا القرآن أن الله عذب المكذبين من الأمم الذين رفضوا هذه الكلمة، واستكبروا عنها:(إنَّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلَاّ الله يستكبرون - ويقولون أئِنَّا لتاركوا آلِهَتِنَا لشاعرٍ مجنون)[الصافات: 35-36] جعل الله علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول لا إله إلا الله، وتكذيبهم من جاء بها.
(1) رواه مسلم: 1/55، ورقمه:26.
(2)
رواه مسلم: 1/57. ورقمه: 27.
(3)
رواه مسلم: 1/60. ورقمه: 31.
4-
الانقياد لما دلت عليه، قال:(وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له)[الزمر: 54] وقال: (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسنٌ فقد استمسك بالعروة الوثقى)[لقمان: 22] ، ومعنى يسلم وجهه أي ينقاد، وهو محسن؛ أي موحد، والعروة الوثقى فسرت (بلا إله إلا الله) .
5-
الصدق: وهو أن يقولها صادقاً من قلبه، يواطئ قلبه لسانه، قال الله عز وجل:(ومن النَّاس من يقول آمنَّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين - يخادعون الله والَّذين آمنوا وما يخدعون إلَاّ أنفسهم وما يشعرون)[البقرة: 8-9] . فهم كاذبون في قولهم، يبطنون غير ما يعلنون، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار)(1) ، فاشترط في النجاة من النار أن يقولها صدقاً من قلبه.
6-
الإخلاص: وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك، قال الله تعالى:(ألا لله الدين الخالص)[الزمر: 3] وقال: (وما أمروا إلَاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)[البينة: 5] .
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ونفسه) . (2)
وفي الصحيح عن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل . (3)
(1) رواه البخاري: 1/226. ورقمه: 128.
(2)
رواه البخاري: 1/193. ورقمه: 99.
(3)
رواه البخاري: 1/519. ورقمه: 425.
7-
المحبة: لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك، قال الله عز وجل:(ومن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أنداداً يحبُّونهم كحب الله والَّذين آمنوا أشدُّ حبّاً لله)[البقرة: 165] فأخبر أن عباده المؤمنين أشد حباً له، وذلك لأنهم لم يتخذوا من دونه أنداداً، وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه، وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله، ومعاداة من عاداه الله ورسوله، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه.
إشارة السلف إلى بعض هذه الشروط:
قال الحسن البصري للفرزدق - الشاعر المعروف - وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال الحسن: نعم العدّة، لكن للا إله إلا الله شروطاً، فإياك وقذف المحصنات.
وقيل للحسن البصري: إن ناساً يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
العبادة
المطلب الأول
تعريف العبادة
التوحيد لا يتحقق إلا بأمرين:
الأول: الشهادة لله بالوحدانية في ذاته وصفاته.
الثاني: قصده وإرادته وحده دون سواه في جميع العبادات.
والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فالظاهرة كالتلفظ بالشهادتين والصلاة والصوم، والباطنة كالإيمان بالله وملائكته والكتب والرسل والخوف والرجاء....
المطلب الثاني
العابد هو الذي يتقلب بين الخوف والرجاء
العبادة الحقة هي التي يتقلب صاحبها بين حب الله، والخوف منه والتذلل له، ورجائه والطمع في رحمته.
فالعابد لا حباً ولا خوفاً ولا رجاءً إنما يؤدي حركات جوفاء لا تعني بالنسبة له شيئاً.
والعابد حباً بلا تذلل ولا خوف ولا رجاء كثيراً ما يقع في الذنوب والمعاصي، فيزعم أنه يحب الله ويترك العمل ويتجرأ على الذنوب، وقديماً زعم قوم حب الله من غير عمل فاختبرهم الله بقوله:(قل إن كنتم تُحبُّون الله فاتَّبعوني يُحببكم الله)[آل عمران: 31] فمن ادعى محبة الله ولم يكن متبعاً رسوله فهو كاذب.
وقال الشافعي رحمه الله تعالى: " إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء، ويطير في الهواء فلا تصدقوه حتى تعلموا متابعته لرسول الله ".
وكذلك الرجاء وحده إذا لم يقترن بخوف الله وخشيته فإن صاحبه يتجرأ على معاصي الله، ويأمن مكره:(فلا يأمنُ مكر الله إلَاّ القومُ الخاسرون)[الأعراف: 99] .
وكذلك الخوف إذا لم يقترن بالرجاء فإن العابد يسوء ظنه بالله، ويقنط من رحمته، وييأس من روحه، وقد قال تعالى:(إنَّه لا يَيْأَسُ من رَّوح الله إلَاّ القوم الكافرون)[يوسف: 87] .
فالعبادة الحقة هي التي يكون صاحبها بين الخوف والرجاء (ويرجون رحمته ويخافون عذابه)[الإسراء: 57]، (أمَّن هو قانت آنَاء الَّليل ساجداً وقائِماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) [الزمر: 9] كما يكون بين الرغبة والرهبة كما قال تعالى في آل زكريا عليهم السلام: (إنَّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)[الأنبياء: 90] .
فالعبد الصالح تارة يمده الرجاء والرغبة، فيكاد يطير شوقاً إلى الله، وطوراً يقبضه الخوف والرهبة فيكاد أن يذوب من خشية الله تعالى، فهو دائب في طلب مرضاة ربه مقبل عليه خائف من عقوباته، ملتجئ منه إليه، عائذ به منه، راغب فيما لديه.
المطلب الثالث
أركان العبادة
للعبادة أركان ثلاثة:
الأول: الإخلاص: بأن يقصد العبد وجه ربه والدار الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم:(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأةٍ ينحكها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)(1) وترك الإخلاص يبطل العبادة.
الثاني: الصدق: ونريد به الصدق في العزيمة، بأن يبذل العبد جهده في امتثال أمر الله واجتناب نهيه، والاستعداد للقائه، وترك العجز، وترك التكاسل عن طاعة الله.
الثالث: متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يعبد الله إلا وفق ما شرعه الله، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أمّا أن يعبد الناس ربهم بغير علم فهذه هي البدعة التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم وذم فاعلها، وأخبر أن عمله ضلالة. فقال:" كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ". وصاحب البدعة عمله مردود عليه غير مقبول منه.
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي رواية لمسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ". (2)
لا عبادة إلا بهذه الأركان:
فما لم توجد العزيمة الصادقة لا توجد العبادة، إذ تصبح العبادة تمنيات وآمالاً لا يكاد يهم المرء بفعلها حتى تخبوا إرادته وتنحل. وما لم يوجد الإخلاص ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن العبادة لا يقبلها الله تعالى.
(1) رواه البخاري ومسلم، وهو حديث مشهور تغني شهرته عن تخريجه. وانظر كتابنا ((مقاصد المكلفين)) ص: 519، فقد ذكرنا فيه طرقه ومخرجيه.
(2)
عزاه ابن الأثير في جامع الأصول: 1/289، ورقمه: 75 إلى البخاري ومسلم وأبي داود.
المطلب الرابع
أنواع العبادات التي لا يجوز أن يقصد بها غير الله
والعبادات التي لا يجوز أن يقصد ويراد بها غير الله أنواع:
الأول: عبادات اعتقادية:
وهذه أساس العبادات كلها، وهي أن يعتقد العبد أن الله هو الرب الواحد الأحد الذي له الخلق والأمر، وبيده النفع والضر، الذي لا شريك له، ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وأنه لا معبود بحق غيره.
الثاني: عملية قلبية:
والعبادات القلبية التي لا يجوز أن يقصد بها إلا الله وحده، وصرفها لغيره شرك كثيرة، كالخوف والرجاء، والرغبة والرهبة، والخشوع والخشية، والحب، والإنابة، والتوكل، والخضوع.
الثالث: قولية:
كالنطق بكلمة التوحيد؛ إذ لا يكفي اعتقاد معناها، بل لا بد من النطق بها، وكالاستعاذة بالله، والاستعانة والاستغاثة به، والدعاء له، وتسبيحه، وتمجيده، وتلاوة القرآن.
الرابع: بدنية:
كالصلاة، والصوم، والحج، والذبح، والنذر، وغير ذلك.
الخامس: مالية:
كالزكاة، وأنواع الصدقات، والكفارات، والأضحية، والنفقة.
ما يضاد التوحيد وينافيه
الذي ينافي التوحيد ويضاده الشرك، يقال: شركته في الأمر إذا صرت له شريكاً، ومنه قوله تعالى:(وأشركه في أمري)[طه: 32] أي اجعله شريكي فيه.
الشرك نوعان: وفي مصطلح الشريعة الإسلامية الشرك نوعان:
الأول: الشرك الأكبر:
والمشرك شركاً أكبر هو الذي يجعل مع الله رباً آخر كشرك النصارى الذي جعلوه ثالث ثلاثة، وشرك المجوس القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة، وكشرك الصابئة الذين ينسبون إلى الكواكب العلوية تدبير أمر العالم، ومثل هؤلاء كثير من عُبّاد القبور الذين يزعمون بأن أرواح الأولياء تتصرف بعد الموت، فيقضون الحاجات، ويفرّجون الكربات، وينصرون من دعاهم، ويحفظون من التجأ إليهم، ولاذ بحماهم. ومن الشرك الأكبر أن يجعل مع الله إلهاً آخر: ملكاً، أو رسولاً، أو ولياً، أو شمساً، أو قمراً، أو حجراً، أو بشراً، يُعبد كما يُعبد الله، وذلك بدعائه والاستعانة به، والذبح له والنذر له، وغير ذلك من أنواع العبادة.
لا تشترط مساواة الشريك لله حتى يصبح شركاً:
ولا يشترط أن يساوي المشرك في شركه مع الله غيره من كل وجه، بل يسمى مشركاً في الشرع بإثباته شريكاً لله، ولو جعله دونه في القدرة والعلم مثلاً.
فأما حكايته تعالى عن المشركين قولهم: (تالله إن كُنَّا لفي ضلالٍ مُّبينٍ -
إذ نسويكُم برب العالمين) [الشعراء: 97-98] ، فهي التسوية في المحبة والخوف والرجاء والطاعة والانقياد، لا في القدرة على الخلق والإيجاد، لأنهم كانوا يقولون بوحدانيته في الخلق والإيجاد.
خطورة هذا الشرك:
الشرك الأكبر في غاية الخطورة فهو يحبط العمل، قال تعالى:(ولو أشركوا لحبط عنهم مَّا كانوا يعملون)[الأنعام: 88] .
وقال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: (ولقد أُوحِيَ إليك وإلى الَّذين من قبلك لئِن أشركت ليحبطنَّ عملك ولتكوننَّ من الخاسرين)[الزمر: 65] .
وصاحبه خالد مخلّد في نار جهنم لا يغفر الله له، ولا يدخله الجنّة:(إنَّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)[النساء: 48]، (لقد كفر الَّذين قالوا إنَّ الله هو المسيحُ ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربَّكم إنَّه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنَّة ومأواه النَّارُ وما للظَّالمين من أنصارٍ) [المائدة: 72] .
أعظم جريمة وأفظع ظلم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: (أن تدعو لله نداً وهو خلقك) متفق عليه (1)، وقال تعالى:(إنَّ الشرك لظلم عظيمٌ)[لقمان: 13]، وقال:(ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً)[النساء: 48] .
(1) مشكاة المصابيح: 1/21، ورقمه:49.
النوع الثاني: الشرك الأصغر:
والشرك الأصغر كيسير الرياء، والتصنع للمخلوق، وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب المنزلة والجاه تارة، فلله من عمله نصيب، ولغيره منه نصيب، ويتبع هذا النوع الشرك بالله في الألفاظ كالحلف بغير الله، وقول: ما شاء الله وشئت، وما لي إلا الله وأنت.
وقد يكون شركاً أكبر بحسب قائله ومقصده.
وهذا النوع من الشرك: (الشرك الأصغر) وإن كان لا يُخْرِجُ من الملة فإن صاحبه على خطر عظيم، ينقص من أجره شيء كثير، وقد يحبط منه العمل، ففي الصحيحين عن أبي موسى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) . (1)
وفي صحيح مسلم فيما يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَنْ عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . (2)
وفي المسند أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر) قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: (الرياء) . وزاد البيهقي في شعب الإيمان: (يقول الله لهم يوم يجازي العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً وخيراً) . (3)
وفي النهي عن هذا الشرك نزل قوله تعالى: (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً)[الكهف: 110] .
(1) رواه البخاري: 6/28. ورقمه: 281. ورواه مسلم: 3/1512. ورقمه: 1904.
(2)
رواه مسلم. انظر جامع الأصول: 4/545. ورقمه: 2651.
(3)
مشكاة المصابيح: 2/687، ورقمه:5334.