المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(كتاب أحاديث الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام) - الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - جـ ٢٠

[أحمد البنا الساعاتي]

الفصل: ‌(كتاب أحاديث الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام)

(باب ما جاء في وفاة آدم عليه السلام وغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه)(ز)(عن عتبى)(1) قال رأيت شيخا بالمدينة يتكلم فسألت عنه فقالوا هذا أبى بن كعب رضى الله عنه فقال ان آدم عليه السلام لما حضره الموت قال لبنيه اى بنى إنى أشتهى من ثمار الجنة فذهبوا يطلبون له فاستقبلهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه (2) ومعهم الفؤس والمساحى والمكاتل فقالوا لهم يا بنى آدم ما تريدون وما تطلبون أو ما تريدون وأين تذهبون؟ قالوا أبونا مريض قالوا فاشتهى من ثمار الجنة، قالوا لهم ارجعوا فقد قضى قضاء أبيكم (3) فجاؤا فلما رأتهم حواء عرفتهم (4) فلاذت بآدم فقال اليك عنى فانى انما أوتيت من قلبك (5) خلى بينى وبين ملائكة ربى تبارك وتعالى، فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له والحدوا له وصلوا عليه، ثم دخلوا قبره فوضعوه فى قبره ووضعوا عليه اللبن (6) ثم خرجوا من القبر ثم حثوا عليه التراب ثم قالوا يا بنى آدم هذه سنتكم (7)

(73)

(كتاب أحاديث الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام)

(باب ما جاء فى عدد الأنبياء والرسل وأمور تتعلق بهم)(عن أبى امامى الباهلى)(8) قال قال أبو ذر رضى الله عنه يا رسول الله كم وفى عدة الانبياء؟ قال مائة الف وأربعة وعشرون

والزوجة شركاء فيما آتاهما لأنهم تارة ينسبون ذلك الى الطبائع كما هو قول الطبائعيين، وتارة الى الكواكب كما هو قول المنجمين، وتارة الى الاصنام والأوثان كما هو قول عبدة الأصنام، ثم قال تعالى (فتعالى الله عما يشركون) أى تنزه الله عن ذلك الشرك، قال الرازى وهذا جواب فى غاية الصحة والسداد اهـ باختصار نسأل الله تعالى ان يوفقنا الى سبيل الرشاد والله أعلم (باب)(1)(ز)(سنده) حدثنا هدبة بن خالد ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن عتى (يعنى ابن ضمرة) الخ (غريبه)(2) الحنوط بفتح الحاء المهملة والحناط بكسرها واحد وهو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة (3) معناه ان هذا اليوم آخر أيام حياة أبيكم (4) أى عرفت ملك الموت وأعوانه (وقوله فلاذت بآدم أى التزمته وتعلقت به حزنا عليه من الموت (5) معناه ان الموت ما جاءنى الا بسببك حيث صدقتى قسم ابليس عدو الله وعدونا واكلتى من الشجرة التى نهانا الله عنها ثم زينتى لى الأكل منها فأكلت فطردنا من الجنة التى لا موت فيها، روى الامام البغوى فى تفسير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ان آدم لما أكل من الشجرة التى نها الله عنها قال الله عز وجل ما حملك على ما صنعت؟ قال يارب زينت لى حواء، قال فانى اعقبتها ان لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها وأدميتها فى الشهر مرتين فرنت حواء عند ذلك، قيل عليك الرنة وعلى بناتك (6) بفتح اللام وكسر الموحدة جمع لبنة وهى التى يبنى بها الجدار (7) معناه ما تقدم من الغسل والكفن وما بعده الى آخر الحديث سنتكم فى شأن ميتكم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه عبد الله بن احمد ورجاله رجال الصحيح غير عتى بن ضمرة وهو ثقة (باب)(8)(عن ابى امامة الباهلى الخ) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بطوله وسنده وشرحه وتخريجه فى باب مناقب أبى ذر من كتاب مناقب الصحابة ان شاء الله تعالى وذكر هذا الطرف منه الحافظ فى شرح البخارى فى أول كتاب أحاديث الأنبياء

ص: 35

الفا: الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا (وفى لفظ) ثلاثمائة وبضعة عشر (عن أبى سعيد الخدرى)(1) قال قال الله صلى الله عليه وسلم لا تخيروا بين الأنبياء (2)(عن أبى ذر)(3) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث الله نبينا الا بلغة قومه (عن أوس بن أبى أوس)(4) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء صلوات

قال وصححه ابن حبان (1)(سنده) حدثنا وكيع ثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى الخ (غريبه)(2) جاء عند مسلم بلفظ لا تفضلوا بين الانبياء (قال النووى) الجواب عن ذا من خمسة أوجه (أحدهما) انه صلى الله عليه وسلم قاله قبل ان يعلن انه سيد ولد آدم فلما علم أخبر به (والثانى) قاله أدبا وتواضعا (والثالث) ان النهى انما هو عن تفضيل يؤدى الى تنقيص المفضول (والرابع) إنما نهى عن تفضيل يؤدى الى الخصومة والفتنة كما هو المشهور فى سبب الحديث (قلت) سببه ان يهوديا قال والذى اصطفى موسى على البشر فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه وقال تقول والذى اصطفى موسى على البشر ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين اظهرنا فاختصما الة النبى صلى الله عليه وسلم فذكره (قال)(والخامس) ان النهى مختص بالتفضيل فى نفس النبوة فلا تفاضل فيها، وانما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى، ولابد من اعتقاد التفضيل، فقد قال تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) اهـ (قلت) وأفضلهم جميعا نبينا صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) وهو حديث صحيح رواه (حم د مذ م جه) وغيرهم ولأدلة أخرى كثيرة (تخريجه)(م) وغيره (3)(سنده) حدثنا وكيع عن عمر بن ذر قال قال مجاهد عن أبى ذر الخ (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد، وقال الهيثمى رجاله رجال الصحيح إلا أن مجاهدا لم يسمع من أبى ذر اهـ (قلت) مصداقه فى كتاب الله عز وجل (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) وكفى بذلك حجه (4)(عن أوس بن أبى أوس) الخ هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى فضل الحث على الاكثار من الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة من أبواب صلاة الجمعة فى الجزء السادس صحيفة 9 رقم 1511 وتقدم الكلام عليه مستوفى فى أحكام الباب هناك والله الموفق (هذا) وقد ذكرت ما جاء فى المسند من أحاديث الانبياء مرتبا على حسب وجودهم وارسالهم، وما لم يذكر فى المسند ذكرته فى الشرح مع ذكر بعض أوصيائهم وبعض حوادث الفترات التى كانت بينهم لتكون سلسلة التاريخ متصلة من آدم الى نبينا عليهم الصلاة والسلام، فأولهم آدم أبو البشر وقد جاء عنه الشيء الكثير فى المسند وتقدم ذلك (والثانى) شيث علي السلام (والثالث) ادريس ومن بعده على الترتيب كما سيأتى ولكى تكون على المام باتصال السلسلة بين آدم وشيث أقول (قال الحافظ) ابن كثير فى تاريخه لما مات آدم عليه السلام قام باعباء الأمر بعده ولده شيث عليه السلام وكان نبيا بنص الحديث الذى رواه ابن حبان فى صحيحه عن أبى ذر مرفوعا انه انزل عليه خمسون صحيفة، فلما حانت وفاته أوصى الى ابنه أنوش فقام بالأمر بعده، ثم بعده ولده قينن ثم من بعده ابنه مهلاييل وهو الذى يزعم الأعاجم من الفرس انه ملك الاقاليم السبعة وانه أول من قطع الاشجار وبنى المدائن والحصون الكبار، وانه هو الذى بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى، وانه قهر ابليس وجنوده وشردهم عن الارض الى اطرافها وشعاب جبالها، وانه قتل خلقا من مردة الجن والغيلان وكان له تاج عظيم وكان يخطب الناس ودامت

ص: 36

الله وسلامه عليهم (باب ذكرا نبى الله درس عليه السلام وقول الله عز وجل ورفعناه مكانا عليا)(عن أنس بن مالك)(1) فى حديث الاسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم عرج

دولته أربعين سنة فلما مات قام بالأمر بعده ولده يرد فلما حضرته الوفاة أوصى الى ولده خنوخ وهو ادريس عليه السلام على المشهور اهـ (قلت) وما ألطف ما نظم العلامة الشيخ محمد الدمنهورى فى ذكر اسماء الرسل على حسب ترتيبهم فى الارسال حيث قال:

ألا ان ايمانا برسل تحتما

_________

وهم آدم ادريس نوح على الولا

وهود وصالح لوط مع ابراهيم أتى

_________

كذا نجله اسماعيل إسحاق فصلا

زيعقوب يوسف ثم يتلو شعيبهم

_________

وهارون مع موسى وداود ذو العلا

سليمان أيوب وذو الكفل يونس

_________

والياس ايضا واليسع ذاك فاعقلا

كذا زكريا ثم يحيى غلامه

_________

وعيسى وطه خاتما قد تكملا

وانما خص هؤلاء بوجوب معرفتهم تفصيلا لأنهم صاروا معلومين من الدين بالضرورة لذكرهم فى كتاب الله عز وجل، والمراد بوجوب معرفتهم ان يكون بحيث لو سئل عن أحدهم لا اعترف وصدق بأنه نبى ورسول، فمن أنكر نبوة واحد منهم أو رسالته بعد ان علم ذلك كفر والعياذ بالله تعالى وليس المراد انه يجب حفظ أسمائهم خلافا لمن قال ذلك والله أعلم.

(فائدة فى تسمية الأنبياء وانسابهم صلى الله عليهم وسلم)

جاء فى الطبقات كبرى لابن سعد قال أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلى عن أبيه قال أول نيى بعث ادريس وهو خنوخ بن يارذ بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم (ثم نوح) بن لمك ابن متوشلخ بن خنوخ وهو ادريس (ثم ابراهيم) بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح (ثم اسماعيل واسحاق) ابنا ابراهيم (ثم يعقوب) بن اسحاق بن ابراهيم (ثم يوسف) بن يعقوب بن اسحاق (ثم لوط) بن هاران بن تارخ بن ناحور بن ساروغ وهو ابن أخى ابراهيم خليل الرحمن (ثم هود بن عبد الله) بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح (ثم صالح) بن آصف بن كماشيح بن أروم بن ثمود بن جائر بن إرم بن سام بن نوح (ثم شعيب) بن يوبب بن عيفا بن مدين بن ابراهيم خليل الرحمن (ثم موسى وهارون) ابنا عمران بن قاهث بن لاوى ابن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم (ثم الياس) بن تشبين بن العاذر بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب (ثم اليسع) بن هزى بن نشوتلخ بن افرايم بن يوسف بن يعقوب بن اسحاق (ثم يونس) ابن متى من بنى يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم (ثم أيوب) بن ارزح بن اموص بن ليغزن بن العيص بن اسحاق بن ابراهيم (ثم داود) بن إيشا بن عويد بن باعر بن سلمود بن مخشون بن عميناذب بن إرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم (ثم سليمان) بن داود (ثم زكريا) بن بشوى من بنى يهوذا بن يعقوب (ثم يحيى بن زكريا (ثم عيسى) بن مريم بنت عمران بن ماتان من بنى يهوذا ابن يعقوب ثم النبى محمد صلى الله عليه وسلم بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم اهـ (قلت سيأتى نسب النبى صلى الله عليه وسلم كاملا فى كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى والله الموفق (هذا) وما ذكره ابن سعد فى الطبقات من أن أول نبى بعث ادريس فيه نظر: انظر شرح الحديث الثانى من باب ذكر نوح عليه السلام (باب)(1) (عن أنس

ص: 37

بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت؟ قال جبريل، فقيل ومن معك؟ قال محمد صلى الله عليه وسلم فقيل وقد أرسل اليه؟ قال قد أرسل اليه، ففتح الباب فاذا أنا بادريس فرحب بى ودعا لى بخير، ثم قال يقول الله عز وجل ورفعناه مكانا عليا (باب ما جاء فى ذكر نبى الله نوح عليه السلام وقول الله عز وجل وكذلك جعلناكم أمة وسطا)(عن أبى سعيد الخدرى)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى نوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم، فيدعى قومه فيقال لهم هل بلغكم؟ فيقولون ما أتانا من نذير أو ما أتانا من أحد، قال فيقال لنوح من يشهد لك فيقول محمد صلى الله عليه وسلم وأمته (2) قال فذلك قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} (3) قال الوسط العدل قال فيدعون فيشهدون له بالبلاغ (4) قال ثم أشهد عليكم (5)

ابن مالك الخ) هذا طرف من حديث الاسراء الطويل وسيأتى بسنده وطوله وشرحه فى القسم الأول من كتاب السيرة النبوية وإنما ذكرته هنا لمناسبة ذكر ادريس عليه وعلى نبينا وجميع الأنبياء الصلاة والسلام ونتكلم على ما قاله العلماء فى شأن ادريس عليه السلام، قال الله تعالى (واذكر فى الكتاب ادريس انه كان صديق نبيا ورفعناه مكانا عليا) قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه ادريس عليه السلام قد أثنى الله عليه ووصفه بالنبوة والصديقية وهو فى عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكره غير واحد من علماء النسب، وكان أول بنى آدم أعطى النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام، وذكر ابن اسحاق أنه أول من خط بالقلم وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثمان سنين وقال الأمام البغوى فى تفسيره هو جد أبى نوح واسمه أخنوح سمى إدريس لكثرة درسه الكتب وكان خياطا وهو أول من خط بالقلم وأول من خاط الثياب ولبس الثياب المخيطة وكانوا من قبله يلبسون الجلود، وأول من اتخذ السلاح وقاتل الكفار، وأول من نظر فى علم النجوم والحساب ثم فسر قوله تعالى (ورفعناه مكانا عليا) فقال قيل هى الجنة وقيل هى الرفعة بعلة الرتبة فى الدنيا، وقيل إنه رفع الى السماء الرابعة (روى انس) ابن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبى صلى الله عليه وسلم انه رأى ادريس فى السماء الرابعة ليلة المعراج اهـ (قلت) أما رؤية النبى صلى الله عليه وسلم ادريس ليلة الاسراء فى السماء الرابعة فقد رأى غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وليس فيه حجة لكونه مستقرا فى السماء، ولا اشكال فى رؤية الانبياء غير عيسى عليهم السلامبالسماء مع استقرار أجسامهم فى قبورهم بالأرض لأنه إما حضرت أجسامهم لملاقاته صلى الله عليه وسلم تلك الليلة تشريفا له صلى الله عليه وسلم ويعضده حديث أنس ففيه وبعث له آدم فمن دونه من الانبياء فأمهم، أو تشكلت أرواحهم بصور أجسامهم لأن الأرواح فى غاية اللطافة وقد أودع فيها قوة التجسد كما يشعر به ما وقع للروح الأمين والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا وكيع عن الاعمش عن أبى صالح عن أبى سعيد الخدرى الخ (غريبه)(2) أى يشهدون بما علموه من قوله تعالى (إنا أرسلنا نوحا الى قومه ان انذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم)(3) فسر الوسط من الحديث بالعدل أى عدولا وهو فى الاصل اسم لما يستوى نسبة الجوانب اليه كالمركز للدائرة، ثم استعير للخصال المحمودة البشرية لكونها أوساطا للاخلاق الذميمة المكتنفة بها من طرفى التفريط والافراط وبقية الآية (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)(4) جاء فى بعض طرق الحديث فيقال وما علمكم؟ فيقولون جاءنا نبينا فاخبرنا ان الرسل قد بلغوا (5) معناه

ص: 38

(عن أبي هريرة مرفوعا)(1) ان أهل الموقف يأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت أول الرسل (2) إلى أهل الأرض وسماك الله عبدا شكورا (3) فاشفع لنا عند ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح ان ربى قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله (4) وانه كانت لى دعوة على قومى (5) نفسى نفسى نفسى اذهبوا الى غيرى (عن ابن عباس)(6) فى حديث الشفاعة أيضا قال فيقول (يعنى نوحا) انى لست هنا كم انى دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض وإنه لا يهمنى اليوم الا نفسى (باب ذكر أولاده ووصيته لهم عند وفاته)(حدثنا روح من كتابه)(7) ثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال حدث الحسن عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، (8) وحام أبو الحبش وقال روح ببغداد من حفظه (9)

أنه يسئل عن حال امته فيزكيهم ويشهد بصدقهم، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ثم أشهد عليكم (تخريجه)(خ مذ نس جه)(1)(عن أبى هريرة الخ) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بطوله وسنده وشرحه وتخريجه فى باب الشفاعة من كتاب القيامة إن شاء الله تعالى وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان والترمذى وغيرهم واليك شرح هذا الطرف منه (غريبه)(2) استشكلت الأولية بأن آدم نبى مرسل وكذا شيث وادريس وهم قبل نوح (واجيب) بأن الأولية مقيدة بقوله الى أهل الأرض لأن آدم ومن بعده لم يرسلوا الى أهل الأرض واستشكل بقوله فى حديث جابر اعطيت خمسا، وفيه وكان النبى يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس كافة (وأجيب) بأن بعثة نوح الى أهل الأرض باعتبار الواقع لصدق أنهم قومه بخلاف عموم بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم لقومه ولغير قومه (3) أى فى قوله تعالى (ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا)(4) قال النووى المراد ما يظهره تعالى من انتقامه فيمن عصاه وما يشاهده أهل الجمع من الاهوال التى لم تكن ولا يكون مثلها ولا ريب انه لم يتقدم قبل ذلك اليوم مثله ولا يكون بعده مثله (5) قال الحافظ فى رواية هشام ويذكر سؤال ربه ما ليس له به علم، وفى حديث أبى هريرة انى دعوت بدعوة اغرقت أهل الأرض، ويجمع بينه وبين الأول بأنه اعتذر بأمرين (أحدهما) نهى الله له أن يسأل ما ليس له به علم فخشى ان يكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك (ثانيهما) ان له ان له دعوة واحدة محققة الاجابة وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض فخشى ان يطلب فلا يجاب اهـ (وقوله نفسى) أى نفسى هى التى تستحق أن يشفع لها وكررها ثلاثا للتأكيد والله أعلم (6)(عن ابن عباس) الخ هذا طرف من حديث طويل سيأتى بطوله وسنده وشرحه وتخريجه فى باب الشفاعة من كتاب القيامة أيضا (باب)(7)(حدثنا روح من كتابه الخ)(غريبه)(8) قال ابن عبد البر وقد روى عن عمران بن حصين عن النبى صلى الله عليه وسلم مثله قال والمراد بالروم هنا الروم الأول وهم اليونان المنتسبون الى رومى بن لبطى بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام (9) معناه ان روح شيخ الامام احمد حدثه أولا بهذا الحديث من كتابه ثم حدثه مرة أخرى ببغداد من حفظه (تخريجه)(مذ ك) وصححه الحاكم واقره الذهبى، وحسنه العراقى والحافظ السيوطى (وفى الباب) عن ابن مسعود انه ذكر قول الله تعالى (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه) فذكر ان نوحا اغتسل فرأى ابنه ينظر اليه فقال تنظر إلى وأنا اغتسل؟ خار الله لونك، قال فاسود فهو أبو السودان (ك) وصححه وتعقبه الذهبى فقال محمد ضعفوه (قلت) يعنى محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة: وفي الخلاصة

ص: 39

ولد نوح ثلاثة سام وحام ويافث (عن عبد الله بن عمرو)(1) قال انى النبى صلى الله عليه وسلم اعرابى عليه جبة من طيالسة مكفوفة بديباج أو مزرورة بديباج، فقال ان صاحبكم هذا يريد أن يرفع كل راع ابن راع ويضع كل فارس ابن فارس، فقام النبى صلى الله عليه وسلم مغضبا فأخذ بمجامع جبته فاجتذبه وقال لا أرى عليك ثياب من لا يعقل، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فقال ابن نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا ابليه فقال انى قاصر عليكما الوصية، آمركما باثنتين

وثقه ابن حبان: ليس حديثه بشيء (وقال ابن جرير) روى أن نوحا دعا لسام ان يكون الأنبياء من ولده، ودعا ليافث أن يكون الملوك من ولده، ودعا على حام ان يتغير لونه ويكون ولده عبيدا وانه رق عليه بعد ذلك فدعا له بأن يرزق الرأفة من أخويه، ذكره البغوى فى تفسيره (وقال الحافظ بن كثير فى تاريخه) قيل إن نوحا عليه السلام لم يولد له هؤلاء الثلاثة الأولاد إلا بعد الطوفان وانما ولد له قبل السفينة كنعان الذى غرق وعابر مات قبل الطوفان، والصحيح أن الأولاد الثلاثة كانوا معه فى السفينة هم ونساؤهم وأمهم وهو نص التوراة، وقد ذكر ان حاما واقع امرأته فى السفينة فدعا عليه نوح ان تشوه خلقة نطفته فولد له ولد أسود وهو كنعان بن حام جد السودان (1)(عن عبد الله بن عمرو الخ) هذا الحديث تقدم طرفه الأول المختص باللباس بسنده وشرحه وتخريجه فى باب ما جاء عاما فى تحريم الذهب والحرير من كتاب اللباس فى الجزء السابع عشر صحيفة 268 رقم 120 وتقدم طرفه الثانى المختص بوصية نوح ولا إله إلا الله فى باب فضل لا إله إلا الله من كتاب الأذكار فى الجزء الرابع عشر صحيفة 211 بعد حديث رقم 28 وتقدم شرحه هناك وهو حديث صحيح أخرجه (نس هق بزك) وصححه الحاكم ورجال البزار ثقات، وقال الهيثمى رجال احمد ثقات اهـ (هذا) ما جاء فى المسند من ذكرنى الله نوح عليه السلام (أما نسبه وتاريخ حياته) فقد ذكره الحافظ ابن كثير فى تاريخه واليك تلخيص ما ذكره (قال رحمه الله هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وهو ادريس بن يرد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبى البشر عليه السلام، وكان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة فيما ذكره ابن جرير وغيره وعلى تاريخ أهل الكتاب يكون بين مولد نوح وموت آدم مائة وست وأربعون سنة، وكان بينهما عشرة قرون اهـ هكذا جاء فى تاريخ الحافظ ابن كثير بهذه الألفاظ نفسها وهذا التركيب (وفى صحيح البخارى) عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام (قال الحافظ) ابن كثير فأن كان المراد بالقرن مائة سنة كما هو المتبادر عند كثير من الناس فبينهما الف سنة لا محالة، لكن لا ينفى ان يكون اكثر باعتبار ماقيد به ابن عباس بالاسلام إذ قد يكون بينهما قرون أخر متأخرة لم يكونوا على الاسلام، لكن حديث أبى أمامة يدل على الحصر فى عشرة قرون وزادنا ابن عباس انهم كانوا على الاسلام، وهذا يرد قول من زعم من أهل التاريخ وغيرهم من أهل الكتاب ان قابيل وبنيه عبدوا النار والله أعلم (وان كان المراد بالقرن الجيل) من الناس كما فى قوله تعالى (وكم ألكنا من القرون من بعد نوح) وقوله (ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين) وقال تعالى (وقرونا بين ذلك كثيرا) وقال (وكم أهلكنا قبلهم من قرن) وكقوله عليه السلام خير القرون قرنى الحديث فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون كثيرا فعلى هذا يكون بين آدم ونوح الوف من السنين والله أعلم، وبالجملة

ص: 40

وأنها كما عن اثنتين، أنها كما عن الشرك والكبر، وآمركما بلا آله الا الله فان السموات والأرض وما فيهما لو وضعت فى كفة الخيرات ووضعت لا اله إلا الله في الكفة الأخرى كانت أرجح، ولو أن السماوات والأرض كانتا حلقة فوضعت لا إله إلا الله عليهما لقصمتهما أو لقصمتهما وآمركما بسبحان الله

فنوح عليه السلام إنما بعثه الله تعالى لما عبدت الاصنام والطواغيث وشرع الناس فى الضلالة والكفر فبعثه الله رحمة للعباد فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض كما يقول له أهل الموقف يوم القيامة (قلت) تقدم الكلام على قولهم وشرح ذلك فى الباب السابق (قال) وكان قومه يقال لهم بنور راسب فيما ذكره ابن جبير وغيره (قال) واختلفوا فى مقدار سنه يوم بعث فقيل كان ابن خمسين سنه، وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة حكاها ابن جرير وعزا الثالثة منها الى ابن عباس أهو قد ذكر الحافظ ابن كشير رحمه الله فى تاريخه كل ما جاء فى كتاب الله عز وجل فى ذكر نوح وقصته مع قومه وأطال فى ذلك ثم قال (ومضمون ما جرى له مع قومه) مأخوذ من الكتاب والسنة والآثار فقد قدمنا عن ابن عباس انه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام رواه البخارى (وذكرنا) أن المراد بالقرن الجيل أو المدة على ما سلف، ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور أقتضت ان آل الحال بأهل ذلك الزمان الى عبادة الاصنام، وكان سبب ذك ما رواه البخارى من حديث ابن جريج عن عطاه ابن عباس عند تفسير قوله تعالى (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكرا أوحى الشيطان إلى قومهم ان انصبوا إلى مجالسهم التى كانوا يجلسون فيها انصابا وسموها باسمائهم ففعلوا، فلم تعبد حتى اذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت، قال ابن عباس وصارت هذه الأوثان التى كانت فى قوم نوح فى العرب بعدُ، وهكذا قال عكرمة والضحاك وقتادة ومحمد بن اسحاق (قلت) لم يتعظ العرب الذين عبدوا الاصنام بما جرى لكفار قوم نوح حيث أهلكم الله جميعا بالغرق، وهكذا مصير كل باغ الى الهلاك بأى نوع من أنواع العذاب (قال جماعة من المفسرين) ارتفع الماء على أعلى جبل بالأرض خمسة عشر ذرعا وهو الذى عند أهل الكتاب، وقيل ثمانين ذراعا وعم جميع الأرض طولها والعرض سهلها وحزنها وجبالها وقفارها ورمالها ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ولا صغير ولا كبير، أما نوح ومن كان معه بالسفينة فقد أخبر الله تعالى عنهم بقوله (فنجيناه ومن معه فى الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين)(أما مدة عمر نوح عليه السلام فقد ذكر القرآن انه لبث فى قومه الف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون، ثم الله أعلم كم عاش بعد ذاك، فان كان ما تقدم عن ابن عباس من انه بعث وله أربعمائة وثمانون سنة وأنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة فيكون قد عاش على هذا ثمانين وسبعمائة والف سنة (قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) وأما قبره عليه السلام فروى ابن جرير والأزرقى عن عبد الرحمن بن سابط، وغيره من التابعين مرسلا إن قبر نوح عليه السلام بالمسجد الحرام، وهذا أقوى وأثبت من الذى يذكره كثير من المتأخرين من انه ببلدة بالبقاع تعرف اليوم بكرك نوح وهناك جامع قد بنى قد بنى بسبب ذلك فيما ذكر والله أعلم

ص: 41

وبحمده فإنها صلاة كل شئ وبها يرزق كل شئ (باب ذكر نبى الله هود (1) عليه السلام (عن ابن عباس)(2) قال لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادى عسفان حين حج قال يا أبا بكر أى واد هذا؟ قال وادى عسفان (3) قال لقد مر به هود وصالح على بكرات (4) حمر خطمها الليف أزرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق (عن أبى وائل)(5) عن الحرث

(باب)(1) هو هود بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن غوص ارم بن سام بن نوح كما فى الطبقات الكبرى لابن سعد (2)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا زَمعة بن صالح عن سلمة بن وهر أم عن عكرمة عن ابن عباس الخ (غريبه)(3) بضم العين وسكون المهملة قرية جامعة بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة (4) جمع بكرة بفتح الموحدة وسكون الكاف وهى الثنية من الابل (وقوله خطهما) بضمتين جمع خطام (أمزرهم) بضم الهمزة والزاى جمع ازار (والعباء) بحذف الهاء جمع عباءة بالمد (والأردية) جمع رداء بكسر الراء (والنمار) جمع نمرة بفتح النون وكسر الميم وهى الشملة المخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لون النمر (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وفى اسناده زمعة بن صالح فيه كلام، وله عند مسلم فرد حديث قرنه مسلم بآخر لكن أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه بسنده ومتنه وقال اسناد حسن اهو انما ذكرت هذا الحديث هنا لذكر هود عليه السلام فيه (أما ما يختص بقصته) مع قومه فقد جاء مفصلا فى غير موضع من كتاب الله عز وجل فمن ذلك قوله تعالى (واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاق وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأننا بما تعدنا ان كنت من الصادقين، قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكنى أراكم قوما تجهلون: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض عطرنا، بل هو ما استعجلتهم به ربح فيها عذاب أليم تدمر كل شئ بأمر ربها فاصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزى القوم المجرمين) وتقدم الكلام على قصته مفصلا فى تفسير هذه الآيات من سورة الأحقاق فى باب فلما رأوه عارضا فى الجزء الثامن عشر صحيفة 271 رقم 424 وتقدم هناك أيضا ذكر نشاته وبلده فارجع اليه (هذا)(وفى صحيح ابن حبان) عن أبى ذر فى حديثه الطويل فى ذكر الأنبياء والمرسلين قال فيه منهم أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر، ويقال ان هودا عليه السلام أول من تكلم بالعربية، وزعم وهب بن منبه أن أباه أول من تكلم بها، وقال غيره أول من تكلم بها نوح وقيل آدم وهو الأشبه، وقيل غير ذلك والله أعلم: ويقال للعرب الذين كانوا قبل اسماعيل عليه السلام العرب العاربة وهم قبائل كثيرة، منهم عاد وثمود وجرهم وطسم وجديس وأميم ومدين وعملاق وعبيل وجلم وقحطان وبنو يقطن وغيرهم (وأما) العرب المستعربة فهم من ولد اسماعيل بن ابراهيم الخليل، وكان اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذين نزلوا عند أمه هاجر بالحرم كما سياتى بيانه فى موضعه ان شاء الله تعالى ولكن أنطقه الله بها فى غاية الفصاحة والبيان وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم (5)(سنده) حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنى أبو المنذر سلام بن سليمان النحوى قال ثنا عاصم بن أبي النجود عن

ص: 42

ابن يزيد (1) البكري قال خرجت اشكوا العلاء بن الحضرمى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت بالربذة (2) فاذا عجوز من بنى تميم منقطع بها (3) فقالت لى يا عبد الله ان لى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة فهل أنت مبلغى إليه؟ قال فحملتها فأتيت المدينة فاذا المسجد غاص بأهله واذا راية سوداء تخفق وبلال متقلد السيف بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت ما شأ، الناس؟ قالوا يريد أن يبعث عمرو ابن العاص وجها (4) قال فجلست قال فدخل منزله أو قال رحله فاستأذنت عليه فاذن لى فدخلت فسلمت، فقال هل كان بينكم وبين بنى تميم شئ؟ قال فقلت نعم، قال وكانت لنا الدبرة (5) عليهم ومررت بعجوز من بنى تميم سنقطع بها فسألتنى ان احملها اليك وها هى بالباب، فأذن لها فدخلت فقلت يا رسول الله أن رأيت أن تجعل بيننا وبين بنى تميم حاجزا فاجعل الدهناء (6) فحميت العجوز واستوفزت قالت يا رسول الله فالى اين تضطر مضرك؟ قال قلت انما مثلى ما قال الأول معزى حملت حتفها (7) حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لى خصما: أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد، قال هيه (8) وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث منه ولكنه يستطعمه (9) قلت أن عادا افحطوا فبعثوا وافدا لهم يقال له قيل فمر بمعاوية بن بكر فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما الجرادتان، فلما مضى الشهر خرج الى جبال تهامة فنادى اللهم انك تعلم انى لم أجئ الى مريض فأداويه، ولا الى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه، فمرت، به سحابات سود فنودى منها أختر: فأومأ الى سحابة منها سوداء فنودى منها خذها رمادا (10) رمدداً لا تبقى من عاد احدا، قال فما بلغنى أنه بعث عليهم من الريح الا قدر ما يجرى فى خاتمى هذا حتى هلكوا، قال أبو وائل وصدق قال فكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وأقدالهم قالوا

أبي وائل الخ (غريبه)(1) ويقال فى اسمه حديث بالتصغير وفى اسم أبيه حسان (2) بالربذة بالتحريك قرية معروفة قرب المدينة بها قبر أبى ذر الغفارى رضى الله عنه (3) أى ليس معها من يرافقها فى السفر (4) قال الحافظ فى الاصابة كان أيام بعث رسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص فى غزوة السلاسل (5) الدبرة محركة والقائل وكانت لنا الدبرة هو الحارث بن يزيد يعنى الغلبة والنصر والظفر وتفتح للباء وتسكن ويقال على من (بفتح الميم) الدبرة أيضا؟ أى الهزيمة (نه)(6) موضع معروف ببلاد تميم وكأن خصومتهم كانت على حدود أملاكهم (7) هذا مثل يقال لمن تسبب فى أمر كان فيه ضرورة وهو لا يشعر (8) هيه بمعنى إيه فأبدل من الهمزة هاء وإيه اسم سمى به للفعل ومعناه الأمر تقول للرجل إيه بغير تنوين إذا استزدته من الحديث المعهود بينكما فان توّنت استزدته من حديث مّا غير معهود لأن التنوين للتنكير، فاذا سكنته وكففته قلتُ إيها بالنصب (نه)(9) القائل وهو أعلم بالحديث منه الرواى عن الحارث ومعناه ان النبى صلى الله عليه وسلم أعلم بقصة وافد عاد من الحارث ولكنه يستطعمه أى يذيقه طعم حديثه (10) أى هلاكا بالنار والرمدد بالكسر المتناهى فى الاحتراق والدقة كما يقال ليل أليل ويوم أيوم اذا أرادوا المبالغة (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعزاه للامام احمد ثم قال وهكذا رواه الترمذى عن عبد بن حميد عن زيد بن الحباب، ورواه النسائى من حديث سلام أبي المنذر عن

ص: 43

لا تكن كوافد عاء (باب ذكر نبى الله صالح عليه السلام (عن جابر)(1) قال لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر (2) قال لا تسألوا الآيات وقد سألها قوم صالح فكانت ترد (3) من هذا الفج وتصدر من هذا الفج فعتوا (4) عن أمر ربهم فعقروها فكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله عز وجل من تحت اديم السباء منهم (5) إلا رجلا واحدا كان فى حرم الله عز وجل، قيل من هو يا رسول الله. قال أبو رغال (6) فلما خرج من الحرم

عاصم بن بهدلة ومن طريقه رواه ابن ماجه، قال وقد يكون هذا السياق لإهلاك عاد الآخرة فان فيما ذكره ابن اسحاق وغيره ذكر لمكة ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل حين اسكن فيها هاجر وابنه اسماعيل فنزلت جرهم عندهم، وعاد الأولى قبل الخليل، وفيه ذكر معاوية بن بكر وشعره وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى لا يشبه كلام المتقدمين، وفيه ان تلك السحابة شرر نار وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر، وقد قال ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من أئمة التابعين هى الباردة: والعاتية الشديدة الهبوب (سخرها عليهم سبع ليال وثمانيه أيام حسوما) أى كوامل متتابعات، قيل كان أولها الجمعة وقيل الأربعاء (فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) شبههم بأعجاز النخل التى لا رءوس لها، وذلك لأن الريح كانت تجئ الى أحدهم فتحمله فترفعه فى الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فنشدخه فيبقى جثة بلا رأس كما قال (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحر مستمر) أى فى يوم نحس عليهم مستمر عذابه عليهم (تنزع الناس كانهم أعجاز نخل منقعر) ومن قال ان اليوم النحس المستمر هو يوم الاربعاء وتشاءم به لهذا الفهم فقد أخطأ وخالف القرآن، فانه قال فى الآية الأخرى (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى أيام نحسات) ومعلوم أنهما ثانية متتابعات: فلو كانت نحسات فى نفسها لكانت الأيام السبعة المندرجة فيها وهذا لا يقوله أحد وانما المراد فى أيام نحسات أى عليهم، ويحتمل أن هذه الريح أثارت فى آخر الأمر سحابة ظن من بقى منهم انها سحابة فيها رحمة بهم وغياث لمن بقى منهم فارسلها الله عليهم شرراً ونارا كما ذكره غير واحد، ويكون هذا كما أصاب اصحاب الظلة من أهل مدين وجمع لهم بين الريح الباردة وعذاب النار، وهو أشد ما يكون من العذاب بالأشياء المختلفة المتضادة مع الصيحة التى ذكرها الله فى سورة قد افلح المؤمنون والله اعلم (روى عن أمير المؤمنين) على بن ابى طالب رضى الله عنه انه ذكر صفة قبر هود عليه السلام فى بلاد اليمن. وذكر آخرون انه بدمشق وبجامعها مكان فى حائطه القبلى يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه السلام والله أعلم أم مخلصا من تاريخ الحافظ ابن كثير رحمه الله (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبى الزبير عن جابر (يعنى ابن عبد الله) الخ (غريبه)(2) بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم اسم مدينة ثمود قوم صالح وكان ذلك فى عودته من غزوة تبوك (3) يعنى ناقة صالح (والفج) معناه الطريق الواسع (4) أى تجبروا وتكبروا وعصوا أمر ربهم (5) أى أهلكهم جميعا إلا رجلا واحذا (6) قال عبد الرزاق قال معمر أخبرنى اسماعيل بن أمية أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بقبر ابى رغال فقال أتدرون من هذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال هذا قبر ابى رغال رجل من ثمود كان فى حرم الله فمنعه حرم الله عذاب الله فلما خرج أصابه ما أصاب قومه فدفن هاهنا ودفن معه غصق فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم

ص: 44

.

فبحثوا عنه فاستخرجوا الغصن، قال عبد الرزاق قال معمر قال الزهرى، أبو رغال أبو نقيف وهو حديث مرسل (تخريج حديث الباب) أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعزاه للامام احمد وقال هذا الحديث على شرط مسلم وليس هو فى شئ من الكتب الستة والله أعلم اه (قلت) وفى هذا الحديث اشارة إلى مكان ورود الناقة وصدورها وقد عقرها ثمود قوم نبى الله صالح وهم قبيلة مشهورة يقال ثمود باسم جدهم ثمود أخى حديس وهما ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح وكانوا عربا من العاربة يسكنون الحجر الذى بين الحجاز وتبوك، وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راجع من غزوة تبوك بمن معه من المسلمين كما سيأتى بيانه وكانوا بعد قوم عاد وكانوا يعبدون الاصنام كألئك فبعث الله فيهم رجلا منهم وهو عبد الله ورسوله صالح فدعاهم الى عبادة الله وحده لا شريك له وان يخلعوا الأصنام والأنذاد ولا يشركوا به شيئاً فآمنت به طائفة منهم وكفر جمهورهم ونالوا منه بالمقال والفعال وهموا بقتله وقتلوا الناقة التى جعلها الله حجة عليهم فأخذهم أخذ عزيز مقتدر وقد جاء ذكرهم وعنادهم لنبيهم صالح فى غير موضع من كتاب الله تعالى فمن ذلك قوله عز وجل (والى ثمود أخاهم صالحا) يعنى فى النسب لا فى الدين (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض) أى خلقكم منها وذلك انهم أولاد آدم وآدم خلق من الارض (واستعمركم فيها) أى جعلكم عمارها وسكانها وقال الضحاك أطال عمركم فيها حتى كان الواحد منهم يعيش ثلاثمائة سنة الى الف سنة وكذلك قوم عاد وقال قتادة أسكنكم فيها (فاستغفروه ثم توبوا اليه ان ربى قريب مجيب) أى قريب من المؤمنين مجيب لدعائهم (قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا) يعنى قبل هذا القول أى كنا نرجو أن تكون سيدا فينا وقيل كنا نرجو ان تعود الى ديننا، وذلك انهم كانوا يرجعون رجوعه الى دين عشيرته فلما اظهر دعاءهم الى الله عز وجل وترك الاصنام زعموا أن رجاءهم انقطع عنه فقالوا (اتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا اننا لفى شك مما تدعونا اليه مريب) أى موقع للريبة والتهمة، يقال اربته ارابة اذا فعلت به فعلا يوجب له الريبة (قال يا قوم أرأيتم ان كنت على بينة من ربى وآتان منه رحمة فمن ينصرنى من الله ان عصيته فما تزيدوننى غير تخسير) قال ابن عباس معناه ما تزيدوننى غير بصارة فى خسارتكم (ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية) نصب على الحال والقطع وذلك ان قوما طلبوا منه ان يخرج ناقة عشراء من هذه الصخرة وأشاروا الى صخرة، فدعا صالح عليه السلام فخرجت منها ناقة وولدت فى الحال ولدا مثلها، فهذا معنى قوله هذه ناقة الله لكم آية (فذروها تأكل فى أرض الله) من العشب والنبات فليس عليهم مؤنتها (ولا تمسوها بسوء) أى لا تصيبوها بعقر (فياخذكم) ان قتلتموها (عذاب قريب فعقروها فقال) لهم صالح (تمتعوا) أى عيشوا (فى داركم) وقد جاء فى آية أخرى دياركم (ثلاثة أيام) ثم تهلكون (ذلك وعد غير مكذوب) أى غير كذب، روى انه قال لهم يأتيكم العذاب بعد ثلاثة أيام فتصبحون اليوم الاول ووجوهكم مصفرة، وفى اليوم الثانى محمرة، وفى اليوم الثالث مسودة فكان كما قال وأتاهم العذاب اليوم الرابع قال تعالى (فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزى يومئذ) أى من عذابه وهو إنه (إن ربك هو القوى العزيز، وأخذ الذين ظلموا الصيحة) وذلك ان جبريل عليه السلام صاح عليهم صيحة واحدة فهلكوا جميعا، وقيل أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شئ فى الأرض فتقطعت قلوبهم فى صدورهم وانما قال أخذ (والصيحة مؤنثة) لأن الصيحة بمعنى الصياح (فأصبحوا فى ديارهم جاثمين) باركين على ركبهم هلكى (كأن لم يغنوا فيها) أى كأن لم يقيموا ويكونوا

ص: 45

أصابه ما أصاب قومه (عن عمار بن ياسر)(1) قال كنت أنا وعلى رفيقين فى غزوة ذات العشيرة فذكر نصة وذكر انهما ناما على التراب، قال فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب، قال ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قال قلنا بلى يا رسول الله، قال أحيمر ثمود الذى عقر الناقة والذى يضربك يا على على هذه يعنى قرنه حتى تبل منه هذه يعنى لحيته (عن عبد الله بن زمعة)(2) قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة وذكر الذى عقرها فقال اذا انبعث أشقاها لها رجل عارم (3) عزيز منيع فى رهطه مثل ابن زمعة ثم ذكر النساء فوعظهم فيهن الحديث (4)(عن ابن عباس)(5) قال لما مر النبى صلى الله عليه وسلم بوادى عسفان حين حج قال يا أبا بكر أى واد هذا؟ قال واد هذا؟ قال وادى عسفان قال لقد مر به هود وصالح على بكرات حمر حطمها الليف ازرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق (باب مرور النبى صلى الله عليه وسلم بوادى الحجر من أرض ثمود عام تبوك)(عن نافع عن ابن عمر)(6) قال لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس عام تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التى كان يشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهراقوا القدور وعلقوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البتر التى كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم ان يدخلوا على القوم الذين عذبوا، قال انى أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم (عن سالم بن عبد الله عن أبيه)(7) أن النبى صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال لا تدخلوا أماكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين

(ألا إن ثمود كفروا ربهم إلا بعد الثمود) أى سحقا وهلاكا (وفى تاريخ الكامل) لابن الأثير ان صالحا عليه السلام بعد هلاك قومه سار الى الشام فنزل فلسطين ثم انتقل الى مكة فاقام بها يعبد الله حتى مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وكان قد أقام فى قومه يدعوهم عشرين سنة (قيل) يوجد بحضر موت قبر يدعونه قبر صالح ويقولون ان ثمود ارتحلوا من حضر موت الى الشمال فلما هلكوا جاء صالح الى موطن قومه الأول والله أعلم (1)(عن عمار بن ياسر الخ) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بطوله وسنده وشرحه وتخريجه فى باب مناقب على رضى الله عنه من كتاب مناقب الصحابة ان شاء الله تعالى (2)(سنده) حدثنا ابن نمير قال ثنا هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة الخ (غريبه)(3) أى خبيث شرير (عزيز) أى رئيس منيع أى مطاع فى قومه (4) ليس هذا آخر الحديث وبقيته فقال علام يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ولعله يضاجعها من آخر يومه ثم وعظهم فى ضحكهم من الضرطة فقال علام يضحك أحدكم على ما يفعل وسيأتى هذا الحديث بتمامه فى باب خطب النبى صلى الله عليه وسلم من كتاب السيرة النبوية ان شاء الله تعالى وتقدم الجزء المختص منه بالنساء حديثا مستقلا فى باب حق الزوجة على الزوج من كتاب النكاح فى الجزء السادس عشر صحيفة 231 رقم 260 (تخريجه)(ق. والأربعة)(5)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى أول الباب السابق وانما ذكرته عنا لمناسبة حج نبى الله صالح عليه السلام (باب)(6)(سنده) حدثنا عبد الصمد حدثنا صخر ابن جوبرية عن نافع عم ابن عمر الخ (تخريجه)(ق، وغيرهما)(7)(سنده) حدثنا يَعمُر بن بشر

ص: 46

أن يصيبكم ما أصابهم وتقنع بردائه وهو على الرحل (زاد فى رواية) فان لم تكونوا باكين فلا تدخلو عليهم ان يصيبكم مثل ما أصابهم (عن محمد أبى كبشة الانمارى عن أبيه)(1) قال لما كان فى غزوة تبوك تسارع الى أهل الحجر يدخلون عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى فى الناس الصلاة جامعة، قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعيره وهو يقول ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم، فناداه رجل منهم تعجب منهم يا رسول الله، قال أفلا أنذركم بأعجب من ذلك؟ رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم وما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا فان الله عز وجل لا يعبأ بعذابكم شيئا، وسيأتى قوم لا يدفعون عن أنفسهم بشئ (باب ذكر ابراهيم الخليل وفضله (2) عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) (عن أنس)(3) قال قال رجل النبى صلى الله عليه وسلم يا خير البرية

أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن الزهرى أخبرنى سالم بن عبد الله عن أبيه (يعنى عبد الله بن عمر) أن النبى صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وقال رواه البخارى من حديث عبد الله بن المبارك وعبد الرزاق كلاهما عن معمر باسناده نحوه (1)(سنده) حدثنا يزيد بن هارون أنا المسعودى عن اسماعيل بن أوسط عن محمد بن أبى كبشة الأنمارى عن أبيه الخ (قلت) أبوه اسمه عمر بن سعد ويقال عامر بن سعد (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعزاه للامام احمد وقال اسناد حسن ولم يخرجوه (باب)(2) تقدم نسبة فى باب ما جاء فى عدد الانبياء والرسل وأمور تتعلق بهم صحيفة 37 من هذا الجزء (أما مكان ميلاده) فقد صحح أهل السير والتواريخ والأخبار أنه ولد ببابل أرض الكلدانيين، وروى ابن عساكر عن ابن عباس قال ولد ابراهيم بغوطة دمشق فى قرية يقال لها برزة فى جبل يقال له قاصيون ثم قال والصحيح أنه ولد ببابل، وإنما نسب اليه هذا المقام لأنه صلى فيه اذ جاء معينا للوط عليه السلام قالوا فنزوج ابراهيم سارة قالوا وكانت سارة عاقرا لا تلد، قالوا وانتقل تارخ ابنه ابراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط بن هاران فخرج بهم من أرض الكلدانيين الى أرض الكنعانيين فنزلوا حَرَّان فمات فيها تارخ وله مئتان وخمسون سنة، وهذا يدل على أنه لم يولد بحران وإنما مولده بارض الكلدانيين وهى أرض بابل وما والاها، ثم ارتحلوا قاصدين أرض الكنعانيين وهى بلاد بيت المقدس فأقاموا بحران وهى أرض الكشدانيين فى ذلك الزمان وكذلك أرض الجزيرة والشام أيضا، وكانوا يعبدون الكواكب السبعة، والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين يستقبلون القطب الشمالى ويعبدون الكواكب السبعة بانواع من الفعال والمقال، وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام: وكل من كان على وجه الأرض كانوا كفار سوى ابراهيم الخليل وامرأته وابن أخيه لوط عليهم السلام وكان الخليل عليه السلام هو الذى أزال الله به تلك الشرور وأبطل به ذاك الغلال فان الله سبحانه وتعالى أتاه رشده فى صغره وابتعثه رسولا واتخذه خليلا فى كبره قال تعالى (ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين) أى كان أهلا لذلك ذكره الحافظ ابن كثير فى تاريخه، ثم ذكر كل ما جاء فى شأنه من كتاب الله عز وجل من مناظرته لأبيه وقومه ودعوتهم الى الاسلام وقصته مع ملك مصر ومع نمرود وتكسيره اصنامهم وأمرهم بتحريقه وغير ذلك كثير وسأذكر بعض ذلك لمناسبة ما جاء منه فى المسند والله الموفق (3)(سنده) حدثنا أبو

ص: 47

فقال ذاك إبراهيم أبى (عن عبد الله)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان لكل نبى ولاة وان وليي منهم أبى وخليل ربى ابراهيم قال ثم قرأ (أن أولى الناس بابراهيم) الخ الآية (عن أبى هريرة)(2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن أحق بالشك من ابراهيم عليه السلام إذ قال (ربى أرنى كيف تحىى الموتى قال أو لم نؤمن؟ قال بلى ولكن يطمئن قلبى) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله لوطا لقد كان يأوى الى ركن شديد، ولو لبث فى السجن ما لبثت يوسف لاجبت الداعى (عن ابن عباس)(3) عن النبى صلى الله عليه وسلم قال يحشر الناس حفاة عراة غرلا (4) فأول من يكسى ابراهيم عليه السلام ثم قرأ (كما بدأنا أول خلق نعيده)(عن أبى هريرة)(5) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أختن ابراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختن بالقدوم مخففة (عن ابن عباس)(6) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص شاربه وكان أبوكم ابرهيم من قبله يقص شاربه

نعيم ثنا سفيان عن المختار بن فلفل عن أنس (يعنى ابن مالك الخ)(تخريجه)(م مذ)(1)(سنده) حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبيه عن أبى الضحى عن عبد الله (يعنى ابن مسعود) الخ (تخريجه)(مذ ص) وسنده منقطع عند الامام احمد لأن أبا الضحى مسلم بن صبيح لم يدرك ابن مسعود ولكنه جاء متصلا عند الترمذى وسعيد بن منصور عن مسروق عن عبد الله فالحديث صحيح فى ذاته (2)(عن أبى هريرة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب وإذ قال ابراهيم رب أرنى كيف تحي الموتى من تفسير سورة البقرة فى الجزء الثامن عشر وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما (3)(سنده) حدثنا يحي بن سعيد عن سفيان قال حدثنى المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(4) بضم العين المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف الذى لم يختن (تخريجه)(ق. وغيرهما) وفيه ان ابراهيم الخليل عليه السلام أفضل الأنبياء بعد نبينا صلى الله عليه وسلم (5)(عن أبى هريرة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب الختان من أبواب سنن الفطرة فى الجزء السابع عشر صحيفة 313 رقم 8 وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما (6)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث تقدم أيضا فى الجزء المشار اليه صحيفة 313 أيضا رقم 10 وتقدم شرحه وتخريجه هناك، ونزيد هنا أن الامام مالك روى فى الموطأ عن يحي بن سعيد بن المسيب انه قال كان ابراهيم صلى الله عليه وسلم أول الناس ضيّف الضيف، وأول الناس اختتن، وأول الناس قص شاربه وأول الناس رأى الشيب، فقال يارب ما هذا: فقال الله تبارك وتعالى وقارٌ يا ابراهيم، فقال رب زدنى وقارا وهذا الحديث منقطع لكن وصله ابن عدى والبيهقى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ويؤيده حديث أبى هريرة السابق بلفظ اختتن ابراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم مخفضة ورواه الشيخان وغيرهما والبخارى فى الأدب المفرد وأبن حبان عن أبى هريرة وابن السماك مرفوعا وهو إبن مائة وعشرين وزادوا وعاش بعد ذلك ثمانين سنة وأعل بأن عمره مائة وعشرين، ورّد بأن مثله عند ابن أبى شيبة وابن سعد والحاكم والبيهقى وصححاه وأبى الشيخ فى العقيقة من وجه آخر زادوا أيضا وعاش بعد ذلك ثمانين: فعلى هذا عاش مائتين، وجمع بأن الأول حسب من منذ نبوته والثانى حسب من مولده، وبأن المراد وهو ابن ثمانين من وقت فراق قومه وهجرته من العراق الى الشام وقوله وهو

ص: 48

_________

ابن مائة وعشرين أى من مولده، واختلفوا فى قوله بالقدوم بتخفيف المهملة كما قال الرواى فى آخر الحديث مخففة، وهو على التخفيف اسم آلة النجار، أو المراد المكان الذى وقع فيه الختان وهو أيضا بالتخفيف والتشديد اسم قرية بالشام ولكل وجهة، وجمع بأنه اختتن بالآلة وفى الموضع ويستفاد من ذلك أن الختان حصل بعد وقوع قصته مع نمرود وهجرته الى البلاد الشامية والله أعلم (هذا) وسأذكر شيئا مما اتصل بى من الوقائع التى حصلت لأبينا ابراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مرتبة على سنى حياته فأقول (تقدم أن ابراهيم عليه السلام ولد ببابل) بكسر الموحدة وهو اسم ناحية، منها الكوفة والحلة والمشهور بهذا الاسم المدينة الخراب بقرب الحلة والى جانبها قرية تسمى الآن ببابل عامرة كذا فى مراصد الاطلاع، وكان أهل بابل يتمتعون برغد العيش ولكنهم كانوا يتردون فى مهاوى الضلالة، فقد نحتوا الأصنام بأيديهم ثم جعلوها أربابا ونصبوا آلهة وعكفوا على عبادتهم من دون الله الذى خلقهم، وكان نمرود بن كنعان بن كوشى قابضا على زمام الملك فى بابل وحاكما بأمره مستبدا برأيه، ولما رأى القوم اطبق عليهم الجهل اقام نفسه إلهاً ودعا الناس الى عبادته، فلما أراد الله أن يبعث ابراهيم حجة على خلقه ورسولا الى عباده دعا هؤلاء القوم الى توحيد الله وعزم على تخليص قومه من وهدة الشرك وقد كان ابراهيم مؤمنا بما أوحى الله اليه من بعث الناس بعد موتهم وحسابهم فى حياة أخرى على أعمالهم ولكنه أراد أن يزداد بصيرة وإيمانا وثقة وبقينا وتطلع إلى ان يلبس الآية البينة على البعث ويرى الحجة الواضحة على النشور، فسأل ربه أن يريه كيف يحي الموتى بعد موتهم ويبعثهم بعد فناء أجسامهم فقال الله عز وجل له (أو لم تؤمن؟ قال بلى) قد أوحيت إلىّ وآمنت وصدقت (ولكن ليطمئن قلبى) ولما كان ابراهيم عليه السلام يقصد الى أن تطمئن نفسه أجب الله دعاءه وآناه سؤاله وأمره أن يأخذ أربعة من الطير ويضمها اليه، وهذا معنى قوله تعالى (فصُرْ هن أليك) ليتعرف أجزاءها ويتأمل خلقها ثم يجعلها أجزاءا ويفرقها أشلاءا ويجعل على كل جبل منهن جزءا ثم يدعوهن اليه فيأتينه سعيا باذن الله، فلما فعل صار كل جزء ينضم الى مثله وعادت الأشلاء كل فى مكانه، وسرعان ما سرت فيها الحياة ورجعت اليها الروح وسعت اليه بقدرة الله عز وجل، وما من أحد يرى ذلك ثم يساوره شك فى قدرة الله على بعث الموتى من مراقدهم ونشرهم من قبورهم (سبحانه اذا أراد شيئا ان يقول له كن فيكون) حينئذ قوى إيمان ابراهيم وتوفرت عنده اقامة الحجة على قومه ودعوتهم الى التوحيد، وكان أول دعوته الى أبيه أو عمه آزار على الخلاف فى ذلك لأنه أقرب الناس وألصقهم به وأولاهم بالهداية: فمن البر به أن يهديه إلى سواء السبيل كما قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم (وأنذر عشيرتك الأقربين) وكان آزر يعبد الأصنام بل كان ممن ينحتها ويبيعها وكان من خبره ما قصه الله عز وجل فى كتابه (واذكر فى الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا، إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) إلى قوله (عسى ان لا أكون بدعاء ربى شقيا) فلما عرض هذا الرشد عليه وأهدى هذه النصيحة اليه لم يقبلها منه ولا أخذها عنه بل تهدده وتوعده بقوله (أراغب أنت عن آلهتى يا ابراهيم، لئن لم تنته لأرجعنك) قيل بالمقال وقيل بالفعال (واهجرنى مليا) أى واقطعنى وأطل هجرانى: خاب رجاء ابراهيم حين أنكر عليه أبوه دعوته، ولكن هذه الغلظة التى بدت من أبيه وذلك الجفاء لم يبعداه عن متابعة دعوته الى الحق ولم يثنياه من النكر على قومه اشراكهم بالله وعبادتهم الأصنام من دونه بل أزمع على ان يمحو هذه العقائد الفاسدة ولو ناله فى ذلك أذى كثير، قام ابراهيم عليه السلام بدعوة قومه الى الاسلام فلم يستجب له أحد

ص: 49

(باب هجرة إبراهيم عليه السلام الى بلاد الشام ودخوله الديار المصرية وقصة سارة مع ملك مصر)(عن أبى هريرة)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذب ابراهيم إلا ثلاث كذبات (3) قوله حين دعى الى آلهتهم (3) انى سقيم (4) وقوله مقلد كبيرهم هذا (5) وقوله لسارة أنها أختي

منهم بعد أن أقام عليهم الحجج والبراهين ولم يؤمن به إلا بعض رجال من قومه منهم لوط بن هاران وهو ابن أخى ابراهيم وكان لهم أخ ثالث يقال له ناخور بن تارخ وهو أبو بتويل وبتويل أبو لابان وأبرر بقا امرأة اسحاق بن ابراهيم أم يعقوب ولا بان أبو ليئة وراحيل زوجتى يعقوب وآمنت به سارة وهى ابنة عمه وهى سارَّة ابنة هاران الأكبر عم ابراهيم (أما جمهورهم) فلم تنفعهم الحجة ولم تغنهم النذر، ولما أعرضوا عن دعوته ولازالوا متمسكين بعبادة أصنامهم بَيَّت الشر لها واقسم ليكيدنها حتى يروا أنها لا تضر ولا تنفع ولا تدفع الأذى عن نفسها. فقال (وتا الله لأكيدن أصنامكم بعد ان تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا) أى قطعا متفرقة (الا كبيرا لهم لعلهم اليه يرجعون) وسيأتى تفصيل ذلك وقصته مع نمرود فى شرح الحديث التالى (باب)(1)(سنده) حدثنا على بن حفص قال ثنا ورقاء عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة الخ (غريبه)(2) لم يرد النبى صلى الله عليه وسلم ان هذا من باب الكذب الحقيقى الذى يذم فاعله حاشا وكلا، وانما أطلق الكذب على هذا تجوزا، وانما هو من المعاريض فى الكلام لمقصد شرعى دينى كما جاء فى بعض الأحاديث (أن فى المعاريض لمندوجة عن الكذب)(3) تقدم فى شرح الحديث السابق ان ابراهيم قال (وتا لله لأكيدن اصنامكم بعد ان تولوا مدبرين) وقد كان من عادة القوم ان يقيموا عيدا لهم فى كل عام يقضون ايامه خارج المدينة، وكلهم يهرعون اليه بعد ان يضعوا طعاما كثيرا فى بيت العبادة حتى اذا ما رجعوا من عيدهم أكلوه فرحين فقد باركته الآلهة، فاذا انصرفوا من عيدهم أكلوه، فقالوا لابراهيم ألا تخرج غدا معنا الى عيدنا؟ وهذا معنى قوله فى الحديث (حين دعي إلى آلهتهم) أى الى حضور عيد آلهتهم (4) وترى بقوله انى سقيم ولم تكن به علة ولا مرض ولكنه كان سقيم النفس كاسف البال حزينا على إشراك قومه لأنهم لم يلبوا نداءه ولم يصيخوا الى دعوته، وكانوا يعتقدون ان السقيم هو المطعون، وكانوا يفرون من الطاعون فرارا عظيما فتركوه ومضوا، وفى التنزيل قال تعالى (فنظر نظرة فى النجوم فقال انى سقيم فتولوا عنه مدبرين) قال ابن عباس كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا لئلا ينكروا عليه (فتولوا عنه مدبرين) الى عيدهم فدخل ابراهيم على الأصنام فكسرها ثم وضع القدوم فى يد كبيرهم لعلهم يعتقدون أنه هو الذى غار لنفسه وأنف أن تعبد معه هذه الأصنام الصغار فكسرها، فلما رجعوا من عيدهم وجدوا اصنامهم مكسرة (قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم؟) لأنه لم يتخلف عن حضور العيد غيره (قال بل فعله كبيرهم هذا) أى غضب من أن يعبد معه الصغار وهو أكبر منها فكسرها وأراد بذلك إقامة الحجة عليهم فذلك قوله (فاسألوهم إن كانوا ينطقون) حتى يخبروا من فعل ذلك بهم، قال ألقنيى معناه بل فعله كبيرهم ان كانوا ينطقون على سبيل الشرط فجعل النطق شرطا للفعل، أى ان قدروا على النطق قدروا على الفعل فأراهم عجزهم عن النطق وفى ضميره أنا فعلت، فارعووا ورجعوا عنه فيما ادعوا عليه من كسرها ألى أنفسهم فيما بينهم فقالوا لقد ظلمناه وما تراه إلا كما قال، وعرفوا أنها لا تضر ولا تنفع ولا تبطش

ص: 50

_________

(ثم نكسوا على رؤسهم) أى رُدّوا الى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم، يّقال نكس المريض اذا رجع الى حالته الأولى، وقالوا (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) فكيف نسألهم فلما اتجهت الحجة لابراهيم عليه السلام قال لهم (أتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا) ان عبدتموه (ولا يضركم) ان تركتم عبادته (اف لكم) يعنى تَبَّا أى هلاكا لكم (ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) فلما غلبوا على أمرهم وخافوا افتضاح حالهم ولم تبق لهم حجة أو شبهة قال له نمرود أرأيت الهك الذى تعبده وتدعو الى عبادته ما هو؟ (قال ربى الذى يحيى ويميت) قال نمرود (أنا أحي وأميت) قال ابراهيم وكيف ذلك؟ قال آخذ رجلين قد استوجبا القتل فأقتل أحدهما فأكون قد أمته، وأعفوا عن الآخر فأكون قد أحييته، قال ابراهيم (فان الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبُهِتَ الذى كفر) يعنى نمرود ولم يرجع اليه شيئا ولزمته الحجة، ثم انه وأصحابه أجمعوا على قتل ابراهيم فقالوا (حَرّقوه وانصروا آلهتكم ان كنتم فاعلين) يعنى ان كنتم ناصرين لها (قال الامام البغوى) فى تفسيره قال أبن عمر رضى الله عنهما إن الذى قال هذا رجل من الأكراد وقيل إن اسمه هيزن فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة، وقيل قاله نمرود، فلما اجتمع نمرود وقومه على احراق ابراهيم عليه السلام حبسوه فى بيت بنوا له بنيانا كالحظيرة، وقيل بنوا أتونا بقربه يقال له كوثى ثم جمعوا له صلاب الحطب من أصناف الخشب مدة حتى كان الرجل يمرض فيقول لئن عافانى الله لاجمعن حطبا لابراهيم، وكانت المرأة تنذر فى بعض ما تطلب لئن أصابته لتحتطبن فى نار ابراهيم، وكانت المرأة تغزل وتشترى الحطب بغزلها فتلقيه فيه احتسابا، قال ابن اسحاق كانوا يجمعون الحطب شهرا فلما جمعوا ما أرادوا أشعلوا فى كل ناحية من الحطب النار فاشتعلت النار واشتدت حتى ان كان الطير يمر بها فيحترق من شدة وهجها، فأوقدوا عليها سبعة أيام، روى أنهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها فجاء أبليس فعلمهم عمل المنجنيق فعملوه ثم عمدوا الى ابراهيم فرفعوه على رأس البنيان وقيدوه ثم وضعوه فى المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السماء والأرض ومن فيها من الملائكة وجميع الخلق إلا الثقلين صيحة واحدة أى ربنا ابراهيم خليلك يلقى فى النار وليس فى أرضك أحد يعبدك غيره، فأذن لنا فى نصرته، فقال الله عز وجل إنه خليلى ليس لى غيره خليل، وأنا الهه وليس له اله غيرى، فان استغاث بشئ منكم أو دعاه فلينصره فقد أذنت له فى ذلك، وان لم يدع غيرى فانا أعلم به وأنا وليه فخلوا بينى وبينه، فلما أرادوا القاءه فى النار أتاه خازن المياه فقال ان أردت اخمدت النار، وأتاه خازن الرياح فقال ان شئت طيرت النار فى الهواء، فقال ابراهيم لا حاجة لى اليكم، حسبى الله ونعم الوكيل، وروى عن أبى بن كعب ان ابراهيم حين أوثقوه ليلقوه فى النار قال لا إله إلا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ثم رموا به فى المنجنيق الى النار فاستقبله جبريل فقال يا ابراهيم ألك حاجة؟ فقال أما أليك فلا، فقال جبريل فاسأل ربك، فقال ابراهيم حسبى من سؤالى علمه بحالى (قال كعب الأحبار) جعل كلَ شئ يطفئ عنه النار الا الوزغ فأنه كان ينفخ فى النار (قلت) روى الامام احمد عن سانية مولاة المفاكه بن المغيرة قالت دخلت على عائشة رضى الله عنها فرأبت فى بيتها رمحا موضوعا، قلت يا أم المؤمنين ماذا تصنعون بهذا الرمح؟ قالت هذا لهذه الأوزاغ نقتلهن به فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا ان ابراهيم عليه الصلاة والسلام حين القى فى النار لم تكن فى الأرض دابة إلا تطفئ النار عنه غير الوزغ كان ينفخ عليه فامرنا رسول الله

ص: 51

(1)

قال ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل دخل إبراهيم الليلة

صلى الله عليه وسلم بقتله وهذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب استحباب قتل الوزغ من كتاب القتل والجنايات فى الجزء السادس عشر صحيفة 19 رقم 58 فأرجع اليه قال الله تعالى (قلنا يا نار كونى برداً وسلاما على ابراهيم) قال ابن عباس لو لم يقل سلاما لمات ابراهيم من بردها (قال الامام البغوى) فى تفسيره ومن المعروف فى الآثار انه لم يبق يومئذ نار فى الأرض الا طفئت فلم ينتفع فى هذا اليوم بنار فى العالم، ولو لم يقل (على ابراهيم) بقيت ذات برد أبداً (قال السدى) فاخذت الملائكة بضبعى ابراهيم فأقعدوه على الارض فاذا عين ماء عذب وورد احمر ونرجس، قال كعب ما احرقت النار من ابراهيم الاوثاقه، قالوا وكان ابراهيم فى ذلك الموضع سبعة أيام، قال المنهال بن عمرو قال ابراهيم ما كنت قط أياما أنهم منى من الايام التى كنت فيها فى النار، قال ابن يسار وبعث الله جبريل اليه بقميص من حرير الجنة وطنفسة فألبسه القميص واقعده على الطنفسة وقعد معه يحدثه، وقال جبريل يا ابراهيم ان ربك يقول لك أما علمت ان النار لا تضر احبائى، ثم نظر نمرود واشرف على ابراهيم من صرح له فرآه جالسا فى روضة والملك قاعد الى جنبه وما حوله نار تحرق الحطب، فناداه يا ابراهيم كبير إلهك الذى بلغت قدرته أن حال بينك وبين ما أرى، يا ابراهيم هل تستطيع ان تخرج منها؟ قال نعم، قال هل تخشى إن اقمت فيها أن تضرك؟ قال لا، قال فقم فأخرج منها، فقام ابراهيم يمشى فيها حتى خرج منها، فلما خرج اليه قال له يا أبراهيم من الرجل الذى رأيته معك فى مثل صورتك قاعدا الى جنبك؟ قال ذاك ملك الظل أرسله الىّ ربى ليؤنسنى فيها، فقال نمرود يا ابراهيم انى مقرب الى الاهك قربانا لما رأيت من قدرته وعزته فينا صنع بك حيث أبيت الا عبادته وتوحيده، انى ذابح أربعة آلاف بقرة، فقال له أبراهيم اذا لا يقبلها منك ما كنت على دينك حتى تفارقه الى دينى، فقال لا استطيع ترك ملتى وملكى ولكن سوف أذبحها فذبحها له نمرود ثم كف عن ابراهيم ومنعه الله منه (فصل فى هلاك نمرود) قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه قال زيد بن أسلم وبعث الله الى ذلك الملك الجبار ملكا يأمره بالايمان بالله فأبى عليه، ثم دعاه الثانية فأبى عليه، ثم الثالثة فأبى عليه، وقال اجمع جموعك وأجمع جموعى، فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس فارسل الله عليه ذبابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فاكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظاما بادية ودخلت واحدة منها فى منخر الملك فمكثت فى منخره أربعمائة سنة عذبه الله تعالى بها فكان يضرب رأسه بالمزراب فى هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها (فصل فى هجرة ابراهيم عليه السلام إلى الشام) قال الله عز وجل (ونجيناه ولوطا) أى من نمرود وقومه من أرض العراق (الى الآرض التى باركنا فيها للعالمين) يعنى الشام بارك الله فيها بالخصب وكثرة الأشجار والثمار، والأنهار ومنها بعث أكثر الانبياء، وقال أبىّ بن كعب سماها مباركة لأنه ما من ماء عذب إلا وينبع أصله من تحت الصخرة التى هى فى بيت المقدس (قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) وذكر أهل الكتاب انه لما قدم الشام أوحى الله اليه انى جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك، فابتنى ابراهيم مذبحا لله شكرا على هذه النعمة، وضرب قبته شرقى بيت المقدس ثم انطلق مرتحلا الى التيمن يعنى أرض بيت المقدس وانه كان جوع أى قحط وشدة وغلاء فارتحلوا إلى مصر

(فصل فى قصة سارّة زوج الخليل عليه السلام مع ملك مصر)

(1)

سبب ذلك انه عم القحط وشمل الجدب والغلاء وضاقت سبل العيش في الشام رحل إبراهيم عليه

ص: 52

بامرأة من أحسن الناس (1) قال فأرسل اليه الملك أو الجبار من هذه معك قال أختى (2) قال أرسل بها: قال فأرسل بها اليه قال لها لا تكذبى قولى فانى قد أخبرته أنك أختى (3) إن ما على الأرض مؤمن غيرى وغيرك (4) قال فلما دخلت اليه قام اليها. قال فاقبلت توضأ وتصلى وتقول اللهم إن كنت تعلم إنى آمنت بك وبرسولك وأحصلت فرجى إلا على زوجى فلا تسلط على الكافر قال فغط (5) حتى ركض برجله، قال أبو الزناد (6) قال أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أنها قالت اللهم إن يمت يقل هى قتلته. قال فأرسل ثم قام اليها، فقامت توضأ وتصلى وتقول اللهم إن كنت تعلم أنى آمنت بك وبرسولك وأحصلت فرجى الا على زوجى فلا تسلط على الكافر، قال فغط حتى ركض برجله، قال أبو الزناد قال أبو سلمة عن أبى هريرة انها قالت اللهم أن يمت يقل إنها قتلته قال فأرسل، فقال فى الثالثة والرابعة ما أرسلتم الى إلا شيطانا (7) أرجعوها الى ابراهيم وأعطوها هاجر، قال فرجعت فقالت لابراهيم شعرت أن الله عز وجل رد كيد الكافر (8)

السلام إلى مصر وهذا معنى قوله فى الحديث ودخل ابراهيم قرية الخ تصحبه زوجه سارة وهبط أرضها حين كان القابض على زمامها والمسيطر على أمورها أحد ملوك العرب العماليق الذين استبدوا بالملك آونة من الدهر وكانت سارة ذات جمال باهر (1) معناه وشى بها أحد بطانة السوء الى الملك واغراه بجمالها وزين له حسنها وحبب اليه الاستحواذ عليها فصادفت هذه المقالة رغبة فى نفسه (فارسل اليه) وسأله عما يربطهما من سبب (2) يعنى فى دين الله عز وجل، والاخت كما تكون فى النسب تكون فى الدين واللغة والانسانية (3) معناه اذا سألك الملك ما يكون ابراهيم منك فقولى أخبرك ابراهيم بأنى أخته، وليس فى هذا كذب أصلا (4) يعنى زوجين مؤمنين غيرى وغيرك ويتعين حمله على هذا لأن لوطا كان معهم وقد آمن به بنص القرآن بل وآمن به نفر قليل تقدم ذكرهم (5) أصل الغطيط الذى يخرج مع نفس النائم وهو ترديده حيث لا يجد مساغا، والمراد هنا انه أصيب بنوبة شديدة حتى صار يركض برجله أى يضرب برجله الارض من شدة النوبة وألمها حتى فهمت سارة انه سيموت من هول ما أصابه (6) معناه ان أبا الزناد روى هذا الحديث مرة أخرى عن زيد بن أسلم عن أسلم أبى هريرة وزاد فى هذه المرة أن سارة قالت (اللهم إن سمت يقل) بضم أوله وفتح القاف أى يقول الناس (هى قتلته) يعنى سارة فدعت الله ان يخفف عنه هذه النوبة (فارسل) بضم الهمزة أى أزال الله عنه ما وجد ثم أفاق وهكذا يقال فى كل مرة مما سيأتى (7) قال ذلك لمن أحضروها اليه ومن تسبب فى حضورها فرأى ان لا مناص من أطلاق سراحها فوهبها هاجر خادما لها وأسلمها الى زوجها (8) زاد عند البخارى لفظ (فى نحره) وهذا مثل تضربه العرب لمن رام أمرا باطلا فلم يصل اليه (تخريجه)(ق. وغيرهما) وفى هذا الحديث كرامة لسارة رضى الله عنها ومعجزة لابراهيم عليه السلام حيث حفظه الله وزوجه من وصمة العار ونجاه من الظلم والعدوان، ثم خرج ابراهيم من مصر مع زوجته سارة وجاريتها هاجر ولوط مهاجرا الى الشام خوفا من فرعون فنزل السبع من أرض فلسطين ونزل لوط بالمؤتفكة وهى من السبع مسيرة يوم وليلة فبعثه الله نبيا وستأتى قصته مع قومه فى باب ذكر لوط عليه السلام، وأقام ابراهيم وسط أهله وعشيرته وبين

ص: 53

وخدم وليدة (باب ذكر مهاجرة ابراهيم بابنه اسماعيل وأمه هاجر الى جبال قاران وهى أرض مكة وسبب وجود زمزم وبنائه البيت العتيق)(حدثنا عبد الرزاق)(1) ثنا معمر عن أيوب وكثير بن كثير بن المطلب بن أبى وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير قال ابن عباس أول ما اتخذت النساء المنطق (2) من قبل أم أسماعيل اتخذت منطقا (3) لتنفى أثرها على سارة فذكر الحديث (4) قال ابن عباس رحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم أو قال

الطائفة القليلة التى آمنت به، وكانت سارة عقيما لا تلد وكان يحزنها ان ترى زوجها الوفى يتطلع الى النسل فاشارت على زوجها ان يدخل بأمتها هاجر وهى الوفية الكريمة الأمينة علها تنجب ولدا تشرق به حياتهما فانصاع لأمرها وخضع لأشارتها فلما وهبته إياها ودخل بها انجبت غلاما زكيا هو اسماعيل فانتعشت نفس ابراهيم عليه السلام وقرت عينه وكذلك سارة شايعته زمنا فى بهجته ولكن الغيرة لم تلبث ان دبت الى قلبها فحرمت الهدوء والهجوع واصبحت لا تطيق النظر الى الغلام ولا تحتمل رؤية هاجر فتمنت على زوجها ان يذهب بهاجر وطفلها أقصى الأماكن حتى لا يصل صوتهما الى سمعها، أذعن ابراهيم عليه السلام لإدارتها وكأن الله تعالى أوحى اليه أن يطيع أمرها ويستجيب الى رجائها لحكمة يعلمها الله عز وجل، فركب دابته واصطحب الغلام وأمه وسار ترشده ارادة الله وتحدوه عنايته حتى وقف عند مكان البيت فأنزل هاجر وطفلها فى هذا المكان القفر وتركهما فى تلك البقعة الجرداء وستاتى بقية القصة فى الحديث التالى وشرحه (باب)(1)(حدثنا عبد الرزاق الخ)(غريبه)(2) بكسر الميم وفتح الطاء بينهما نون ساكنة ما تشد به المرأة على وسطها عند الشغل لئلا تعثر فى ذيلها (وقوله من قبل أم اسماعيل) بكسر القاف وفتح الموحدة أى من جهة أم اسماعيل) (3) قال الحافظ سبب ذلك ان سارة وهبتها للخليل عليه السلام كما تقدم فحملت منه باسماعيل فلما وضعته غارت فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدت به وسطها وهربت وجرّت ذيلها لتخفى أثرها على سارة ويقال ان ابراهيم شفع فيها وقال لسارة حللى يمينك بأن تثقى أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك ووقع فى رواية ابن علية عند الاسماعيلى أول ما أحدث العرب جر الذيول عن أم اسماعيل، وذكر الحديث، ويقال ان سارة اشتدت بها الغيرة فخرج ابراهيم باسماعيل وأمه الى مكة لذلك، وروى ابن اسحاق عن ابن أبى نجيح عن مجاهد وغيره ان الله لما برّأ لابراهيم مكان البيت خرج باسماعيل وهو طفل صغير وأمه قال وحملوا على البراق (4) هكذا جاء عند الامام أحمد مختصرا فذكر منه مواضع متفرقة وقد ذكره البخارى تاما: لذلك آثرت نقله جميعه هنا لاشتماله على جميع القصة (قال البخارى) عقب قوله لتعفى أثرها على سارة (قال) ثم جاء بها أبراهيم وبابنها اسماعيل وهى ترضعه حتى وضعهما عند البيت (أى عند مكان البيت الحرام قبل ابن يبنيه) عند دّوْحة (أى شجرة عظيمة) فوق زمزم فى أعلى المسجد (أى أعلى مكان المسجد) وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاعا فيه ماء ثم قضَّى منطلقا فتبعته أم اسماعيل فقالت يا ابراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادى الذى ليس فيه إنس (بكسر الهمزة ضد الجن وفى رواية أنيس) ولا شئ: فقالت له ذاك مرارا وجعل لا يلتفت اليها، فقالت له الله الذى أمرك بهذا؟ قال نعم، قالت اذا لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق

ص: 54

لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا، قال ابن عباس قال النبى صلى الله عليه وسلم فألفى ذلك أم أسماعيل وهى تحب الأنس فنزلوا وأرسلوا الى أهليهم فنزلوا معهم، وقال فى حديثه فهبطت من الصفا حتى اذا بلغت الوادى رفعت طرف درعها ثم سعت سعى الانسان المجهود حتى جاوزت الوادى، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحداً ففعلت ذلك سبع مرات

إبراهيم حتى اذا كان عند الثنية (بالمثلثة وكسر النون وتشديد التحتية بأعلى مكة حيث دخل النبى صلى الله عليه وسلم مكة) حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت (أى موضعه) ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال (رب انى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم حتى بلغ يشكرون) وجعلت أم اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى اذا نفذ ما فى السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر اليه يتلوى أو قال يتلبط (بالموحدة المشددة بعد اللام آخره طاء مهملة أى يتمرغ ويضرب بنفسه على الارض) فانطلقت كراهية ان تنظر اليه فوجدت الصفا أقرب جبل فى الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادى تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا، فهبطت من الصفا حتى اذا بلغت الوادى رفعت طرف درعها ثم سعت سعى الانسان الجهود حتى جاوزت الوادى، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا ففعلت ذلك سبع مرات: قال ابن عباس قال النبى صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما (هذه الجملة من قوله فهبطت من الصفا الى قوله فلذلك سعى الناس بينهما جاءت فى حديث الباب عند الامام أحمد) فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صَهٍ (بفتح الصاد وكسر الهاء منونة وفى بعض الروايات بسكونها أى اسكتى) تريد نفسها (لتسمع ما فيه فرج لها) ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت أن كان عندك غَواث (أى فأغثنى) فاذا هى بالملك (أى جبريل عليه السلام عند موضع زمزم فبحث بعقبه (أى حفر بمؤخر رجله) أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تُحوّضُه وتقول بيدها هكذا (أى تصيره كالحوض لئلا يذهب الماء) وجعلت تغرف من الماء فى سقائها وهو يفور بعد ما تغرف: قال ابن عباس قال النبى صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا (أى جاريا على وجه الأرض (وهذه الجملة من قوله قال ابن عباس الى قوله عينا معينا جاءت عند الامام أحمد فى حديث الباب موقوفة على ابن عباس ولكنها جاءت عند البخارى مرفوعة الى النبى صلى الله عليه وسلم قال فشربت وارضعت ولدها، فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة (بفتح الضاد المعجمة وسكون التحتية يعنى الهلاك وعبّر بالجمع على القول بأن أقل الجمع اثنان، أو هما وذرية اسماعيل، أو أعم، وفى حديث أبى جهم لا تخافى ان ينفد الماء: وعند الفاكهى من رواية على بن الوازع عن ايوب لا تخافى على أهل هذا الوادى ظمأ فانها عين يشرب منها ضيفان الله) فان هاهنا بيت الله يبنى وفى لفظ يبنيه هذا الغلام وأبوه وان الله لا يضيّع أهله، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت كذلك (يعنى كانت هاجر تشرب وترضع ولدها ولعلها كانت تغتذى بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب) حتى مرت بهم رُفقة من جرهم (بضم الجيم والهاء بينهما راء ساكنة غير منصرف حي من اليمن وكانت جرهم يومئذ قريبا من مكة) وأهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء (وهو اعلى مكة) فنزلوا فى أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا (بالعين المهملة والفاء وهو الذى يتردد على الماء ويحوم حوله)

ص: 55

_________

فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء، لعهدنا بهذا الوادى وما فيه ماء، فارسلوا جربا (بفتح الجيم وكسر الراء ثم ياه تحتية مشددة أى رسولا لينظر هل هناك ماء أم لا) أو جريين (رسولين ثنين وأو للشك من الراوى وسمى الرسول جريا لكونه يجرى مسرعا فى حاجته) فاذاهم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم اسماعيل عند الماء فقالوا أتأذين لنا ان ننزل عندك؟ فقالت نعم ولكن لاحق لكم فى الماء، قالوا نعم، قال ابن عباس قال النبى صلى الله عليه وسلم فألفى (بهمزة مفتوحة وسكون اللام وفتح الفاء أى وجد) ذلك أم اسماعيل (معناه فالفى استئذان جرهم بالنزول رغبة أم اسماعيل) وهى تحب الانس (بضم الهمزة ضد الوحشة) فنزلوا وارسلوا الى أهليهم فنزلوا معهم (هذه الجملة من قوله قال ابن عباس قال النبى صلى الله عليه وسلم فالفى ذلك أم اسماعيل الى قوله فنزلوا معهم جاءت عند الامام احمد فى حديث الباب كما ترى ونرجع الى حديث البخارى قال) حتى اذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفَسَهم (لفتح الفاء والسين عطف على تعلم أى رغبهم فيه وفى مصاهرته يقال أنفسنى فلان فى كذا أى رغبنى فيه وقال فى المصابيح أى صار نفيسا فيهم رفيعا يتنافس فى الوصول اليه) واعجبهم حين شب فلما ادرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم اسماعيل (قيل ولها من العمر تسعون سنة ودفنها بالحجر) فجاء ابراهيم بعد ما تزوج اسماعيل ليطالع تركته (بكسر الراء أى يتفقد حال ما تركه يعنى هاجر واسماعيل، وفى حديث ابى جهم ان ابراهيم كان يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فياتى مكة ثم يرجع فيقيل فى منزله بالشام) فلم يجد اسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغى لنا، ثم سألها عن عيشتهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن فى ضيق وشدة فنسكت اليه، قال فاذا جاء زوجك فاقرئى عليه السلام وقولى له بغير عتبة بابه، فلما جاء اسماعيل كأنه أنس عيئا فقال هل جاءكم من أحد؟ قالت نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك وسألنى كيف عيشنا فاخبرته انا فى جهد وشدة، قال فهل أوصاك بشئ؟ قالت نعم امرنى ان اقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك، قال ذاك أبى وقد أمرنى ان أفارقك الحقى باهلك، فطلقها وتزوج منهم. أخرى، فلبث عنهم ابراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغى لنا، قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله: فقال ما طعامكم؟ قالت اللحم، قال فما شرا بكم؟ قالت الماء، قال اللهم بارك لهم فى اللحم والماء: قال النبى صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حَب ولو كان لهم دعا لهم فيه، قال فهما لا يخلو عليهما احد بغير مكة إلا لم يوافقاه (جاء فى حديث أبى جهم ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه: ومعناه لا يقتصر عليهما أحد فى غير مكة بدون خلط طعام آخر الا اشتكى ببطنه لما ينشأ عنهما من انحراف المزاج إلا فى مكة فانهما يوافقانه، وهذا من جملة بركاتها وأثر دعاء الخليل عليه السلام قال فاذا جاء زوجك فاقرئى عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء اسماعيل قال هل أتاكم من أحد؟ قالت نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة واثنت عليه فسألنى عنك فأخبرته أنا بخير، قال فأوصاك بشئ؟ قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك ان تثبت عتبة بابك، قال ذاك أبى وانت العتبة امرنى ان امسكك (زاد أبو جهم ولقد كنتِ علىّ كريمة، ولقد ازددت على كرامة: فولدت لاسماعيل عشرة ذكور) ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك واسماعيل يبرى نبلاله تحت دوحة (أى شجرة وهى التى نزل اسماعيل وأمه تختها اول ما قدما مكة كما مر) قريبا من زمزم، فلما رآه قام اليه فصنعا كما يصنع الوالد ثم قال يا إسماعيل إن الله أمرني

ص: 56

قال ابن عباس قال النبى صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما (عن ابن عباس)(1) رضى الله تعالى عنهما ان ابراهيم جاء باسماعيل عليهما الصلاة والسلام وهاجر فوضعها بمكة فى موضع زمزم فذكر الحديث (2) ثم جاءت من المروة الى اسماعيل وقد نبعت العين فجعلت تفحص العين بيدها هكذا حتى اجتمع الماء من شقه ثم تأخذه بقدحها فتجعله فى سقائها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تركتها لكانت عينا سائحة تجرى الى يوم القيامة (حدثنا اسماعيل)(3) ثنا أيوب قال أنبئت عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس فجاء الملك بها (4) حتى انتهى الى موضع زمزم فضرب بعقبة ففارت عينا فعجلت الإنسانة فجعلت تقدح فى شفتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أم اسماعيل لولا أنها عجلت لكانت زمزم عينا معينا (عن عبد الله بن عمر)(5) أن عبد الرحمن بن محمد بن أبى بكر الصديق أخبره أن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم ترى الى قرمك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد ابراهيم عليه السلام؟ قالت قلت يا رسول الله أفلا تردها على قواعد أبراهيم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حدثان قومك بالكفر قال عبد الله بن عمر فوالله لئن كانت عائشة سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى رسول الله

بأمر قال فاصنع ما أمرك ربك، قال وتعيننى؟ قال وأعينك، قال فان الله أمرنى ان أبنى هاهنا بيتا وأشار الى أكمة مرتفعة على ما حولها، قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل اسماعيل يأتى بالحجارة وابراهيم يبنى حتى اذا ارتفع البناء (زاد أبو جهم وجعل طوله فى السماء تسعة أذرع وعرضه فى الأرض يعنى دوره ثلاثين ذراعا كان ذلك بذراعهم) بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبنى واسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) قال فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) الى هنا انتهى حديث البخارى، وقد جمع هذا الحديث ما تفرق عند الامام أحمد وغيره، وقد قيل ليس فى العالم بناء اشرف من الكعبة لأن الآمر بعمارته رب العالمين: والمبلغ والمهندس جبريل الأمين. والبانى هو الخليل، والتلميذ المعين اسماعيل. عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام (1)(سنده) حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا عطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) هكذا جاء عند الامام أحمد مختصرا، وذكره البخارى مطولا كما مر (تخريجه) أخرجه البخارى مطولا كما تقدم، وهذا الحديث جزء منه وأخرجه مختصرا أيضا (3)(حدثنا اسماعيل الخ)(غريبه)(4) يعنى جاء جبريل عليه السلام بهاجر بعد ان اشتد عطشها وأخذت تسعى بين الصفا والمروة لعلها تجد احدا يفرج كربها فجاءها جبريل عليه السلام بهاجر بعد ان اشتد عطشها واخذت تسعى بين الصفا والمروة لعلها تجد احدا يفرج كربها فجاءها جبريل عليه السلام الخ كما تقدم فى الحديث الأول من احاديث الباب وكما جاء فى حديث البخارى أيضا (تخريجه) جاء هذا الحديث أيضا ضمن حديث البخارى الطويل الذى ذكرته آنفا (5)(عن عبد الله بن عمر) الخ هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى أول باب الطائف يخرج فى طوافه عن الحِجر الخ من كتاب الحج فى الجزء الثاني عشر

ص: 57

صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر الا أن البيت لم يتمم على قواعد ابراهيم عليه السلام إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت كله من وراء قواعد ابراهيم عليه السلام (عن أبى ذر)(1) قال قلت يا رسول الله أى مسجد وضع فى الأرض أول؟ قال المسجد الحرام، قال قلت ثم أى؟ قال ثم المسجد الأقصى، قال قلت كم بينهما؟ قال أربعون سنة، ثم قال أربعون سنة، ثم قال اينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد (عن صفية بنت شيبة)(2) أم منصور قالت أخبرتنى امرأة من بنى سليم ولدت عامة أهل دارنا أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم آل عثمان بن طلجة وقال مرة (يعنى الراوى عن صفية) أنها سألت عثمان بن طلحة لم دعاك النبى صلى الله عليه وسلم؟ قال قال لى كنت رأيت قرنى الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرها فخمرها فأنه لا ينبغى أن يكون فى البيت شئ يشغل المصلي

صحيفة 49 رقم 253 فارجع اليه (1)(عن أبى ذر الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجِه فى باب أول مسجد وضع فى الأرض من كتاب الصلاة فى الجزء الثالث صحيفة 45 رقم 299 ويستفاد منه ان أول من بنى البيت وهو الكعبة ابراهيم الخليل عليه السلام (قال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه ولم يجئ فى خبر صحيح عن معصوم ان البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام، ومن تمسك فى هذا بقوله (مكان البيت) يعنى قوله تعالى (واذ بوّأنا لابراهيم مكان البيت) فليس بناهض ولا ظاهر لأن المراد مكانه المقدر فى علم الله المقرر فى قدرته المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم الى زمان ابراهيم، قال وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة وان الملائكة قالوا له قد طفنا قبلك بهذا البيت وان السفينة طافت به أربعين يوما أو نحو ذلك، ولكن كل هذه الاخبار عن بنى اسرائيل، وقد قررنا انها لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج بها، فاما ان ردعا الحق قهى مردودة، وقد قال الله (ان أول بيت وضع للناس الذى ببكة مباركا وهدى للعالمين) أى أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى، البيت الذى ببكة، قيل مكة وقيل محل الكعبة (فيه آيات بينات) أى على انه بناء الخليل والد الأنبياء من بعده وامام الحنفاء من ولده الذين يقتدون به ويتمسكون بسنته ولهذا قال (مقام ابراهيم) أى الحَجر الذى كان يقف عليه قائما لما أرتفع البناء وعظم الفناء كما تقدم فى حديث ابن عباس الطويل (قال) وعند أهل الكتاب ان يعقوب عليه السلام هو الذى أسس المسجد الأقصى وهو مسجد إيلياء بيت المقدس شرفه الله، قال وهذا منجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث (يعنى حديث الباب عند أبى ذر) قال فعلى هذا يكون بناء يعقوب وهو اسرائيل عليه السلام بعد بناء الخليل وابنه اسماعيل المسجد الحرام باربعين سنة سواء، وقد كان بناءهما ذلك بعد وجود اسحاق، لأن ابراهيم عليه السلام لما دعا قال فى دعائه كما قال تعالى (وإذا قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا الى قوله يوم يقوم الحساب) وما جاء فى الحديث من ان سليمان بن داود عليهما السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا فالمراد من ذلك والله أعلم انه جدد بناءه كما تقدم من ان بينهما أربعين سنة، ولم يقل أحد إن بين سليمان وابراهيم أربعين سنة سوى ابن حبان فى تقاسيمه وانواعه وهذا القول لم يوافق عليه ولا سُبق اليه (2)(عن صفية بنت شيبة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب جامع ما تصان عنه المساجد من كتاب الصلاة فى الجزء الثالث صحيفة 66 فى الطريق الثانية من حديث رقم 344 فارجع اليه تجد ما يسرك وتعرف سبب حرق البيت ومن حرقه

ص: 58

قال سفيان لم تزل قرنا الكبش فى البيت حتى احترق البيت فاحترقا (باب ما جاء فى صفته وميلاد اسحاق ووفاة سارة ثم وفاته)(وذكر أولاده عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام)(عن ابن عباس)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عيسى بن مريم وموسى وابراهيم (2) فاما عيسى فأحمر جعد (3) عريض الصدر، وأما موسى فإنه جسيم، قالوا له فابراهيم؟ قال انظروا الى صاحبكم يعنى نفسه (4)(وعنه أيضا)(5) قال قال النبى صلى الله عليه وسلم ونظرت الى ابراهيم فلا أنظر الى إرب من آرابه الا نظرت اليه منى كأنه صاحبكم

_________

(باب)(1)(سنده) حدثنا اسود بن عامر حدثنا اسرائيل عن عثمان يعنى ابن المغيرة عن مجاهد عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) كان ذلك ليلة الاسراء (3) بفتح الجيم وسكون العين المهملة قال العلماء المراد بالجعد هنا جعودة الجسم وهو اجتماعه واكتنازه ليس المرد جعودة الشعر (4) معناه انه يشبه النبى صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(ق، وغيرهما)(5)(وعنه أيضا) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بطوله وسنده وشرحه فى باب الاسراء من كتاب السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (والإرب) بكسر الهمزة وسكون الراء العضو (وفى الباب) عند الامام احمد ايضا عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال عرض علّى الأنبياء الحديث تقدم بطوله وسنده وشرحه فى باب خلق الملائكة فى هذا الجزء ص 17 رقم 52 (فصل فى ذكر ميلاد اسحاق عليه السلام جاء ذكر اسحاق والبشارة بمولده فى غير موضع من كتاب الله عز وجل (قال الحافظ ابن كثير) وقد كانت البشارة من الملائكة لابراهيم وسارّة لما مروا بهم مجتازين ذاهبين الى مدائن لوط ليدمروها عليهم لكفرهم وفجورهم قال تعالى (ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ: الى قوله: حميد مجيد) وقال تعالى (ونبئهم عن ضيف ابراهيم اذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال انما منكم وجلونا الى قوله: ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) وقال عز من قائل (هل أتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين: الى قوله: انه هو الحكيم العليم) يذكر تعالى ان الملائكة قالوا وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل لما وردوا على الخليل حسِبهم اضيافا فعاملهم معاملة الضيوف، شوى لهم عجلا سمينا من خيار بقره فلما قربه اليهم وعرضه عليهم لم يرل هم همة إلى الأكل بالكلية، وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة الى الطعام (فنكرهم) ابراهيم (وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف أنا أرسلنا الى قوم لوط) أى لندمر عليهم فاستبشرت عند ذلك سارّة غضبا لله عليهم (وامرأته قائمة) على رءوس الأضياف كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم (فضحكت) فلما ضحكت استبشارا لذلك قال الله تعالى (فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب) أى بشرتها الملائكة بذلك، وقال فى آية أخرى (فأقبلت امرأته فى صرة) أى فى صرخة (فصكت وجهها) أى كما يفعل النساء عند التعجب (قالت يا ويلتنا أألد وأنا عجوز) أى كيف يلد مثلى وأنا كبيرة وعقيم أيضا (وهذا بعلى) أى زوجى (شيخا) تعجبت من وجود ولد والحالة هذه ولهذا قالت (أن هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد) وكذلك تعجب أبراهيم عليه السلام استبشارا بهذه البشارة، وكان سن ابراهيم مائة وعشرين سنة فى قول ابن اسحاق، وقال مجاهد مائة سنة، وكانت سارة ابنة تسعين سنه فى قول ابن اسحاق، وقال مجاهد تسعا وتسعين وكان بين البشارة والولادة سنة، وفى آية أخرى (قال أبشرتمونى على ان مسنى الكبر فيم تبشرون؟ قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من

ص: 59

_________

القانطين) أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما (بغلام عليم) وهو اسحاق، وأخوه اسماعيل غلام حليم مناسب لمقامه وصبره، وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر، وقال فى الآية الأخرى (فبشرناها باسحاق ومن وراء أسحاق يعقوب) وهذا ما استدل به محمد بن كعب القرظى وغيره على أن الذبيح هو اسماعيل وان اسحاق لا يجوز ان يؤمر بذبحه بعد ان وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب من بعده (قال الحافظ ابن كثير) فى تفسيره وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه ولله الحمد أه (قلت) تقدم الكلام على الذبيح وتحقيق ذلك فى باب قصة الذبيح وقوله تعالى (وناديناه ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا) ومن تفسير سورة الصافات فى الجزء الثامن عشر صحيفة 255 رقم 407 بما يسر خاطرك فارجع اليه فانه بحث نفيس

(فصل فى ذكر وفاة ساّرة زوج الخليل ثم وفاته أيضا عليهما السلام

قال الحفاظ ابن كثير فى تاريخه ذكر ان جرير فى تاريخه ان مولد ابراهيم كان فى زمن النمرود بن كنعان وهو فيما قيل الضحاك الملك المشهور الذى يقال ابنه ملك الف سنة وكان فى غاية الغشم والظلم، وذكر بعضهم أنه من بنى راسب الذين بعث اليهم نوح عليه السلام وأنه كان إذ ذاك ملك الدنيا، (قلت) جاء فى الكامل لابن الأئير قال جماعة ان نمرود بن كنعان ملك مشرق الأرض ومغربها وهذا قول يدفعه أهل العلم بالسير واخبار الملوك وذلك انهم لا ينكرون ان مولد ابراهيم كان أيام الضحاك الذى ذكرنا بعض اخباره فيما مضى وانه كان ملك شرق الأرض وغربها وقول القائل ان الضحاك الذى ملك الأرض وهو نمرود ليس بصحيح لأن أهل العلم بالمتقدمين يذكرون ان نسب نمرود فى النبط معروف ونسب الضحاك فى الفرس مشهور، وانما الضحاك استعمل نمرود على السواد وما اتصل به يمنة ويسرة وجعله وولده عمالا على ذلك وكان هو ينتقل فى البلاد وكان وطنه ووطن أجداده دنيا وند من جبال طبرستان وهناك رمى به افريدون حين ظفر به أهو ذكروا انه طلع نجم اخفى ضوءه الشمس والقمر فهال ذلك أهل ذلك الزمان وفزع النمرود فجمع الكهنة والمنجمين وسألهم عن ذلك؟ فقالوا يولد مولود فى رعيتك يكون زوال ملكك على يديه، فأمر عند ذلك بمنع الرجال والنساء وأن يقتل المولودون فى ذلك الحين، فحماه الله عز وجل وصانه من كيد الفجار وشب شبابا باهرا وأنبته الله نباتا حسنا حتى كان من أمره ما تقدم ثم اهلك الله نمرود على يديه وهاجر الى حرّان ثم الى أرض الشام واقام ببلاد ايليا كما ذكرنا وولد له اسماعيل واسحاق، ثم ماتت سارة قبله بقربة حيرون التى فى أرض كنعان ولها من العمر مائة وسبع وعشرون سنة فيما ذكر أهل الكتاب، فحزن عليها ابراهيم عليه السلام ورثاها رحمها الله، واشترى من رجل من بنى حيث يقال له عفرون بن صخر مغارة باربعمائة مثقال ودفن فيها سارة هنالك، قالوا ثم خطب ابراهيم على ابنه اسحاق فزوجه رفقا بنت بنوئيل بن ناحور بن تارخ وبعث مولاه فحملها من بلادها ومعها مرضعتها وجوارها على الابل، (وفاة ابراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) روى ابن عساكر من غير واحد من السلف عن أخبار أهل الكتاب فى صفة مجيء ملك الموت الى ابراهيم عليه السلام أخباراً كثيرة الله أعلم بصحتها، وقد قيل انه مات فجأة وكذا داود وسليمان، والذى ذكره أهل الكتاب وغيرهم خلاف ذلك، قالوا ثم مرض ابراهيم عليه السلام ومات عن مائة وخمس وسبعين سنة، وقيل وتسعين سنة ودفن فى المغارة المذكورة التى كانت بحيرون الحيثى عند امرأته ساّرة التى فى مزرعة عفرون الحيثى، فقيره وقبر ولده اسحاق وقبر ولد ولده يعقوب فى المربعة التى بناها سليمان بن داود عليه

ص: 60

(باب ذكر نبي الله لوط عليه السلام وقوله تعالى: قال لو أن لى بكم قوة أو آوى الى ركن شديد)(عن أبى هريرة)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم خليل الرحمن عز وجل، وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لو لبثت فى السجن ما لبث يوسف ثم جاءنى الداعى لأجبته اذ جاء الرسول فقال (ارجع الى ربك فاساله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم)(2)، ورحمة الله على لوط إن كان ليأوى إلى ركن شديد إذ قال لقومه (لو أن لى بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد) وما بعث الله من بعده من نبى إلا فى ثروة من قومه (3)(وعنه طريق ثان)(4) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يغفر الله للوط إنه

السلام ببلد حبرون وهو البلد المعروف بالخليل اليوم، وهذا تلقى بالتواتر أمة بعد أمة وجيلا بعد جيل من زمن بنى اسرائيل، والى زماننا هذا ان قبره بالمربعة تحقيقا، فأما تعيينه منها فليس فيه خبر صحيح عن معصوم: فينبغى ان تراعى تلك المحلة وان تحترم احترام مثلها وان تبجل وان تجل ان يداس فى ارجائها خشية أن يكون قبر الخليل أو أحد من أولاده الأنبياء عليهم السلام تحتها، وتولى دفنه اسماعيل واسحاق صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (وقد ورد) ما يدل على انه عاش مائتى سنة كاملة كما قاله ابن الكلبى (ذكر أولاده وزواجه بعد موت سارة عليهما السلام نقل الحافظ ابن كثير فى تاريخه عن أبى القاسم السهيلى فى كتابه التعريف والاعلام ان أول من ولد لابراهيم عليه السلام اسماعيل من هاجر القبطية المصرية ثم ولد له اسحاق من سارّة بنت عم الخليل، ثم تزوج بعدها قنطوراء بنت يقطن الكنعانية فولدت له ستة: مدين وزمران وسرج ويقشان ونشق ولم يسم السادس، ثم تزوج بعدها حجون بنت أمين فولدت له خمسة كيسان وسورح وأميم ولوطان ونافس والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا محمد بن بشر ثنا محمد بن عمرو ثنا أبو سلمة عن أبى هريرة الخ (غريبه)(2) تقدم شرح هذه الجملة والكلام عليها فى باب فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن ايديهن فى سورة يوسف من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر صحيفة 181 رقم 313 (3) تقدم شرح ذلك فى الجزء الثامن عشر أيضا صحيفة 179 رقم 310 (4)(سنده) حدثنا على بن حفص انا ورقاء عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه)(ق. وغيرهما) وقد ذكرت هذا الحديث هنا لمناسبة قصة لوط عليه السلام مع قومه (واليك ما جاء فى ذلك) تقدم ان لوطا قد نزح عن محلة عمه الخليل عليهما السلام بامره له واذنه فنزل بمدينة سدوم من أرض غور زغر وكان أمَّ تلك المحلة ولها أرض ومعتملات وقرى مضافة اليها ولها أهل من أفجر الناس وأكفرهم وأسوءهم طوية وأرداهم سريرة وسيرة، يقطعون السبيل ويأتون فى ناديهم المنكر، ولا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، ابتدعوا فاحشة لم يسبقهم اليها أحد من بنى آدم وهى إتيان الذكران من العالمين وترك ما خلق الله من النسوان لعباده الصحالين، فدعاهم لوط الى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، ونهاهم عن تعاطى هذه المحرمات والفواحش المنكرات، فتمادوا على ضلالهم وطغيانهم واستمروا على فجورهم وكفرانهم فأحل الله بهم من البائس الذى لا يرد ما لم يكن فى خلدهم وحسبانهم، وجعلهم مثله فى العالمين، ولهذا ذكر الله تعالى قصتهم فى غير ما موضع من كتابه المبين

ص: 61

_________

فقال تعالى في سورة العنكبوت (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر) يقول تعالى مخبرا عن نبيه لوط عليه السلام انه أنكر على قومه سوء صنيعهم وما كانوا يفعلون من قبائح الأعمال فى اتيانهم الذكران من العالمين ولم يسبقهم الى هذه الفعلة أحد من بنى آدم قبلهم، وكانوا مع هذا يكفرون بالله ويكذبون رسوله ويخالفون ويقطعون السبيل أى يقفون فى طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم (وتأتون فى ناديكم المنكر) أى يفعلون ما لا يليق من الأفعال والأقوال فى مجالسهم التى يجتمعون فيها لا ينكر بعضهم على بعض شيئا من ذلك، فمن قائل كان يأتى بعضهم بعضا فى الملأ قاله مجاهد، ومن قائل كانوا يتضارطون ويتضاحكون قالته عائشة رضى الله عنها والقاسم وقيل غير ذلك، روى الامام احمد والترمذى وابن جرير وابن أبى حاتم من حديث أم هانئ بنت أبى طالب رضى الله عنها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى (وتأتون فى ناديكم المنكر) قال كانوا يخذفون أهل الطريق ويسخرون منهم، فذاك المنكر الذى كانوا يأتون، قال روح فذلك قوله تعالى (وتأتون فى ناديكم المنكر) وهذا الحديث تقدم فى الجزء الثامن عشر صحيفة 227 رقم 371، (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله ان كنت من الصادقين، قال رب أنصرنى على القوم المفسدين) طلبوا منه وقوع ما حذرهم عنه من العذاب الأليم فعند ذلك دعا عليهم وسأل رب العالمين أن ينصره على القوم المفسدين، فاستجاب الله لدعوته وأجابه الى طلبته وبعث رسله الكرام وملائكته العظام فمروا على الخليل ابراهيم وبشروه بالغلام العليم وأخبروه بما جاءوا له من الأمر الجسيم وهو اهلاك قوم لوط، قال السدى خرجت الملائكة من عند ابراهيم نحو قوم لوط فأتوها نصف النهار فلما بلغوا نهر سدوم لقوا ابنة لوط تستقى من الماء لأهلها، وكانت له ابنتان اسم الكبرى ريثا والصغرى ذعرتا، فقالوا لها يا جارية هل من منزل؟ فقالت لهم مكانكم لا تدخلوا حتى آتيكم فرَفت عليهم من قومها فأتت اباها فقالت يا ابتاه أرادك فتيان على باب المدينة ما رأيت وجوه قوم قط هى أحسن منهم، لا يأخذهم قومك فيفضحوهم، وقد كان قومه نهوه أن يضيف رجلا فجاء بهم فلم يعلم أحد إلا أهل البيت، فخرجت امرأته فأخبرت قومها فقالت ان فى بيت لوط رجالا ما رأيت مثل وجوههم قط فجأءه قومه يهرعون اليه (قال تعالى ولما جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم حصيب: وجاءه قومه يهرعون اليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات) أى هذا ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكثيرة (قال يا قوم هؤلاء بناتى هن أطهر لكم) يرشدهم الى غشيان نسائهم وهن بناته شرعا: لأن النبى للامة بمنزلة الوالد كما ورد فى الحديث وكما قال تعالى (النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) وفى قول بعض الصحابة والسلف وهو أب لهم (فاتقوا الله ولا تخزون فى ضيفى اليس منكم رجل رشيد) نهى لهم عن تعاطى ما لا يليق من الفاحشة وشهادة عليهم بانه ليس فيهم رجل له مسكة من عقل ولا فيه خير بل الجميع سفهاء فجرة كفرة أغبياء وكان هذا من جملة ما أراد الملائكة أن يسمعوا منه من قبل أن يسألوه عنه، فقال قومه أخزاهم الله ولعنهم (لقد علمت ما لنا فى بناتك من حق وانك لتعلم ما نريد) يقولون لقد علمت يا لوط انه لا ارب لنا فى نسائنا وانك تعلم مرادنا وغرضنا واجهوا بهذا الكلام القبيح رسولهم الكريم ولم يخافوا العذاب الأليم ولهذا قال عليه السلام (لو ان لى بكم قوة او آوى الى ركن شديد) وَدً أن لو كان له بهم قوة أوله منعة وعشيرة ينصرونه عليهم ولكن الله عز وجل أشد قوة واكثر منعا من الاهل والعشيرة، فانا اركن اليه ليحل بهم ما يستحقونه من

ص: 62

أوي إلى ركن شديد (أبواب ذكر ذرية ابراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وقول الله

العذاب الأليم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم فى حديث الباب (رحمة الله على لوط ان كان ليأوى الى ركن شديد) يعنى الله عز وجل الحديث، حينئذ قالت الملائكة وهم جبريل وميكائيل واسرافيل عليهم السلام (يا لوط انا رسل ربك لن يصلوا اليك) قيل ان جبريل عليه السلام خرج عليهم فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه فطمست أعينهم حتى قيل إنها غارت بالكلية ولم يبق لها محل ولا عين ولا أثر، فرجعوا يتجسسون مع الحيطان ويتوعدون رسول الرحمن ويقولون اذا كان الغد كان لنا وله شأن، وجاء مصداق ذلك فى قوله تعالى (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم) ثم أمره الله عز وجل بوحى من الملائكة بقوله (فأسر باهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد) يعنى عند سماع صوت العذاب اذا حل بقومه وأمره الملائكة ان يكون سيره فى آخرهم كالساقة لهم (إلا امرأتك) قرئ بالنصب والرفع فعلى قراءة النصب يحتمل ان يكون مستثنى من قوله فأسر باهلك كأنه يقول إلا امرأتك فلا تسربها، وعلى قراءة الرفع يحتمل أن يكون مستثنى من ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك أى فانها ستلتفت فيصيبها ما أصابهم ويقوى هذا الاحتمال قراءة الرفع ولكن الأول اظهر فى المعنى: قاله الحافظ بن كثير والله أعلم، وانما أصاب امرأته ما أصابهم لأنها كانت على دينهم وكانت عينا لهم على من يكون عند لوط فانتقم الله منها (انه مصيبها ما أصابهم) روى ان لوطا قال أهلكوهم الساعة، فقالوا (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب)؟ فخرج لوط عليه السلام بأهله إلى الشام وهم ابنتاه ولم يتبعه منهم رجل واحد، ويقال ان امرأته خرجت معه والله أعلم: فلما خلصوا من بلادهم وطلعت الشمس فكان عند شروقها جاءهم من أمر الله ما لا يرد ومن البأس الشديد ما لا يمكن ان يصد، قال تعالى (فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد) قالوا اقتلعهن جبريل بطرف جناحيه من قرارهن وكن سبع مدن بمن فيهن من الامم، فقالوا كانوا أربعمائة نسمة وقيل أربعة آلاف نسمة وما معهم من الحيوانات وما يتبع تلك المدن من الآراضى والأماكن فرفع الجميع حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة أصوات ديكتهم ونباح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) السجيل فارسى معرب وهو الشديد الصلب القوى (منضود) أى يتبعِ بعضه بعضا فى نزولها عليهم من السماء (مسومة) أى معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذى يهبط عليه فيدمغه (عند ربك وما هى من الظالمين ببعيد) وجعل الله مكان تلك البلاد بحرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بما حولها من الأرض المتاخمة بفنائها لرداأتها ودنائتها فصارت عبرة ومثلة وعظة وآية على قدرة الله تعالى وعظمته فى انتقامه ممن خالف أمره وكذب رسله وابتع هواه وعصى مولاه، وقيل فى ذلك عبرة وعظة لمن يتشبهون بقوم لوط فى زماننا ويعملون كعملهم وقد ورد فى الحديث (ومن تشبه بقوم فهو منهم) وان لم يكن من كل وجه فمن بعض الوجوه كما قال بعضهم (فان لم تكونوا قوم لوط بعينهم فما قوم لوط منكم ببعيد) فالعاقل اللبيب من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى وانقاد لما أمره الله به وأمتثل ما أرشده اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من إتيان ما خلق له من الزوجات الحلال، واياه أن يتبع كل شيطان مريد فيحق عليه الوعيد ويدخل فى قوله تعالى (وما هى من الظالمين ببعيد) نسأله تعالى الهداية والسداد والسلوك بنا إلى سبيل الرشاد

ص: 63

تعالى وجعلنا فى ذريته النبوة والكتاب) (باب ذكر نبى الله اسماعيل عليه السلام وما جاء فى فضله)(عن سلمة بن الأكوع)(1) قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم وهم يتناضلون فى السوق فقال أرموا يا بنى اسماعيل فان أباكم كام راميا: أرموا وأنا مع بنى فلان لأحد الفريقين، فأمسكوا أيديهم، فقال أرموا، قالوا يا رسول كيف نرمى وأنت مع بنى فلان؟ قال

(باب)(1)(عن سلمة بن الاكوع الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب الرمى بالسهام من كتاب الجهاد فى الجزء الرابع عشر صحيفة 128 رقم 357 وهو يدل على شجاعة أبى العرب نبى الله اسماعيل عليه السلام، روى ابن سعد بسنده عن على بن رباح قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل العرب من ولد اسماعيل ذكر علماء النسب وأيام الناس ان اسماعيل عليه السلام أول من ركب الخيل وكانت قبل ذاك وحوشا فاّنسها وركبها، وقد قال سعيد بن يحي الأموى فى مغازيه حدثنا شيخ من قريش حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتخذوا الخيل واعتبقوها (أى أو لعوا بها واقتنوها) فانها ميراث أبيكم اسماعيل معناه أنه كان مولعا بركوب الخيل واقتنائها وانتم أبناؤه ترثون ذلك عنه، وأنه عليه السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة وكان قد تعلمها من العرب العاربة الذين نزلوا عندهم بمكة من جُرهُم والعماليق وأهل اليمن من الأمم المتقدمين من العرب قبل الخليل، قال الأموى حدثنى على بن المغيرة حدثنا أبو عبيدة حدثنا مسمع بن مالك عن محمد بن على بن الحسين عن أبائه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال أوّل من فتق لسانه بالعربية البينة اسماعيل وهو ابن أربع عشرة سنة، فقال له يونس صدقت يا أبا سيار هكذا أبو جرى حدثنى، وهو الابن البكر لابراهيم عليهما السلام وقد كان للخليل بنون كما تقدم ولكن أشهرهم الاخوان النبيان العظيمان الرسولان: أسنهما وأجلهما الذى هو الذبيح على الصحيح اسماعيل بكر ابراهيم الخليل من هاجر القبطية المصرية: ومن قال ان الذبيح هو اسحاق فانما تلقاه من نقلة بنى اسرائيل الذين بدلوا وحرفوا وأوّلوا التوراة والانجيل وخالفوا ما بأيديهم فى هذا من التنزيل، وأيّا ما كان فهو اسماعيل بنص الدليل ففى نص كتابهم ان اسماعيل ولد ولابراهيم من العمر ست وثمانون سنة، وانما ولد اسحاق بعد مضى مائه سنة من عمر الخليل، فاسماعيل هو البكر لا محالة وقصة ذبحه تقدمت وتحقيق أنه الذبيح فى كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر صحيفة 255 رقم 407 فارجع اليها، وقد أثنى الله تعالى عليه فى كتابه العزيز فى غير موضع ووصفه بالحا والصبر وصدق الوعد والمحافظة عل الصلاة والأمر بها لأهله ليقيهم العذاب مع ما كان يدعو اليه من عبادة رب الأرباب: قال تعالى (واذكر فى الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا) وغير ذلك كثير مما لو ذكرناه لطال بنا المقام، وقد قدمنا أنه تزوج لما شب من العماليق امرأة وأن أباه أمره بفراقها ففارقها، قال الأموى هى عمارة بنت سعد بن أسامة بن أكيل العمليقى، ثم نكح غيرها فأمره أن يستمر بها فاستمر بها وهى السيدة بنت مضاض بن عمر الجرهمى فولد له اثنى عشر ولدا ذكرا وقد سماهم محمد بن اسحاق رحمه الله وهم نابت وقيذر وفى نسخة قيذار. وازيل وميشى ومسمع وماش. ودوصا. وأرر وفى نسخة وأزر. ويسطور، وفى نسخة ورطور. ونبش وطيما. وفى نسخة وطمبا.

ص: 64

ارموا وأنا معكم كلكم (باب ذكر نبى الله اسحاق ثم يعقوب ثم يوسف عليهم السلام (عن ابن عمر) عن النبى صلى الله عليه وسلم قال الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم صلى الله عليه وسلم

وقيذما، وكان اسماعيل عليه السلام رسولا الى أهل تلك الناحية وما والاها من قبائل جُرهُم والعماليق وأهل اليمن، ولما حضرته الوفاة أوصى الى أخيه اسحاق وزوّج ابنته نسمة من ابن أخيه العيص بن اسحاق فولدت له الروم ويقال لهم بنو الأصفر لصفرة كانت فى العيص، وولدت له اليونان فى أحد الأقوال، ومن ولد العيص الأشبان قيل منهما، أيضا وتوقف ابن جرير رحمه الله (قال الحافظ بن كثير) فى تاريخه قال وعرب الحجاز كلهم ينتسبون الى ولديه نابت وقيذار، وفى الكامل لابن الأثير ومن نابت وقيذار ابنى اسماعيل نشر الله الرب اه قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه ودفن اسماعيل نبى الله بالحِجر مع أمه هاجر وكان عمره يوم مات مائة وسبعا وثلاثين سنة، وروى عن عمر بن عبد العزيز أنه قال شكى اسماعيل عليه السلام الى ربه حٌر مكة فأوحى الله اليه انى سأفتح لك بابا الى الجنه الى الموضع الذى تدفن فيه تجرى عليك روحها الى يوم القيامة والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الصمد حدثنا عبد الرحمن عن أبيه عن ابن عمر الخ (تخريجه)(خ) ونقله الحافظ السيوطى فى الدور المنثور وعزاه للامام احمد والبخارى فقط، وقد تضمن هذا الحديث الثناء على أربعة من الانبياء وهو ابراهيم خليل الرحمن ثم ولده اسحاق ثم يعقوب بن اسحاق ثم يوسف بن يعقوب عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، أما قصة ابراهيم فقد قدمت مستوفاة، ولما كان الكلام على قصص هؤلاء الثلاثة مرتبطا بعضه ببعض جعلته تحت ترجمة واحدة مبتدئا بنبى الله إسحاق ثم يعقوب عليهما السلام فأقول (قال الحافظ بن كثير فى تاريخه) قد قدمنا أنه ولد ولأبيه مائة سنة بعد أخيه اسماعيل بأربع عشرة سنة وكان عمر أمه سارّة حين بشرت به تسعين سنة قال الله تعالى (وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى اسحاق ومن ذرتهما محسن وظالم لنفسه مبين) وقد ذكره الله تعالى بالثناء فى غير ما آية من كتابه العزيز وقدمنا فى حديث أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكريم بن الكريم ابن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم (قلت) تقدم حديث أبى هريرة فى أول باب ذكر لوط عليه السلام وسيأتى أيضا فى أول باب ذكر يوسف عليه السلام قال وذكر أهل الكتاب أن اسحاق لما تزوج رفقا بنت بتواييل فى حياة أبيه كان عمره أربعين سنة، وأنها كانت عاقرا فدعا الله لها فحملت فولدت غلامين توأمين أولهما سموه عيصو، وهو الذى تسميه العرب العيص وهو والد الروم، والثانى خرج وهو آخذ بعقب أخيه فسموه يعقوب وهو اسرائيل الذى ينتسب اليه بنو اسرائيل، قالوا وكان اسحاق يحب العيصو أكثر من يعقوب لأنه بكره، وكانت أمهما رفقا تحب يعقوب أكثر لأنه الأصغر، قالوا فلما كبر اسحاق وضعف بصره اشتهى على ابنه العيص طعاما وأمره ان يذهب فيصطاد له صيدا ويطبخه له ليبارك عليه ويدعو له وكان العيص صاحب صيد فذهب يبتغى ذلك، فأمرت رفقا ابنها يعقوب ان يذبح جديين من خيار غنمه ويصنع منهما طعاما كما اشتهاه أبوه ويأتى اليه به قبل أخيه ليدعو له فقامت فألبسته ثياب أخيه وجعلت على ذراعيه وعنقه من جلد الجديين لأن العيص كان أشعر الجسد ويعقوب ليس كذلك فلما جاء به

ص: 65

_________

وقرّ به قال من أنت؟ قال ولدك، فضمه اليه وجسه وجعل يقول أما الصوت فصوت يعقوب، وأما الجسد والثياب فالعيص، فلما أكل وفرغ دعا له ان يكون أكبر أخوته قدرا وكلمته عليهم وعلى الشعوب بعده وان يكثر رزقه وولده، فلما خرج من عنده جاء أخوه العيص بما أمره به والده فقر به اليه فقال له ما هذا يابنى؟ قال هذا الطعام الذى أشتهيته فقال أما جئتنى به قبل الساعة وأكلت منه ودعوت لك فقال لا والله، وعرف أن أخاه قد سبقه الى ذلك فوجد فى نفسه عليه وجدا كثيرا: وذكروا انه تواعده بالقتل اذا مات أبوهما، وسأل أباه فدعا له بدعوة أخرى وان يجعل لذريته غليظ الأرض وأن يكثر أرزاقهم وثمارهم فلما سمعت أمهما ما يتواعد به العيص أخاه يعقوب أمرت ابنها يعقوب ان يذهب الى أخيها لابان الذى بأرض حرّان وان يكون عنده الى حين يسكن غضب أخيه عليه وان يتزوج من بناته، وقالت لزوجها اسحاق ان يأمره بذلك ويوصيه ويدعو له ففعل، فخرج يعقوب عليه السلام من عندهم من آخر ذلك اليوم فأدركه المساء فى موضع فنام فيه، أخذ حجراً فوضعه تحت رأسه ونام فرأى فى نومه ذلك معراجا منصوبا من السماء الى الأرض واذا الملائكة يصعدون فيه وينزلون والرب تبارك وتعالى يخاطبه ويقول له انى مما بارك عليك وأكثر ذريتك وأجعل لك هذه الأرض ولعقبك من بعدك، فلما هب من نومه فرح بما رآى ونذر لله لئن رجع الى أهله سالما ليبين فى هذا الموضع معبدا لله عز وجل وان جميع ما يرزق من شئ يكون لله عشره، ثم عمد الى ذلك الحجر فجعل عليه دهنا يتعرفه به وسمى ذاك الموضع بيت إيل أى بيت الله وهو بيت المقدس اليوم الذى بناه يعقوب بعد ذلك، قالوا فلما قدم يعقوب على خاله أرض حرَّان اذا له ابنتان اسم الكبرى ليا واسم الصغرى راحيل وكانت أحسنهما واجملهما، فحطب اليه راحيل فأجابه الى ذلك بشرط ان يرعى على غنمه سبع سنين، فلما مضت المدة على خاله لابان صنع طعاما وجمع الناس عليه وزف اليه ليلاً ابنته الكبرى ليا، وكانت ضعيفة العينين قبيحة المنظر، فلما أصبح يعقوب اذا هى ليا فقال لخاله لم غدرت بى وانت انما خطبت اليك راحيل؟ فقال انه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى فان أحببت أختها فاعمل سبع سنين أخرى وازوجكها فعمل سبع سنين وأدخلها عليه مع اختها وكان ذلك سائغا فى ملتهم ثم نسخ فى شريعة التوراة، وهذا وحده دليل كاف على وقوع النسخ لأن فعل يعقوب عليه السلام دليل على جواز هذا واباحته لأنه معصوم، ووهب لابان لكل واحدة من ابنتيه جارية، فوهب لليا جارية اسمها زلفى، ووهب لراحيل جارية اسمها بلهى، وجبر الله تعالى ضعف ليا بأن وهب لها أولادا فكان أول من ولدت ليعقوب روبيل ثم شمعون ثم لاوى ثم يهوذا، فغارت عند ذلك راحيل وكانت لا تحبل فوهبت ليعقوب جاريتها بلهى فوطئها فحملت وولدت له غلاما سمته دان وحملت وولدت غلاما آخر سمته نيفتالى فعمدت عند ذلك ليا فوهبت جاريتها زلفى من يعقوب عليه السلام فولدت له جاد (وفى بعض النسخ حاذ) وأشير غلامين ذكرين ثم حملت ليا أيضا فولدت غلاما خامسا منها وسمته ايساخر (وفى نسخه انساخر، ثم حملت وولدت غلاما سادسا سمته زابلون، ثم حملت وولدت بينا سمتها دينا فصار لها سبعة من يعقوب ثم دعت الله تعالى راحيل وسألته أن يهب لها غلاما من يعقوب فسمع الله نداءها وأجاب دعاءها فحملت من نبى الله يعقوب فولدت له غلاما عظيما شريفا حسنا جميلا سمته يوسف كل هذا وهم مقيمون بأرض حَّران (جاء فى الطبرى بأرض بابل) وهو يرعى على خاله غنمه بعد دخوله على البنتين بسنين

ص: 66

_________

أخرى فصار مدة مقامه عشرين سنة، فطلب يعقوب من خاله لابان ان يسرحه ليمر إلى أهله فقال له خاله إنى قد بروك لى بسببك فسلنى من مالى ما شئت، فقال تعطيني من كل حمل يولد من غنمك هذه السنة ابقع. وكل حمل ملع أبيض بسواد. وكل املح ببياض. وكل أجلح أبيض من المعز. فقال نعم، فجاء كل ما ولدته الغنم فى تلك السنة على هذه الصفة، وهذا يكون من باب خوارق العادات وينتظم فى سلك المعجزات، فصار ليعقوب عليه السلام أغنام كثيرة ودواب وتغير له وجه خاله وبنيه وكأنهم انحصروا منه، وأوحى الله تعالى الى يعقوب، ان يرجع الى بلاد أبيه وقومه ووعده بأن يكون معه، فعرض ذلك على أهله فاجابوه مبادرين الى طاعته، فتحمل بأهله وماله وسرقت راحيل أصنام أبيها، فلما جاوزوا وتحيزوا عن بلادهم لحقهم لابان وقومه، فلما اجتمع لابان بيعقوب عاتبه فى خروجه بغير علمه وهلا أعلمه فيخرجهم فى فرح ومزاهر وطبول وحتى يودع بناته وأولادهن، ولم أخذوا أصنامه معهم؟ ولم يكن عند يعقوب علم عن أصنامه فأنكر ان يكونوا أخذوا له أصناما فدخل بيوت بناته وإمائهن يفتش فلم يجد شيئا، وكانت راحيل قد جعلتهن فى بردعة الحمل وهى تحتها فلم تقم واعتذرت بأنها طاعت فلم يقدر عليهن، فعند ذلك تواثقوا على رابية هناك يقال لها جلعاد على انه لا يهين بناته ولا يتزوج عليهن ولا يجاوز هذه الرابية الى بلاد الآخر لا لابان ولا يعقوب، وعملا طعاما وأكل القوم معهم وتودع كل منهما من الآخر وتفارقوا راجعين الى بلادهم، فلما اقترب يعقوب من أرض ساعير تلقته الملائكة يبشرونه بالقدوم، وبعث يعقوب البرد الى أخيه العيصر يترفق له ويتواضع له، فرجعت البرد وأخبرت يعقوب بأن العيص قد ركب اليك فى أربعمائة رجل فخشى يعقوب من ذلك ودعا الله عز وجل وصلى له وتضرع اليه وتمسكن لديه وناشده عهده ووعده الذى وعده به وسأله أن يكف عنه شر أخيه العيص، وأعد لأخيه هدية عظيمة وهى مئتا شاة وعشرون تيسا ومئتا نعجة وعشرون كبشا وثلاثون لِقحة وأربعون بقرة وعشرة من الثيران وعشرون أتانا وعشرة من الحمر، وأمر عبيده ان يسوقوا كلا من هذه الأصناف وحده وليكن بين كل قطيع وقطيع مسافة، فاذا لقيهم العيص فقال للأول لمن أنت ولمن هذه معك فليقل لعبدك يعقوب أهداها لسيدى العيص، وليقل الذى بعده كذلك وكذا الذى بعده، ويقول كل منهم وهو جاء بعدنا، وتأخر يعقوب بزوجتيه وأمتيه وبنيه الأحد عشر بعد الكل بليلتين وجعل يسير فيها ليلا ويكمن نهارا، فلما كان وقت الفجر من الليلة الثانية تبدا له ملك من الملائكة فى صورة رجل فظنه يعقوب رجلا من الناس، فأتاه يعقوب ليصارعه ويغالبه فظهر عليه يعقوب فيما يرى الا أن الملك أصاب وركه فعرج يعقوب، فلما أضاء الفجر قال له الملك ما اسمك؟ قال يعقوب قال لا ينبغى أن تدعى بعد اليوم الا اسرائيل، فقال له يعقوب ومن أنت وما اسمك؟ فذهب عنه فعلم أنه ملك من الملائكة، وأصبح يعقوب وهو يعرج من رجله فلذلك لا يأكل بنو اسرائيل عرق النساء، ورفع يعقوب عينيه فاذا أخوه عيصو قد أقبل فى أربعمائة راجل فتقدم أمام أهله، فلما رأى أخاه العيص سجد له سبع مرات وكانت هذه تحيتهم فى ذلك الزمان، وكان مشروعا لهم كما سجدت الملائكة لآدم تحية له وكما سجد إخوة يوسف وأبواه له كما سيأتى، فلما رآه العيص تقدم اليه واحتضنه وقبله وبكى ورفع العيص عينيه ونظر الى النساء والصبيان فقال من أين لك هؤلاءِ؟ فقال هؤلاء الذين وهب الله لعبدك، فدنت الأمتان وبنوهما فسجدوا له، ودنت ليا وبنوها فسجدوا له، ودنت راحيل وابنها يوسف فخرا سجدا له، وعرض عليه أن يقبل هديته والح عليه فقبلها ورجع العيص فتقدم أمامه ولحقه يعقوب بأهله وما معه من الأنعام والمواشي

ص: 67

(باب ذكر نبي الله يوسف عليه السلام (عن أبى هريرة)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم خليل الرحمن، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لبثت في السجن مالبث يوسف ثم جاءنى الداعى لأجبته إذ جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أرجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن إن ربى بكيدهن عليم

والعبيد قاصدين جبال سأعير فلما مر بساحور ابتنى له بيتا ولدوا به ظلالا، ثم مر على أورشليم قرية شخيم فنزل قبل القربة واشترى مزرعة شخيم بن جمهور بمائة نعجة فضرب هنالك فسطاطه وابتنى ثَمَّ مذبحا فسماه إيل إلاه اسرائيل وأمره الله ببنائه ليستعلن له فيه، وهو بيت المقدس اليوم الذى جدده سليمان ابن داود عليهما السلام، وهو مكان الصخرة التى أعلمها بوضع الدهن عليها قبل ذلك كما ذكرنا أولا، ثم حملت راحيل فولدت غلاما وهو بنيامين إلا أنها جهدت فى طلقها به جهدا شديدا وماتت عقبه فدفنها يعقوب فى افراث وهى بيت لحم ووضع يعقوب على قبرها حجرا وهى الحجارة المعروفة بفبر راحيل الى اليوم، وكان أولاد يعقوب الذكور اثنى عشر رجلا فمن ليا روبول وشمعون ولاوى ويهوذا وايساخر وزابلون، ومن راحيل راحيل وبنيامين، ومن أمة راحيل دان ونفتالى، ومن أمة ليا حاد واشير عليهم السلام، وجاء يعقوب الى أبيه اسحاق فأقام عنده بقرية حبرون التى فى أرض كنعان حيث كان يسكن ابراهيم ثم مرض اسحاق وماتت عن مائة وثمانين سنة ودفنه ابناء العيص ويعقوب مع مع أبيه ابراهيم الخليل فى المغارة التى اشتراها كما قدمنا والله أعلم (باب)(1)(عن أبى هريرة) الخ هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى أول باب ذكر لوط عليه السلام وانما ذكرته هنا لمناسبة قصة يوسف عليه السلام وقد ذكرها الحافظ ابن كثير فى تاريخه مطولة جدا فقد أتى بسورة يوسف جميعها وفسرها آية آية وأطال فى ذلك، ولما كانت قصة يوسف عليه السلام أحسن وأطول ما قص الله علينا فى كتابه من ذكر أنبيائه عليهم الصلاة والسلام اقتصرت على ما ذكره الحافظ ابن الأثير فى تاريخه الكامل فقد أتى بملخص ما جاء فيها من القرآن الكريم (قال رحمه الله ذكروا أن اسحاق توفى وعمره ستون ومائة سنة وقبره عند أبيه ابراهيم دفنه ابناه يعقوب وعيص فى مزرعة حبرون (قلت) جاء فى تاريخ ابن كثير أن اسحاق مات وعمره ثمانون ومائة سنة والله أعلم) وكان عمر يعقوب مائة وسبعا وأربعين سنة، وكان ابنه يوسف قد قسم له ولامه شطر الحسن وكان يعقوب قد دفعه الى أخته ابنة اسحاق تحضنه فأحبته حبا شديدا وأحبه يعقوب أيضا حبا شديدا فقال لأخته يا أخية أ-لِى الىَّ يوسف فوالله ما أقدر أن يغيب عنى ساعة، فقالت والله ما أنا بتاركته ساعة فأصر يعقوب على أخذه منها فقالت اتركه عندى أياما لعل ذلك يسلينى، ثم عمدت الى منطقة اسحاق وكانت عندها لأنها كانت أكبر ولده فحزمتها على وسط يوسف ثم قالت قد فقدت المنطقة فانظروا من أخذها، فالتمست فقالت أكشفوا أهل البيت فكشفوهم فوجدوها مع يوسف وكان من مذهبهم أن صاحب السرقة يأخذ السارق له لا يعارضه فيه أحد فأخذت يوسف فأمسكته عندها حتى ماتت وأخذه يعقوب بعد موتها فهذا الذى تأول أخوة يوسف (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) وقيل فى سرقته غير هذا، فلما رأى أخوة يوسف محبة أبيهم له واقباله عليه حسدوه وعظم عندهم، ثم إن

ص: 68

_________

يوسف رأى فى منامه كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر تسجد له فقصها على أبيه وكان عمره حينئذ اثنتى عشرة سنة فقال له أبوه (يا بنى لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكبدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين) ثم عبر له رؤياه فقال (وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث) وسمعت امرأة يعقوب ما قال يوسف لابيه فقال لها يعقوب اكتمى ما قال يوسف ولا تخبرى أولادك قالت نعم، فلما أقبل أولاد يعقوب من الرعى أخبرتهم بالرؤيا فازدادوا حسدا وكراهة له، وقالو ما عنى بالشمس غير أبينا ولا بالقمر غيرك ولا بالكواكب غيرنا، ن ابن راحيل يريد ان يتملك علينا ويقول أنا سيدكم، وتآمرو بينهم أن يفرقوا بينه وبين أبيه قالوا (ليوسف أحب الى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفى ضلال مبين) فى خطأ بين فى إيثاره علينا (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين) أى تائبين (قال قائل منهم) وهو يهوذا وكان أفضلهم واعقلهم (لا تقتلوا يوسف) فان القتل عظيم (وألقوه فى غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة) وأخذ عليهم العهود انهم لا يقتلونه، فأجمعوا عند ذلك ان يدخلوا على يعقوب ويكلموه فى ارسال يوسف معهم الى البرية، وأقبلوا اليه ووقفوا بين يديه وكذلك كانوا يفعلون اذا أرادوا منه حاجة، فلما رآهم قال ما حاجتكم (قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون) تحفظه حتى نرده (ارسله معنا) الى الصحراء (غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون) فقال لهم يعقوب (إنى ليحزننى ان تذهبوا به وأخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون) لا تشعرون، وانما قال لهم ذلك لأنه كان رأى فى منامه كأن يوسف على رأس جبل وكأن عشرة من الذئاب قد شدوا عليه ليقتلوه واذا ذئب منها يحمى عنه وكأن الأرض انشقت فذهب فيها فلم يخرج منها إلا بعد ثلاثة أيام فلذلك خاف عليه الذئب فقال له بنوه (لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا اذا لخاسرون) فلما سمع يعقوب ذلك اطمأن اليهم، فقال يوسف يا أبت أرسلنى معهم، قال وتحب ذلك؟ قال نعم، فاذن له فلبس ثيابه وخرج معهم وهم يكرمونه فلما برزوا الى البرية اظهروا له العداوة وجعل بعض اخوته يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه فجعل لا يرى منهم رحيما، فضربوه حتى كادوا يقتلونه وجعل يصيح يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الإماء فلما كادوا يقتلونه قال لهم يهوذا اليس قد أعطيتمونى موثقا ان لا تقتلوه؟ فانطلقوا به الى الجب فأوثقوه كتافا ونزعوا قميصه وألقوه فيه، فقال يا أخوتاه ردوا على قميصى أتوارى به فى الجب، فقالوا ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا يؤانسونك، قال انى لم أر شيئا، فدلوه فى الجب فلما بلغ نصفه القوه وأرادوا أن يموت وكان فى البئر ماء فسقط فيه ثم آوى إلى صخرة فأقام عليها ثم نادوه فظن انهم رحموه فاجابهم فارادوا ان يرضخوه بالحجارة فمنعهم يهوذا ثم أوحى الله اليه (لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون) بالوحى، وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال وهم لا يشعرون أى لتخبرنهم بأمرهم هذا فى حال لا يعرفونك بها أى لا يشعرون انه يوسف: والجب بأرض بيت المقدس معروف، ثم عادوا الى أبيهم عشاء يبكون فقالوا (يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب) فقال لهم أبوهم (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل) ثم قال لهم أرونى قميصه فأروه، فقال تالله ما رأيت ذئبا أحلم من هذا، أكل أبنى ولم يشق قميصه ثم صاح وخر مغشيا عليه ساعة فلما أفاق بكى بكاءا طويلا فأخذ القميص بقبله ويشمه وأقام

ص: 69

_________

يوسف في الجب ثلاثة أيام وأرسل الله ملكا فحل كتافه ثم جاءت سيارة (فارسلوا واردهم) وهو الذى يتقدم الى الماء فادلى دلوه الى البئر فتعلق به يوسف فأخرجه من الجب وقال (يابشرى هذا غلام) أى تباشروا، وقيل بشرى اسم غلام (وأمرِّوه بضاعة) يعنى الوارد وأصحابه خافوا ان يقولوا اشتريناه فيقول الرفقة أشركونا فيه فقال إن أهل الماء استبضعونا هذا الغلام، وجاء يهوذا بطعام ليوسف فلم يره فى الجب فنظر فرآه عند مالك (يعنى ابن ذعر بن نويب بن عنقا بن مديان بن ابراهيم كذا لابن كثير فى تاريخه) فى المنزل فأخبر اخوته بذلك فأتو مالكا وقالوا هذا عبد أبق منا وخافهم يوسف فلم يذكر حاله واشتروه من اخوته بثمن بخس قيل عشرون درهما، وقيل أربعون درهما، وذهبوا به الى مصر فكساه مالك وعرضه للبيع فاشتراه قطفير وقيل أطفير وهو العزيز وكان على خزائن مصر، والملك يومئذ الريان ابن الوليد رجل من العمالفة، قيل ان هذا الملك لم يمت حتى آمن بيوسف ومات ويوسف حى، وملك بعده قابوس بن مصعب فدعاه يوسف فلم يؤمن فلما اشترى يوسف وأتى به منزله قال لامرأته واسمها راحيل وقيل زليخا (أكرمى مثواه عسى أن ينفعنا) إذا فهم الأمور (أو نتخذه ولدا) وكان لا يأتى النساء وكانت امرأته حسناء ناعمة فى ملك ودنيا، فلما خلا من عمر يوسف ثلاث وثلاثون سنة آتاه الله العلم والحكمة قبل النبوة وراودته راحيل عن نفسه واغلقت الأبواب عليه وعليها ودعته الى نفسها (فقال معاذ الله انه ربى) يعنى ان زوجك سيدى (أحسن مثواى انه لا يفلح الظالمون) يعنى ان خيانته ظلم وجعلت تذكر محاسنه وتشوقه الى نفسها فقالت له يا يوسف ما أحسن شعرك، قال هو أول ما ينثر من جسدى، قالت يا يوسف ما أحسن عينيك، قال هى أول ما يسيل من جسدى، قالت ما أحسن وجهك، قال هو للتراب فلم تزل به حتى همت به وهم بها: وهنا نقل الحافظ ابن الأثير بعض أقوال من تقدمه من المفسرين لقوله تعالى (ولقد همّت به وهّم بها لولا أن رأى برهان ربه) وفيها شئ لا يليق بكرامة الأنبياء والذى أختاره أنا من أقول المحققين ان الهم همان، همّ ثابت وهو اذا كان معه عزم وعقد ورضىّ مثل هم امرأة العزيز، والعبد مأخوذ به، وهمُّ عارض وهو الخاطر وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم، مثل هم يوسف عليه السلام، والعبد غير ماخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل، ويؤيد ذلك ما رواه ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل قال (ان الله كتب الحسنات والسيئات فم هم بحسنة فلم يعلمها كتب الله له عنده حسنة كاملة، وان عملها كتبها الله عشرا إلى سبعمائة الى أضعاف كثيرة أو الى ما شاء الله ان يضاعف، ومن هم بسيئة فلم يعلمها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فان عملها كتبها الله سيئة واحدة، وهذا الحديث رواه الشيخان والامام احمد وتقدم فى باب إحسان النية على الخير الخ من كتاب النية والاخلاص فى العمل فى الجزء التاسع عشر صحيفة 7 رقم 15 فارجع اليه واقرأ الباب كله تجد ما يسرك، أما البرهان الذى رآه يوسف عليه السلام فللعلماء فيه أقوال كثيرة اختار منها ما قاله ابن جرير (قال رحمه الله والصواب أن يقال إنه رأى آية من آيات الله تزجره عما كان هم به، وجائز أن يكون صورة يعقوب، وجائز أن يكون ما رآه مكتوبا فى الزجر عن ذلك ولا حجة قاطعة على تعيين شئ من ذلك فالصواب أن يطلق كما قال تعالى والله أعلم أه (قال الحافظ ابن الاثير) فقام حين رأى برهان ربه هاربا يريد الباب، فأدركته قبل خروجه من الباب فجذبت قميصه من قِبَل ظهره فقدّته (وألفيا سيدها لدى الباب) أى وجدا سيدها وابن عمها معه فقالت له (ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن)

ص: 70

_________

قال يوسف (هي راودتني عن نفسي) فهربت منها فادركتنى فقدّت قميصى ـ قال ابن عمها تبيان هذا فى القميص، فان كان قُدَّ من قبل فصدقت، وإن كان قُدَّ من دبر فكذبت، فانى بالقميص فوجده قُدِّ من دبر فقال (انه من كيدكن ان كيدكن عظيم) وقيل كان الشاهد صبيا فى المهد، قال ابن عباس تكلم أربعة فى المهد وهم صغار، ابن ماشطة فرعون. وشاهد يوسف. وصاحب جريج. وعيسى بن مريم، وقال زوجها ليوسف (أعرض عن هذا) أى عن ذكر ما كان منها فلا تذكره لأحد، ثم قال لزوجته (استغفرى لذنبك انك كنت من الخاطئين) وتحدث النساء بامر يوسف وامرأة العزيز وبلغ ذلك امرأة العزيز (فارسلت اليهن وأعدت لهن متكئا) يتكئن عليه وسائد وحضرن وقدمت لهن اترنجا وأعطت (كل واحدة منهن سكينا) لقطع الأترنج وقد اجلست يوسف فى غير المجلس: الذى هن فيه وقالت (اخرج عليهن) فخرج (فلما رأينه اكبرنه) اى اعظمنه (وقطعن ايديهن) بالسكاكين ولا يشعرن (وقلن حاشا لله ما هذا بشرا، إن هذا الا ملك كريم) فلما حل بهن ما حل من قطع ايديهن وذهاب عقولهن وعرفن خطأهن فيما قلن، اقرت على نفسها وقالت (فذلكن الذى لمتننى فيه، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين) فاختار يوسف السجن على معصية الله فقال (رب السجن أحب الىَّ مما يدعوننى اليه والا تصرف عنى كيدهن أصب اليهن واكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن) ثم بدا للعزيز من بعدما ما رأى الآيات فى القميص وخمش الوجه وشهادة الطفل وتقطيع النسوة أيديهن بداله ترك يوسف مطلقا، وقيل إنها شكت إلى زوجها وقالت أن هذا العبد قد فضحنى فى الناس يخبرهم اننى راودته عن نفسه فسجنه سبع سنين، فلما حبس يوسف أدخل معه السجن فتيان من أصحاب فرعون مصر، أحدهما صاحب طعامه والآخر صاحب شرابه لأنهما نقل عنهما انهما يريدان أن يسما الملك، فلما دخل يوسف السجن قال انى أعبر الأحلام، فقال احد الفتيان للآخر هلم فلنجو به قال الخباز (انى ارانى احمل فوق راسى خبرا تاكل الطير منه) وقال الآخر (انى ارانى أعصر خمرا) فقال لهما يوسف (لا ياتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتاويله قبل ان ياتيكما) كره ان يعبر لهما ما سألاه عنه واخذ فى غير ذلك وقال (يا صاحبى السجن ارباب متفرقون خير إم الله الواحد القهار) وكان اسم الخباز سجلت واسم الآخر نبو، فلم يدعاه حتى اخبرهما بتأويل ما سألاه عنه، فقال (اما احدكما) وهو الذى راى انه يعصر الخمر (فيسقى ربه خمرا) يعنى سيده الملك (واما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه) فلما عبر لها قالا ما رأينا شيئا، قال (قضى الأمر الذى فيه تستفتيان) ثم قال لنبو وهو الذى (ظن انه ناج منهما اذكرنى عند ربك) واخبره انى محبوس ظلما (فأنساه الشيطان ذكر ربه) غفلة عرضت ليوسف من قبل الشيطان فأوحى الله اليه يا يوسف اتخذت من دونى وكيلا لأطيلن حبسك (فبث فى السجن بضع سنين) أى سبع سنين ثم ان الملك وهو الريان بن الوليد بن الهروان بن أراشة ابن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح رأى رؤيا هائلة، رأى (سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف) ورأى (سبع سنبلات خضر وأخر يابسات) فجمع السحرة والكهنة والحازة والعافة فقصها عليهم فقالوا (اضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) وقال الذى نجا منهما واذكر بعد أمة أى حين (انا انبئكم بتأويله فأرسلون) فأرسلوه الى يوسف فقص عليه الرؤيا فقال (تزرعون سبع سنين دأبا فذروه فى سنبله إلا قليلا مما تاكلون، ثم ياتى من بعد ذلك سبع

ص: 71

_________

شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون، ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) فان البقر السمان سنون مخاصيب، والبقرات العجاف السنون المُحول وكذلك السنبلات الخضر واليابسات فعاد نبو الى الملك فاخبره فعلم ان قول يوسف حتى فقال (ائتونى به فلما جاءه الرسول) ودعاه الى الملك لم يخرج معه وقال (ارجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن) فلما رجع الرسول من عند يوسف سأل الملك أولئك النسوة فقلن (حاش لله ما علمنا عليه من سوء) ولكن امرأة العزيز أخرتنا أنها راودته عن نفسه قالت امرأة العزيز و (انا راودته عن نفسه) فقال يوسف انما رددت الرسل ليعلم سيدى (انى لم اخنه بالغيب) فى زوجته فلما قال ذلك قال له جبريل ولا حين هممت بها؟ فقال يوسف (وما ابرء نفسى ان النفس لأمارة بالسوء)(قلت جاء فى تفسير هذه الآية غير ذلك عند المحققين انظر تفسير هذه الآية فى باب فاساله ما بال النسوة اللاتى قطعن أيديهن من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر من الفتح الربانى صحيفة 181 و 182) فلما فهم الملك براءة يوسف وأمانته قال (ائتونى به استخلصه لنفسى) فلما جاءه الرسول خرج معه ودعا لأهل السجن وكتب على بابه هذا قبر الأحياء وبيت الأحزان وتجربة الاصدقاء وشماتة الأعداء، ثم اغتسل ولبس ثيابه وقصد الملك فلما وصل اليه وكلمه (قال انك اليوم لدينا مكين أمين) فقال يوسف (اجعلنى على خزائن الأرض) فاستعمله بعد سنة، ولو لم يقل اجعلنى على خزائن الأرض لا استعمله من ساعته فسلم خزائنه كلها اليه بعد سنة وجعل القضاء اليه وحكمه نافذا ورد اليه عمل قطفير سيده بعد ان هلك وكان هلاكه فى تلك الليالى، وقيل بل عزله فرعون وولى يوسف عمله والأول أصح، لأن يوسف تزوج امرأته على مانذكره، ولما ولى يوسف عمل مصر دعا الملك الريان الى الايمان فآمن ثم توفى، ثم ملك بعده مصر قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن قاران بن عمرة بن عملاق فدعاه يوسف الى الآيمان فلم يؤمن، وتوفى يوسف فى ملكه ثم ان الملك الريان زوج يوسف راحيل امرأة سيده، فلما دخل بها قال أليس هذا خيرا مما كنت تريدين؟ فقالت أبها الصديق لا تلمنى فانى كنت امرأة حسناء جميلة فى ملك ودنيا وكان صاحبى لا يأتى النساء وكنت كما جعلك الله فى حسنك فغلبتنى نفسى: ووجدها بكرا فولدت له ولدين افرايم ومنشا، فلما ولى يوسف خزائن أرضه ومضت السنوات السبع المخصبات وجمع فيها الطعام فى سنبله ودخلت السنوات المجدبة وقحط الناس وأصابهم الجوع وأصاب بلاد يعقوب التى هو بها فبعث بنيه الى مصر وأمسك بنيامين أخا يوسف لأمه (يعنى شقيقه) فلما دخلوا على يوسف عرفهم وهم له منكرون، وانما أنكروه لبعد عهدهم ولتغير لبسه فانه لبس ثياب الملوك فلما نظر اليهم قال أخبرونى ما شأنكم؟ قالوا نحن من الشام جئنا نمتار الطعام، قال كذبتم أنتم عيون فأخبرونى خبركم، قالوا نحن عشرة أولاد رجل واحد صديق، كنا اثنى عشر وانه كان لنا أخ فخرج معنا الى البرية فهلك وكان أحبنا الى أبينا، قال فالى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا الى أخ لنا أصغر منه، قال فأتونى به أنظر اليه (فان لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون قالوا سنراود عنه أباه) قال فاجعلوا بعضكم عندى رهينة حتى ترجعوا، فوضعوا شمعون اصابته القرعة، وجهزهم يوسف بجهازهم (وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم) يعنى ثمن الطعام (فى رحالهم لعلهم يعرفونها اذا انقلبوا إلى اهلهم لعلهم يرجعون) لما علم ان امانتهم وديانتهم تحملهم على رد البضاعة فيرجعون اليه لاجلها، وقيل رد ما لهم لأنه خشى ان لا يكون عند ابيه ما يرجعون مرة اخرى، فاذا رأوا معهم بضاعة عادوا، وكان يوسف حين رأى

ص: 72

_________

ما بالناس من الجهد قد آسى بينهم وكان لا يحمل للرجال الا بعيرا فلما رجعوا الى أبيهم باحمالهم قالوا يا أبانا ان عزيز مصر قد أكرمنا كرامة لو انه بعض أولاد يعقوب ما زاد على كرامته وانه ارتهن شمعون وقال ائتونى باخيكم الذى عطف عليه ابوكم بعد أخيكم (فان لم تأتونى به فلا كيل لكم عندى ولا تقربون)(قال هل آمنكم عليه الا كما أمنتكم على أخيه من قبل)(ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم رُدّت اليهم قالوا يا أبانا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت الينا ونمير أهلنا ونحفظ اخانا ونزداد كيل بعير) ثم قال (لن ارسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتننى به إلا ان يحاط بكم، فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل) ثم اوصاهم أبوهم بعد ان اذن لأخيهم فى الرحيل معهم وقال (يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وأدخلوا من ابواب متفرقة) خاف عليهم العين وكانوا ذوى صورة حسنة ففعلوا كما امرهم ابوهم (ولما دخلوا على يوسف آوى اليه اخاه) وعرفه وانزلهم منزلا واجرى عليهم الوظائف وقدّم لهم الطعام وأجلس كل اثنين على مائدة، فبقى بنيامين وحده فبكى وقال لو كان اخى يوسف حيا لاجلسنى معه، فقال يوسف لقد بقى أخوكم هذا وحيدا، فأجلسه معه وقعد يؤاكله، فلما كان الليل جاءهم بالفرش وقال لينم كل أخوين منكم على فراش وبقى بنيامين وحده. فقال هذا ينام معى، فبات معه على فراشه فبقى يشمه ويضمة اليه حتى أصبح، وذكر له بنيامين حزنه على يوسف، فقال له أتحب أن أكون عوض أخيك الذاهب؟ فقال بنيامين ومن يجد أخا مثلك، ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وقام اليه فعانقه وقال له إنى أنا اخوك يوسف فلا تبتئس بما فعلوه بنا فيما مضى فان الله قد أحسن الينا ولا تعلمهم بما اعلمتك. فلما علم بنيامين أن يوسف أخوه قال لا أفارقك، قال يوسف أخاف غم أبوينا ولا يمكننى حبسك الا بعد أن اشهرك بأمر فظيع، قال افعل: قال فانى اجعل الصاع فى رحلك ثم أنادى عليك بالسرقة لآخذك منهم، قال افعل، فلما ارتحلوا (أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون قالوا تا لله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الأرض وما كنا سارقين) لأننا رددنا ثمن الطعام الى يوسف فلما قالوا ذلك (قالوا فما جزاؤه إن كنت كاذبين، قالوا جزاؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه) تأخذونه لكم (فبدأ بأوعيتهم) ففتشها (قبل وعاء اخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه) فقالوا (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) يعنون يوسف، وكانت سرقته حين سرق صنما لجده أبى أمه فكسره فعيروه بذلك، وقيل ما تقدم ذكره من من المنطقة، فلما استخرجت السرقة من رحل الغلام قال اخوته يا بنى راحيل لا يزال لنا منكم بلاء فقال بنيامين بل بنو راحيل ما يزال لهم منكم بلاء: وضع هذا الصاع فى رحلى الذى وضع الدراهم فى رحالكم، فاخذ يوسف اخاه بحكم اخوته، فلما رأوا نهم لا سبيل لهم عليه سألوه ان يتركه لهم فقالوا (يا إيها العزيز إن له ابا شيخا كبيرا فخذ احدنا مكانه) فقال (معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده) فلما أيسوا من خلاصه خلصوا نجيا لا يختلط بهم غيهم، فقال كبيرهم وهو شمعون وقيل روبيل (الم تعلموا ان اباكم قد اخذ عليكم موثقا من الله) ان نأتيه باخينا الا أن يحاط بنا: ومن قبل هذه المرة ما فرطتم فى يوسف فلن ابرح الأرض حتى يأذن لى ابى بالخروج وقيل بالحرب فارجعوا الى ابيكم فقصوا عليه خبركم، فلما رجعوا الى ابيهم فأخبروه بخبر بنيامين وتخلف شمعون قال (بل سّولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل عسى الله ان يأتينى بهم جميعا) بيوسف واخيه وشمعون، ثم اعرض عنهم وقال واحزناه

ص: 73

_________

على يوسف (وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) مملوء من الحزن والغيظ فقال له بنوه (لا تزال تذكر يوسف حتى تكون حرضا) اى مشرفا على الهلاك (او تكون من الهالكين) فاجابهم يعقوب فقال (انما اشكو بثى وحزنى الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) من صدق رؤيا يوسف قبل بلغ من وجد يعقوب وجد ئكلى، واعطى على ذلك اجر مائة شهيد، ثم إن يعقوب أمر بنيه الذين قدموا عليه من مصر بالرجوع اليها وتحسس الاخبار عن يوسف واخيه فرجعوا الى مصر فدخلوا على يوسف وقالوا (يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة) يعنى قليلة (فأوف لنا الكيل) قيل كانت بضاعتهم دراهم زيوفا وقيل كانت سمنا وصوفا وقيل غير ذلك (وتصدق علينا) بفضل مابين الجيّد والرديئ، وقيل بزد أخينا علينا، فلما سمع كلامهم غلبَته نفسه فارفض دمعه باكيا ثم باح لهم بالذى كان يكتم فقال (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه اذ انتم جاهلون، قالوا ائتك لأنت يوسف؟ قال انا يوسف وهذا أخى قد من الله علينا) بان جمع بيننا فاعتذروا وقالوا (تاالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم) أى لا أذكر لكم ذنبكم (يغفر الله لكم) ثم سألهم عن أبيه فقالوا لما فاته بنيامين عمى من الحزن فقال (اذهبوا بقميصى هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا وائتونى باهلكم أجمعين) فقال يهوذا انا أذهب به لأنى ذهبت اليه بالقميص ملطخا بالدم وأخبرته ان يوسف أكله الذئب، فأنا أخبره انه حى فافرحه كما أحزنته وكان هو البشير (ولما فصلت العير) عن مصر حملت الريح الى يعقوب بريح يوسف وبينهما ثمانون فرسخا يوسف بمصر ويعقوب بأرض كنعان فقال يعقوب (انى لأجد ريح يوسف لولا ان تفندون) فقال له من حضره من أولاده (تا لله انك) من ذكر يوسف (لفى ضلالك القديم: فلما أن جاء البشير) بقميص يوسف (القاه على وجهه) أى على وجه يعقوب (فارتد بصيرا) أى عاد بصيرا كما كان أوٌلا (قال لم أقل لكم انى أعلم من الله ما لا تعلمون) يعنى تصديق الله تأويل رؤيا يوسف، ولما ان جاء البشير قال له يعقوب كيف تركت يوسف؟ قال تركته ملك مصر قال ما اصنع بالملك على أى دين تركته؟ قال تركته على الاسلام، قال الآن تمت النعمة، فلما رأى مَن عنده مَن عنده من أولاده قميص يوسف وخبروه قالوا له (يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا) قال سوف أستغفر لكم، أخّر الدعاء الى السحر من ليلة الجمعة، ثم ارتحل يعقوب وولده فلما دنا من مصر خرج يوسف يتلقاه ومعه أهل مصر وكانوا يعظمونه، فلما دنا أحدهما من صاحبه نظر يعقوب الى الناس والخيل وكان يعقوب يمشى ويتوكأ على ابنه يهوذا فقال له يا بنى هذا فرعون مصر؟ قال لا هذا ابنك يوسف، فلما قرب منه أراد يوسف ان يبدأه بالسلام فمنع من ذلك، فقال يعقوب السلام عليك يا مذهب الأحزان، لأنه لم يفارقه الحزن والبكاء مدة غيبة يوسف عنه، قال فلما دخلوا مصر رفع أبويه على العرش بعنى أمه وأباه وقيل كانت خالته وكانت أمه قد ماتت، وخر له يعقوب وامه واخوته سجدا، وكان السجود تحية الناس للملوك، ولم يرد بالسجود وضع الجبهة على الأرض فان ذلك لا يجوز إلا لله تعالى وانما أراد الخضوع والتواضع والانحناء على السلام كما يفعل الآن بالملوك، والعرش السرير (وقال يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا) وكان بين رؤيا يوسف ومجيء يعقوب أربعون سنة وقيل ثمانون سنة فانه القى فى الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، ولقيه وهو ابن سبع وتسعين سنة وعاش بعد جمع شمله ثلاثا وعشرين سنة وتوفى وله مائة وعشرون سنة، وأوصى الى اخيه يهوذا، وقيل كانت غيبة يوسف عن يعقوب ثمانى عشرة سنة، وقيل ان يوسف دخل مصر وله سبع عشرة سنة واستوزره فرعون بعد ثلاث عشرة

ص: 74

(عن أنس بن مالك)(1) رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى (2) يوسف عليه الصلاة والسلام شطر الحسن (3)

سنة من قدومه الى مصر وكانت مدة غيبته عن يعقوب اثنتين وعشرين سنة، وكان مقام يعقوب بمصر وأهله معه سبع عشرة سنة وقيل غير ذلك والله أعلم (ولما مات يعقوب) أوصى الى يوسف ان بدفنه مع أبيه اسحاق، ففعل يوسف فسار به الى الشام فدفنه عند أبيه ثم عاد الى مصر، وأوصى يوسف ان يحمل من مصر ويدفن عند آبائه فحمله موسى لما خرج ببنى اسرائيل، وولد يوسف افرايم ومنشا فولد افرايم نون، ولنون يوشع فتى موسى، وولد لمنشا موسى بن عمران، وزعم أهل التوراة انه موسى الحاضر، وولد له رحمة امرأة أيوب فى قول انتهى ما ذكره الحافظ ابن الأثير فى تاريخه الكامل، وذكر الحافظ ابن كثير فى تاريخه فى آخر قصة يوسف قوله تعالى (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى؟ قالوا نعبد الهك وإله آبائك ابراهيم واسماعيل واسحاق الاها واحدا ونحن له مسلمون) قال يوصى بنبيه بالاخلاص وهو دين الاسلام الذى بعث الله به الانبياء عليهم السلام (قال) وقد يذكر أهل الكتاب انه اوصى بنبيه واحدا واحد واخبرهم بما يكون من أمرهم وبشر يهوذا بخروج نبى عظيم من نسله تطيعه الشعوب وهو عيسى بن مريم والله أعلم (قال) وذكروا انه لما مات يعقوب بكى عليه أهله أربعين يوما وأمر يوسف الاطباء فطيبوه بطيب ومكث فيه أربعين يوما ثم استأذن يوسف ملك مصر فى الخروج مع أبيه ليدفنه عند أهله فاذن له وخرج معه أكابر مصر وشيوخها فلما وصلوا حبرون دفنوه فى المغارة التى كان اشتراها ابراهيم الخليل من عفرون بن صخر الحيثى وعملوا له عزاء سبعة أيام قالوا ثم رجعوا الى بلادهم وعزى أخوة يوسف يوسف فى أبيهم وترفقوا له فاكرمهم واحسن منقلبهم فأقاموا ببلاد مصر ثم حضرت يوسف عليه السلام الوفاة فأوصى ان يحمل معهم اذا خرجوا من مصر فيدفن عند آبائه فحنطوه ووضعوه فى تابوت فكان بمصر حتى أخرجه معه موسى عليه السلام فدفنه عند آبائه. قالوا فمات وهو ابن مائة سنة وعشر سنين هذا نصهم فيما رأيته وفيما حكاه ابن جرير ايضا، وقال مبارز بن فضالة عن الحسن القى يوسف فى الجب وهو ابن سبع عشرة سنة وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ومات وهو ابن مائة سنة وعشرين سنة وقال غيره أوصى الى أخيه يهوذا صلوات الله عليه وسلامه انتهى ما ذكره الحافظ ابن كثير فى تاريخه والله أعلم (1) (سنده) حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة قال انا ثابت عن أنس الخ (غريبه) (2) بضم أوله مبنى للمجهول ويوسف هو ابن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام (3) أى نصفه وقد يراد به الجزء من الشئ: والمعنى انه أعطى حظا عظيما من حسن أهل الدنيا وجاء فى بعض الروايات ثلثى الحسن، ولكن الروايات الصحيحة جاءت بلفظ شطر الحسن، فعند مسلم فى قصة الاسراء فاذا انا. بيوسف واذا هو قد أعطى شطر الحسن (تخريجه)(م) ورواه الحاكم بلفظ (اعطى يوسف وأمه شطر الحسن) وصححه الحاكم وأقره الذهبى، وجاء فى مجمع الزوائد عن عبد الله يعنى ابن مسعود قال اعطى يوسف وامه ثلثى حسن الناس فى الوجه والبياض وغير ذلك، فكانت المرأة اذا أتته غطى وجهه مخافة ان تفتتن، قال الهيثمى رواه الطبرانى موقوفا ورجاله رجال الصحيح، قال ورواه الطبرانى أيضا فقال أعطى

ص: 75

_________

يوسف وأمه ثلث الحسن، قال والظاهر انه وهم والله اعلم (قلت) وأورده الحافظ السيوطى فى الجامع الصغير بلفظ (أعطى يوسف شطر الحسن) وعزاه لابن ابى شيبة والامام احمد وابى يعلى والحاكم ورمز له بعلامة الصحيح

(باب ذكر نبى الله شعيب عليه السلام ورسالته الى أهل مدين)

لم يأت فى مسند الامام أحمد ذكر لنبى الله شعيب عليه السلام وقد جاء ذكر رسالته الى أهل مدين فى غير موضع من كتاب الله عز وجل، فقد جاء فى سورة الأعراف بعد قصة قوم لوط ثمان آيات فى ذلك من قوله عز وجل (والى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس اشياءهم، ولا تفسدوا فى الأرض بعد اصلاحها ذلكم خير لكم ان كنتم مؤمنين، ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن وتبغونها عوجا، وأذكروا اذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) الى قوله تعالى (فتولى عنهم وقال يا قوم لقد ابلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين) وجاء فى سورة هود بعد قصة لوط أيضا أثنتا عشرة آية من قوله تعالى (والى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من الاه غيره ولا تنقصو المكيال والميزان انى أراكم بخير وانى أخاف عليكم عذاب يوم محبط- الى قوله تعالى- كأن لم يغنوا فيها الا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) وقال تعالى فى سورة الحجر بعد قصة قوم لوط أيضا (وان كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم وانهما لبإمام مبين) وجاء فى سورة الشعراء بعد قصة لوط أيضا ست عشرة آية من قوله تعالى (كذب أصحاب الأيكة المرسلين اذ قال لهم شعيب الا تتقون) الى قوله تعالى (فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم ان فى ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وان ربك لهو العزيز الرحيم) قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه كان أهل مدين قوما عربا يسكنون مدينتهم مدين التى هى قرية من أرض معان من أطراف الشام مما يلى ناحية الحجاز قريبا من بحيرة قوم لوط وكانوا بعدهم بمدة قريبة، ومدين قبيلة عرفت بهم، وهو من بنى مدين بن مديان بن ابراهيم الخليل وشعيب نبيهم هو ابن ميكيل بن يشجن ذكره ابن اسحاق، قال ويقال له بالسريانية بنزون وفى هذا انظر، ويقال شعيب بن يشخر بن لاوى ابن يعقوب، ويقال شعيب بن نويب بن عيفا بن مدين بن ابراهيم، ويقال شعيب بن ضيفور بن عيفا ابن ثابت بن مدين بن ابراهيم وقيل غير ذلك فى نسبه (قال ابن عساكر) ويقال جدته ويقال أمه بنت لوط، وكان ممكن آمن بابراهيم وهاجر معه ودخل معه دمشق، وعن وهب بن منبه أنه قال شعيب وملغم من آمن بابراهيم يوم أحرق بالنار (قلت عبارة الطبرى وانما هو من ولد بعض من آمن بابراهيم اه) قال وهاجرا معه الى الشام فزوجهما بنتى لوط عليه السلام، ذكره ابن قتيبة وفى هذا كله نظر أيضا والله أعلم، وفى حديث أبى ذر الذى فى صحيح ابن حبان فى ذكر الأنبياء والرسل (أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر) وكان بعض السلف يمسى شعيبا خطيب الأنبياء يعنى لفصاحته وعلو عبارته وبلاغته فى دعاية قومه الى الايمان برسالته، وقد روى اسحاق بن بشر عن جرير ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أذا ذكر شعيبا قال (ذاك خطيب الأنبياء) وكان أهل مدين كفارا يقطعون السبيل ويخيفون المارة ويعبدون الأيكة وهى شجرة من الأيك حولها غيضة ملتفة بها، وكانوا من أسوء الناس معاملة يبخسون المكيال والميزان ويطفقون فيها يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص فبعث الله فيهم رجلا منهم وهو رسول الله شعيب

ص: 76

_________

عليه السلام فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ونهاهم عن تعاطى هذه الأفاعيل القبيحة من بخس الناس أشياءهم وإخافتهم لهم فى سبلهم وطرقاتهم، فآمن به بعضهم وكفر اكثرهم حتى أحل الله بهم البأس الشديد (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن فى ملتنا) طلبوا بزعمهم إن يردوا من آمن منهم إلى ملتهم فانتصب شعيب للمحاجة عن قومه فقال (اولو كنا كارهين) أى هؤلاء لا يعودون اليكم اختباراً وانما يعودون اليه ان عادوا اضطرار ولهذا قال (قد افترينا على الله كذبا ان عدنا فى ملتكم بعد اذ نجانا الله منهم وما يكون لنا ان نعود فيها إلا ان يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شئ علما على الله توكلنا) اى فهو كافينا وهو العاصم لنا واليه ملجؤنا فى جميع امرنا، ثم أستفتح على قومه واستنصر ربه عليهم فى تعجيل ما يستحقونه اليهم فقال (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين) اى الحاكمين فدعا عليهم، والله لا يرد دعاء رسله أذا استنصروه على الذين جحدوه وكفروا به وخالفوا رسله، ومع هذا صمموا على ما هم عليه مشتملون وبه متلبسون (وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا انكم اذا لخاسرون) قال الله تعالى (فاخذتهم الرجفة فاصبحوا فى دارهم جائمين) ذكر فى سورة الأعراف أنهم اخذتهم رجفة أى رجفت بهم أرضهم وزلزلت زلزالا شديدا ازهقت ارواحهم من أجسادها وصيرت حيوانات أرضهم كجمادها وأصبحت جثتهم جاثية لا أرواح فيها ولا حركات بها ولا حواس لها، وقد جمع الله عليهم انواعا من العقوبات وصنوفا من المئلات وذلك لما اتصفوا به من قبيح الصفات، وقد اخبر الله عنهم فى كل سورة بما يناسب سياقها، ففى سورة الأعراف ارجفوا نبى الله وأصحابه وتوعدوهم بالإخراج من قريتهم أو ليعودن فى ملتهم راجعين فقال تعالى (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جائمين) فقابل الأرجاف بالرجفة والإخافة بالخيفة وهذا مناسب لهذا السياق (وأما فى سورة هود) فذكر أنهم (أخذتهم الصيحة فأصبحوا فى ديارهم جاثمين) وذلك لأنهم قالوا لنبى الله على سبيل التهكم والاستهزاء والتنقص (اصلاتك تأمرك ان نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل فى أموالنا ما نشاء أنك لأنت الحليم الرشيد) فناسب ان يذكر الصيحة التي هى كالزجر عن تعاطى هذا الكلام القبيح الذى واجهوا به هذا الرسول الكريم الأمين الفصيح فجامتهم صيحة اسكتتهم مع رجفة أسكنتهم (وأما فى سورة الشعراء) فذكر أنه أخذهم عذاب يوم الظلة وكان ذلك أجابة لما طلبوا فانهم قالوا (انما أنت من المسحرين وما أنت إلا بشر مثلنا وان نظنك لمن الكاذبين، فأسقط علينا كسفاً من السماء ان كنت من الصادقين قال ربى أعلم بما تعملون) قال الله سبحانه وتعالى (فكذبوه فاخذهم عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم) ذكروا انهم اصابهم حر شديد وأسكن الله هبوب الهواء عنهم سبعة أيام فكان لا ينفعهم مع ذلك ماء ولا ظل ولا دخولهم فى الأسراب فهربوا من محلتهم الى البرية فأظلتهم سحابة فاجتمعوا تحتها ليستظلوا بظلها فلما تكاملوا فيه أرسلها الله ترميهم بشرر وشهب ورجفت بهم الأرض وجامتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح (فاصبحوا فى دارهم جائمين الذين كذبوا شعيبا كان لم يغنوا فيها الذين كذبول شعيبا كانوا هم الخاسرين) ونجى الله شعيبا ومن معه من المؤمنين قال تعالى (ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا) ثم ذكر تعالى عن نبيهم انه نعاهم الى أنفسهم موبخا ومؤنبا ومقرعا فقال (يا قوم لقد ابلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فكيف آسىِ على قوم كافرين) اى اعرض عنهم موليا عن محلتهم بعد هلاكهم

ص: 77

(باب ذكر نبي الله أيوب عليه السلام (عن أبي هريرة)(1) عن النبي صلي الله عليه وسلم قال أرسل على أيوب جراد من ذهب (2) فجعل يلتقط (3) فقال ألم أغنك يا أيوب قال يارب ومن يشبع من رحمتك أو قال من فضلك (4)(وعنه عن طريق ثان)(5) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم بينما أيوب يغتسل عرياناً خرَ عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحْثي في ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما تري؟ قال بلي يارب ولكن لا غني بي عن بركتك (6).

قائلا (ياقوم لقد أبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم) أى قد أديت ما كان واجبا علىَّ من البلاغ التام والنصح الكامل وحرصت على هدايتكم بكل ما أقدر عليه فلم ينفعكم ذلك لأن الله لا يهدى من يضل ومالهم من ناصرين (ذكر ابن عساكر فى تاريخه) عن ابن عباس أن شعيبا كان بعد يوسف عليه السلام (وعن وهب بن منبه) أن شعيبا عليه السلام مات بمكة ومن معه من المؤمنين وقبورهم غربى الكعبة بين دار الندوة ودار نبى سهم والله أعلم. (باب)(1)(سنده) حدثنا أبو داود ثنا همام عن قتادة عن النضر يعنى ابن أنس بن مالك عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة الخ (غريبه)(2) أرسل الله عز وجل هذا الجراد على أيوب عند ما كان يغتسل كما فى الطريق الثانية حيث عافاه الله من مرضه كما جاء عند ابن أبى حاتم عن أبى هريرة أيضا أن النبى صلي الله عليهم وسلم قال لما عافى الله أيوب أمطر عليه جرادا من ذهب الحديث، وانما سمى الجراد جرادا لأنه يجرد الأرض فيأكل ما عليها، وهل كان جرادا حقيقة ذا روح إلا أن اسمه ذهب أو كان على شكل الجراد وأيس فيه روح؟ قال فى شرح التقريب الأظهر الثاني (3) جاء فى الطريق الثانية وعند البخارى أيضا (فجعل أيوب يحثى فى ثوبه فناداه ربه يا أيوب ألم أكن أغنيتك) (4) أى نعمتك وخيرك (5) (سنده) حدثنا عبد الرزاق بن همام ثنا معمر عن همام أبن منبه قال هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم بينما أيوب يغتسل الخ (6) أى خيرك: وغنى بكسر الغين المعجمة والقصر من غير تنوين على أن لا لنفي الجنس وروى بالتنوين والرفع على أن لا بمعنى ليس، ومعناهما واحد لأن النكرة فى سياق النفى تفيد العموم وخبر لا يحتمل أن يكون بى أو عن بركتك واستنبط منه فضل الغنى لأنه سماه بركة، ومحال أن يكون أيوب صلّوات الله وسلامه عليه أخذ هذا المال حبا للدنيا، وانما أخذه كما أخبر هو عن نفسه لأنه بركة من ربه تعالى لأنه قريب العهد بتكوين الله عز وجل، أو انه نعمة جديدة خارقة للعادة فينبغى تلقيها بالقبول ففى ذلك شكر لها وتعظيم لشأنها، وفى الإعراض عنها كفر بها، وفيه جواز الاغتسال عريانا اذا كان منفردا لأن الله تعالى عاتبه على جمع الجراد ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا والله أعلم (تخريِجه)(خ، طل) وأنما ذكرت هذا الحديث تحت هذه الترجمة لمناسبة ذكر نبى الله أيوب عليه السلام فيه (أما نسبه) فقد ذكره الحافظ أبن كثير فى تاريخه قال قال أبن اسحاق كان رجلا من الروم وهو أيوب بن موسى ابن زراح بن العيص بن اسحاق بن إبراهيم الخليل، وقال غيره هو أيوب بن عوص بن رهويل بن العيص ابن اسحق بن إبراهيم وقيل غير ذلك فى نسبه، قال الحافظ أبن كثير وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء اليهم فى سورة النساء فى قوله تعالى (إنا أوحينا اليك كما أوحينا الى نوح والنبيين من بعده وأوحينا الى إبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب الآية) فالصحيح أنه من

ص: 78

.

سلالة العيص بن اسحق، وامرآته قيل أسمها ليا بنت يعقوب وقيل رحمة بنت افرائيم وقيل منشا ابن يوسف بن يعقوب وهذا أشهر (قلت) وقد ذكر الله عز وجل قصته فى كتابه العزيز وختمها بالثناء عليه حيث قال عز من قائل (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الشيطان بِنُصْب وعذاب إلى قوله تعالى (أنا وجدناه صابرا نعم العبد أنه أواب) قال الحافظ أبن كثير فى تفسيره يذكر تبارك وتعالى عبده ورسوله أيوب عليه الصلاة والسلام وما كان أبتلاه تعالى به من الضر فى جسده وماله وولده حتى لم يبق فى جسده مغرز ابرة سليما سوى قلبه، ولم يبق له من الدنيا شئ يستعين به على مرضه وما هو فيه غير أن زوجته حفظت وده لإيمانها بالله تعالى ورسوله، فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه نحوا من ثمانى عشرة سنة، وقد كان قبل ذلك فى مال جزيل وأولاد وسعة طائلة من الدنيا فسلب جميع ذلك حتى آل به الحال إلى أن ألقى على مزبلة من مزابل البلدة هذه المدة بكمالها، ورفضه القريب والبعيد سوى زوجته رضى الله عنها فأنها كانت لا تتركه صباحا ومساءا الا بسبب خدمة الناس ثم تعود اليه قريبا فلما طال المطال واشتد الحال واتتهى القدرة وتم الأجل المقدر تضرع لرب العالمين وإلاه المرسلين فقال (انى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين) وفى هذه الآية الكريمة: قال تعالى (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه انى مسنى الشيطان بنصب وعذاب قيل بنصب فى بدنى وعذاب فى مالى وولدى، فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه ويركض الأرض برجله ففعل، فأنبع الله عينا وأمره أن يغتسل منها فأذهبت جميع ما كان فى بدنه من الأذى، ثم أمره فضرب الأرض فى مكان آخر فأنبع له عينا أخرى وأمره ان يشرب منها فأذهبت جميع ما كان فى باطنه من السوء وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا ولهذا قال تبارك وتعالى (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) قال وكان قبل شفائه يخرج الى حاجته فاذا قضاها أمسكت أمرأته بيده حتى يبلغ (يعنى مكانه) ومعناه أنها كانت تنتظره حتى يقضى حاجته فلما كان ذات يوم أبطا عليها فالتفتت تنظر، فاقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت أى بارك الله فيك هل رأيت نبى الله هذا المبتلى فوالله مارايت رجلا أشبه به منك أذ كان صحيحا، قال فانى أنا هو قال وكان له اندران اندر للقمح واندر للشعير (هو المكان الذى يوضع فيه القمح والشعير) فبعث الله تعالى سحابتين فلما كانت إحداهما على اندر القمح افرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى فى اندر الشعير حتى فاض، هذا لفظ ابن جرير رحمه الله قال تعالى (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم). قال الحسن وقتادة احياهم الله تعالى له بأعيانهم وزلدهم مثهم معهم، وقال ابن عباس رد الله عليه ماله وولده عيانا ومثلهم معهم، وقال مجاهد قيل له يا أيوب أن املك لك فى الجنة فان شئت اتيناك بهم، وان شئت تركناهم لك فى الجنة وعوضاك مثلهم، قال لا بل اتركهم فى الجنة وعوض مثلهم فى الدنيا (رحمة منا) اى به على صبره وإنابته وتواضعه (وذكرى لأولى الألباب) أى لذوى العقول ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج والخرج والراحة (وخذ بيدك ضغئا فاضرب به ولا تحنث) وذاك ان ايوب عليه السلام كان قد غضب على زوجنه ووجد عليها فى أمر فعلته قيل باعث ضغيرتها نخبز فأطعمته إياه فلامها على ذلك وحلف إن شفاه الله تعالى ليضربنها مائة جلدة، وقيل لغير ذلك من الأسباب فلما شفاه الله عز وجل وعافاه ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة والرحمة والشفقة والاحسان ان تقابل بالضرب فافناه الله عز رجل ان يأخذ ضغثا وهو الشمراخ فيه مائة قضيب فيضربها به ضربة

ص: 79

(باب ذكر نبي الله يونس عليه السلام (عن أبي العالية)(1) قال حدثني ابن عم نبيكم (2) صلي الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم قال الله عز وجل ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس (3) بن منىّ ونسبه إلى أبيه (4)(وعنه من طريق ثان)(5) عن أبن عباس قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا ينبغي لأحد أن يقول إني خير من يونس بن منى نسبة إلى أبيه أصاب ذنبا (6) ثم اجتباه ربه (عن عبد الله بن جعفر)(7) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما ينبغي لنبي أن يقول إني خير من يونس بن منى قال أبو عبد الرحمن (8) وحدثنا هارون بن معروف مثله (عن أبي هريرة)(9) عن النبي صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه قال لعبد بدل نبي

راحدة وقد برت يمينه وخرج من حنثه ووفى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله تعالى وأناب أليه، ولهذا قال جل وعلا (أنا وجدناه صابرا نعم العبد أنه أواب) اى رجاع منيب: عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (باب)(1)(سنده) حدثنا حجاج حدثنا شعبة عن قتادة عن أبى العالية الخ (غريبه)(2) يعنى ابن عباس رضى الله عنهما (3) النهى مختص بالتفضيل، فى نفس النبوة فلا تفاضل فيها، وإنما التفاضل بالخصائص وفضائل أخرى، ولابد من أعتقاد التفضيل فقد قال الله تعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) وأفضلهم جميعا نبينا صلي الله عليه وسلم لقوله صلي الله عليه وسلم (انا سيد ولد آدم يوم القيامة) وهو حديث صحيح رواه (حم م د مذجه) وغيرهم ولأدلة أخرى يطول ذكرها (4) يريد أن أباه اسمه متى وليس هذا أخر الحديث (وبقيته) وذكر انه أسرى به وأنه رآى موسى عليه السلام آدم طُوالا كانه من رجال شَنوءة، وذكر أنه رأى عيسى مربوعا الى الحمرة والبياض جعدا، وذكر انه رأى الدجال ومالكا خازن النار، وتقدم شرح هذه الجملة فى باب صفة إبراهيم وميلاد أسحاق وسيأتى أيضا فى باب الاسراء (5)(سنده) حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أبى العالية عن ابن عباس الخ (غريبه)(6) ذنبه هو إنه لما دعا قومه الى الله عز وجل كذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم فخرج من بينهم مغاضبا لهم قبل ان يامره الله عز وجل بالخروج ولم يستخر الله فى ذلك ووعدهم بحلول العذاب بهم بعد ثلاث، ثم تاب من ذنبه واعترف بخطئه فقال (لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين) فتاب الله عليه وإختاره وعفا عنه

(قال تعالى فاجتباه ربه فجعله من الصالحين)(تخريجه)(ق د) وغيرهم (7)(سنده) حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق عن اسماعيل بن حكيم عن القاسم عن عبد الله ابن جعفر الخ (غريبه)(8) أبو عبد الرحمن هو عبد الله بن الأمام أحمد يريد إنه حدثه به محمد بن سلمة بهذا الاسناد (تخريجه) الحديث سنده جيد ورواه (د) ايضا (9)(سنده) حدثنا عفان وبهز قالا ثنا شعبة قال أخبرنى سعد بن ابراهيم قال سمعت حميد بن عبد الرحمن يحدث عن ابى هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال ما ينبغى لعبد ان يقول أنا خير من يونس بن متى: والامام أحمد ايضا قال حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبى وائل عن عبد الله (يعنى ابن مسعود) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا ينبغى لعبد ان يقول أنا خير من يونس بن متى أخرجه البخارى من حديث سفيان أيضا (تخريجه) اخرج حديث أبى هريرة الشيخان وغيرهما وهذه الأحاديث تدل على فضله وإنه من الانبياء المرسلين، قال تعالى فى سورة الصافات (وان يونس لمن المرسلين) قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه قال أهل التفسير بعث الله

ص: 80

.

يونس إلى أهل نينوى من أرض الموصل فدعاهم الى الله عز وجل فكذبوه وتمردوا على كفرهم وعنادهم فلما طال ذلك عليه من أمرهم خرج من بين اظهرهم ووعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث، قال أبن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد من السلف والخلف فلما خرج من بين ظهرانيهم وتحققوا نزول العذاب بهم قذف الله فى قلوبهم التوبة والإنابة وندموا على ما كان منهم الى نبيهم فلبسوا المسوح وفّرقوا بين كل بهيمة وولدها، ثم عجوا الى الله عز وجل وصرخوا وتضرعوا اليه وتمسكنوا لديه وبكى الرجال والنساء والبنون والبنات والأمهات وجارت الأنعام والدواب والمواشى: فرغت الابل وفصلانها وخارت البقر وأولادها وثغت الغنم وحملانها وكانت ساعة عظيمة هائلة فسكشف الله العظيم بحوله وقوته ورأفته ورحمته عنهم العذاب الذى كان قد أتصل بهم بسببه ودار على رءوسهم كقطع الليل المظلم (قال ابن عباس) ووهب كان يونس وعد قومه العذاب فلما تأخر عنهم العذاب خرج كالمستور منهم فقصد البحر فركب السفينة فاحتبست السفينة، فقال الملاحون ها هنا عبد آبق، وكان من عادتهم ان من وقعت عليه القرعة يلقى فى البحر فزج، يونس نفسه فى الماء وأمر الله تعالى حوتا من البحر الأخضر أن يلتقمه وان لا ياكل له لحما ولا يهشم له عظما فليس لك برزق، فأخذه فطاف به البحار كلها، وقيل انه ابتلع ذلك الحوت حوت آخر أكبر منه، وهذا معنى قوله تعالى (اذ أبق الى الفلك المشحون) أى هرب (فساهم) فقارع، والمساهمة القاء السهام على جهة القرعة (فكان من المدحضين) أى المقروعين (فالنقمه الحوت) ابتلعه (وهو مليم) أى بما يلام عليه (فلولا انه كان من المسبحين) من الذاكرين الله قبل ذلك وكان كثير الذكر، وقال ابن عباس من المصلين، وقال وهب من العابدين، وقال الحسن ما كانت له صلاة فى بطن الحوت ولكنه قدْم عملا صالحا، وقال الضحاك شكر الله له طاعته القديمة، وقيل فلولا أنه كان من المسبحين فى بطن الحوت، قال سعيد بن جبير يعنى قوله (لا إله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين) ويؤيد ذلك قوله تعالى فى سورة الأنبياء (وذا النون أذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى فى الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين) فال إبن مسعود ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل، قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما وذلك أنه ذهب به الحوت فى البحار يشقها حتى انتهى الى قرار البحر فسمع يونس تسبيح الحصى فى قراره، فعند ذلك وهنا لك قال لا اله إلا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين (البث فى بطنه الى يوم يبعثون) أى لصار بطن الحوت له قبرا الى يوم القيامة (فنبذناه) طرحناه (بالعراء) يعنى على وجه الأرض، قال السدى بالساحل، والعراء الأرض الخالية عن الشجر والنبات (وهم سقيم) عليل كالفرخ الممعط وقيل كان قد بلى لحمه ورق عظمه ولم يبق له قوة، واختلفوا فى مدة لبثه فى بطن الحوت، فقال مقاتل بن حيان ثلاثة أيام، وقال عطاء سبعة أيام وقال الضحاك عشرين يوما، وقال السدى والكلبى ومقاتل بن سليمان أربعين يوما، وقال الشعبى التقمه ضحى ولفظه عشية والله أعلم (وانبتنا عليه) أى له وقيل عنده (شجرة من يقطين) يعنى القرع على قول جميع المفسرين، وذكر بعضهم فى القرع فوائد، منها سرعة نباته وتظليل ورقه لكبره ونعومته وأنه لا يقربه الذباب وجودة تغذية ثمره وانه يؤكل نيئا ومطبوخا وقشره أيضا، وقد ثبت ان رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يحب الدبّاء (يعنى القرع) ويتتبعه من حواشى الصفحة، وقال الحسن ومقاتل كل نبت يمد

ص: 81

(باب ما جاء في دعوة ذي النون يعني يونس عليه السلام وحجه)(حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد)(1) حدثني والدي محمد عن أبيه سعد قال مررت بعثمان بن عفان في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه منى ثم لم يرد علىّ السلام. فأتيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقلت يا أمير المؤمنين هل حدث فى الاسلام شيء مرتين؟ قال لا، وما ذاك؟ قال قلت لا: إلا أنى مررت بعثمان آنفا فى المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه منى ثم لم يرد علىّ السلام، قال فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه فقال ما منعك أن لا تكون رددت على أخيك السلام؟ قال عثمان ما فعلت، قال سعد قلت بلى، قال حتى حلف وحلفت، قال ثم أن عثمان ذكر فقال بلى وأستغفر الله وأتوب إليه، انك مررت بى آنفا وأنا أحدث نفسى بكلمة سمعتها من رسول الله صلي الله عليه وسلم لا والله ما ذكرتها قط الا تغشى بصرى وقلبى غشاوة، قال قال سعد فانا أنبئك بها، إن رسول الله صلي الله عليه وسلم ذكر لنا أول دعوة ثم جاء أعرابى فشغله حتى قام رسول الله صلي الله عليه وسلم فاتبعته فلما أشفقت أن يسبقنى الى منزله ضربت بقدمى الأرض فالتفت الىّ رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال من هذا؟ أبو اسحاق؟ قال قلت نعم يا رسول الله، قال فمه (2) قال قلت لا والله الا أنك ذكرت لنا أول دعوة ثم جاء هذا الأعرابى فشغلك، قال نعم، دعوة ذى النون إذ هو فى بطن الحوت (لا إله إلا أنت سبحانك أنى كنت من الظالمين) فأنه لم يدع

وينبسط على وجه الأرض ليس له ساق ولا يبقى على الشتاء نحو القرع والقثاء والبطيخ فهو يقطين، قال مقاتل بن حيان فكان يونس يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف اليه فيشرب من لبنها بكرة وعشيا حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوى (الوعلة انثى الوعل بكسر العين المهملة والوعل تيس الجبل) ثم نام نومة فاستيقظ وقد يبست الشجرة فحزن حزنا شديدا وأصابه أذى الشمس فجعل يبكى فبعث الله تعالى اليه جبريل فقال انخزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف من أمتك وقد أسلموا وتابو؟ (فان قيل) قال ها هنا فنبذناه بالعراء وقال في موضع آخر (لولا إن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء) فهذا يدل على أنه لم ينبذ (قيل) لولا هناك يرجع معناه إلى الذم معناه لولا نعمة من ربه لتنبذ بالعراء وهو مذموم ولكن تداركه النعمة فنبذ وهو غير مذموم (وأرسلناه الى مائة الف) أى وقد أرسلناه وقيل كان إرساله بعد تداركه النعمة فنبذ وهو غير مذموم (وأرسلناه الى مائة الف) أى وقد أرسلناه وقيل كان أرساله بعد خروجه من بطن الحوت اليهم، وقيل الى قوم آخرين (قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره) ولا مانع أن يكون الذين أرسل اليهم أولا أمر بالعود اليهم بعد خروجه من الحوت فصدقوه كلهم وآمنوا به (أو يزيدون) قال أبن عباس فى رواية عنه بل يزيدون وكانوا مائة وثلاثين ألفا، وقال مقاتل وابن عباس فى رواية أخرى كانوا عشرين الفا. ورواه أبىّ بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحسن بضعا وثلاثين الفا، وقال سعيد بن جبير سبعين الفا والله أعلم (فآمنوا) يعنى الذين أرسل اليهم يونس بعد معاينة العذاب (فمتعناهم الى حين) أى حين انقضاء آجالهم والله أعلم

(باب)(1)(سنده) حدثنا إسماعيل بن عمر حدثنا يونس بن أبى أسحاق الهمدانى حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد الخ (غريبه)(2) أى فماذا وتقدم شرح كلام النبى صلي الله عليه وسلم وتخريج الحديث أيضا فى باب دعوات يستجاب بها الدعاء من كتاب الأذكار فى الجزء الرابع عشر صحيفة 278 قبل حديث رقم 206

ص: 82

بها مسلم ربه فى شئ إلا استجاب له (عن ابن عباس)(1) أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما مر بثنية هرشاء حين حج قال أى ثنية هذه؟ قالوا ثنية هرشاء، قال كأنى أنظر إلى يونس بن متى على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف، خطام ناقتهُ خلبة (قال هشيم يعنى ليفا وهو يلبى). (أبواب ذكر نبى الله موسى بن عمران عليه السلام (باب ما جاء فى فضل نبى الله موسى وشئ من فضل نبينا عليهما الصلاة والسلام)(عن أبى هريرة)(2) قال أستب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم والذى أصطفى محمداً على العالمين، وقال اليهودى والذى أصطفى موسى على العالمين، فغضب المسلم فلطم عين اليهودى، فأتى اليهودى رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فدعاه رسول الله صلي الله عليه وسلم فسأله فاعترف بذلك، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا تخيرونى على موسى (3) فان الناس يصعقون (4) يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى ممسكا بجانب العرش فما أدرى أكان فيمن صعق فأفاق قبلى أم كان ممن استثناه الله عز وجل (5)(عن أبى سعيد الخدرى)(6) عن النبى صلي الله عليه وسلم مثله.

(1)(عن ابن عباس الخ) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بطوله وسنده وشرحه وتخريجه فى باب ما جاء فى صفة نبى الله موسى عليه السلام وحجه وصومه، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وغيره (باب)(2)(سنده) حدثنا أبو كامل حدثنا ابراهيم حدثنا بن شهاب عن أبى سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن الاعرج عن أبى هريرة الخ (غريبه)(3) نقدم الكلام على ذلك فى شرح حديث أبى سعيد وهو الحديث الثانى من كتاب أحاديث الأنبياء فى هذا الجزء صحيفة 36 رقم 3 فارجع اليه (4) قال النووى الصعق والصعقة الهلاك والموت، ويقال منه صعق الانسان وصعق بفتح الصاد وضمها وانكر بعضهم الضم وصعقتهم الصاعقة، بفتح الصاد والعين وأصعقتهم، وبنو تميم يقولون الصاقعة بتقديم القاف قال القاضى وهذا من أشكل الأحاديث لأن موسى قد مات فكيف تدركه الصعقة وانما تصعق الأحياء (5) ظاهر هذا يدل على أنه كان حيا ولم يأت أن موسى رجع الى الحياة ولا أنه حى كما جاء فى عيسى وسيأتى فى باب قصة موسى مع ملك الموت ووفاته أنه صلي الله عليه وسلم قال فلو كنت ثمْ لأريتكم قبره الى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر (قال القاضى عياض) يحتمل أن هذه الصعقة صعقة فزع بعد البعث حين تنشق السماوات والأرض فتنتظم حينئذ الآيات والأحاديث، ويؤيده قوله صلي الله عليه وسلم فافاق لأنه ائما يقال أفاق من الغشى، وأما الموت فيقول بعث منه، وصعقة الطور لم تكن موتا يعنى قوله فى رواية لمسلم (فلا أدرى أحو سب بصعقة يوم الطور أو بعث قبل) قال وأما قوله ص فلا أدرى أفاق قبلى فيحتمل انه صلي الله عليه وسلم قال قبل أن يعلم أنه أول من تتشق عنه الأرض ان كان هذا اللفظ على ظاهره، وأن نبينا صلي الله عليه وسلم أول شخص تنشق عنه الأرض على الاطلاق، قال ويجوز أن يكون معناه أنه من الزمرة الذين هم أول من تنشق عنهم الأرض فيكون موسى من تلك الزمرة وهى والله أعلم زمرة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم هذا آخر كلام القاضى (تخرجه) (ق: وغيرهما) (6)(سند) حدثنا ابو النضر ثنا ورقاء قال سمعت عمرو بن يحي المازنى يحدث عن أبيه عن أبى سعيد الخدرى قال جاء يهودى الى رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ضرب فى وجهه فقال له ضربنى رجل من أصحابك، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم لم فعلت؟ قال يا رسول الله

ص: 83

(عن عبد الله)(1) قال قسم رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات يوم قسما قال فقال رجل من الأنصار إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله عز وجل، قال فقلت يا عدو الله أما لأخبرن رسول الله صلي الله عليه وسلم بما قلت، قال فذكر ذلك للنبى صلي الله عليه وسلم فاحمر وجهه، قال ثم قال رحمة الله على موسى فقد أوذى باكثر من هذا فصبر (2)(عن أنس بن مالك)(3) من حديث الأسراء أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد صلي الله عليه وسلم فقيل وقد بعث اليه؟ قال قد بعث اليه، ففتح لنا فاذا أنا بموسى عليه السلام فرحب ودعا بخير (وفيه أيضا) أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال فأوحى الله عز وجل اليّ ما أوحى، وفرض علىّ فى كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت الى موسى، فقال ما فرض ربك على أمتك؟ قال قلت خمسين صلاة فى كل يوم وليلة، قال أرجع الى ربك فاسأله التخفيف فان أمتك لا تطيق ذلك فانى قد بلوت بنى اسرائيل وخبرتهم، قال فرجعت الى ربى عز وجل فقلت أى رب خفف عن أمتى فحط عنى خمسا، فرجعت الى موسى فقال ما فعلت؟ قلت حط عنى خمسا، قال أن أمتك لا تطيق ذلك فارجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال فلم أزل أرجع بين ربى وبين موسى ويحط عنى خمسا خمسا حتى قال يا محمد هى خمس صلوات فى كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يفعلها كتبت له حسنة، فان عملها كتبت عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فان عملها كتبت سيئة واحدة، فنزلت حتى أنهيت الى موسى فأخبرته فقال أرجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فان أمتك لا تطيق ذلك، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم لقد رجعت الى ربى حتى لقد أستحيت (عن سعيد بن جبير)(4) قال حدثنا ابن عباس رضى الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال عرضت علىّ الأمم فرأيت النبى صلي الله عليه وسلم ومعه الرهط والنبى ومعه الرجل والرجلين والنبى وليس معه أحد إذ رفع لى سواد عظيم فقلت هذه أمتى؟ فقيل هذا موسى وقومه ولكن انظر الى الأفق، فاذا سواد عظيم ثم قيل انظر الى هذا الجانب الآخر، فاذا سواد عظيم

فضل موسى عليك، فقال النبى صلي الله عليه وسلم لا تفضلوا بعض الأنبياء على بعض، فان الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يرفع رأسه من التراب فأجد موسى عليه السلام عند العرش لا أدرى أكان فيمن صعق أم لا (تخريجه)(خ وغيره)(1)(سنده) حدثنا أبو معاوية حدثنا الاعمش عن شقيق عن عبد الله (يعنى بن مسعود) الخ (غريبه)(2) يشير الى قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) أى ذا جاه وقد صبر النبى صلي الله عليه وسلم على أذى قومه بل كان يشفع ذلك الصبر الجميل بالدعاء لهم المقرون بالمعذرة عنهم، فقد قال لما بالغت قريش فى ايذائه يوم أحد اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله (وأنك لعلى خلق عظيم)(تخريجه)(ق، وغيرهما)(3)(عن انس بن مالك) هذا طرف من حديث طويل رواه انس بن مالك سيأتى بتمامه فى أبواب قصة الاسراء من السيرة النبوية إن شاء الله تعالى (4)(عن سعيد بن جبير الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب مالا يجوز من الرقى والتمائم ونحوها من كتاب الطب

ص: 84

فقيل هذه أمتك ومعهم سبعون الفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب: فقال بعضهم لعلهم الذين صحبوا النبى صلي الله عليه وسلم وقال بعضهم لعلهم الذين ولدوا فى الاسلام ولم يشركوا بالله شيئا قط وذكروا أشياء، فخرج اليهم النبى صلي الله عليه وسلم فقال ما هذا الذى كنتم تخوضون فيه؟ فأخبروه بمقالتهم فقال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن الأشعرى رضى الله عنه فقال أنا منهم يا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبقك بها عكاشة

(باب ما جاء فى صفة نبى الله موسى عليه السلام وحجه وصومه)(عن ابن عباس)(1) أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مر بوادى الأزرق (يعنى حين حج) فقال أى واد هذا؟ قالوا هذا وادى الأزرق، فقال كأنى أنظر الى موسى عليه السلام وهو هابط من الثنية (2) وله جؤار الى الله عز وجل بالتلبية حتى أتى على ثنية هرشاء (3) فقال أى ثنية هذه؟ قالوا ثنية هرشاء قال كأنى أنظر الى يونس بن متى على ناقة حمراء جعدة (4) عليه جبة من صوف خطام (5) ناقتهُ خلبة (6) قال هشيم يعنى ليفا وهو يلبى (7)(وعنه أيضا)(8) قال قال نبى الله صلي الله عليه وسلم رأيت ليلة أسرى بى موسى بن عمران رجلا آدم (9) طُوالا جعدا كأنه من رجال شَنوءة (10) ورأيت عيسى

في الجزء السابع عشر صحيفة 185 رقم 144 فارجع اليه (باب)(1)(سنده) حدثنا هشيم انبأنا داود بن أبى هند عن أبى العالية عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) الثنية بوزن هدية، قال فى النهاية الثنية فى الجبل كالعقبة فيه، وقيل هو الطريق العالى فيه، وقيل اعلى المسيل فى رأسه (وقوله وله جؤار) بضم الجيم والهمز وهو رفع الصوت (3) كذا فى الأصل بالمد وجاء فى مسلم والنهاية ومعجم ياقوت هرشى بالقصر وهو بفتح الهاء وسكون الراء وبالشين المعجمة جبل على طريق الشام والمدينه قريب من الجحفة (4) الجعدة هى مكتزة اللحم (5) بكسر الخاء هو الحبل الذى يقاد به البعير يجعل على خطمه (6) بضم الخاء المعجمة وبالباء الموحدة بينهما لام فيها لغتان مشهورتان الضم والاسكان وحكاهما ابن السكيت والجوهرى وآخرون، وهو الليضب كما فسرع عشيم شيخ الامام احمد (7) فان قيل كيف يحمون ويلبون وهم أموات وهم فى الدار الآخرة وليست دار عمل (قلت) أجاب العلماء عن ذلك باجوبة منها انه أرى أحوالهم التى كانت فى حياتهم ومثلوا له فى حال حياتهم كيف كانوا وكيف حجهم وتلبيتهم كما قال صلى الله عليه وسلم كأنى انظر الى موسى وكأنى أنظر الى يونس عليهما السلام: وهو الذى اميل اليه والله أعلم. (تخريجه)(م جه)(8)(سنده) حدثنا يونس حدثنا شيبان حدثنا قتادة عن أبى العالية حدثنا ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم ابن عباس قال قال نبى الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(9) بمد الهمزة اى أسمر (طوالا) بضم أوله وتخفيف الواو هو الطويل (جعدا) قال النووى واما الجعد فى صفة موسى عليه السلام قال صاحب التحرير فيه معنيان (أحدهما) اكتناز الجسم واجتماعه (والثانى) جعودة الشعر قال والأول أصح لأنه قد جاء فى رواية أبى هريرة فى الصحيح انه رجل الشعر، هذا كلام صحاب التحرير، والمعنيات فيه جائزان وتكون جعودة الشعر على المعنى الثانى ليست جعردة القطط، بل معناه انه بين القطط والسبط والله أعلم (10) بفتح الشين المعحمة وضم النون وبعد الواو همزة وهم حي من اليمن ينسبون إلى

ص: 85

ابن مريم عليهما السلام مربوع الخلق الى الحمرة والبياض، سبط (1) الرأس (وله فى رواية أخرى) ورأيت موسى أسحم آدم كثير الشعر (قال حسن) الشعرة شديد الخلق (عن جابر)(2) عن النبى صلي الله عليه وسلم قال عرض علىّ الانبياء فاذا موسى رجل ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوأة (عن أبن عباس)(3) قال قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال ما هذا اليوم الذى تصومون؟ قالوا هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله فيه بنى اسرائيل من عدوهم، قال فصامه موسى، قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أنا أحق بموسى منكم فصامه رسول الله صلي الله عليه وسلم وأمر بصومه. (باب قصته مع الحجر)(عن أبى هريرة)(4) أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال أن بنى اسرائيل كانوا يغتسلون عراة (وفى رواية ينظر بعضهم الى سوأة بعض) وكان نبى الله موسى عليه السلام منه الحياء والستر، وكان يتستر اذا اغتسل فطعنوا فيه بغورة (وفى رواية فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر) قال فبينما نبى الله يغتسل يوما وضع ثيابه على صخرة فانطلقت الصخرة بثيابه، فاتبعها نبى الله ضربا بعصاه وهو يقول ثوبى يا حجر ثوبى يا حجر، حتى انتهى به الى ملأ من بنى اسرائيل وتوسطهم فقامت (أى الصخرة) وأخذ نبى الله ثيابه فنظروا فاذا أحسن الناس خلقا وأعدلهم، صورة، فقالت بنوا اسرائيل قاتل الله أفاكى (5) بنى اسرائيل فكانت براءته التى برأه الله عز وجل بها (6) (وفى رواية) فأخذ ثوبه وطفق بالحجر ضربا: فقال أبو هريرة رضى الله عنه والله أن بالحجر نَدَبَا ستة أو سبعة ضرب موسى بالحجر (ومن طريق ثان)(7) عن عبد الله بن شقيق قال قال لى أبو هريرة رضى الله عنه من أين أقبلت؟ قلت من الشام، قال فقال لى هل رأيت حجر موسى؟ قلت وما حجر موسى؟ قال أن بنى أسرائيل قالوا لموسى قولا تحت ثيابه فى مذاكيره (8) قال فوضع ثيابه على صخرة وهو يغتسل قال فسع ثيابه قال

شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد ولقب (شنوءة) لشنآن كان بينه وبين أهله قال الحافظ (1) بفتح المهملة وسكون الموحدة وهو الشعر المنبسط المسترسل (تخريجه)(ق، وغيرهما)(2)(عن جابر) يعنى ابن عبد الله الخ هذا طرف من حديث ذكر بتمامه وسنده وشرحه وتخرجه فى باب ما جاء فى خلق الملائكة فى هذا الجزء صحيفة 17 رقم 22 (3)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث تقدم لسنده وشرحه وتخريجه فى فضل يوم عاشوراء وتأكد صومه من كتاب الصيام فى الجزء العاشر صحيفة 178 رقم 228 (باب)(4)(سنده) حدثنا حسين بن محمد فى تفسير شيبان عن قتادة قال حدث الحسن عن أبى هريرة الخ (غريبه)(5) جمع أفاك والأفاك كثير الكذب، والمعنى كثرة كذب بنى اسرائيل على موسى عليه السلام (6) يعنى قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا) الآية (7)(سنده) حدثنا عبد الصمد حدثنى أبى ثنا الجريرى عن عبد الله بن شقيق قال أقمت بالمدينة مع أبى هريرة سنة فذكر حديثا تقدم فى باب الترغيب فيما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه من التقليل فى الدنيا الخ من كتاب الفقر فى الجزء التاسع عشر صحيفة 106 رقم 15 وفيه (قال فقال لى يعنى أبا هريرة) من أين أقبلت الخ (8) يريدون

ص: 86

فتبعها في أثرها وهو يقول يا حجر الق ثيابى حتى أتت به على بنى اسرائيل فرأوا مستويا حسن الخلق فلجبه ثلاث لجبات (1) فو الذى نفس أبى هريرة بيده لو كنت نظرت لرأيت لجبات موسى فيه.

بذلك أن به أدرة بضم الهمزة وسكون الدال المهملة الخصية (1) بفتحات، قال فى النهاية وفى قصة موسى عليه السلام والحجر (فلجبه ثلاث لجيات، قال أبو موسى كذا فى مسند أحمد بن حنبل ولا أعرف وجبه إلا أن يكون بالحاء والتاء من اللحت وهو الضرب ولحته بالعصا ضربه (تخريجه)(ق. مذ طل) وابن جرير والبغوى وتقدم نحوه من طريق أخرى عن أبى هريرة أيضا فى باب يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذرا موسى من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثانى عشر صحيفة 248 رقم 397 وفيه شرح ما لهم يشرح هنا (قال النووى) فيه معجزتان ظاهرتان لموسى عليه السلام، مشى الحجر بثوبه وحصول الندب فى الحجر بضربه (باب ذكر ولادة موسى ونسبه ونشأته) قيل هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوى ابن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم عليهم الصلاة والسلام (قال الحافظ بن الأثير) فى تاريخه الكامل ولد لاوى ليعقوب وهو ابن تسع وثمانين سنة، وولد قاهث للاوى وهو ابن ست وأربعين سنة، وولد لقاهث يصهر وله ستون سنة، وكان عمره جميعه مائة وسبعا وأربعين سنة، وولد موسى ولعمران سبعون سنة وكان عمر عمران جميعه مائة وسبعا وثلاثين سنة، وأن موسى يوحانذ واسم امرأته صفورا بنت شعيب النبى وكان فرعون مصر فى زمنه الوليد بن مصعب وكان عمره طويلا وكان من أعتى خلق الله (قلت) وجاء ذكر موسى من أول نشأته الى أن بعثه الله رسولا الى فرعون مع أخيه هارون فى سورة القصص وجاءت قصته وأخيه هارون مع فرعون فى مواضع متعددة من كتاب الله عز وجل قال تعالى (واذكر فى الكتاب موسى انه كان مخلصا وكان رسولا نبيا، وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا، ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) وقال جل شأنه فى سورة القصص (نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون، إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين، ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم فى الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)(قال ابن عباس وغيره) دخل حديث بعضهم فى بعض ان الله تعالى لما قبض يوسف وهلك الملك الذى كان معه وتوارثت الفراعنة ملك مصر ونشر الله نبى اسرائيل لم يزل بنو اسرائيل تحت يد الفراعنة وهم على بقايا من دينهم مما كان يوسف ويعقوب واسحاق وابراهيم شرعوا فيهم من الأسلام حتى كمان فرعون موسى وكان أعتاهم على الله وأعظمهم قولا وأطولهم عمرا واسمه فيما ذكر الوليد بن مصعب وكان سيء الملكة على بنى اسرائيل يعذبهم ويجعلهم خولا ويسومهم سوء العذاب، فلما أراد الله أن يستنقذهم بلغ موسى الأشد وأعطاه الرسالة وكان شأن فرعون قبل ولادة موسى أنه رأى فى منامه كأن ناراً أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت القبط وتركت بنى اسرائيل وأخربت بيوت مصر فدعا السحرة والحزاة (1) والكهنة فسألهم عن رؤياه فقالوا يخرج من هذا البلد يعنون بيت المقدس الذى جاء بنو اسرائيل منه رجل يكون على وجهه أهلاك مصر فأمر أن

_________

(*) قال فى لسان العرب ويقال للذى ينظر فى النجوم حزاه لأنه ينظر فى النجوم وأحكامها بظنه وتقديره فربما أصاباه

ص: 87

.

لا يولد لبنى إسرائيل مولود الا ذبح ويترك الجوارى، وقيل إنه لما تقارب زمان موسى أنى المنجمون فِرعون وحزائه اليه فقالوا اعلم انا نجد فى علمنا أن مولودا من بنى اسرائيل قد اظلك زمانه الذى يولد فيه يسلبك ملكك ويغلبك على سلطانك ويبدل دينك، فأمر بقتل كل مولود يولد فى بنى اسرائيل، وقضى الله الموت فى مشيخة بنى اسرائيل، فدخل رءوس القبط على فرعون وكلموه وقالوا ان هؤلاء القوم قد وقع فيهم الموت فيوشك أن يقع العمل على غلماننا تذبح الصغار وتفنى الكبار، فلو أنك كنت تبقى من أولادهم، فأمر أن يذبحوا سنة ويتركوا سنة، فلما كان فى تلك السنة التى تركوا فيها ولد هارون، وولد موسى فى السنة التى يقتلون فيها وهى السنة المقبلة فلما أتى أمه المخاض حزنت من شأنه فأوحى الله اليها أى ألهمها (أن أرضعيه فاذا خفت عليه فألقيه فى اليم) وهو النيل (ولا تخافى ولا تخزنى انا رادوه اليك وجاعلوه من المرسلين) فلما وضعته أرضعته ثم دعت نجارا فجعل له تابوتا وجعل مفتاح التابوت من داخل وجعلته فيه وألقته فى اليم، فلما توارى عنها أتاها إبليس فقالت فى نفسها ما الذى صنعت بنفسى، لو ذبح عندى فوارته وكفنته كان أحب الى من أن القيه بيدى الى حيتان البحر ودوا به، فلما القته (قالت لأخته) واسمها مريم (قصيه) يعنى قصِّى أثره (فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون) انها اخته فاقبل الموج بالتابوت يرفعه مرة ويخفضه اخرى حتى دخل بين أشجار عند دور فرعون، فخرج جوارى آسية امراة فرعون يغتسلن فوجدن التابوت فأدخلته الى آسية وظنن ان فيه ما لا فلما فتح ونظرت اليه آسية وقعت عليها رحمته واحبته، فلما اخبرت به فرعون وأتته به قالت هو (قرة عين لى ولك لا تقتلوه) فقال فرعون يكون لك وأما انا فلا حاجة لى فيه، قال النبى صلى الله عليه وسلم والذى يحلف به لو اقر فرعون ان يكون له قرة عين كما اقرت لهداه الله كما هداها: وأراد أن يذبحه فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها، وقال انى اخاف أن يكون هذا من بنى اسرائيل وأن يكون هذا الذى على يديه هلاكنا: فذلك قوله عز وجل (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) وأرادوا له المرضعات فلم يأخذ من أحد من النساء، فذلك قوله تعالى (وحَّرمنا عليه المراضع من قبل فقالت) أخته مريم (هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون) فأخذوها وقالوا ما يدريك ما نصحهم له، هل يعرفونه؟ حتى شكوا فى ذلك، فقالت نصحهم له شفقتهم عليه ورغبتهم فى قضاء حاجة الملك ورجاء منفعته، فانطلقت الى أمه فأخبرتها الخبر فجاءت أمه، فلما أعطته ثديها أخذ منها، فكانت تقول هذا ابنى فعصمها الله، وإنما سمى موسى لأنه وجد فى ماء وشجر والماء بالقبطية مو. والشجر. سا. فذاك قوله تعالى (فرددناه الى أمه كى تقر عينها ولا تحزن) وكان غيبته عنها ثلاث أيام، وأخذته معها الى بيتها واتخذه فرعون ولداً فدعى ابن فرعون، فلما تحرك الغلام جملته امه الى آسية فأخذته ترقصه وتلعب به وناولته فرعون، فلما أخذه أليه اخذ الغلام بلحيته فنتفها، قال فرعون علىَّ بالذباحين يذبحونه، هو هذا: قالت آسية (لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً) انما هو صبى لا يعقل، وانما فعل هذا من جهل وقد علمت أنه ليس فى مصر إمرأة أكثر حليا منى: أنا أضع له حليا من ياقوت وجمر فان أخذ الياقوت فهو يعقل فاذبحه، وان أخذ الجمر فإنما هو صبى، فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طعنا من جمر فجاء جبريل فوضع يده فى جمرة فأخذها فطرحها موسى فى فمه فاحرقت لسانه: فهو الذى يقول الله تعالى (واحلل عقدة من لسانى يفقهوا قولى) فدرأت عن موسى

ص: 88

.

عليه السلام القتل وكبر موسى وكان يركب مركب فرعون ويلبس ويدعى موسى بن فرعون وامتنع به بنو اسرائيل ولم يبق قبطى يظلم اسرائيليا خوفا منه، ثم ان فرعون ركب مركبا وليس عنده موسى، فلما جاء موسى قيل له فرعون قد ركب فركب موسى فى أثره فأدركه المقبل بأرض يقال لها منف وهذه منف (بفتح الميم وسكون النون) مصر القديمة التى هى مصر يوسف الصديق، فدخل نصف النهار وقد أغلقت أسواقها على حين غفلة من أهلها (فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته) يقول هذا اسرائيلى قيل إنه السامرى (وهذا من عدوه) يقول من القبط (فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه) فغضب موسى لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بنى اسرائيل وحفظه لهم، وكان قد حماهم من القبط، وكان الناس لا يعلمون أنه منهم، بل كانوا يظنون أن ذلك بسبب الرضاع، فلما اشتد غضبه (وكزه موسى فقضى عليه، قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوَّ مضل مبين، قال رب أنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له انه هو الغفور الرحيم) أوحى الله تعالى الى موسى وعزتى لو أن النفس التى قتلت أفرت لى ساعة واحدة انى خالق رازق لأذقتك العذاب (قال رب بما أنعمت علىِّ فلن أكون ظهير للمجرمين، فأصبح فى المدينة خائفا يترقب) أن يؤخذ (فاذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه) يقول يستعينه (قال له موسى أنك لغوى مبين) ثم أقبل لينصره فلما نظر الى موسى وقد أقبل نحوه ليبطش بالرجل الذى يقال الإسرائيلى خاف أن يقتله من أجل أن موسى أغلظ فى الكلام بقوله إنك لغوى مبين (قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس، إن تريد الا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد ان تكون من المصلحين) فترك القبطى فأفشى عليه أن موسى هو الذى قتل الرجل، فطلبه فرعون وقال خذوه فانه صاحبنا، فجاء رجل فأخبره وقال (ان الملأ يا تمرون بك ليقتلوك فاخرج)(باب خروج موسى من مصر الى مدين) قيل كان حزقيل مؤمن آل فرعون على بقية من دين ابراهيم عليه السلام، وكان أول من آمن بموسى، فلما أخبره خرج من بينهم (خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين) وأخذ فى ثنيات الطريق فجاء ملك على فرس وفى يده عَنَزة وهى الحربة الصغيرة، فلما رآه موسى سجد له من الفَرَق (يعنى الخوف) فقال له لا تسجد لى ولكن اتبعنى فهداه نحو مدين، وقال موسى وهو متوجه اليها (عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل) فانطلق به الملك حتى انتهى به الى ميدن، فكان قد سار وليس معه طعام وكان ياكل ورق الشجر، ولم يكن له قرة على المشى، فما بلغ مدين حتى سقط خف قدميه (باب قصته مع بنتى شعيب عندما ورد ماء مدين)(فلما ورد ماء مدين) قصد الماء (وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان)

أى تحبسان عنها، وهما ابنتا شعيب النبى، وقيل ابنتا يثرون وهو ابن أخى شعيب، فلما رآهما موسى سألهما (ما خطبكما؟ قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاه وأبونا شيخ كبير) فرخمهما موسى فأتى البئر فاقتطع صخرة عليها كان النفر من أهل مدين يجتمعون عليها حتى يرفعوها فسقى لهما غنمهما فرجعنا سريعا وكانتا انما تسقيان من فضول الحياض وقصد موسى شجرة هناك ليستظل بها (فقال رب انى لما أنزلت الى من خير فقير)(قال ابن عباس) لقد قال موسى ذلك ولو شاه انسان ان ينظر الى خضرة أمعائه من شدة الجوع لفعل، وما سأل إلا أكله فلما رجع الجاريتان الى أبيهما سريعا سألهما فأخبرتاه: فأعاد احداهما الى موسى تستدعيه فأتته وقالت

ص: 89

.

(إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) فقام معها فمشت بين يديه فضربت الريح ثوبها فحكى عجيرتها، فقال لها امش خلفى ودلينى على الطريق فانا أهل بيت لا ننظر فى اعقاب النساء (فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين، قالت إحداهما) وهى التى احضرته (يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوى الأمين) قال لها أبوها القوة قدرأيتها فما يدريك بأمانته: فذكرت له ما أمرها به من المشى خلفه فقال له أبوها (انى اريد ان انكحك أحدى انتىَّ هاتين على ان تأجرنى) نفسك (ثمانى حجج فان أتممت عشرا فمن عندك) فقال له موسى (ذلك بينى وبينك ايّما الأجلين قضيت فلا عدوان علىّ والله على ما نقول وكيل) فأقام عنده يومه فلما أمسى أحضر شعيب العشاء فامتنع موسى من الأكل، فقال ولم ذلك؟ قال إنّا من أهل بيت لا نأخذ على اليسير من عمل الآخرة الدنيا بأسرها، فقال شعيب ليس لذلك أطعمتك، انما هذه عادتى وعادة آبائى، فأكل وازدادت رغبة شعيب فى موسى فزوجه انته التى احضرته واسمها صفورا وأمرها ان تأتيه بعصا، فأتته بعصا وكانت تلك العصا قد استودعها اياه ملك فى صورة رجل فدفعتها اليه، فلما رآها أبوها أمرها بردها والإتيان بغيرها، فالقتها وارادت ان تأخذ غيرها فلم تقع بيدها سواها وجعل برددها وكل ذلك لا يخرج فى يدها غيرها فأخذها موسى ليرعى بها فندم أبوها حيث أخذها وخرج اليه ليأخذها منه حيث هى وديعة، فلما رآه موسى يريد أخذها منه مانعه فحكما أول رجل يلقاهما فأتهما ملك فى صورة آدمى فقضى بينهما ان يضعها موسى فى الأرض فمن حملها فهى له فألقاها موسى فلم يطنى أبوها حملها وأخذها موسى بيده فتركها له وكانت من عوسج لها شعبتان وفى رأسها محجن، وقيل كانت من آس الجنة حملها آدم معه، وقيل فى أخذها غير ذلك.

(باب رجوع موسى الى مصر مع زوجته)

وأقام موسى عند شعيب يرعى له غنمه عشر سنين وسار باهله فى زمن شتاء وبرد فلما كانت الليلة التى أراد الله عز وجل لموسى كرامته وابتداءه فيها بنبوته وكلامه أخطأ فيها الطريق حتى لا يدرى أين يتوجه وكانت امرأته حاملا فأخذها الطلق فى ليلة شاتية ذات مطر ورعد وبرق فأخرج زنده ليقدح ناراً لأهله ليصطلوا وييتِوا حتى يصبح ويعلم وجه طريقه فأصاد زنده فقدح حى أعيا، فرفعت له نار فلما رآها ظن أنها نار وكانت من نور الله (فقال لأهله امكثوا انى آنست نارا سآتيكم منها بخبر) فان لم أجد خبرا (آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون) فحين قصدها رآها نورا ممتدا من السماء الى شجرة عظيمة من العوسج وقيل من العناب، فتحير موسى وخاف حين رأى نارا عظيمة بغير دخان وهى تلتهب فى شجرة خضراء لا تزداد النار إلا عظما ولا تزداد الشجرة إلا خضرة، فلما دنا منها استأخرت عنه ففزع ورجع (فنودى) منها فلما سمع الصوت استأنس فعاد (فلما أتاها نودى من شاطئ الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة) أن بورك من فى النار ومن حولها (ان يا موسى انى انا الله رب العالمين)(باب أول نبوة موسى عليه السلام ومناجاته ربه بجبل الطور) فلما سمع النداء ورأى تلك الهيبة علم انه ربه تعالى، فخفق قلبه وكل لسانه وضعفت قوته وصار حيا كميت إلا آن الروح تردد فيه، فأرسل الله اليه ملكا يشد قلبه فلما ثاب الى عقله نودى (اخلع نعليك انك بالواد المقدس طوى) وانما أمر بخلع نعليه لأنهما كانتا من جلد حمار ميت وقيل لينال قدمه الأرض المباركة، ثم قبل له تسكينا لقلبه (وما تلك بيمينك يا موسى؟ قال هى عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى) يقول أضرب الشجر فيسقط ورقه للغنم (ولى فيها مآرب أخرى) احمل عليها المزود والبقاء، وكانت تضئ لموسى في

ص: 90

..

الليلة المظلمة، وكانت اذا أعوزه الماء دلاها فى البئر ويصير فى رأسها شبه الدلو، وكان اذا اشتهى فاكهة غرسها فى الأرض فنبتت لها أغصان تحمل الفاكهة لوقتها قال له (ألقها يا موسى فألقاها فاذا هى حية تسعى) عظيمة لجثة فى خفة حركة الجان (فلما رآها) موسى (ولىّ مدبرا ولم يعقب) فنودى (يا موسى لا تخف انى لا يخاف لدى المرسلون)(اقبل ولا تخف)(سنعيدها سيرتها الأولى) عصا وانما أمره الله بالقاء العصا حتى اذا القاها عند فرعون لا يخاف منها فلما اقبل (قال خذها ولا تخف) وأدخل يدك فى فميها وكان على موسى جبة صوف فلف يده بكمه وهُوَلها هائب، فنودى التى كمك عن يدك فألقاه وأدخل يده بين لحييها فلما ادخل يده عادت عصا كما كانت لا ينكر منها شيئا، ثم قال له (أدخل يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء) يعنى برصا فأدخلها وأخرجها بيضاء من غير سوء مثل الثلج لها نور، ثم ردها فعادت كما كانت فقيل له (فذانك برهانان من ربك الى فرعون وملئه انهم كانوا قوما فاسقين) قال (رب انى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون: وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى رداءا يصدقنى) أى يبين لهم عنى ما أكلهم به فانه يفهم عنى ما لا يفهمون (قال سنشد عضدك بأخيك وتجعل لكما سلطانا فلا يصلون اليكما بآياتنا انتما ومن اتبعكما الغالبون)(باب دخول موسى مصر واجتماعه بأمه وأخيه هارون واصطحاب هارون معه لتبليغ الرسالة الى فرعون) أقبل موسى الى أهله فسار بهم نحو مصر حتى أتاها فتضيف علىِ أمه وهو لا يعرفهم ولا يعرفونه، فجاء هارون فسألها عنه فاخبرته انه ضيف فدعاه فأكل معه وسأله هارون من أنت قال أنا موسى فاعتنقاه (وقيل) إن الله تعالى ترك موسى سبعة أيام ثم قال اجب ربك فيما كلمك فقال (رب اشرح صدرى) الآيات فامره بالمسير الى فرعون ولم يزل أهله مكانهم لا يدرون ما فعل حتى مر راع من أهل مدين فعرفهم فاحتملهم الى مدين فكانوا عند شعيب حتى بلغهم خبر موسى بعد فلق البحر فساروا اليه، وأما موسى فانه سار الى مصر واوحى الله الى هارون يعلمه بقفول موسى ويأمره بتلقيه فخرج من مصر فالتقى به، قال موسى يا هارون ان الله تعالى قد أرسلنا الى فرعون فانطلق معى اليه، قال سمعا وطاعة، فلما جاء الى بيت هارون وأظهر انهما ينطلقان الى فرعون سمعت ذلك ابنة هارون وصاحت أمهما فقالت انشدكما الله ان لا تذهبا الى فرعون فيقتلكما جميعا فأييا، فانطلقا اليه ليلا فضربا بابه فقال فرعون لبوابه من هذا الذى يضرب بابى هذه الساعة؟ فأشرف عليهما البواب فكلمهما، فقال له موسى انا رسول رب العالمين فاخبر فرعون فادخل اليه، وقيل ان موسى وهارون مكثا سنتين يغدوان الى باب فرعون ويروحان يلتمسان الدخول اليه فلم يجر أحد يخبره بشأنهما حتى أخبره مسخرة كان يضحكه بقوله، فأمر حينئذ فرعون بادخالهما، فلما دخلا قال له موسى انى رسول من رب العالمين، فعرفه فرعون فقال له (ألم تُرَ بِّك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين، وفعلت فعلتك التى فعلت وانت من الكافرين، قال فعلتها اذا وانا من الضالين، ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما) يعنى نبوة (وجعلنى من المرسلين) فقال له فرعون (ان كنت جئت بآية فأتت بها أن كنت من الصادقين فألقى عصاه فاذا هى ثعبان مبين) قد فتح فاء فوضع اللحى الأسفل فى الأرض والأعلى على القصر وتوجه نحو فرعون لياخذه فخافه فرعون ووثب فزعا فأحدث فى ثيابه، ثم بقى بضعا وعشرين يوما يجئ بطنه حتى كاد يهلك، وناشده فرعون بربه تعالى ان يرد الثعبان فأخذه موسى فعاد عصا، ثم أدخل يده فى جيبه وأخرجها بيضاء كالثلج لها نور يتلألأ، ثم ردها فعادت الى ما كانت عليه من لونها، ثم أخرجها

ص: 91

.

الثانية لها نور ساطع فى السماء تكل منه الأبصار قد أضاءت ما حولها يدخل نورها البيوت ويرى من الكوى ومن وراء الحجب، فلم يستطع فرعون النظر إليها، ثم ردها موسى فى جيبه وأخرجها فاذا هى على لونها، وأوحى الله تعالى إلى موسى وهارون أن (قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) فقال له موسى هل لك فى أن أعطيك شبابك فلا تهرم، وملكك فلا ينزع، وارد اليك لذة المناكح والمشارب والركوب، فاذا مت دخلت الجنة وتؤمن بى؟ فقال لا حتى يأتى هامان، فلما حضر هامان عرض عليه قول موسى فعجزه وقال له تصير تَعبد بعد ان كنت تُعبد، ثم قال له أنا أرد عليك شبابك، فعمل له الوسمة فخضبه بها فهو أول من خضب بالسواد، فلما رآه موسى ماله ذلك فأوحى الله لايهولنك ما ترى فلن يلبث إلا قليلا، فلما سمع فرعون ذلك خرج الى قومه فقال ان هذا لساحر عليم وأراد قتله، فقال مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل (اتقتلون رجلا ان يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم الآية)(باب اجتماع الملاه من قوم فرعون وارجائهم قتل موسى واستحضار السحرة من جميع البلاد) فقال تعالى (قالوا أرجه وأخاه وابعث فى المدانى حاشرين يأتوك بكل سحار عليم) ففعل وجمع السحرة فكانوا سبعين ساحرا، وقيل اثنين وسبعين وقيل خمسة عشر الفا، وقيل ثلاثين الفا، فوعدهم فرعون واتعدوا يوم عيد كان لفرعون، فصفهم فرعون وجمع الناس وجاء موسى ومعه أخاه هارون وبيده عصاه حتى أتى الجمع وفرعون فى مجلسه مع أشراف قومه، فقال موسى للسحرة حين جاءهم (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب) فقال السحرة بعضهم لبعض ما هذا بقول ساحر: ثم قالوا لتأتينك بسحر لم تر مثله (وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون) فقال له السحرة (يا موسى اما ان تلقى واما ان نكون نحن الملقين) قال بل القوا (قالقوا حبالهم وعصيهم) فاذا هى فى رأى العين حيات أمثال الجبال قد ملأت الوادى يركب بعضها بعضا، فأوجس موسى خوفا فأوحى الله اليه ان (الق ما فى يمينك تلقف ما صنعوا) فألقى عصاه من يده فصارت ثعبانا عظيما فاستعرضت ما القوا من حبالهم وعصيهم وهى كالحيات فى أعين الناس فجعلت تلقفها وتبتلعها حتى لم تبق منها شيئا، ثم أخذ موسى عصاه فاذا هى فى يده كما كانت، وكان رئيس السحرة أعمى فقال له أصحابه ان عصا موسى صارت ثعبانا عظيما وتلقف حبالنا وعصينا، فقال لهم ولم يبق لها أثر ولا عادت الى حالها الأول؟ فقالوا لا، فقال هذا ليس بسحر فخر ساجدا وتبعه السحرة أجمعون (وقالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون، قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم) وفى آية أخرى (انه لكبيركم الذى علمكم السحر، فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولاصلبنكم فى جذوع النخل) فقطعهم وقتلهم وهم يقولون (ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين) فكانوا أول النهار كفارا وآخر النهار شهداء (باب قتل مؤمن آل فرعون وماشطة بنت فرعون) وكان حزقيل مؤمن آل فرعون يكتم ايمانه، قيل كان من بنى اسرائيل، وقيل كان من القبط وقيل هو النجار الذى صنع التابوت الذى جعل فيه موسى والقى فى النيل، فلما رأى غلبة موسى السحرة أظهر إيمانه، وقيل أظهر إيمانه قبل ذلك وكان فرعون أراد قتل موسى فقال (أتقتلون رجلا ان يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) فلما أظهر إيمانه قتل وصلب مع السحرة، وكان له امرأة مؤمنة تكتم إيمانها ايضا وكانت ماشطة ابنة فرعون فبينما هى تمشطها اذ وقع المشط من يدها فقالت باسم الله فقالت ابنة فرعون أبى، قالت لا بل ربى وربك ورب أبيك، فأخبرت أباها بذلك فدعا بها وبولدها وقال لها من ربك؟ قالت ربى وربك الله فامر بتنور من نحاس فأحمى ليعذبها وأولادها، فقالت له لي إليك حاجة

ص: 92

..

قال وما هي؟ قالت تجمع عظامى وعظام ولدى فندفنها، قال ذلك لك، فامر بأولادها فألقوا فى التنور واحدا واحدا وكان آخر أولادها صبيا صغيرا فقال اصبرى يا أماه فانك على الحق فالقيت فى التنور مع ولدها (باب قتل فرعون آسية وتعذيبها لأنها لم تكفر بإلاه موسى) وكانت آسية امرأة فرعون من بنى اسرائيل، وقيل كانت من غيرهم وكانت مؤمنة تكتم إيمانها، فلما قتلت الماشطة رأت آسية الملائكة تعرج بروحها، كشف الله عن بصيرتها وكانت تنظر اليها وهى تعذب، فلما رأت الملائكة قوى ايمانها وازدادت يقينا وتصديقا لموسى، فبينما هى كذلك اذ دخل عليها فرعون فأخبرها خبر الماشطة، قالت له آسية الويل لك ما اجرأك على الله، فقال لها لعلك اعتراك الجنون الذى اعترى الماشطة؟ فقالت ما بى جنون ولكنى آمنت بالله تعالى ربى وربك ورب العالمين، فدعا فرعون أمها وقال لها ان ابنتك قد أصابها ما أصاب الماشطة فأقسم لتذوقن الموت أو لتكفرن بإلاه موسى، فخلت بها أمها وأرادتها على موافقة فرعون فأبت وقالت أما ان اكفر بالله فلا والله، فأمر فرعون حتى مدت بين يديه أربعة أوتاد وعذبت حتى ماتت فلما عاينت الموت قالت (رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة ونجنى من فرعون وعمله ونجنى من القوم الظالمين) فكشف الله عن بصيرتها فرأت الملائكة وما أعد لها من الكرامات فضحكت فقال فرعون انظروا الى الجنون الذى بها تضحك وهى فى العذاب ثم ماتت، (باب عجز فرعون وعناده وقوله لهامان اجعل لى صرحا لعلى أطلع الى إلاه موسى) لمّا رأى فرعون قومه قد دخلهم الرعب من موسى خاف أن يؤمنوا به ويتركوا عبادته فاحتال لنفسه وقال (أوقد لى يا هامان على الطين فاجعل له صرحا لعلى أطلع الى إلاه موسى وانى لاظنة من الكاذبين) فامر هامان بعمل الآجٌر وهو أول من عمله وجمع الصناع وعمله فى سبع سنين وارتفع البنيان ارتفاعا لم يبلغه بنيان آخر، فشق ذلك على موسى واستعظمه، فأوحى الله اليه ان دعه وما يريد فانى مستدرجه ومبطل ما عمله فى ساعة واحدة، فلما تم بناؤه امر الله جبريل فخر به وأهلك كل من عمل فيه من صانع ومستعمل، فلما رأى فرعون ذلك من صنع الله امر اصحابه بالشدة على بنى اسرائيل وعلى موسى ففعلوا ذلك وصاروا يكلفون بنى اسرائيل من العمل ما لا يطيقونه وكان الرجال والنساء فى شدة، وكانوا قبل ذلك يطمعون بنى اسرائيل اذا استعملوهم فصاروا لا يطعمونهم شيئا فيعودون باسوء حال لأنهم لا يجدون ما يقوتهم، فشكوا ذلك الى موسى فقال لهم استعينوا بالله واصبروا ان العاقبة للمتقين وان الله يستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون، فلما أبى فرعون وقومه الا الثبات على الكفر تابع الله عليه الآيات، فأرسل علهم الطوفان وهو المطر المتتابع فغرق كل شئ لهم، فقالوا يا موسى ادع ربك يكشف عنا هذا ونحن نؤمن بك ونرسل معك بنى اسرائيل، فكشف الله عنهم ونبتت زروعهم فاستمروا على كفرهم وعنادهم، فبعث الله عليهم الجراد فأكل زروعهم فسألوا موسى أن يكشف ما بهم ويؤمنون به فدعا الله فكشفه فلم يؤمنوا وقالوا قد بقى من زروعنا بقية، فأرسل الله عليهم الدَّبَا وهو القمل فأهلك الزروع والنبات أجمع وكان يهلك اطعمتهم ولم يقدروا ان يجترزوا منه، فسألوا موسى ان يكشفه عنهم ففعل فلم يؤمنوا، فارسل الله عليهم الضفادع وكانت تسقط فى قدورهم وأطعمتهم وملأت البيوت عليهم فسألوا موسى أن يكشفه عنهم ليؤمنوا به ففعل فلم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه الفرعونيين دماءا وكان الفرعونى والاسرئيلى يستقيان من ماء واحد فيأخذ الاسرائيلى ماءا ويأخذ الفرعونى دما، وكان الاسرائيلى يأخذ الماء فى فمه فيمجه فى فم الفرعونى فيصير دما، فبقى ذلك سبعة أيام فسألوا موسى ان يكشفه عنهم ليؤمنوا ففعل فلم يؤمنوا،

ص: 93

(باب ذكر هلاك فرعون وجنوده ودس جبريل عليه السلام الطين في فيه)(عن ابن عباس)(1) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لما قال فرعون آمنت أنه لا اله الا الذى آمنت به بنوا اسرائيل، قال قال لى جبريل يا محمد لو رأيتنى وقد أخذت حالا من حال البحر فدسيته فى فيه مخافة أن تناله الرحمة (ومن طريق ثان) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عدى بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضى الله عنهما قال رفعه أحدهما إلى النبي

فلما يئس من ايمانهم ومن ايمان فرعون دعا موسى وأمَّن هارون فقال (ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا فى الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك، ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) فاستجاب الله لهما فمسخ الله أموالهم ما عدا خليهم وجواهرهم وزينتهم حجارة والنخل والأطعمة والدقيق وغير ذلك فكانت إحدى الآيات التى جاء بها موسى، (باب خروج موسى مع بنى اسرائيل من مصر الى بيت المقدس وعبورهم البحر وغرق فرعون وقومه) لما طال الأمر على موسى أوحى الله اليه يامره بالمسير ببنى اسرائيل وان يحمل معه تابوت يوسف بن يعقوب ويدفنه بالأرض المقدسة، فسأل موسى عنه فلم يعرفه الا امرأة عجوز فأرته مكانه فى النيل فاستخرجه موسى وهو فى صندوق مرمر، فأخذه معه فسار وأمر بنى اسرائيل ان يستعيروا من حلى القبط ما أمكنهم ففعلوا ذلك وأخذوا شيئا، كثيرا وخرج موسى ببنى اسرائيل ليلا والقبط لا يعلمون، وكان موسى على ساقة بنى اسرائيل وهارون على مقدمتهم، وكان بنوا اسرائيل لما ساروا من مصر ستمائة الف وعشرين الفا، وتبعهم فرعون وعلى مقدمته هامان (فلما تراء الجمعان قال أصحاب موسى انا لمدركون)(يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا) أما الأول فكانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا، وأما الآن فيدركنا فرعون فيقتلنا: قال موسى (كلا ان معى ربى سيهدين) وبلغ بنو اسرائيل الى البحر وبقى بين أيديهم وفرعون من ورائهم فأيقنوا بالهلاك، فتقدم موسى فضرب البحر بعصاه (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) وصار فيه اثنا عشر طريقا لكل سبط طريق، فقال كل سبط قد هلك أصحابنا فأمر الله الماء فصار كالشباك فكان كل سبط يرى من عن يمينه وعن شماله حتى خرجوا، ودنا فرعون وأصحابه من البحر فرأى الماء على هيئته والطريق فيه فقال لأصحابه ألا ترون البحر قد فَرَقَ منى (أى خاف) وانفتح لى حتى أدرك أعدائى، فلما وقف فرعون على أفواه الطرق لم تقتحمه خيله فنزل جبريل على فرس انثى وديف (1) فشمت اُلحُصن ريحها فاقتحمت فى أثرها حتى إذا هم أو لهم أن يخرج ودخل آخرهم أمر البحر أن يأخذهم، فمالتطم عليهم فأغرقهم وبنو اسرائيل ينظرون اليهم، حينئذ، قال فرعون أمنت انه لا إله إلا الذى آمنت به بنو اسرائيل فلم ينفعه ذلك (باب)(1)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث بطريقيه تقدم فى باب قال آمنت انه لا إله الا الذى آمنت به بنو اسرائيل من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى آخر سورة يونس فى الجزء الثامن عشر صحيفة 177 رقم 307 وتقدم الكلام عليه سندا وشرحا وتخريجا، وقد أشار الحافظ ابن الاثير فى تاريخه الكامل الى هذا الحديث فى قصة موسى وفرعون فقال وانفرد جبريل بفرعون يأخذ من حمأة البحر

_________

(*) يقال لذوات الحافر اذا أرادت الفحل ودوف ووديف كذا فى الصحاح للجوهري

ص: 94

صلى الله عليه وسلم قال إن جبريل كان يدس في فم فرعون الطين مخافة أن يقول لا إله إلا الله

(باب قصة موسى عليه السلام مع بنى اسرائيل إذ قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)

(عن أبى واقد الليثى)(1) رضى الله عنه أنهم خرجوا عن مكة مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى حنين قال وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، قال فمررنا بسدرة خضراء عظيمة، قال فقلنا يا رسول أجعل لنا ذات أنواط، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم قلتم والذى نفسى بيده كما قال قوم موسى أجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون) انها لسنن، لتركبن سنن من قبلكم سنة سنة (باب قصة عبادتهم العجل فى غيبة كليم الله عنهم والقائه ألواح التوراة عندما عاين ذلك فانكسرت)(عن ابن عباس)(2) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ليس الخير كالمعاينة إن الله عز وجل أخبر موسى بما صنع قومه فى العجل فلم يلق الألواح، فلما عاين ما صنعوا

(أي طينه) فيجعلها فيه وقال حين أدركه الغرق آمنت انه لا الاه الا الذى آمنت به بنو إسرائيل وغرق فبعث الله اليه ميكائيل يعيره فقال له (آلان وقد عصيت قبلُ وكنت من المفسدين) وقال جبريل للنبى صلى الله عليه وسلم لو رأيتنى وأنا أدس من حمأة البحر فى فم فرعون بخافة أن يقول كلمة يرحمه الله بها: فلما نجا بنو اسرائيل قالوا ان فرعون لم يغرق، فدعا موسى فأخرج الله فرعون غريقا فأخذه بنو اسرائيل يتمثلون به (باب)(1)(عن أبى واقد الليثى الخ) هذا الحديث تقدم فى باب قوله صلى الله عليه وسلم لتتبعن سنن الذين من قبلكم من كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة فى الجزء الأول صحيفة 198 رقم 27 وهو حديث صحيح رواه النسائى والترمذى وقال حديث حسن صحيح، قال تعالى (وجاوزنا ببنى اسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا يا موسى اجعل لنا الاها كما لهم آلهة قال انكم قوم تجهلون ان هؤلاء متبر (أى هالك) ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون) قال ذلك بنو اسرائيل بعد ان انفلق البحر وأغرق الله فرعون وقومه على مرءاً منهم ونجاهم جميعا وشاهدوا المعجزات الباهرات الدالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته، ثم بعد ذلك يقولون اجعل لنا إلاها، ولذلك قال لهم نبيهم (انكم قوم تجهلون) وأى جهل أفظع من هذا؟ فرجعوا عن ذلك، ثم بعث موسى جندين عظيمين كل جند اثنا عشر الفا الى مدائن فرعون وهى يومئذ خالية من أهلها قد أهلك الله عظماءهم ورؤساءهم، ولم يبق غير النساء والصبيان والزمنى والمرضى والمشايخ والعاجزين، فدخلوا البلاد وغنموا الأموال وحملوا ما أطاقوا وباعوا ما عجزوا عن حمله على غيرهم، وكان على الجندين يوشع بن نون وكالب بن يوفنا وكان موسى قد وعده الله وهو بمصر أنه إذا خرج مع بنى اسرائيل منها وأهلك الله عدوهم أن يأتيهم بكتاب فيه ما يأتون وما يذرون (باب)(1)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وتخريجه فى خاتمة فى احاديث جرت مجرى الأمثال فى آخر قسم الترغيب فى الجزء التاسع عشر صحيفة 207 رقم 205 وهو حديث صحيح أخرجه (ك حب طس بن) وصححه ابن حبان والحاكم وأقره الذهبى، وقال الهيثمى رجاله رجال الصحيح، وسببه أن موسى عليه السلام كان أخبر قومه وهو بمصر ان الله وعده اذا خرج مع بنى اسرائيل من مصر وأهلك الله عدوهم أن يأتيهم بكتاب فيه ما يأتون وما يذرون كما تقدم فى الباب السابق فلما أهلك الله فرعون وأنجى بنى اسرائيل قالوا يا موسى أئتنا بالكتاب الذي وعدتنا

ص: 95

.

فسأل موسى ربه ذلك فامره أن يصوم ثلاثين يوما ويتطهر ويطهر ثيابه ويأتى الى الجبل جبل طور سيناء ليكلمه ويعطيه الكتاب، فصام ثلاثين يوما أولها ذى القعدة وسار الى الجبل واستخلف أخاه هارون على بنى اسرائيل، فلما قصد الجبل انكر ريح فمه فتسوك يعود خرنوب وقيل تسوك بلحاء شجرة، فأوحى الله اليه أما علمت ان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؟ وأمره أن يصوم عشرة أيام أخرى فصامها وهى عشر ذى الحجة (فتم ميقات ربه أربعين ليلة) ففى تلك الليالى العشر افتتن بنوا اسرائيل لأن الثلاثين انقضت ولم يرجع اليهم موسى، وكان السامرى من أهل باجرمَى (1) وقيل من بنى اسرائيل، فقال هارون يا بنى اسرائيل ان الغنائم لا تحل لكن والحى الذى استعرتموه من القبط غنيمة فاحفروا حفرة والقوه فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه ففعلوا ذلك، وجاء السامرى بقبضة من التراب الذى أخذه من أثر حافر فرس جبريل فألقاه فيه فصار الحلى عجلا جسدا له خوار (2) وقيل ان الحلى القى فى النار فذاب فألقى السامرى ذلك التراب فصار الحلى عجلا جسدا له خوار، وقيل كان يخور ويمشى، وقيل ما خار إلا مرة واحدة ولم يعد، وقيل ان السامرى صاغ العجل من ذلك الحلى فى ثلاثة أيام ثم قذف فيه التراب فقام له خوار، فلما رأوه قال لهم السامرى هذا الاهكم والاه موسى فنسيه موسى وتركه ها هنا وذهب يطلبه، فعكفوا عليه يعبدونه فقال لهم هارون (ياقوم انما فتنتم به وان ربكم الرحمن فاتبعونى واطيعوا أمرى) فأطاعه بعضهم وعصاه بعضهم، فأقام بمن معه ولم يقاتلهم، ولما ناجى الله تعالى موسى قال له (ما أعجلك عن قومك يا موسى؟ قال هم أولاء على أثرى وعجلت اليك رب لترضى، قال فانا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى) فقال موسى يارب هذا السامرى قد أمرهم أن يتخذوا العجل من نفخ فيه الروح؟ قال انا، قال فأنت اذا أضللتهم، ثم ان موسى لما كلمه الله تعالى أحب ان ينظر اليه (قال رب أرنى انظر اليك، قال لن ترانى ولكن انظر الى الجبل، فان استقر مكانه فسوف ترانى) فتجلى الله تعالى للجبل (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخرّ موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت أليك وأنا أول المؤمنين) وأعطاه الألواح فيها الحلال والحرام والمواعظ، وعاد موسى ولا يقدر أحد ان ينظر اليه وكان يجعل عليه حريره نحو أربعين يوما ثم يكشفها لما تغشاه من النور، فلما وصل إلى قومه ورأى عبادتهم العجل القى الألواح وأخذ برأس أخيه ولحيته بجره اليه (قال يا ابن أمَّ لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى انى خشيت ان تقول فرّقت بين بنى اسرائيل ولم ترقب قولى) فترك هارون وأقبل على السامرى وقال (ما خطبك يا سامرى؟ قال. بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أقر الرسول فنبذتها، وكذلك سولت لى نفسى، قال فاذهب فان لك فى الحياة ان تقول لا مساس) ثم أخذ العجل برده بالمبارد وأحرقه وأمر السامرى فبال عليه وذراه فى البحر، فلما القى موسى الألواح ذهب ستة أسبعها وبقى سبع وطلب بنو اسرائيل التوبة فأبى الله ان يقبل توبتهم (يعنى الا بالقتل) وقال لهم موسى (يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) فاقتتل الذين عبدوه والذين لم يعبدوه فكان من قتل من الفريقين شهيدا فقتل منهم سبعون الفا، وقام موسى وهارون يدعوان الله، فعفا عنهم وأمرهم

_________

(1)

بفتح الجيم وسكون الراء وميم والف مقصورة قرية من أعمال البليخ قرب الرقة من أرض الجزيرة كذا فى مراصد الاطلاع والبليخ بفتح الموحدة نهر يصب فى الفرات تجاه أرض صفين الواقعة الشهيرة ضمن متصرفية دير الزور

(2)

وقيل انه إستحال عجلا جسدا أى لحما ودما يخور كما تخور البقرة أى له صوت كصوت البقر والله أعلم

ص: 96

ألقى الألواح فانكسرت (باب ما جاء فى جبن بنى اسرائيل وخوفهم من قتال الجبارين)(عن أنس)(1) قال لما سار رسول الله صلي الله عليه وسلم الى بدر خرج فاستشار الناس فأشار عليه أبو بكر رضى الله عنه، ثم استشارهم فأشار عليه عمر رضى الله عنه فسكت، فقال رجل من الأنصار إنما يريدكم (2) فقالوا يا رسول الله والله لا نكون كما قالت بنوا اسرائيل لموسى عليه السلام (اذهب أنت وربك فقاتلا أنا ههنا قاعدون) ولكن والله لو ضربت أكباد الابل حتى تبلغ بَرك الغِماد (3) لكنا معك

بالكف عن القتال وتاب عليهم، وأراد موسى قتل السامرى فأمره الله بتركه، ثم ان موسى اختار من قومه سبعين رجلا من أخبارهم وقال لهم انطلقوا معى الى الله فتوبوا مما صنعتم وصوموا وتطهروا، وخرج بهم الى طور سيناء للميقات الذى وقته الله له، فقالوا اطلب ان نسمع كلام ربنا فقال أفعل، فلما دنا موسى من الجبل وقع عليه الغمام حتى تغشى الجبل كله ودخل فيه موسى وقال للقوم ادنوا فدنوا حتى دخلوا فى الغمام فوقعوا سجدا فسمعوه وهو يكلم موسى يأمره وينهاه فلما فرغ انكشف عن موسى الغمام فأقبل اليهم فقالوا لموسى (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة) فماتوا جميعاً فقام موسى يناشد الله ويدعوه ويقول يارب اخترت أخيار بنى اسرائيل وأعود اليهم وليسوا معى فلا يصدقونى، ولم يزل يتضرع حتى رد الله اليهم أرواحهم فعاشوا رجلا رجلا ينظر بعضهم الى بعض كيف يحيون، فقالوا يا موسى أنت تدعو الله فلا تسأله شيئاً إلا أعطاك فادعه يجعلنا أنبياء فدعا الله فجعلهم أنبياء. وقيل أمرُ السبعين كان قبل أن يتوب الله على بنى اسرائيل، فلما مضوا للميقات واعتذروا قبل توبتهم وأمرهم أن يقتل بعضهم بعضا والله أعلم، ولما رجع موسى الى بنى اسرائيل ومعه التوراة أبوا أن يقبلوها ويعملوا بما فيها للأثقال والشدة التى جاء بها، وأمر الله جبريل فقطع جبلا من فلسطين على قدر عسكرهم وكان فرسخا فى فرسخ ورفعه فوق رءوسهم مقدار قامة الرجل مثل الظلة، وبعث نارا من قبل وجوههم وأتاهم البحر من خلفهم، فقال لهم موسى خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا، فان قبلتموه وفعلتم ما أمرتم به والا رضختكم بهذا الجبل وغرقتكم فى هذا البحر وأحرقتكم بهذه النار، فلما رأوا أن لا مهرب لهم قبلوا ذلك وسجدوا على شق وجوعهم وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود فصارت سنة فى اليهود يسجدون على جانب وجوههم وقالوا سمعنا وأطعنا. ولما رجع موسى من المناجاة بقي أربعين يوما لا يراه أحداً إلا مات من شدة النور، وقيل ما رآه الإعمى فجعل على وجهه ورأسه برنسا (باب)(1)(سنده) حدثنا ابن أبى عدى عن حميد عن أنس (يعنى ابن مالك) الخ (غريبه)(2) يعنى انما يريد الآنصار فقال جماعة من الأنصار والله لا نكون كما قالت بنو اسرائيل الخ (3) قال فى النهاية بفتح الباء وتكسر وتضم الغين وتكسر وهو اسم موضع باليمن، وقيل هو موضع وراء مكة بخمس ليال ومعناه لو دعوتنا إلى الجهاد معك فى سفر طويل جدا تضرب فيه اكباد الأبل من طوله وبعده لكنا معك وسيأتى سبب قول بنى اسرائيل لموسى ذلك وقصتهم معه (تخريجه)(نس حب) وابن مردريه وروى نحوه البخارى والامام احمد من حديث ابن مسعود وسند حديث الباب جيد، أما سبب قول بنى اسرائيل لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاههنا قاعدون) أنه لما رجع موسى عليه السلام من المناجاة كما تقدم آنفا أمره الله تعالى أن يسير ببنى اسرائيل الى اريحيا بلد الجبارين وهي أرض بيت

ص: 97

.

فساروا حتى كانوا قريبا منهم فبعث موسى اثنى عشر نقيبا من سائر أسباط بنى اسرائيل فساروا ليأتوا بخير الجبارين فلقيهم رجل من الجبارين يقال له عوج بن عنان (1) فاخذ الاثنى عشر فحملهم وأنطلق بهم الى امرأته فقال انظرى إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا، وأراد أن يطأهم برجله فمنعته امرأته وقالت أطلقهم ليرجعوا ويخبروا اقومهم بما رأوا، ففعل ذلك، فلما خرجوا قال بعضهم لبعض انكم ان أخبرتم بنى اسرائيل بخبر هؤلاء لا يقدموا عليهم فاكتموا الأمر عنهم وتعاهدوا على ذلك ورجعوا، فنكث عشرة منهم العهد واخبروا بما رأوا، وكتم رجلان منهم وهما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا ختن موسى ولم يخبروا الا موسى وهارون. فلما سمع بنو اسرائيل الخبر عن الجبارين امتنعوا عن السير اليهم، فقال لهم موسى (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين، قالوا يا موسى ان فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فان يخرجوا منها فانا داخلون، قال رجلان) وهما يوشع بن نون وكالب (من الذين يخافون أنعم الله عليهماٌ ادخلوا عليهم الباب، فاذا دخلتموه فانكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين: قالوا يا موسى إنا لن ندخلها ابدا ما داموا فيها، فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون) فدعا عليهم موسى فقال (ربى إنى لا املك الا نفسى واخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) قال ابن عباس اقض بينى وبينهم (قال فانها محرمة عليهم اربعين سنة يتيهون فى الارض فلا تأس على القوم الفاسقين) عوقبوا على نكولهم بالتيهان فى الأرض يسيرون على غير مقصد ليلا ونهاراً وصباحاً ومساءاً (يقال إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله بل ماتوا كلهم فى مدة أربعين سنة حتى هارون وموسى عليهما السلام، ولم يبق إلا ذراريهم سوى يوشع وكالب) فتقدوا الى موسى حينئذ فقالوا له كيف لنا بالطعام؟ فأنزل الله المن والسلوى، فاما المن فقيل هو كالصمغ وطعمه كالشهد يقع على الأشجار، وقيل النرجين وقيل هو الخبز الموفق، وقيل هو عسل كان ينزل لكل انسان صاع (وأما السلوى) فهو طائر يشبه السمانى، فقالوا أين الشراب؟ فامر موسى فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم) أى لكل سبط عين، فقالوا أين الظل؟ فظلل عليهم الغمام فقالوا أين اللباس؟

_________

(1)

ويقال فيه أيضا ابن عنق (قال الحافظ ابن كثير) فى تفسيره وقد ذكر كثير من المفسرين ها هنا أخبارا من وضع بنى اسرائيل فى عظمة خلق هؤلاء الجبارين وأن منهم عوج بن عنق بنت آدم عليه السلام وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع تحرير الحساب، وهذا شئ يستحى من ذكره ثم هو مخالف لما ثبت فى الصحيحين (قلت وللامام احمد أيضا) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا ثم لم يزل ينقص حتى الآن. ثم ذكروا أن هذا الرجل كان كافرا وأنه كان ولد زنية وأنه امتنع من ركوب سفينة نوح وأن الطوفان لم يصل الى ركبته وهذا كذب وافتراء، فان الله تعالى ذكر أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال (رب لا تنذر على الأرض من الكافرين ديارا) وقال تعالى (فأنجيناه ومن معه فى الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين) وقال تعالى (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) واذا كان ابن نوح الكافر غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر وولد زنية؟ هذا لا يسوغ فى عقل ولا شرع ثم فى وجود رجل يقال له عوج بن عنق نظر والله أعلم.

ص: 98

(باب قصته مع الخضر عليه السلام (حدثنا الوليد بن مسلم)(1) ومحمد أبن مصعب القُرنُسائى قال الوليد حدثنى الأوزاعى وقال محمد ثنا الأوزاعى أن الزهرى حدثه عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه ثمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزارى فى صاحب موسى عليه السلام الذى سأل السبيل الى لقيه، فقال ابن عباس هو خضر إذ مر بهما ابيّ بن كعب رضى الله عنه، فناداه ابن عباس فقال انى تماريت أنا وصاحبى هذا فى صاحب موسى عليه السلام الذى سأل السبيل إلى لقيه، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ قال نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول بينا موسى عليه السلام فى ملأ من بنى اسرائيل إذ قام اليه رجل فقال هل تعلم أحد أعلم منك؟ قال لا، قال فأوحى الله تبارك وتعالى اليه عبدنا خضر، فسأل موسى عليه السلام السبيل الى لقيته وجعل الله تبارك وتعالى له الحوت آية فقيل له اذا فقدت الحوت فارجع، وكان من شأنهما ما قص الله تبارك وتعالى في كتابه

فكانت ثيابهم تطول معهم ولا يتمزق لهم ثوب، ثم قالوا يا موسى (لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وقومها وعدسها وبصلها، قال (اتستبدلون الذى هو ادنى بالذى هو خير، اهبطوا مصر فان لكم ما سألتم) فلما خرجوا من التيه رفع عنهم المن والسلوى، (ذكر الحافظ ابن كثير) فى تاريخه أن الله تعالى أوحى الى موسى إنى متوف هارون فأت به جبل كذا وكذا فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل فاذا هم بشجرة لم تر شجرة مثلها، واذا هم ببيت مبنى وإذا هم بسرير عليه فرش واذا فيه ريح طيبة، فلما نظر هارون الى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه قال يا موسى انى أحب أن أنام على هذا السرير، قال له موسى فنم عليه، قال انى أخاف أن يأتى رب هذا البيت فيغضب علىّ، قال له لا ترهب أنا أكيفك رب هذا البيت فنم، قال يا موسى نم معى فان جاء رب هذا البيت غضب علّى وعليك جميعاً، فلما ناما أخذ هارون الموت فلما وجد حسه قال يا موسى خدعتنى، فلما قبض رفع ذاك البيت وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير به الى السماء، فلما رجع موسى إلى قومه وليس معه هارون قالوا فان موسى قتل هارون وحسده على حب بنى اسرائيل له، وكان هارون ألين لهم من موسى، وكان فى موسى بعض الغلظة عليهم، فلما بلغه ذلك قال لهم ويحكم كان أخى افترونى اقتله؟ فلما اكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله فنزل السرير حتى نظروا اليه بين السماء والأرض (زاد فى تاريخ الكامل لابن الاثير) فأخبرهم أنه مات وأن موسى لم يقتله فصدقوه وكان موته فى التيه أهو فى رواية ابن أبى حاتم وابن جرير عن ابن عباس أن الله أمر الملائكة فحملته فمرت به على مجالس بنى اسرائيل فتكلمت بموته فما عرف موضع قبره الا الرخم وأن الله جعله أصم وأبكم: انظر تفسير قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذو موسى) فى الجزء الثامن عشر ص 248 رقم 397 (باب)(1)(حدثنا الوليد بن مسلم الخ) هذا الحديث تقدم مثله من طرق أخرى عن ابىَّ بن كعب ايضا فى باب واذ قال موسى لفتاه من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى سورة الكهف فى الجزء الثامن عشر صحيفة 200 رقم 340 وتقدم شرحه هناك وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما

ص: 99

(ز)(حدثني أبو عثمان)(1) عمر بن محمد بن بكير النافد ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو يعنى ابن دينار عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا الشامى يزعم أو يقول ليس موسى صاحب خضر: موسى نبى اسرائيل، قال كذب نوف عدو الله، حدثنى أبيّ بن كعب رضى الله عنه عن النبى صلي الله عليه وسلم أن موسى عليه السلام قام فى بنى اسرائيل خطيبا فقالوا له من أعلم الناس؟ قال أنا، فأوحى الله تبارك وتعالى اليه إن لى عبدا أعلم منك، قال رب فأرنيه؟ قال قيل تأخذ حوتا فتجعله فى مكتل فحيثما فقدته فهو ثَمّ، قال فأخذ حوتا فجعله فى مِكتل وجعل هو وصاحبه يمشيان على الساحل حتى أتيا الصخرة رقد موسى عليه السلام وأضطرب الحوت فى المكتل فوقع فى البحر، فحبس الله جرية الماء فاضطرب الماء فاستيقظ موسى فقال (لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) ولم يصب النصب حتى جاوز الذى أمره الله تبارك وتعالى فقال (أرأيت إذ أوينا الى الصخرة فإنى نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان)(فارتدا على آثارهما قصصا) فجعلا يقصان آثارهما (واتخذ سبيله فى البحر سربا) قال أمسك عنه جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فكان للحوت سربا وكان لموسى عليه عجبا حتى انتهيا الى الصخرة فاذا رجل مسجى عليه ثوب فسلم موسى عليه، فقال وأنى بأرضك السلام، قال أنا موسى، قال موسى بنى اسرائيل؟ قال نعم، (أتبعك على أن تعلمن مما عُلمت رشداً) قال يا موسى انى على علم من الله تبارك وتعالى لا تعلمه، وأنت على علم من الله تعالى علمكه الله، فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فعرفوا الخضر فحمل بغير نول فلم يعجبه، ونظر فى السفينة فأخذ القدوم يريد أن يكسر منها لوحا، فقال حملنا بغير نول وتريد أن تخرقها لتغرق أهلها (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا) قال انى نسيت، وجاء عصفور فنقر فى البحر قال الخضر ما ينقص علمى ولا علمك من علم الله تعالى الا كما ينقص هذا العصفور من هذا البحر (فانطلقا حتى اذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوها) فرأى غلاما فأخذ رأسه فأنزعه (أقتلت نفسا زاكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا، قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا) قال سفيان قال عمرو وهذه أشد من الأولى: قال فانطلقا فاذا جدار يريد أن ينقض فأقامه، أرانا سفيان بيديه فرفع يده هكذا رفعا فوضع راحتيه فرفعهما لبطن كفيه رفقا فقال (لو شئت لاتخذت عليه أجرا، قال هذا فراق بيني وبينك) قال ابن عباس كانت الأولى نسيانا، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم رحم الله موسى لو كان صبر حتى يقص علينا من أمره

(ز)(1)(حدثني أبو عثمان الخ) هذا الحديث من زوائد عبد الله بن الامام احمد على مسند ابيه ولذا رمزت له بحرف زاى، وتقدم نحوه من طرق اخرى عن ابىّ بن كعب ايضا من زوائد عبد الله ابن الامام احمد على مسند ابيه فى الباب والجزء المشار اليه فى الحديث السابق صحيفة 204 رقم 341 وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما، وانما ذكرته هنا لبعض الفاظ جاءت فيه ليست هناك والمعنى واحد، وتقدمت القصة هناك مشروحه شرحا وافيا فارجع إليها والله الموفق.

ص: 100

(باب الخسف بقارون وقصة نبى الله موسى معه)(عن أبى سعيد الخدرى)(1) عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال بينا رجل يمشى بين بردين مختالا خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة (عن أبى هريرة)(2) قال حدثنى الصادق المصدوق خليلى أبو القاسم صلي الله عليه وسلم قال بينما رجل ممن كان قبلكم يتبختر بين بردين فغضب الله عليه فأمر الأرض فبلعته، فوا الذي نفسي بيده

(باب)(1)(عن أبي سعيد الخدري الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب النهى عن الشهرة والإسبال من كتاب اللباس فى الجزء السابع عشر صحيفة 290 رقم 192 (2)(عن أبى هريرة الخ) هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه فى الباب والجزء المشار اليهما فى الحديث السابق رقم 191 وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما، وفسر العلماء قوله صلى الله عليه وسلم (بينا رجل ممن كان قبلكم) بأنه قارون الذى ذكره الله عز وجل فى كتابه بقوله (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم) الى قوله تعالى (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) وجزم الكلابا ذى بأنه قارون، وكذا قال الجوهرى فى صحاحه (واليك قصته) ملخصة من تاريخ الحافظ ابن كثير (عن ابن عباس) قال كان قارون ابن عم موسى، وكذا قال ابراهيم النخعى وعبد الله بن الحارث ابن نوفل وسماك بن حرب وقتادة ومالك بن دينار وابن جريج، وزاد فقال هو قارون بن بصهر بن قاهث وموسى بن عمران بن قاهث. قال ابن جريج هذا قول أكثر أهل العلم أنه كان ابن عم موسى وَرَدّ قول ابن اسحاق أنه كان عم موسى، قال قتادة وكان يسمى النور لحسن صوته بالتوراة ولكن عدو الله نافق كما نافق السامرى فأهلكه البغى لكثرة ماله، وقال شهر بن حوشب زاد فى ثيابه شبرا طولا ترفعا على قومه، وقد ذكر الله تعالى كثرة كنوزه حتى إن مفاتحه كان يثقل حملها على الفئام (الجماعة) من الرجال الشداد، وقد قيل إنها كانت من الجلود وأنها كانت تحمل على ستين بغلا والله أعلم، وقد وعظة النصحاء من قومه قائلين لا تفرح أى لا تبطر بما أعطيت وتفخر على غيرك (ان الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) يقولون لتكن همتك مصروفة لتحصيل ثواب الله فى الدار الآخرة فانه خير وابقى ومع هذا (لا تنس نصيبك من الدنيا) أى وتناول منها بمالك ما أحل الله لك فتمنع لنفسك بالملاذ الطيبة الحلال (وأحسن كما أحسن الله اليك) أى وأحسن الى خلق الله كما أحسن الله خالقهم وبارءهم اليك (ولا تبغ الفساد فى الأرض) أى ولا تسئ اليهم ولا تفسد فيهم فتقابلهم ضدها أمرت فيهم فيعاقبك ويسلبك ما وهبك (ان الله لا يحب المفسدين) فما كان جوابه لهذه النصيحة الصحيحة الفصيحة إلا أن قال (انما أوتيته على علم عتدى) يعنى أنا لا أحتاج الى استعمال ما ذكرتم ولا ما اليه اشرتم، فان الله انما أعظانى هذا لعلمه انى استحقه وان أهل له، ولولا انى حبيب ألأيه وحظى عنده لما أعطانى ما اعظانى، قال الله تعالى ردا على ما ذهب اليه (او لم يعلم ان الله قد أهلك من قبله من القرون من هو اشد منه قوة واكثر جمعا، ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون) أى قد أهلكنا من الأمم الماضين بذنوبهم وخطاياهم من هو اشد من قارون قوة وإكثر اموالا واولادا: فلو كان ما قال صحيحا لم نعاقب احدا ممن كان اكثر مالا منه ولم يكن ماله دليلا على محبتنا له واعتنائنا به كما قال تعالى (وما أموالكم ولا أولادكم بالتى تقربكم عندنا زلفى الامن آمن وعمل صالحا) وقال تعالى (أيحسبون أنما

ص: 101

إنه ليتجلجل الى يوم القيامة (باب ما جاء فى ذم قارون وفرعون وهامان)(عن عبد الله بن عمرو بن العاص)(1) عن النبى صلي الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان وكان

نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم فى الخيرات بل لا يشعرون) وهذا الرد عليه يدل على صحة ما ذهبنا اليه من معنى قوله (أنما أوتيته على علم عندى) وأما من زعم أن المراد من ذلك أنه كان يعرف صنعة الكيميا أو أنه كان يحفظ الأسم الأعظم فاستعمله فى جمع الأموال فليس بصحيح، لأن الكيمياء تخييل وصبغة لا تحيل الحقائق ولا تشابه صنعة الخالق والأسم الأعظم لا يصعد الدعاء به من كافر به، وقارون كان كافرا فى الباطن منافقا فى الظاهر (فخرج على قومه فى زينته) ذكر كثير من المفسرين أنه خرج فى تجميل عظيم من ملابس ومراكب وخدم وحشم فلما رآه من يعظم زهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله وغبطوه بما عليه وله، فلما سمع مقالتهم العلماء ذوو الفهم الصحيح الزهاد الالباء قالوا لهم (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا) أى ثواب الله فى الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى قال الله تعالى (ولا يلقاها الا الصابرون) أى وما يلقى هذه النصيحة وهذه المقالة وهذه الهمة السامية الى الدار الآخرة عند النظر الى زهرة هذه الدنيا الدنية الا من هدى الله قلبه وثبت فؤاده، قال تعالى (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) لما ذكر الله تعالى خروجه فى زينته واختياله فيها وفخره على قومه بها قال فخسفنا به وبداره الارض، (وقد ذكر السدى وابن عباس) أن قارون أعطى امرأة بغيا مالا على أن تقول لموسى عليه السلام وهو فى ملأ من الناس انك فعلت بى كذا وكذا، فيقال إنها قالت ذلك فأرعد من الفرق (يعنى الخوف) وصلى ركعتين ثم أقبل اليها فاستحلفها من ذلك على ذلك وما حملك عليه؟ فذكرت أن قارون هو الذى حملها على ذلك وأستغفرت الله وتابت اليه، فعند ذلك خر موسى لله ساجدا ودعا الله على قارون، فأوحى الله اليه انى قد أمرت الارض أن تطيعك فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره فكان ذلك والله أعلم وقد روى عن قتادة أنه يخسف كل يوم قامة الى يوم القيامة، (وعن ابن عباس) أنه قال فخسف بهم الى الارض السابعة، وقد ذكر كثير من المفسرين ها هنا اسرائيليات كثيرة اضربنا عنها صفحا وتركناها قصدا وقوله تعالى (فما كان له من فئة يتصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين) لم يكون له ناصر من نفسه ومن غيره، ولما حل به ما حل من الخسف وذهاب الاموال وخراب الديار وأهلاك النفس والأهل والعقار ندم من كان تمنى مثل ما أوتى وشكروا الله تعالى الذى يدبر عباده بما يشاء من حسن التدبير، ولهذا قالوا (لولا أن من الله علينا لخسف بنا وى كأنه لا يفلح الكافرون) قال قتادة وى كأن بمعنى ألم تر أن وهذا قول حسن من حيث المعنى والله أعلم (قال) وقصة هارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر لقوله فخسفنا به وبداره الارض فان الدار ظاهرة فى البنيان، وقد تكون بعد ذلك فى التيه وتكون الدار عبارة عن المحلة التى تضرب فيها الخيام كما قال عنترة:

يا دار عبلة بالجواء تكلمى

_________

وعمى صباحا دار عبلة واسلمى

(باب)(1)(عن عبد الله بن عمرو بن العاص الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه

ص: 102

يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابى بن خلف) (باب ذكر قصته مع ملك الموت ووفاته ومكان قبره عليه السلام (عن أبى هريرة)(1) رضى الله عنه عن النبى صلي الله عليه وسلم قال قد كان ملك الموت يأتى الناس عيانا قال فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه (2) فأتى ربه عز وجل فقال يارب عبدك موسى فقأ عينى ولولا كرامته عليك لعَنُفْت (3) به وقال يونس لشققت عليه (4) فقال له اذهب الى عبدى فقل له فليضع يده على جلد أو متن (5) ثور فله بكل شعرة وأرت يده سَنة، فأتاه فقال له ما بعد هذا؟ قال الموت، قال فالآن قال فشمه شمة (6) فقبض روحه قال يونس فرد الله عز وجل عينه وكان يأتى الناس خفية (وعنه من طريق ثان)(7) قال أرسل ملك الموت الى موسى فلما جاءه صكه غفقا عينه فرجع الى ربه عز وجل فقال أرسلنى الى عبد لا يريد الموت، قال فرد الله عز وجل اليه عينه وقال ارجع اليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعره سنة فقال أى يارب ثم مه (8) قال ثم الموت، قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية (9) بحجر قال فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم فلو كنت ثمَ

في باب حجة من كفر تارك الصلاة من كتاب الصلاة فى الجزء الثانى صحيفة 232 رقم 81 وفيه ذم من ذكروا فيه، وأن من لم يحافظ على الصلاة يكون معهم يعنى مخلدا فى النار، وقيده الجمهور بما إذا كان جاحدا لوجوبها، اما آذا كان مقر أبو جوبها وتركها كسلا فانه يكون معهم فى النار وان اختلفت المحامل وكيفية العذاب ثم يخرج منها، وقالوا ومجرد المعية والمصاحبة لا تدل على الاستمرار والتأبيد لصدق المعنى اللغوى بلبته معهم مدة والله أعلم (باب)(سنده) حدثنا امية بن خالد ويونس قال ثنا حماد بن سلمة بن أبى عمار عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال كان ملك الموت الخ (غريبه)(2) قال المازرى وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث وأنكر تصوره، قالوا كيف يجوز على موسى فتئ عين ملك الموت؟ قال وأجاب العلماء عن هذا باجوبة فذكرها (قلت) أحسنها أن موسى عليه السلام لم يعلم أنه ملك من عند الله وظن أنه رجل قصده يريد نفسه فدافعه عنها فأدت المدافعة الى فتئ عينه لا أنه قصدها بالفتئ وتؤيده رواية صكه (قال النووى) وهذا جواب الامام أبى بكر بن خزيمة وغيره من المتقدمين واختاره المازرى والقاضى عياض قال واو ليس فى الحديث تصريح بأنه تعمد فتئ عينه، فان قيل قد اعترف موسى حين جاءه ثانيا بأنه ملك الموت (فالجواب) انه أتاه فى المرة الثانية بعلامة علم بها انه ملك الموت فاستسلم، بخلاف المرة الأولى والله أعلم (قلت) وروى هذا الحديث أيضا ابن حبان فى صحيحه تم استشكله، وأجاب عته بما حاصله ان ملك الموت لما قال له هذا لم يعرف مجيئه له على غير صورة يعرفها موسى عليه السلام كما جاء جبريل فى صورة اعرابى، وكما وردت الملائكة على ابراهيم ولوط فى صورة شباب فلم يعرفهم ابراهيم ولا لوط أوّلا، وكذلك موسى لعله لم يعرفه لذلك ولطعه ففقأ عينه لأنه دخل داره بغير اذنه، وهذا موافق لشريعتنا فى جواز فقء عين من نظر اليك فى دارك بغير إذن (3) أى وبخته بشديد القول (4) أى أوقعته فى المشقة (5) أى ظهره (6) أى دنا منه أو اختبر ما عنده، أو من الشم كما يشم الرائحة الزكية والله أعلم (7)(سنده) حدثنا عبد الرازق انا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة الخ (8) هى هاء السكتت وهو استفهام أى ثم ماذا (9) قال النووي

ص: 103

لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب (1) الأحمر (عن أنس)(2) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم مررت ليلة أسرى بى على موسى فرأيته قائما يصلى فى قبره (3) زاد فى رواية عند الكثيب الأحمر (باب ذكر نبوة يوشع بن نون وقيامه بأعباء بنى اسرائيل بعد وفاة موسى وهارون عليهم الصلاة والسلام ومعجزته)(عن أبى هريرة)(4) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الشمس لم تحبس على بشر الا ليوشع بن نون (5) ليالى سار إلى بيت المقدس (6)

وأما سؤاله الا دناه من الأرض المقدسة فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم (1) الكثيب الرمل المستطيل المحدودب، وقد استدل الحافظ ابن كثير ابن كثير بهذا الحديث على ان موسى عليه السلام مات بالتيه قال وقد زعم بعضهم أن موسى عليه السلام هو الذى خرج بهم من التية ودخل بهم الارض المقدسة، وهذا خلاف ما عليه أهل الكتاب وجمهور المسلمين، قال ومما يدل على ذلك قوله لما اختار الموت رب ادننى الى الارض المقدسة رمية بحجر (أى قدر ما يبلغه الحجر عند رميه) ولو كان قد دخلها لم يسأل ذلك، ولكن لما كان مع قومه بالتيه وحانت وفاته عليه السلام أحب أن يتقرب الى الارض التى هاجر اليها وحث قومه عليها ولكن حال بينهم وبينها القدر رمية بحجر، ولهذا قال سيد البشر فلو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر (تخريجه)(ق حب، وغيرهم)(قال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه وذكر وهب بن منبه أن موسى عليه السلام مر بملاء من الملائكة يحفرون قبرا فلم ير أحسن منه ولا أعزو ولا أبهج، فقال يا ملائكة الله لمن تحفرون هذا القبر؟ فقالوا لعبد من عباد الله كريم فان كنت تحب ان تكون هذا العبد فادخل هذا القبر وتمدد فيه وتوجه الى ربك وتنفس أسهل تنفس، ففعل ذلك فمات صلوات الله وسلامه عليه: فصلت عليه الملائكة ودفنوه، قال وذكر أهل الكتاب وغيرهم انه مات وعمره مائة وعشرون سنة (2)(سنده) حدثنا وكيع ثنا سفيان عن سليمان التيمى عن أنس (يعنى ابن مالك) الخ (غريبه)(3) قال القاضى عياض قد تكون الصلاة هنا بمعنى الذكر والدعاء وهى من أعمال الآخرة، قال الله تعالى (دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام) قال (فان قيل) كيف رأى موسى عليه السلام يصلى فى قبره وصلى النبى صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ببيت القدس ووجدهم على مراتبهم فى السموات وسلموا عليه ورحبوا به (فالجواب) انه يحتمل أن تكون رؤيته موسى فى قبره عند الكثيب الاحمر كانت قبل صعود النبى صلى الله عليه وسلم الى السماء وفى طريقه الى بيت المقدس ثم وجد موسى قد سبقه الى السماء، ويحتمل انه صلى الله عليه وسلم رأى الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم وصلى بهم على تلك الحال لأول ما رآهم ثم سألوه ورحبوا به ويكون اجتماعه بهم وصلاته ورؤيته موسى بعد انصرافه ورجوعه عن سدرة المنتهى والله أعلم (باب)(4)(سنده) حدثنا أسود بن عامر أخبرنا أبو بكر بن عشام عن ابن سيرين عن أبى هريرة الخ (غريبه)(5) قال الحافظ ابن كثير فى تاريخ هو يوشع بن نون بن افرائيم بن يوسف ابن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم افحليل عليهم السلام وأهل الكتاب يقولون إن يوشع بن عم هود وقد ذكره الله تعالى فى القرآن غير مصرح باسمه فى قصة الخضر كما تقدم فى قوله (واذ قال موسى لفتاه)(فلما جاوزا قال لفتاه) وقد ثبت فى الصحيح من رواية أبىّ بن كعب رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه يوشع بن نون، وهو متفق عليه نبوته عند أهل الكتاب، فان طائفة منهم وهم السامرة لا يقرون بنبوة أحد بعد موسى إلا يوشع بن نون لأنه مصرح به فى التوراة (6) سبب حبس الشمس ليوشع بن نون

ص: 104

(وعنه أيضا)(1) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم غزا نبى من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعنى رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبنى بها ولم يبن، ولا أحد قد بنى بنيانا ولما يرفع سقفها، ولا أحد قد اشترى غنما أو خلِفات وهو ينتظر أولادها، فغزا فدنا من القرية حين صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال الشمس أنت مأمورة وأنا مامور، اللهم أحبسها علىّ شيئا: فحبست عليه حتى فتح الله عليه، فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعم، فقال فيكم غلول، فليبايعنى من كل قبيلة رجل، فبايعوه فلصقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول، فلتبايعنى قبيلتك، فبايعته قبيلته قال فلصق بيد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال فيكم الغلول: أنتم غللتم، فأخر جوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال فوضعوه فى المال وهو بالصعيد فأقبلت النار فأكلته فلم تحل الغنائم لاحد من قبلنا، ذلك لأن الله عز وجل رأى

سيأتي في القصة بعد التخريج (تخريجه) رواه الحافظ ابن كثير فى تاريخه بسنده ولفظه وعزاه للإمام احمد، ثم قال انفرد به احمد من هذا الوجه، وهو على شرط البخارى، وفيه دلالة على أن الذى فتح بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه السلام لا موسى وأن حبس الشمس كان فى فتح بيت المقدس لا أريحا وفيه أن هذا كان من خصائص يوشع عليه السلام إه (روى عن ابن عباس) أن موسى وهارون توفيا فى التيه وتوفى فيه كل من دخله وقد جاوز العشرين سنة غير يوشع بن نون وكالب بن يوفنا، فلما انقضى أربعين سنة أوحى الله الى يوشع بن نون بالسير الى مدينة الجبارين وفتحها ففتحها، ومثله قال قتادة والسدى وعكرمة، فلما ظفر يوشع بالجبارين أدركه المساء ليلة السبت فدعا الله فردّ الشمس عليه وزاد فى النهار ساعة فهزم الجبارين وجمع غنائمهم ليأخذها الغربان، وبقية القصة ستأتى فى الحديث التالى (1)(وعنه أيضا الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب تحريم الغلول من كتاب الجهاد فى الجزء الرابع عشر صحيفة 90 رقم 272 وهو حديث صحيح رواه مسلم وغيره، والمراد بقوله غزا نبى من الأنبياء هو يوشع بن نون كما يستفاد من الحديث السابق من أن الشمس لم تحبس على بشر الا ليوشع ابن نون، فيعلم من ذلك أن النبى ذكر فى هذا الحديث وحبست له الشمس هو يوشع بن نون (قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) ذكر اهل الكتاب وغيرهم من اهل التاريخ أن يوشع بن نون مع بنى اسرائيل قطع نهر الأردن وانتهى الى اريحا وكانت من أحصن المدائن سورا وأعلاها قصورا وأكثرها أهلا فحاصرها ستة أشهر، ثم انهم احاطوا بها يوما وضربوا بالقرون يعنى الأبواق وكبروا تكبيرة رجل واحد فتفسخ سورها وسقط وجبة واحدة فدخلوها وأخذوا ما وجدوا فيها من الغنائم وقتلوا اثنى عشر الفا من الرجال والنساء، وحاربوا ملوكا كثيرة، ويقال ان يوشع ظهر على احد وثلاثين ملكا من ملوك الشام، وذكروا أنه انتهى محاصرته لها الى يوم جمعة بعد العصر فلما غربت الشمس أو كادت تغرب ويدخل عليهم السبت الذى جعل عليهم وشرع لهم ذلك الزمان: قال لها انك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علىَّ، فحبسها الله عليه حتى تمكن من فتح البلد، قال ولكن ذكرهم أن هذا فى فتح اريحا فيه نظر والأشبه والله أعلم أن هذا كان فى فتح بيت المقدس الذى هو المقصود الأعظم وفتح أريحا كان وسيلة اليه اه (قلت) يؤيد ذلك التصريح فى الحديث السابق بأنه بيت المقدس والله أعلم

ص: 105

ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا (باب ما جاء فى دخول بنى اسرائيل بيت المقدس وقول الله تعالى لهم (وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة)(عن أبى هريرة)(1) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم قيل لبنى اسرائيل ادخلوا الباب سجدا (2) وقولوا حطة يغفر لكم (3) خطاياكم، فبدلوا (4) فدخلوا الباب يزحفون على أستاهم (5) وقالوا حبة فى شعره (وعنه من طريق ثان)(6) عن النبى صلي الله عليه وسلم فى قوله عز وجل (وادخلوا الباب سجدا قال ادخلوه زحفا وقولوا حطة).

(باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق بن همام ثنا معمر عن همام عن أبى هريرة الخ (غريبه)(2) قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون عليه السلام وفتحها الله عليه يعنى مدينة الجبارين وهى بيت المقدس عشية جمعة وقد حبست الشمس يومئذ قليلا حتى أمكن الفتح، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا (الباب) باب البلد (سجداَ) أى شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر وردِّ بلدهم عليهم وانقاذهم من التيه والضلال: وعن ابن عباس فى قوله تعالى (أدخلوا الباب سجدا) قال ركعا من باب صغير، وحكى الرازى عن بعضهم أنه عنى بالباب جهة من جهات القبلة، وعن عبد الله بن مسعود قيل لهم ادخلوا الباب سجدا فدخلوا مقنعى رءوسهم أى رافعى رءوسهم خلاف ما أمروا (وقال البغوى) فى تفسير قوله تعالى (وادخلوا الباب) قال يعنى بابا من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب (سجداَ) أى ركعا خضعا منحنين: وقال وهب فاذا دخلتموه فاسجدوا شكراً لله تعالى (وقولو حطة) قال قتادة حط عنا خطايانا، أمروا بالاستغفار وقال ابن عباس لا إله إلا الله لأنها محط الذنوب (3) قرأ نافع بالياء التحتية وضمها وفتح الفاء من الغفر وهو الستر فالمغفرة تستر الذنوب (4) قال تعالى فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم) وذلك أنهم بدّلوا قول الحطة بقولهم حبة فى شعرة استخفافا بأمر الله تعالى (وفى رواية) قالوا حنطة فى شعرة كما فى الطريق الثانية (5) أى افخاذهم، قال مجاهد طوطئ لهم الباب ليخفضوا رءوسهم فأبوا أن يدخلوها سجدا فدخلوا يزحفون على أستاهم مخالفة فى الفعل كما بدلوا القول وقالوا قولا غير الذى قيل لهم (6) هذا الطريق تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب ادخلوا الباب سجدا فى تفسير سورة البقرة فى الجزء الثامن عشر صحيفة 73 رقم 164 والحديث بطريقيه صحيح رواه الشيخان وغيرهما واليك تفسير بقية الآية، قال الله تعالى (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء) قال الضحاك عن أبن عباس كل شئ فى كتاب الله من الرجز يعنى به العذاب، وقال سعيد بن جبير هو الطاعون قيل أرسل الله عليهم طاعونا فهلك منهم فى ساعة واحدة سبعون الفا (بما كانوا يفسقون) أى بسبب عصيانهم وخروجهم عن أمر الله عز وجل (قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) ولما استقرت يد بنى اسرائيل على بيت المقدس استمروا فيه وبين أزهرهم نبى الله يوشع يحكم بينهم بكتاب الله التوراة حتى قبضه الله اليه وهو ابن مائة وسبع وعشرين سنة فكان مدة حياته بعد موسى سبعا وعشرين سنة (وجاء فى تاريخ الكامل) لابن الأثير ان يوشع ملك الشام جمعه فصار لبنى اسرائيل، وفرق عماله فيه ثم توفاه الله، فاستخلف على بنى اسرائيل كالب بن يوفنا وكان عمر يوشع مائة وستا وعشرين سنة وكان قيامه بالامر بعد موسى سبعا وعشرين سنة والله اعلم.

ص: 106

.

(ذكر كالب بن يوفنا) قال ابن جرير فى تاريخه لا خلاف بين أهل العلم باخبار الماضين وأمور السالفين من أمتنا وغيرهم أن القائم بأمور بنى اسرائيل بعد يوشع كالب بن يوفنا يعنى أحد أصحاب موسى عليه السلام وهو زوج أخته مريم وهو أحد الرجلين الذين ممن يخافون الله وهما يوشع وكالب، وهما القائلان لبنى اسرائيل حين نكلوا عن الجهاد (ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين) قال ابن جرير ثم من بعده كان القائم بأمور بنى اسرائيل حزقيل ابن بو ذى وهو الذى دعا الله فأحيا الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت.

(قصة حزقيل)

قال الله تعالى (آلم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون) فقوله تعالى ألم تر الى الذين خرجوا من ديارهم، قال على بن عاصم كانوا من أهل داور دان قرية على فرسخ قبل واسط (وهم ألوف) فاختلف العلماء فى عددهم فذكروا أقوالا من ثلاثة آلاف الى سبعين الفا (قال الامام البغوى) فى تفسيره وأولى الاقاويل قول من قال كانوا زيادة على عشرة آلاف لأن الله تعالى قال وهم ألوف والألوف جمع الكثير، وجمعه القليل آلاف والألوف لا يقال لما دون عشرة آلاف (حذر الموت) ذكر غير واحد من السلف ان هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة فى زمن بنى اسرائيل استوخموا أرضهم وأصابهم بها وباء شديد فخرجوا فرارا من الموت هاربين الى البرية، فنزلوا واديا افيح فملئوا ما بين عدوتيه، فأرسل الله اليهم ملكين أحدهما من أسفل الوادى والآخر من أعلاه فصاحا بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد، وماتت دوابهم، فخرج اليهم الناس فعجزوا عن دفنهم فحظروا عليهم حظيرة دون السباع وتركوهم فيها حتى صاروا عظاما بالية وفنوا وتمزقوا وتفرقوا: فلما كان بعد دهر مرّ بهم نبى من بنى اسرائيل يقال له حزقيل فسأل الله ان يحييهم على يديه فاجابه الى ذلك وأمره أن يقول آيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسى لحما وعصبا وجلداً فكان ذلك وهو يشاهده، ثم أمره فنادى أيتها الأرواح إن الله يأمرك ان ترجع كل روح الى الجسد الذى كانت تعمره فقاموا أحياءا ينظرون قد أحياهم الله بعد رقدنهم الطويلة وهم يقولون سبحانك لا إله إلا أنت، وكان فى أحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسمانى يوم القيامة، وهذا معنى قوله تعالى (فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس) فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) أى لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم فى دينهم ودنياهم وفى هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغنى حذر من قدر، وأنه لا ملجأ من الله الا اليه فان هؤلاء خرجوا فرارا من الوباء طلبا لطول الحياة فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعا فى آن واحد، ومن هذا القبيل الحديث الصحيح الذى رواه الشيخان الامام احمد وتقدم فى باب النهى عن الإقدام على أرض بها الطاعون من أبواب الطاعون والوباء فى الجزء السابع عشر صحيفة 206 رقم 207 أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه خرج الى الشام فلما جاء سرغ بلغه ان الوباء قد وقع بالشام فأخبره عبد الرحمن بن عوف ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذا اسمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه: واذا اوقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه، فرجع عمر بن خطاب من سرغ قال محمد بن اسحاق ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل فى بنى اسرائيل، ثم ان الله قبضه اليه فلما قبض نسى بنوا اسرائيل عهد الله اليهم وعظمت فيهم الأحداث وعبدوا الاوثان وكان

ص: 107

قال بدلوا فقالوا حنطة في شعره (باب ذكر الخضر والياس عليهما السلام أحدثنا عبد الرزاق بن همام)(1) ثنا معمر عن همام عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يسم خضرا إلا لأنه جلس على فروة (2) بيضاء فإذا هي تهتز (3) خضراء، الفروة الحشيش الأبيض وما يشبهه (4) قال عبد الله أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق (5)(وعنه من طريق ثان)(6) عن همام بن منبه عن أبى هريرة عن النبى صلي الله عليه وعلى آله وسلم فى الخضر انما سمى خضرا أنه جلس على فروة بيضاء فاذا هى تحته خضراء.

في جملة ما يعبدونه من الأصنام صنم يقال له بعل فبعث الله اليهم الياس بن ياسين (واليك قصة الياس والخضر) لأنهما يقرنان فى الذكر غالبا ولماِ قيل إنهما أخَوان، فقد روى الحافظ بن عساكر بأسناده الى السدى أن الخضر والياس كانا أخوين وكان ابوهما ملكا فقال الياس لأبيه إن أخى الخضر لا رغبة له فى الملك فلو انك زوجته لعله يجئ منه ولد يكون الملك له، فزوجه أبوه بامرأة حسناء بكر، فقال لها الخضر انه لا حاجة لى فى النساء فان شئت اطلقت سراحك وان شئت اقمت معى تعبدين الله عز وجل وتكتمين علىّ سرى، فقالت نعم، وأقامت معه سنة فلما مضت السنة دعاها الملك فقال انك شابة وابنى شاب فأين الولد فقالت انما الولد من عند الله ان شاء كان وان لم يشأ لم يكن فأمره أبوه فطلقها وزوجه بأخرى ثيبا قد ولد لها، فلما زفت اليه قال لها كما قال للتى قبلها، فاجابت الى الإقامة عنده، فلما مضت السنة سألها الملك عن الولد فقالت له ان ابنك لا حاجة له بالنساء، فتطلبه أبوه فهرب فأرسل وراءه فلم يقدروا عليه، فيقال انه قتل المرأة الثانية لكونها أفشت سره فهرب من أجل ذلك وأطلق سراح الأخرى، فأقامت تعبد الله فى بعض نواحى تلك المدينة فمر بها رجل يوما فسمعته يقول باسم الله، فقالت له أنى لك هذا الاسم؟ فقال انى من الخضر فتزوجته فولدت له أولادا ثم صار من أمرها ان صارت ماشطة بنت فرعون فبينما هى يوما تمشطها إذ وقع المشط من يدها فقالت باسم الله، فقالت ابنة فرعون أبى فقالت لا: ربى وربك ورب أبيك الله، فأعلمت أباها فأمر بنقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها فالقيت فيها، فلما عاينت ذلك تقاعست ان تقع فيها فقال لها ابن معها صغير يا أمه اصبرى فانك على الحق، فألقت نفسها فى النار فماتت رحمها الله تعالى (باب)(1)(حدثنا عبد الرازق بن همام الخ)(غريبه)(2) بالفاء أى أرض يابسة (بيضاء) لا نبات بها (3) أى تتحرك ذات نبات أخضر ناعما بعد ما كانت جرداء (4) يعنى الهشيم اليابس (وقوله قال عبد الله) يعنى ابن الامام احمد رحمها الله (5) يعنى قوله الفروة الحشيش الأبيض وما يشبهه شبهه بالفروة، ومنه قيل فروة الرأس وهى جلدته بما عليها من الشعر، وقال الخطابى انما سمى الخضر خضرا لحسنه واشراق وجهه اه قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه قلت هذا لا ينافى ما فى الصحيحين، فان كان ولا بد من التعليل بأحدهما فى الصحيح أولى وأقوى بل لا يلتفت الى ما عداه (6)(سنده) حدثنا يحي بن آدم ثنا ابن مبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبى هريرة الخ (تخريجه)(ق طل عب) وغيرهم (قال النووى) فى تهذيب الأسماء واللغات الخضر بفتح الخاء وكسر الضاد ويجوز إسكان الضاد مع كسر الخاء وفتحها كما فى نظائره، والخضر لقب، قالوا واسمه بليا بموحدة مفتوحة ثم لام ساكنة ثم مثناة تحت ابن ملكان بفتح الميم وإسكان اللام، وقيل كليمان، قال ابن قتيبة فى المعارف قال وهب بن عقبة اسم الخضر

ص: 108

.

بلياء بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفحشد بن سام بن نوح، قالوا وكان أبوه من الملوك وأختلفوا فى سبب تلقيبه بالخضر، فقال الاكثرون لأنه جلس على فروة بيضاء فصارت خضراء، والفروة وجه الأرض، وقيل الهشيم من النبات، وقيل لانه كان اذا صلى اخضر ما حوله، والصواب الأول واستدل على هذا التصويب بحديث الباب، ثم قال

فهذا نص صريح صحيح، وكنية الخضر أبو العباس وهو صاحب موسى النبى صلى الله عليه وسلم الذى سأل السبيل الى لقيه، وقد أثنى الله تعالى عليه فى كتابه بقوله تعالى (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) فاخبر الله عنه فى باقى الآيات بتلك الأعجوبات وموسى الذى صحبه هو موسى بنى إسرائيل كليم الله تعالى كما جاء به الحديث المشهور فى صحيحى البخارى ومسلم وهو مشتمل على عجائب من أمرهما، (واختلفوا فى حياة الخضر) ونبوته، فقال الأكثرون من العلماء هو حى موجود بين أظهرنا، وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم فى رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده فى المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن تحصر واشهر من أن تذكر، قال الشيخ أبو عمر بن الصلاح فى فتاويه هو حى عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم فى ذلك، قال وانما شد بإنكاره بعض المحدثين قال وهو نبى (واختلفوا فى كونه مرسلا) وكذا قاله بهذه الحروف غير الشيخ من المتقدمين، وقال أبو القاسم القشيرى فى رسالته فى باب الأولياء لم يكن الخضر نبيا وإنما كان وليا، وقال أقضى القضاة الماوردى فى تفسيره قيل هو ولى وقيل هو نبي وقيل انه من الملائكة، وهذا الثالث غريب ضعيف أو باطل، وفى آخر صحيح مسلم فى أحاديث الدجال انه يقتل رجلا ثم يحيا، قال ابراهيم بن سفيان صاحب مسلم يقال إن ذلك الرجل هو الخضر، وكذا قال معمر فى مسنده انه يقال انه الخضر، وذكر أبو اسحاق الثعلبى المفسر اختلافا فى أن الخضر كان فى زمن ابراهيم الخليل عليه السلام أم بعده بقليل أم بعده بكثير، قال والخضر على جميع الأقوال نبى معمر محجوب عن الأبصار، قال وقيل إنه لا يموت إلا فى آخر الزمان عند رفع القرآن انتهى ما ذكره النووى (قلت) وللمحافظ ابن كثير كلام فى تاريخه عن نبوته وموته (أما عن نبوته) فقد قال رحمه الله دلت قصته مع نبى الله موسى عليهما السلام التى ذكرها الله عز وجل فى كتابه على نبوته من وجوه (أحدها) قوله تعالى (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) (الثانى) قول موسى له (هل اتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا: الى قوله تعالى (حتى أحدث لك منه ذكرا) فلو كان وليا وليس بنبي لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة ولم يرد على موسى هذا الرد، بل موسى انما سأل صحبته لينال ما عنده من العلم الذى اختصه الله به دونه، فلو كان غير نبى لم يكن معصوما ولم تكن لموسى وهو نبى عظيم ورسول كريم واجب العصمة كبير رغبة ولا عظيم طلبة فى علم ولىّ غير واجب العصمة، ولما عزم على الذهاب اليه والتفتيش عليه ولو انه يمضى حقبا من الزمان قيل ثمانين سنة، ثم لما اجتمع به تواضع له وعقله واتبعه فى صورة مستفيد منه دل على انه نبى مثله يوحى اليه، كما يوحى اليه، وقد خص من العلوم الدينية والأسرار النبوية بما لم يطلع عليه موسى الكليم نبى بنى اسرائيل الكريم، وقد احتج بهذا المسلك بعينه البرقانى على نبوة الخضر عليه السلام (الثالث) أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام، وما ذاك إلا للوحى اليه من الملك العلام، وهذا دليل مستقل على نبوته وبرهان ظاهر على عصمته، لأن الولى لا يجوز له الاقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى فى خلده لأن خاطره ليس بواجب العصمة إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق، ولما أقدم الخضر على قتل ذلك الغلام الذى لم يبلغ الحلم علما بأنه اذا بلغ يكفر ويحمل أبويه على الكفر لشدة محبتهما له

ص: 109

_________

فينا بعانة عليه ففى قتله مصلحة عظيمة تربو على بقاء مهجته صيانة لأبويه عن الوقوع فى الكفر وعقوبته دل ذلك على نبوته وأنه مؤيد من الله بعصمته، وقد رأيت الشيخ أبا الفرج بن الجوزى طرق هذا المسلك بعينه فى الاحتجاج على نبوة الخضر وصححه وحكى الاحتجاج الرمانى أيضا (الرابع) أنه فسر الخضر تأويل تلك الأفاعيل لموسى ووضع له عن حقيقة أمره، قال بعد ذلك كله (رحمة من ربك وما فعلته عن أمرى) يعنى ما فعلته من تلقاء نفسى بل امرت به وأوحى إلىّ فيه، فدلت هذه الوجوه على نبوته. ولا ينافى ذلك حصول ولايته بل ولا رسالته كما قاله آخرون (وأما كونه ملكا) من الملائكة فغريب جدا، واذا ثبت نبوته كما ذكرناه لم يبق لمن قال بولايته وأن الولى قد يطلع على حقيقة الأمور دون أرباب الشرع الظاهر مستند يستندون اليه ولا معتمد يعتمدون عليه (قال واما الخلاف فى وجوده) الى زماننا هذا فالجمهور على انه باق الى اليوم قيل لأنه دفن آدم بعد خروجهم من الطوفان فنالته دعوة ابيه آدم بطول الحياة، وقيل لأنه شرب من عين الحياة فحيي وذكروا اخبارا استشهدوا بها على بقائه الى الآن وسنوردها ان شاء الله تعالى وبه الثقة، ثم ذكر اخبارا وآثارا تدل على وجوده للآن ولكن تعقبها جميعا بأن بعضها موضوع وبعضها منقطع وبعضها واه لا تقوم به حجة، ثم قال وقد تصدى الشيخ ابو الفرج بن الجوزى رحمه الله فى كتابه عجالة المنتظر فى شرح حالة الخضر للأحاديث الواردة فى ذلك من المرفوعات تبين انها موضوعات ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم فبين ضعف اسانيدها ببيان احوالها وجهالة رجالها وقد اجاد فى ذلك وأحسن الانتقاء (قال واما الذين ذهبوا الى انه قد مات) ومنهم البخارى وابراهيم الحربى وأبو الحسين بن المنادى والشيخ ابو الفرج بن الجوزى وقد انتصر لذلك والف فيه كتابا اسماه عجالة المنتظر فى شرح حالة الخضر (يعنى الكتاب الذى أشار اليه آنفا) فيحتج لهم بأشياء كثيرة (منها) قوله تعالى (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) فالخضر ان كان بشرا فقد دخل فى هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه من إلا بدليل صحيح اهو الاصل عدمه حتى يثبت، ولم يثبت ما فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله (ومنها) أن الله تعالى قال (واذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمن به ولتنصرنه، قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصرى؟ قالوا أقررنا، قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) فالخضر ان كان نبيا أو وليا فقد دخل فى هذا الميثاق فلو كان حياً فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه يؤمن بما أنزل الله عليه وينصره أن يصل أحد من الأعداء اليه، هذا عيسى بن مريم عليه السلام اذا نزل آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة لا يخرج منها ولا يحيد عنها، وهو أحد أولى العزم الخمسة المرسلين وخاتم أنبياء بنى اسرائيل والمعلوم أن الخضر لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس اليه أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم واحد ولم يشهد معه قتالا فى مشهد من المشاهد، وهذا يوم بدر يقول الصادق المصدوق فيما دعا به ربه عز وجل واستنصره واستفتحه على من كفره اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها فى الأرض وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ وسادة الملائكة حتى جبريل عليه السلام كما قال حسان ابن ثابت فى قصيدة له فى بيت يقال إنه أفتخر بيت قالته العرب

وثبير بدر اذ يردّ وجوههم .... جبريل تحت لوائنا ومحمد

ص: 110

_________

فلو كان الخضر حيا لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته وأعظم غزواته، قال القاضى أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلى سئل بعض أصحابنا عن الخضر ها مات؟ فقال نعم، قال وبلغنى مثل هذا عن أبى طاهر بن الغبارى، قال وكان يحتج بأنه لو كان حياً لجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نقله ابن الجوزى فى العجالة (ومن ذلك) ما ثبت فى الصحيحين وغيرهما (قلت والأمام احمد) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ليلة العشاء ثم قال أرأيتم ليلتكم هذه فانه إلى مائة سنة لا يبقى ممن هو على وجه الأرض اليوم أحد، وفى رواية عين

تطرف، قال ابن عمر فوُهِل الناس فى مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه، وانما أراد انخرام قرئه، وروى الامام احمد بسنده عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بقليل أو بشهر ما من نفس منفوسة أو ما منكم من نفس اليوم منفوسة يأتى عليها مائة سنة وهى يومئذ حية (قلت ورواه الترمذى أيضا) قال الحافظ ابن كثير وهذا أيضاً على شرط مسلم، قال وقال ابن الجوزى فهذه الأحاديث الصحاح دابر دعوى حياة الخضر، قالوا فالخضر إن لم يكن أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو المظنون الذى يترقى فى القوة إلى القطع فلا اشكال، وان كان قد أدرك زمانه فهذا الحديث يقتضى أنه لم يعش بعده مائة سنة فيكون الآن مفقوداً لا موجودا لأنه داخل فى هذا العموم والأصل عدم المخصص حتى يثبت بدليل صحيح يجب قبوله والله اعلم اه ببعض اختصار (قلت واما نبى الله الياس) عليه السلام فلم أجد له ذكرا فى مسند الامام احمد، وقد ذكره الله عز وجل فى كابه العزيز فى قوله تعالى (وان الياس لمن المرسلين) الآيات الى قوله (أنه من عبادنا المؤمنين) قال الحافظ بن كثير فى تفسيره قال وهب بن منبه هو الياس بن نسى بن فخاص بن العيزار بن هارون بن عمران، بعثه الله تعالى فى بنى اسرائيل بعد حزقيل عليهما السلام وكانوا قد عبدوا صنما يقال له بعل فدعاهم الى الله تعالى ونهاهم عن عبادة ما سواه، وكان قد آمن به ملكهم ثم ارتد، واستمروا على ضلالتهم ولم يؤمن به منهم أحد فدعا الله عليهم فحبس عنهم القطر ثلاث سنين ثم سألوه أن يكشف ذلك عنهم ووعدوه الايمان به ان أصابهم المطر، فدعا الله تعالى لهم فجاءهم الغيث فاستمروا على أخبث ما كانوا عليه من الكفر، فسأل الله أن يقبضه اليه، وكان قد نشأ على يديه اليسع بن أخطب فأمر الياس أن يذهب الى مكان كذا وكذا فمهما جاءه فليركبه ولا يهبه فجاءته فرس من نار فركب والبسه الله تعالى النور وكساه الريش، وكان يطير مع الملائكة ملكا إنسيا سماويا، أرضيا هكذا حكاه وهب بن منبه عن أهل الكتاب والله أعلم بصحته اه (قلت) زاد البغوى فى تفسيره وسلط الله تعالى على آجب الملك وقومه عدوا لهم فقصدهم من حيث لم يشعروا به حتى رهقهم فقتل آجب وامرأته ازبيل (أى لأنها كانت من أخبث خلق الله، وهى التى حملت زوجها الملك على الردة) فلم تزل جيفتاهما ملقاتين فى المكان الذى قتل فيه حتى بليت لحومها ورّمت عظامهما (واليك تفسير ما جاء فى شأن نبى الله الياس عليه السلام من كتاب الله عز وجل: قال تعالى (وان الياس لمن المرسلين) اذا ثبت أنه رسول فهو نبى قطعا لأن الرسالة أعم من النبوة فكل رسول نبى ولا كل نبى رسول (اذ قال لقومه الا تتقون) الله وتذرون عبادة الأصنام وتخافون عقابه على عبادتكم غيره (أتدعون بعلا) أى تعبدون بعلا وهو اسم صنم لهم كانوا يعبدونه، ولذلك سميت مدينتهم بعلبك وهى غربى دمشق، قال مجاهد وعكرمة وقتادة البعل الرب بلغة أهل اليمن (وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين) أى هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له (فكذبوه فإنهم

ص: 111

_________

لمحضرون) أي العذاب يوم الحساب (الا عباد الله المخلصين) أى الموحدين منهم (وتركنا عليه فى الآخرين) أى أبقينا له من بعده ذكرا جميلا وثناءا حسنا ثم فسره بقوله (سلام على الياسين) كما يقال بنى اسماعيل اسماعين، وهى لغة بنى أسد، والمراد به الياس المتقدم ذكره، وقيل هو ومن آمن معه فجمعوا معه تغليبا كقولهم المهلب وقومه المهلبون (انا كذلك نجزى المحسنين انه من عبادنا المؤمنين (ذكر نبى الله اليسع) قال محمد بن اسحاق فيما ذكر له عن وهب بن منبه قال ثم تنبأ فيهم بعد ألياس وصيه اليسع بن أخطوب عليه السلام (قلت) وقد ذكره الله تعالى مع الأنبياء فى سورة الأنعام فى قوله تعالى (واسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين) وقال تعالى فى سورة ص (واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار)(قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر) فى حرف الياء من تاريخه أليسع وهو الأسباط بن عدى بن شوتلم بن افرائيم بن يوسف بن يعقوب بن اسحاق ابن ابراهيم الخليل، ويقال هو ابن عم ألياس النبى عليهما السلام، ويقال كان مستخفيا معه فى جبل قاسيون من ملك بعلبك ثم ذهب معه اليها فلما رفع الياس خلفه اليسع فى قومه ونبأه الله بعده، وعن الحسن قال كان بعد الياس اليسع عليهما السلام فمكث ما شاء الله ان يمكث يدعوهم الى الله مستمسكا بمنهاج الياس وشريعته حتى قبضه الله عز وجل اليه، ثم خاف فيهم الخلوف وعظمت فيهم الخطايا وكثرت الجبابرة وقتلو الأنبياء وكان فيهم ملك عنيد طاغ ويقال انه الذى تكفل له ذو الكفل ان هو تاب ورجع دخل الجنة فسمى ذا الكفل (ذكر نبى الله ذى الكفل) قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه الظاهر من ذكره فى القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء (يعنى قوله تعالى واذكر اسماعيل واليسع وذا الكفل الآية) انه نبى وهذا هو المشهور، وقد زعم آخرون أنه لم يكن نبيا وانما كان رجلا صالحا وحكما مقسطا عادلا، وتوقف ابن جرير فى ذلك، روى ابن جرير وابن أبى حاتم من طريق داود بن أبى هند عن مجاهد أنه قال لما كبر اليسع قال لو أنى استخلفت رجلا على الناس يعمل فى حياتى حتى أنظر كيف يعمل، فجمع الناس فقال من يتقبل لى بثلاث أستخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب؟ قال فقام رجل تزدريه العين فقال أنا، فقال أنت تصوم الليل وتقوم النهار ولا تغضب؟ قال نعم، قال فردٌهم ذلك اليوم وقال مثلها اليوم الآخر، فسكت الناس وقام ذلك الرجل فقال أنا، فاستخلفه والله أعلم (مقدمة لذكر نبى الله داود عليه السلام وقصة طالوت من كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل فى كتابه العزيز (الم تر الى الملأ من بنى اسرائيل من بعد موسى اذ قالوا لنبى لهم ابعث لنا ملكا نقاتل فى سبيل الله) اختلف العلماء فى ذلك النبى فقال السدى هو شمعون، وقال مجاهد هو شمويل وكذا قال محمد بن اسحاق عن وهب بن منبه، وقال سائر المفسرين هو شمويل وهو بالعبرانية اسماعيل ابن بالى بن علقمة، وقال مقاتل هو من نسل هارون، وقال الأمام البغوى فى تفسيره وقال وهب وابن اسحاق والكلبى وغيرهم كان سبب مسألتهم اياه ذلك أنه لما مات موسى عليه السلام خلف بعده فى بنى اسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم التوراة وأمر الله تعالى حتى قبضه الله تعالى، ثم خلف فيهم كالب ابن يوفنا كذلك حتى قبضه الله تعالى، ثم خلف حزقيل حتى قبضه الله تعالى ثم عظمت الأحداث فى بنى اسرائيل ونسوا عهد الله حتى عبدوا الأوثان فبعث الله اليهم الياس نبيا فدعاهم الى الله تعالى وكانت الأنبياء من بنى اسرائيل من بعد موسى يبعثون اليهم بتجديد ما نسوا من التوراة

ص: 112

.

ثم خلف من بعد الياس اليسع فكان فيهم ما شاء الله، ثم قبضه الله وخلف فيهم الخلوف وعظمت الخطايا فظهر لهم عدو يقال له البلثائا، وهو قوم جالوت يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وهم العمالقة، فظهروا على بنى اسرائيل وغلبوا على كثير من أرضهم وسبوا كثيرا من ذرأريهم، وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائة وأربعين غلاما فضربوا عليهم بالجزية، واخذوا التوراة من بين أيديهم ولم يبق من يحفظها فيهم إلا القليل، وانقطعت النبوة من أسباطهم ولم يبق من سبط لاوى الذى يكون فيه الأنبياء إلا امرأة حامل من بعلها وقد قتل، فأخذوها فحبسوها فى بيت واحتفظوا بها لعل الله يرزقها غلاما يكون نبيا لهم، ولم تزل المرأة تدعوا الله عز وجل أن يرزقها غلاما: فسمع الله لها ووهبها غلاماً فسمته شمويل أى سمع الله دعائى، ومنهم من يقول شمعون وهو بمعناه، فشب ذلك الغلام ونشأ فيهم وأنبته الله نباتاً حسنا، فلما بلغ سن الانبياء أوحى الله اليه وأمره بالدعوة اليه وتوحيده فدعا بنى اسرائيل فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكا يقاتلون معه أعداءهم، وكان الملك أيضا قد باد فيهم، فقال لهم النبى (هل عسيتم ان كتب عليكم القتال ان لا تقاتلوا؟) معناه يقول لعلكم إن فرض عليكم القتال مع ذلك الملك أن لا تقاتلوا أى لا تفوا بما تقولون ولا تقاتلوا معه (قالوا وما لنا أن لا نقاتل فى سبيل الله) قال الأخفش (أن) هنا زائدة ومعناها ومالنا لا نقاتل فى سبيل الله، وقال الفراء أى وما يمنعنا أن لا نقاتل فى سبيل الله (وقد اخرجنا من ديارنا وأبنائنا) أى وقد أخذت منا البلاد وسبيت الأولاد، والمعنى كنا نزهد فى الجهاد إذ كنا ممنوعين فى بلادنا لا يظهر علينا عدونا، فأما اذ بلغ ذلك منا فنطيع ربنا فى الجهاد ونمنع نساءنا وأولادنا قال تعالى (فلما كتب عليهم القتال تولوا) أعرضوا عن الجهاد وضيعوا أمر الله (إلا قليلا منهم) وهم الذين عبروا النهر مع طالوت واقتصروا على الغَرفة على ما سيأتى (والله عليم بالظالمين) أى الذين نكلوا ولم يفوا بما وعدوا (وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا) أى لما طلبوا من نبيهم ان يعين لهم ملكا منهم فعين لهم طالوت وكان رجلا من أجنادهم ولم يكن من بيت الملك فيهم، لأن الملك كان فى سبط يهوذا ولم يكن هذا من ذلك السبط، فلهذا قالوا (أنى يكون له الملك علينا) أى كيف يكون ملكا علينا (ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) أى ثم هو مع هذا فقير لا مال له يقوم الملَك: وقد ذكر بعضهم انه كان سقاء وقيل دباغا، وهذا اعتراض منهم على نبيهم وتعنت، وكان الأولى بهم طاعة وقول معروف، فأجابهم النبى قائلا (ان الله اصطفاه عليكم) أى اختاره لكم من بينكم والله أعلم به منكم، يقول لست أنا الذى عينته من تلقاء نفسى، بل الله أمرنى به لما طلبتم منى ذلك (وزاده بسطة فى العلم والجسم) أى وهو مع هذا أعلم منكم واقبل وأشكل منكم وأشد قوة وصبرا فى الحرب ومعرفة بها، أى اتم علما وقامة منكم: ومن هذا ينبغى ان يكون الملك ذا علم وشكل حسن وقوة شديدة فى بدنه ونفسه ثم قال (والله يؤتى ملكه من يشاء) أى هو الحاكم الذى ما شاء فعل ولا يسئل عما يفعل لعلمه وحكمته ورأفته بخلقه، ولهذا قال (والله واسع عليم) أى هو واسع الفضل يختص برحمته من يشاء، عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحقه (وقال لهم نبيهم ان آية ملكه ان يأتيكم التابوت) قال الامام البغوى فى تفسيره وكانت قصة التابوت ان الله تعالى أنزل تابوتا على آدم فيه صورة الانبياء عليهم الصلاة والسلام، وكان من عود الشمشاد نحوا من ثلاثة اذرع فى ذراعين، فكان عند آدم الى ان مات ثم بعد ذلك عند شيث، ثم توارثه أولاد آدم الى ان بلغ ابراهيم، ثم كان عند اسماعيل لأنه كان أكبر ولده، ثم عند يعقوب، ثم كان فى بنى اسرائيل إلى أن وصل إلى موسى

ص: 113

.

فكان موسى يضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه، فكان عنده الى ان مات ثم تداولته أنبياء بنى اسرائيل الى وقت شمويل، وكان فيه ما ذكر الله تعالى بقوله (فيه سكينة من ربكم) اختلفوا فى السكينة ما هى؟ قال على ابن أبى طالب رضى الله عنه ربح خجوج خفاقة لهار أسان ووجه كوجه الانسان، وعن مجاهد شئ يشبه الهرة له رأس كرأس الهرة وذنب كذنب الهرة وله جناحان، وقيل له عينان لهما شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد، فكانوا إذا سمعوا صوته تيقنوا بالنصرة، وكانوا اذا خرجوا وضعوا التابوت قدامهم، فاذا سار ساروا واذا وقف وقفوا، وعن وهب بن منبه قال هى روح من الله يتكلم اذا اختلفوا فى شئ يخبرهم ببيان ما يريدون، وقال عطاء بن أبى رباح هى ما يعرفون من الآيات فيسكنون اليها، وقال قتادة والكلبى السكينة فعلية من السكون اى طمأنينة من ربكم ففى اى مكان كان التابوت اطمأنوا اليه وسكنوا (وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون) يعنى موسى وهارون نفسهما كان فيه لوحان من التوراة ورضاض الألواح التيكسرت، وكان فيه عصا موسى ونعلاه وعمامة هارون وعصاه وقفيز من المن الذى كان ينزل على بنى اسرائيل، فكان التابوت عند بنى اسرائيل، فلما عصوا وافسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبهم على التابوت واخذوه مع التوراة كما تقدم، فلما اراد الله عز وجل ان يكون طالوت ملكا جعل رد التابوت اليهم برهانا لذلك فأمر الملائكة بحمله ورده اليهم، ولذلك قال (تحمله الملائكة) قال ابن عباس جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدى طالوت والناس ينظرون، وقال المهدى أصبح التابوت فى دار طالوت فآمنوا بنبوة شمعون وأطاعوا طالوت (إن فى ذلك لآية) لعبرة (لكم ان كنتم مؤمنين) قال ابن عباس رضى الله عنهما ان التابوت وعصى موسى فى بحيرة طبرية وانهما يخرجان قبل يوم القيامة والله أعلم: قوله تعالى (فلما فصل طالوت بالجنود) أى خرج بهم واصل الفصل القطع يعنى قطع مستقره شاخصا الى غيره فخرج طالوت من بيت المقدس بالجنود وهم يومئذ سبعون الف مقاتل، وقيل ثمانون الفا لم يتخلف عنه إلا كبير لهرمه أو مريض لمرضه أو معذور لعذره، وذلك أنهم لما رأوا التابوت لم يشكوا فى النصر فتسارعوا إلى الجهاد، فقال طالوت لا حاجة فى كل ما أزى، لا يخرج معى رجل يبنى بناء لم يفرغ منه، ولا صاحب تجارة يشتغل بها، ولا رجل عليه دين، ولا رجل تزوج امرأة ولم يبن بها، ولا يتبعنى إلا الشاب النشيط الفارغ: فاجتمع له أربعة آلاف ممن شرطه وكان فى حر شديد، فشكوا قلة الماء بينهم وبين عدوهم فقالوا ان المياه قليلة لا تحملنا فادع الله ان يجرى لنا نهرا (قال) طالوت (ان الله مبتليكم بنهر) مختبركم يرى طاعتكم، قال ابن عباس والسدى هو نهر فلسطين، وقال قتادة نهر بين اردن وفلسطين عذب (فمن شرب منه فليس منى) أى من أهل دينى وطاعتى (ومن لم يطعمه) أى لم يشرب منه (فانه منى إلا اغترف غرفة بيده) قال ابن عباس من اغترف منه بيده روى، ومن شرب منه لم يرو (فشربوا منه إلا قليلا منهم) واختلفوا فى القليل الذين لم يشربوا وجازو معه النهار، فقال السدى كانوا أاربعة آلاف، وقال غيره ثلاثمائة وبضعة عشر وهو الصحيح، ويؤيده الحديث الآتى عن البراء بن عازب رضى الله عنه، ولم يجاوزه معه إلا مؤمن كما سيأتى فى الحديث المشار اليه، فلما وصلوا إلى النهر وقد القى الله عليهم العطش فشرب منه الكل إلا هذا العدد القليل، فمن اغترف غرفة كما أمر الله قوى قلبه وصح ايمانه وعبر النهر سالما وكفته تلك الغرفة الواحدة لشربه وجمله ودوابه، والذين شربوا وخالفوا أمر الله اسودت شفاههم وغلبهم العطش فلم يروا وبقوا على شط النهر وجنبوا عن لقاء العدو فلم يجاوزوا ولم يشهدوا الفتح، وقيل لهم جاوزوا ولكن لم يحضر القتال إلا الذين لم يشربوا

ص: 114

(باب عدد من جاوز النهار مع طالوت)(عن البراء بن عازب)(1) قال كنا نتحدث أن عدة أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم كانوا يوم بدر على عدة أصحاب طالوت يوم جالوت، ثلاثمائة وبضعة عشر (2).

(1)(سنده) حدثنا وكيع ثنا أبى وسفيان واسرائيل عن أبى اسحاق عن البراء بن عازب الخ (غريبه)(2) هذا هو الصحيح فى عدد الذين جاوزوا النهر معه كما تقدم (تخريجه)(خ) وابن جرير والبغوى قال تعالى (فلما جاوزه) يعنى النهر (هو) يعنى طالوت (والذين آمنوا معه) يعنى القليل (قالوا) أى الذين شربوا وخالفوا أمر الله وكانوا أهل شك ونفاق (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده) قال ابن عباس والسدى فأغرقوا ولم يجاوزوا (قال الذين يظنون) أى يتيقنون (أنهم ملاقوا الله) وهم الذين ثبتوا مع طالوت (كم من فئة) جماعة وهى جمع لا واحد له من لفظه وجمعها فئات وفئون فى الرفع وفئين فى الخفض والنصب (قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) بقضائه وقدره وارادته (والله مع الصابرين) بالنصر والمعونة (ولما برزوا) يعنى طالوت وجنوده يعنى المؤمنين (لجالوت وجنوده) المشركين، ومعنى برزوا صاروا بالبراز فى الأرضوهو ما ظهر واستوى فيها (قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا) أى أنزل واصبب (وثبت أقدامنا) أى قوّ قلوبنا (وانصرنا على القوم الكافرين) فهزموهم بإذن الله) تعالى (وقتل داود جالوت)(قصة نبى الله داود عليه السلام وقتل جالوت) ذكر السدى فيما يرويه أن داود عليه السلام كان أصغر أولاد أبيه وكانوا ثلاثة عشر ذكرا كان سمع طالوت ملك بنى اسرائيل وهو يحرض بنى اسرائيل على قتل جالوت وجنوده وهو يقول من قتل جالوت زوجته بابنتى وأشركته فى ملكى، وكان داود عليه السلام يرمى بالقذافة وهو المقلاع رميا عظيما، فبينما هو سائر مع بنى اسرائيل إذ ناداه حجر أن خذنى فان بى تقتل جالوت فأخذه ثم حجر آخر كذلك، ثم آخر كذلك فأخذ الثلاثة فى مخلاته فلما تواجه الصفان برز جالوت ودعا إلى نفسه فتقدم اليه داود فقال له ارجع فانى أكره قتلك، فقال لكنى أحب قتلك، وأخذ تلك الأحجار الثلاثة فوضعها فى القذافة ثم أدارها فصارت الثلاثة حجراً واحداً، ثم رمى بها جالوت ففلق رأسه وفر جيشه منهزما، فوفىّ له طالوت بما وعده وزوجه أبنته وأجرى حكمه فى ملكه وعظم داود عليه السلام عند بنى اسرائيل وأحبوه ومالوا اليه أكثر من طالوت، فذكروا أن طالوت حسده وأراد قتله واحتال على ذلك فلم يصل أليه، وجعل العلماء ينهون طالوت عن قتل داود فتسلط عليهم فقتلهم حتى لم يبق منهم الا القليل، ثم حصل له توبة وندم واقلاع عما سلف منه وجعل يكثر من البكاء ويخرج الى الجبانة فيبكى حتى يبل الثرى بدموعه، فنودى ذات يوم من الجبانة أن يا طالوت قتلتنا ونحن أحياء وآذيتنا ونحن أموات فازداد لذلك بكاؤه وخوفه واشتد وجله ثم جعل يسأل عن عالم يسأله عن أمره وهل له توبة فقيل له وهل أبقيت عالما؟ حتى دل على امرأة من العابدات فأخذته فذهبت به الى قبر يوشع عليه السلام، قالوا فدعت الله فقام يوشع من قبره فقال أقامت القيامة؟ فقالت لا، ولكن هذا طالوت يسألك هل له من توبة فقال نعم، ينخلع من الملك ويذهب ويقاتل فى سبيل الله حتى يقتل، ثم عاد ميتا، فترك الملك لداود عليه السلام وذهب ومعه ثلاثة عشر من أودلاه فقاتلوا فى سبيل الله حتى قتلوا: فذلك قوله تعالى (وآتاه الله الملك والحكمة ولعمه مما يشاء) هكذا ذكره ابن جرير، وفى بعض هذا نظر ونكارة، قال محمد بن اسحاق النبى الذى بعث فأخبر طالوت بتوبته هو اليسع بن أخطوب حكاه ابن جرير أيضا، وذكر الثعلبى أنها أتت به الى قبر

ص: 115

الذين جازوا معه النهر قال ولم يجاوز معه النهر إلا مؤمن (باب ما جاء فى فضله وقراءته وحسن صوته)(عن أبى هريرة)(1) عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال خفف على داود عليه السلام القراءة (2) وكان يأمر بدابته فسرج وكان يقرأ القرآن قبل أن تسرج دابته (3) وكان لا يأكل إلا من عمل يده (4)(عن عائشة رضى الله عنها)(5) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع صوت أبى موسى الأشعرى وهو يقرأ فقال أوتى أبو موسى من مزامير آل داود (6).

شمويل فعاتبه على ما صنع بعده من الأمور، قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه هذا أنسب، ولعله انما رآه فى المنام، لا أنه قام من القبر حياً، فان هذا إنما يكون معجزة لنبى، وتلك المرآة لم تكن نبية والله أعلم (ما جاء فى نسب داود عليه السلام قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه هو داود بن ايشا بن عويد بن عابر ابن سلمون بن تحثون بن عويناذب بن أرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن اسحاق ابن ابراهيم الخليل عبد الله ونبيه وخليفته فى أرض بيت المقدس، قال محمد بن اسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبه كان داود عليه السلام قصيرا أزرق العينين قليل الشعر طاهر القلب ونقيه تقدم أنه لما قتل جالوت وكان قتله له فيما ذكر ابن عساكر عند قصر أم حكيم بقرب مرح الصفر فأحبته بنو اسرائيل ومالوا اليه والى ملكه عليهم فكان من أمر طالوت ما كان وصار الملك الى داود عليه السلام وجمع الله له بين الملك والنبوة بين خيرى الدنيا والآخرة، وكان الملك يكون فى سبط والنبوة فى آخر، فاجتمع فى داود هذا وهذا كما قال تعالى (وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين) أى لولا إقامة الملوك حكاما على الناس لأكل قوى الناس ضعيفهم، ولهذا جاء فى بعض الآثار (السلطان ظل الله فى أرضه) وقال أمير المؤمنين عثمان بن عفان (ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) (باب) (1) (سنده) حدثنا عبد الرزاق بن همام ثنا معمر عن همام أبن منبه قال هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه) (2) هكذا جاء فى المسند القراءة: وجاء فى البخارى بلفظ (خفف على داود عليه السلام القرآن) وله فى رواية أخرى القراءة كما عند الامام احمد، قال التوربشتى أى الزبور، وانما قال القرآن لأنه قصد به إعجازه عن طريق القراءة، وقال غيره قرآن كل نبى يطلق على كتابه الذى أوحى اليه، قال العلماء وكان فى الزبور التحميد والتمجيد والثناء على الله، وقال القرطبى كان فيه مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، وانما هى حكم ومواعظ، وكان داود حسن الصوت اذا أخذ فى قراءة الزبور اجتمع عليه الأنس والجن والوحش والطير لحسن صوته (3) جاء عند البخارى فكان يأمر بدوابه فتسرح فيقرأ القرآن) يعنى الزبور (قبل ان تسرج دوابه) قال العلماء فيه دلالة على أن الله تعالى يطوى الزمان لمن شاء من عباده كما يطوى المكان لهم (4) قال ابن أبى حاتم حدثنا على بن الحسين حدثنا ابن سماعة حدثنا ابن ضمرة عن شوذب قال كان داود عليه السلام يرفع فى كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم الغين له ولأهله: وأربعة آلاف درهم يطعم بها بنى اسرائيل خبز الحوارى (تخريجه)(خ. وغيره)(5)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهرى عن عروة عن عائشة الخ (غريبه)(6) تقدم مثله من حديث بريدة الأسلمي فى باب

ص: 116

(عن أبي هريرة)(1) ان النبى صلي الله عليه وسلم سمع عبد الله بن قيس فقال لقد أعطى هذا من مزامير آل داود النبى عليه السلام (وفى لفظ) لقد أعطى أبو موسى مزامير داود (باب ما جاء فى صومه وصلاته)(عن عبد الله بن عمرو بن العاص)(2) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أحب الصيام الى الله صيام داود، وأحب الصلاة الى الله صلاة داود (3) كان ينام نصفه ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما.

ما جاء في الجهر بقراءة القرآن والتغنى به الخ فى الجزء الثامن عشر صحيفة 15 رقم 43 وتقدم شرحه هناك (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعزاه للإمام احمد وقال هذا على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه إه (قلت) آخرجه الشيخان من حديث أبى موسى نفسه (1)(سنده) حدثنا روح حدثنا محمد بن أبى حفصة قال حدثنا الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة الخ (تخريجه)(جه) وسنده جيد ورجاله تقات وتقدم مثله عن أبى هريرة أيضا فى الباب المشار أليه آنفا فى الجزء الثامن عشر صحيفة 15 رقم 42 وتقدم شرحه هناك (باب)(2)(سنده) حدثنا سفيان سمعت عمراً أخبرنى عمرو ابن أوس سمعه من عبد الله بن عمرو بن العاص الخ (غريبه)(3) المراد بالصيام والصلاة التطوع منهما (أما الصلاة) فقد بين كيفيتها المحبوبة بقوله (كان ينام نصفه) يعنى نصف الليل أعانة على قيام البقية المشار إليها بقوله تعالى (جعل لكم الليل لتسكنوا فيه)(ويقوم ثلثه) من أول النصف الثانى لكونه وقت التجلى وهو أعظم أوقات العبادة وافضل ساعات الليل والنهار (وينام سدسه) الأخير ليريح نفسه ويستقبل الصبح وأذكار النهار بنشاط، ولا يخفى ما فى ذلك من الأخذ بالأرفق على النفس التى يخشى سآمتها المؤدية لترك العبادة (وأما الصيام) فقد بين كيفيته المستحبة بقوله (وكان يصوم يوما ويفطر يوما) فهو أفضل من صوم الدهر لأنه أشق على النفس بمصادفة مألوفها يوما ومفارقته يوما (قال الامام الغزالى) وسره ان من صام الدهر صار الصوم له عادة فلا يحس بوقعه فى نفسه بالانكسار وفى قلبه بالصفاء وفى شهواته بالضعف، فان النفس انما تتأثر بما يرد عليها لا بما تمرنت عليه، ألا ترى أن الأطباء نهوا عن اعتياد شرب الدواء وقالوا من تعوده لم ينتفع به اذا مرض لالف مزاجه له فلا يتأثر به، وطب القلوب قريب من طب الأبدان أه (تخريجه)(ق دنس جه) وفى هذا الحديث دلالة على فضل داود عليه السلام (ومما ورد فى فضله) ما ذكر الله عز وجل فى كتابه بقوله (واذكر عبدنا داود ذا الأيد) قال ابن عباس أى القوة فى العبادة، وقال مجاهد الايدى القوة فى الطاعة، وقال قتادة أعطى داود عليه السلام قوة فى العبادة وفقها فى الاسلام، وقد ذكر لنا انه عليه السلام كان يقوم ثلث الليل ويصوم نصف الدهر (قلت) يعنى حديث الباب (إنه أوّاب) أى رجاع الى الله عز وجل بالتوبة عن كل ما يكره، قال ابن عباس مطيع، وقال سعيد بن جبير مسبح بلغة الحبش (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشىِّ والاشراق) أى إنه تعالى سخر الجبال تسبح معه عند اشراق الشمس وآخر النهار كما قال عز وجل (يا جبال أوبى معه والطير) وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه أذا مر به الطير وهو سابح فى الهواء تسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب، بل يقف فى الهواء ويسبح معه وتجيبه الجبال الشامخات ترجع معه وتسبح تبعا له (والطير محشورة) أى وسخرنا له الطير محبوسة فى الهواء مجموعة أليه تسبح معه (كل له أوَّب) مطيع رجاع إلى طاعته بالتسبيح، وقيل أوَّب معه أى مسبح (وشددنا ملكه) أى جعلنا له ملكا كاملا من جميع ما يحتاج

ص: 117

_________

إليه الملوك، قال أبن أبى نجيح عن مجاهد كان أشد أهل الدنيا سلطانا، وقال السدى كان يحرسه كل يوم أربعة آلاف، وقال بعض السلف ان كان يحرسه فى كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفا لا تدور عليهم النوبة فى مثلها من العام المقابل، وقد ذكر ابن جرير وأبن أبى حاتم من رواية علياء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما ان نفرين من بنى اسرائيل استعدى أحمدهما على الآخر الى داود عليه الصلاة والسلام انه أغتصبه بقرا فأنكر الآخر ولم يكن للمدعى بينة فأرجأ أمرهما حتى ينظر فيه، فأوحى الله داود فى منامه ان يتقل الذى أستعدى عليه، فقال هذه رؤيا ولست أعجل حتى أتثبت، فأوحى اليه مرة أخرى فلم يفعل فأوحى الله أليه الثالثة ان يقتله أو تأتيه العقوبة، فأرسل داود أليه فقال له أن الله أوحى الىِّ أن أقتلك. فقال تقتلنى بغير بينة، فقال داود نعم والله لانفذن أمر الله فيك، فلما عرف الرجل أنه قاتله قال له لا تعجل حتى أخبرك، انى والله ما أخذت بهذا الذنب، ولكنى كنت اغتلت والد هذا فقتلته فلذلك أخذت، فأمر به داود فقتل فاشتدت هيبة بنى اسرائيل عند ذلك لداود واشتد به ملكه، فذلك قول الله عز وجل (وشددنا ملكه وأتيناه الحكمة) يعنى النبوة والإصابة فى الأمور، وقال مجاهد يعنى الفهم والعقل (وفصل الخطاب) قال شريح القاضى والشعبى فصل الخطاب الشهود والأيمان، وقال قتادة شاهدان على المدعى أو يمين المدعى عليه هو فصل الخطاب الذى به الانبياء والرسل، أو قال المؤمنون والصالحون، وهو قضاء هذه الأمة الى يوم القيامة (روى ابن أبى حاتم) بسنده عن أبى موسى رضى الله عنه قال أول من قال (أما بعد) داود عليه السلام وهو فصل الخطاب، وكذا قال الشعبى فصل الخطاب أما بعد (قلت) يعنى قول الانسان بعد حمد الله والثناء عليه (أما بعد) اذا أراد الشروع فى كلام آخر والله أعلم (باب ما جاء فى فتنة داود عليه السلام ذكر بعض المفسرين واصحاب السير عن الاسرائيليات قصة منسوبة الى داود عليه السلام لا أساس لها من الصحة، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب أتباعه لأنها تخل بشرف النبوة، ولا يصح وقوعها من المتسمين بالصلاح فضلا عن بعض أعلام الأنبياء وهو داود عليه السلام الذى أثنى الله عليه فى كتابه ثناءا جميلا، وتقدم بعض ذلك، قالوا ان داود نظر الى امرأة أو ريا فأعجبته فأرسله الى الغزو مرة بعد مرة ليقتل الرجل ويتزوج أمرأته، وفعلا قتل الرجل فى الغزو فتزوج امرأته فهذا كذب واختلاف على الأنبياء، على أن قصته قد جاءت فى كتاب الله عز وجل فى قوله تعالى (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب: أذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط وأهدنا الى سواء الصراط: ان هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلينها وعزنى فى الخطاب: قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه، وأن كثيرا من الخلطاء ليبقى بعضهم على بعض ألا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم، وظن داود إنما فتناه فأستغفر ربه وخرّ راكعا وأناب، فغفرنا له ذلك وأن له عندنا لزلفى وحسن مآب) فما جاء فى كتاب الله عز وجل يشير الى أن داود عليه السلام طلب الى زوج المرأة أن ينزل له عنها، ويروى أن أهل زمانه كان يسأل بعضهم بعضا أن يتنازل له عن امرأته فيتزوجها أذا أعجبته، وكان لهم عادة فى المواساة بذلك وكان الأنصار فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم يواسون المهاجرين بمثل ذلك، فاتفق أن داود وقعت عينه على امرأة أوريا فاعجبته فسأله النزول له عنها فأستحى أن يرده ففعل فتزوجها داود، وقيل خطبها أوريا ثم غاب عنها فخطبها داود بعد أن طالت غيبة أوريا فآثره أهلها، فكانت زلته ان خطب امرأة مخطوبة لغيره على أنه لم يخطبها إلا بعد أن طالت غيبة أوريا، واختيار أهلها لداود لما له من الشرف والمكانة، وقد فهم

ص: 118

(باب ذكر وفاته وكيفيتها ومدة عمره (1) عليه السلام (عن أبى هريرة)(2) أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال كان داود النبي فيه غيرة شديدة، وكان اذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع، قال فخرج ذات يوم وغلقت الدار فأقبلت امرأته تطلع الى الدار فاذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن فى البيت من أين دخل هذا الرجل الدار والدار مغلقة؟ والله لتفتضحن فجاء داود فاذا الرجل قائم وسط الدار، فقال له داود من أنت؟ قال أنا الذى لا أهاب الملوك ولا يمتنع منى شئ، فقال داود أنت والله ملك الموت فمرحبا بأمر الله، فرُمل (3) داود مكانه حيث قبضت روحه حتى فرغ من شأنه وطلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير أظلى على داود، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض، فقال لها سليمان اقبضى جناحا جناحا، قال أبو هريرة، يرينا رسول الله صلي الله عليه وسلم كيف فعلت الطير وقبض رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده، وغلبت عليه يومئذ المطر حيه (4)

داود من قصة الرجلين المتخاصمين أنه هو المقصود بذلك، وفطن الى حقيقة الحال فاستغفر ربه وخر راكعا وجاهد نفسه راغبا الى الله عز وجل فى العفو والصفح والغفران، فتاب الله عليه وغفر زلته وبقى له منزلة الأنبياء المكرمين حيث قال عز من قائل (فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى وحسن مآب) أى وان له يوم القيامة لقربة يقربه الله عز وجل بها وحسن مرجع، وهو الدرجات العالية فى الجنة لنبوته وعدله التام فى ملكه، وما كان يدور يخلد نبى الله داود أن ذلك الأمر يستوجب اللوم والعقاب ولكن الله حاسبه فألزمه الحجة على علو كعبه وعظم منزلته حتى يوقن الناس ان الله عز وجل لا يترك صغيرة ولا كبيرة ألا أحصاها، وأنه يؤاخذ الناس جميعا بأعمالهم سواء فى ذلك زعامتهم وأنبياؤهم فلا يدع مؤاخذة نبى لنبوته ولا يغفل عن حق مظلوم أقعده ضعفه عن بسط ظلامته نسأله تعالى التوفيق الى أقوم طريق (باب)(1) تقدم فى باب أول من جحد آدم من كتاب الخلق فى هذا الجزء صحيفة 29 رقم 94 أنه لما استخرج الله ذرية آدم من ظهره فرآى آدم فيهم الأنبياء عليهم السلام ورأى فيهم رجلا يزهر فقال اى رب من هذا؟ فقال هذا؟ فقال هذا ابنك داود، قال أى رب كم عمره؟ قال ستون عاما، قال أى رب زد فى عمره قال لا: إلا أن أزيد من عمرك، وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاما، فلما إنقضى عمر آدم جاءه ملك الموت فقال بقى من عمرى أربعون سنة ونسى آدم ما كان وهبه لولده داود، فأتمها الله لآدم ألف سنة ولداود مائة سنة (2)(سنده) حدثنا قتيبة حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد يعنى القارى عن عمرو بن أبى عمرو عن المطلب عن أبى هريرة الخ (غريبه)(3) جاء فى رواية أخرى للامام أحمد ثم مكث حتى قبضت روحه، والظاهر أن معنى قوله رمل أى دفن والله أعلم (4) بالضاد المعجمة وجاء فى الأصل بالصاد المهملة وهو خطأ من الناسخ (قال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه ومعنى قوله (وغلبت عليه يومئذ المضر حية) أى وغلبت على التظليل عليه الصقور الطوال الأجنحة وأحدها مضر حيّ، قال الجوهرى وهو الصقر الطويل الجناح (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعزاه للامام احمد فقط وقال انفرد باخراجه الامام أحمد واسناده جيد قوى ورجاله ثقات، قال وقال ابن جرير وقد زعم بعض أهل الكتاب أن عمر داود كان سبعا وسبعين سنه (قلت) هذا غلط مردود عليهم، قالوا وكان مدة ملكه أربعين سنة وهذا قد يقبل نقله لأنه ليس عندنا ما ينافيه ولا ما يقتضيه، وقال السعدى

ص: 119

(باب ذكر نبى الله سليمان وعظم ملكه)(عن عبد الله بن عمرو)(1) قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ان سليمان بن داود عليه السلام سأل الله ثلاثا فأعطاه اثنتين، ونحن نرجو أن تكون له الثالثة (2) فسأله حكما يصادف حكمه (3) فأعطاه إياه، وسأله ملكا لا ينبغى لأحد من بعده (4) فأعطاه إياه.

عن أبي مالك عن أبن عباس قال مات داود عليه السلام فجأة وكان بسبت (يعنى يوم السبت) وكانت الطير تظله، وقال اسحاق بن بشر عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن قال مات داود عليه السلام وهو ابن مائة سنة، وقال أبو السكن الهجرى مات ابراهيم الخليل فجأة وداود فجأة وابنه سليمان فجأة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (باب ذكر نبى الله سليمان بن داود عليهما السلام ونسبه) قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه قال الحافظ ابن عساكر هو سليمان بن داود بن ايشا بن عويد بن عابر أبن سلمون بن نحشون بن عمينا داب بن أرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم أبى الربيع نبى الله بن نبى الله، (جاء فى بعض الآثار) أنه دخل دمشق، قال ابن ماكولا فارص بالصاد المهملة وذكر نسبه قريبا مما ذكره ابن عساكر قال الله تعالى (وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ ان هذا لهو الفضل المبين) أى ورثه فى النبوة والملك، وليس المراد ورثه فى المال، لأنه قد كان له بنون غيره فما كان ليخص بالمال دونهم، ولأنه قد ثبت فى الصحاح من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا فهو صدقة (وفى لفظ)(نحن معاشر الأنبياء لا نورث) فأخبر الصادق المصدوق أن الأنبياء لا تورث أموالهم عنهم كما يورث غيرهم، بل تكون أموالهم صدقة من بعدهم على الفقراء والمحاويج لا يخصون بها أقرباءهم، لأن الدنيا كانت أهون عليهم واحقر عندهم من ذلك، كما هى عند الذى أرسلهم وفضلهم واصطفاهم (وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير الآية) يعنى انه عليكم السلام كان يعرف لغة الطير وتخاطبه بلغاتها ويعبر للناس عن مقاصدها وارادتها، وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات، والدليل على هذا قوله بعد هذا من الآيات (وأوتينا من كل شئ) أى من كل ما يحتاج الملك أليه من العدد والآلات والجنود والجيوش والجماعات من الجن والانس والطيور والوحوش والشياطين السسارحات والعلوم والفهوم والتعبير عن ضمائر المخلوقات من الناطقات والصامتات ثم قال (لن هذا لهو الفضل المبين) أى من بارئ البريات وخالق الارض والسموات، وهو الذى جدد بناء بيت المقدس، وأول من جعله مسجدا يعقوب أبن اسحاق بن ابراهيم الخليل كما تقدم ذلك فى آخر باب ذكر نبى الله اسحاق ثم يعقوب ثم جدده سليمان بناه بناء محكما بأمر الله عز وجل، وكان سؤاله الملك الذى لا ينبغى لأحد من بعده بعد إكماله لبيت المقدس كما يشير الى ذلك الحديث الآتى (1)(سنده) حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا ابراهيم بن محمد أبو اسحاق الفزارى حدثنا الاوزاعى حدثنى وبيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلى عن عبد الله بن عمرو (يعنى ابن العاص) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) جاء فى رواية أخرى بلفظ إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه عز وجل خلالا ثلاثا الخ (3) يعنى حكم الله عز وجل (فأعطاه إياه) وستأتى القصة فى ذلك فى الباب التالى (4) ذكر الحافظ ابن كثير فى تفسير قوله تعالى حكاية عن سليمان (قال رب اغفر لى وهب لى

ص: 120

وسأله إيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد (1) خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه فنحن نرجو أن يكون الله عز وجل قد اعطاه إياه (عن أبى هريرة)(2) عن النبى صلي الله عليه وسلم قال ان عفريتا من الجن تفلت علىّ البارحة ليقطع علىّ الصلاة فامكننى الله منه فدَعَتُه وأردت أن أربطه الى جنب سارية من سوارى المسجد حتى تصبحوا فتنظروا اليه كلكم أجمعون، قال وأردت أن أربطه الى جانب سارية من سوارى المسجد حتى تصبحوا فتنظروا اليه كلكم أجمعون، قال فذكرت دعوة أخى سليمان رب هب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى، قال فردُه خاسئاً.

ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي) ذكر فى ذلك أقوالا ثم قال الصحيح أنه سأل من الله ملكا لا يكون لأحد من بعده من البشر مثله، قال وهذا هو ظاهر السياق من الآية، وبذلك وردت الأحاديث الصحيحة من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرها (منها) الحديث التالى وعزاه للإمام أحمد (1) يعنى مسجد بيت المقدس الذى بناه وجدده (تخريجه)(ق، وغيرهما) قال العلماء إنما دعا سليمان ربه بهذه الدعوات بعد أن ابتلاه الله بالفتنة وبعد بناء بيت المقدس قال تعالى (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب (قال رب اغفر لى الخ)(2)(عن أبى هريرة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب ما جاء فى خلق الجن الخ فى هذا الجزء صحيفة 24 رقم 78 وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما (هذا) وقد ذكر المفسرون وأصحاب السير فى فتنة سليمان قصصاً كثيرة كلها من الإسرائيليات، ومنهم الحافظ ابن كثير ولكنه نبه أنها من الإسرائيليات اخترت منها هذه القصة لأنها أقرب الى الصواب والعقل (باب فتنة سليمان عليه السلام (قال السدى) فى قوله تعالى (ولقد فتنا سليمان) أى ابتلينا سليمان (وألقينا على كرسيه جسدا) قال شيطانا جلس على كرسيه أربعين يوما، قال كان لسليمان عليه الصلاة والسلام مائة امرأة، وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة وهى آثر نسائه وآمنهن عنده وكان اذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه ولم يأمن عليه أحدا من الناس غيرها، فأعطاها يوما خاتمه ودخل الخلاء فخرج الشيطان فى صورته فقال هاتى الخاتم فأعطته فجاء حتى جلس على مجلس سليمان وخرج سليمان بعد ذلك فسألها أن تعطيه خاتمه، فقالت ألم تأخذه قبل؟ قال لا، وخرج من مكانه تائها ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما، قال فأنكر الناس أحكامه فاجتمع قراء بنى اسرائيل وعلماؤهم فجاءوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا لهن إنا قد أنكرنا هذا فان كان سليمان: فقد ذهب عقله وأنكرنا أحكامه، قال فبكى النساء عند ذلك، قال فأقبلوا يمشون حتى أتوه فأحدقوا به ثم شرعوا يقرءون التوراة: قال فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه، ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه فى البحر فابتلعه حوت من حيتان البحر، قال وأقبل سليمان عليه السلام فى حالته التى كان فيها حتى انتهى إلى صيادى البحر وهو جائع وقد اشتد جوعه فسألهم عن صيدهم وقال إنى أنا سليمان، فقام أليه بعضهم فضربه بعصا فشجه فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر، فلام الصيادون صاحبهم الذى ضرب فقالوا بئس ما صنعت حيث ضربته، قال إنه زعم أنه سليمان قال فأعطوه سمكتين مما قد ندر عنذهم (أى تغيير) ولم يشغله ما كان به من الضرب حتى قام إلى شاطئ البحر فشق بطونهما فجعل يغسل فوجد خاتمه فى بطن إحداهما، فأخذه فلبسه فرد الله عليه بهاءه وملكه، فجاءت الطير حتى حامت عليه فعرف القوم أنه سليمان عليه السلام، فقام القوم يعتذرون مما صنعوا، فقال ما أحمدكم

ص: 121

(باب ما جاء في شيء من حكمه فى القضايا)(عن أبى هريرة)(1) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم بينما امرأتان معهما ابنان لهما جاء الذئب فأخذ أحد الابنين (2) فتحاكما الى داود فقضى به الكبرى (3) فخرجتا فدعاهما سليمان فقال هاتوا السكين أشقه بينهما (4) فقالت الصغرى يرحمك الله هو أبنها لا تشقه، فقضى به الصغرى (5) قال أبو هريرة والله ان علمنا ما السكين إلا يومئذ (6).

على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم، كان هذا الأمر لابد منه، قال فجاء حتى أتى ملكه وأرسل الى الشيطان فجئ به فأمر به فجعل فى صندوق من حديد ثم أطبق عليه وقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه، ثم أمر به فالقى فى البحر فهو فيه حتى تقوم الساعة، وكان اسمه حبقبق، قال وسخر الله له الريح ولم تكن سخرت له قبل ذلك، وهو قوله (وهب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح الآية)(باب)(1)(سنده) حدثنا على بن حفص أنا ورقاء عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة الخ (غريبه)(2) جاء عند الشيخين فتنازعتا فى الآخرة فقالت الكبرى انما ذهب بابنك وقالت الصغرى إنما ذهب بابنك، فتحا كمتا الخ (3) إنما قضى به للكبرى لأمارات ظهرت له وان كانت غير الحقيقة فى الواقع (4) أنما قال ذلك سليمان لما التبس عليه الأمر وهو يعلم أن الانسان يرضى باغتصاب ولده ويبقى حيا أولى من ذبحه أمامه فاراد ان يختبرهما بذلك، وهذا من حسن السياسة وتوفيق الله تعالى اله (5) حينئذ علم انه ابن الصغرى فقضى به لها (6) معناه انهم لم يعلموا ان المدية يقال لها سكين أيضا الا هذا اليوم من النبى صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(ق، وغيرهما) ومن ذلك قول الله عز وجل (وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث اذ تفشت فيه غم القوم وكنا لحكمهم شاهدين: ففناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما) وقد ذكر شريح القاضى وغير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كان لهم كرم فنفشت فيه غم قوم آخريم أى رعته بالليل فأكلت شجره بالكلية، فتحاكموا إلى داود عليه السلام فحكم لأصحاب الكرم بقيمته، فلما خرجوا على سليمان قال بما حكم لكم نبى الله؟ فقالوا بكذا وكذا، فقال أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم، فيستغلونها نتاجا ودرَّا حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى ما كان عليه ثم يتسلموا غنمهم، فبلغ داود عليه السلام ذلك فحكم به، ولعل كلا من الحكمين كان سائغا فى شريعتهم ولكن ما قاله سليمان أرجح، ولهذا النى الله عليه بما ألهمه إياه ومدح بعد ذلك إياه فقال (وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين وعلمناه صنعة لبوس) وهى الدرع لأنها تلبس، وهو أول من صنعها وكان قبلها صفائح (لنحصنكم من بأسكم) أى لتقيكم من حربكم مع أعدائكم (فهل أنتم شاكرون) نعمى عليكم أى أشكرونى بذلك (ولسليمان الريح عاصفة) أى وسخرنا لسليمان الريح عاصفة أى شديدة الهبوب وفى آية أخرى (رخاءاً) أى خفيفة الهبوب بحسب إراداته (تجرى بأمره الى الأرض التى باركنا فيها) وهى الشام (وكنا بكل شئ عالمين) ومن ذلك علمه تعالى بأن ما يعطيه سليمان يدعوه إلى الخضوع لربه ففعله تعالى على نقتضى علمه، وقال تعالى فى سورة ص (فسخرنا له الريح تجرى بأمره رخاءاً حيث أصاب) أى حيث أراد من البلاد (والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقَّرنين فى الأصفاد، هذا عطاءنا فامنن أو أمسك) أى إعط من شئت؟ وأمسك عمن شئت (بغير حساب) ولا حرج عليك فيما أعطيت وفيما أمسكت (قال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه كان له بساط مركب من أخشاب بحيث انه يسع جميع

ص: 122

وما كنا نقول إلا المدبة (باب ما جاء فى كثرة نسائه وسراريه)(عن أبى هريرة)(1) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة بمائة امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما.

ما يحتاج إليه من الدور المتينة والقصور والخيام والأمتعة والخيول والجمال والأثقال والرجال من الانس والجن وغير ذلك من الحيوان والطيور، فإذا أراد سفرا أو مستنزها أو قتال ملك أو أعداء من أى بلاد الله شاء حمل هذه الأمور المذكورة على البساط ثم أمر الريح فدخلت تحته فرفعته فإذا استقل بين السماء والأرض أمر الرخاء فسارت به، فان أراد أسرع من ذلك أمر العاصفة فحملته أسرع ما يكون فوضعته فى أى مكان شاء بحيث أنه كان يرتحل فى أول النهار من بيت المقدس فتغدو به الريح فتضعه باصطخر مسيرة شهر فيقيم هناك إلى آخر النهار، ثم يروح من آخره فترّده إلى بيت المقدس كما قال تعالى (ولسليمان الريح غدوّها، شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور) قال الحسن البصرى كان يغدو من دمشق فبنزل باصطخر فيتغدى بها ويذهب رائحاّ منها فيبيت بكابل، وبين دمشق وبين اصطخر مسيرة شهر، وبين اصطخر وكابل مسيرة شهر (قال الحافظ ابن كثير) قد ذكر المتكلمون على العمران والبلدان أن اصطخر بنتها الجان لسليمان وكان فيها قرار مملكة الترك قديما وكذلك غيرها من بلدان شتى كتدمر وبيت المقدس وباب جبرون وباب البريد الذى بدمشق على أحد الأقوال (وإما للقِطر) فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحد هو النحاس، قال قتادة وكانت باليمن أنبعها الله له، قال السدى ثلاثة أيام فقط أخذ منها جميع ما يحتاج اليه للبنايات وغيرها وقوله تعالى (ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير) أى وسخر الله له من الجن عمالا يعملون له ما يشاء لا يفترون ولا يخرجون عن طاعته، ومن خرج منهم عن الأمر عذبه ونكل به (يعملون له ما يشاء من محاريب) وهى الأماكن الحسنة وصدور المجالس (وتماثيل) وهى الصور فى الجدران، وكان هذا سائغا فى شريعتهم وملتهم (وجفان كالجواب) قال ابن عباس الجَفنة كالجوبة من الارض وعنه الحياض وكذا قال مجاهد والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم، وعلى هذه الرواية يكون الجواب جمع جابية وهى الحوض يجيء فيه الماء، (وقدور راسيات) أى ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها وهكذا قال مجاهد وغير واحد: ولما كان هذا بصدد أطعام الطعام والاحسان إلى الخلق من إنس وجان قال تعالى (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور) وقال تعالى (والشياطين كل بناء وخواص وآخرين مقرنين فى الاصفاد) يعنى ان منهم من قد سخره فى البناء ومنهم من يأمره بالغوص فى الماء لاستخراج ما هنالك من الجواهر واللآلئ وغير ذلك مما لا يوجد إلا هناك (وقوله وآخرين مقرنين فى الاصفاد) أى قد عصوا فقيدوا مقرنين اثنين فى الأصفاد وهى القيود، هذا كله من جملة ما هيأه الله وسخر له من الاشياء التى هى من تمام الملك الذى لا ينبغى لأحد من بعده، ولم يكن أيضا لمن كان قبله (باب)(قال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه ذكر غير واحد من السلف انه كان لسليمان من النساء ألفى امرأة، سبعمائة بمهور وثلاثمائة سوارى، وقيل بالعكس ثلاثمائة حرائر وسبعمائة من الإماء، وقد كان يطيق من التمتع بالنساء أمرا عظيما جدا ثم ذكر حديث الباب (1)(سنده) حدثنا عبد الرزاق

ص: 123

يقاتل في سبيل الله، قال ونسى أن يقول إن شاء الله، فأطاف بهن قال فلم تلد منهن إلا واحد نصف انسان (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قال إن شاء الله لم يحنث (2) وكان دركا لحاجته وفى لفظ لو أنه كان قال ان شاء الله لو لدت كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف فى سبيل الله عز وجل

حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبى هريرة الخ (غريبه)(1) الظاهر والله أعلم انه ضعيف لا يصلح ولا يغنى شيئا (2) أى لم يؤاخذ وكان دركا لحاجته أى ولدت كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف فى سبيل الله كما فى الرواية الأخرى (تخريجه)(ق. وغيرهما) وقد كان له عليه السلام من أمور الملك وكثرة الجنود وتنوعها ما لم يكن لأحد قبله ولا يعطيه الله أحدا من بعده كما قال (وأوتينا من كل شئ وقال (رب اغفر لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى أنك أنت الوهاب) وقد أعطاه الله ذلك بنص الصادق المصدوق، ولما ذكر تعالى ما انعم به عليه واسداه من النعم الكاملة العظيمة اليه قال (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) أى أعط فيمن شئت وأحرم من شئت فلا حساب عليك، أى تصرف فى المال كيف شئت فان الله قد سوغ لك كل ما تفعله من ذلك ولا يحاسبك على ذلك، وهذا شأن النبى الملك بخلاف العبد الرسول فان من شأنه لا يعطى أحدا ولا يمنع احدا إلا باذن الله له فى ذلك، وقد خير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بين هذين المقامين فاختار ان يكون عبدا رسولا، وفى بعض الروايات انه استشار جبريل فى ذلك فأشار أليه ان تواضع فاختار ان يكون عبدا رسولا صلوات الله وسلامه عليه: وقد جعل الله الخلافة والملك من بعده فى أمته الى يوم القيامة فلا تزال طائفة من أمته ظاهرين حتى تقوم الساعة والله الحمد والمنة: ولما ذكر تعالى ما وهبه لنبيه سليمان عليه السلام من خير الدنيا نبه على ما أعده له فى الآخرة من الثواب الجزيل والأجر الجميل والقربة التى تقربه أليه والفوز العظيم والاكرام بين يديه وذلك يوم المعاد والحساب حيث يقول تعالى (وان له عندنا لزلفى وحسن مآب)

(باب ذكر وفاته عليه السلام

ذكر الامام البغوى فى تفسيره عند قوله تعالى (فلما قضينا عليه الموت) قال أى على سليمان وقال أهل العلم كان سليمان عليه السلام يتحرر أى يتعبد كثيرا حتى يدخل على نفسه المشقة والتعب فى بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل من ذلك واكثر، يدخل فيه طعامه وشرابه فأدخل فى المرة التى مات فيها وكان بدء ذلك انه كان لا يصبح يوما إلا نبقت فى محراب بيت المقدس شجرة فيسألها ما اسمك؟ فتقول اسمىى كذا، فيقول لأى شئ أنت؟ فتقول لكذا وكذا، فيأمر بها فتقطع، فان كانت نبتت لغرس غرسها، وان كانت لدواه كتب حتى نبتت الخوربة فقال لها ما أنت؟ قالت الخروبة، قال لأى شئ نبتّ؟ قالت لخراب مسجدك، فقال سليمان ما كان الله ليخربه وأنا حى، أنت التى على وجهك هلاكى وخراب بيت المقدس، فنزعها وغرسها فى حائط له، ثم قال اللهم عمّ على الجن موتى حتى يعلم الانس ان الجن لا يعلمون الغيب، وكانت الجن تخبر الانس انهم يعلمون من الغيب أشياء ويعلمون ما فى غد، ثم دخل المحراب فقام يصلى متكئا على عصاه فمات قائما، وكان للمحراب كرسى بين يديه وخلفه وكانت الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التى كانوا يعملون فى حياته وينظرون اليه يحسبون انه حى ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك، فمكثوا يدأبون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان

ص: 124

(باب قصة العزيز وما جاء فى ذلك)(عن أبى هريرة)(1) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم نزل نبى من الانبياء تحت شجرة فلدغته نملة فامر بجهازه فأخرج من تحتها ثم أمر بها فأحرقت بالنار فاوحى الله عز وجل اليه فقتلاّ نملة واحدة

فخر ميتا فعلموا بموته، قال ابن عباس فشكرت الجن الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين فى جوف الخشب فذلك قوله تعالى (ما دلهّم على موته إلا دابة الأرض) وهى الأرضة التى (تأكل مِنْسَأتَه) يعنى عصاه وأصلها من نسأت الغنم أي زجرتها وسقتها، ومنه نسأ الله فى أجله أى أخره (فلما خر) أى سقط على الأرض (تبينت الجن) أى علمت الجن وأيقنت (ان لو كانوا يعملون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين) أى فى التعب والشقاء مسخرين لسليمان وهو ميت يظنونه حيا، أراد الله بذلك أن يعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب لأنهم كانوا يظنون أنهم يعملون الغيب لغلبة الجهل عليهم، وذكر الأزهرى ان معناه تبينت الجن أى ظهرت وانكشفت الجن للانس أى ظهر أمرهم أنهم لا يعلمون الغيب، لأنهم كانوا قد شبهوا على الانس ذلك، وذكر أهل التاريخ ان سليمان كان عمره ثلاثا وخمسين سنة، ومدة ملكه أربعون سنة، وملك يوم ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وابتدأ فى بناء بيت المقدس لاربع سنين مضين من ملكه والله أعلم (باب) (1) (عن أبى هريرة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب النهى عن تحريق كل ذى روح بالنار فى الجزء السادس عشر صحيفة 30 رقم 95: وأورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وقال رواه الجماعة سوى الترمذى من حديث يونس بن يزيد عن الزهرى عن سعيد وأبى سلمة عن أبى هريرة، وكذلك رواه شعيب عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة فذكره بلفظة كما هنا ثم قال فى آخره فروى اسحاق بن بشر عن ابن جريح عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه انه عزير، وكذا روى عن ابن عباس والحسن البصرى أنه عزير فالله أعلم اه (قلت) لهذا ذكرته تحت هذا العنوان توطئه لذكر قصته وقد ذكره الله عز وجل فى كتابه العزيز فقال (وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله) هذا إغراء من الله تعالى للمؤمنين على قتال الكفار من اليهود والنصارى لمقالتهم هذه المقالة الشنيعة والفرية على الله تعالى: قال الامام البغوى رحمه الله فى تفسيره روى سعيد ابن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعةُ من اليهود سلام بن مشكم والنعمان أبن أوفى وشماس بن قيس ومالك بن الصيف كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا وأنت لا تزعم ان عزيرا ابن الله؟ فأنزل الله عز وجل (وقالت اليهود عزير بن الله) وقال عبيد بن عمير انما قال هذه المقالة رجل واحد من اليهود اسمه فنحاص ابن عازوراد وهو الذى قال ان الله فقير ونحن أغنياء، وروى عطية العوفى عن ابن عباس رضى الله عنهما قال انما قالت اليهود عزير بن الله من أجل أن عزيرا كان فيهم وكانت التوراة عندهم والتابوت فيهم فأضاعوا التوراة وعملوا بغير الحق فرفع الله عنهم التابوت وأنساهم التوراة ونسخها من صدورهم فدعا الله عزير وابتهل اليه ان يرد اليه الذى نسخ من صدورهم فبينما هو يصلى مبتهلا الى الله تعالى نزل النور من السماء فدخل جوفه فعادت اليه التوراة فأّذن فى قومه وقال يا قوم ان الله تعالى قد آتانى التوراة وردّها الىّ فعلق به الناس يعلمهم فمكثوا ما شاء الله تعالى، ثم ان التابوت نزل بعد ذهابه منهم، فلما رأو التابوت عرضوا ما كان فيه على الذى كان يعلمهم عزير فوجدوه مثله، فقالوا ما أوتى عزير هذا إلا إنه ابن الله (وقال الكلبى) ان بختنصر لما ظهر على بني إسرائيل وقتل

ص: 125

_________

من قتل من قراء التوراة وكان عزير إذ ذاك صغيرا فاستصغره فلم يقتله. فلما رجع بنو اسرائيل إلى بيت المقدس وليس فيهم من يقرء التوراة بعث الله عزيرا ليجدد لهم التوراة وتكون لهم آية بعدما أمانه مائة عام (ستأتى قصة موته مائة عام بعد هذا) يقال أتاه ملك باناء فيه ماء فسقاه قمثلت التوراة فى صدره فلما أتاهم قال أنا عزير فكذبوه وقالوا ان كنت كما تزعم فأمل علينا التوراة فكتبها لهم، ثم ان رجلا قال ان أبى حدثنى عن جدى ان التوراة جعلت فى خابية ودفنت فى كرم فانطلقوا معه حتى اخرجوها فعارضوها بما كتب لهم عزير فلم يجدوه غادر منها حرفا، فقالوا ان الله لم يقذف التوراة فى قلب رجل الا أنه ابنه فعند ذلك قالت اليهود عزير بن الله (وأما النصارى) فقالوا المسيح بن الله، وكان السبب فيه أنهم كانوا على دين الاسلام إحدى وثمانين سنة بعد ما رفع عيسى عليه السلام يصلون الى القبلة ويصومون رمضان حتى وقع فيما بينهم وبين اليهود حرب وكان فى اليهود رجل شجاع يقال له بولص قتل جملة من أصحاب عيسى عليه السلام، ثم قال لليهود ان كان الحق مع عيسى فقد كفرنا به والنار مصيرنا فنحن مغبونون أن دخلوا الجنة ودخلنا النار، فأتى أحتال وأضلهم حتى يدخلوا النار، وكان له فرس يقال له العقاب يقاتل عليه فعرقب فرسه وأظهر الندامة ووضع على رأسه التراب، فقال له النصارى من أنت قال بولص عدركم نوديت من السماء ليس لك توبه إلا أن تنتصر وقد تبت، فأدخلوه الكنيسة ودخل بيتا سنة لا يخرج منه ليلا ولا نهارا حتى تعلم الإنجيل ثم خرج وقال نوديت أن الله قبل توبتك فصدقوه وأحبوه، ثم مضى الى بيت المقدس واستخلف عليهم نسطورا وعلمه أن عيسى ومريم والإله له كانوا ثلاثة ثم توجه إلى الروم وعلمهم اللاهوت والناسوت، وقال لم يكن عيسى بإنس ولا يجسم ولكنه إبن الله، وعلمّ ذلك رجلا يقال له يعقوب، ثم دعا رجلا يقال له ملكان فقال له إن الإله لم يزل ولا يزال عيسى، فلما استمكن منهم دعا هؤلاء الثلاثة واحدا واحداً وقال لكل واحد منهم أنت خالصتى وقد رأيت عيسى فى المنام فرضى عنى، وقال لكل واحد منهم انى غدا أذبح نفسى فادع الناس الى نحلتك، ثم دخل المذبح فذبح نفسه وقال أنما أفعل ذلك لمرضاة عيسى، فلما كان يوم ثالثة دعا كل واحد منهم الناس إلى نحلته فتبع كل واحد طائفة من الناس فاختلفوا واقتتلوا فقال الله عز وجل (وقالت النصارى المسيح) يعنى عيسى (أبن الله ذلك قولهم بأفواههم) لا مستند لهم عليه بل (يضاهئون) يشابهون به (قول الذين كفروا من قبل) من آبائهم تقليدا لهم (قاتلهم) أى لعنهم (الله أنى) كيف (يؤفكون) يصرفون عن الحق مع قيام الدليل (باب قصة موت العزير مائة عام ثم احيائه) قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه: المشهور أن عزيرا نبى من أنبياء بنى اسرائيل وأنه كان فيما بين داود وسليمان وزكريا ويحي وأنه لما لم يبق فى بنى اسرائيل من يحفظ التوراة ألهمه الله حفظها فسردها على بنى اسرائيل، وقال اسحاق بن بشر عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن سلام ان عزيرا هو العبد الذى أماته الله مائة عام ثم بعثه اه (قلت) قصة العبد الذى أماته الله مائة عام ثم بعثه جاءت فى كتاب الله عز وجل وأليك ما جاء فى ذلك (قال الله تعالى) فى سورة البقرة (أو كالذى مر على قرية) معناه أوّ رأيت كالذى مر على قرية على بيت المقدس راكبا على حمار ومعه سلة تين وقدح عصير وهو عزير (وهى خاوية) ساقطة (على عروشها) سقوفها لما خر بها بختنصر (قال أنىَّ) كيف (يحي هذه الله بعد موتها) فلم يشك أن الله يحيها ولكن قالها تعجبا واستعظاما لقدوته تعالى (فأماته الله) وألبثه (مائة عام ثم بعثه) أحياه لبريه كيفية ذلك، وكان فى مدة موته في بني

ص: 126

(أبواب ذكر أنبياء الله زكريا ويحي وعيسى وأمه مريم عليهم السلام

(باب ما جاء فى فضل زكريا ويحي عليها السلام (عن أبى هريرة)(1) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم كان زكريا عليه السلام نجارا (2)(عن ابن عباس)(3) ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال ما من أحد من ولد آدم الا قد أخطأ أو همّ بخطيئة ليس يحي بن زكريا وما ينبغى لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى عليه السلام (باب وصية نبى الله يحي لبنى اسرائيل)(عن الحارث الأشعرى)(4) أن نبى الله صلي الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل يحي بن زكريا، بخمس كلمات أن يعمل.

إسرائيل أمور وأحداث فبعث الله أليه ملكا من الملائكة (قال) لعزير (كم لبثت) أى مكثت هنا فى هذا المكان (قال لبثت يوما أو بعض يوم) لأنه نام أول النهار فقبض واحي عند الغروب فظن أنه نام يوما أو بعض يوم (قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك) يعنى التين الذى كان معه (وشرابك) العصير الذى اصطحبه معه أيضا (لم يتسنه) أى لم يتغير مع طول الزمان (وانظر إلى حمارك) كيف هو فرآه ميتا وعظامه بيض تلوج فعل الله به ذلك ليعلم قدرة الله عيانا (ولنجعلك آية) لبنى اسرائيل على البعث وذلك انه كان يجلس مع بنيه وهم شيوخ وهو شاب لأنه مات أبن أرعين سنة فبعثه الله شابا كهيئته يوم مات (للناس) لبنى اسرائيل وغيرهم (وأنظر إلى العظام) من حمارك (كيف ننشزها) نحييها (ثم نكسوها لحما) فنظر اليها وقد تركبت وكسيت لحما ونفخ فيه من الروح ونهق (فلما تبين له) ذلك بالمشاهدة (قال اعلم) علم مشاهدة (ان الله على كل شئ قدير) ثم قصد عزير منزله من بيت المقدس على وهم منه فرأى عنده عجوزا عمياء زمِنة كانت جارية له ولها من العمر مائة وعشرون سنة، فقال لها هذا منزل عزير؟ قالت نعم وبكت وقالت ما أرى أحدا يذكر عزيرا غيرك، فقال لها أنا عزير، فقالت ان عزيرا كان مجاب الدعوة فادع الله لى بالعافية، فدعا لها فعاد بصرها وقامت ومشت، فلما رأته عرفته وكان لعزير ولد وله من العمر مائه وثلاث عشرة سنة، وله أولاد شيوخ فذهبت اليهم الجارية وأخبرتهم به فجاءوا فلما رأوه عرفه ابنه بشامة كانت فى ظهره، وأقام عزير بين بنى اسرائيل فأحبوه حبا لم يحبوا شيئا قط مثله ثم قبضه الله اليه على ذلك وحدثت فيهم الأحداث حتى قال بعضهم عزير بن الله ولم يزل بنو اسرائيل ببيت المقدس وعادوا وكثروا حتى غلبت عليهم الروم زمن ملوك الطوائف فلم يكن لهم بعد ذلك جماعة (باب)(1)(سنده) حدثنا يزيد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبى رافع عن أبى هريرة الخ) (2) أى يعمل بيده ويأكل من كسبها كما كان داود عليه السلام يأكل من كسب يده، والغالب ولاسيما من مثل حال الأنبياء أنه لا يجهد نفسه فى العمل إجهادا يستفضل منه مالا يكون زخيرة له يخلفه من بعده (تخريجه)(م جه) من غير وجه عن حماد بن سلمة (3)(سنده) حدثنا عثمان ثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا على بن زيد عن يوسف بن مهران عن أبن عباس الخ (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه (حم عل بز) وزاد يعنى البزار فانه لم يهم بها ولم يعلمها، والطبرانى وفيه على بن زيد وضعفه الجمهور وقد وثق وبقية رجال أحمد رجال الصحيح (وفى الباب) عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغى لأحد أن يقول أنا أخير من يحي بن زكريا ما هم بخطيئة، أحسبه قال ولا علمها أورده الهيثمى وقال رواه البزار ورجاله ثقات (باب)(4)(عن الحارث الأشعرى الخ) هذا الحديث تقدم

ص: 127

بهن وأن يأمر بنى اسرائيل أن يعملوا بهن فكاد أن يبطئ، فقال له عيسى إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن وأن تأمر بنى اسرائيل أن يعملوا بهن، فأمَّا أن تبلغهن وإمِّا أبلغهن، فقال له يا أخى أنى أخشى إن سبقتنى أن أعذب أو يخسف بى، قال فجمع يحي بنى أسرائيل فى بيت المقدس حّى امتلأ المسجد وقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله عز وجل أمرنى بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن، أو لهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، فان مثل ذلك متل رجل أشترى عبدا من خالص ماله بورق أو ذهب فجعل يعمل ويؤدى عمله الى غير سيده فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك؟ وإن ربكم عز وجل خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وآمركم بالصلاة فان الله عز وجل ينصب وجهه بوجه عبده ما لم يلتفت، فاذا صليتم فلا تلتفتوا، وآمركم بالصيام فان مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك فى عصابة كلهم يجد ريح المسك وان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصدقة فان مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه الى عنقه وقربوه ليضربوا عنقه فقال هل لكم أن أفتدى نفسى منكم؟ فجعل يفتدى نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه، وآمركم بذكر الله كثيرا وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا فى أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان فى ذكر الله عز وجل، قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا آمركم بخمس: الله أمرنى بهن، بالجماعة والسمع والطاعة، والهجرة والجهاد فى سبيل الله، فأنه من خرج من الجماعة قِيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه الى أن يرجع، ومن دعا بدعوة الجاهلية فهو من حثاه جهنم، قالوا يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال وأن صام وصلى وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بما سماهم

بسنده وشرحه وتخريجه فى باب الخماسيات المبدوءة بعدد من قسم الترغيب صحيفة 197 رقم 79 فارجع اليه (باب ما جاء فى نبى الله زكريا وابنه يحي ومريم ابنة عمران وأمها حنة من كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل فى كتابه العزيز (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران وعلى العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) قال الحافظ أبن كثير فى تفسيره يخبر تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض فاصطفى آدم عليه السلام، خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شئ وأسكنه الجنة ثم أهبطه منها لما له فى ذلك من الحكمة، واصطفى نوحا عليه السلام وجعله أول رسول بعثه الى أهل الأرض لما عبد الناس الأوثان وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وانتقم له لما طالت مدته بين ظهرانى قومه يدعوهم الى الله ليلا ونهارا سراً وجهاراً فلم يزدهم ذلك إلا فرارا، فدعا عليهم فأغرقهم الله عن آخرهم ولم ينج منهم إلا من ابتعه على دينه الذى بعثه الله به واصطفى آل ابراهيم ومنهم سيد البشر خاتم الأنبياء على الأطلاق محمد صلى الله عليه وسلم، (وآل عمران) والمراد بعمران هذا هو والد مريم بنت عمران أم عيسى بن مريم عليهما السلام (قال محمد بن اسحاق) بن يسار رحمه الله هو عمران بن ياشم بن أمون بن ميشا بن حزقيا بن ابراهيم بن غرابا بن نوش بن أجر بن يهو أبن نازم ابن مفاسط بن أيشا بن أباز بن رخيعم بن سليمان بن داود عليهما السلام فعيسى عليه السلام من ذرية إبرهيم

ص: 128

.

كما سيأتي بيانه فى سورة الأنعام يعنى قوله تعالى (ومن ذريته داود وسليمان) الى قوله (ويحي وعيسى) الآية: قوله عز وجل (إذ قالت امرأة عمران) امرأة عمران هذه هى أم مريم عليها السلام وهى حنة بنت ناقوذ، قال محمد بن اسحاق وكانت امرأة لا تحمل فرأت يوما طائرا يزق فرخه فاشتهت الولد فدعت الله تعالى أن يهبها ولدا فاستجاب الله دعاءها، فواقعها زوجها فحملت منه فلما تحققت الحمل نذرت أن يكون محرراً أى خالصا مفرغا للعبادة لخدمة بيت المقدس فقالت (رب أنى نذرت لك ما فى بطنى محرراً فتقبل منى إنك أنت السميع العليم) أى السميع لدعائى العليم بنيتى، ولم تكن تعلم ما فى بطنها أذكر أم أنثى (فلما وضعتها قالت رب انى وضعتها انثى والله أعلم بما وضعت، وليس الذكر كالأنثى) أى فى القوة والجلد فى العبادة وخدمة المسجد الأقصى (وانى سميتها مريم وانى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) أى عوَذتها بالله عز وجل من شر الشيطان وعوَذت ذريتها وهو ولدها عيسى عليه السلام، فاستجاب الله لها ذلك، وسيأتى ما ورد فى فضلها وفضل ابنها فى الباب التالى قال تعالى (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا) أى يسَر لها أسباب القبول وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين فلهذا قال (وكفلها زكريا) بتشديد الفاء ونصب زكريا على المفعوليه أى جعله كافلا لها: قال ابن اسحاق وما ذلك إلا لأنها كانت يتيمة، وذكر غيره ان بنى اسرائيل أصابتهم سنة جدب فكفل زكريا مريم لذلك ولا منافاة بين القولين والله أعلم، وانما قدر الله كون زكريا كفلها لسعادتها لتقتبس منه علما جما نافعا وعملا صالحا ولأنه كان زوج خالتها على ما ذكره ابن اسحاق وابن جرير وغيرهما، وقيل زوج أختها كما ورد فى الصحيح بلفظ (فاذا بيحي وعيسى وهما ابنا الخالة) وقد يطلق على ما ذكره ابن اسحاق توسعا، فعلى هذا كانت فى حضانة خالتها ثم أخبر تعالى عن سيادتها وجلادتها فى محل عبادتها فقال (فلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا) قال جماعة من السلف يعنى وجد عندها فاكهة الصيف فى الشتاء وفاكهة الشتاء فى الصيف، وفيه دلالة على كرامات الأولياء، وفى السنة لهذا نظائر كثيرة، فاذا رأى زكريا هذا عندها (قال يا مريم أنىَّ لك هذا؟) أى يقول من أين لك هذا؟ (قالت هو من عند الله: إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، هنا لك دعا زكريا ربه) لما رأى زكريا عليه السلام أن الله يرزق مريم عليها السلام فاكهة الشتاء فى الصيف وفاكهة الصيف فى الشتاء طمع حينئذ فى الولد وان كان شيخا كبيرا قد وهن منه العظم واشتعل الرأس شيبا، وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقرا لكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداءا خفيا وقال (رب هب لى من لدنك ذرية طيبة) أى ولدا صالحا (انك سميع الدعاء) قال الله تعالى (فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب) أى خاطبته الملائكة شفاها خطابا أسمعته وهو قائم يصلى فى محراب عبادته ومحل خلوتة ومجلس مناجاته وصلاته ثم أخبر تعالى عما بشرته به الملائكة (أن الله يبشرك بيحي) أى يوجد ويولد لك غلام من صلبك اسمه يحي، قال قتادة وغيره إنما سمى يحي لأن الله أحياه بالإيمان وقوله (مصدقا بكلمة من الله) أى بعيسى بن مريم وقال الربيع بن أنس هو أول من صدّق بعيسى بن مريم، وقال قتادة وعلى سنته ومناهجه، وهو أول من صدَق عيسى، بنى الله وكلمته وهو أكبر من عيسى عليه السلام، وسمى عيسى كلمة الله لأن الله تعالى قال له كن من غير أب فكان فوقع عليه اسم الكلمة، وقيل هى بشارة الله تعالى لمريم بعيسى عليه السلام بكلامه على لسان جبريل عليه السلام وقيل غير ذلك: قوله عز وجل (وسيدا) قال مجاهد وغيره هو الكريم على الله عز وجل، وقال قتادة سيدا فى العلم والعبادة وقيل غير ذلك (وحصوراً) قال القاضى عياض معناه أنه

ص: 129

.

معصوم من الذنوب أى لا يأتيها كأنه حصور عنها، وقيل مانع نفسه عن الشهوات، وقيل ليست له شهوة فى النساء، والمقصود أنه مدح ليحي بأنه حصور ليس انه لا يأتى للنساء، بل معناه كما قاله هو وغيره انه معصوم عن الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن، وقوله تعالى (ونبيا من الصالحين) هذه بشارة ثانية بنبوة يحي بعد البشارة بولادته، وهى أعلى من الأولى كقوله تعالى لام موسى أنا راّدوه أليك وجاعلوه من المرسلين، فلما تحقق زكريا عليه السلام هذه البشارة أخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر (قال رب انى يكون لى غلام وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقر، قيل كان عمره اثنين وتسعين سنة، وقيل مائة وعشرين وكانت امرأته ابنة ثمان وتسعين سنة كذا فى الكامل لابن الأثير (قال) أى الملك (كذلك الله يفعل ما يشاء) أى هكذا أمر الله عظيم لا يعجزه شئ ولا يتعاظمه أمر (قال رب اجعل لى آية) أى علامة استدل بها على وقت حمل امرأتى فأزيد فى العبادة شكرا لك (قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) أى اشارة لا تستطيع النطق مع انك سوئ صحيح كما فى قوله ثلاث ليال سويا، ثم أمر بكثرة الذكر والتكبير فى هذه الحال فقال تعالى (واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشىّ والأبكار) وقال تعالى فى سورة مريم (فخرج على قومه من المحراب) أى الذى بشر فيه بالولد (فأوحى اليهم) أى أشار اليهم إشارة خفية سريعة (أن سبحوا بكرة وعشيا) أى موافقة له فيما أمر به فى هذه الأيام الثلاثة زيادة على أعماله شكرا لله على ما اولاه: قوله عز وجل (يا يحي) قيل فيه حذف معناه وهبنا له يحي وقلنا له يا يحي (خذ الكتاب) يعنى التوراة (بقوة) يجد (وآتيناه الحكم) قال ابن عباس يعنى النبوة (صبيا) وهو ابن ثلاث سنين، وقيل أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير، وعن بعض السلف قال من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتى الحكم صبيا (وحنانا من لدنا) رحمة من عندنا (وزكاة) قال ابن عباس يعنى بالزكاة الطاعة والاخلاص، وقال قتادة هى العمل الصالح وهو قول الضحاك، ومعنى الآية وآتيناه رحمة من عندنا وتحتنا على العباد ليدعوهم الى طاعة ربهم ويعمل عملا صالحا فى اخلاص (وكان تقيا) أى مسلما ومخلصا مطيعا، وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولا همّ بها (وبرّأ بوالديه) أى بارْاَ لطيفا بهما محسنا إليهما (ولم يكن جبارا عصيا) الجبار المتكبر، وقيل الجبار الذى يضرب ويقتل على الغضب والعصىّ العاصى (وسلام عليه) أى سلام له (يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) قال سفيان بن عيينة أوحش ما يكون الانسان فى هذه الأحوال يوم يولد فيخرج ما كان فيه، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم، ويوم يبعث حيا فيرى نفسه فى محشر لم ير مثله فخص يحي بالسلامة فى هذه المواطن (قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) روى ابن عساكر ان أبوى يحي خرجا فى تطلبه فوجداه عند بحيرة الأردن فلما اجتمعا به أبكاهما بكاء شديدا لما هو فيه من العبادة والخوف من الله عز وجل. وقال ابن وهب عن مالك عن حميد بن قيس عن مجاهد قال كان طعام يحي بن زكريا العشب وانه كان ليبكى من خشية الله حتى لو كان القار على عينيه لخرقه (وعن ابن شهاب) قال جلست يوما الى أبى إدريس الخولانى وهو يقص فقال ألا أخبركم بمن كان أطيب الناس طعاما؟ فلما رأى الناس قد نظروا اليه قال ان يحي بن زكريا كان أطيب الناس طعاما، إنما كان يأكل مع الوحش كراهة ان يخالط الناس فى معايشهم، وقال ابن المبارك عن وهيب بن الورد قال فقد زكريا ابنه يحي ثلاثة أيام فخرج يلتمسه فى البرية فاذا هو قد احتقر قبرا وأقام فيه يبكى على نفسه، فقال يا بنى أنا أطلبك من ثلاثة أيام وانت فى قبر قد احتفر به قائم تبكي فيه،

ص: 130

.

فقال يا أبت الست أنت أخبرتنى أن بين الجنة والنار مفازة لا تقطع إلا بدموع البكائين، فقال له ابك يا بنى فيكيا جميعا: وهكذا حكاه وهب بن منبه ومجاهد بنحوه (باب سبب قتل يحي عليه السلام اشتهر نبى الله يحي عليه السلام بين الناس بالعلم حتى احصى مسائل التوراة واستجلى غوامضها وأحاط باصولها وفروعها وعرف بين الناس أنه جريء فى الحق شديد على الباطل لا يخشى فى الله لومة لائم ولا صولة عات ظالم، وكان بعض ملوك ذلك الزمان بدمشق يريد أن يتزوج ببعض محارمه أو من لا يحل له تزويجها فنهاه يحي عليه السلام عن ذلك، فبقى فى نفس المرآة منه فلما كان بينها وبين الملك ما يحب منها استو هبت منه دم يحي فوهبه لها، فبعثت اليه من قتله وجاء برأسه ودمه فى طشت إلى عندها فيقال إنها هلكت من فورها وساعتها، وقيل بل أحبته امرأة ذلك الملك وراسلته فأبى عليها فلما يئست منه تحيلت فى أن أستوهبته من الملك فتمنع عليها الملك ثم أجابها إلى ذلك فبعثت من قتله وأحضر اليها رأسه ودمه فى طشت، قيل ان هذه المرأة لما رأت الرأس قالت اليوم قرت عينى، فصعدت إلى سطح قصرها فسقطت منه الى الأرض ولما كلاب ضارية تحته فوثبت الكلاب عليها فأكلتها وهى تنظر وكان آخر مَا أكل منها عيناها لتعتبر، وقد اختلف فى مقتل يحي بن زكريا هل كان فى المسجد الأقصى أم بغيره؟ فقال الثورى عن الأعمش عن شمر بن عطية قال قتل على الصخرة التى ببيت المقدس سبعون نبيا منهم يحي بن زكريا عليهما السلام، وروى الحافظ ابن عساكر من طريق الوليد بن مسلم عن زيد بن واقد قال رأيت رأس يحي بن زكريا حين أرادوا بناء مسجد دمشق أخرج من تحت ركن من أركان القبلة الذى على المحراب مما يلى الشرق، فكانت البشرة والشعر على حاله لم يتغير، وفى رواية كأنما قتل الساعة، وذكر فى بناء مسجد دمشق أنه جعل تحت العمود المعروف بعمود السكاسكة فالله أعلم (ذكر قتل نبى الله زكريا عليه السلام ذكر المؤرخون أنه لما قتل يحي وسمع أبوه بقتله فر هاربا فدخل بستانا عند بيت المقدس فيه أشجار فأرسل الملك فى طليه فقتل فى هذا المكان وقد ذكروا انه نادته شجرة فقالت هلم الى يا نبى الله فلما أتاها انشقت فدخلها فانطبقت عليه فدلهم إبليس على ذلك فنشروا به الشجرة وذكروا كلاما كثيرا لا دليل عليه من معصوم بل هو من دم بنى اسرائيل وقد انتقم الله عز وجل منهم انتقاما فظيعا، فقد جاء فى الكامل لابن الأثير ان بنى اسرائيل لما رجعوا من بابل عمروا بيت المقدس وكثروا ثم عادوا يحدثون الاحداث ويعود الله سبحانه وتعالى عليهم ويبعث فيهم الرسل ففريقا يكذبون وفريقا يقتلون حتى كان آخر من بعث الله فيهم زكريا وابنه يحي وعيسى بن مريم عليهم السلام فقتلوا يحي وزكريا فابتعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له جودرس فسار اليهم حتى دخل عليهم الشام فلما دخل عليهم بيت المقدس قال لقائد عظيم من عسكره اسمه نبوزاذان وهو صاحب الفيل انى كنت حلفت ان ظفرت ببنى اسرائيل لأقتلهم حتى تسيل دماؤهم فى وسط عسكرى، وأمره أن يدخل المدينة ويقتلهم حتى يبلغ ذلك منهم، فدخل نبوزاذان المدينة فأقام فى المدينة التى يقربون فيها قربانهم فوجد فيها دما يغلى، فقال يا بنى اسرائيل ما شأن هذا الدم يغلى؟ فقالوا هذا دم قربان لنا لم يقبل فلذلك هو يغلى، فقال ما صدقتمونى الخبز، فقالوا انه قد انقطع منا الملك والنبوة فلذلك لم يقبل منا فذبح منهم على ذلك الدم سبعمائة وسبعين رجلا من رءوسهم فلم يهدأ فأمر بسبعمائة من علمائهم فذبحوا على الدم فلم يهدأ، فلما رأى الدم لا يبرد قال لهم يا بنى اسرائيل أصدقونى واصبروا على أمر ربكم فقد طال ما ملكتم فى الأرض تفعلون ما شئتم قبل

ص: 131

المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل (باب ذكر نبى الله عيسى بن مريم عبد الله ورسوله وابن أمته مريم بنت عمران عليهما السلام (عن أبى هريرة)(1) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ما من مولود يولد الا نخسه الشيطان (2) فيستهل صارخا من نخسة الشيطان الا ابنَ مريم وأمَّه: قال أبو هريرة اقرءوا إن شئتم (انى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم)(3).

أن لا أدع منكم نافخ نار ولا ذكراً إلا قتلته، فلما رأوا الجهد وشدة القتل صدقوه الخبر وقالوا هذا نبى كان ينهانا عن كثير مما يسخط الله ويخبرنا بخبركم فلم نصدقه وقتلناه وهذا دمه، فقال ما كان اسمه؟ قالوا يحي بن زكريا: فقال الآن صدقتمونى، لمثل هذا انتقم ربكم منكم وخر ساجدا، وقال لمن حوله اغلقوا أبواب المدينة وأخرجوا مَن ها هنا من جيش جودرس ففعلو وخلا ببنى اسرائيل ثم قال للِدّم يا يحي قد علم ربى وربك ما قد أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدأ باذن الله قبل ان لا يبقى من قومك أحد فسكن الدم، ورفع نبوزاذان عنهم القتل وقال آمنت بما آمنت به بنوا اسرائيل وصدقت به وأيقنت انه لا رب غيره ثم قال لبنى اسرائيل ان جودرس امرنى ان اقتل فيكم حتى تسيل دماؤكم فى عسكره ولست أستطيع أن أعصيه، قالوا افعل فأمرهم ان يحفروا حفيرة وأمر بالخيل والبغال والحمير والبقر والغنم والابل فذبحها حتى كثر الدم وأجرى عليه ماء فسال الدم فى العسكر فأمر بالقتلى الذين كان قتلهم فالقوا فوق المواشى فلما نظر جودرس الى الدم قد بلغ عسكره أرسل الى نبوزاذان ان أرفع المقتل عنهم فقد انتقمت منهم مما فعلوا. وهى الموقعة الأخيرة التى أنزل الله ببنى اسرائيل: يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم (وقضينا الى بنى اسرائيل فى الكتاب لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلّن علوّاَ كبيراَ) الى قوله (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) وكانت الموقعة الأولى بختنصر وجنوده ثم رد الله عز وجل لهم الكرة ثم كانت الموقعة الأخيرة جودرس وجنوده كانت أعظم الوقعتين، فيها كان خراب بلادهم وقتل رجالهم وسبى ذراريهم ونسائهم يقول الله تعالى (وليتبروا) أى يدمروا ويخربوا (ما علوا) أى ما ظهروا عليه (تتبيرا) أى تخريبا ثم لم تقم لهم قائمة بعد ذلك وهذا جزاء الظالمين المفسدين قال تعالى (وأملى لهم أن كيدى متين) وقال صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى ليملى للظالم حتى اذا أخذه لم يفلته رواه الشيخان وغيرهما عن أبى موسى (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهرى عن سعيد عن أبى هريرة الخ (غريبه)(2) أصل النخس الدفع والحركة، والمعنى انه يدفعه باصبعه حين يولد كما جاء فى بعض الروايات (3) يستدل أبو هريرة على صحة هذا الحديث بقوله تعالى أنى أعيذها بك الآية، ومعناه ان الله حفظهما من الشيطان حتى من النخسة عند الولادة (تخريجه)(ق) وغيرهما (وله طريق أخرى) عند الامام احمد قال حدثنا اسماعيل بن عمر حدثنا ابن أبى ذئب عن عجلان مولى المشمعل عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال كل مولود من بنى آدم يمسه الشيطان بأصبعه الا مريم ابنة عمران وأبنها عيسى رواه مسلم أيضا (وله طريق ثالث) عند الامام احمد أيضا قال حدثنا هشيم حدثنا حفص بن ميسرة عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال كل انسان تلده أمه يلكزه الشيطان فى حضينته (اللكز الدفع بالكف والحضينة الجنب والمعنى يضربه بكفه على جنبه) إلا ما كان من مريم وابنها، ألم تر الى الصبى حين يسقط كيف يصرخ؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال ذلك حين يلكزه الشيطان بحضينته) اورده الحافظ ابن كثير في تاريخه

ص: 132

(باب ما جاء فى فضل مريم بنت عمران)(عن على رضى الله عنه)(1) قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول خير نسائها مريم بنت عمران (2) وخير نسائها خديجة (3)(عن ابن عباس)(4) قال خط رسول الله صلي الله عليه وسلم فى الأرض أربعة خطوط قال تدرون ما هذا؟ فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلي الله عليه وسلم وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون (5) ومريم بنت عمران (رضى الله عنهن)(عن أنس)(6) أن النبى صلي الله عليه وسلم قال حسبك (7) من نساء العالمين مريم أبنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة ابنة محمد صلي الله عليه وسلم وآسية امرأة فرعون (عن أبى سعيد الخدرى)(8) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل.

وعزاه للإمام أحمد وقال هذا على شرط مسلم ولم يخرجه من هذا الوجه (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام عن ابيه عن عبد الله بن جعفر عن على الخ (غريبه)(2) أى خير نساء عالمها فى زمانها مريم بنت عمران لما خصها الله تعالى بما لم يؤته أحدا من النساء، طهرها واصطفاها على نساء العالمين وكلمها روح القدس ونفخ فى درعها ولم يكن هذا لأحد من النساء وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين (3) أى لأنها آمنت به حين كفر به القوم وصدقته حين صدّ عنه المتكبرون وجادت له صلى الله عليه وسلم بما لها حين بخل به الباخلون، فسبقها الى الاسلام وتأثيرها فى بدئه وقت ان كان غريبا ومؤازرتها ونضرتها وقيامها فى الدين لله تعالى بنفسها ونفيسها لم يشاركها فيه أحد من أمهات المؤمنين ففازت بذلك، وبه حازت التفضيل على النساء، ويستثنى من هذا العموم بَضعته صلى الله عليه وسلم فاطمة فأنها أفضل: يرشد الى ذلك ما رواه مسلم والامام أحمد وغيرهما (أما ترضين ان تكونى سيدة نساء المؤمنين وفى رواية للامام أحمد (أفضل نساء أهل الجنة) فاذا فضلت عليهم فى خير دار فلأن تكون خيرا منهن فى الدار الأولى بالطريق الأولى والله أعلم (تخريحه)(م مذ نس)(4)(سنده) حدثنا يونس حدثنا داود بن أبى الفرات عن علباء (بكسر العين المهملة يعنى أبن أحمر اليشكرى) عن عكرمة عن ابن عباس الخ (غريبه)(5) تقدم الكلام على خديجه وفاطمة ومريم فى شرح الحديث السابق (أما آسية بنت مزاحم امرأة فرعون) فمن اعظم مناقبها ذكرها فى كتاب الله عز وجل بالثناء عليها قال تعالى (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة ونجنى من فرعون وعمله ونجنى من القوم الظالمين)(ومنها) أنه لم يؤمن من نساء فرعون سواها وماشطة أبنة فرعون وستأتى قصة الماشطة فى كتاب القصص إن شاء الله تعالى (ومنها) أنها ذبَّت عن نبى الله موسى بن عمران بكل قواها وكانت سببا فى عدم ذبحه كغيره من الصبيان، وورد أنها تكون من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم فى الجنة (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه (حم طب) ورجالهم رجال الصحيح أه (قلت) ورواه أيضا الحاكم وصححه وأقره الذهبى: والنسائى وصحح الحافظ أسناده (6)(سنده) حدثنا عبد الرزاق أنا معمر عن قتادة عن أنس (يعنى ابن مالك) الخ (غريبه)(7) أى يكفيك (من نساء العالمين) أى الواصلة الى مراتب الكاملين فى الاقتداء بهن، فحسبك مبتدأ ومن نساء العالمين متعلق به و (مريم) خبر المبتدأ (بنت عمران) الصديقة بنص القرآن (وخديجة بنت خويلد) زوج حبيب الرحمن (وفاطمة بنت محمد) خاتم الأنبياء (وآسية امرأة فرعون) الخطاب أما عام أو لأنس أى كافيك معرفة فضلهن على جميع النساء ذكره الطيبى (تخريجه)(مذ حب ك) وصححه الحاكم على شرطهما وأقره الذهبى (8)(سنده) حدثنا

ص: 133

الجنة وفاطمة سيدة نسائهم الا ما كان لمريم بنت عمران (1)(باب ما جاء فى فضل نبى الله عيسى بن مريم عليه السلام (عن أبى هريرة)(2) عن النبى صلي الله عليه وسلم أنه قال كل بنى آدم يطعُن (3) الشيطان بإصبعه فى جنبه حين يولد إلا عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن فى الحجاب (4)(وعنه أيضا)(5) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أنا أولى الناس بعيسى بن مريم فى الأولى (6) والآخرة، قالوا كيف يا رسول الله؟ قال الأنبياء أخوة من عَلَات (7) وأمهاتهم شتى ودينهم واحد فليس بيننا نبى (8)(وعنه أيضا)(9) عن النبى صلي الله عليه وسلم أنه قال انى لأرجو إن طال بى عمر أن ألقى عيسى بن مريم عليه السلام فان عجل لى موت فمن لقيه منكم فليقرئه مني السلام (10).

عفان قال ثنا خالد بن عبد الله ثنا يزيد بن أبى زياد عن عبد الرحمن بن أبى نُعيم عن أبى سعيد الخدرى الخ (غريبه)(1) يعنى من الخصوصية التى خصها الله بها دون سائر النساء وتقدمت خصوصياتها فى شرح حديث على الأول من أحاديث الباب فهى تفضل فاطمة من هذه الجهة، وفاطمة تفضلها لكونها من البَضعة الشريفة وبهذا يجمع بين هذا الحديث وحديث (أما ترضين أن تكونى أفضل نساء أهل الجنة) والله أعلم (تخريجه)(حب عل طب ك) وصححه وأقره الذهبى (باب)(2)(سنده) حدثنا عبد الملك عمرو ثنا المغيرة عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة الخ (غريبه)(3) بضم العين المهملة أى يمس، قال الطيبى المس والطعن عبارة عن الاصابة بما يؤذيه ويؤلمه (4) أى المشيمة التى فيها الولد (تخريجه) (ق) وغيرهما (5) (سنده) حدثنا عبد الرزاق بن همام ثنا معمر عن همام (يعنى ابن منبه) عن أبى هريرة فذكر احاديث: منها قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(6) بعنى الدنيا كما صرح بذلك عند الشيخين، ومعناه انا اقربهم اليه لأنه بَشَرَ أنه يأتى من بعده ومهّد قواعد دينه ودعا الخلق الى تصديقه ولما كان ذلك قد لا يلازم الأولوية بعد الموت قال والآخرة (7) بفتح العين المهملة واللام مخففة، ومعناه الضرائر، أى هم كالأخوة لأب من الضرائر أبوهم واحد وأمهاتهم شتى، شبه ما هو المقصود من بعثة جملة الأنبياء من أصول الدين من التوحيد وغيره بالأب وشبه فروع الدين المختلفة بالأمهات فهم بعثوا متفقين فى أصول الدين وان اختلفوا فى فروع الشريعة، وقيل أراد ان الأنبياء يختلفون فى أزمانهم وان شملتهم النبوة فكأنهم أولاد عَلات لم يجمعهم زمن واحد كما لم يجمع أولاد العلات بطن واحد والله أعلم، (8) لما لم يكن بين عيسى والنبى عليهما الصلاة والسلام أحد من الأنبياء كان نبينا صلى الله عليه وسلم أقرب الناس به فكأنهما فى زمن واحد (تخريجه)(ق د)(9)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن محمد بن زياد عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(10) كان صلى الله عليه وسلم يرجو ذلك ولكن عاجلته المنية فبقيت هذه الوصية فى عنق من يدرك عيسى عليه السلام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد مرفوعا وموقوفا ورجالهما رجال الصحيح أه (قلت) وفيه اشارة الى ان عيسى عليه السلام حى ويبعث آخر الزمان، وقد ورد ما هو اصرح من ذلك وأتم عن أبى هريرة أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا ان عيسى بن مريم ليس بينى وبينه نبى ولا رسول: انه خليفتى فى أمتى من بعدى، ألا أنه يقتل الدجال ويكسر الصليب ويضع الجزية وتضع الحرب أوزارها، ألا فمن أدركه منكم فليقرأ عليه السلام أورده الهيثمى أيضا وقال فى الصحيح بعضه، رواه الطبرانى فى الصغير والاوسط وفيه محمد بن عقبة السدوسي

ص: 134

_________

وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم (باب ما جاء فى حمله وولادته وما ظهر له من المعجزات وهو فى المهد من كتاب الله عز وجل لما ذكر الله تعالى قصة زكريا عليه السلام وانه أوجد منه فى حال كبره وعقم زوجته ولدا زكيا طاهرا مباركا عطف بذكر قصة مريم فى إيجاده ولدها عيسى عليه السلام منها من غير أب: فان بين القصتين مناسبة ومشابهة، ولهذا ذكرهما فى سورة آل عمران كما تقدم، وها هنا فى سورة مريم يقرن بين القصتين لتقارب ما بينهما فى المعنى ليدل عباده على قدره وعظمة سلطانه وأنه على ما يشاء قدير فقال عز من قائل (واذكر فى الكتاب مريم) وهى مريم بنت عمران من سلالة داود عليه السلام، وكانت من بيت طاهر طيب فى بنى اسرائيل، وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها فى سورة آل عمران وانها نذرتها محررة أى تخدم بيت المقدس وكانوا يتقربون بذلك فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا ونشأت فى بنى اسرائيل نشأة عظيمة فكانت إحدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل، وقد اتخذت لها محرابا وهو المكان الشريف من المسجد لا يدخله أحد عليها سوى زوج أختها أو خالتها نبى ذلك الزمان زكريا عليه السلام الذى كفلها، وكانت لا تخرج من المسجد إلا زمن حيضا أو لحاجة ضرورية لابد لها منها من أستقاء ماء أو تحصيل غداء أو نحو ذلك قال تعالى (إذا نتبذت من أهلها مكانا شرقيا) أى اعتزلتهم وتنحت عنهم وذهبت الى شرقى المسجد المقدس، قال السدى لحيض أصابها (فاتخذت من دونهم حجابا) أى استرت منهم وتوارت فبينما هى تغتسل من الحيض إذ عرض لها جبريل فى صورة شاب أمرد وضيء الوجه سوئ الخلق فلذلك قوله عز وجل (فأرسلنا أليها روحنا) يعنى جبريل عليه السلام فالروح هو جبريل، ويؤيد ذلك قوله تعالى فى آية أخرى (نزل به الروح الأمين) ومعلوم ان الذى نزل بالقرآن هو جبريل (فتمثل لها بشرا سويا) أى سوىّ الخلق، فلما رأت مريم جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد و (قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) أى مؤمنا مطيعا (فان قيل) إنما يستعاذ من الفاجر فكيف قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا (قيل) هذا كقول القائل إن كنت مؤمنا فلا تظلمنى أى ينبغى أن يكون إيمانك مانعا لك من الظلم، وكذلك ههنا معناه ينبغى ان تكون تقواك مانعة لك من الفجور (قال) لها جبريل (إنما أنا رسول ربك لأهب لك) اسند الفعل الى الرسول وان كانت الهبة من الله تعالى لأنه أرسل به (غلاما زكيا) ولدا صالحا طاهرا من الذنوب (قالت) مريم (أنى) من اين (يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر) لم يقربنى زوج (ولم أك بغيا) زانية تريد ان الولد إنما يكون من نكاح أو سفاح ولم يكن هنا واحد منهما (قال) جبريل الأمر (كذلك) يعنى أمر الله ان يخلق غلاما منك من غير أب (قال ربك هو على هين) أى خلق ولد بلا أب (ولنجعله آية) علامة (للناس) دلالة على قدرتنا (ورحمة منا) ونعمة لمن تبعه على دينه (وكان) ذلك (أمرا مقضيا) محكوما به مفروغا منه لا يرد ولا يبدل، يقول تعالى مخبرا عن مريم أنها لما قال لها جبريل عن الله تعالى ما قال انها استلمت الله تعالى، فذكر غير واحد من علماء السلف أن الملك وهو جبريل عليه السلام عند ذلك نفخ فى جيب درعها فنزلت النفخة حتى ولجت فى الفرج فحملت بالولد بإذن الله تعالى فلما حملت به ضاقت ذرعا ولم تدر ماذا تقول الناس فأنها تعلم ان الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به (فانتبذت به) أى فلما حملته انتبذت به أى تنحت بالحمل وانفردت (مكانا قصيا) اى بعيدا عن أهلها، قال ابن عباس أقصى الوادى وهو وادى بيت لحم فرارا من قومها ان يعيروها بولادتها من غير زوج (واختلفوا فى مدة حملها) لفقا أبن عباس كان الحمل والولادة فى ساعة واحدة، وقبل كان مدة حملها تسعة أشهر كحمل سائر النساء

ص: 135

.

وقيل كان مدة حملها ثمانية أشهر، وكان ذلك آية اخرى لأنه لا يعيش ولد يولد لثمانية أشهر، وولد عيسى لهذه المدة وعاش، وقيل ولدت لستة أشهر، وقال مقاتل بن سليمان حملته مريم فى ساعة وصوَّر فى ساعة ووضعته فى ساعة حين زالت الشمس من يومها وهى بنت عشر سنين، وكانت قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى والله أعلم (فأجاءها) اى ألجأها وجاء بها (المخاض) وهو وجع الولادة (الى جذع النخلة) وكانت نخلة يابسة فى الصحراء فى شدة الشتاء لم يكن لها سعف، وقيل التجأت اليها لتستند اليها وتتمسك بها على وجع الولادة (قالت يا ليتنى مت قبل هذا) تمنت الموت استحياء من الناس وخوف الفضيحة (وكنت نسيا) وهو الشئ المنسى، والنسي فى اللغة كل ما القى ونسى ولم يذكر لحقارته (منسيا) أى متروكا (فناداها من تحتها) يعنى جبريل عليه السلام وكانت مريم على أكمة وجبريل وراء الأكمة تحتها وهو قول ابن عباس والسدى وقتاده والضحاك ان المنادى كان جبريل لما سمع كلامها وعرف جزعها ناداها (أن لا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا) السرى النهر الصغير أى جعله الله تحت أمرك إن أمرتيه يجرى جرى وأن أمرتيه بالامساك أمسك، قال ابن عباس ضرب جبريل عليه السلام ويقال عيسى ضرب برجله الأرض فظهرت عين ماء عذب وجرى، وقيل كان هناك نهر يابس أجرى الله تعالى فيه الماء وحييت النخلة اليابسة فأورقت وأثمرت وأرطبت، وقال الحسن تختك سريا يعنى عيسى وكان والله عبداً سريا يعنى رفيعا (وهزى اليك) يعنى قيل لمريم حركى (بجذع النخلة) تقول العرب هزه وهز به كما تقول حز رأسه وحز برأسه، وامداداً لحبل وأمدد به (تساقط عليك) أى تسقط عليك النخلة (رطبا جنيا) أى مجنيا وقيل الجنى هو الذى جاء أوان اجتنائه، قال الربيع بن خيثم ما للنفساء عندى خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل (فكلى واشربى) يعنى فكلى يا مريم من المرطب واشربى من ماء النهر (وقرّى عينا) يعنى طيبى نفسا وقيل قرى عينك بولدك عيسى يقال أقرّ الله عينك يعنى صادف فؤادك ما يرضيك فتقر عينك من النظر أليه، وقيل أقر الله عينه يعنى أقامها يقال قر يقر بذا سكن (فاءمَّا تَرِينَّ من البشر أحداً) يعنى تَرّين فدخل عليه نون التوكيد فكسرت الياء لالتقاء الساكنين، معناه فإماَ ترين من البشر أحداً فيسألّك عن ولدك (فبقولى انى نذرت للرحمن صوما) يعنى صمتا، وكذلك كان يقرؤ ابن مسعود، والصوم فى اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام، قال السدى كان فى بنى اسرائيل اذا أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسى، وقيل إن الله تعالى أمرها أن تقول هذا اشارة، وقيل أمرها أن تقول هذا القدر نطقا ثم تمسك عن الكلام بعده (فلن أكلم اليوم إنسيا) يقال كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس (فأتت به قومها تحمله) وقيل إنها ولدته ثم حملته فى الحال الى قومها فلما دخلت على أهلها ومعها الصبى بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين (قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا) أى عظيما منكراً، قال أبو عبيدة كل أمر فائق من عجب أو عمل فهو فرىّ ثم تعجبوا كيف تأتى بولدهن غير أب (يا أخت هارون) يريد شبيهة هارون قال قتادة وغيره كان هارون رجلا صالحا عابدا فى بنى اسرائيل شبهوها به على معنى أننا ظننا أنك مثله فى الصلاح وليس المراد منه الأخوة فى النسب وقال السدى إنما عنوا به هارون أخاه موسى لأنها كانت من نسله كما يقال للتميمى يا أخا تميم (ما كان أبوك) عمران (امرأ سوء) قال ابن عباس زانيا (وما كانت أمك) هذه (بغيَّا) أى زانية فمن أين لك هذا الولد (فأشارت) مريم (اليه) أى الى عيسى عليه السلام أن كلموه، قال ابن عباس لما لم تكن لها حجة أشارت اليه ليكون كلامه حجة لها، وفى القصة لما أشارت اليه غضب القوم وقالوا مع ما فعلت

ص: 136

.

أتسخرين بنا؟ ثم (قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا) أى من هو فى المهد وهو حجرها، وقيل هو المهد بعينه وكان بمعنى هو، قال السدى فلما سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع وأقبل عليهم، وقيل لما أشارت اليه ترك الثدى واتكأ على يساره وأقبل عليهم وجعل يشير بيمينه (قال إنى عبد الله) أقر على نفسه بالعبودية لله عز وجل أول ما تكلم لئلا يتخذ إلها (آتانى الكتاب وجعلنى نبيا) قيل معناه سيؤتينى الكتاب ويجعلنى نبيا وقيل هذا إخبار عما كتب له فى اللوح المحفوظ كما قيل للنبى صلى الله عليه وسلم متى كنت نبيا؟ قال كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد، وقال الأكثرون أوتى الإنجيل وهو صغير طفل وكان يعقل عقل الرجال، وعن الحسن أنه قال الهم التوراة وهو فى بطن أمه (وجعلنى مباركا أين ما كنت) أى نفَّاعا حينما توجهت، وقال عطاء ادعوا الى الله والى توحيده وعباداته وقيل مباركا على من تبعنى (وأوصانى بالصلاة والزكاة) أى أمرنى بهما، فان قيل لم يكن لعيسى مال فكيف يؤمر بالزكاة؟ قيل معناه أوصانى بالزكاة لو كان لى مال، وقيل اوصانى بالزكاة اى أمرنى ان أوصيكم بالزكاة وقيل الاستكثار من الخير (ما دمت حيا وبرا بوالدتى) اى جعلنى برا بوالدتى (ولم يجعلنى جبارا شقيا) اى عاصيا لربه، وقيل الشقى الذى يذنب ولا يتوب (والسلام علىّ يوم ولدت) اى السلامة عند الولادة من طعن الشيطان (ويوم أموت) أى عند الموت من الشرك (ويوم أبعث حيا) من الأهوال: فلما كلمهم عيسى بهذا علموا براءة مريم، ثم سكت عيسى عليه السلام فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التى يتكلم فيها الصبيان والله أعلم (باب ذكر منشئه ومرباه وما أيده الله به من المعجزات) ذكر وهب بن منبه أنه لما ولد عبد الله ورسوله عيسى بن مريم عليهما السلام خرت الأصنام يومئذ فى مشارق الأرض ومغاربها وان الشياطين حارت فى سبب ذلك حتى كشف لهم إبليس الكبير أمر عيسى فوجدوه فى حجر أمه والملائكة محدقة به وأنه ظهر نجم عظيم فى السماء، وان ملك الفرس أشفق من ظهوره فسأل الكهنة عن ذلك فقالوا هذا لمولد عظيم فى الأرض، فبعث رسله ومعهم ذهب ومرّ ولبان هدية الى عيسى، فلما قدموا الشام سألهم ملكها عما أقدمهم؟ فذكروا له ذلك فسأل عن ذلك الوقت، فاذا قد ولد فيه عيسى بن مريم ببيت المقدس واشتهر أمره بسبب كلامه فى المهد، فأرسلهم اليه بما معهم وأرسل معهم من يُعَرَّفه له ليتوصل الى قتله اذ انصرفوا عنه، فلما وصلوا الى مريم بالهدايا ورجعوا قيل لها أن رسل ملك الشام أنما جاءوا ليقتلوا ولدك فاحتملته فذهبت به الى مصر، وقال اسحاق بن بشر عن جرير ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال وكان عيسى يرى العجائب فى صباه إلهاما من الله: ففشا ذلك فى اليهود وترعرع عيسى فهمت به بنوا اسرائيل فخافت امه عليه فأوحى الله الى أمه أن تنطلق به الى أرض مصر، قال وهب ابن منبه فأقامت معه بمصر حتى بلغ عمره اثنتى عشرة سنة وظهرت عليه كرامات ومعجزات فى حال صغره (فذكر منها) ان الدهقان الذى نزلوا عنده افتقد مالا من داره وكانت داره يأوى إليها الفقراء والمساكين والضعفاء والمحاويج فلم يدر من أخذه وعز ذلك على مريم عليها السلام وشق على الناس وعلى رب المنزل وأعياهم أمره، فلما رأى عيسى عليه السلام ذلك عمد الى رجل أعمى وآخر مقعد من جملة من هو منقطع اليه فقال للأعمى أحمل هذا المقعد وأنهض به، فقال انى لا استطيع ذلك، فقال بلى كما فعلت وهو حين أخذتما هذا المال من تلك الكوّة من الدار فلما قال ذلك صدقاه فيما قال وأتيَا بالمال فعظم عيسى فى أعين الناس وهو صغير جدا (ومن ذلك) ان ابن الدهقان عمل ضيافة للناس بسبب طهور أولاده فلما اجتمع الناس وأطعمهم أراد أن يسقيهم شرابا يعنى خمرا كما كانوا يصنعون في ذلك

ص: 137

.

الزمان لم يجد فى حراره شيئا فشق ذلك عليه، فلما رأى عيسى ذلك منه قام فجعل يمر على تلك الجرار ويمر يده على أفواهها فلا يفعل بجرة منها ذلك الا امتلأت شرابا من خيار الشراب، فتعجب الناس من ذلك جدا وعظموه وعرضوا عليه وعلى أمه مالا جزيلا فلم يقبلاه، وقال اسحاق بن بشر قال لما إدريس عن جده وهب بن منبه قال ان عيسى لما بلغ ثلاث عشرة سنة أمره الله عز وجل أن يرجع عن بلاد مصر الى بيت إيليا قال فقدم عليه يوسف بن خال أمه فحملهما على حمار حتى جاء بهما الى إيلياء وأقام بها حتى أحدث الله له الإنجيل وعلمه التوراة وأعطاه إحياء الموتى وإبراء الأسقام والعلم بالغيوب مما يدخرون فى بيوتهم وتحدث الناس بقدومه وفزعوا لما كان يأتى من العجائب فجعلوا يعجبون منه فدعاهم الى الله ففشا فيهم أمره (باب بعثته الى بنى اسرائيل وما أيده الله به من المعجزات الباهرات)(قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) روى أبو حذيفة اسحاق بن بشر بأسانيده عن كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن عباس وسلمان الفارسى دخل حديث بعضهم فى بعض قالوا لما بعث عيسى بن مريم وجاءهم بالبينات جعل المنافقون والكافرون من بنى اسرائيل يعجبون منه ويستهزئون به فيقولون ما أكل فلان البارحة وما أدخر فى منزله؟ فيخبرهم فيزداد المؤمنون أيمانا والكافرون والمنافقون شكا وكفرانا، وكان عيسى مع ذلك ليس له منزل يأوى أليه انما يسبح فى الأرض ليس له قرار ولا موضع يعرف به، فكان أول ما أحيا من الموى أنه مر ذات يوم على امرأة قاعدة عند قبر وهى تبكى فقال لما مالك أيتها المرأة؟ فقالت ماتت ابنة لى لم يكن لى ولد غيرهما وأنى عاهدت ربى أن لا أبرح من موضعى هذا حتى أذوق ما ذاقت من الموت أو يحييها الله لى فأنظر اليها، فقال لها عيسى ارأيت إن نظرت اليها أراجعة أنت؟ قالت نعم، قالوا فصلى ركعتين ثم جاء فجلس عند القبر فنادى يا فلانة قومى باذن الرحمن فاخرجى، قال فتحرك القبر، ثم نادى الثانية فانصدع القبر باذن الله، ثم نادى الثالثة فخرجت وهى تنفض رأسها من التراب، فقال لها عيسى ما أبطأ بك عنى؟ فقالت لما جاءتنى الصيحة الأولى بعث الله لى ملكا فركب خلقى، ثم جاءتنى الصيحة الثانية فرجع الى روحى، ثم جائتنى الصيحة الثالثة فجفت أنها صيحة القيامة فشاب رأسى وحاجباى وأشعار عينى من مخافة القيامة، ثم أقبلت على امها فقالت يا أماه ما حملك على أن أذوق كرب الموت مرتين؟ يا أماه اصبرى وأحتسبى فلا حاجة لى فى الدنيا، يا روح الله وكلمته سل ربى ان يردنى الى الآخرة وان يهوّن على كرب الموت، فدعا ربه فقبضها اليه واستوت عليها الأرض فبلغ ذلك اليهود فازدادوا عليه غضبا (قال الحافظ ابن كثير) وقد قدمنا فى عقيب قصة نوح أن بنى اسرائيل سألوه أن يحي لهم سام بن نوح فدعا الله عز وجل وصلى الله فأحياه الله لهم فحدثهم عن السفينة وأمرها، ثم دعا فعاد ترابا، قال (وقد روى السدى) عن أبى صالح وأبى مالك عن ابن عباس فى خبر ذكره وفيه أن ملكا من ملوك بنى اسرائيل مات وحمل على سريره فجاء عيسى عليه السلام فدعا الله عز وجل فأحياه الله عز وجل، فرأى الناس أمراً هائلا ومنظرا عجيبا اه (قلت) ويؤيد ذلك قوله عز وجل فى سورة المائدة (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أذكر نعمتى عليك) أى فى خلقى أياك من أم بلا أب وجعلى أياك آية ودلالة قاطعة على كمال قدرتى على الأشياء (وعلى والدتك) حيث جعلتك لها برهانا على براءتها مما نسبه الظالمون اليها من الفاحشة (اذ أيدنك بروح القدس) وهو جبريل عليه السلام وجعلتك نبيا داعيا الى الله فى صغرك فانطقتك فى المهد صغيرا فشهدت ببراءة أمك من كل عيب

ص: 138

.

واعترفت لي بالعبودية وأخبرت عن رسالتى أياك ودعوت الى عبادتى ولهذا قال (تكلم الناس فى المهد وكهلا) أى تدعوا الى الله الناس فى صغرك وكبرك (وإذ علمتك الكتاب والحكمة) أى الخط والفهم (والتوراة) وهى المنزلة على موسى بن عمران الكليم (والانجيل) وهو المنزل على عيسى عليه السلام (وأذ تخلق من الطين كهيئة الطير باذنى) أى تصوره وتشكله على هيئة الطائر باذنى لك (فتنفخ فيها فتكون طيراً باذنى) أى فتكون طيرا ذا روح بأذن الله وخلقه، قيل هو الخفاش (وتبرئ الأكمه) قال بعض السلف وهو الذى يولد أعمى ولا سبيل لأحد من الحكماء الى مداواته (والأبرص) هو الذى لا طب فيه بل قد مرض بالبرص وصار داؤه عضالا (واذ تخرج الموتى باذنى) أى تدعوهم فيقومون من قبورهم بأذن الله وقدرته (واذ كففت بنى اسرائيل عنك) أى منعت وصرفت عنك أذى اليهود حين هموا بقتلك وصلبك فنجيتك منهم ورفعتك اليّ وطهرتك من دنسهم (إذ جئتهم بالبينات) يعنى بالدلالات الواضحات والمعجزات وهى التى ذكرنا وسميت بالبينات لأنها ما يعجز عنها سائر الخلق الذين ليسوا بمرسلين (فقال الذين كفروا منهم أن هذا) ما هذا (ألا سحر مبين) يعنى ما جاءهم به من البينات (باب أسلام أهل أنطاكية جميعا بنبي الله عيسى عليه السلام لما كذب اليهود نبى الله عيسى عليه السلام ونسبوا ما أتى به من المعجزات الى السحر ضاق بهم ذرعا وقال (من أنصارى الى الله) أى من يساعدنى فى الدعوة الى الله (قال الحواريون نحن أنصار الله) وكان ذلك فى قرية يقال لها الناصرة فسموا بذلك النصارى قال تعالى (فآمنت طائفة من بنى اسرائيل وكفرت طائفة) يعنى لما دعا عيسى بنى اسرائيل وغيرهم الى الله تعالى، منهم من آمن ومنهم من كفر، وكان من آمن أهل أنطاكية بكما لهم فيما ذكر، غير واحد من أهل السير والتواريخ والتفسير بعث اليهم رسلا ثلاثة أحدهم شمعون الصفا فآمنوا واستجابوا، وكفر آخرون من بنى اسرائيل وهو جمهور اليهود (فأيدنا الذين آمنوا) به بما جاء به من أنه عبد الله ورسوله (على عدوهم) يعنى اليهود ومن غلابه من النصارى فجعله إلاها: فكل من كان اليه أقرب كان عاليا فمن دونه، ولما كان قول المسلمين فيه هو الحق الذى لا شك فيه من انه عبد الله ورسوله كانو ظاهرين كما قال تعالى (فاصبحوا ظاهرين) على النصارى الذين غلوا فيه وأطروه وأنزلوه فوق ما انزله الله به، ولما كان النصارى أقرب فى الجملة مما ذهب اليه اليهود عليهم لعائن الله كان النصارى قاهرين لليهود فى ازمان الفترة الى زمن الاسلام وأهله حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فظهرت الفرقة المؤمنة باظهار دين محمد صلى الله عليه وسلم على دين الكفار فأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يزالون ظاهرين على الحق حتى يأتى أمر الله وهم كذلك وحق يقاتل آخرهم الدجال مع المسيح عيسى بن مريم عليه السلام كما وردت بذلك الأحاديث الصحاح والله أعلم، ويستفاد من هذا الباب أن الحواريين هم أنصار عيسى عليه السلام، وهم أول من لبى الدعوة ولذلك قال تعالى فى كتابه العزيز (واذ أوحيت الى الحواريين أن آمنوا بى وبرسولى قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون) وهذا أيضا من الامتنان على عيسى عليه السلام بأن جعل الله له أصحابا وأنصاراَ، ثم قيل المراد بهذا الوحى وحى الهام كما قال تعالى وأوحينا الى أم موسى أن أرضعيه، وهو وحى الهام بلا خلاف، أى الهموا ذلك فامتثلوا ما ألهموا (قال الحسن البصرى) ألهمهم الله عز وجل ذلك، وقال السدى قذف فى قلوبهم ذلك، ويحتمل أن يكون المراد واذ أوحيت أليهم بواسطتك تدعوهم الى الأيمان بالله وبرسوله فاستجابوا لك وانقادوا وتابعوا

ص: 139

_________

(باب ما جاء فى نزول المائدة من كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل (إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) الآيات: هذه قصة المائدة وأليها تنسب السورة فيقال سورة المائدة وهى لمّا امتن الله به على عبده ورسوله عيسى لما أجاب دعاءه بنزولها فأنزلها الله آية باهرة وحجة قاطعة، وقد ذكر بعض الأئمة أن قصتها ليست مذكورة فى الانجيل ولا يعرفها النصارى إلا من المسلمين فالله أعلم فقوله تعالى (إذ قال الحواريون) وهم أتباع عيسى وخواص أصحابه (يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك) هذه قراءة كثيرين وعلى هذه القراءة لم يقولوا شاكين بقدرة الله عز وجل ولكن معناه هل ينزل ربك أم لا، وقرأ آخرون (هل تستطيع ربك) بالتاء وربك بنصب الباء الموحدة أى هل تستطيع أن تسأل ربك (أن ينزل علينا مائدة من السماء) والمائدة هى الخوان عليه طعام وذكر بعضهم أنهم أنما سألوه ذلك لحاجتهم وفقرهم فسألوه أن ينزل عليهم مائدة كل يوم يقتاتون منها ويتقوون بها على العبادة (قال اتقوا الله ان كنتم مؤمنين) أى فأجابهم عليه السلام قائلا لهم اتقوا الله ولا تسألوا هذا فعساه ان يكون فتنة لكم وتوكلوا على الله فى طلب الرزق أن كنتم مؤمنين (قالوا نريد أن نأكل منها) أى نحن محتاجون الى الأكل منها (وتطمئن قلوبنا) اذا شاهدنا نزولها رزقا لنا من السماء (ونعلم ان قد صدقتنا) أى ونزداد إيمانا بك وعلما برسالتك (ونكون عليها من الشاهدين أى ونشهد أنها آية من عند الله ودلالة وحجة على نبوتك (قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عبداً) أى نتخذ ذلك اليوم الذى نزلت فيه عبدا نعظمه، وقال سفيان الثورى يوما ما نصلى فيه (لأولنا) اى لأهل زماننا (وآخرنا) أى لمن يجئ بعدنا، وقيل كافة لأولنا وآخرنا (وآية منك) أى دلالة وحجة على قدرتك على الأشياء وعلى إجابتك لدعوتى فيصدقونى فيما ابلغه عنك (وأرزقنا) أى من عندك رزقا هنيئا بلا كلفة ولا تعب (وأنت خير الرازقين قال الله) تعالى مجيبا لعيسى عليه السلام (إنى منزلهما عليكم فمن يكفر بعد منكم) أى فمن كذب بها من أمتك يا عيسى بعد نزولها (فانى أعذبه عذابا بالا أعذبه أحدا من العالمين) أى من عالمى زمانكم (قال الحافظ ابن كثير) فى تفسيره (روى ابن جرير) عن عبد الله بن عمر قال أن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة، المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون (باب ما جاء فى ذكر الآثار الواردة فى نزول المائدة) أعلم أنه وردت آثار عن أبن عباس وسلمان الفارسى وعمار بن ياسر وغيرهم من السلف ذكرها الحافظ ابن كثير فى تفسيره ثم قال فى تاريخه ومضمون ذلك أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام ثلاثين يوما فلما أتموها سألوا عيسى أنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم إذا قبل الله صيامهم وأجابهم الى طلبهم وتكون لهم عبادا يفطرون عليها يوم فطرهم وتكون كافية لأولهم وآخرهم لغنيهم وفقيرهم فوعظهم عيسى فى ذلك وخاف عليهم أن لا يقوه وابشكرها ولا يؤدوا حتى شروطها فأبوا عليه إلا ان يسال لهم ذلك من ربه عز وجل، فلما لم يقلعوا عن ذلك قام الى مصلاه ولبس مسحا من شعر وصف بين قدميه وأطرق رأسه وأسبل عينيه بالبكاء وتضرع إلى الله فى الدعاء والسؤال أن يجابوا الى ما طلبوا، فأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون اليها تنحدر بين غمامتين وجعلت تدنوا قليلا قليلا وكلما دنت سأل عيسى ربه عز وجل أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها بركة وسلامة فلم تزل تدنو حتى أستقرت بين يدى عيسى عليه السلام وهى مغطاة بمنديل فقام عيسى يكشف عنها وهو يقول بسم الله خير الرازقين، فاذا عليها سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة ويقال وخل ويقال ورمان وثمار ولها رائحة عظيمة جدا: قال الله لها كونى فكانت، ثم أمرهم بالآكل منها فقالوا الا نأكل حتى تأكل فقال أنكم الذين ابتدأتم السؤال لها فأبوا أن

ص: 140

.

يأكلوا منها أبتداءا فأمر الفقراء والمحاويج والمرضى والزمنى وكانوا قريبا من ألف وثلاثمائة فأكلوا منها فبرأ كل من به عاهة أو آفة أو مرض مزمن، فندم الناس على ترك الأكل منها لما رأو من إصلاح حال أولئك، ثم قيل أنها كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل كل الناس منها يأكل آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل أنها كان يأكل منها نحو سبعة آلاف ثم كانت تنزل يوما بعد يوم كما كانت ناقة صالح يشربون لبنها يوما بعد يوم ثم أمر الله عيسى أن يقصرها على الفقراء والمحاويج دون الأغنياء فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منافقوهم فى ذلك فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا فى ذلك خنازير (روى أبن أبى حاتم وأبن جرير) جميعاً حدثنا الحسن بن قزعة الباهلى حدثنا سفيان بن حبيب حدثنا سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن خلاس عن عمار بن ياسر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال نزلت المائدة من السماء خبز ولحم وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا لغد، فخانوا وادخروا ورفعوا فمسخوا قردة وخنازير، ثم رواه ابن جرير عن بندار عن أبن أبى عدى عن سعيد عن قتادة عن خلاس عن عمار موقوفا قال الحافظ ابن كثير وهذا أصح: قال وكذا رواه من طريق سماك عن رجل من بنى عجل عن عمار موقوفا وهو الصواب والله أعلم (باب سبب عزم اليهود على قتل نبى الله عيسى عليه السلام وصلبه وما قتلوه وما صلبوه) جاء فى تاريخ الكامل لابن الأثير قال قيل أن عيسى استقبله ناس من اليهود، فلما رأوه قالوا قد جاء الساحر أبن الساحرة الفاعل أبن الفاعلة وقذفوه وأمه فسمع ذلك ودعا عليهم فاستجاب الله دعاءه ومسخهم خنازير، فلما رأى ذلك رأس بنى اسرائيل فزع وخاف وجمع كلمة اليهود على قتله فاجتمعوا عليه فسألوه فقال يا معشر اليهود إن الله يبغضكم فغضبوا من مقالته وثاروا اليه ليقتلوه فبعث اليه جبريل فأدخله فى خوخة الى بيت فيها روزنة أى كوّة فى سقفها فرفعه الى السماء من تلك الروزنة فأمر رأس اليهود رجلا من أصحابه اسمه نطليانوس أن يدخل اليه فيقتله فدخل فلم ير أحداً وألقى الله عليه شبح المسيح فخرج اليهم فظنوه عيسى فقتلوه وصلبوه أه وقال الحافظ أبن كثير فى تاريخه قال أبن أبى حاتم حدثنا أحمد بن سنان حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن أبن عباس قال لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج على أصحابه وفى البيت أثنا عشر رجلا منهم من الحواريين يعنى فخرج عليهم من عين فى البيت ورأسه يقطر ماءاً فقال إن منكم من يكفر بى أثنى عشر مرة بعد أن آمن بى، ثم قال أيكم يلقى عليه شبهى فيقتل مكانى فيكون معى فى درجتى، فقام شاب من أحدثهم سناً فقال له أجلس، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أجلس، ثم أعاد عليهم فقام الشاب فقال أنا، فقال أنت هو ذاك فألقى عليه شبه عيسى ورفع عيسى من روزنة فى البيت إلى السماء، قال وجاء الطلب من اليهود فأخذوا الشبه فقتلوه ثم صلبوه فكفر به بعضهم أثنتى عشرة مرة بعد أن آمن به وافترقوا ثلاث فرق، فقالت طائفة كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهؤلاء اليعقوبية، وقالت فرقة كان فينا أبن الله ما شاء ثم رفعه الله أليه، وهؤلاء النسطورية، وقالت فرقة كان فينا عبد الله ورسوله ما شاء ثم رفعه الله أليه، وهؤلاء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة فقتلوها فلم الأسلام طامسا حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم قال أبن عباس وذلك قوله تعالى (فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين) وهذا اسناد صحيح إلى أبن عباس على شرط مسلم ورواه النسائى عن أبى كريب عن أبى معاوية به نحوه وكذا ذكره غير واحد من السلف أنه قال لهم أيكم يلقى عليه شبهى فيقتل مكانى وهو رفيقى فى الجنة (وفى تاريخ الكامل لابن الأثير أن أحد الحواريين

ص: 141

(باب ما جاء في صفته وشمائله ونزوله آخر الزمان وحكمه ومدة مكثه فى الارض وحجه وفناء كل ملة غير الاسلام ووفاته)(عن أبى هريرة)(1) أن النبى صلي الله عليه وسلم قال الأنبياء إخوة.

أتى إلى اليهود فدلهم على المسيح وأعطوه ثلاثين درهما فأتى معهم الى البيت الذى فيه المسيح فدخله فرفع الله المسيح وألقى شبهه على الذى دلهم عليه فاخذوه وأوثقوه وقادوه وهم يقولون له أنت كنت تحيي الموتى وتفعل كذا وكذا فهلا تنجى نفسك؟ وهو يقول أنا الذى دللتكم عليه فلم يصغوا إلى قوله ووصله به إلى الخشبة فقتلوه وصلبوه عليها، وقيل إن اليهود لما دلهم عليه الحوارى أتبعوه وأخذوه من البيت الذى كان فيه ليصلبوه فأظلمت الأرض وأرسل الله ملائكته فخلوا بينهم وبينه وألقى شبه المسيح على الذى دلهم عليه فأخذوه ليصلبوه، فقال أنا الذى دللتكم عليه فلم يلتفتوا أليه، فقتلوه وصلبوه عليها، قال الأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار فى تعليقه على الكامل هذا هو الوجه المرضى والذى ذكره برنابا حوارىّ المسيح فى الفصل السابع عشر بعد المائتين من أنجيله وما عداه من الروايات باطل اه (وفى الكامل لابن الأثير) أيضا ورفع الله المسيح أليه بعد أن توفاه ثلاث ساعات وقيل سبع ساعات ثم أحياه ورفعه ثم قال له أنزل الى مريم فانه لم يبك عليك أحد بكاءها ولم يحزن أحد حزنها فنزل عليها بعد سبعة أيام فاشتعل الجبل حين هبط نورا وهى عند المصلوب تبكى ومعها امرأة كان أبرأها من الجنون فقال ما شأنكما تبكيان؟ قالتا عليك، قال انى رفعنى الله إليه ولم يصبنى الأخير وإن هذا شئ شبه لهم، وأمرها فجمعت له الحواريين فبثهم فى الأرض وسلا من الله وأمرهم أن يبلغوا عنه ما أمره الله به، ثم رفعه الله أليه وكساه الريش وألبسه وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار مع الملائكة فهو معهم فصار إنسيا ملكيا سماويا أرضيا فتفرق الحواريون حيث أمرهم، فتلك الليلة كانت أهبطه الله فيها هى التى تدخن فيها النصارى، وتعدى اليهود على بقية الحواريين فسمع بذلك ملك الروم وأسمه هيردوس وكانوا تحت يده وكان صاحب وئن فقيل له إن رجلا كان فى بنى اسرائيل وكان يفعل الآيات فى إحياء الموتى وخلق الطير من الطين والإخبار عن الغيوب فعدوا عليه فقتلوه وكان يخبرهم أن رسول الله: فقال الملك ويحكم ما منعكم أن تذكروا هذا من أمره فوالله لو علمت ما خليت بينهم وبينه ثم بعث إلى الحواريين فانزعهم من يدى اليهود وسألهم عن دين عيسى فأخبروه وتابعهم على دينهم وأستنزل المصلوب الذى شبه لهم فغيبه وأخذ الخشبة التى صلب عليها فأكرمها وصانها، وعدا على بنى اسرائيل فقتل منهم قتلى كثيرة، فمن هناك كان أصل النصرانية فى الروم (وقيل) كان هذا الملك هيردوس ينوب عن ملك الروم الأعظم الملقب قيصر وأسمه طيباريوس وهذا أيضا يسمى ملكا وكان مُلك طيباريوس ثلاثا وعشرين سنة، منها الى ارتفاع المسيح ثمانى عشرة سنة وأياما إه (وجاء فى تاريخ الحافظ ابن كثير) عن أبن عساكر من طريق طريف أبن حبيب فيما بلغه أن عيسى عليه السلام لما نزل لمقابلة أمه بعد رفعه قال يا أمّه أن القوم لم يقتلونى ولكن الله رفّعنى أليه وأذن لى فى لقائك والموت يأتيك قريبا فاصبرى وأذكرى الله كثيرا ثم صعد عيسى فلم تلقه إلا تلك المرة حتى ماتت: قال بلغنى أن مريم بقيت بعد عيسى خمس سنين وماتت ولها ثلاث وخمسون سنة رضى الله عنها وأرضاها، وقال الحسن البصرى كان عمر عيسى عليه السلام يوم رفع أربعا وثلاثين سنة والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا عفان قال ثنا همام قال أنا قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة الخ

ص: 142

لعَلَات، أمهاتهم شّى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن بينى وبينه نبى (1) وأنه نازل فاذا رأيتموه فاعرفوه رجلا مربوعا الى الحمرة والبياض عليه ثوبان عصران (2) كأن رأسه يقطر وان لم يصبه بلل: فيدق الصليب (3) ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس الى الأسلام فيهلك الله فى زمنه الملل كلها إلا الأسلام ويهلك الله فى زمانه المسيخ الدجال وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الاسود مع الابل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون (زاد فى رواية) ويدفنونه (وعنه من طريق ثان)(4) يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم يوشك أن ينزل فيكم أبن مريم حكما مقسطا (وفى لفظ حكما عادلا وإماما مقسطا) يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد (عن الزهرى)(5) عن حنظلة عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ينزل عيسى بن مريم فيقتل الخنزير ويمحو الصليب وتجمع له الصلاة ويعطى المال حتى لا يقبل، ويضع الخراج وينزل الروحاء (6) فيحج منها (7) أو يعتمر أو يجمعهما قال وتلا أبو هريرة وأن من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) فزعم حنظلة (8) أن أبا هريرة قال يؤمن به قبل موت عيسى فلا أدرى هذا كله حديث النبى صلي الله عليه وسلم أو شيء قاله أبو هريرة

(غريبه)(1) هذه الجملة من أول الحديث إلى هنا تقدم شرحها فى باب ما جاء فى فضل نبى الله عيسى عليه السلام فى هذا الجزء صحيفة 134 رقم 90 (2) الممصرة من الثياب التى فيها صفرة خفيفة (نه)(3) أى يكسره كما فى بعض الروايات، قال فى شرح السنة وغيره أى فيبطل النصرانية ويحكم بالملة الحنيفية (ويقتل الخنزير) أى يحرم اقتناءه وأكله ويبيح قتله (ويضع الجزية) قال الحافظ المعنى أن الدين يصير واحدا فلا يبقى أحد من أهل الذمة يؤدى الجزية، وقيل معناه أن المال يكثر حتى لا يبقى من يمكن صرف مال الجزية له فتترك الجزية استغناءا عنها (قال النووى) ومعنى وضع عيسى الجزية مع أنها مشروعة فى هذه الشريعة أن مشروعيتها مقيدة بنزول عيسى لما دل عليه هذا الخبر، وليس عيسى بناسخ لحكم الجزية بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين للنسخ، فأن عيسى عليه السلام يحكم بشرعنا فدل على أن الامتناع عن قبول الجزية فى ذلك الوقت هو شرع نبينا (4)(سنده) حدثنا سفيان عن الزهرى عن سعيد عن أبى هريرة يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه)(ق د جه طل) وأبن جرير (5)(سنده) حدثنا يزيد أنا سفيان عن الزهرى عن حنظلة الخ (غريبه)(6) قال النووى فى تهذيب الأسماء واللغات هى بفتح الراء وإسكان الواو وبالحاء المهملة ممدودة وهى موضع من عمل الفرع بضم الفاء وإسكان الراء وبينها وبين مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة وثلاثون ميلا كذا جاء فى صحيح مسلم فى باب الأذان عن سليمان الأعمش قال قلت لأبى سفيان وهو طلحة بن نافع التابعى المشهور كم بينها وبين المدينة؟ قال ستة وثلاثون ميلا، وحكى صاحب المطالع أن بينهما أربعين ميلا وأن فى كتاب بن أبى شيبة بينهما ثلاثون ميلا والله تعالى أعلم اه (7) معناه يحرم بالحج من هذا المكان (أو يعتمر) معناه أو يحرم بعمرة (أو يجمعهما) أو يحرم بحج وعمرة معاً (8) حنظلة هو أبن على بن الاسقع الأسلمى المدنى وهو تابعى ثقة يقول ان أبا هريرة جعل الضمير فى قوله تعالى (قبل موته) راجعا الى عيسى يعنى قبل موت عيسى (وقوله فلا أدرى الخ) جوابه أن الحديث مرفوع

ص: 143

(وعنه من طريق ثان)(1) عن حنظلة الأسلمى سمع أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفس محمد بيده ليُهلنَّ أبن مريم بفج الروحاء (2) حاجا أو معتمرا أو ليُثنيهما (74)(كتاب قصص الماضين من بنى اسرائيل وغيرهم)(الى آخر زمن الفترة وذكر أيام العرب وجاهليتهم)(باب ما جاء فى القصاصين)(عن عبد الجبار الخولانى)(3) قال دخل رجل من أصحاب النبى صلي الله عليه وسلم المسجد فإذا كعب (4) يقص فقال من هذا؟ قالوا كعب يقص، فقال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول لا يقص (5) إلا أمير أو مأمور أو مختال، قال فبلغ ذلك كعب فما رؤى يقص بعد (عن عمرو بن شعيب)(6) عن أبيه عن جده أن النبى صلي الله عليه وسلم قال لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو مراء (عن عوف بن مالك الأشجعى)(7) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إلى قوله أو يجمعها والظاهر أن قوله وتلا أبو هريرة الخ أن تلاوة الآية من قول أبى هريرة والله أعلم وقد أختلف العلماء فى معنى قوله تعالى (قبل موته) فذهب جماعة الى أن الضمير راجع الى جنس أصحاب الكتاب ومعناه كل صاحب كتاب لا يموت حتى يؤمن بعيسى، واحتجبوا بقراءة أبىِّ بن كعب (وأن من أهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موتهم) بميم الجمع وهو مروى عن ابن عباس، وقال آخرون معنى ذلك وأن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم وحكاه أبن جرير عن عكرمة قال لا يموت النصرانى ولا اليهودى حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم اه وسياق الآية يدل على ان كل يهودى ونصرانى يؤمن بعيسى بعد نزوله قبل موته أى قبل موت عيسى فلا يكون هناك يهودى ولا نصرانى وكل هذه الأقوال جائزة ولا تناقض بينها لأن الواقع ان كل انسان يظهر له مصيرة عند موته وحينئذ يؤمن اليهودى والنصرانى بأن عيسى عبد الله ورسوله وأن محمدا عبد الله ورسوله ولكن لا ينفعه ذلك (قال تعالى وليست بتوبة للذين يعملون السيئات حتى اذا حضر أحدهم الموت قال أنى تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) وبهذا يجمع بين الأقوال والله أعلم بحقيقة الحال (1)(سنده) حدثنا سفيان عن الزهرى عن حنظلة الأسلمى الخ (2) فج الروحاء قال ياقوت بين مكة والمدينة كان طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بدر والى مكة عام الفتح وعام الحج (تخريجه)(ق، وغيرهما)(باب)(3)(سنده) حدثنا يزيد بن هارون انا العوام ثنا عبد الجبار الخولانى الخ (غريبه)(4) لم ينسب كعبا والظاهر أنه كعب الأحبار والقصص التحدث ويستعمل فى الوعظ (5) جاء فى الحديث التالى بلفظ لا يقص على الناس أى لا يتكلم عليهم بالقصص والإفناء قال الطيبى قوله لا يقص ليس بنهى بل هو نفى واخبار أن هذا الفعل ليس بصادر إلا من هؤلاء (وقوله إلا أمير) أى حاكم وهو الامام (قال حجة الاسلام) الغزالى وكانوا هم المفتين (أو مأمور) أى مأذون له فى ذلك من الحاكم (أو مختال) أى مراء، كما فى بعض الروايات وهو من عداهما سمى مرائيا لأنه طالب للرياسة متكلف ما لم يكلفه الشارع حيث لم يؤمر بذلك، لأن الامام نصب المصالح فمن رآه لائقا نصبه للقص أو غير لائق فلا، هذا ما قرره حجة الاسلام (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وإسناده حسن (6)(سنده) حدثنا هيثم بن خارجة حدثنا حفص بن ميسرة عن أبن حرملة عن عمرو بن شعيب الخ (تخريجه)(جه) قال الحافظ العراقى وإسناده حسن (7)(سنده) حدثنا هارون قال ثنا أبن وهب قال ثنا عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله أن يعقوب

ص: 144

يقول لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو مختال (1)(وفى لفظ) لا يقص إلا أمير أو مأمور أو متكلف (عن السائب بن يزيد)(2) قال أنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا أبى بكر وكان أول من قص تميما الدارىّ استأذن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن يقص على الناس قائما فأذن له عمر (حدثنا هاشم)(3) ثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت كردوس أبن قيس وكان قاص العامة بالكوفة قال فأخبرنى رجل من أصحاب بدر أنه سمع النبى صلي الله عليه وسلم يقول لأن اقعد فى مثل هذا المجلس أحب إلى من ان أعتق أربع رقاب، قال شعبة فقلت أى مجلس تعنى؟ قال كان قاصا (4)(قال عبد الله)(5) سمعت مصعب الزبيرى قال جاء أبو طلحة القاص على مالك أبن أنس فقال يا أبا عبد الله أن قوما قد نهونى أن أقص هذا الحديث صلى الله على إبراهيم إنك حميد

أخاه وابن أبي خصيفة حدثاه أن عبد الله بن يزيد قاص مسلمة بالقسطنطينية حدثهما عن عوف بن مالك الأشجعى الخ (وله طريق أخرى) عند الامام أحمد أيضا قال حدثنا حماد بن خالد عن معاوية بن صالح عن ازهر يعنى أبن سعيد عن ذى الكلاع عن عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول القصاص ثلاثة أمير أو مأمور أو مختال (غريبه)(1) قال الخطابى بلغنى عن ابن سريج أنه كان يقول هذا فى الخطبة، وكان الأمراء يتلون الخطب فيعظون الناس ويذكرونهم فيها، فأما المأمور فهو من يقيمه الامام خطيبا فيعظ الناس ويقص عليهم (وأما المختال) فهو الذى نصب نفسه لذلك من غي أن يؤمر به ويقص على الناس طلبا للرياسة فهو يراثى بذلك ويختال، وقد قيل أن المتكلمين على الناس ثلاثة أصناف، مذكر وواعظ وقاص، فالمذكر الذى يذكر الناس آلاء الله ونعماءه ويبعثهم بها على الشكر له، والواعظ يخوفهم بالله وينذرهم عقوبته فيردعهم به عن المعاصى، والقاص هو الذى يروى لهم أخبار الماضين ويسرد عليهم القصص فلا يؤمن أن يزيد فيها أو ينقص، والمذكر والواعظ مأمون عليهما هذا المعنى اه (تخريجه)(د طس) وسنده عند الامام أحمد جيد (2)(سنده) حدثنا يزيد بن عبد ربه ثنا بقية بن الوليد قال حدثنى الزبيدى عن الزهرى عن السائب بن يزيد الخ (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه (حم طب) وفيه بقية بن الوليد وهو ثقة مدلس اه (قلت) قد صرح بالتحديث فانتفى التدليس (3)(حدثنا هاشم الخ)(غريبه)(4) معناه كان مجلس قصص، والظاهران هذا القاص كان مأذونا له فى القصص وكان حكيما فى قصصه ولذلك مدحه النبى صلى الله عليه وسلم والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وفيه كردوس بن قيس وثقه أبن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح (5)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن حميد الاعرج عن محمد بن ابراهيم النيمى عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال خطب النبى صلى الله عليه وسلم الناس بمنى ونزّلهم منازلهم وقال لينزل المهاجرون هاهنا وأشار الى ميمنة القبلة، والانصار هاهنا وأشار الى ميسرة القبلة، ثم لينزل الناس حولهم قال وعلمهم مناسكهم ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه فى منازلهم، قال فسمعته يقول أرموا الحمرة بمثل حصى الخذف قال عبد الله (يعنى أبن الأمام أحمد) سمعت مصعبا الزبيرى الخ (تخريجه) أخرج أبو داود والنسائى الجزء المرفوع منه، وسكت عنه أبو داود والمنذرى ورجاله ثقات، وتقدم هذا الحديث أيضا بسنده وشرحه وتخريجه فى باب الخطبة فى يوم النحر بمنى من كتاب الحج فى الجزء الثانى عشر صحيفة 212 رقم 414 مقتصرا على المرفوع منه لأن محله هناك وذكرت ما حكاه عبد الله بن الامام أحمد عن مصعب الزبيري هنا

ص: 145

مجيد وعلى محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه، فقال مالك حدث به وقص به (عن أبى أمامة)(1) قال خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم على قاص يقص فأمسك، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم قص فلأن أقعد غدوة (2) الى أن تشرق الشمس أحب الى من أن اعتق أربع رقاب: وبعد العصر حتى تغرب الشمس أحب الى من أن أعتق أربع رقاب (باب ما جاء فى الرواية والتحديث عن أخبار بنى أسرائيل).

(عن أبى نملة الأنصارى)(3) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فان كان حقا لم تكذبوهم وان كان باطلا لم تصدقوهم (عن جابر بن عبد الله)(4) قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ فانهم لن يهدوكم وقد ضلوا، فانكم اما ان تصدقوا بباطل أو تكذبوا بحق، فانه لو كان موسى حيًا بين اظهركم ما حل له الا ان يتبعنى (عن عمر ابن بن حصين)(5) قال كان رسول الله صلي الله عليه سلم يحدثنا عامة ليله عن بنى اسرائيل (وفى رواية يحدثنا عن بنى اسرائيل حتى يصبح) لا يقوم إلا إلى عُظم (6) صلاة.

لمناسبة الترجمة والله الموفق (1)(سنده) حدثنا محمد ثنا شعبة عن أبى النباح قال سمعت أبا الجعد يحدث عن أبى أمامة قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) الغدوة بالضم ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى فى الكبير إلا أن لفظ الطبرانى أقص فلأن اقعد هذا المقعد من حين تصلى الى ان تشرق الشمس فذكر لحديث ورجاله موثقون إلا أنى فيه أبا الجعد عن أبى أمامة فان كان هو الغطفانى فهو من رجال الصحيح وأن كان غيره فلم أعرفه اه (قلت) يزيده حديث كردوس المتقدم قبل حديث وهو بمعناه وتقدم الكلام عليه هناك (باب)(3)(عن أبى نملة الَانصارى الخ) هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وطوله وشرحه وتخريجه فى باب النهى عن التحدث عن أهل الكتاب والرخصة فى ذلك من كتاب العلم فى الجزء الأول صحيفة 176 رقم 564 وقوله فلا تصدقوهم أى فيما يخالف شريعتنا (ولا تكذبوهم) أى فيما وافق شريعتنا، ورواه أيضا أبو داود وسنده جيد (4)(عن جابر بن عبد الله الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى أول الباب المشار اليه آنفا من كتاب العلم (5)(سنده) حدثنا بهز ثنا أبو هلال ثنا قتادة عن أبى حسان عن عمران بن حصين الخ (غريبه)(6) عظم الشئ بضم العين المهملة وسكون الظاء أكثره ومعظمه كأنه أراد أنه صلى الله عليه وسلم لا يقوم إلا لصلاة الفريضة (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه (بزحم طب) وإسناده اه (قلت) وفيه دلالة على جواز التحدث عن بنى اسرائيل، وتقدم فى الباب المشار اليه آنفا من كتاب العلم عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول عنى ولو آية وحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج، وجاء مثله عن أبى هريرة عند أبى داود والامام أحمد قال حدثنا يحي هو القطان عن محمد بن عمر حدثنا أبو سلمق عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال حدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج وصححه الحافظ ابن كثير (قال الامام الخطابى) ليس معناه أباحة الكذب فى أخبار بنى اسرائيل ورفع الحرج عمن نقل عنهم الكذب، ولكن معناه الرخصة فى الحديث عنهم على معنى البلاغ وان لم يتحقق صحة ذلك الاسناد: وذلك لأنه أمر قد نعذر فى أخبارهم لبعد المسافة وطول المدة ووقوع الفترة بين ما فى النبوة اه (قلت) ولأن كتبهم لم تحفظ كحفظ القرآن (قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقال أيضاً

ص: 146

(باب ذكر ماشطة ابنة فرعون ومن تكلم فى المهد)(عن ابن عباس)(1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كانت الليلة التى أسرى بى فيها أتت علىّ رائحة طيبة، فقلت يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟ فقال هذه رائحة ماشطة أبنة فرعون وأولادها، قال قلت وما شأنها؟ قال بينا هى تمشط ابنة فرعون ذات يوم اذ سقطت المدرى (2) من يديها فقالت بسم الله، فقالت لها أبنة فرعون أبى؟ قالت لا ولكن ربى ورب أبيك الله، قالت أخبره بذلك؟ قالت نعم فأخبرته فدعاها فقال يا فلانة وإن لك ربا غيرى، قالت نعم، ربى وربك الله، (وفى رواية ربى وربك من فى السماء) فأمر ببقرة (3) من نحاس فأحميت ثم أمر بها أن تلقى هى وأولادها فيها، قالت له أن لى اليك حاجة، قال وما حاجتك؟ قالت أحب أن تجمع عظامى وعظام ولدى فى ثوب واحد وتدفننا قال ذلك لك علينا من الحق، قال فأمر بأولادها فالقوا بين يديها واحداً واحداً إلى أن انتهى ذلك إلى صبى لها مرضع وكأنها تقاعست (4) من أجله فقال يا أمَّه اقتحمى فان عذاب الدنيا أهون من من عذاب الآخرة فاقتحمت، قال قال أبن عباس تكلم أربعة صغار عيسى أبن مريم عليه السلام وصاحب جريج وشاهد يوسف وأبن ماشطة ابنة فرعون (باب ذكر قصة أصحاب الأخدود وفيها من تكلم فى المهد أيضاً)(عن عبد الرحمن بن أبى ليلى)(5) عن صهيب أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال كان ملِك فيمن كان قبلكم (6) وكان له ساحر فلما كبِر الساحر قال للملك أنى قد كبِرت سنى وحضر أجلى فادفع الىّ خادما فلأعلمه السحر، فدفع اليه غلاما فكان يعلمه السحر، وكان بين الساحر

بل هو قرآن مجيد فى لوح محفوظ، أما أهل الكتاب فقد غيروا فى كتبهم وبدلوا حسب أرادتهم ومصالحهم فقد جاء عن أبى موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بنى اسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه وتركوا التوراة: أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الكبير ورجاله ثقات، فهذا الحديث يدل على أنهم صنعوا كتابا لمصالحهم الذاتية وتركوا التوراة التى هى كتاب الله، وقد ظهر اليوم كتابهم المصطنع وفيه أنه يباح دم ومال وعرض كل غير يهودى قاتلهم الله أنى يؤفكون (باب)(1)(سنده) حدثنا أبو عمر الضرير اخبرنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن أبن عباس الخ (غريبه)(2) قال الحافظ المدرى بكسر الميم وسكون المهملة عود تدخله المرأة فى رأسها لتضم بعض شعرها الى بعض وهو يشبه المسلة يقال مدرت المرأة سرحت شعرها (3) قال فى النهاية قال الحافظ أبو موسى الذى يقع لى فى معناه انه لا يريد شيئا مصوغا على صورة البقرة، ولكنه ربما كانت قدر كبيرة واسعة فسماها بقرة مأخوذا من التبقر التوسع أو كان شيئا يسع بقرة تامة بقوا بلها فسميت بذلك (4) أى ترددت وتباطأت عن اقتحام النار أى الدخول فيها (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه (حم بز طب طس) وفيه عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط اه (قلت) قال العلماء ان حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل اختلاطه وعلى هذا فالحديث صحيح وذكره الحافظ السيوطى فى الدر المنثور وعزاه للنسائى وابن مردويه وصحح اسناده (باب)(5)(سنده) حدثنا عفان ثنا حماد بن سلمة انا ثابت عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن صهيب (يعنى ابن سنان) الخ (غريبه)(6) قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره اختلف أهل التفسير فى أهل هذه القصة من هم؟ فعن علي

ص: 147

وبين الملِك راهب فأتى الغلام على الراهب فسمع من كلامه فأعجبه نحوه وكلامه، فكان أذا أتى الساحر ضربه وقال ما حبسك؟ واذا أتى أهله ضربوه وقالوا ما حبسك؟ فشكى ذلك الى الراهب، فقال أذا أراد الساحر أن يضربك فقل حبسنى أهلى، وأذا أراد أهلك أن يضربوك فقل حبسنى الساحر وقال فبينما هو كذلك اذ أتى ذات يوم على دابة فظيعة عظيمة وقد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا، فقال اليوم أعلم أمر الراهب أحب الى الله أم أمر الساحر، فأخذ حجراً فقال اللهم أن كان أمر الراهب أحب أليك وأرضى لك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس ورماها فقتلها ومشى الناس، فأخبر الراهب بذلك، فقال أى نبى أنت أفضل منى وأنك ستبتلى، فان ابتليت فلا تدل علىّ، فكان الغلام يبرئ الأكمة (1) وسائر الأدواء ويشفيهم، وكان يجلس للملك جليس فعمى فسمع به فأتاه بهدايا كثيرة فقال أشفنى ولك ما هنا أجمع، فقال ما أشفى أنا أحدا إنما يشفى الله عز وجل فان أنت آمنت به دعوت الله فشفاك، فآمن فدعا الله له فشفاه، ثم أتى الملك فجلس منه نحو ما كان يجلس، فقال له الملك يا فلان من رد عليك بصرك؟ فقال ربى فقال أنا؟ قال لا ولكن ربى وربك الله، قال لك رب غيرى؟ قال نعم، فلم يزل يعذبه حتى دله على الغلام فبعث اليه فقال أى بنى قد بلغ من سحرك أن تبرئ الأكمة والأبرص (2) وهذه الأدواء قال ما أشفى أنا أحدا، ما يشفى غير الله عز وجل، قال أنا؟ قال لا، قال أولك رب غيرى؟ قال نعم ربى وربك الله، فآخذه أيضا بالعذاب فلم يزل به حتى دل على الراهب، فأنى بالراهب فقال ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار (3) فى مَفِرق رأسه حتى وقع شقاه

أنهم أهل فارس حين أراد ملكهم تحليل تزويج المحارم فأمتنع عليه علماؤهم فعمد الى حفر أخدود فقذف فيه من أنكر عليه منهم، واستمر فيهم تحليل المحارم الى اليوم، وعنه أنهم كانوا قوما باليمن أقتتل مؤمنوهم ومشركوهم فغلب مؤمنوهم على كفارهم، ثم اقتتلوا فغلب الكفار المؤمنين فخدّوا لهم الأخاديد وأحرقوهم فيها (قال الحافظ ابن كثير) وقد يحتمل أن ذلك قد وقع فى العالم كثيرا كما ابن أبى حاتم حدثنا أبى حدثنا أبو اليمان أخبرنا صفوان بن عبد الرحمن بن جبير قال كانت الاخدود فى اليمن زمان تبع، وفى القسطنطينية زمان قسطنطين حين صرف النصارى قبلتهم عن دين المسيح والتوحيد، فاتخذ أتونا وألقى فيه النصارى الذين كانوا على دين الله والتوحيد، وفى العراق فى أرض بابل بختنصر الذى صنع الصنم وأمر الناس أن يسجدوا له فأمتنع دانيال وصاحباه عزريا وميشائيل فأوقد لهم أتونا وألقى فيها الحطب والنار ثم ألقاهم فيه فجعلها الله تعالى عليهم بردا وسلاما وانقدهم منها وألقى فيها الذين بقوا عليه وهم تسعة رهط فأكلتهم النار، وقال أسباط عن السدى فى قوله تعالى (قتل أصحاب الأخدود) قال كانت الأخدود ثلاثة، خد بالعراق وخد بالشام وخد باليمن، رواه ابن أبى حاتم، وعن مقاتل قال كانت الأخدود ثلاثة واحدة بنجران باليمن والأخرى بالشام والأخرى بفارس حرَّقوا بالنار، أما التى بالشام فهو أنطنانوس الرومى، وأما التى بفارس فهو بختنصر: وأما التى بأرض العرب فهو يوسف ذو نواس، فما التى بفارس والشام فلم ينزل الله تعالى فيهم قرآنا وأنزل فى التى كانت بنجران: وذكر محمد بن اسحاق أن قصصهم كانت فى زمن الفترة التى بين عيسى ومحمد عليهما السلام (1) الأكمه الذى خلق أعمى (2) البرص محركة بياض يظهر فى ظاهر البدن لفساد مزاج، برص كفرح فهو أبرص وأبرصه الله (3) جاء عند مسلم المئشار بالهمزة بدل النون، قال النووى المئشار مهموز

ص: 148

وقال للأعمى أرجع عن دينك فأبى فوضع المنشار فى مَفْرِق رأسه حتى وقع شقاه على الأرض، وقال للغلام أرجع عن دينك فأبى فبعث مع نفرالى جبل كذا وكذا فقال أذا بلغتم ذروته (1) فان رجع عن دينه وألا فدهدهوه (2) من فوقه فذهبوا به فلما علوا به الجبل قال اللهم اكفنيهم بما شئت فرَجف (3) بهم الجبل فدهدهوا أجمعون، وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك؟ فقال كفانيهم الله عز وجل فبعثه فى قرقور (4) فقال أذا لججتم به البحر (5) فان رجع عن دينه وألا فغرقوه، فلججوا به البحر فقال الغلام اللهم اكفنيهم بما شئت فغرقوا أجمعون وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك فقال ما فعل أصحابك؟ فقال كفانيهم الله عز وجل، ثم قال للملك إنك لست بقاتلى حتى تفعل ما آمرك به، فان أنت فعلت ما آمرك به قتلتنى والا فأنك لا تستطيع قتلى، قال وما هو؟ قال تجمع الناس فى صعيد (6) ثم تصلبنى على جزع فتأخذ سهما من كنانتى (7) ثم قل بسم الله رب الغلام فانت إذا فعلت ذلك قتلتنى، ففعل ووضع السهم فى كبد قوسه (8) ثم رمى فقال بسم الله رب الغلام فوقع السهم فى صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات فقال الناس آمنا برب الغلام، فقيل للملك أرأيت ما كنت تحذر فقد والله نزل بك (9) قد آمن الناس كلهم فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخاديد (10) وأضرمت فيها النيران وقال من رجع عن دينه فدعوه والا فأقحموه (11) فيها قال فكانوا يتعادون فيها ويتدافعون، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه فكأنها تقاعست (12) أن تقع فى النار، فقال الصبى يا أسمه اصبرى فانك على حق (باب ذكر قصة جريج أحد عباد بنى اسرائيل وفيه من تكلم فى المهد أيضا) (عن أبى هريرة) (13) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتكلم فى المهد ألا ثلاثة (14) عيسى بن مريم: وكان من بني إسرائيل

في رواية الأكثرين ويجوز تخفيف الهمزة بقلبها ياءا: وروى المئشار بالنون وهما لغتنا صحيحتان (1) ذروة الجبل أعلاه وهى بضم الذال المعجمه وكسرها (2) أى دحرجوه يقال وهد هت الحجر أى دحرجته (3) رجف بالتحريك أى اضطرب وتحرك حركة شديدة (4) القر قور بضم القافين السفينة الصغيرة (5) لجة البحر معظمه، ومعناه اذا ولجتم به البحر حيث تتلاطم أمواجه (6) الصعيد هنا الأرض البارزة (7) الكنانة بالكسر جعبة السهام من أدم وبها سميت القبيلة (8) كبد القوس مقبضها عند الرمى (9) جاء عند مسلم (قد والله نزل بك حذرك) أى ما كنت تحذر وتخاف (10) جمع أخدود والأخدود الشق العظيم فى الأرض، وقوله وأضرمت فيها النيران أى أوقدت (11) أى اطرحوه فيها كرها (12) أى توقفت ولزمت موضعها وكرهت الدخول فى النار (تخريجه)(م مذ) وغيرهما (قال النووى) هذا الحديث فيه أثبات كرامات الأولياء وفيه جواز الكذب فى الحرب ونحوها وفيه انقاد النفس من الهلاك سواء نفسه أو نفس غيره ممن له حرمة (باب)(13)(سنده) حدثنا وهب بن جرير حدثنى أبى قال سمعت محمد بن سيرين يحدث عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(14) لم يذكر فيهم الصبى الذى كان مع المرأة فى حديث الساحر والراهب من قصة أصحاب الأخدود المذكورة فى الباب السابق (قال النووى) وصوابه أنه ذلك الصبى لم يكن فى المهد بل كان أكبر من صاحب المهد وإن كان صغيرا

ص: 149

رجل عابد يقال له جريج فابتنى صومعة (1) وتعبد فيها قال فذكر بنو اسرائيل يوما عبادة جريج فقالت بَغِيّ (2) منهم لئن شئتم لأصِيبَنَّه، قالوا قد شئنا: قال فأتته فتعرضت له فلم يلتفت اليها فأمكنت نفسها من راع كان يَؤوِى غنمه الى أصل صومعة جريج فحملت فولدت غلاما، فقالوا ممن؟ قالت من جريج، فأتوه استنزلوه فشتموه وضربوه وهدموا صومعته؟ فقال ما شأنكم؟ قالوا أنك زنيت بهذه البِغىِّ فولدت غلاما، قال وأين هو؟ قالوا ها هو ذا؟ قال فقام فصلى ودعا ثم أنصرف الى الغلام فطعنه بإصبعه وقال بالله يا غلام من أبوك؟ (3) قال أنا أبن الراعى، فوثبوا الى جريج فجعلوا يقلبونه وقالوا نبنى صومعتك من ذهب، قال لا حاجة لى فى ذلك، أبنوها من طين كما كانت، قال وبينما امرأة فى حرجها أين ترضعه إذ مر بها راكب ذو شارة (4) فقالت اللهم أجل أبنى مثل هذا، قال فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال اللهم لا تجعلنى مثله، قال ثم عاد الى ثديها يمصه، قال أبو هريرة فكأنى أنظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكى على صنيع الصبى ووضعه إصبعه فى فمه فجعل يمصها، ثم مُر بامةُ تضربُ (5) فقالت اللهم لا تجعل ابنى مثلها، قال فترك ثديها وأقبل على الأمة فقال اللهم أجعلنى مثلها (6) يا أماه قال فذلك حين تراجعا الحديث (7) فقالت خَلقَى (8) مُرَّ الراكب ذو الشارة فقلتَ اللهم أجعل مثله فقلتَ اللهم لا تجعلنى مثله ومُرِّ بهذه الأمة فَقلت اللهم لا تجعل أبنى مثلها اللهم أجعلنى مثلها، فقال يا أماه أن الراكب ذو الشارة جبار من الجبابرة، وأن هذه الأمة يقولون زنت ولم تزن وسرقت ولم تسرق وهى تقول حسبى الله (وعنه من طريق ثان) (9) عن النبى صلى الله عليه وسلم قال لم يتكلم فى المهد إلا ثلاثة عيسى بن مريم عليه السلام وصبى كان فى زمان جريج وصى آخر (10) فذكر الحديث: قال (وأما جريج) فكان جلا عابدا فى بنى اسرائيل عابدا فى نبى اسرائيل وكانت له أم وكان يوما يصلي إذ اشتاقت إليه

(1) الصومعة مكان منقطع عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم وهى نحو المنارة ينقطعون فيها عن الوصول اليهم والدخول عليهم (2) البغى هى المرأة المشهورة بالزنا (3) أبا مجازا لأن الزانى لا يلحقه الولد ولعله كان فى شرعهم يلحق (4) أى ذو هيئة حسنه ولباس حسن (5) جاء عند مسلم ويقولون زنيت سرقت وهى تقول حسبنا الله ونعم الوكيل، يعنى ولم تزن ولم تسرق كما سيأتى فى آخر هذا الحديث عند الأمام أحمد (6) أى اللهم اجعلنى سالما من المعاصى كما هى سالمة وليس المراد مثلها فى النسبة الى باطل يكون منه بريا (7) معنى تراجعها الحديث أقبلت على الرضيع تحدثه وكانت أولا لا تراه أهلا للكلام فلما تكرر منه الكلام علمت أنه أهل له (8) حلقى كغضبى هى فى الأصل كلمة تقال لمن يستوجب الدعاء عليه أى أصابه وجع فى حلقه وتقال للأمر يعجب منه عقرا حلقا بالتنوين (قال فى النهاية) ومن مواضع التعجب قول أم الصبى الذى تكلم عقرى وكأنه جاء فى رواية أخرى عقرى بدل حلقى والله أعلم (9)(سنده) حدثنا حسين بن محمد ثنا جرير عن محمد عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم الخ (10) هو الصبى الذى قال فى الطريق الأول اللهم اجعلنى مثلها يعنى الأمة التى كانت تعذب (وقوله فذكر الحديث)

ص: 150

أمه فقالت يا جريج (1) فقال يارب الصلاة خير أم أمى آتيها، ثم صلى، ودعته فقال مثل ذلك ثم دعته فقال مثل ذلك وصلى، فاشتد على أمه وقالت (2) اللهم أرجريجا المومسات (3) ثم صعِد صومعة له وكانت زانية من بنى اسرائيل فذكره نحوه (4)(وعنه من طريق ثالث)(5) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان رجل فى بنى اسرائيل تاجرا وكان ينقص مرة ويزيد أخرى (6) قال ما فى هذه التجارة خير التمس تجارة هى خير من هذه، فبنى صومعة ترهّب وكان يقال له جريج فذكر نحوه (7)(باب ذكر قصة الثلاثة الذين آوو الى الغار فانطبق عليهم)(عن ابن عمر)(8) قال قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أستطاع منكم أن يكون مثل صاحب

هكذا بالأصل يشير إلى الطريق الأولى (1) جاء فى رواية أخرى للامام أحمد أيضا فقالت يا جريج أنا أمك فكلمنى، قال وكان أبو هريرة يصف كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفها وضع يده على حاجبه الأيمن قال فصادفته يصلى فقال يارب أمى وصلاتى فاختار صلاته الخ (2) جاء فى الرواية الأخرى المشار اليها فقالت اللهم أن هذا جريج وإنه ابنى وانى كلمته فأبى أن يكلمنى اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات؟ ولو دعت عليه أن يفتتن لا فتتن (يعنى أن يقع فى الزنا لوقع) قال وكان راع يأوى الى ديره (يعنى صومعة جريج) قال فخرجت امرأة فوقع عليها الراعى فولدت غلاما فقيل من هذا فقالت هو من صاحب الدير، فأقبلوا بفؤوسهم ومساحيهم وأقبلوا الى الدير فنادوه فلم يكلمهم فأخذوا يهدمون ديره فنزل اليهم فقالوا سل هذه المرأة، قال أراه تبسم قال ثم مسح رأس الصبى فقال من أبوك؟ قال راعى الضأن فقالوا يا جريج نبنى لك ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة قال لا ولكن أعبدوه ترابا كما كان ففعلوا (3) أى الزوانى البغايا المتجاهرات بذلك (4) يعنى نحو ما جاء فى الطريق الأولى (5)(سنده) حدثنا أبو سعيد مولى بنى هاشم قال ثنا أبو عوانة عن عمرو بن ابى سلمة عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (6) معناه كان اذا اكتال من الناس يزيد واذا كالوه ينقص، ثم علم أن هذا لا يجوز فتاب الى الله وترك التجارة وترهب (7) يعنى نحو الرواية الأخرى التى ذكرناها فى الشرح (تخريجه)(ق. وغيرها) ويستفاد من الطريق الثالث أن جريجا كان أول أمره تاجراً ثم ترك التجارة وترهب (وفى الطريق الثانية) سبب ابتلائه وهو عدم إجابة أمه (وفى الطريق الأولى) قصة ابتلائه بالمومس (قال النووى رحمه الله فى قصة جريج أنه آثر الصلاة على إجابة أمه فدعت عليه فاستجاب الله دعاءها، قال العلماء هذا دليل على أنه كان الصواب فى حقه إجابتها لأنه كان فى صلاة نفل والاستمرار فيها تطوع لا واجب، واجابة الأم وبرها واجب وعقوقها حرام، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود لصلاته: فلعله خشى أن تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا ومتعلقاتها وحظوظها وتضعف عزمه فيما نواه وعاهد عليه (قال) وفى حديث جريج هذا فوائد كثيرة منها عظم بر الوالدين وتأكد حق الأم وأن دعاءها يجاب، وأنه أذا تعارضت الأمور بدأ بأهمها وأن الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عند الشدائد غالبا (ومنها) إثبات كرامة الاولياء وهو مذهب أهل السنة خلاقا للمعتزلة (وفيه) أن الكرامات قد تكون بخوارق العادات على جميع أنواعها، ومنعه بعضهم وأدعى أنها تختص بمثل اجابة الدعاء وتحوه وهذا غلط من قائله وانكار للحس بل الصواب جريانها بقلب الاعيان واحضار الشئ من العدم ونحوه اه باختصار (باب)(8)(سنده) حدثنا مروان بن معاوية حدثنا عمر بن حمزة العمري حدثنا

ص: 151

فرق الأرز (1) فليكن مثله، قالوا يا رسول الله وما صاحب فرق الأرز؟ قال خرج ثلاثة فغّيمت عليهم السماء فدخلوا غارا فجاءت صخرة من أعلى الجبل حتى طبّقت الباب عليهم فعالجوها فلم يستطيعوها، فقال بعضهم لبعض لقد وقعتم فى أمر عظيم ليدع كل رجل بأحسن ما عمل لعل الله تعالى أن ينجينا من هذا (فقال أحدهم) اللهم أنت تعلم أنه كان لى أبوان شيخان كبيران وكنت أحلب حلابهما فأجيئهما وقد ناما، فكنت أبيت قائما وحلابهما على يدى أكره أن ابدأ باحد قبلهما أو أن أوقظهما من نومهما وصببّى يتضاّغْون حولى (2) فان كنت تعلم انى انما فعلته من خشيتك فافُرج عنا، قال فتحركت الصخرة، قال (وقال الثانى) اللهم أنك تعلم أنه كانت لى ابنة عم لم يكن شئ مما خلقت أحب الىّ منها فسمتها نفسها (3) فقالت لا والله دون مائة دينار فجمعتها ودفعتها اليها حى أذا جلست منها مجلس الرجل فقالت أتق الله ولا تفض الخاتم (4) ألا بحقه، فقمت عنها: فان كنت تعلم انما فعلته من خشيتك فافرج عنا، قال فزالت الصخرة حتى بدت السماء (وقال الثالث) اللهم أنك تعلم انى كنت استأجرت أجيرا بفرق من أرز فلما أمسى عرضت عليه حقه فأبى أن يأخذه وذهب وتركنى، فتحرجت منه وثمّرته له وأصلحته حتى أشتريت منه بقرا وراعيها فلقينى بعد حين فقال اتق الله وأعطنى أجرى ولا تظلمنى، فقلت أنطلق الى ذلك البقر وراعيها فخذها، فقال أتق الله ولا تسخر بى فقلت انى لست أسخر بك، فانطلق فأستاق ذلك، فان كنت تعلم أنى انما فعلته أبتغاء رضاتك خشية منك فافرُج عنا فتدحرجت الصخرة فخرجوا يمشون (عن النعمان بن بشير)(5) أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وسلم يذكر الرقيم (6) فقال أن ثلاثة كانوا فى كهف فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم (7) قال قائل منهم تذاكروا ايكم عمل حسنة لعل الله عز وجل برحمته يرحمنا، فقال رجل منهم قد عملت حسنة مرة: كان لى أجراء يعملون فجاءنى عمال لى فاستأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم، فجاءنى رجل ذات يوم وسط النهار فاستأجرته بشطر أصحابه فعمل فى بقية نهاره كما عمل كل رجل منهم فى نهاره كله، فرأيت علىّ فى الذمام (8) أن لا انقصه مما استأجرت به أصحابه لما جهد فى عمله، فقال رجل منهم أتعطى هذا مثل ما أعطيتنى ولم يعمل إلا نصف نهار؟ فقلت يا عبد الله لم ابخسك شيئا من شرطك وانما هو مالى أحكم فيه ما شئت، قال فغضب وذهب وترك أجره، قال فوضعت حقه فى جانب من البيت ما شاء الله

سالم بن عبد الله ابن عمر الخ (غريبه)(1) الفرق بالتحريك مكيال يسع ستة عشر رطلا وهى اثنا عشر مداَ أو ثلاثة آصع عند أهل الحجاز (نه)(2) بالضاد والغين العجميتين أى يصيحون من الجوع من الضغاء بالمد وهو الصياح (3) أى روادها عن نفسها فى نظير مال تأخذه (4) فض الخاتم كناية عن الجماع (تخريجه)(ق نس) وغيرهم (5)(سنده) حدثنا اسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه حدثنى عبد الصمد يعنى بن معقل قال سمعت وهبا يقول حدثنى النعمان بن بشير أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(6) قال ابن عباس الرقيم الجبل الذى فيه الكهف والكهف مغارة أو بيت فى الجبل (7) أى أغلق عليهم (8) قال فى النهاية الذمة والذمام وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحرمة والحق اه (قلت) والمراد هنا.

ص: 152

ثم مرت بي بعد ذلك بقر فاشتريت به فصيلة (1) من البقر فبلغت ما شاء الله، فمر بي بعد حين شيخًا ضعيفًا لا أعرفه فقال أن لي عندك حقًا فذكرنيه متى عرفته، فقلت إياك أبغي (2) هذا حقك فعرضتها عليها جميعًا، فقال يا عبد الله لا تسخر بي أن لم تصدق علي فأعطني حقي، قال والله لا أسخر بك أنها لحقك مالي منها شيء، فدفعتها إليه جميعًا، اللهم إن كنت فعلتُ ذلك لوجهك فأخرج عنا، قال فنصدع الجبل حتى رأوا منه وأبصروا (قال الآخر) قد عملت حسنة مرة كان لي فضل (3) فأصابت الناس شدة (4) فجاءتني امرأة تطلب مني معروفًا (5) قال فقلت والله ما هو دون نفسك (6) فأبت علي فذهبت ثم رجعت فذكرتني بالله فأبيت عليها وقلت لا والله ما هو دون نفسك، فأبت علي وذهبت، فذكرت لزوجها فقال لها أعطيه نفسك وأغني عيالك فرجت إلي فناشدتني بالله فأبيت عليها وقلت والله ما هو دون نفسك، فلما رأت ذلك أسلمت إلي نفسها، فلما تكشفتها وهممت بها ارتعدت من تحتي، فقلت لها ما شأنك؟ قالت أخاف الله رب العالمين قلت لها خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء (7) فتركتها وأعطيتها ما بحق علي مما تكشفتها: اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا، قال فانصدع حتى عرفوا وتبين لهم (قال الآخر) عملت حسنة مرة كان لي أبوان شيخان كبيران وكانت لي غنم فكنت أطعم أبوي وأسقيهما ثم رجعت إلي غنمي قال فأصابني يوما غيث (8) حبسني فلم أبرح حتى أمسيت فأتيت أهلي وأخذت محلبي (9) فحلبت وغنمي قاتمة فمضيت إلى أبوي فوجدتهما قد ناما فشق علي أن أوقظهما وشق علي أن أترك غنمي، فما برحت جالسًا ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما، اللهم أن كنت فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا، قال النعمان فكان أسمع هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجبل طاق (10)

الضمان أو الحق (1) الفصيل ولد الناقة والبقرة لأنه يفصل عن أمه أي يفطم فهو فعيل بمعنى مفعول (2) أي انتظر حضورك (3) أي من مال فاضل عن حاجتي وهو كناية عن الغنى (4) أي جدب واحتياج (5) أي صدقة (6) يريد أن تسلم نفسها له ليزني بها (7) معناه خفتيه وأنت في غاية الشدة والاحتياج ولم أخفه وأنا غنى وفي بحبوحه من العيش فتركها خوفًا من الله عز وجل (8) أي مطر شديد (9) بكسر الميم وفتح اللام بينهما حاه ساكنة الوعاء الذي يحلب فيه (10) قال في القاموس الطاق ناشز يندر من الحبل وعلى هذا فمعناه أن قطعة مرتفعة بارزة من الجبل سقطت على فم الغار فسدته ففرج الله عنه ببركة دعائهم وأعمالهم الصالحة (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (حم طب طس) رالبزار بنحوه من طرق ورجال أحمد ثقات أه قال الحافظ وروى عن النعمان بن بشير من ثلاثة أوجه حسان أحدها عند أحمد والبزار وكلها عند الطبراني أه (قلت) وفي الباب عن أنس عند الإمام أحمد أيضًا قال حدثنا يحيى بن حادثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن ثلاثة نفر فيما سلف من الناس انطلقوا يرتادون لأهلهم فأخذتهم السماء (يعني المطر) فدخلوا غارا فسقط عليهم حجر متجاف حتى ما يرون خصاصة (أي فرجة) فقال بعضهم لبعض قد وقع الحجر وعفا الأثر ولا يعلم بمكانكم إلا الله عز وجل، قال ادعوا الله تبارك وتعالى بأوثق أعمالكم، فقال رجل منهم اللهم أن كنت تعلم أنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما

ص: 153

ففرج الله عنهم فخرجوا (باب ذكر قصة الكفل (1) وذي الكفل) (عن ابن عمر)(2) قال لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرات ولكن قد سمعته أكثر من ذلك قال كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارًا على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال ما يبكيك أكرهتُكِ؟ قالت لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط، وإنما حملني عليه الحاجة، قال فتفعلين هذا ولم تفعليه قط، قال ثم نزل فقال أذهبي فالدنانير لك، ثم قال والله لا يعصي الله الكفل أبدا فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه قد غفر الله للكفل (باب ذكر قصة الملكين اللذين تخليا عن الدنيا وزخرفها)(عن ابن مسعود)(3) قال بينما رجل فيمن كان قبلكم كان

فآتيهما فإذا وجدتهما راقدين على رؤسهما كراهية أن أراد سنتها في رءوسهما حتى يستيقظا متى استيقظا، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ففرج عنا، فزال الحجر (وقال الآخر) اللهم إن كنت تعلم إني استأجرت أجيرا على عمل يعمله فأتاني يطلب أجره وأنا غضبان فزبرته فانطلق فترك أجره ذلك فجمعته وثمرته حتى كان منه كل المال فأتاني يطلب أجره فدفعت إليه ذلك كله، ولو شئت لم أعطه إلا أجره الأول، اللهم إن كنت تعلم إني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ففرج عنا، قال فزال ثلثا الحجر (وقال الثالث) اللهم إن كنت تعلم أنه أعجبته امرأة فجعل لها جعلًا فلما قدر عليها وفر لها نفسها (أي لم يهنها بهتك عرضها) وسلم لها جعلها (أي ما جعله أجرة لها) اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ففرج عنا، فزال الحجر وخرجوا معانيق يتماشون، قال أبو عبيد بن عبد الله حدثنا أبو بحر ئنا أبو عوانة عن قتادة قال عبد الله عن أنس فذكر نحوه (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد مرفوعًا كما تراه، ورواه أبو يعلى وكلاهما رجاله رجال الصحيح (باب)(1) الكفل رجل آخر غير ذي الكفل الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، فالكفل رجل كان مسرفًا على نفسه ثم تاب ورجع إلى الله عز وجل فقبل توبته وغفر له، وقد جاءت قصته في مسند الإمام أحمد وغيره من كتب السنة: وإليك ما جاء عند الإمام أحمد. (2)(سنده) قال الإمام أحمد رحمة الله حدثنا أسباط بن محمد حدثنا الأعشى عن عبد الله بن عبد الله عن سعد مولى طلحة عن ابن عمر الخ (تخريجه) أورده الحافظ المنذرى في الترغيب وقال رواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين مرة يقول فذكر نحوه والحاكم والبيهقي من طريقه وغيرها، وقال الحاكم صحيح الاسناد أه (قلت) وأقره الذهبي (أما ذو الكفل) فقد ذكره الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الأنبياء فقال (وادريس وذا الكفل كل من الصابرين وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين) وقال تعالى في سورة ص (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار إنا أخلصناهم بخاصلة ذكرى الدار، وإنهم عندنا لمن لمن المصطفين الأخيار، واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار) قال الحافظ ابن كثير في تاريخه فالظاهر من ذكره في القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه من ربه الصلاة والسلام، وهذا هو المشهور، وقد زعم آخرون أنه لم يكن نبيًا وإنما كان رجلًا صالحًا وحكمًا مقسطًا عادلًا وتوقف ابن جرير في ذلك فالله أعلم (باب)(3)(سنده) حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا

ص: 154

في مملكته فتفكر فعلم إن ذلك منقطع عنه وأن ما هو فيه قد شغله عن عبادة ربه فتسرب فانساب ذات ليلة من قصره فأصبح في مملكة غيره، وأتى ساحل البحر وكان به يضرب اللبن (1) بالأجر فيأكل ويتصدق بالفضل، فلم يزل كذلك حتى رقى أمره إلى ملكهم وعبادته وفضله، فأرسل ملكهم إليه أن يأتيه فأبى أن يأتيه، فأعاد ثم أعاد إليه فأبى أن يأتيه وقال ماله ومالي، قال فركب الملك فلما رآه الرجل ولى هاربًا، فلما رأى ذلك الملك ركض في أثره فلم يدركه، قال فناداه يا عبد الله أنه ليس عليك مني بأس، فأقام حتى أدركه فقال له من أنت رحمك الله؟ قال أن فلان بن فلان صاحب ملك كذا وكذا تفكرت في أمري فعلمت أن ما أنا فيه منقطع فأنه قد شغلني عن عبادة ربي فتركته وجئت ههنا أعبد ربي عز وجل، فقال ما أنت بأحوج إلي ما صنعت مني، قال ثم نزل عن دابته فسيبها ثم تبعه فكانا جميعًا يعبدان الله عز وجل فدعوا الله أن يميتهما جميعا، قال فماتا، قال عبد الله لو كنت برميلة (2) مصر لأريتكم قبورهما بالنعت الذي نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (باب ما جاء في العرب العاربة والمستعربة وإلى من يتسبون وذكر قحطان وقصة سبا)(عن عباس)(3) أن رجلا سال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبأ ما هو أرجل أم امرأة أم أرض؟ فقال بل هو رجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة، وبالشام منهم أربعة، فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير عربا كلها، وأما الشامية فلخم وجدام وعمالة وغسان (عن فروة بن مسيك)(4) قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي مدبرهم (5)؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وصحبه وسلم نعم فقاتل بمقبل قومك مدبرهم، فلما وليت دعاني فقال لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام (6) فقلت يا رسول الله

المسعودي عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه ابن مسعود قال بينما رجل إلخ (غريبة)(1) بفتح اللام وكسر الموحدة هو الطين الذي يبنى به بعد تجفيفه مربعًا ومستطيلًا واحدته لينة بفتح اللم وكسر الموحدة (2) بضم الراء وفتح الميم مصغرًا هي ميدان تحت قلعة الجبل كانت ميدان أحمد ابن طولون وبها كانت قصوره وبساتينه وهي المعروفة الآن باسم ميدان صلاح الدين وباسم المنشية بالقاهرة: والقائل لو كنت برميلة مصر هو عبد الله بن مسعود راوي الحديث وأول الحديث يشعر بأنه موقوف عليه لكن قوله بالنعت الذي نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على رفعه (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه وفي إسنادهما المسعودي وقد اختلط (باب)(3)(عن ابن عباس إلخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب ذكر سبأ وأولاده من كتاب فضائل القرآن وتفسيره في الجزء الثامن عشر صحيفة 249 رقم 398 وقوله أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهر أنه فروة بن مسيك أخذا من الحديث التالي (4)(سنده) حدثنا يزيد بن هارون حدثنا أبو خباب يحيى بن أبي حية الكلبي عن يحيى بن هارون عن عروة عن فروة بن مسيك إلخ (قلت) فروة بن مسيك بضم الميم وفتح المهملة ثم ياه ساكنة مصغرًا هو المرادى ثم الغطيفى صاحبي سكن الكوفة يكنى أبا عمير واستعمله عمر (غريبة)(5) معناه اقاتل من أدبر من قومى عن الإسلام بمن أقبل عليه يعني أسلم (6) يستفاد منه أن الدعوى إلى الإسلام قبل القتال واجبة

ص: 155

أرأيت سبأ (1) أواد هو أو جبل أو ما هو؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو رجل من العرب ولد له عشرة (2) فتيامن ستة وتشاءم أربعة (3) تيامن الأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار الذي يقال لهم

وهكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الكفار، وكذلك الصحابة لا يقاتلون الكفار إلا بعد الدعوة إلى الإسلام (1) بفتح السين المهملة والموحدة وبالهمز والمراد بها القبيلة التي هي من أولاد سبأ وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود. (2) أي كان من نسله هؤلاء العشرة، لأنهم ولدوا من صلبه، بل منهم من بينه وبينه الأبوين والثلاثة والأقل والأكثر هو مقرر في كتب النسب (وقوله فتيامن ستة) أي أخذوا ناحية اليمن وسكنوا بها. (3) أي أخذوا جهة الشام وذلك بعد ما أرسل الله عليهم سيل العرم، ذكر أولًا إجمالا ثم ذكرهم تفصيلا، وقد تقدم شرج أسماء هذه القبائل وضبطها في الباب المشار إليه آنفًا في الجزء الثامن عشر (تخريجه)(د مذ) وقال الترمذي هذا حديث غريب حسن أهـ وأخرجه أيضًا ابن جرير وابن أبي حاتم، وأورده الحافظ ابن كثير في تفسيره وعزاه للأمام أحمد وعبد بن حميد وحسن إسناد، قال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) قال علماء النسب يقال شعوب ثم قبائل ثم عمائر ثم بطون ثم أفخاذ ثم فصائل ثم عشائر، والعشيرة أقرب الناس إلى الرجل وليس بعدها شيء: والمقصود أن سبأ يجمع هذه القبائل كلها، وقد كان فيهم التبابعة بأرض اليمن وأحدهم تبع، وكان لملوكهم تيجان يلبسونها وقت الحكم كما كانت الأكاسرة ملوك الفرس يفعلون ذلك: وكانت العرب تسمى كل من ملك اليمن مع الشحر وحضر موت تبعًا كما يسمون من ملك الشام مع الجزيرة قيصر. ومن ملك الفرس كسرى، ومن ملك مصر فرعون، ومن ملك الحبشة النجاشي، ومن ملك الهند بطليموس، وقد كان من جملة ملوك حمير بأرض اليمن بلقيس، وقد ذكر الله عز وجل قصتها مع سليمان في كتابه العزيز في سورة النمل (قال الحافظ ابن كثير في تاريخه) قيل أن جميع العرب ينتسبون إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، والصحيح المشهور أن العرب العاربة قبل إسماعيل: منهم عاد وثمود وطسم وجديس واميم وجرهم والعماليق وأمم آخرون لا يعلهم إلا الله كانوا قبل الخليل عليه السلام وفي زمانه أيضًا، فأما العرب المستعربة وهم عرب الحجاز فمن ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأما عرب اليمن وهم حمير فالمشهور أنهم من قحطان واسمه مهزم قاله ابن ماكولا، وذكروا أنهم كانوا أربعة أخوة قحطان وقاحط ومقحط وفالغ، وقحطان بن هود وقيل هو هود، وقيل هود أخوة، وقيل من ذريته، وقيل أن قحطان من سلالة إسماعيل حكاه ابن إسحاق وغيره فقال بعضهم هو قحطان بن تيمن بن قيذر بن إسماعيل، وقيل غير ذلك في نسبه إلى إسماعيل والله أعلم، لكن الجمهور على أن العرب القحطانية من عرب اليمن وغيرهم ليسوا من سلالة إسماعيل وعندهم أن جميع العرب ينقسمون إلى قسمين قحطانية وعدنانية فالقحطانية شعبان سبأ وحضر موت، والعدنانية شعبان أيضًا ربيعة ومضر ابنا تزاد بن معد بن عدنان. والشعب الخامس وهو قضاعة مختلف فيهم، فقيل إنهم عدنانيون (قال ابن عبد البر) وعليه الأكثرون ويروى هذا عن ابن عباس وابن عمرو وجبير ابن مطعم وهو اختيار الزبير بن بكار وعمه مصعب الزبيري وابن هشام (والقول الثاني) إنهم من قحطان وهو قول ابن إسحاق والكلبي وطائفة من أهل النسب، قال ابن إسحاق وهو قضاعة بن مالك بن حمير

ص: 156

برجيلة وخثعم، وتشاءم لخم وجذام وعاملة وغسان (عن ذي مخمر)(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين وصحبه وسلم قال كان هذا الأمر في حمير (2) فنزعه الله عز وجل منهم فجعله في قريش (وس ي ع ود ال ي هـ م)(3) وكذا كان في كتاب أبي مقطع وحيث حدثنا به تكلم على الاستواء

ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان (وقد جمع بعضهم) بين هذين القولين بما ذكره الزبير بن بكار وغيره من أن قضاعة امرأة من جرهم تزوجها مالك بن جمير فولدت له قضاعة ثم خلف عليها معد بن عدنان، وابنها صغير، وزعم بعضهم أنه كان حملا فنسب إلى زوج أمه كما كانت عادة كثير منهم ينسبون الرجل إلى زوج أمه والله أعلم (1)(سنده) حدثنا عبد القدوس أبو المغيرة قال ثنا حريز يعني أبن عثمان الرحبي قال ثنا راشد بن سعد المقرائى عن أبي حي عن ذي مخمر الخ (قلت) قال الحافظ في التقريب ذو مخمر بكسر أوله وسكون المعجمة وفتح الموحدة وقيل بدلها ميم الحبشي سحابي نزل الشام وهو ابن أخي النجاشي (غريبة).

(2)

يوزن منبر وتقدم أن حمير عرب باليمن والمشهور أنهم من قحطان، والمراد بالأمر هنا الولاية والملك.

(3)

هذه الحروف المقطعة التي بين دائرتين جاءت في المسند هكذا مقطعة، ولذلك قال عبد الله بن الإمام أحمد وكذا كان في كتاب أبي مقطع، وحيث حدثنا به تكلم على الاستواء، يعني أن الإمام أحمد رحمة الله حدثهم بهذا الحديث وبين لهم معنى هذه الحروف المقطعة بقوله وسيعود إليهم أي سيعود الملك إلى قحطان آخر الزمان، فقد روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطاة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام أن القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي، وأخرج أيضًا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده مرفوعًا يكون بعد المهدي القحطاني، والذي بعثني بالحق ما هو دونه (قال الحافظ) وهذا الثاني مع كونه مرفوعات ضعيف الإسناد والأول مع كونه موقوفًا أصلح اسنادًا منه، فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى بن مريم (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني باختصار الحروف ورجالها ثقات أهـ (قلت) ويؤيده ما رواه الشيخان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه (قال الحافظ) لم أقف على اسمه ولكن جوز القرطبي أن يكون جهجاء الذي وقع ذكره في مسلم من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل يقال له جهجاه أخرجه عقب حديث القحطاني (وقوله يسوق الناس بعصاه) هو كناية عن الملك شبهة بالراعي وشبه الناس بالغنم، ونكتة التشبيه التصرف الذي يملكه الراعي في الغنم، قال وهذا الحديث يدخل في علامات النبوة في جملة ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه ولم يقع بعد

(باب ما جاء في قصة سبأ في كتاب الله عز وجل

قال الله عز وجل (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال، كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سبل العرم- إلى قوله- إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) قال علماء النسب منهم محمد بن إسحاق اسم سبأ عبد شمس بن يشجب بن يعرب ابن قحطان، وإنما سمي سبأ لأنه أول من سبأ في العرب، وكان يقال له الرائش لأنه أول من غنم في الغزو فأعطى قومه فمسى الرائش، والعرب تسمى المال ريشا ورياشا، قال السهيلي ويقال أنه أول من تتوج وذكر بعضهم أنه كان مسلمًا وكان له شعر بشر فيه بوجوه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذلك قوله

(سيملك بعدنا ملكًا عظيمًا. نبي لا يرخص في الحرام. ويملك بعده منهم ملوك

ص: 157

.

يدينون العباد بغير ذام. ويملك بعدهم منا ملوك. يصير الملك فينا باقتسام

ويملك بعد قحطان نبي. تقي مخبت خير الأنام. يسمى أحمدًا ياليت أتى

أعمر بعد مبعثه بعسام. فأعضده وأحبوه بنصرى. بكل مدجج وبكل رام

متى يظهر فكونوا ناصريه. ومن يلقاه يبلغه سلامي) حكاه ابن دحية في كتابه التنوير في مولد البشير النذير: وكانت سبأ ملوك اليمن وأهلها وكانت التبايعة منهم وبلقيس صاحبة سليمان عليه السلام من جملتهم، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم، وبعث الله تبارك وتعالى إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ويشكروه بتوحيده عبادته فكانوا كذلك ما شاء الله ثم أعرضوا عما أمروا فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد أيدي سبأ شذر مذر قال تعالى (لقد كان لسباء في مسكنهم) وفي قراءة مساكنهم وكانت مساكنهم بما رب من اليمن (آية) أي دلالة على وحدانيتنا وقدرتنا ثم فسر الآية فقال (جنتان) أي هي جنتان بستانان (عن يمين وشمال) أي عن يمين الوادي وشماله وقيل عن يمين من أتاهما وشماله، وكان لهم واد قد أحاطت الجنتان بذلك الوادي (كلوا من رزق ربكم) أي قيل لهم كلوا من ثمار الجنتين، قال السدى ومقاتل كانت المرأة تحمل مكتلها على رأسها وتمر بالجنتين فيمتلئ مكتلها من أنواع الفواكه من غير أن تمس شيئًا بيدها لكثرته واستائه ونضجه (واشكروا له) أي على ما رزقكم من النعمة، والمعنى أعملوا بطاعته (بلدة طيبة) أي أرض سبأ بلدة طيبة ليست بسبخة، قال ابن زيد لم يكن يرى في بلدتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية، وكان الرجل يمر ببلدتهم في ثيابه القبل فيموت القمل كله من طيب الهواء فذلك قوله تعالى (بلدة طيبة) أي طيبة الهواء (ورب غفور) قال مقاتل وربكم إن شكرتموه فيما رزقكم رب غفور الذنوب، قال وهب أرسل الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيًا فدعوهم إلى الله وذكرهم نعمته عليهم وأنذروهم عقابه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله عز وجل علينا نعمة، فقولوا لربكم فليحبس هذه النعم عنا أن استطاع، فذلك قوله تعالى (فاعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم) بفتح العين المهملة وكسر الراء جمع عيرمة وهو ما يمسك الماء من بناء وغيره إلى وقت الحاجة أي سيل واديهم الممسوك بما ذكر فأغرقه جنتيهم وأموالهم: قال ابن عباس ووهب وغيرهم كان ذلك المد بنته بلقيس وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم فأمرت بواديهم فسد بالعرم فسدت بين الجبلين بالصخر والقار وجعلت له أبوابًا ثلاثة بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بكرة ضخمة وجعلت فيها اثنى عشر مخرجًا على عدة أنهارهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء، وإذا استغنوا سدوها: فإذا جاء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه، في البركة فكانوا يسقون من الباب الأعلى، ثم من الثاني، ثم من الثالث الباب الأسفل، فلا ينفذ الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة فكانت تقسمه بينهم على ذلك، فبقوا على ذلك مدة فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جرذا يسمى الخلد فثقب السد من أسفله حتى إذا ضعف ووهى وجاءت أيام السيول صدم الماء البناء فسقط فانساب الماء في أسفل الوادي وخرب ما بين يديه من الأبنية والأشجار التي في الجبلين عن يمين وشمال فيبست وتحطمت وتبدلت تلك الأشجار للثمرة الأنيقه النضرة ودفن بيوتهم الرمل فتفرقوا وتمزقوا حتى صاروا مثلا عند العرب، يقولون صار بنو فلان أيدي سبأ وأيادي سبأ أي تفرقوا وتبددوا، فذلك قوله تعالى فأرسلنا عليهم سيل العرم (وبدلناهم بجنتيهم جنتين

ص: 158

(باب ما جاء في ذكر تبع ملك اليمن وقصته مع أهل المدينة)(عن سهل بن سعد)(1) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول لا تسبوا تبعًا (2) فإنه قد كان أسلم

ذواتي أكل خمط) الأكل بضم الهمزة والكاف الثمر والخمط الأراك، وثمره يقال له البربر، هذا قوله أكثر المفسرين، وقال المبرد والزجاج كل نبت قد أخذ طعمًا من المرارة حتى لا يمكن أكله هو خمط (وأثل وشيء من سد قليل) فالأثل هو الطرفا: وقيل هو شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه، والسدر شجر النبق ينتفع بورقه لغسل اليد ويغرس في البساتين ولم يكن هذا من ذلك، بل كان سدرًا بريًا لا ينتفع به ولا يصلح ورقه لشيء، قال قتادة كان شجر القوم من خير الشجر فصيره الله من شر الشجر بأعمالهم (ذلك جزيناهم بما كفروا) أي ذلك الذي فعلناه بهم جزيناهم بكفرهم (وهل نجازي إلا الكفور) أي وهل يجازي مثل هذا الجزاء إلا الكفور لله في نعمه (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها) بالماء والشجر وهي قرى الشام (قرى ظاهرة) متواصلة تظهر الثانية من الأولى لقربها منها، وكان متجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى، وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاه من سبأ إلى الشام (وقدرنا فيها السير) أي قدرنا سيرهم بين هذه القرى وكان سيرهم في الغدو والرواح على قدر نصف يوم فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار (سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) أي لا تخافون عدوا ولا جوعًا ولا عطشًا، فبطروا وطفوا ولم يصبروا على العافية وقالوا لو كانت جناتنا أبعد مما هي كان أجدل أن لتشتهيه (فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا) فأجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز لنركب فيها الرواحل ونتزود الأزواد فعجل الله لهم الإجابة، وقال مجاهد بطروا النعمة وسئموا الراحة وظلموا أنفسهم بالبطر والطغيان (فجعلناهم أحاديث) عبرة لمن يتحدثون بأمرهم وشأنهم (ومزقناهم كل ممزق) فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق، قال الشعبي لما غرقت قراهم تفرقوا في البلاد، إما غسان فلحقوا بالشام ومر الأزد إلى عمان، وخزاعة إلى تهامة، ومر آل خزيمة إلى العراق، والأوس والخزرج إلى يثرب وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر وهو جد الأوس والخزرج (أن في ذلك لآيات) لعبر أو دلالات (لكل صبار) عن معاصي الله (شكور) لأنعمه (قال مطرف) هو المؤمن إذا أعطى شكر وإذا ابتلى صبر (باب). (1) (سنده) حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا أبو زرعة عمرو بن جابر عن سهل ابن سعد الخ (غريبة) (2) اسمه تبان اسعد ابوكرب وهو أحد التبابعة الذين ملكوا اليمن: قال ابن اسحاق تبان أسعد تبع الآخر بن كلكيكرب بن زيد، وزيد تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار وساق نسبه إلى حمير بن سبأ إلا كبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان أهـ قال عبد الملك ابن هشام سبأ بن يشجب ابن يعرب بن قحطان اهـ وقال الزمخشري هو تبع الحميري كان مؤمنًا وقومه كافرين ولذلك ذم الله قومه ولم يذمه، وهو الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبنى سمرقند، وقيل هو الذي كسا الكعبة، وقيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعونه وسمى الظل تبعًا لأنه يتبع الشمس أهـ وستأتي قصته بعد التخريج (تخريجه)(طب قط) والطبري والبغوى وفي إسناده عمرو بن جابر الحضرمي قال في الخلاصة قال النسائي ليس بثقه وفي التهذيب قال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابن عدى هو من جملة الضعفاء أهـ (قلت) له شواهد من الأحاديث والآثار تعضده (منها) ما رواه عبد الرازق والبغوى عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 159

.

ما أدري تبع أكان نبيًا أو غير نبي (ومنها) ما رواه الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا تبعًا فإنه قد أسلم (وقال قتادة) ذكر لنا أن كعبًا كان يقول في تبع نعت نعت الرجل الصالح، ذم الله تعالى قومه ولم يذمه (يعني قوله تعالى) في سورة الدخان (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم أنهم كانوا مجرمين) قال وكانت عائشة رضي الله عنها تقول لا تسبوا تبعًا فإنه قد كان رجلًا صالحًا، وذكر أبو حاتم عن الرقاشي قال كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة وغير ذلك كثير (أما قصته) فقد قال قتادة هو تبع الحميري وكان سار بالجيوش حتى مصر الحيرة وبني سمر قندو كان من ملوك اليمن سمى تبعًا لكثرة أتباعه، وكل واحد منهم يسمى تبعا لأنه يتبع صاحبه، وكان هذا الملك يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حمير فكذبوه (وكان من خبره) ما ذكره فمحمد بن إسحاق وغيره، وذكر عكرمة عن ابن عباس قال كان تبع الآخر وهو أبو كرب أسعد ابن مالك بن يكرب حين أقبل من الشرق وجعل طريقه على المدينة وقد كان حين مر بها خلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة فقدمها وهو مجمع على خرابها واستئصال أهلها، فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره فخرجوا لقتاله، وكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل فأعجبه ذلك وقال أن خؤلاء لكرام، فبينما هو كذلك إذ جاءه جبران اسمهما كعب وأسد من أحبار بني قريظة عالمان وكانا ابني عم حين سمعا ما يريد من أهلاك المدينة وأهلها، فقالا له أيها الملك لا تفعل فإنك أن أبيت ألا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة، فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحمى من قريش أسمه محمد، وولده بمكة وهذه دار هجرته ومنزله الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه وعدوهم، قال تبع من يقاتله وهو نبي؟ قالا يسير إليه قومه فيقتلون ها هنا فتناهي لقولهما عما كان يريد بالمدينة، ثم أنهما دعواه إلى دينهما فاجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما، وانصرف عن المدينة وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن، فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا أنا ندلك على بيت في كنزه من لؤلؤ وزبرجد وفضة، قال أي بيت؟ قالوا بيت بمكة، وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلا هلك، فذكر ذلك للأحبار فقالوا ما نعلم الله في الأرض بيتًا غير هذا البيت فاتخذه مسجداً وانسك عنده وانحر واحلق رأسك، وما أراد القوم إلا هلاكك لأنه ماناوأه أحد قط إلا هلك فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله، فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم، فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح وكسا البيت الوصائل، وهو أو من كساء البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة، وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق وانصرف، فلما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذالك وبينه، وقالوا لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم إلى دينه وقال إنه دين خير من دينكم، قالوا فحا كمنا إلى النار، وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم، فقال تبع أنصفتم، فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون فه في دينهم وخرج الجبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه، فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم فأكلت الأوثان وما قربوا معها ومن حمل ذلك من رجال حمير، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما يتلوان التوراة تعرق جباهما لم تضرهما، ونكصت النار حتى رجعت إلى مخرجها الذي خرجت منه، فأصفت عند ذلك حمير على دينهما، فمن هنالك كان أصل اليهودية في اليمن (قال الجاحظ ابن كثير) في تفسيره وقال سعيد بن جبير كما تبع الكعبة وكان سعيد ينهي عن سبه

ص: 160

.

وتبع هذا هو تبع الأوسط، واسمه اسعد أبو كريب بن مليكرب اليماني ذكروا أنه ملك على قومه ثلاثمائة سنة وستة وعشرين سنة ولم يكن من حمير أطول مدة منه، وتوفى قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو من سبعمائة سنة، وذكروا أنه لما ذكر له الحبران من يهود المدينة أن هذه البلدة مهاجرني في آخر الزمان اسمه أحمد قال في ذلك شعرا واستودعه عند أهله المدينة، فكانوا يتوارثونه ويروونه خلفًا عن خلف، وكان ممن يحفظه أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد الذي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره وهو

(شهدت على أحمد أنه * رسول من الله باري النسم)

(فلو مد عمري إلى عمره * لكنت وزيرًا له وابن عم)

(وجاهدت بالسيف أعداده * وفرجت عن صدره كل غم)

وذكر ابن أبي الدنيا أنه حفر قبر بصنعاء في الإسلام فوجدوا فيه امرأتين صحيحتين (يعني لم تأكلهما الأرض) وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب هذا قبر حي تميس، وروى حي وتماضر ابنتي تبع ماتتا وهما تشهدان أن لا إله إلا الله ولا تشركان به شيئًا، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما رحمهما الله (باب ذكر بني إسماعيل عليه السلام وقيامهم بالأمور والحكم في مكة: وخروجه منهم إلى بنى جرهم وخروجه من جرهم إلى خزاعة) تقدم في باب ذكر نبي الله اسماعيل أنه تزوج بالسيدة بنت مضاض ابن عمرو الجرهمي وجاءته بالبنين الأثنى عشر منهم نابت وقيذر وتقدم أيضًا أن جميع عرب الحجاز على اختلاف قبائلهم يرجعون في أنسابهم إلى ولديه نابت وقيذر (قال الحافظ ابن كثير في تاريخه) وكان الرئيس بعده والقائم بالأمور الحاكم في مكة والناظر في أمر البيت وزمزم نابت بن إسماعيل وهو ابن أخت الجرميين، ثم تغلبت جرهم على البيت طمعا في بني أختهم فحكموا بمكة وما والاها عوضًا عن بني إسماعيل مدة طويلة، فكان أو من صار إليه البيت بعد نابت مضاض بن عمروا بن سعد بن الرقيب ابن عبير بن نبت بن جرهم، وجرهم بن قحطان، ويقال جرهم بن يقطن بن عبير بن شالخ بن أرفخشذ ابن سام بن نوح الجرهمي وكان نازلًا بأعلى مكة بقعبقعان، وكان السميدع سيد قطوراء نازلًا بقومه من أسفل مكة، وكل منهما يعثر من مر به به مجتازًا إلى مكة، ثم وقع بين جرهم وقطوراء فاقتتلوا فقتل السميدع واستوثق الأمرض لمضاض وهو الحاكم بمكة والبيت لا ينازعه في ذلك ولد إسماعيل مع كثرتهم وشرفهم وانتشارهم بمكة وبغيرها وذلك لخؤولتهم له ولعظمة البيت الحرام، ثم صار الملك بعده إلى ابنه الحارث ثم إلى عمرو بن الحارث، ثم بغت جرهم بمكة وأكثرت فيها الفساد وألحدوا بالمسجد الحرام حتى ذكر أن رجلًا منهم يقال له إساف بن بغى وامرأة يقال لها نائله بنت وائل اجتمعا في الكعبة فسخهما الله حجرين فنصبهما الناس قريبًا من البيت ليعتبروا بهما فلما طال المطال بعد ذلك ممد عبدا من دون الله في زمن خزاعة كما سيأتي بيانه في موضعه فكان صنمين منصوبين يقال لهما اساق ونائلة فلما أكثرت جرهم البغي بالبلد الحرام تمالأت عليهم خزاعة الذين كانوا انزلوا حول الحرم وكانوا من ذرية عمر بن عامر الذي خرج من اليمن لأجل ما توقع من سيل العرم، وقيل إن خزاعه من بني إسماعيل فالله أعلم، والمقصود أنهم اجتمعوا لحربهم وآذنوهم بالحرب واقتتلوا واعتزل بنو إسماعيل كلا الفريقين فغلبت خزاعة وهم بنو بكر بن عبد مناة وغبشان وأجلوهم عن البيت فعمد عمرو بن الحارث بن مضاض الجرعمى وهو سيدهم إلى غزالي الكعبة وهما من ذهب، وحجر الركن وهو الحجر الأسود، وإلى سيوف

ص: 161

(باب قصة خزاعة وخروج ولاية البيت منهم إلى قصي بن كلاب وخبر عمر بن لحي وعبادة الأصنام)(قر)(عن عبد الله بن مسعود)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أول من سيب السوائب (2) وعبد الأصنام أبو خزاعه عمرو بن عامر وأني رأيته يجر أمعاءه في النار (عن أبي هريرة)(3) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم يقول رأيت عمرو بن عامر (الخزاعي) يجر قصبه (4) في النار، وكان أو من سيب السائبة وبحر البحيرة (5).

محلاة وأشياء أخر فدفنها في زمزم وعلم زمزم وارتحل بقومه فرجعوا إلى اليمن، وفي ذلك يقول عمرو ابن الحارث بن مضاض.

وقائلة والدمع سكب مبادر وقد شرقت بالدمع منها المحاجر كأن لم يكن بين الحجرين إلى الصفا

أنيس ولم يسمر بمكة سامر فقلت لها والقلب متى كأنما يلجلجه بين الجناحين طائر

بل نحن كنا أهلها فأزالنا صروف الليالي والجدود العوائر وكنا ولاة البيب من بعد نابت

طوف بذاك البيت والخير ظاهر ونحن ولينا البيت من بعد نابت بعز فما يحظى لدينا المكائر

ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا فليس لحيى غيرنا ثم فاخر ألم تنكحوا من خير شخص علمته

فأبناؤه منا ونحن الأصاهر فإن تنثنى الدنيا علينا بحالها فإن لها حالا وفيها التشاجر

فأخرجنا منها المليك بقدرة كذلك ياللناس تجري المقادر أقول إذا نام الخلى ولم أنم

إذا العرش لا يبعد سهيل وعامر وبدلتها منها أوجها لا أحبها قبائل منها حمير ويحابر

وصرنا أحاديثا وكنا بغبطة بذلك عضتنا السنون الغوابر فسحت دموع العين تبكي لبلدة

بها حرم أمن وفيها المشاعر وتبكي لبيت ليس يؤذي حمامه يظل به أمنا وفيه العصافر

وفيه وحوش لا ترام أنيسة إذا خرجت منه فليست تغادر

قال ابن هشام وحدثني بعض أهل العلم بالشعر أن هذه الآبيات أول شعر قيل في العرب وأنها وجدت مكتوبة في حجر باليمن ولم يسم قائلها (قر)(1)(سنده) قال عبد الله بن الأمام أحمد قرأت على أبي حدثنا عمرو بن مجتمع حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود الخ (غرببه)(2) كانوا إذا تابعت الناقة بين عشر إناث لم يركب ظهرها ولم يجز ويرها ولم يشرب لبنها إلا ولدها أو ضيف وتركوها مسيبة لسبيلها وسموها السائبة، فما ولدت بعد ذلك من انثى شقوا أذنها وخلوا سبيلها وحرم منها من أمها وسموها البحيرة (نه) وقد جاه النهى عن ذلك في قوله تعالى (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة الآية) وتقدم تفسير هذه الآية في باب يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم الآية) من كتاب فضائل القرآن وتفسيره في الجزء الثامن عشر صحيفة 133 بعد حديث رقم 264 (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد من حديث ابن مسعود وفي اسناده ابراهيم الهجري ضعف فالحديث ضعيف السند صحيح المتن لأنه جاء في طرق أخرى عن أبي هريرة عن الشيخين والإمام أحمد وهو الحديث التالي. (3)(سنده) حدثنا الخزاعي قال أنا ليث بن سعد عن يزيد بن الهاد عن ابن شهاب عن سعد بن المسيب عن أبي هريرة إلخ (غرببه)(4) بضم القاف وسكون الصاد المهملة يعني أمعاءه كما جاء مصرحًا بذلك في الحديث السابق. (5) تقدم معنى السائبة والبحيرة في شرح الحديث السابق (تخرجه)(ق، وغيرهما)

ص: 162

.

(ولمسلم) من طريق سهيل ابن أبي صالح عن أبيه مرفوعًا رأيت عمرو بن لحمى بن قمعة (بفتحات) ابن خندف بحر قصبه في النار (وللبخاري) من طريق أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمرو ابن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة (وله في رواية أخرى) عن أبي هريرة أيضًا قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي بحر قصبه في النار، فيستفاد من هذه الروايات أن عمرا هو ابن عامر بن لحي بن قمعة بن خندف وأنه أبو خزاعة وأنه تارة ينسب إليه أبيه أو تارة ينسب إلى جده لحي بضم اللام وفتح المهملة وتشديد التحتية مصغرا و (قمعه) بالقاف والميم والعين المهملة مفتوحات و (خندف) بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وفتح الدال المهملة بعدها فاء (أما خزاعة) فقد اختلف في نسبهم فقيل ينسبون إلى اليمن وقيل إلى مضر مع الاتفاق على أنهم من ولد عمرو بن لحي، وجمع بعضهم بين القولين أعنى نسبة خزاعة إلى اليمن وإلى مضر فزعهم أن حارثة بن عمر لما مات قمعة بن خندف كانت امرأته حاملًا بلحى فولدته وهي عند حارثة فتبناه فنسب إليه، فعلى هذا فهو من مضر بالولادة ومن اليمن بالتبني (وذكر ابن إسحاق) أن سبب عبادة عمرو بن لحي الأصنام أنه خرج إلى الشام وبها يومئذ العماليق وهم يعبدون الأصنام فاستوهبهم واحدا منها وجاء به إلى مكة فنصبه إلى الكعبة وهو هبل، وكان قبل ذلك في زمن جرهم قد فجر رجل يقال له اساف بامرأة يقال لهما نائلة في الكعبة فمسخهما الله جل وعلا حجرين فأخذهما عمر بن لحيى فنصبهما حول الكعبة فصار من يطوف يتمسح بهما يبدأ باساف ويختم بنائله، (وذكر محمد بن حبيب) عن ابن الكلبي أن سبب ذلك أن عمرو بن لحيي كان له تابع من الجن يقال له أبو ثمامة فأتاه ليلة فقال أجب أبا ثمامة فقال لبيك من تهامة، فقال أدخل بلا علامة فقال ائت سيف جده، تجد آلهة معدة. فخذها ولا تهب، وادع إلى عبادتها تجب، قال فتوجه إلى جدة فوجد الأصنام التي كانت تعبد في زمن نوح وادريس وهي ود، وسواع، ويغوث ويعوق، ونسر، فحملها إلى مكة ودعا إلى عبادتها فانتشرت بسبب ذلك عبادة الأصنام في العرب، وذكر السهيلي أن سبب قيام عمر بن لحيي بأمر الكعبة ومكة أنه حين غلبت خزاعة على البيت ونفت جرهم عن مكة قد جعلته العرب ربا: لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم فربما نحر في الموسم عشرة آلاف بدنة وكسى عشرة آلاف حلة أه وذكر أبو الوليد الأزرقى في أخبار مكة أن عمرو بن لحيى فقأ أعين عشرين بعيرًا، وكانوا يفقئون عين الفحل إذا بلغت الإبل الفا فإذا بلغت الفين فقئوا العين الأخرى قال الراجز (وكان شكر القوم عند المنن * كي الصحيحات وفقًا الأعين)(قال ابن اسحاق) واستبدوا بدين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام غيره فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات، وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم عليه السلام يتمسكون بها من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفات والمزدلفة وهدى البدن والإهلال لا شريك لك الاشريكا هو تملكه وما ملك، فيوحدونه بالتلبية ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده: يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) أي ما يوحدونني لمعرفة حقى، إلا جعلوا معي شريكًا من خلقي، وقد ذكر السهيلى وغيره أن أول من لبى هذه التلبية عمرو بن لحيي وأن أبليس تبدى له في صورة شيخ فجعل يلقنه ذلك فيسمع منه ويقول كما يقول واتبعه العرب في ذلك (وذكر ابن الكلبي) أن سبب قيام عمرو بن لحيى بأمر الكعبة ومكة أن أمه فهيرة بنت عمرو بن الحارث

ص: 163

(أبواب ذكر جماعة مشهورين كانوا في الجاهلية)

(باب ما جاء في حاتم الطائي)(عن عدى بن حاتم)(1) قال قلت يا رسول الله أن أبي كان يصل الرحم وبقرى للضيف ويفعل كذا، قال أن أباك أراد شيئًا فأدركه (2)

ابن مضاض الجرهمي وكان أبوها آخر من ولى أمر مكة من جرهم فقام بأمر البيت سبطه عمرو بن لحيي فصار ذلك في خزاعة بعد جرهم ووقع بينهم في ذلك حروب إلى أن انحلت جرهم عن مكة ثم تولت خزاعة أمر البيت ثلاثمائة سنة إلى أن كان آخرهم يدعى أبا غبشان واسمه المحرش بن حليل بن خبشية بن سلول بن عمرو بن لحيى وهو خال قصي بن كلاب أخو أمه حي يضم المهلمة رتشديد الموحدة مع الامالة وكان في عقله شيء فخدعه قصى فاشترى منه أمر البيت بأذواد من الأبل (ويقال) بذق خمر فغلب قصي حينئذ على أمر البيت وجمع يطون بني فهر وحارب خزاعة حتى أخرجهم من مكة إلى غير رجعة، وفيه يقول الشاعر

(أبوكم قصي كان يدعى مجمعًا * به جمع الله القبائل من فهر)

وشرع قصي لقريش الساقية والرفادة فكان يصنع الطعام أيام منى والحياض للماء فيطعم الحج ويسقيه وهو الذي عمر دار الندوة بمكة فإذا وقع لقريش شيء اجتمعوا فيها وعقدوه بها ولا زالت ولاية البيت إلى قصي وبنيه واستمرار ذلك في أيديهم إلى أن بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم فأقر تلك الوظائف إلى ما كانت عليه والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا يحيى ثنا شعبة ثناسماك عن مرى بن فطرى عن عدي ابن حاتم الخ. (2) معناه أنه كان لا يقصد بكرمه وخلاله الممدوحة وجه الله تعالى، وإنما كان يقصد بذلك الشهرة والمدح وقد حصل (تخرجه) الحديث سنده جيد، وأورده الحافظ ابن كثير في تاريخه وعزاه للإمام أحمد ثم قال وهكذا رواه أبو يعلى عن القواريرى عن غندر عن شعبة عن سماك به، وقال ان أباك أراد أمرًا فأدركه يعني الذكر، وهكذا رواه أبو القاسم البغوى عن علي بن الجعد عن شعبة به سواء، وقد ثبت في الصحيح في الثلاثة الذين تسعر بهم جهنم منهم الرجل الذي ينفق ليقال أنه كريم فيكون جزاؤه أن يقال ذلك في الدنيا وكذا في العالم والمجاهد، وقد ذكر الحافظ ابن كثير نسب حاتم الطائي مع كثير من مآثره فقال هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن احزم بن أبي احزم واسمه هرومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء ابو سفيانة الطائي، والدعدي ابن حاتم الصحابي، كان جواد ممدوحًا في الجاهلية، وكذلك كان ابنه في الإسلام، وكانت لحاتم مآثر وأمور عجيبة وأخبار مستغربة في كرمه بطول ذكرها ولكن لم يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، وإنما كان قصده السمعة والذكر (روى البيهقي) عن علي رضى الله عنه قال لما أتى بسباياطيء وقعت جارية حمراء لعساء زلفاء عيطاء شماء الأنف معتدلة القامة والهامة درماء الكعبين خدلجة الساقين لفاء الفخذين خميصة الخصرين ضامرة الكشحين مصقولة المتنين، قال فلما رأيتها أعجبت بها وقلت لأطلبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعلها في فيئى، فلما تكلمت انسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها، فقالت يا محمد أن رأيت أن تخلى عني ولا تشمت بي أحياء العرب فأني ابنة سيد قومي، وأن أبي كان يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويقرى الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، وأنا ابنه حاتم طييء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جارية هذه صفة المؤمنين حقًا لو كان أبوك مؤمنًا لترحمنا عليه: خلوا عنها فأن أباها كان يحب مكارم الأخلاق والله تعالى يحب مكارم الأخلاق. فقام أبو بردة بن نيار فقال

ص: 164

.

يا رسول الله والله يحب مكارم الأخلاق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة أحد إلا بحسن الخلق (وقال أبو بكر بن أبي الدنيا) حدثني عمرو بن بكر عن أبي عبد الرحمن الطائي هو القاسم ابن عدي عن عثمان عن عركى بن حليس الطائي عن أبيه عن جده وكان أخا عدي بن حاتم لأمه قال قيل لنوار امرأة حاتم حديثنا شيئًا عن حاتم، قالت كل أمره كان عجبًا، أصابتنا سنة حصت كل شيء فاقشعرت لها الأرض واغبرت لها السماء وضنت المراضع على أولادها وراحت الإبل حدبا حدابير ما تبض بقطرة، وحلقت المال وأنا لفي ليلة صنبر (بكسر الصاد المهملة وتشديد النون وسكون الموحدة ليلة شديد البرد من أطول ليالي الشتاء) بعيدة ما بين الطرفين إذ تضاغى الأصبية من الجوع، عبد الله وعدى وسفانة. فوالله إن وجدنا شيئًا نعللهم به، فقام إلى أحد الصبيان فحمله وقمت إلى الصبية فعللتها فوالله إن سكتا إلا بعد هدأة من الليل، ثم عدنا إلى الصبي الآخر فعللناه حتى سكت وما كاد، ثم افترقنا قطيفة لنا شامية ذات حمل فأضجعنا الصبيان عليها ونمت أنا وهو في حجرة والصبيان بيننا، ثم أقبل عل يعللني لأنام وعرفت ما يريد فتناومت فقال مالك أنمت؟ فسكت فقال ما أراها إلا قد نامت وما بي نوم فلما أدلهم الليل وتهورت النجوم وهدأت الأصوات وسكنت الرجل إذا جاب البيت قد رفع فقال من هذا؟ فولى حتى قلت إذًا قد أسحرنا أوكدنا فاعاد فقال من هذا؟ قالت جارتك فلانة يا أبا عدي ما وجدت على أحد معولًا غيرك، أتيتك من عند أصبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع، قال أعجليهم على، قالت النوارفو ثبت فقلت ماذا صنعت؟ اضطجع، والله لقد تضاغى صبيتك فما وجدت ما تعللهم فكيف بهذه وبولدها؟ فقال اسكتي فوالله لأشبعتك إن شاء الله، قالت فأقبلت تحمل اثنين وتمشي جنبتيها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجأ بجربته في لبته ثم قدح زنده واورى ناره ثم جاء بمدية فكشظ عن جلده ثم دفع المدية إلى المرأة ثم قال دونك، ثم قال ابعثي صبيانك فبعثتهم، ثم قال سوءة أتأكلون شيئًا دون أهل الصوم؟ فجعل يطوف فيهم حتى هبوا وأقبلوا عليه والتفع في ثوبه ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا، والله ما ذاق مزعة وأنه لأحوجهم إليه، فأصبحنا وما على الأرض منه إلا عظم وحافر (وعن الوضاح بن معبد الطائي) قال وفد حاتم الطائي على النعمان بن المنذر فاكرمه وأدناه ثم زوده عند انصرافه جملين ذهبًا وورقا غير ما أعطاه من طرائف بلده فرحل، فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طيء فقالت يا حاتم اتيت من عند الملك وأتينا من عند أهالينا بالفقر، فقال حاتم هلم فخذوا ما بين يدي فتوزعوه، فوثبوا إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه، فخرجت إلى حاتم طريفة جاريته فقالت له اتق الله وابق على نفسك فما يدع هؤلاء دينارًا ولا درهما ولا شاة ولا بعير فانشأ يقول:

(قالت طريفة ما تبقى دراهمنا وما بنا سرف فيها ولا خرق أن يفن ما عندنا فالله يرزقنا

ممن سوانا ولسنا نحن نرتزق ما يألف الدرهم الكارئ خرقتنا إلا يمر عليها ثم ينطلق

(إنا إذا اجتمعت يوما دراهمنا ظلت إلى سبل المعروف تستبق)

(وقال أبو بكر الخرائطي) حدثنا على بن حرب حدثنا عبد الرحمن بن يحيى العدوى حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبي مسكين يعني جعفر بن المحرر بن الوليد عن المحرر مولى أبي هريرة قال مر نفر من عبد القيس بقبر حاتم طيئ فنزلوا قريبًا منه، فقام إليه بعضهم يقال له أبو الخبيري فجعل يركض قبره برجله ويقول يا أبا جعد أقرنا، فقال له بعض أصحابه ما تخاطب من رمة وقد بليت وأجنهم الليل فناموا فقام صاحب القول فزعًا يقول يا قوم عليكم عطيكم فإن حاتما أتاني في النوم

ص: 165

(باب ما جاء في عبد الله بن جدعان)(عن عائشة رضي الله عنها (1) قالت قلت يا رسول الله ابن جدعان (2) كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المساكين فهل ذاك نافعه؟ قال لا يا عائشة، أنه لم يقل يومًا رب أغفر لي خطيئتي يوم الدين (3).

وأنشدني شعرا وقد حفظته يقول: (أبا الخبيرى وأنت أمرؤ ظلوم العشيرة شنامها)

انيت بصحبك تبغي القرى لدى حفرة قد صدت هامها اتبغى لي الذئب عند الميـ

يت وحولك ظيء وأنعامها وأنا لنشبع أضيافنا وتأتي المطيء فنعتامها

قال وإذا ناقة صاحب القول تكوس عقيرًا فنحروها وقاموا يشترون ويأكلون وقالوا والله لقد أضافنا حاتم حيا وميتًا، قال وأصبح القوم واردفوا صاحبهم وساروا فإذا رجل وينوه بهم راكبًا جملًا ويقود آخر فقال أيكم أبا الخبيري؟ قال أنا، قال أن حاتمًا أتاتي في النوم فأخبرني أنه قرى أصحابك ناقتك وأمرني أن أحملك وهذا بعير فخذه ودفعه إليه، وبالجملة فمآثر حاتم كثيرة يطول ذكرها فنقتصر على هذا مختصرًا من تاريخ الحافظ ابن كثير والله أعلم. (باب)(1)(سنده) حدثنا عبد الله ابن محمد قال عبد الله (يعني ابن الإمام أحمد) وسمعته أنا من عبد الله بن محمد قال ثنا حفص عن داود عن الشعي عن مسروق عن عائشة الخ. (2) بضم الجيم وإسكان الدال المهملة أسمه عبد الله وكان من بني تيم بن مرة أقرباء عائشة وكان من رؤساء قريش (3)(قال النووي) معنى هذا الحديث أن ما كان يفعله من الصلة والاطعام ووجوه المكارم لا ينفعه في الآخرة لكونه كافرًا وهو معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين أي لم يكن مصدقًا بالبعث، ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه عمل، قال البيهقي وقد يجوز أن يكون حديث ابن جدعان وما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وإدخال الجنة ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات والله أعلم (تخريجه)(م) والبغوى وغيرهما وقد ترجم الحافظ ابن كثيرلابن جدعان في تاريخه فقال هو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة سيد بني تيم وهو ابن عم والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان من الكرماء الأجواد في الجاهلية المطعمين للمغيثين، ركان في بدء أمره فقيرًا مملقًا وكان شريرًا يكثر من الجنايات حتى أبغضه قومه وعشيرته وأهله وقبيلته وأبغضوه حتى أبوه، فخرج ذات يوم في شعاب مكة حائرًا بائرًا فرأى شقا في جبل فظن أن يكون به شيء يؤذيه فقصده لعله يموت فيستريح مما هو فيه، فلما اقترب منه إذا بثعبان يخرج إليه ويثب عليه، فجعل يحيد عنه ويثب فلا يغني شيئًا، فلما دنا منه إذا هو من ذهب وله عينان هما ياقوتتان فكسره وأخذه ودخل الغار فإذا فيه قبور لرجال من ملوك جرهم ومنهم الحارث بن مضاض الذي طالت غيبته فلا يدري أين ذهب، ووجد عند رءوسهم لوحًا من ذهب فيه تاريخ وفاتهم ومدد ولايتهم، وإذا عندهم من الجواهر واللآليء والذهب والفضة شيء كثير فأخذ منه حاجته ثم خرج وعلم باب الغار ثم انصرف إلى قومه فأعطاهم حتى أحبوه وسادهم وجعل بطعم الناس، وكلما قل ما في يده ذهب إلى ذلك الغار فأخذ منه حاجته ثم رجع (فمن ذكر هذا) عبد الملك بن هشان في كتاب النيجان وذكره أحمد بن عمار في كتاب رى العطشان وأنس الواحش وكانت له جفنة يأكل منها الراكب كل بعيره (يعني يأكل منها وهو راكب على بعيره لعظمها وارتفاعها) ووقع فيها صغير فغرق

ص: 166

(باب ما جاء في أمرئ القيس بن حجر الشاعر المشهور)

عن ابي هريرة) (1) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم امرؤ القيس (2) صاحب لواء الشعراء (3) إلى النار

(وذكر ابن قتيبه وغيره) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد كنت استظل بظل جفنة عبد الله بن جدعان صكة عميي أي وقت الظهيرة، وفي حديث مقتل أبي جهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه تطلبوه بين القتلى وتعرفوه بشجة في ركبته فأني تزاحمت أنا وهو على مأدبة لابن جدعان فدفعته فسقط على ركبته فانهشمت فأثرها باق في ركبته فوجدوه كذلك، وذكروا أنه يطعم التمر والسويق ويسقى اللبن حتى سمع قوله أمية بن الصلت.

(ولقد رأيت الفاعلين وفعلهم. فرأيت أكرمهم بني الديان)

(البر يلبك بالشهاد طعامهم. لا ما يعللنا بنو جدعان)

فأرسل ابن جدعان إلى الشام الفيى بعير تحمل البر والشهد والسمن وجعل مناديًا ينادي كل ليلة على ظهر الكعبة أن هلموا إلى جفنة بن جدعان فقال أمية في ذلك.

له داع بمكة مشمعل وآخر فوق كعبتها ينادي

إلى ردح من الشيزى ملاى لباب البر يلبك بالشهاد

(باب)(1)(سنده) حدثنا هشيم حدثنا أبو الجهيم الواسطى عن أبي سلمة عن أبي هريرة الخ (غريبة)(2) هو أبن حجر بضم الحاء المهملة ابن الحارث الكندي الشاعر الجاهلي المشهور وهو أول من قصد القصائد (3) أي حامل راية شعراء الجاهلية والمشركين قال د غفل ولا يقود الناس إلا أميرهم ورئيسهم (إلى النار) لأنه زعيمهم وعظيمهم في الدنياء فيكون قائدهم في العقى، قال ابن سلام ليس لكونه قال مالم يقولوا، ولكنه سبق إلى أشياء ابتدعها قاتبعوه عليها واقتدوا به فيها (وأخرج ابن عساكر) أنه ذكر أمرؤ القيس للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ذلك رجل مذكور في الدنيا منسى في الآخرة يحيئ يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار. (قال أبو عبيد) سبق أمرؤ القيس العرب إلى أشياه ابتدعها فاستحسنوها وتبعهم فيها الشعراء (منها) استباق صحبه والبكاء على الديار ورقة التشبيب وقرب المآخذ وتشبيه النساء بالظباء البيض والخيل بالعقبان والعصى وقيد الآوابد وأجاد في التشبيه وفصل بين التشبيب: والمعنى هذا لواء الشهرة في الذم وتقبيح الشعر كما أن ألوية ثم للعز والمجد والافضال كما جاء أن المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده لواء الحمد فثم ألوية خزى وفضيحة، (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه (جم بز) وفي أسناده أبو الجهيم شيخ هيشم بن بشير ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح أهـ (قلت) لم يعرفه لأنه جاء عند الإمام أحمد أبو الجهيم بالتصغير وجاء في الأصول الأخرى أبو الجهم مكبرًا، وكذا في كتب الرجال قال أبو زرعة الرازي أبو الجهيم رواى هذا الحديث وأهـ وقال ابن عدي شيخ مجهول لا يعرف له اسم وخبره منكر ولا أعرف له غيره، وقال ابن عبد البر لا يصح حديثه وقد ترجمه ابن حبان في كتاب المجروحين من المحدثين المشهور بكتاب (الضعفاء) فجود ترجمته؛ وروى فيها هذا الحديث عن المسند قال أبو الجهيم شيخ من أهل واسط يروى عن الزهرى ما ليس من حديثه روى عنه هشيم بن بشير لا يجوز الاحتجاج بروايته إذا انفرد (هذا) وقد أطال المؤرخون في ترجمة أمرئ القيس وشعره نقتصر على شيء منها لئلا يخلو قسم التاريخ من ذلك فنقول (قال الحافظ ابن عساكر) هو امرؤ القيس ابن الحارث ابن عمرو بن حجر آكل المرار بن عمرو بن معاوية

ص: 167

_________

ابن الحارث بن يعرب بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة أبو يزيد ويقال أبو وهيب ويقال أبو الحارث الكندي كان باعمال دمشق وقد ذكر مواضع منها في شعره فمن ذلك قوله،

(قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل)

(فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لم نسجتها من جنوب رسمأل)

قال وهذه مواضع معروفة بحوران، ثم روى من طريق هشام بن محمد بن السائب الكلى حدثني فروة ابن سعيد بن عفيف بن معد يكرب عن أبيه عن جده قال بينهما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل وفد من اليمن فقالوا يا رسول الله لقد أحيانًا الله ببيتين من شعر أمرئ القيس، قال وكيف ذاك؟ قالوا اقبلنا نريدك حتى إذا كنا ببعض الطريق أخطأنا الطريق فمكثنا ثلاثا لا نقدر على الماء فتفرقنا إلى أصول طلح وسمر ليموت كل رجل منا في ظل شجرة، فبينا نحن بآخر رمق إذا راكب يوضع على بعير فلما رآه بعضنا قال والراكب يسمع،

ولما رأت أن الشريعة همتها وأن البياض من فرائصها دامى

تيممت العين الذي عند ضارج يفيء عليها الظل عرمضها طامي

فقال الراكب ومن يقول هذا الشعر وقد رأى ما بنا من الجهد؟ قال قلنا أمرؤا القيس بن حجر، قال والله ما كذب، هذا ضارج عندكم، فنظرنا فإذا بيننا وبين الماء نحو خمسين ذراعًا فحبونا إليه على الركب فإذا هو كما قال أمرؤ القيس، عليه العرمض يفيئ عليه الظل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك رجل مذكور في الدنيا منسى في الآخرة. شريف في الدنيا خامل في الآخرة. بيده لواء الشعراء يقودهم إلى النار اهـ (قال القرطبي) هذا الحديث وما قبله (يعني حديث الباب) يدل على أن من كان أماما دراسًا في أمر ما هو معروف به فله لواء يعرف به خيرًا كان أو شرًا: فللأ ولياء والصالحين الوية تنموية وإكرام وإفضال، كما أن للظالمين الوية فضيحة وخزي ونكال اهـ (وقال ابن عبد البر) افتتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرمة، وقيل لبعضهم من أشعر الناس؟ قال امرؤ القيس إذا ركب، والأعشى إذا طرب، وزهير إذا رغب. والنابغة إذا رهب وأول شعر قاله امرؤ القيس أنه راهق ولم يقل شعرًا، فقال أبوه هذا ليس يا بني إذا لو كان كذلك لقال شعرًا، فقال لاثنين من جماعته خذاء واذهبا به إلى مكان كذا فاذبحاه، فمضيًا به حتى وصلا المحل فشرعا ليذبحاه فبكى وقال:

(قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوابين الدخول فحومل)

فرجعا به إلى أبيه وقالا هذا أشعر من على وجه الأرض، قد وقف واستوقف وبكى واستبكى ونعى الحبيب والمنزل في نصف بيت: فقام إليه واعتنقه وقبله وقال أنت ابني حقًا (وفي كتاب الأوائل لأبي عروبة) أن أول من نطق بالشعر آدم لما قتل ابنه أخاه، وأول من قصد القصائد أمرؤ القيس، وقيل عبد الأحوص، وقيل مبلبل، وقيل الأفوه الأودى، وقيل غير ذلك، ويجمع بينهما بأنه بالنسبة للقائل وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل فقال:

(يتمنى المرء في الصيف الشتاء حتى إذا جاء الشتاء أنكره)

(فهو لا يرضى مجال واحد قتل الإنسان ما أكفره)

وقال (اقتربت الساعة وانشق القمر من غزال صاد قلبي ونفر)

وقال (إذا زلزلت الأرض زلزلها وأخرجت الأرض أثقالها)

ص: 168

(باب ما جاء في أمية بن أبي الصلت وشيء من شعره)

(عن أبي هريرة)(1) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال على المنبر أشعر بيت (وفي رواية أصدق ببت) قالت العرب (الأكل شيء ما خلال الله باطل) وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم (عن عمرو بن الشريد عن أبيه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنشده من شعر أمية بن أبي الصلت قال فأنشده مائة قافية، قال أنشده شيئًا إلا قال إيهٍ حتى إذا استفرغت من مائة قافية قال كاد أن يسلم

(تقوم الآنام على رسلها ليوم الحساب ترى حالها)

(يحاسبها ملك عادل فإما عليها وإما لها)

(وذكر الكلبي) أن أمرأ القيس أقبل برايانه بريد قتال بني أسد حين قتلوا أباه فمر بنبالة بها ذو الخلصة (بضم الخاء واللام) وهو صنم، وكانت العرب تستقسم عنده فخرج القدح الناهي ثم الثانية ثم الثالثة كذلك فكسر القداح وضرب بها وجه ذي الخلصة وقال عضضت إبراء أبيك لو كان أبوك المقتول لما هو قتى، ثم أغار على بني أسد فقتلهم قتلًا ذريعًا، قال ابن الكلبي فلم يستقسم عند ذي الخلصة حتى جاء الإسلام (وذكر بعضهم) أنه امتدح قيصر ملك الروم يتسنجده في بعض الحروب ويسترفده فلم يجد ما يؤمله عنده فهجاء بعد ذلك، فيقال إنه سقاه سما فقتله فألجأه الموت إلى جنب قبر امرأة عند جبل يقال له عسيب (وقيل) إن آخر شعر قاله امرؤ القيس أنه وصل إلى جبل عسيب وهو يجود بنفسه فنزل إلى قبر فأخبر بأنها بنت ملك فقال

(أجارتنا أن المزار قريب وإني مقيم ما أقام عسيب)

(أجارتنا إنا غريبان هاهنا وكل غريب للغريب نسيب)

(باب)(1)(عن أبي هريرة الخ) هذا الحديث والذي بعده تقدما بسندهما وشرحهما وتخريجهما في باب ما جاء في شعر أميه بن أبي الصلت من كتاب آفات اللسان في الجزء التاسع عشر صحيفة 277 و 278 وإنما ذكرنهما هنا لمناسبة الترجمة (قال الحافظ ابن عساكر) هو أمية بن أبي الصلت عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن عزة بن عوف بن ثقيف بن منبه بن بكر بن هو ازن أبو عثمان ويقال أبو الحكم الثقفي شاعر جاهلي، قدم دمشق قبل الاسلام، وقيل أنه كان مستقيمًا وأنه كان في أول أمره على الإيمان زاغ عنه وأنه هو الذي أراده الله تعالى بقوله (وأتل عليهم نبأ الذين أتيناه آياتنا فنسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين) أهـ وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره عن ابن مسعود قال نزلت في رجل من بني إسرائيل يقال له بلعم بن باعوراء، وكذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة، كان من علماء بني إسرائيل وكان مجاب الدعوة يقدمونه في الشدائد، بعثه نبي الله موسى إلى ملك مدين يدعوه إلى الله فأقطعه وأعطاه فتبع دينه وترك دين موسى عليه السلام (وقالت ثقيف) هو أمية ابن أبي الصلت، وقال شعبة عن يعلى بن عطاء عن نافع بن عاصم عن عبد الله بن عمرو وفي قوله تعالى (وائل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا) الآية قال هو صاحبكم يعني أمية بن أبي الصلت (قال الحافظ ابن كثير) وقد روى عن غير وجه عنه وهو صحيح إليه، وكأنه إنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه فأنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة ولكنه لم ينتفع بعلمه فإنه أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته وظهرت لكل من له بصيرة، ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه وصار إلى

ص: 169

.

موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم ورئى أهل بدر من المشركين بمرئاة بليغة قبحة الله، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه ممن آمن لسانه ولم يؤمن قلبه، فإن له أشعارًا ربانية وحكمًا وفصاحة ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام (وروى الحافظ ابن عساكر) عن الزهري إنه قال قال أمية بن أبي الصلت:

ألا رسول لنا منا يخبرنا ما بعد غايتنا من رأس مجرانا

قال ثم خرج أمية بن أبي الصلت إلى البحرين وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام أمية بالبحرين ثمان سنين ثم قدم الطائف فقال لهم ما يقول محمد بن عبد الله؟ قالوا يزعم أنه نبي: هو الذي كنت تتمنى، قال فخرج حتى قدم عليه مكة فلقيه فقال يا أبن عبد المطلب ما هذا الذي تقول؟ قال أقول أني رسول الله وأن لا إله إلا هو، قال أني أريد أن أكلمك فعدني غدًا، قال فموعدك غدًا، قال فتحب أن آتيك وحدي أوفى جماعة من أصحابي؟ وتأتيني وحدك أو في جماعة من أصحابك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ذلك شئت، قال فأني آتيك في جماعة، قال فلما كان الغد غدا أمية في جماعة من قريش قال وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم معه نفر من أصحابه حتى جلسوا في ظل الكعبة، قال فبدأ أمية فخطب ثم سجع ثم أنشد الشعر حتى إذا فرغ الشعر قال أجبني يا ابن عبد المطلب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم) حتى إذا فرغ منها وثب أمية بحر رجليه قال فتبعته قريش يقولون ما نقول يا أمية؟ قال أشهد أنه على الحق، فقالوا هل تتبعه؟ قال حتى انظر في امره، قال ثم خرج أمية إلى الشام وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما قتل أهل بدر قدم أمية من الشام حتى نزل بدرًا ثم ترحل يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قائل يا أبا الصلت ما تريد؟ قال أريد محمدًا، قال وما تصنع؟ قال أو من به وألقى إليه مقاليد هذا الأمر، قال اتدري من في القليب. قال لا، قال فيه عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما أبنا خالك وأمه ربيعة بنت عبد شمس قال فجدع أذنى ناقته وقطع ذنبها ثم وقف على القليب فرثى قتلى كفار قريش ببدر بقصيدة طويلة لا حاجة لذكرها: ومن شعره في مدح أهل الكرم قوله

لا ينكثون الأرض عند سؤالهم **** كتطلب العلات بالعيدان

بل يسفرون وجوههم فترى لها **** عند السؤال كأحسن الألوان

وإذا المقل أقام وسط رحالهم **** ردوه رب صواهل وقيان

وإذا دعوتهم لكل ملمة **** سدوا شعاع الشمس بالفرسان

(وذكر الإمام البغوى في تفسيره) قال لها مات أمية أتت أخته فازعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وفاة أخيها، فقالت بينما هو راقد أتاه آتيان فكشفا سقف البيت فزلا فقعد احدهما عند رجليه والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه أوعى؟ قال وعى، قال أزكى؟ قال أبي، قالت فسألته عن ذلك؟ فقال خير أريد بي فضرب عني، فغشى عليه فلما أفاق قال شعراٍ.

كل عيش وإن تتطاول دهرًا **** صائر مرة إلى أن يزولا

ليتني كنت قبل ما قد بدا لي **** في تلال الجبال أرعى الوعولا

أن يوم الحساب يوم عظيم **** شاب فيه الصغير يوما ثقيلًا

ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه أنشديني من شعر أخيك، فأنشدته بعض قصائده فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أله وصحبه وسلم أمن شعره وكفر قلبه، وفي هذا القدر كافية والله أعلم

ص: 170

(باب ما جاء في زيد بن عمرو بن نفيل)(عن سالم بن عبد الله بن عمر)(1) أنه سمع أباه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لقى زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بيدح وذلك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفره فيها لحم فأبى أن يأكل منها، ثم قال أنى لا آكل ما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ما ذكر أسم الله عليه، حدث هذا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم

(باب)(1)(عن سالم بن عبد الله بن عمرا الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب ما جاء في التسمية والذبح لغير الله من كتاب الصيد والذبائح في الجزء السابع عشر صحيفة 120 رقم 23 وإنما ذكرته هنا لأني اقتصرت هناك على شرح الحديث وتخرجه فقط، ولما كان زيد بن عمرو ابن نفيل له مناقب عظيمة ناسب أن يذكر هذا الحديث هنا مع شيء من مناقبه في الشرح مما لم يأت في مسند الأمام أحمد فأقول (قال الحافظ بن كثير في تاريخه) هو زيد بن عمرو بن فيل بن عبد العزى ابن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤي القرشي العدوى، وكان الخطاب والد عمر بن الخطاب عمه وأخاه لأمه، وذلك لأن عمرو بن نفيل كان قد خلف هلى امرأة أبيه بعد أبيه وكان لها من نفيل أخوه الخطاب قاله الزبير بين بكار ومحمد بن اسحاق، وكان زيد بن عمرو قد ترك عبادة الأوثان وفارق دينهم، وكان لا يأكل إلا ما ذبح على اسم الله وحده، قال يونس بن بكير عن محمد ابن اسحاق حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت لقد لقيت زيد بن عمرو بن نفيل مسندا ظهره إلى الكعبة يقول يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح أحد منكم على دين إبراهيم غيري، ثم يقول اللهم أني لو أعلم أحدب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم، ثم يسجد على راحلته، وكذا رواه أبو أسامة عن هشام به وزاد وكان يصلى إلى الكعبة ويقول إلا هي إله إبراهيم وديني دين إبراهيم، وكان يحيى المومودة، ويقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته لا تقتلها، ادفعها إلى أكفلها فإذا ترعرعت فإن شئت فخذها وإن شئت فادفعها، أخرجه النسائي من طريق أبي أسامة وعلقه البخاري فقال. وقال الليث كتب إلى هشام بن عروة عن أبيه به، وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق وقد كان نفر من قريش زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وعثمان ابن الحويرث بن أسد بن عبد العزى وعبد الله بن جحش بن رباب بن يعمر بن صبرة ابن برة بن كبير ابن غنم بن دودان بن أسعد بن خزيمة وأمه أميمه بنت عبد المطلب وأخته زينب بنت عبد المطلب وأخته زينب بنت جحش التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مولاه زيد بن حارثه حضروا قريضًا عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض قالوا تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض، فقال قائلهم تعلمن والله ما قومكم على شيء: لقد أخطأوا دين إبراهيم وخالفوه، ما وثن يعبد؟ لا يضر ولا ينفع؟ فابتغوا لانفسكم، فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل كتاب من اليهود والنصارى والملل كلها الحنيفية دين إبراهيم، فأما ورقه بن نوفل فننصر واستحكم في النصرانية وابتغى الكتب من أهلها حتى علم علمًا كثيرًا من أهل الكتاب، ولم يكن فيهم أعدل أمرًا وأعدل ثباتًا من زيد بن عمرو ابن نفيل، اعتزل الأوثان وفارق الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلا دين الحنيفة دين إبراهيم

ص: 171

.

يوحد الله ويخلع من دونه ولا يأكل ذبائح قومه، فأذاهم بالفراق لما هم فيه، قال وكان الخطاب قد أذاه أذى كثيرًا حتى خرج منه إلى أهلي مكة، ووكل به الخطاب شبابًا من قريش وسفهاء من سفهائهم فقال لا تتركوه يدخل، فكان لا يدخلها إلا سرًا منهم فإذا علموا به أخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم أو يتابعه أحد إلى ما هو عليه (وقال موسى بن عقبة) سمعت من أرضى يحدث عن زيد بن عمرو ابن نفيل أنه كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول الشاة خلقها الله وانزل لها من السماء ماءًا وأنبت لها من الأرض، لم تذبحوها على غير أسم الله؟ إنكار لذلك وإعظامًا له، وقال يونس ابن إسحاق وقد كان زيد بن عمرو بن نفيل قد عزم على الخروج من مكة فضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم وكانت امرأته صفية بنت الحضرمي كلما أبصرته قد نهض للخروج وأراده آذنت الخطاب بن نفيل، فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الأول دين إبراهيم ويسأل عنه، لم يزل في ذلك فيما يزعمون حتى أتى الموصل والجزيرة كلها، ثم أقبل حتى أتى الشام فجال فيها حتى أتى راهبًا ببيعة من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم النصرانية فيما يزعمون، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم، فقال له الراهب انك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، لقد درس من علمه وذهب من كان يعرفه ولكنه قد أظل خروج نبي وهذا زمانه، وقد كان سام اليهودية والنصرانية فلم يرض شيئًا منها، فخرج سريعًا حين قال له الراهب ما قال يريد مكة حتى إذا كان بأرض لحم عدوا عليه فقتلوه فقالوا ورقة يرثيه بقصيدة منها

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما

تجنبت تنورا من النار حاميًا

بدينك ربًا ليس رب كمثله

وتركك أوثان الطواغي كما هيا

وقال أبو داود الطيالسي حدثنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوى عن أبيه عن جده أن زيد بن عمرو وورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل فقال لزيد بن عمرو من أين أقبلت يا صاحب البعير؟ فقال من بنية ابراهيم، فقال وما تلتمس؟ قال التمس الدين، قال ارجع فإنه يوشك أن يظهر في أرضك فرجع وهو يقول

لبيك حجًا حقًا، تعبدا ورقا، البر أبغى لا أنحال، فهل مهجر كمن قال

(قلت قوله لبيك حجًا حقًا تبعد ورقا: كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان، فمن أنس بن مالك قال كانت تلبية النبي صلى الله عليه وسلم (لبيك حجًا حقًا تعبدا ورقا) رواه البزار مرفوعًا وموقوفًا ولم يسم شيخه في المرفوع، ومعنى قوله فهل من مهجركمن قال أي هل من سار في القائلة: وهي شدة الحر كن أقام في العائلة: ثم قال آمنت بما آمن به إبراهيم وهو يقول.

إنني لك عان راغم

مهما تجشمني فإني جاشم

ثم يخر فيسجد، قال وجاء ابنه يعني سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه فقال يا رسول الله أن أبي كما رأيت وكما بلغك فاستغفر له، قال نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة واحدة (وقال محمد ابن سعد) حدثنا محمد بن عمرو وحدثني أبو بكر بن أبي سبرة عن موسى بن ميسرة عن ابن أبي مليكة عن حجر بن إهاب قال رأيت زيد بن عمرو وأنا عند صنم بوانة بعد ما رجع من الشام وهو يراقب الشمس فإذا زالت استقبل فصلى ركعة سجدتين ثم يقول هذه قبلة إبراهيم وإسماعيل لا أعبد حجرًا ولا أصلي له ولا آكل ما ذبح ولا أستقسم الأزلام، وإنما أصلي لهذا البيت حتى أموت، وكان يحج فيقف

ص: 172

.

بمعرفة، وكان يلي فيقول لبيك لا شريك لك ولا ند لك، ثم يدفع من عرفة ما شيًا وهو يقول لبيك متبعدًا مروقًا (وقال الواقدي) حدثني علي بن عيسى الحكمي عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال سمعت زيد ابن عمرو بن نفيل يقول أنا انتظر نبيًا من ولد إسماعيل ثم من بني عبد المطلب ولا أراني أدركه، وأنا أمن به وأصدقه واشهد أنه نبي، فإن طالت بك مدة فرأيته فاقرئه منى السلام وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفي عليك، قلت هلم: قال هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير ولا بكثير الشعر ولا بقليله وليست تفارق عينه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه ثم يخرجه قومه منها ويكرهون ما جاء به حتى يهاجر إلى يثرب فيظهر أمره، فأياك أن تخدع عنه فإني طفت البلاد كلها اطلب دين إبراهيم فكان من أسأل من اليهود والنصارى والمجوس يقولون هذا الدين وراءك وينعتونه مثل ما نعته لك ويقولون لم يبقى نبي غيره (قال عامر بن ربيعة) فلما أسلمت أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم قول زيد بن عمرو واقرائه منه السلام فرد عليه السلام وترحم عليه وقال قد رأيته في الجنة يسحب ذيولًا (أي يجر ذيول الحلل التي يكسوه الله إياها في الجنة تبخترًا وفخرا)(وقال الباغندى) عن أبي سعيد الأشج عن أبي معاوية عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل دوحتين (أي شجرتين عظيمتين) قال الحافظ ابن كثير وهذا إسناد جيد وليس هو في شيء من الكتب، ومن شعره في التوحيد ما حكاه محمد بن إسحاق والزبير بن بكار وغيرهما

وأسلمت وجهي لمن أسلمت

له الأرض تحمل صخرًا ثقالًا

دحاها فلما استوت شدها

سواءا وأرسى عليها الجبالًا

وأسلمت وجهي لمن أسلمت

له المزن تحمل عذبًا زلالا

إذا هي سيقت إلى بلدة

أطاعت فصبت عليها سجالًا

وأسلمت وجهي لمن أسلمت

له الريح تصرف حالًا فحالًا

(وروى ابن أبي شيبة) قال حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن مجاهد عن الشعبي عن جابر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد بن عمرو بن نفيل أنه كان يستقبل القبلة في الجاهلية ويقول ألا هي إله ابراهيم وديني دين إبراهيم ويسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يحشر ذاك أمة وحدة، بيني وبين عيسى بن مريم: قال الحافظ ابن كثير اسناده جيد حسن (وقال الواقدى) حدثني موسى بن شيبة عن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك قال سمعت سعيد بن المسيب يذكر زيد بن عمرو بن نفيل فقال توفى وقريس تبنى الكعبة قبل أن ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين، ولقد نزل به وإنه ليقول أنا على دين إبراهيم فأسلم ابنه سعيد بن زيد وابتع رسول الله صلى الله عليه وسلم واتى عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن زيد بن عمرو بن نفيل فقال غفر الله له ورحمة فإنه مات على دين إبراهيم، قال فكان المسلمون بعد ذلك اليوم لا يذكره ذاكر منهم إلا ترحم عليه واستغفر له، ثم يقول سعيد بن المسيب رحمة الله وغفر له (وقال محمد بن سعد) عن الواقدى حدثني زكريا بن يحيى السعدي عن أبيه قال ما زيد بن عمرو بن نفيل بمكة ودفن بأصل حراء، وقد تقدم أنه مات بأرض البلقاء من الشام لما عدا عليه قوم من بني لحم فقتلوه بمكان يقال له بيفعه والله أعلم انتهى ملخصًا من البداية والنهاية في التاريخ للحافظ ابن كثير

ص: 173

(باب ما جاء في ورقة بن نوفل بن عم خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهما). (عن عائشة رضي الله عنها (1) أن خديجة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورقة بن نوفل (2) فقال قد رأيته في المنام فرأيت عليه ثياب بياض فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بياض (3)

(باب)(1)(سنده) حدثنا حسن بن موسى ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الأسود عن عروة عن عائشة إلخ.

(2)

هو ابن عم خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره عبادة الأوثان في زمان الفترة، ولذلك خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين، فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر وكان لقى من بقى من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل، ولهذا أخبر بشأن النبي صلى الله عليه وسلم والبشارة به إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل

(3)

معناه أنه من أهل الجنة لأنه شهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة كما سيأتي في ترجمته (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام أحمد ورجاله ثقات وأن كان في اسناده ابن لهيعة فقد صرح بالتحديث فالحديث حسن، وأورده الحافظ في الاصابة وعزاء للإمام أحمد فقط في ترجمة ورقة بن نوفل ولم يتعقبه بشيء واليك ترجمة ورقة بن نوفل نقلا عن الإصابة للحافظ ابن حجر العسقلاني (قال رحمة الله تعالى) ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي ابن عم خديجة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكره الطبري والغوى وابن قانع وابن السكن وغيرهم في الصحابة، وأورد واكلهم من طريق روح بن مسافر أحد الضعفاء عن الأعمش عن عبد الله بن عبد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن ورقة بن نوفال وقال قلت يا محمد كيف يأتيك الذي يأتيك؟ قال ياتيتي من السماء، جناحاه لؤلؤ وباطن أخضر (قال ابن عساكر) لم يسمع ابن عباس من ورقة ولا أعرف أحدًا قال إنه أسلم، وقد غاير الطبري بين صاحب هذا الحديث وبين ورقة بن نوفل الأسدي لكن القصة مقاربة لقصة ورقة التي في الصحيحين من طريق الزهري عن عروة عن عائشة أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث في مجييء جبريل بحراء وفيه فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن عم خديجة وكان تنصر في الجاهلية الحديث (وفيه) فقال ورقة هذا الناموس الذي أنزل على موسى ياليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًا حين يخرجك قومك، وفي آخره ولم ينشب ورقة بن أن توفى، فهذا ظاهرة أنه أقر بنبوته ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام فيكون مثل بحيرا، وفي إثبات الصحبة له نظر، لكن في زيادات المغازي من رواية يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال يونس بن بكير عن يونس بن عمرو وهو ابن أبي إسحاق السبيعي عن أبيه عن جده عن أبي ميسرة واسمه عمرو بن شرحبيل وهو من كبار التابعين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة أني إذا خلوت وحدي سمعت نداءًا فقد والله خشيت على نفسي، فقالت معاذ الله ما كان الله ليفعل بك، فوالله انك لتؤدي الأمانة الحديث، فقال له ورقة أبشر ثم أبشر فإنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى وأنك نبي مرسل وأنك سوف تؤمر بالجهاد بعد يومك هذا وإن يدركني ذلك لا جاهدن معك، فلما توفى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب الحرير لأنه آمن بي وصدقني، وقد أخرجه البيهقي في الدلائل من هذا الوجه وقال هذا منقطع (قال الحافظ) يعضده ما أخرجه الزبير بن بكار حدثنا عثمان عن الضحاك بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عروة بن الزبير قال كان بلال لجارية من بني جمج وكانوا يعذبونه برمضاء

ص: 174

(كتاب سيرة أول النبيين وخاتم المرسلين نبينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود إليه وشمائله وفضائله إلى أن لحق بالرفيق الأعلى وهو ثلاثة أقسام (القسم الأول من ابتداء نسبه الشريف ومولده إلى هجرته من مكة إلى المدينة)(باب ذكر نسبة الشريف وطيبة أصله المنيف)(وعن وائلة بن الأسقع)(1) أن

مكة يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشكر فيقول أحد أحد، فيمر به ورقة وهو على تلك الحال فيقول أحد أحد يا بلال والله لئن قتلتموه لاتخذنه حنانًا وهذا مرسل جيد يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام حتى أسلم بلال "والجمع بين هذا وبين حديث عائشة أن يحمل قوله ولم ينشب ورقة أن توفى أي قبل أن يشتهر الإسلام ريؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد، لكن يعكر على ذلك ما أخرجه محمد بن عائذ في المغازي من طريق عثمان بن عطا، الخراساني عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس في قصة ابتداء الوحي وفيها قصة خديجة مع ورقة بنحو حديث عائشة، وفي آخرها لئن كان هو، ثم أظهر دعاءه وأنا حيى لآبلين الله من نفس في طاعة رسوله وحسن مؤازرته فمات ورقة على نصرانيته، كذا قال لكن عثمان ضعيف (وقال الزبير) كان ورقة قد كره عيادة الأوثان وطلب الدين في الآفاق وقرأ الكتب وكانت خديجة تسأله عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول لها ما أراه إلا نبي هذه الأمة الذي بشر به موسى وعيسى (وفي الغازي الكبرى لابن إسحاق) وساقة الحاكم من طريقه قال حدثني عبد الله ابن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن حارثة الثقفي وكان واعية قال قال ورقة بن نوفل فيما كانت خديجة ذكرت له من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا للرجال وصرف الدهر والقدر) الأبيات وفيها

(هذى خديجة تأتيني لأخبرها. وما لنا يخفي الغيب من خبر. بأن أحمد يأتيه فيخبره)

(جبريل أنك مبعوث إلى البشر. فقلت هل الذي ترجين ينجزه. له الآلة فرجى الخير وانتظري)

وأخرج بن عدى في الكامل من طريق اسماعيل بن مجالد عن أبيه عن الشعبي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ورقة في بطنان الجنة عليه السندس، قال ابن عدى تفرد به إسماعيل عن أبيه (قال الحافظ) قد أخرجه ابن السكن من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن مجالد لكن لفظه (رأيت ورقة على نهر من أنهار الجنة لأنه كان يقول ديني دين زيد (يعني ابن عمرو بن نفيل) وإلا هي إله زيد، وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شبيه في تاريخه من هذا الوجه، وأخرج البزار من طريق أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب ورقة، وهو في وزيادات المغازي ليونس بن بكير أخرجه عن هشام بن عروة عن أبيه قال ساب أخ لورقة رجلًا فتناول الرجل ورقة فسبه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال هل علمت أني رأيت لورقة جنة أو جنتين فنهى عن سبه (وأخرجه البزار) من طريق أبي أسامة عن هشام مرسلًا (وأخرج أحمد) من طريق ابن لهيعة فذكر حديث الباب بسنده واختتم به الترجمة عفر الله لنا وله ولكافة المسلمين (قلت) وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل فقال ببعث يوم القيامة أمه وحده: أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (باب)(1)(سنده) حدثنا محمد بن مصعب قال ثنا الأوزاعي عن شداد أني عمار عن واثلة

ص: 175

النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الله عز وجل أصطفى من ولد إبراهيم (1) إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة (2) واصطفى من بني كنانة قريشًا (3) واصطفى من قريش بني هاشم (4) واصطفاني من بني هاشم (5)(عن عبد المطلب بن ربيعة)(6) بن الحارث بن عبد المطلب قال أتى ناس من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا لنسمع من قومك حتى يقول القائل منهم إنما مثل محمد مثل نخلة نبتت في كباء (7) قال حسين الكبا، الكناسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها الناس من أنا؟ قالوا أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال فما سمعناه قط يلثمى قبلها (8) ألا أن الله عز وجل خلق خلقه (9) فجعلني من خير خلقه، ثم فرقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين

ابن الأسقع الخ (وله طريق أخرى) قال حدثنا أبو المغيرة قال ثنا الأوزاعي بالسند المتقدم عن وائلة ابن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اصطفى كنانة من بني إسماعيل واصطفى من بني كنانة قريشا الخ (غريبه)(1) كانوا ثلاثة عشر اختار الله منهم واستخلص إسماعيل إلخ. (2) بكسر الكاف عدة قبائل أبوهم كنانة ابن خزيمة من ولد إسماعيل، ففيه فضل إسماعيل عليه السلام على جميع ولد إبراهيم حتى أسحق عليه السلام ولا يعارضه (وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين) فقد قال تعالى في أية أخرى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض)(3) وهم أولاد نضر بن كنانة كانوا تفرقوا في البلاد فجمعهم قصى بن كلاب في مكة فسموا قريشًا لأنه قرشهم أي جمعهم، ولكنانة ولد سوى النضر وهم لا يسمون قريشًا لأنهم لم يقرشوا (4) هاشم بن عبد مناف. (5) فإنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، ومعنى الإصطفاء والخيرة في هذه القبائل ليس باعتبار الديانة، بل باعتبار الخصالة الحميدة، وفيه أن غير قريش من العرب ليس كفؤا لهم ولا غير بني هاشم كفؤا لهم أي إلا بني المطلب وهو مذهب الشافعية (قال ابن تيمية) وقد أفاد الخبر أن العرب أفضل من جنس العجم وأن قريشًا أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم: فهو أفضل الناس نفسًا ونسبًا، وليس فضل العرب فقريش فبني هاشم لكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم وأن كل هذا من الفضل: بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك يثبت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أفضل نفسًا ونسبًا، وإلا لزم الدور (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث صحيح وأخرج الطريق الثانية مسلم (6)(سنده) حدثنا حسين بن محمد حدثنا يزيد بن عطاء عن يزيد عن عبد الله بن الحارث ابن نوفل عن عبد الطلب بن ربيعة إلخ (غريبة)(7) بكسر الكاف وجاء في المسند بالمد آخره همزة وجاء في غيره مقصورًا وقد فسر حسين بن محمد شيخ الإمام أحمد بالكناسة، قال في النهاية الكبا والكبة (بكسر الكاف في الأولى وضمها في الثانية مع تخفيف الموحدة) هي الكناسة والتراب الذي يكنس من البيت (قلت) والمعنى أنهم- طعنوا في حسب النبي صلى الله عليه وسلم (8) معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يفتخر بآبائه قبل هذه الرابعة، وإنما حمله على ذلك رد قول المفترين ولإفادة الكفاءة والقيام بشكر النعم، أما نهيه صلى الله عليه وسلم عن التفاخر بالآباء فموضعه مفاخرة تفضي إلى التكبر أو احتقار مسلم (9) أي الإنس والجن (فجعلني من غير خلقه) وهم الأنس، ثم فرق الإنس فرقتين عربًا وعجمًا فجعلني من خير الفرقتين يعني العرب ثم جعل

ص: 176

ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة ثم جعلهم بيوتًا (1) فجعلني من خيرهم بيتا (2) وأنا خيركم بيتاً (3) وخيركم نفسًا (4) صلى الله عليه وسلم (عن مسلم بن هيضم)(5) عن الأشعث بن قيس قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد لا يرون أني أفضلهم، فقلت يا رسول الله أننا نزعم أنكم منا، قال نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا (6) ولا نلتقي من أبينا (7) قال فكان الأشعث يقول لا أوتي برجل نفى قريشًا من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد (8).

العرب قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة (يعني قريشًا)(1) أي بطونًا (2) يعني بطن بني هاشم (3) أي أصلا إذ جئت من طيب إلى طيب عبد الله بنكاح لا سفاح (4) أي روحًا وذاتا إذ جعلني الله نبيًا رسولًا خاتمًا للرسل صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(مذ) من طريق عبد الله بن الحارث عن عبد المطلب ابن أبي وداعة قال جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه وقال حديث حسن صحيح غريب وللترمذي أيضًا طريق أخرى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب فذكر نحوه وقال هذا حديث حسن (5)(سند) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا حماد بن سلمة عن عقيل بن طلحة بن هيضم عن الأشعث بن قيس الخ (غريبة)(6) أي لا نتهمها ولا نقذفها يقال قفا فلان فلانًا إذا قذفه بما ليس فيه، وقيل معناه لا نترك النسب إلى الآباء وننتسب إلى الأمهات (7) معناه لا تنتسب إلى رجل غير أبينا، وفي الصحيح أن من أعظم الفرسى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه (8) يعني حد القذف (تخريجه)(جه) وقال البوصيرى في زوائد ابن ماجه هذا إسناد صحيح رجاله ثقات لأن عقيل بن طلحة وثقه ابن معين والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد على شرط مسلم والله أعلم اهـ (قلت) وروى نحوه البيهقي في الدلائل بسنده من طريق مالك بن أنس عن الزهري عن أنس بو عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وزاد قال وخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرها فأخرجت من بين أبوى فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي فأنا خيركم نفسًا وخيركم أبًا: وفي إسناده ضعف وله شواهد تعضده (وفي شرح السنة) ذكر هذا النسب من عبد الله إلى عدنان، قال ولا يصح حفظ النسب فوق عدنان أهـ (قلت) وسأذكر تراجم رجال هذا النسب الشريف واحدًا واحدًا مبتدئًا بعبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم ثم عبد المطلب وهكذا إلى عدنان فاقول (ترجمة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم هو عبد الله بن عبد المطلب وكان أصغر أولاده وأحبهم إليه وهو الذبيح الثاني المفدى بمائة من الإبل نحرها عبد المطلب وتركها للناس لا يصد عنها إنسان فقد روى الحاكم بسنده عن عبد الله بن سعيد الصنابحي قال حضرنا بمجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكرنا إسماعيل وإسحاق أبني إبراهيم، فقال بعضهم الذبيح، فقال معاوية سقطتم على الخبير، كمنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه الأعرابي فقال يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابسًا هلك المال وضاع العيال فعد على بما أفاء الله عليك يا بن الذبيحين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم

ص: 177

_________

ينكر عليه، فقلنا يا أمير المؤمنين وما الذبيحان؟ فقال أن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر الله أن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا أرض ربك وافد ابنك، قال ففداه بمائة ناقة قال فهو الذبيح وإسماعيل الثاني (قال الزهري) وكان أجمل رجال قريش وهو أخو الحارث والزبير وحمزة وضرار وأبي طالب، واسمه عبد الله مناف. وأبي لهب وأسمه عبد العزى. والمقوم واسمه عبد الكعبة وقيل هما اثنان، وحجل واسمه المغيرة والغيداق وهو كبير الجود واسمه نوفل، ويقال إنه حجل فؤلاء أعمامه عليه الصلاة والسلام (وعماته) سمت، وهن أروى وبرة وصفية وعاتكة وأم حكيم وهي البيضاء كلهم أولاد عبد المطلب (ترجمة عبد المطلب) أسمه شيبة يقال لشيبة كانت في رأسه، ويقال له شيبة الحمد لجوده، وإنما قيل له عبد المطلب لأن أباه هاشمًا لما مر بالمدينة في تجارته إلى الشام نزل على عمرو بن زيد بن لبيد بن حرام ابن خداس بن خندق بن عدى بن النجار الخزرجي النجاري وكان سيد قومه فاعجبته ابنته سلمى فخطبها إلى أبيها فزوجها منه واشترط عليه مقامها عنده، وقيل بل اشترط عليه أن لا تلد إلا عنده بالمدينة فلما رجع من الشام بي بها وأخذها معه إلى مكة، فلما خرج في تجارة أخذها معه وهي حبلى فتركها بالمدينة ودخل الشام فمات بغزة، ووضعت سلمى ولدها فسمته شيبة، فأقام عند اخواله بني عدي بن النجار سبع سنين ثم جاء عمه المطلب بن عبد مناف فأخذه خفية من أمه فذهب به إلى مكة، فلما رآه الناس ورأوه على الراحلة قالوا من هذا معك؟ فقال عبدي، ثم جاءوا فهنؤوه به وجعلوا يقولون له عبد المطلب لذلك، فغلب عليه، وساد في قريش سيادة عظيمة وذهب بشرفهم ورأستهم، فكان جماع أمرهم عليه وكانت إليه السقاية والرفادة بعد المطلب، وهو الذي جدد حفر زمزم بعد ما كانت مطمومة من عهد جرهم وهو أو من طلى الكعبة بذهب في أبوابها من تينك الغزالتين اللتين من ذهب وجدهما في زمزم مع تلك الأسياف القلعية، قال ابن هشام وعبد المطلب أخو أسد وفضلة وأبي صيفي وحية وخالدة وراقية والشفا وضعيفة كلهم أولاد هاشم (ترجمة هاشم) اسمه عمرو وإنما سمى هاشمًا لهشمه الثريد مع اللحم لقومه في سنى المحل أي الجدب كمال قال مطرود بن كعب الخزاعي في قصيدة، وقيل للزبعرى والدعبة الله

(عمرو الذي هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف)

(سنت إليه الرحلتان كلاهما

سفر الشتاء ورحلة الأصياف)

وذلك لأنه أول من سن رحلتي الشتاء والصيف، وكان أكبر ولد أبيه، وحكى ابن جرير أنه كان توأم أخيه عبد شمس وأن هاشمًا خرج ورجله ملتصقة برأس عبد شمس فما تخلصت حتى سال بينهما دم فقال الناس لذلك يكون بين أولادهما حروب فكانت وقعة بني العباس مع بني أمية ابن عبد شمس سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة، وشقيقهم الثالث المطلب وكان المطلب أصغر ولد أبيه وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال، ورابعهم نوفل من أم أخرى، وهي واقده بنت عمرو المازنية، وكانوا قد سادوا قومهم بعد أبيهم وصارت إليهم الرياسة: وكان يقال لهم المجيرون، وذلك لأنهم أخذوا لقومهم قريش الأمان من ملوك الاقاليم ليدخلوا في التجارات إلى بلادهم فكان هاشم قد أخذ أمانًا من ملوك الشام والروم وغسان وأخذ لهم عبد شمس من النجاشي الأكبر ملك الحبشة، وأخذ لهم نوفل من الأكاسرة، وأخذ لهم المطلب أمانًا من الملوك حمير ولهم يقول الشاعر:

(يا أيها الرجل المحول رحله

هلا نزل بآل عبد مناف)

ص: 178

.

وكان إلى هاشم السقاية والرفادة بعد أبيه، وإليه وإلى أخيه المطلب نسب ذوي القربى، وقد كانوا شيئًا واحد في حالتي الجاهلية والإسلام لم يفترقوا، ودخلوا معهم في الشعب وانخدل عنهم بنو عبد شمس ونوفل ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته:

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا

عقوبة شر عاجلًا غير آجل

ولا يعرف بنو أب تباينو في الوفاة مثلهم، فإن هاشمًا مات بغزة من أرض الشام، وعبد شمس مات بمكة ونوفل مات بسلامان من أرض العراق، ومات المطلب وكان يقال له القمر لحسنه بريمان من طريق اليمن، فهؤلاء الأخوة الأربعة المشاهير، وهم هاشم وعبد شمس ونوفل والمطلب، ولهم أخ خامس ليس بمشهر وهو أبو عمرو واسمه عبد: وأصل أسمه (عبد قصي) فقال الناس عبد بن قصي درج ولا عقب له (قال الزبير بن بكار) وغيره (وأخوات ست) وهن تماضر وحية وربطه وقلابه وام الأحثم وأم سفيان كل هؤلاء أولاد عبد مناف (ترجمة عبد مناف) مناف اسم صنم، وأصل اسم عبد مناف المغيرة، وكان قد رأس في زمن والده وذهب به الشرف كل مذهب، وهو أخو عبد الدار الذي كان أكبر ولد أبيه وإليه أوصى بالمناصب، وعبد العزى، وعبد. وبرة ونخمر. وأمهم كلهم حبى بنت حليل بن حبشي بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي، وأبوها آخر ملوك خزاعة وولاة البيت منهم وكلهم أولاد قصى (ترجمة قصي) أسمه زيد وإنما سمي بذلك لأنه أمه تزوجت بعد أبيه بربيعة بن حزام بن عذرة فسافر بها إلى بلاده وابنها صغيرة فسمى قصيًا لذلك أي بعيدًا، لأنه بعد عنه قومه في بلاد قضاعة، ثم عاد إلى مكة وهو كبير ولم شعث قريش وجمعها من متفرقات البلاد وازاح يد خزاعة عن البيت واجلاهم عن مكة، ورجع الحق إلى نصابه وصار رئيس قريش على الإطلاق، وكانت إليه الرفادة والسقاية وهو سنها والسدانة والحجابة واللواء وداره دار الندوة ولهذا قال الشاعر:

قصي لعمري كان يدعى مجمعًا

به جمع الله القبائل من فهر

وهو أخو زهرة كلاهما أولاد كلاب (ترجمة كلاب) كلاب بكسر الكاف والتخفيف منقول من المصدر بمعنى المكالبة، أو من الكلاب جمع كلب لقب به لحبه للصيد، اسمه حكيم أو حكيمة أو عروة وكنيته أبو زرعة، وهو أول من حلئ السيوف بالنقد وهو أخو تيم ويقظه، ويكنى بابي مخزوم ثلاثتهم ابناه مرة (ترجمة مرة) مرة بضم الميم كنيته أبو يقظة وهو أخو عدى وهصيص وهم أبناء كعب (ترجمة كعب) كعب كنيته أبو هصيص وهو أول من قال أما بعد، وأول من جمع يوم العروبة يعني الجمعة كان يجمع قريشًا يومها فيخطبهم ويذكرهم ويبشرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من ولده وينشد في ذلك أشعارًا، وهو أخو عامر وسامة وخزيمة وسعد والحارث وعوف سبعتهم أولاد لؤي (ترجمة لؤي) لؤي بضم اللام وهمزة وتسهل وهو اخوتيم الأدرم (وهما ابنا غالب) وغالب أخو الحارث ومحارب (ثلاثتهم أبناء فهر) بكسر الفاء وسكون الهاء اسمه قريش وإليه ينسب قريش فما كان فوقه فكناني، وفهر أخو الحارث (وكلاهما ابنا مالك) اسم فاعل من ملك يملك يكني ابا الحارث وهو أخو الصلت ومخلد (وهم بنوالنضر) بفتح فسكون اسمه قيس لقب به النضارة بوجهه وجماله ويكني أبا مخلد أو عبد المطلب: رأى في منامه شجرة خضراء خرجت من ظهره ولها أغصان نور من نور فجذبت إلى السماء فأولت بالعز والسؤدد، وهو أخو مالك، وملكان وعبد مناة وغيرهم

ص: 179

_________

(كلهم أولاد كنانة) كنانة لقب به لأنه كان سترًا على قومه كالكنانة أو الجمعة الساترة للسهام لأنه كان عظيم القدر يحج إليه العرب لعلمه وفضله وهو أخو أسد وأسدة والهون (كلهم أولاد خزيمة) تصغير خزمة يكني أبا أسد له مكارم وأفضال كثيرة وهو أخو هذيل (وهما ابنا مدركة) بضم فسكون اسمه عمرو، وحكى الرشاطي عليه الإجماع وكنيته أبو هذيل لقب به لأنه أدرك أرنبا عجز عنها رفقاؤه وهو أخو طابخة واسمه عامر وقميعة (ثلاثتهم أبناء الياس) بكسر الهمزة، وبفتحها ولامه للتعريف وهمزته للوصل عند الأكثر، كنيته أبو عمرو وهو أول من أهدى البدن للبيت، قيل وكان يسمع في صلبيه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم بالحج، ولما مات أسفت زوجته خندف عليه فنذرت لا تقيم ببلد مات فيه ولا يظلها سقف وحرمت الرجال والطيب وخرجت سائحة حتى ماتت فضرب بها المثل، والياس أخو غيلان والد قيس كلها (وهما ولدا مضر) بضم ففتح معدول عن ماضر أسمه عمرو، ومن كلامه من يزرع شرًا يحصده وخير الخير أعجله، واحملوا أنفسكم على مكروهها فيما يصلحها، واصرفوها عن هواها فيما يفسدها وكانت له فراسة وقيافة، وهو أخو ربيعة ويقال لهما الصريحان من ولد إسماعيل وأخوهما أنمار وأياد تيامنا (أربعتهم أبناء نزار) بكسر النون والتخفيف قيل إن أباه حين ولد نظر إلى نور النبوة بين عينيه ففرح به وأطعم كثيرا، وهو أخو قضاعة في قول طائفة ممن ذهب إلى أن قضاعة حجازيه عدنانية (وكلاهما أبناء معد) بفتح الميم والعين المهملة وتشديد الدال المهلمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم كان عمره زمن يختنصر ثنتى عشرة سنة، وقد ذكر أبو جعفر الطبري وغيره أن الله تعالى أوحى في ذلك الزمان إلى أرمياء بن حلقيا أن اذهب إلى يختنصر فأعلمه أنى قد سلطته على العرب، وأمر الله أرمياء أن يحمل معه معد بن عدنان على البراق كي لا تصيبه النقمة فيهم فإني مستخرخ من صلة نبيا كريمًا أختم به الرسل، ففعل أرمياء ذلك واحتمل معدًا على البراق إلى أرض الشام فنشأ مع بني إسرائيل ممن بقى منهم بعد خراب بيت المقدس، وتزوج هناك امرأة اسمها معانة بنت جرشن من بني دب بن جرهم قبل أن يرجع إلى بلاده، ثم عاد بعد أن هدأت الفتن وتمحضت جزيرة العرب، وكان رخيا كاتب ارميا قد كتب نسبه في كتاب عنده ليكون في خزانة أرمياء فيحفظ نسب معد كذلك والله أعلم (وهو ابن عدنان)(قال الحافظ ابن كثير في تاريخه) بعد ذكر هذا النسب (قال) وهذا النسب بهذه الصفة لا خلاف فيه بين العلماء فجميع قبائل عرب الحجاز ينتهون إلى هذا النسب، ولهذا قال ابن عباس وغيره في قوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى) لم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نسب يتصل بهم وصدق ابن عباس فيما قال وأزيد مما قال، وذلك أن جميع قبائل العرب العدنانية تنتهي أليه بالأباء، وكثير منهم بالأمهات أيضًا كما ذكره محمد بن إسحاق وغيره في أمهاته وأمهات أبائه وأمهاتهم ما يطول ذكره انتهى (قلت) ولا خلاف عدنان من سلالة إسماعيل بن إبراهيم (واختلفوا في عدة الأباء) بينه وبين إسماعيل على أقوال كثيرة فأكثر ما قيل أربعون، وأقل ما قيل في ذلك أربعة وجاء في هذا الأخير حديث مرفوع في المستدرك للحاكم عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول معد بن عدنان ابن أدد بن زندين البراء بن أعرق الثرى، قالت ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (أهلك عادا وثمود وأصحاب الرس وقرونًا بين ذلك كثيرا لا يعلمهم إلا الله) قالت وأعراق الثرى إسماعيل عليه السلام وزند مبسع وبراء نبت (قلت) وصححه الحاكم وأقره الذهبي، ورواه أيضًا موسى بن يعقوب بسنده عن أم سلمة

ص: 180

(باب ما جاء في بعض فضائله صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين لا نبي بعده)

(عن العرباض بن سارية)(1) السلمى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم يقول إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين (2) وأن آدم لمنجدل في طينته (3) وسأنبئكم بتأويل ذلك دعوة أبي إبراهيم (4) وبشارة عيسى قومه (5) ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله عليهم (عن عبد الله بن شقيق)(6) عن ميسرة الفجر قال قلت يا رسول الله متى كنت (وفي لفظ جعلت) نبيا؟ قال وآدم عليه السلام بين الروح والجسد (عن حذيفة)(خط)(7) أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال معد بن عدنان بن ادد بن زند بن اليرى (هكذا) بن أعراق الثرى قالت أمي سلمة فوند هو الهميسع واليرى هو نابت وأعراق الثرى هو إسماعيل لأنه ابن إبراهيم، وإبراهيم لم تأكله النار كما أن النار لا تأكل الثرى (قال السهيلي) وإنما تكلمنا في رفع هذه الأنساب على مذهب من يرى ذلك ولم يكرهه كابن إسحاق والبخاري والزبير بن بكار والطبري وغيرهم، وأما مالك رحمة الله فقد سئل عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك وقال من أين له علم ذلك، فقيل له فالي إسماعيل فانكر ذلك أيضًا وقال من يخبره به (قال أبو عمر بن عبد البر) رحمة الله والمعنى عندنا في هذا غير ما ذهبوا إليه، والمراد أن من ادعى احصاء بني آدم فإنهم لا يعلمهم إلا الله الذي خلقهم، وأما أنساب العرب فإن أهل العلم بأيامها وأنسابها قد وعوا وحفظوا جماهيرها وأمهات قبائلها، واختلفوا في بعض فروع ذلك (قال) والذي عليه أئمة هذا الشأن في نسب عدنان قالوا عدنان بن اددبن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب ابن يشخب بن ثابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما، السلام وهكذا ذكره محمد بن إسحاق في السيرة والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع ثنا أبو بكر عن سعيد عن سويد عن العرباض بن سارية الخ (غريبة)(2) جاء ذلك في كتاب الله عز وجل قال تعالى (ما كان محمدًا أبا أحدًا من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)(3) أي ملقى على الجدالة وهي الأرض أي قبل أن ينفخ فيه الروح (4) يعني قوله في كتاب الله عز وجل (ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم (أي من العرب) يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) (5) يعني قوله في كتاب الله عز وجل أيضًا (وإذا قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي أسمه أحمد) والمعنى أنه أراد بدء أمره بين الناس واشتهار ذكره فذكر دعوى إبراهيم الذي تنسب إليه العرب وكان يشاركه في هذا الدعاء ابنه إسماعيل ولم يوجد نبي من العرب بعد إسماعيل سوى نبينا صلى الله عليه وسلم ثم بشرى عيسى الذي هو خاتم أنبياء بني إسرائيل ويستفاد من هذا أن من بينهما من الأنبياء بشروا به أيضًا، أما في الملأ الأعلى فقد كان أمره مشهورًا مذكورًا معلومًا من قبل خلق آدم عليه السلام (تخريجه)(ك) وصححه وأقره الذهبي (6)(سنده) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا منصور بن سعد عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر إلخ (تخريجه) رواه الهيثمي وقال رواه (حم طب) ورجاله رجال الصحيح (قلت) ويستفاد معناه من الذي قبله (7)(خط) سنده حدثنا علي بن عبد الله ثنا معاذ يعني ابن هشام قال (يعني عبد الله)

ص: 181

قال في أمتي كذابون (1) ودجالون سبعة وعشرون منهم منهم أربع ونسوة وأني خاتم النبيين لانبي بعدي (عن أبي سعيد)(3) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر (4) وأنا أول من تشق عنه الأرض (5) يوم القيامة ولا فخر (6) وأنا أول شافع يوم القيامة (7) ولا فخر (عن أبي بن كعب)(8) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم إذا كان يوم القيامة (9) كنت إمام النبيين وخطيبهم (10) وصاحب شفاعتهم (11) ولا فخر

ابن الإمام أحمد) وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعه منه عن قتادة عن أبي معشر عن إبراهيم النخعي عن همام عن حذيفة (يعني ابن اليمان) أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال في أمتي إلخ (غريبه)(1) صيغة مبالغة من الكذب وهو الخير الغير مطابق للواقع (زاد في رواية كلهم يكذب على الله ورسوله)(ودجالون) أي مكارون منسوبون من الدجل وهو التلبيس مبالغون في الكذب، وأفردهم عن الأولين باعتبار ما قام بهم من المبالغة في الزيادة فيه تنبيها على أنهم النهاية التي لا شيء بعدها، وظاهر هذا أن الدجال إذا جمع أربد به علم الجنس، وإذا أفرد فهو علم شخص (2) فإن قيل ثبت بالأحاديث الصحيحة أن عيسى عليه السلام ينزل آخر الزمان (فالجواب) أن عيسى إذا نزل يحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك ثابت بالأحاديث الصحيحة، وسيأتي الكلام على ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى، وتقدم بعض ذلك في الباب الأخير من أبواب ذكر الأنبياء، وذكريا ويحيى وعيسى في هذا الجزء (تخريجه) رواه الهيثمي وقال رواه (حم طب بز) ورجال البزار رجال الصحيح (3)(سنده) حدثنا هشيم ثنا على بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد (يعني الخدري) إلخ (غريبة)(4) أي أقول ذلك شكرًا لا فخرًا فهو من قبيل قول سليمان (وعلمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء) أي لا أقول ذلك تكبرًا أو تفاخرًا على الناس وإنما قال ذلك التحدث بالنعمة وأعلامًا للامة ليعتقدوا فضله على جميع الأنبياء، وأما خبر لا فتضلوا بين الأنبياء فمعناه تفضيل مفاخرة وتقدم الكلام على ذلك (5) أي أو من يعجل الله أحياءه مبالغة في الأكرام وتعديلًا لجزيل الانعام (6) قال الطيبي قوله ولا فخر حال مؤكدة أي أقول هذا ولا فخر (7) يعني الشفاعة العظمة يوم الموقف، ثم أراد أن يتواضع لربه ويضهم نفسه لئلا يكون لها مزكيًا وبحالها في الشرف والسيادة معجبًا فقال (ولا فخر) أي لا أقوله افتخارًا وتبجحًا بل شكرًا وتحدثًا بالنعمة وأعلامًا للامة (وتخريجه)(مذجة) وقال الترمذي حسن صحيح (قلت) وروى نحوه (م د) عن أبي هريرة (8)(سنده) حدثنا هاشم ابن الحارث حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد ابن عقيل عن الطفيل (يعني بن أبي بن كعب) عن أبيه إلخ (قلت) أبوه أبي بن كعب (غريبة)(9) خصه لكونه يوم ظهور سؤدده (وقوله كنت أمام النبيين) بكسر الهمزة قال القاضي عياض والتوربتشي ولم يصب من فتحها ونصب على الظرفية، وذلك لأنه لما كان أفضل الأولين والآخرين كان أمامهم فهم به مقتدون وتحت لوائه داخلون (10) أي لما خصه الله به من الفصاحة والبلاغة فهو المتكلم بين الناس إذا سكنوا عن الاعتذار فيعتذر لهم عند ربهم فيطلق اللسان بالثناء على الله بما هو أهله، ولم يؤذن لأحد في التكلم غيره (11) أي الشفاعة العامة بينهم، وصاحب الشفاعة لهم ذكره الرافعي في تاريخ قزوين (ولا فخر) تقدم معناه (تخريجه)(مذ جه ك) وصححه الحاكم وأقره الذهبي

ص: 182

.

(تتمة في صفة مولده الشريف مما لم يذكر في مسند الإمام أحمد رحمه الله

تقدم أن عبد المطلب لما ذبح تلك الأبل المائة ولده عبد الله حين كان نذر ذبحه فسلمه الله تعالى لما كان قدر في الأزل من ظهور النبي الأمي خاتم الرسل وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم من صلبه فذهب فزوجه أشرف عقيلة في قريش آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة الزهرية فحين دخل بها أفضى إليها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانت أم قتال رقيقة بنت نوفل أخت ورقة بن نوفل أو سمت ما كان بين عيني عبد الله قبل أن يجامع آمنة من النور فودت أن يكون ذلك متصلًا بها لما كانت تسمع من أخيها من البشارات بوجود محمد صلى الله عليه وسلم وأنه قد أزف زمانه فعرضت نفسها عليه: قال بعضهم ليتزوجها وهو أظهر فامتنع عليها، فلما انتقل ذلك النور الباهر إلى آمنة بمواقعته إياها كأنه تندم على ما كانت عرضت عليه فتعرض لها لتعاوده، فقالت له فارقك النور الذي كان معك بالأمس فليس لي بك حاجة، وكانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر واتبع الكتب أنه كائن في هذه الأمة نبي فطمعت أن يكون منها فجعله الله تعالى في أشرف عنصر وأكرم محتد وأطيب أصل كما قال تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته)، والمقصود أن أمه حين حملت به توفى أبوه عبد الله وهو حمل في بطن أمه على المشهور (قال محمد بن سعد) حدثنا محمد بن عمر هو الواقدى حدثنا موسى بن عبيدة اليزيدي وحدثنا سعيد بن أبي زيد عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال خرج عبد الله بن عبد المطلب إلى الشام إلى غزة في عير من غير قريش يحملون تجارات ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا فمروا بالمدينة وعبد الله بن عبد المطلب يومئذ مريض فقال أتخلف عند إخوالى بن عدي بن النجار، فأقام عندهم مريضًا شهرًا ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبد المطلب عن أبنه عبد الله، فقالوا خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفى ودفن في دار النابغة، فرجع إلى أبيه فأخبره فوجد عليه عبد المطلب وأخوته واخواته وجدًا شديدًا، ورسول الله يومئذ حمل ولعبد الله بن عبد المطلب يوم توفى خمس وعشرون سنة، قال الواقدى هو أثبت الأقاويل في وفاة عبد الله وسنة عندنا (وقال محمد بن إسحاق) فكانت آمنة بنت وهب تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع إلى الأرض فقولي أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ثم سميه محمدًا، ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام، ثم لم يلبث عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هلك وأم رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل (وروى الواقدي) من عدة طرق عن كثير من الصحابة والتابعين أن آمنة بنت وهب قالت لقد علقت به تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وجدت له مشقة حتى وضعته فلما فصل مني خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق إلى المغرب، ثم وقع إلى الأرض معتمدًا على يديه ثم أخذ قبضة من التراب فقبضها ورفع رأسه إلى السماء، وقال بعضهم وقع جاثيًا على ركبتيه وخرج منه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رؤيت أعناق الأبل ببصرى رافعًا رأسه إلى السماء. وروى البيهقى في الدلائل بسنده عن عثمان بن أبي العاص حدثتني أمي أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ولدته قالت فما شيء أنظره في البيت إلا نور، وأني انظر إلى النجوم تدنو حتى أني لأقول ليقعن علي، وذكر القاضي عياض عن الشفا أم عبد الرحمن بن عوف أنها كانت قابلته وأنها أخبرت به حين سقط على يديها واستهل سمعت قائلًا يقول يرحمك الله، وأنه سطع منه نور رؤيت منه

ص: 183

_________

قصور الروم (وقال محمد بن إسحاق) فلما وضعته بعثت إلى عبد المطلب جاريتها فقالت قد ولد لك غلام فانظر إليه، فلما جاءها أخبرته وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما امرت أن تسمية فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة، فقام عبد المطلب يدعو ويشكر الله عز وجل ويقول

(الحمد لله الذي أعطاني، هذا الغلام الطيب الأردان، قد ساد في المهد على الغلمان)

(اعيذه بالبيت ذي الأركان، حتى يكون بلغة الفتيان، حتى أراه بالغ البيان)

(اعيذه من كل ذي شآن، من حاسد مضطرب العنان، ذي همة ليس له عبان)

(حتى أراه رافع اللسان، أنت الذي سميت في القرآن، في كتب ثابتة المثان)

(أحمد مكتوب على اللسان)

(روى البيهقي) بسنده عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختونا مسرورًا، قال فأعجب جده عبد المطلب وحظى عنده وقال ليكونن لأبني هذا شأن، وذكر الحافظ ابن كثير في تاريخه عدة آثار في هذا المعنى وقال فيها كلها نظر، ومعنى مختونًا أي مقطوع الختان ومسرورًا أي مقطوع السرة من بطن أمه: قال وروى الحافظ بن عساكر بسنده عن أبي بكرة أن جبريل ختن النبي صلى الله عليه وسلم حين طهر قلبه: قال وهذا غريب جدًا، وقد روى أن جده عبد المطلب ختنه وعمل له دعوة جمع قريشًا عليها والله أعلم (وروى البيهقي) بسنده عن العباس بن عبد المطلب قال قلت يا رسول الله دعاني إلى الدخول في دينك أمارة نبوتك، رأيتك في المهد تناغي القمر وتشير إليه بإصبعك فحيث أشرت إليه مال، قال إني كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء وأسمع وجبته حين يسجد تحت العرش، ثم قال تفرد به الليثي وهو مجمول (باب ما وقع من الآيات ليلة ملوده صلى الله عليه وسلم (روى الحافظ أبو نعيم) في كتابه دلائل النبوة بسنده عن أبي سعيد الخدري قال سمعت أبي مالك بن سنان يقول جئت بني الأشهل يومًا لأتحدث فيهم ونحن يومئذ في هدنة من الحرب، فسمعت يوشع اليهودي يقول أظل خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم، قال له خليفة بن ثعلبة الأشبلى كالمستهزئ، به ما صفته؟ فقال رجل ليس بالقصير ولا بالطويل في عينيه حمرة يلبس الشملة ويركب الحمار، سيفه على عاتقه وهذا البلد مهاجرة، قال فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع فأسمع رجلا منا يقول ويوشع يقول هذا وجده؟ كل يهود يثرب يقولون هذا، قال أبي مالك بن سنان فخرجت حتى جئت بني قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال الزبير بن باطا قد طلع الكوكب الأحمر الذي لم يطلع إلا لخروج نبي أو ظهوره، ولم يبق أحد إلا أحمد وهذا مهاجرة، قال أبو سعيد فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أبي هذا الخبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أسلم الزبير لأسلم ذووه من رؤساء اليهود إنما هم له تبع (وروى الحافظ أبو نعيم أيضًا) بسنده عن زيد بن ثابت قال كان أحبار يهود بني قريظة والنضير يذكرون صفة النبي صلى الله عليه وسلم فلما طلع الكوكب الأحمر أخبروا بظهور النبي صلى الله عليه وسلم لان نبي بعده واسمه أحمد ومهاجرة إلى يثرب؟ فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أنكروا وحسدوا وكفروا (وقال الحافظ أبو بكر محمد ابن جعفر بن سهل الخرائطي) في كتاب هواتف الجان حدثنا علي بن حرب حدثنا أبو أيوب بعلي بن عمران من آل جرير بن عبد الله البجلى حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وأتت عليه خمسون ومائة سنة قال لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس ايوان كسرى وسقطت فيه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة ورأى الموبذان

ص: 184

_________

إبلا صعابا تقود خيلًا عرابًا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك فتصبر عليه تشجعًا ثم رأي أنه لا يدخر ذلك عن مرازبته فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره ثم بعث إليهم، فلما اجتمعوا عنده قال أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا لا، إلا أن يخبرنا الملك، فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب خمود النيران فازداد غمًا إلى غمه ثم أخبرهم بما رأى وماهاله، فقال الموبذان وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة رؤيا ثم قص عليه رؤياه في الأبل، فقال أي شيء يكون هذا يا موبذان؟ قال حدث يكون في ناحية العرب وكان أعلمهم من أنفسهم، فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجه إليه بعبد المسيح ابن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني، فلما ورد عليه قال له الملك ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ فقال لتخبرني أو ليسألني الملك عما أحب فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلم فأخبره بالذي وجه به إليه فيه، قال علم ذلك عند خال لي يسكن شارف الشام يقال له سطيح، قال فأته فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره، فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح وقد اشفى على الضريح فسلم عليه وكلمه فلم يرد إليه سطيح جوابًا فاستحثه بشعر قاله، فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه: يقول عبد المسيح على جمل مشيح. أتى سطيح وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الايوان وخمود النيران، وؤويا الموبذان رأى ابلا صابا، تقود خيلا عرابا، قد قطعت دجلة، وانشترت في بلادها، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة. وظهر صاحب الهراوة. وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوه، وخمدت نار فارس فليس الشام لسطيح شاماً، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت، ثم قضى سطيح مكانه فنهض عبد المسيح إلى راحلته، فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخربه بما قال له سطيح، فقال كسرى إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكًا كانت أمور وأمور: فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه، ورواه البيهقي من حديث عبد الرحمن بن محمد بن إدريس عن علي ابن حرب الموصلي بنحوه (قال الحافظ ابن كثير في تاريخه) كان آخر ملوكهم الذي سلب منه الملك يزدجر بن شهربار بن ابرويز بن هرمز بن أنو شروان وهو الذي انشق الايوان في زمانه، وكان لأسلافه في الملك ثلاثة آلاف سنة ومائة وأربعون وستون سنة، وكان أول ملوكهم خيومرت بن أميم ابن لاوذ بن سام بن نوح (فصل في أخبار سطيح ونسبة وصفته ومدة عمره ورفاته)(قال الحافظ ابن كثير في تاريخه) أما سطيح هذا فقال الحافظ ابن عساكر في تاريخه هو الربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب بن عدي بن مازن بن الأزد، ويقال الربيع بن مسعود وأمه ردعا بنت سعد بن الحارث الحجورى، وذكر غير ذلك في نسبه، قال وكان يسكن الجابية، ثم روى عن أبي حاتم السجستاني قال سمعت المشيخة منهم أبو عبيدة وغيره قالوا وكان من بعد لقمان بن عاد ولد في زمن سيل العرم، وعاش إلى ملك ذي نواس وذلك نحو من ثلاثين قرنًا وكان مسكنه البحرين، وزعمت عبد القيس أنه منهم، وتزعم الأزد أنه منهم، وأكثر المحدثين يقولون هو الأزد ولا ندرى ممن هو غير أن ولده يقولون أنه من الأزد (وروى عن ابن عباس) أنه قال لم يكن شيء من بني أدم يشبه سطحيًا إنما كان لحمًا على وضم ليس فيه عظم ولا عصب إلا في رأسه وعينيه وكفيه، وكان يطوي كما يطوي الثوب من رجليه إلى عنقه ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه، وقال غيره أنه كان إذا غضب

ص: 185

.

انتفخ وجلس، ثم ذكر ابن عباس أنه قدم مكة فتلقاه جماعة من رؤسائهم منهم عبد شمس وعبد مناف أبناه قصي فامتحنوه في أشياء فأجابهم فيها بالصدق، فسألوه عمان يكون في آخر الزمان؟ فقال خذوا مني ومن إلهام الله إياي، أنتم الآن يا معشر العرب في زمان الهرم سواء بصائركم وبصائر العجم، لا علم عندكم ولا فهم وينشؤ من عقبكم ذو فهم يطلبون أنواع العلم فيكسرون الصم ويتبعون الروم، ويقتلون العجم، يطلبون الغنم، ثم قال والباقي الأبد، والبالغ الأمد. ليخرجن من ذا البلد، نبي مهتد، يهدي إلى الرشد، يرفض يغوث والفند، يبرئ عن عبادة الضدد، يعبد ربا انفرد، ثم يتوفاه الله بخير محمودًا. من الأرض مفقودًا وفي السماء مشهودًا، ثم بلى أمره الصديق إذا قضى صدق، وفي رد الحقوق لا خرق ولا نزق، ثم بلى أمره الحنيف، مجرب غطريف، قد أضاف المضيف، وأحكم التحنيف، ثم ذكر عثمان ومقتله وما يكون بعد ذلك من أيام بني أمية ثم بني العباس وما بعد ذلك من الفتن والملاحم ساقه ابن عساكر بسنده عن ابن عباس بطوله، وقد قدمنا قوله لربيعة بن نصر ملك اليمن حين أخبره برؤياه قبل أن يخبره بها ثم ما يكون في بلاد اليمن من الفتن وتغيير الدول حتى يعود إلى سيف بن ذي يزن فقال له أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع قال بل ينقطع، قال ومن يقطعه؟ قال نبي زكى، يأتيه الوحي من قبل العلى، قال وممن هذا النبي؟ قال من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملكفي قومه إلى آخر الدهر، قال وهل للدهر من آخر؟ قال نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون يسعد فيه المحسنون ويشقى في المسيئون، قال أحق ما تخبرني؟ قال نعم والشفق والغسق، والقمر إذا اتسق، أن ما أنبأتك عليه لحق: ووافقه على ذلك شق سواء بسواء بعبارة أخرى كما تقدم ومن شعر سطيح قوله.

(عليكم بتقوى الله في السر والجهر

ولا تلبسوا صدق الأمانة بالغدر)

(وكانوا لجار الجنب حصنًا وجنة

إذا ما عرته النائبات من الدهر)

وأورد ذلك الحافظ ابن عساكر، ثم أورد ذلك المعافي بن زكريا الجريري فقال وأخبار سطح كثيرة وقد جمعها غير واحد من أهل العلم، والمشهور أنه كان كاهًا وقد أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن نعته ومبعثه (وروى لنا) بإسناد الله أعلم به أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن سطيح فقال نبي ضيقه قومه، (قال الحافظ ابن كثير) أما هذا الحديث فلا أصل له في شيء من كتب الإسلام المعهودة، ولم أره بإسناد أصلا، ويروى مثله في خير خالد بن سنان العبسي ولا يصح أيضًا، وظاهر هذه العبارات تدل على علم جيد لسطيح وفيها روائح التصديق لكنه لم يدرك الإسلام كما قال الجريري، فإنه قد ذكرنا في هذا الأثر أنه قال لابن أخته يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة: وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شامًا، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت ثم قضى سطيح مكانه وكان ذلك بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهر أو شية (أي أقل منه) وكانت وفاته بأطراف الشام مما يلي أرض العراق فالله أعلم بأمره وما صار إليه، وذكر بن طرار الحريري أنه عاش سبعمائة سنة، وقال غيره خمسمائة سنة وقيل ثلاثمائة سنة فالله أعلم (وقد روى ابن عساكر) أن ملكًا سأل سطيحًا عن نسب غلام اختلف فيه فأخبره على الجلية في كلام طويل فصيح مليح فقال له الملك يا سطيح ألا تخبرني عن علمك هذا؟ فقال إن علمي هذا ليس من ولا بجزم ولا بظن، ولكن

ص: 186

(باب ذكر بعض أسمائه الشريفة وأنه أول النبيين وآخرهم وأفضلهم)

(عن محمد بن جبير بن طعم)(1) عن أبيه عن النبي صلى الله علية وعلى آله وصحبه أجمعين وصحبه وسلم قال

أخذته عن أخ لي قد سمع الوحي بطور سيناء: فقال له أرأيت أخاك هذا الجني أهو معك لا يفارقك؟ فقال إنه يزول حيث أزول، ولا أنطق إلا بما يقول، وتقدم أنه ولد هو وشق بن مصعب بن يشكر بن رهم ابن بسرين عقبة السكاهن الأخر ولدًا في يوم واحد فحملًا إلى الكاهنة طريفة بنت الحسين الحميدية فتفلت في أفواههما فو ثامنها الكهانة وماتت من يومها وكان (يعني شقا) نصف إنسان، ويقال إن عبد الله القسرى من سلالته، وقد ماث شق قبل سطيح بدهر أهـ (قلت) جاء في القاموس السطيح القتيل المنبسط كالسطوح والمنبسط البطيء القيام لضعف أو زمانة، والمزادة كالسيحة وكاهن بن ذنب وما كان فيه عظم سوى رأسه اهـ ووجدت بهامشه شيئًا من ترجمة سطيح فيه توضيح بعض ما أجمل هنا وهذا نص ما وجدته بها مش القاموس (قوله وكاهن بني ذئب) كان يتمكبن في الجاهلية وأخبر بمبعثه صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثمائة سنة ومات في أيام أنو شروان بعد مولده صلى الله عليه وسلم سمى بذلك لأنه كان إذا غضب قعد منبسط منسطحًا على الأرض لا يقدر على قيام ولا قعود، وهو خال عبد المسيح بعن عمرو بن بقيلة الغساني والمنسوب أن سطيحًا كان يطوى كما ثطوى الحصيرة وكان يتكلم بكل أعجوبة وكان ابن خالة شق الكاهن الذي كان نصف إنسان فكانت له يد واحدة ورجل واحدة، وكان من أعاجيب الدنيا وولادتهما في يوم واحد وفي ذلك اليوم توفيت طريفة ابنة الخير الحميرية الكاهنة زوجة عمرو مزيقيًا بن عامر ماء السماء ودعت لكل منهما وتفلت في فيه وزعمت أنه سيخلفها في علمها وكهانتها، ثم ماتت من ساعتها ودفنت الجحفة اهـ شارح بزيادة من ابن خلكان (قال الحافظ ابن كثير في تاريخه) حكى السهيلى عن تفسير بقى بن مخلد الحافظ أن إبليس رن أربع رنات، حين لعن، وحين اهبط، وحين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين نزلت الفاتحة، قال محمد بن إسحاق وكان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قالت كان يهودي قد سكن مكة يتجر بها فلما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من قريش يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟ فقال القوم والله ما نعلمه، فقال الله أكبر، أما إذا أخطأتم فلا بأس انظروا واحفظوا ما أقول لكم، ولد هذه الليلة نبي هذه الأمة الأخيرة، بين كتفيه علامة فيها شعرات متواترات كأنهن عرف فرس، لا يرضع ليلتين لأن عفريتًا من الجن أدخل إصبعه في فمه فمنعه الرضاع فتصدع القوم من مجلسهم وهم يتعجبون من قوله وحديثه، فلما صاروا إلى منازلهم أخبر كل إنسان منهم أهله فقالوا قد والله ولد لعبد الله بن عبد المطلب غلام سموه محمدًا، فالتقى القوم فقالوا أهل" سمعتم حديث اليهودي وهل بلغكم مولد هذا الغلام؟ فانطلقوا حتى جاءوا اليهودي فأخبره الخير، قال فاذهبوا علي حتى أنظر إليه، فخرجوا به حتى أدخلوه على آمنة فقالوا أخرجي إلينا ابنك، فأخرجته وكشفوا له عن ظهره فرأى تلك الشامة فوقع اليهودي مغشيًا عليه، فلما أفاق قالوا له مالك ويلك؟ قال قد ذهبت والله النبوة من بني إسرائيل فرحتم بها يا معشر قريش، والله ليسطون بكم سطوة يخرج خبرها من المشرق والمغرب (وروى محمد إسحاق) بسنده عن حسان بن ثابت قال إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان سنين أعقل ما رأيت وسمعت إذا بيهودي في بئر يصرخ ذات غداة يا معشر يهود فاجتمعوا إليه وأنا اسمع، فقالوا ويلك مالك؟ قال قد طلع نجم أحمد الذي يولد به في هذه الليلة (باب)(1)(سنده)

ص: 187

أن لي أسماء (1) أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشرالذي يحشر الناس على قدمى، أنا المحاي الذي يمحي به الكفر (2) وأنا العاقب والعاقب الذي ليس بعده (نبي)(عن أبي موسى الأِعري)(3) قال سمى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء، ومنها ما حفظنا فقال أنا محمد وأمحمد والمقفي (4) والحاشر ونبي الرحمة (5) قال يزيد (6) ونبي التوبة ونبي الملحمة (عن حذيفة)(7) قال بينما أنا أمشي في طريق المدينة أذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فسمعته يقول أنا محمد وأنا أحمد ونبي الرحمة ونبي التوبة والحاشر والمقفي

حدثنا سفيان عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه الخ (غريبة)(1) جاء عند البخاوى بلفظ (إن لي خمسة أسماء) أي موجودة في الكتب السالفة أو مشهورة بين الأمم الماضية أو يعلمها أهل الكتابين أو مختص بها لم يتسم بها أحد قبلي، أو معظمة أم أمهات الأمساء وما عداها راجع إليها، لا أنه أراد الحصر: كيف وله أسماء أخر بلغها بعضهم كما قال النووي الفا لكن أكثرهم من قبيل الصفات، قال ابن القيم فبلوغها ذلك باعتبارها، ومسماها واحد باعتبار الذات، فهي مترادفة باعتبار، متباينة باعتبار (وقوله أنا محمد) قدمه لأنه، أشرفها ومن باب التفعيل للمبالغة، ولم يسم بها قبله غيره، لكن لما قرب مولده سموا به نحو خمسة عشر رجاء كونه هو، وقد نبأ بذلك أهل الكتاب من كتبهم (وأنا أحمد) أي أحمد الحامدين فالأنبياء حمادون وهو أحمدهم أي أكثرهم حمدًا: قال الحافظ السيوطي وتسميته بأحمد من خصائصه، (وأنا الحاشر) أي ذو الحشر (الذي يحشر الناس على قدمى بتخفيف الياء على الأفراد وبشدها على التثنية والمراد على أثر نبوتي أي زمنها أي لأنه صلى الله عليه وسلم ببعث في آخر الزمان وليس بعده نبي، (قال الحافظ) يحتمل أن المراد بالقدم الزمان وقت قيامي على قدمى بظهور علامات الحشر، إشارة إلى إنه ليس بعده نبي (وقال النووي) قال العلماء يحشرون على أثري وزمان نبوتي ورسالتي وليس بعدي نبي وقبل يتبعوني (2) قال العلماء المراد محو الكفر من مكة والمدينة وسائر بلاد العرب وما زوى له صلى الله عليه وسلم من الأرض ووعد أن يبلغه ملك أمته (أما العاقب) ففسره في الحديث بأنه ليس بعده نبي أي جاء عقبهم (تخريجه)(ق لك مذ نس)(3)(سنده) حدثنا وكيع عن المسعودي ويزيد قال انبأنا المسعودي عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى الأشعري إلخ (غريبه)(4) قال شمر هو بمعنى العاقب، وقال ابن الأعرابي هو المتبع للإنبياء يقال فقوته إقفوه وقفيته اقفيه إذا اتبعته وقافية كل شيء آخر (5) معناه أنه صلى الله عليه وسلم جاء بالتراحم قال تعالى (رحماء بينهم) (وتواصلوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة) (6) يزيد أحد الراويين اللذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث: زاد في روايته ونبي التوبة ونبي الملحمة، ومعناه أنه صلى الله عليه وسلم جاء بالتوبة وقبولها من العاصين (ونبي الملحمة معناه أنه صلى الله عليه وسلم بعث بالقتال، قال العلماء وإنما اقتصر على هذه الأسماء مع أن له صلى الله عليه وسلم أسماء غيرها كما سبق لأنها موجودة في الكتب المتقدمة وموجودة في الأمم السالفة (تخريجه)(م)(7)(سنده) حدثنا أسود بن عامر ثنا أبو بكر عن عاصم عن أبي وائل قال قال حديفة (يعني ابن اليمان) بينما أنا أمشي إلخ (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه سوء حفظ اهـ (قلت) يؤيده ما قبله والله أعلم (وروى البيهقي) في الدلائل بسنده عن أبي الحكم التنوخى قال كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى

ص: 188

ونبي الملاحم (باب ما جاء في ذكر مولده صلى الله عليه وسلم (عن ابن عباس)(1) قال ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين، وتوفى يوم الاثنين، وخرج مهاجرًا من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، ورفع الحجر الأسود (2) يوم الاثنين (عن أبي أمامة)(3) قال قلت يا نبي الله كان كان أول بدء أمرك؟ قال دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي

نسوة من قريش إلى الصبح يكفأن عليه برمة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه عبد المطلب إلى نوسة فكفأن عليه برمة فلما أصبحن أتين فوجدن البرمة قد انفلقت عنه باثنتين ووجدنه مفتوح العينين شاخصا ببصره إلى السماء فأتاهن عبد المطلب فقلن له ما رأينا مولودًا مثله وجدناه قد انفلقت عنه البرمة ووجدناه فاتحًا عينيه شاخصًا ببصره إلى السماء، فقال أحفظنه فأني أرجو أن يكون له شأن أو أن يصيب خيرًا، فلما كان اليوم السابع ذبح عنه ودعا قريشًا فلما أكلوا قالوا يا عبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سميته؟ قال سميته محمدًا، قالوا لم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض، وقال بعض العلماء الهمهم الله أن سموه محمدًا لما فيه من الصفات الحميدة ليتلقى الاسم والفعل ويتطابق الاسم والمسمى في الصورة والمعنى كما قال عمه أبو طالب ويروي لحسان:

(وشق له من أسمه ليجله * فذو العرش محمودًا وهذا محمد)

(باب)(1)(سنده) حدثنا موسى بن داود قال حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصنعائى عن أبن عباس إلخ (غريبة)(2) ستأتي قصة رفعه صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود في باب تحديد قريش بناء الكعبة (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير وزاد فيه وفتح بدرًا يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الاثنين (اليوم أكملت لكم دينكم) وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف (أي لأنه عنعن) وبقية رجاله ثقات من أهل الصحيح أهـ (قلت) قال الحافظ ابن كثير في تاريخه لاخلاف في أنه ولد يوم الاثنين وأبعد بل أخطأ من قال ولد يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من ربيع غير ذلك؟ فذكر أقولًا كثيرة للعلماء أرجحها قولان (أحدهما) أنه صلى الله عليه وسلم ولد لثمان خلون من ربيع الأول، حكاه الحميدى عن ابن حزم، ورواه مالك وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمد ابن جبير بن مطعم، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه: وقطع به الحافظ الكبير محمد ابن موسى الخوارزمي ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه التنوير في مولد البشير النذير (والثاني) أنه صلى الله عليه وسلم ولد لثنتى عشرة خلت منه نص عليه ابن إسحاق، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عفان عن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس أنهما قالا ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعثه وفيه عرج إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات وهذا هو المشهور عند الجمهور، قال والصحيح عن ابن حزم الأول أنه لثمان مضين منه كما نقله الحميدى وهو أثبت والله أعلم (3) (سنده) حدثنا أبو النضر ثنا الفرج ثنا لقمان بن عامر قال سمعت أبا أمامة قال قلت يا نبي الله الخ: وتقدم الكلام على شرحه في شرح الحديث الأول من باب ما جاء في بعض فضائله صلى الله عليه وسلم قبل باب (تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد وإسناده حسن وله شواهد تقوية ورواه

ص: 189

نورًا أضاءت منها قصور الشام (عن قيس بن مخرمة بن المطلب)(1) بن عبد مناف قال ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم عام الفيل فنحن لدان (2) ولدنا مولدًا واحدًا (باب ما جاء في ذكر رضاعه صلى الله عليه وسلم ومراضعه وحواضنه)(عن زينب بنت أبي سلمة)(3) عن أم سلمة قالت جاءت أم حبيبة فقالت يا رسول الله هل لك في أختى، قال فاصنع بها ماذا؟ قالت تزوجها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحبين ذلك؟ فقال نعم لست لك بمخلية وأحق من شر كنى في خيرٍ أختي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لا تحل لي، قالت فوالله لقد بلغني أنك تخطب درة أبنة أم سلمة بنت أبي سلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت تحل لي لما تزوجتها قد أرضعتني وأياها ثويبة مولاة بني هاشم فلا تعرضن على أخواتكن ولا بناتكن (باب ذكر رضاعة صلى الله عليه وسلم من حليمة السعدية وما ظهر عليه من آيات النبوة)(عن عتبة بن عبد السلمى)(4) أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كيف كان أول شأنك

الطبراني (1)(سنده) حدثنا يعقوب ثنا أبى ابن إسحاق قال فحدثني عبد المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف عن أبيه من جده قيس بن مخرمة قال ولدت الخ (غريبه)(2) تثنية لدة بكسر اللام وفتح الدال المهملة لأنه جاء في بعض الروايات أنا ولدة رسول الله صلى الله عليه وسلم واصله وولدة فعوضت الهاء، من الواو، ومعناه أننا ولدنا في زمن واحد وسن واحد، وروى عن محمد بن جبير ابن معلم قال ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، كانت بعده عكاظ بخمس عشرة سنة وبنى البيت على رأس خمس وعشرين سنة من الفيل، وتنبأ رسول الله صلى الله علي وسلم على رأس أربعين سنة من الفيل، قال السهيلى وذكروا أن الفيل جاء مكة في الحرم وانه صلى الله عليه وسلم ولد بعد مجيء الفيل بخمسين يوما وهو الأكبر والأشهر (وقال بن إسحاق) كان مولده عيه الصلاة والسلام عام الفيل وهذا هو المشهور عن الجمهور (قال إبراهيم) بن المنذر الحزامى وهو الذي لا يشك فيه احد من علمائنا انه عليه الصلاة والسلام ولد عام الفيل وبعث على رأس أربعين من الفيل (تخريجه) أخرجه ابن إسحاق في السيرة وسنده جيد (باب)(3)(عن زينب بنت أم سلمه الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في الباب الأول من أبواب موانع النكاح في كتاب النكاح في الجزء السادس عشر صحيفة 179 رقم 107 وجاء الرقم 179 خطأ والصواب 107 وهو حديث صحيح رواه الشيخان والشافعي في مسنده وغيرهم (قال الحافظ ابن كثير في تاريخه) كانت أم أيمن واسمها بركة تحضنه، وكان قد ورثها عليه الصلاة والسلام من أبيه فلما كبر اعتقها وزوجها مولاه زيد بن حارثة فولدت له أسامة بن زيد رضي الله عنهم، وأرضعته مع أمه عليه الصلاة والسلام مولاة عمه أبى لهب ثوبية قبل حليمة السعدية، ثم ذكر حديث الباب وعزاه البخاري ومسلم الى قوله فلا تعرضن على إخواتكن ولا بناتكن قال زاد البخاري قال عروة وثويبة مولاة لأبى لهب اعتقها فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب اريه بعض أهله بشر خيبة، فقال له ماذا لقيت؟ فقال ابو لهب لم الق بعدكم خيرا غير إنى سقيت في هذه بعتاقتى ثوبية وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع (وذكر السهيلى) وغيره أن الرائى هو أخوه العباس وكان ذاك بعد سنة من وفاة أبى لهب بعد وقعة بدر، وفيه أن أبا لهب قال للعباس انه ليخفف على في مثل يوم الاثنين، قالوا لأنه لما بشرته ثويبة بميلاد ابن أخيه محمد بن عبد الله اعتقها من ساعته فجوزى بذلك لذلك (باب)(4)(سنده) حدثنا حيوة ويزيد بن عبد ربه قالا ثنا بقية حدثني بحير بن سعد عن خالد

ص: 190

يا رسول الله؟ قال كانت حاضتي من بني سعد بن كعب فانطلقت أنا وأبن لها في سهم (1) لنا ولم نأخذ معنا زادا، فقلت يا أخي أذهب فأتنا بزاد من عندنا أمنا، فانطلق أخي ومكثت عند البهم فأقبل طيران ابيضان كأنهما نسران (2) فقال أحدهما لصاحبه أهو هو: قال فاقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني إلى القفا (3) فشقا بطني ثم استخرجا قلبي، فشقاه فاخرجا منه علقتين سوداوين (4) فقال أحدهما لصاحبه أئتني بما ثلج (5) فغسلا به جوفي ثم قال ائتني بماء برد (6) فغسلا به قلبي ثم قال أئتني بالسكينة (7) فذارها في قلبي، ثم قال أحدهما لصاحبه حصة (8) فحاصه وختم عليه بخاتم النبوة: وقال حيوة (9) في حديثه حصة فحصه واختم عليه بخاتم النبوة (10) فقال أحدهما لصاحبه أجعله في كفه واجعل الفا من أمته في كفة، فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر على بعضهم (11)

ابن معدان عن ابن عمرو السلمى عن عتبة عبد السلمى انه حدثهم ان رجلا الخ (غريبه)(1) بفتح الموحدة وسكون الهاء جمع بهمة وهى ولد الضأن الذكر والأنثى والمراد انه صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم مع أخيه من الرضاع (2) هما ملكان من الملائكة (3) أي اضجماه على ظهره (4) جاء عند مسلم والامام احمد من حديث أنس وسيأتى في الإسراء (فأخرج علقة فقال هذا حظ الشيطان منك) قال في المواهب اللدينة والحكمة في شق صدره الشريف في حال صباه (يعنى وهو عند مرضعته) واستخراج العلقة منه تطهيره عن حالات الصبا حتى يتصف في سن الصبا بأوصاف الرجولية، ولذلك نشأ على أكمل الأحوال من العصمة (يعنى من الشيطان وغيره)(قال الزرقانى) في شرح المواهب وخلقت هذه العلقة لأنها من جملة الأجزاء الانسانية فخلقت تكلمه للخلق الإنساني ولابد، ونزعها كرامة ربانية طرأت بعده فأخراجها بعد خلقها ادل على مزيد الرفعة وعظيم الاعتناء والرعاية من خلقه بدونها قاله العلامة السبكى، وقال غيره لو خلق سليما منها لم يكن للآدميين اطلاع على حقيقته فأظهره الله على يد جبريل ليتحققوا كمال باطنه كما برز لهم مكمل الظاهر (5) الثلج هو ما ينزل من السماء ينعقد على وجهه الأرض (6) بفتح الموحدة والراء هو ما ينزل من السماء كالملح ثم يذوب (7) أي الطمأنينة والوقار (8) بضم الحاء المهملة أى خطه يقال حاص الثوب يحوصه حوصا اذا خاطه (9) حيوة بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الواو هو ابن شربح بن يزيد الحضرمى أحد الراويين اللذين روى عنهما الإمام أحمد هذا الحديث (10) قال العلماء إضافته للنبوة لكونه من آياتها، قال القرطبي في المفهم سمى بخاتم النبوة لأنه أحد العلامات التي يعرفه بها علماء الكتب السابقة كما في قصة بحيرا الراهب وأني أعرفه بخاتم النبوة اه (قال السهيلى) وحكمة وضعه أنه لما شق صدره وأزيل منه مغمز الشيطان مليء قلبه حكمة وإيمانا فختم عليه كما يختم على الإناء المملوء مسكا اه (وقد جاء) في صفة خاتم النبوة روايات كثيرة صحيحة يستفاد منها أنه قطعة لحم بارزة عليها شعرات، قال الإمام القرطبي الأحاديث الثابتة دالة على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزًا أحمر عند كتفه الأيسر اذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كثر جمع اليد أى قدره (11) قال شيخ الإسلام برهان الدين بن أبى شريف هذا الحديث يقتضى أن المعاني جعلها الله ذواتا فعند ذلك قال الملك لصاحبه اجعله في كفة واجعل الفا من أمته في كفة فرجح ماله صلى الله عليه وسلم رجحانا طاش منه ما للالف بحيث بخيل اليه أنه سقط بعضهم، ولما عرف المكان منه الرجحان وأنه معنى لو اجتمعت المعانى كلها التى كلامة ووضعت في كفة ووضع ماله صلى الله عليه وسلم رجح على الأمة قالوا لو أن

ص: 191

فقال لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا وتركاني، وفرقت فرفا (1) شديدًا، ثم انطلقت إلى أمي فأخربتها بالذي فأشفقت علي أن يكون البس بي (2) قالت أعيذك بالله فرحلت بعيرًا لها فجعلتني وقال يزيد (3) فحملتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي، فقالت أو أديت أمانتي وذمتي؟ وحدثتها بالذي لقيت فلم يروعها ذلك (4) فقال أني رأيت خرج من نور أضاءت منه قصور الشام (5)(عن ثابت عن أنس)(6) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلعب مع الصبيان فأتاه آت فأخذه فشق بطنه فاستخرج منه علقة فرمى بها وقال هذه نصيب الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب من ماء زمزم (7) ثم لأمه فاقبل الصبيان إلى ظهئره (8) قتل محمد قتل محمد فاستقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انتقع لونه، قال أنس فلقد كنا نرى أثر المخيط في صدره

أمته وزنت به مال بهم لأن مآثر خير الخلق وما هبه الله تعالى له من الفضائل يستحيل أن يساومها غير (1) بفتح الفاء والراء اى خفت (2) معناه مسنى شئ من الشيطان (3) يزيد هو ابن عبد ربه أحد الراويين اللذين روى عنهما الامام احمد هذا الحديث قال في روايته فحملتنى بدل قول حيوة فجعلتنى (4) أى لم يخفها ولم تجزع من ذلك الخبر (5) ومعناه أنه محفوف بعناية الله تعالى لا يخاف عليه من شئ وجاء في روايه رجالها ثقات عند الطبرانى وأنى يعلى أن أمه صلى الله عليه وسلم قالت لهما فتخو قنما عليه؟ كلا والله إن لا بى هذا لشأنا، ألا أخبركما عنه؟ انى حملت به فلم أرى حملا قط كان أخف ولا اعظم بركة منه، ثم رأيت نورا كأنه شهاب خرج متى حين وضعته أضاءت لى أعناق الأبل بيصرى، ثم وضعته فما وقع كما تقع الصبيان، وقع واضعا يده بالأرض رافعا رأسه الى السماء، دعاه وألحقا بشأنكما (تخريجه) أورد حديث الباب الهيثمى وقال رواه احمد والطبرانى ولم يسق المتن واسناد احمد حسن (6)(سنده) حدثنا يزيد ابن هارون أنا حماد عن ثابت عن انس (يعنى ابن مالك) الخ (غريبه)(7) جاء في الحديث السابق أنهما غسلا جوفه بماء ثلج وبرد ولا مانع من أنهما غسلاه بالجميع فحكى كل راو ما بلغه (8) يعنى حليمة مرضعته فاستقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انتقع لونه اى تغير من شدة الخوف (تخريجه)(ق. وغيرهما)(هذا وفي الباب) حديث طويل لحليمة فيه ذكر حضورها بمكة لأخذ رضيع وقصتها مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيه معجزات باهرات له صلى الله عليه وسلم، وقبل أن نذكر الحديث نذكر نسبها ونسب زوجها أبى النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاع وأولادها اخوته صلى الله عليه وسلم من الرضاع (قال ابن اسحاق) رحمه الله حليمة ابنة ابى ذؤيب اسمه عبد الله الحارث بن شحنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد ابن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان (واسم ابيه الذي أرضعته) صلى الله عليه وسلم الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن (قال ابن هشام) ويقال هلال بن ناصرة (قال ابن اسحاق) واخوته من الرضاعة عبد الله بن الحارث وانيسة بنت الحارث وخذامة بنت الحارث وهى الشيماء غلب ذلك على اسمها فلا نعرف في قومها الا به وهي لحليمة بنت ابى ذؤيب عبد الله بن الحارث أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكرون ان الشيماء كانت تحضنه مع امه إذ كانت عندهم (واليك هذا الحديث المشار اليه) قالت حليمة (فيما رواه ابن اسحاق وابن راهوية وابو يعلى والطبرانى والبيهقى وابو نعيم) قدمت مكة في نسوة من بنى سعد بن بكر نلتمس

ص: 192

.

الرضعاء في سنة شهباء (أى مجدبة) فقدمت على أتان لى ومعي صبي لنا وشارف لنا (اى ناقة مسنة) والله ما تبض بقطرة (اى ماتدر قطرة لبن) وما ننام ليلنا ذلك اجمع مع صبينا ولا نجد ثدييى ما يغذيه ولا في شارفنا ما يغذيه، فقدمنا مكة فهو الله ما علمت منا امرأة الا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنأباه إذ قيل إنه يقيم من الأب، فهو الله ما بقى من صواجي امرأة الا أخذت رضيعًا غيره، فلما لم اجد غيره قلت لزوجي أني لأكره أن أرجع من بين صواحباتي وليس معي رضيع، لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، فذهبت فإذا به مدرج في ثوب صوف أبيض من اللبن يفوح منه المسك وتحته حريرة خضراء راقدًا على قفاه يغط، قأشفقت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله قدنوت منه رويدًا فوضعت يدى على صدره فتبسم ضاحكًا، ففتح عينيه ينظر إلى فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماء وأنا أنظر، فقبلته بين عينه وأعطيته ثديى الأيمن فأقبل عليه بما شاء من لبن، فحولته إلى الأيسر فأبى، وكانت تلك حاله بعد حمالت فروى وروى أخوه، أخذته فما هو الا أن جئت به الى رحلى فا تقبل عليه ثدياى بما شاء الله من لبن فنشرب حتى روى وشرب أخوه حتى روى، فقام صاحبي تعنى زوجها إلى شارفنا تلك فإذا فيها لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا وبتنا بخير ليلة، فقال صاحى ياحليمة إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة. ألم ما بتتا به الليلة من الخير والبركة حين أخذنا، فلم يزل الله يزيدنا خيرًا. قالت حليمة فودعت أم النبي صلى الله عليه وسلم ثم ركبت أتاني وأخذته بين يدى فسبقت دواب الناس الذين كانوا معي وهم يتعجبون منها، ثم قدمنا منازل بنى سعد ولا أعلم أرضا من أرض الله أجذب منها. وكانت غنمى تروح على حين قدمنا شباعا لبنًا فنحلب ونشرب وما يحلب انسان قطرة ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضر من قومنا لرعايتهم اسرحوا حيث يسرح راعي غنم بنت أبى ذؤيب فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض بقطرة لبن، وتروح أغنامي شباعًا لبنًا، فلم نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان (وفي رواية) كان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا (يقال استجفر الصبي إذا قوى على الأكل) قالت فقدمنا به على امه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه وقلت لها لو تركت بني عندي حتى يغلظ فإني أخشى عليه وباء مكة. قالت فلم نزل بها حتى ردته معنا، قالت فرجعنا به فهو الله إنه بعد مقدمنا باشهر مع أخيه لنا خاف بيوتنا إذا أتانا أخوه يشند فقال لي ولأبيه ذاك أخي القرشى قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فهما يسوطانه (أى يحركانه) قالت فخرجت أنا وأيوه نحوه فوجدناه قائمًا منتقعًا وجهه قالت فالتزمته والتزمته أبوه فقلنا له مالك بابني؟ قال جاءني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني فالتمسا شيئًا لا أدري ما هو. قالت فرجعنا إلى خيامنا قالت

وقال لي ابوه ياحليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فالحقيه بامله قبل أن يظهر ذلك به قالت فاحتملناه فقدمنا به على أمه فقالت به ياظئر وقد كنت حريصة عليه وعلى مكمئه عندك؟ قالت نعم قد بلغ الله با بنى وقضيت الذي على وتخوفت الأحداث عليه فقلت يكون في أهله. فقالت ما هذا شأنك فاصدقيني خبرك، قالت تدعني حتى أخبرتها، قالت اتخوفت على الشيطان؟ قالت قلت نعم، قالت كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن لا بنى شأنًا أفلا أخبرك خبره؟ قالت بلى، قالت رأيت حين حملت به أنه يخرج مني نور أضاء لي به بصرى من أرض الشام، ثم حملت به فهو الله ما رأيت من حمل

ص: 193

(باب ما جاء في أنه صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم في صغره وحفظ الله له وحياطته وصيانته من أقذار الجاهلية)(من جابر بن عبدالله)(1) قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجتني الكباث فقال عليكم بالأسود منه فأنه أطيبه، قال قلنا وكنت ترعى الغنم يارسول الله؟ قال نعم وهل من نبي إلا قد رعاها (عن أبى سعيد الخدري) قال افتخر أهل الأبل والغنم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم الفخر والخيلاء في أهل الأبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث موسى عليه السلام وهو يرعى غنما على أهله، وبعثت أنا وأنا أرعى غنمًا لأهل بجياد

قط كان أخف ولا أيسر منه، ووقع حين ولدقه وانه لواضع يديه بالارض ورافع رأسه الى السماء دعيه عنك وانطلقى راشدة: اورده ايضًا الهثمى وقال رواه ابو يعلى والطيرانى بنحوه ورجالها ثقات (ما جاء في وفاة أمه صلى الله عليه وسلم وحضانة جده عبد المطلب إباه ثم وفاة عبد المطلب وحضانة عمه أبى طالب)(جاء في المواهب اللدينة) روى ابن سعد عن ابن عباس وعن الزهرى وعن عاصم بن عمر وعن قتادة دخل حديث بعضهم في بعض قالوا لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين خرجت به أمه الى أخواله بنى عدى بن النجار، بالمدينة تزورهم ومعه أم أيمن، فنزلت به دار التابعة فأقامت به عندهم شهرا فكان صلى الله عليه وسلم يذكر أمورًا كانت في مقامه ذلك، ونظر إلى الدار وقال ها هنا نزلت بى أمى، وأحسنت العوم في بئر بنى عدى بن النجار وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إلى وقالت أم أيمن فسمعت أحدهم يقول هو نبى الأمة وهذه دار هجرته فوعيت ذلك كله من كلامهم، ثم رجعت به أمه الى مكة فلما كانت بالأبواء توفيت (وروى الزهرى) عن أسماء بنت رهم عن أمها قالت شهدت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم في علتها التى ماتت ومحمد صلى الله عليه وسلم غلام يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت الى وجهه وقالت ابيات شعر، ثم قالت كل حي ميت وكل جديد بال وكل كثير يفنى وأنا ميتة وذكرى باق، وقد تركت خيرًا وولدت طهرا، ثم ماتت فكنا نسمع نوح الجن عليها، وقد كانت أم أيمن دايته وحضانته بعد موت أمه وكان صلى الله عليه وسلم يقول لها أنت امى بعد أمى، ومات عبد المطلب كافله وله ثمان سنين من عشرة ومائة سنة وقيل عن مائة وأربعين سنة. وكفله عمه أبو طالب واسمه عبد مناف وكان عبد المطلب قد أوصاه بذلك لكونه شقيق عبدالله والد النبي صلى الله عليه وسلم (وأخرج ابن عساكر) عن جلهمة بن عرفطة قال قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش يا أبا طالب أقحت الوادى وأجدب العيال فلهم فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس تجلت عنها صحابة وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بإصبعه وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ها هنا وأغدق وأغدو دق وانفجر له الوادى وأخصب النادى والبادى وفي ذلك يقول أبو طالب. (وابيض يستسقى الغمام بوجهه. ثمال اليتامى عصمة للارامل) والثمال بالكسر الملجأ وعصمة للارامل يمنعهم عن الضياع، والأرامل المساكين من رجال ونساء واستعماله بالنساء أكثر (ولما كان عمره صلى الله عليه وسلم عشر سنين واشهرا) جاءه ملكان فشقا صدره للمرة الثانية: أنظر حديث ابى بن كعب الآتى (باب)(1)(عن جابر بن عبد الله) الخ هذا الحديث وحديث أبى سعيد الذي بعده تقدما بسندهما وشرحهما وتخريجهما في باب ما يجوز الاستئجار

ص: 194

(باب شق صدره الشريف للمرة الثانية وهو ابن عشر سنين واشهر)(ز)(عن أبى بن كعب)(1) أن أبا هريرة رضي الله عنه كان جريئًا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء لا يسأله عنهما غيره، فقال يارسول الله ما أول ما رأيت في أمر النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا وقال لقد سألت أبا هريرة (2)، أنى لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر (3) وإذا بكلام فوق برأسي وإذا رجل يقول لرجل أهو هو؟ قال نعم، فاستقبلاني بوجوه لم أراها لخلق قط وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أراها على أحد قط، فأقبلا الى يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما بعضدى لا أجد

عليه من النفع المباح من كتاب الاجارة في الجزء الخامس عشر ص 127 رقم 405 و 406 فارجع إليه (قال العلماء) الحكمة في إلهام الأنبياء من رعىي الغنم قبل النبوة أن يجعل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم: ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة، لأنهم إذا اصبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها من مسرح الى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها الى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة وعرفوا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها ورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة لما يحصل لهم من التدريج على ذلك يرعى الغنم، وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقوا أكثر من تفرق الإبل والبقر لا مكان ضبط الابل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهى أسرع انقيادًا من من غيرها، وفي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن علم أنه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه والتصريح يمننه عليه وعلى اخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء (قال السهيلى) وذكر ابن اسحاق قول النبي صلى الله عليه وسلم ما من نبي الاوقد رعى الغنم، قيل وأنت يا رسول الله؟ قال وانا، وانما أراد ابن اسحق بهذا الحديث رعايته الغنم في بتى سعد مع أخيه من الرضاعة وقد ثبت في الصحيح أنه رعاها أيضاً على قراريط مكة ذكره البخاري، وذكر البخاري عنه أيضًا انه قال ما هممت بأمر من أمر الجاهلية الا مرتين وروى ان إحدى المرتين كان في غنم يرعاها هو وغلام من قريش فقال لصاحبه أكفنى امر الغنم حتى آنى مكة وكان بها عرس لهو وزمر، فلما دنا من الدار ليحضر ذلك ألقى عليه النوم فيها فنام حتى ضربته الشمس عصمة من الله له، وفي المرة الآخرة قال لصاحبه مثل ذلك والقى عليه النوم فيها كما القى في المرة الاولى: ذكر هذا المعنى ابن اسحاق في غير رواية البكائى (ز)(1)(سنده) حدثنا محمد بن عبد الرحميم ابو يحيى البزاز ثنا يونس بن محمد ثنا معاذ بن محمد بن ابى بن كعب حدثنى أبى محمد بن معاذ عن معاذ عن محمد عن ابى بن كعب الخ (غريبه)(2) أى يا أبا هريرة منادى حذف منه حرف النداء (3)(قال في المواهب) وروى الشق أيضًا وهو ابن عشر أو نحوها مع قصة له مع عبد المطلب أبو نعيم في الدلائل، قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب (او نحوها) يعنى اشهرا كما في الزوائد وهى المرة الثانية وقد جزم بها الحافظ في كتاب التوحيد، قال العلامة الزرقانى قال الشامي والحكمة فيه أن العشر قريب من سن التكليف فشق قلبه وقدس حتى لا يتلبس بشيء مما

ص: 195

لأحدهما مسًا، فقال أحدهما لصاحبه أضجمه فأضجماني بلا قصر (1) ولا هصر وقال أحدهما لصاحبه افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع، فقال له أخرج الغل والحسد فأخرج شيئًا كهيئة العلقة ثم نبذها فطرحها، فقال له أدخل الرأفة والرحمة: فإذا مثل الذي أخرج يشبه الفضة، ثم هز ابهام الرجل اليمنى فقال اغد واسلم، فرجعت بها أغدو رقة على الصغير

يعاب على الرجال (1) بفتح القاف وسكون الصاد المهملة ومعناه هنا القهر والإجبار (والهصر) بوزن القصر وأصله أن تأخذ برأس العود فتثنيه اليك وتعطفه والمعنى أنهما لم يثنيا ظهرى ولم يكرهانى عندما أضجعانى وفي المواهب (وقد شق صدره الشريف واستخراج قلبه مرة أخرى عند مجيئ جبريل له بالوحي في غار حراء) قال العلامة الزرقانى في شرح المواهب هي ثالثة أخرجه أبو نعيم والبيهقى في دلائلهما والطيالسى والحارث في مسنديهما من حديث عائشة، قال الحافظ والحكمة فيه زيادة الكرامة ليتلقى ما يوحى اليه بقلب قوى في أكمل الأحوال من التطهر اهو في المواهب أيضًا (ومرة أخرى عند الاسراء) يعنى ووقع شق صدره الشريف مرة أخرى عند الاسراء وهي رابعة، أخرجه الشيخان والامام احمد وغيرهما من حديث أنس قلت سيأتى أبواب قصة الاسراء (قال الحافظ) والحكمة فيه الزيادة في اكرامه ليتأهب للمناجاة (تخريجه) الحديث من زوائد عبدالله بن الامام احمد على مسند أبيه ورجاله ثقات وأخرجه (حب ك) وابن عساكر والضياء في المختاره، وأورده أيضًا الهيثمى وقال رواه عبدالله (يعنى ابن الامام أحمد) ورجاله ثقات وثقهم ابن حبان (باب قصته صلى الله عليه وسلم مع بحيرا الراهب) جاء في المواهب اللدينة أنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتى عشرة سنة خرج مع عمه أبى طالب الى الشام حتى بلغ بصرى فرآه بحيرا الراهب واسمه جرجيس فعرفه بصفته فقال وهو آخذ بيده هذا سيد العالمين، هذا يبعثه الله وحمية للعالمين، فقيل له وما عليك بذلك؟ فقال انكم حين أشرفم به من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدان الا لنبي، وانى أعرفه بخاتم النبوة في أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، وانا نجده في كتبنا، وسال أبا طالب أن يرده خوفا عليه من اليهود، وأقبل سبعة من الروم يقصدون قتله عليه السلام فاستقبلهم محيرا فقال ما جاء بكم؟ قالوا ان هذا النبي خارج في هذا فلم يبق طريق الا بعث اليها با ناس، قال افرأيتم أمرا الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده قالوا لا، قال فبايعوه فأقاه ومعه ورده أبو طالب، وروى البيهقى وابو نعيم ان بحيرا رآه وهو في صومعته في الركب حين اقبلوا وغمامة بيضاء تظله من بين القوم، ثم اقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه ونظر الى الغمامة حين أظلت الشجرة وتهصرت اغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها وان بحيرا قام فاحتضنه وجعل يساله عن اشياء من حاله من نومه وهيئته واموره ويخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فيوافق في ذلك ما عند بحيرا من صفته، ورأى خاتم النبوة من بين كتفيه على موضعه من صفته التى عنده اه (ذكر حرب الفجار وحلف الفضول) قال الامام الفقيه عماد الدين يحيى بن ابى بكر العامرى من علماء القرن التاسع في كتابه بهجة الحافل وفي الرابعة عشرة (يعنى من عمره صلى الله عليه وسلم في شوال منها كانت حرب الفجار بين كنانة وقيس عيلان، وكان على قريش عبدالله ابن جدعان وقيل حرب بن امية، وتطاول الحرب بينهم اياما فكانت لقيس على كنانة وحضر صلى الله عليه وسلم

ص: 196

ورحمة للكبير (باب ما جاء في ذكر زواجه صلى الله عليه وسلم بالسيدة المصونة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها (عن ابن عباس)(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر خديجة (2) وكان أبوها يرغب عن يزوجه (3) فصنعت طعامًا وشرابًا فدعت أباها وزمرًا من قريش فطعموا وشربوا حتى ثملوا، فقالت خديجة لأبيها إن محمد بن عبد الله يخطبنى فزوجنى إياه، فزوجها إياه

في أحد أيامهم فانقلبت لقريش وكنانة على قيس عيلان وهو ازن وسمى حرب الفجار لوقوعه في الشهر الحرام (أى في ذى القعدة) وبعد منصرفهم منه ذى القعدة كان حلف الفضول، وسببه أن رجلا من زبيد من أهل اليمن باع سلعة من العاص بن وائل السهمى قمطاله بالثمن فصعود على جبل ابى قبيس وصاح وذكر ظلامته في شعر حكاه، فحشدت قريش لذلك واجتموا في دار الندوة واتفقوا أنهم يمنعون الظالم من الظلم واحتلفوا (بالحاء المهملة من الحلف) على ذلك في دار عبدالله بن جدعان، وكان أول من سعى في ذلك الزبير بن عبد المطلب (سبب زواجه صلى الله عليه وسلم بخديجة) قال وفي الخامسة والعشرين خرج صلى الله عليه وسلم مع ميسرة غلام خديجة في تجارة لها قبل أن يتزوجها بشهرين وأربعة وعشرين يوما، وفيها كان من أمر نسطور الراهب ما ذكره بقوله لميسرة من هذا الرجل؟ فقال من قريش من أهل الحرم؛ فقال هذا نبي وهو آخر الأنبياء، وحكى ميسرة أنه كان اذا اشتد الحر ظللته غمامة، ولما رجعا باعت خديجة ما قدما به فأضعف، ولما أضعف الربح أضعفت خديجة ما سمت له من الأجرة وكانت أربع بكرات، (وروى الحاكم) بسنده أن خديجة أيضا استأجرته سفرتين الى جرش كل سفرة بقلوص (هى الناقة الشابة) ولما حكى ميسرة لخديجة ما رأى من البراهين والكرامات وتسرف في صحبته من البركات مع حسن السمت والهدى والدل (أى السيرة الحسنة) خطبته إلى نفسها وكانت رصي الله عنها من أفضل قريش حسبًا ونسبًا ومالًا وجمالًا كل من قومها قد كان حريصًا على ذلك منها لو كان يقدر عليه (باب)(1)(سنده) حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس الخ (غرييه)(2) هي أول زوجانه صلى الله عليع وسلم وهي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى تجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصى، وهي من أقرب نسائه اليه في النسب ولم يتزوج من ذرية قضى غيرها إلا أم حبيبة، وتزوجها سنة خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور، وزوجه إياها أبوها خويلد، ذكره البيقهى من حديث الزهرى باسناده عن عمار بن ياسر، وقيل عمها عمرو بن أسد ذكره الكلبى، وقيل أخوها عمرو بن خويلد، ويؤيد القول الأول حديث الباب، وكانت قبله عند أبى هالة قيل اسمه النباش جزم به أبو عبيد وابنه هند، روى عنه الحسن بن على فقال حدثنى خالي لأنه أخو فاطمة لأمها، ومات ابو هالة في الجاهلية، وكانت خديجة قبله عند عتيق بن عائذ المخزومى ذكره الحافظ (وروى الفاكهى) في كتاب مكة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أبى طالب فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له وبعث بعده جارية يقال لها نبعة فقال انظرى ما تقول له خديجة، قالت نبعة فرأيت عجبا ما هو إلا سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذته بيدها فضمتها الى صدرها وتحرها (أى تبركا به) ثم قالت يأبى وأمى والله ما أفعل هذا الشيء ولكن أرجو أن تكون أنت النبي الذي ستبعث، فان تكن هو فاعرف حقى ومنزلتى وادع الإله الذي يبعثك لى، قالت فقال والله لئن كنت أنا هو قد اصطنعت عندى أضيعه أبدا، وإن يكن غيري فان الاءله الذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدا نقله الحافظ (3) معناه لا يرغب أن يزوجه بخديجة ولكنها

ص: 197

فخلقته (1) وألبسته حلة وكذلك كانوا يفعلون بالأباء (2) فلما سرى عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه حلة، فقال ما شأنى ما هذا؟ قالت زوجتى محمد بن عبد الله، قال أزوج يتيم أبى طالب لا لعمرى (3) فقالت خديجة أما تستحى؟ تريد أن تسفة نفسك عند قريش تخبر الناس أنك كنت سكران، فلم تزل به حتى رضى (باب في ذكر تجديد قريش بناء الكعبة قبل البعث بخمس سنين واختلافهم في رفع الحجر وتحكيمه صلى الله عليه وسلم في رفعه وتسميته في الجاهلية بالأمين)(وعن أبى الطفيل)(4) وذكر بناء الكعبة في الجاهلية (5) قال فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها

ترغب ذلك ولهذا عملت الحيلة على ابيها حتى زوجها به (1) بتشديد اللام أى ضمخته بالخلوق بفتح المعجمة وهو طيب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة (2) كان يهدى الزوج لولى الزوجة حملة وطيبا ونحو ذلك ليستعمله في مجلس الخطبة (فلما سرى عنه) بضم السين المهملة وتشديد الراء مكسورة مبنى للمجهول أى كشف عنه وذهب سكره (3) بفتح اللام والعين المهملة اى وحياتى لفظ يستعمل للقسم (تخريجه) اورده الهيثمى وقال رواه احمد والطيرانى ورجال احمد والطيرانى رجال الصحيح اه (قلت) تقدم أن خديجة رضي الله عنها هي التي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم نفسها (قال في المواهب) فذكر ذلك لأعمامه فخرج معه منهم حمزة حتى دخل على خويلد بن اسد فخطبها اليه فتزوجها صلى الله عليه وسلم وحضر ابو طالب ورؤساء مضر، فخطب ابو طالب فقال الحمد لله الذي جعلنا من ذرية ابراهيم وذرية اسماعيل وضئضئ معد (معناه الأصل والمعدن) وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجًا وحرمًا آمنًا وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن اخى هذا محمد بن عبدالله لا يوزن برجل الا رجح به، فان كان في المال قل فان المال ظل زائل وامر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرايته وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق م آجله وعاجله من مالى كذا، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل، فزوجه إياها أبوها خويلد وكان الصداق ثنتى عشرة اوقية ذهبا ونشا والأوقية اربعون درهما والنش نصف أوقية والضئضئ الاصل وكذا العنصر اه (وفي تاريخ الحافظ ابن كثير) قال البيهقى عن الحاكم قرأت بخط ابى بكر بن ابى خيثمة حدثنا مصعب بن عبدالله الزبيرى قال اكبر ولده صلى الله عليه وسلم (يعنى من خديجة) القاسم (وبه يكنى) ثم زينب ثم عبد الله ثم ام كلثوم ثم فاطمة ثم رقية، وكان أول من مات ولده القاسم ثم عبدالله (وقال الزبير بن بكار) عبد الله هو الطيب وهو الطاهر سمى بذلك لانه ولد بعد النبوة (قال ابن هشام) وكان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة خمسا وعشرين سنة فيما حدثنى غير واحد من أهل العلم منهم ابو عمرو المدنى اهو هكذا انقل البيهقى عن الحاكم أنه كان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج خديجة خمسا وعشرين سنة، وكان عمرها إذ ذاك خمسا وثلاثين وقيل خمسا وعشرين سنه اه وروى ابن سعد انها كان لها حين تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم من العمر اربعون سنة واقتصر عليه اليعمرى وقدمه مغطاى والبرهان، قال في الغرر وهو الصحيح وقد وردت احاديث كثيرة في فضل خديجة ستأتى عند ذكر وفاتها قبل الهجرة رضي الله عنها (باب)(4)(سنده) حدثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن ابن خيئم عن أبى الطفيل الخ (غريبه)(5)(قال الحافظ ابن كثير) في تاريخه المشهور ان بناء الكعبة كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم عمره خمس

ص: 198

بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها فرفعوها في السماء عشرين ذراعًا، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد (1) وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضع النمرة على عاتقه فيرى عورته من صغر النمرة، فنودى يا محمد خمر عورتك (3) (وفي روايه فنودى لا تكشف عورتك فألقى

وثلاثون سنة وهو الذي نص عليه محمد بن اسحاق بن يسار رحمه الله: قال وقال موسى بن عقبة كان بين الفجار وبين بناء الكعبة خمس عشرة سنة (قال الحافظ ابن كثير) وكان الفجار وحلف الفضول في سنة واحدة إذ كان عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون سنة، وهذا يؤيد ما قاله محمد بن اسحاق والله أعلم (1) اسم موضع بأسفل مكة معروف من شعابها (وقوله وعليه نمرة) هي ازار مخطط من صوف وهي بفتح النون وكسر الميم جمعها نمار (2) أى غط عورتك وهذا النداء من قبل الله عز وجل (تخريجه) أورده الهيثمى مظولا وقال رواه الطيرانى في الكبير بطوله وروى احد طرفا منه ورجالهما رجال صحيح اه (قلت) ولفظه عند الطيرانى عن أبى الطفيل قال كانت الكعبة في الجاهلية مبنية بالرخم (أى من صخور) وكانت قدر ما يفتحها العناق وكانت غير مسقوفة انما توضع ثيابها ثم تسدل سدلا عليها وكان الركن الأسود موضوعًا على سورها تأدبا وكانت ذات ركنين كهيئة الحلقة فأقبلت سفينة من أرض الروم حتى اذا كانوا قريبا من جدة تكسرت السفينة فخرجت قريش ليأخذوا خشبها فوجدوا روميا عندها فاخذوا الخشب، اعطاهم اياه وكانت السفينة تريد الجليثية وكان الرومى الذي في السفينة نجارا فقدموا وقدموا بالرومى فقالت قريش نبنى بهذا الخشب الذي في السفينة بيت ربنا، فلما أرادوا هدمه إذا هم بحية على سور البيت مثل قطعة الحائر سوداء الظهر بيضاء البطن فجعلت كلما دنا احد الى البيت لهدمه أو يأخذ من حجارته سعت اليه فاتحة فامها، فاجتمعت قريش عند المقام فمجوا الى الله عز وجل فقالوا ربنا لم نزع؟ أردنا تشريف بيتك وترتيبه فان كنت ترضى بذلك والا فافعل ما بدا لك، فسمعوا اخوارا في السماء فاذا هم أسود الظهر وأبيض البطن والرجلين أعظم من البشر فغزز في رأس الحية حتى انطلق بها يجر ذنبها أعظم من كذا وكذا ساقطا فانطلق نحو اجناد، فهدمتها قريش وجعلو يبنونها بحجارة الوادى تحملها قريش على رقابها فرفعوها في السماء عشرين ذراعًا فبينا النبي صلى الله عليه وسلم محمل حجارة من أجناد وعليه نمرة فضاقت عليه المرة فذهب يضع المرة على عانقه فترى عورته من صغر النمرة فنودى يامحمد خمر عورتك فلم ير عريانا بعد ذلك، وكان يرى بين بناء الكعبة وبين ما أنزل عليه خمس سنين، وبين مخرجه وبنياها خمس عشرة سنة (قال وفي رواية) رومى يقال له بعلوم، وقال فنودى يا محمد استر عورتك وذلك اول ما نودى والله أعلم اه (قلت) جاء في تاريخ الحافظ ابن كثير قال الأموى كانت هذه السفينة لقيصر ملك الروم تحمل آلات البناء من الرخام والخشب والحديد سرحها قيصر مع القوم الرومى الى الكنيسة التي أحرقها الفرس للحبشة، فلما بلغت مرساها من جدة بعث الله عليها ريحا فحطمها (وفيه أيضا) روى البيهقى من حديث سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة قال سأل رجل عليا عن قوله تعالى (ان أول بيت وضع للناس الذى ببكة مباركا وهدى للعالمين) اهو أول بيت بنى في الأرض؟ قال لا ولكنه اول بيت وضع فيه البركة للناس والهدى ومقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا، وان شئت نباتك كيف بناؤه، ان الله تعالى اوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا

ص: 199

الحجر ولبس ثوبه) فلم ير عريانًا بعد ذلك (عن عمرو بن دينار)(1) سمعت جابرًا يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم حجارة الكعبة وعليه إزار، فقال له العباس عمه ياابن أخي لو حللت إزارك فجعلنه على منكبيك دون الحجارة (2) قال فحله فجعله على منكبيه (3) فسقط مغشيًا عليه (4) فما رؤى بعد ذلك اليوم عريانًا (عن مجاهد عن مولاه)(5)(يعنى السائب ابن عبد الله) أنه حدثه أنه كان فيمن يبنى الكعبة في الجاهلية قال ولى لحته بيدى أعبده من دون الله تبارك وتعالى فاجئ باللبن الخاثر (6) الذي أنفسه على نفسي فأصبه عليه فيجئ الكلب فيلحسه ثم يشغر (7) فيبول فبنينا حتى بلغنا موضع الحجر (8) وما يرى الحجر أحد، فإذا هو وسط حجارتنا مثل رأس الرجل يكاد يتراءى منه وجه الرجل (9) فقال بطن (10) من قريش نحن نضعه، وقال آخرون نحن نضعه، فقالوا اجعلوا بينكم حكمًا، قالوا اول رجل يطلع من الفج (11) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أتاكم الأمين (12) فقالوا له فوضعه في ثوب ثم دعا بطونهم (13)

فضاق به ذرعا فأرسل اليه السكينة وهي ريح خجوج لها راس فانبع أحدهما صاحبه حتى انتهت ثم تطوقت في موضع البيت تطوق الحية فبنى ابراهيم حتى بلغ مكان الحجر قال لابنه ابغنى حجرا فالتمس حجرا حتى أتاه به فوجد الأسود قد ركب، فقال لأبيه من أين لك هذا؟ قال جاء به من لا يشكل على بنائك، جاء به جبريل من السماء فائتمه، قال فمر عليه الدهر فأنهدم فبنته العمالقة، ثم انهدم فبننه جرهم، ثم انهدم فبنته قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ رجل شاب، فلما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه، فقالوا نحكم بيننا أول رجل يخرج من هذه السكة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من خرج عليهم فقضى بينهم أن يجعلوه في مرط ثم ترفعه جميع القبائل كلهم (قلت) ورواه أيضًا الحاكم وصححه واقره الذهبى (1)(سنده) حدثنا روح ثنا زكريا بن اسحاق ثنا عمرو بن دينار الخ (غربيه)(2) أى ليلتقى به ما يحدثه الحجر من الضرر اذا كان مباشرا للجسم (3) أى ووضع الحجر فوقه فصار جسمه عاريًا (4) جاء في رواية الطيرانى واليزار من حديث العباس أنه قال له ما شأنك؟ فقام فاخذ إزاره وقال نهيت أن امشى عريانا، قال فكنت اكتمها الناس مخلفة أن يقولوا مجنون حتى اظهر الله نبوته، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم سقط مغشيا عليه حين سمع النداء بالنهى لأنه أول نداء سمعه من قبل الله عز وجل كما جاء في بعض الروايات والله أعلم (تخريجه)(ق. وغيرهما)(5)(سنده) حدثنا عبد الصمد ثنا ثابت يعنى ابا زيد ثنا هلال يعنى ابن خياب عن مجاهد الخ (6) يقال خثر اللبن وغيره يخثر من باب قتل خثورة بمعنى ثخن واشتد فهو خائر (وقوله) أنفسه بكسر الفاء أى ابخل به على نفسى (7) يقال شفر الكلب شفرا من باب نفع رفع احدى رجليه ليبول (وقوله) فبنينا يعنى في الكعبة (8) يعنى الحجر الأسود (9) اى يكاد يرى وجه الرجل من نوره (10) البطن ما دون القبيلة (11) الفج الطريق الواضح الواسع (12) سمى الأيمن لأنهم كانوا يعرفون فيه الأمانة من صفره (13) جاء في بعض الروايات ثم اخرج سيد كل قبيلة فاعطاه ناحية من الثوب (وفي رواية اخرى) فقال لتأخذ كل قبيلة ناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا حتى اذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه

ص: 200

فأخذوا بنواحيه فوضعه هو صلى الله عليه وسلم (عن سعيد بن مينا)(1) قال سمعت ابن الزبير رضي الله عنهما يقول حدثني خالتي عائشة (أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها لولا أن قومك حديث عهد بشرك أو بجاهلية لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض، وجعلت لها بابين، بابا شرقيا وبابا غربيا، وزدت فيها من الحجر ستة أذرع، فأن قريشا اقتصر بها حين بنت الكعبة (من عائشة)(2) رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت ثم جعلتها على رأس ابراهيم (3) عليه السلام فان قريشل يوم بنتها استقصرت (4) ولجعلت لها خلفا (5) قال أبو أسامة خلفا (باب ما جاء في العلامات الدالة على نبوته والتبشير بمبعثه صلى الله عليه وسلم وصفته في التوارة)(عن جابر بن سمرة)(6) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكانت قريش تسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمين (تخريجه)(ك) وصححه على شرط مسلم وأقره الذهى (1)(عن سعيد بن مينا الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه في باب الطائف يخرج بطوافه عن الحجر من كتاب الحج في الجزء الثاني عشر صحيفة 51 رقم 255 وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وغيرهما

(2)

(سنده) حدثنا ابن نمير ثنا هشام وأبو اسامة قال انا هشام المعنى عن أبيه عن عائشة الخ (غريبه)

(3)

أى على الاساس الذي بناه ابراهيم عليه السلام: قال الحافظ ابن كثير في تاريخه وقد كانوا أخرجوا منها الحجر وهو ستة أذرع أو سبعة أذرع من ناحيه الشام

(4)

أى قصرت بهم النفقة أى لم يتمكنوا ان يبنوه على قواعد ابراهيم، وجعلوا للكعبة بابًا واحدًا من ناحية الشرق وجعلوه مرتفعا لئلا يدخل اليها كل أحد، فيدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، وقد ثبت في الضحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ألم ترى ان قومك قصرت بهم النفقة ولولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة وجعلت لها بابًا شرقيًا وبابًا غربيًا وأدخلت فيها الحجر (بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم) ولهذا لما تمكن ابن الزبير بناها على ما أشار اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءت في غاية البهاء والحسن والسناء، كاملة على قواعد الخليل، لها بابان ملتصقان بالأرض شرقيًا وغربيًا يدخل الناس من هذا ويخرجون من الآخر، فلما قتل الحجاج ابن الزبير كتب الى عبد الملك بن مروان وهو الخليفة يومئذ فيما صنعه ابن الزبير واعتقدوا انه فعل ذلك من تلقاء نفسه، فأمر باعادتها الى ما كانت عليه، فعمدوا الى الحائط الشامى فحصوه وأخرجوه منه الحجر ورصوا حجارته في ارض الكعبة فارتفع بابها، وسدوا الغربى واستمر الشرقى على ما كان عليه، فلما كان في زمن المهدى او أبيه المنصور استشار مالكا في اعادتها على ما كان صنعه ابن الزبير، فقال ماالك رحمه الله انى اكره ان يتخذها الملوك ملعبة فتركها على ما هى عليه: فهى الى الآن كذلك

(5)

يفتح الخاء المعجمة وسكون اللام الخلف الظهر: والجهة التي تقابل الباب الذي جعلته قريش من البيت ظهره، فكأنه اراد ان يجعل لها بابا آخر مقابلا للباب الذي جعلته قريش فاذا كان لها بابان فقد صار لها ظهران (وقوله قال ابو اسامة) يعنى في روايته (خلفا) بكسر الخاء المعجمة على ما يظهر كالثدى فانه يقال له خلف والله اعلم (تخريجه)(ق. وغيرهما) بألفاظ مختلفه والمعنى واحد (باب)(6)(سنده) حدثنا يحيى بن بكير ثنا ابراهيم بن طهمان حدثنى سماك عن جابر بن سمرة

ص: 201

إني لأعرف حجرًا بمكة يسلم على قبل أن أبعث (1)(وفي رواية ليالى بعثت)(2) إنى لأعرف الآن (عن أبى صخر العقيلى)(3) حدثنى رجل من الأعراب قال جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغت من بيعى قلت لألقين هذا الرجل فلا سمعن منه قال فتلقاني بين أبى بكر وعمر يمشون فتبعهم في أقفائهم (4) حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرًا التوراة يقرؤها يعزى بها نفسها على ابن له في الموت (5) كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك ذا صفتى ومخرجى (6) فقال برأسه هكذا أى لا (7) فقال ابنه أنى والذي أنزل التوراة أنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال أقيموا اليهود عن أخيكم (8) ثم ولى كفنه وحنطه وصلى عليه (عن عطاء بن يسار)(9) قال لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، فقال أجل، والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن (ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا) وحرزًا للاميين وأنت عبدى ورسولي سميتك

الخ (غريبه)(1) قال النووى فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم وفي هذا اثبات التمييز في بعض الجمادات وهو موافق لقوله تعاالى في الحجارة (وان منها لما يهبط من خشية الله) وقوله تعالى (وان من شيء الا يسبح بحمده) وفي هذه الآية خلاف مشهور، والصحيح انه يسبح حقيقة ويجعل الله تعالى فيه تمييزا بحسبه كما ذكرنا، ومنه الحجر الذي فر بثوب موسى عليه السلام، وكلام الذراع المسمومة، ومشى احدى الشجرتين الى الأخرى حين دعاهما النبي صلى الله عليه وسلم واشياء ذلك اخ (قلت) قيل المراد بهذا الحجر هو الحجر الاسود وقيل البارز (بزقاق) المرفق وعليه اهل مكة سلفا وخلفا (وقوله قبل أن ابعث) اى قبل الرسالة: وقيد به لأن الحجارة كلها كانت تسلم عليه بعد الرسالة كما في حديث عائشة لما استقبلنى جبريل بالرسالة جعلت لا امر بحجر ولا مدر ولا شجر الا وسلم على، قال العلماء فان قيل محصول الخبر افادة العلم بغرفانه حجرا كان يسلم عليه وهو وهم كانوا يعلمون سلام الحجر وغيره عليه فلم خصه؟ (قلنا) يحتمل انه حجر ذو شأن عظيم، ولهذا نكره تنكير تعظيم، ومن ثم قيل هو الحجر الأسود كما تقرر وبهذا المعنى يلتم مع خبر عائشة المتقدم والله أعلم (2) جاء في الرواية الأولى قبل أن أبعث وفي هذه الرواية ليالى بعثت فيستفاد منهما أن هذا الحجر كان يسلم عليه صلى اله عليه وسلم قيل البعثة وبعدها، وأما غيره من الحجارة وغيرها فكانت تسلم عليه بعد البعثة والله أعلم (تخريجه)(م مذ)(3)(سنده) حدثنا اسماعيل عن الجريرى عن أبى صخر العقيلى الخ (غريبه)(4) يعنى مشيت خلفهم (5) أى قارب الموت وكان شابا جميلا (6) يخاطب اليهودى والد الشاب (7) أنكر اليهودى نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وصفته في التوراة مع أن ذلك موجود فيها (8) أى ابعدوهم عن اخيكم في الدين لأنه ضار مسلما بنطقه بالشهادتين ثم مات الشاب وختم الله له بالايمان رضي الله عنه (تخريجه) اورده الحافظ ابن كثير في تاريخه وعزاه للامام احمد وقال هذا استاد جيد وله شواهد في الصحيح عن انس بن مالك (9)(سنده) حدثنا موسى بن داود ويونس بن محمد قالا حدثنا فليح بن سليمان عن هلال بن على عطاء بن يسار الخ

ص: 202

المتوكل لست بفظ ولا غيلظ ولا سخاب بالأسواق، قال يونس (1) ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله: فيفتح بها أعينا وعميا وآذانا صما وقلوبا غلفا: قال عطاء لقيت كعبا فسألته فما اختلفا في حرف إلا أن كعبا يقول بلغته (2) اعينا عمومى وأذانا صمومى وقلوبا غلوفى، قال يونس غلفى (عن مجاهد)(3) قال حدثنا شيخ أدرك الجاهلية ونحن في غزوة رودس يقال له ابن عباس قال كنت أسوق لأل لنا بقرة، قال فسمعت من جوفها يا آل ذريح. قول فصيح. رجل يصيح. لا إله إلا الله، قال فقدمنا مكة فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة (عن أبى سعيد الخدرى)(4) قال عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعى فانتزعها منه فأقعى (5) الذئب على ذنبه قال ألا تتقى الله تنزع عنى رزقا ساقه الله إلى؟ فقال ياعجبى ياعجبى مقع على ذنبه يكلمنى كلام الإنس، فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك، محمد صلى الله عليه وسلم بيرب (6) يخبر الناس بانباء ما قد سبق (7) قال فأقبل الراعى يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها (8) الى زواية من زواياها ثم إتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودى الصلاة جامعة: ثم خرج فقال للراعى أخبرهم (9) فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق، والذي نفسى بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الأنس، ويكلم الرجل عذبة (10) سوطه وشراك نعله ويخبره فخذه بما أحدث أهله (11) بعده (وعنه من طريق ثان)(12)

(غريبه)(1) يونس أحد الراويين اللذين روى عنهما الامام احمد هذا الحديث قال في روايته ولاصخاب بالصاد بدل السين في رواية موسى بن داود (قال في النهاية) في حديث كعب قال في التوراة محمد عبدى ليس بفظ ولا غليظ لا صخوب في الأسواق وفي رواية ولا صخاب الصخب والسخب الضجة واضطراب الأصوات الخصام وفعول وفعال للمبالغة (2) يريد ان كعب الاحبار يقول بلغته يعنى والله اعلم العبرية أو السريانة (تخريجه)(خ) في صحيحه وفي الأدب المفرد والطبرى في تفسيره والبيهقى في دلائل النبوة (3)(سنده) حدثنا محمد بن بكر البرسانى قال انا عبدالله بن ابى زياد قال حدثنى عبدالله بن كثير الدارى عن مجاهد الخ (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه احمد ورجاله ثقات (4)(سنده) حدثنا يزيد انا القاسم بن الفضل الحدائى عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى الخ (غريبه)(5) اى ألصق الييه بالارض ونصب ساقيه واعتمد على ذنبه أى جعله بين رجليه كما يفعل الكلب (6) اسم المدينة المنورة قديما وصح النهى عن تسميتها به (7) يعنى من الأمم السابقة واحوالهم وانما كان اعجب لأن الإخبار بالغيب معجزة فهو اعجب من نطق حيوان انطقه من انطق كل شيء ليس العجب واقعا على مجرد اخباره بذلك بل على جحدهم وتكذيبهم مع ظهور الآيات البينات على يديه (8) اى جمعها وضمها الى ناحية من نواحى المدينة (9) اى أخبر الناس بما شاهدته ليسروا ويزدادوا إيمانا (10) بالتحريك اى طرفه (وشراك نعله) الشراك أحد سيور النعل التى تكون على وجهها (11) هذه الأمور من علامة قرب الساعة فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول لا تعجبوا من نطق الذئب فأنه لا تقوم الساعة الخ (12)(سنده) حدثنا أبو اليمان أنا شعيب حدثنى عبدالله بن أبى حسين حدثنى شهر أن أبا سعيد

ص: 203

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينا اعرابى فى بعض نواحى المدينة فى غنم له عدا عليه الذئب فأخذ شاة من غنمه (فذكر نحو الطريق الأولى، وفيه أن الذئب قال للأعرابى) رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النخلتين بين الحرتين يحدث الناس عن نباء ما قد سبق وما يكون بعد ذلك قال فنعق الاعرابى بغنمه حتى الجأها الى بعض المدينة ثم مشى الى النبى صلى الله عليه وسلم حتى ضرب عليه بابه فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أين الاعرابي صاحب الغنم؟ فقام الأعرابي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حدث الناس بما سمعت وما رأيت الحديث (وعنه من طريق ثالث) قال بينا رجل من أسلم فى غنيمة له يهش عليها فى بيداء ذى الحليفة إذ عدا عليه ذئب فانتزع شاة من غنمه فجهجأه الرجل فرماه بالحجارة حتى استنقذ منه شاته، ثم أن الذئب أقبل حتى أقعى مستثفرا بذنبه مقابل الرجل: فذكره نحو حديث شعيب بن أبي حمزة (باب ما جاء فى إخبار الكهان بظهور بعثته صلى الله عليه وسلم (عن جابر بن عبد الله) قال إن أول خبر قدم علينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمرأة كانت لها تابع قال فأتاها فى صورة طير فوقع على جذع لهم، قال فقالت ألا تنزل فنخبرك وتخبرنا؟ قال إنه قد خرج رجل بمكة حرم علينا الزنا ومنع من الفرار

الخدري حدثه النبى صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(1) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء تثنية حرّة وهى أرض ذات حجارة سود حول المدينة يريد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ذات النخيل التى بين الحرتين (2) اى من الحوادث التى لا يعلمها الا الله الى أن تقوم الساعة: اعلمه الله بها معجزة له عليه الصلاة والسلام (قال فنعق الاعرابى بغنمه) بفتح العين المهملة يقال نعق الراعى ينعق من باب ضرب نعيقا صاح بغنمه وزجرها (3) اى بعض جهاتها (4)(سنده) حدّثنا ابو النضر ثنا عبد الحميد حدثنى شهر قال ثنا أبو سعيد الخدرى قال بينا رجل من أسلم الخ (5) بضم الهاء اى يسوقها بعصاه (6) فى هذه الرواية بيان اسم قبيلة الرجل واسم المكان الذى كانت ترعى به الغنم، واختلف فى اسم الرجل فقيل اهبان بن أوس وقيل سلمة بن الأكوع وانه صاحب هذه القصة وكانت سبب اسلامه، وقيل غير ذلك (7) اى زجره وصاح به (8) بالسين المهملة والمثناة الفوقية ثم المثلثة تليها ثم فاء مكسورة وآخره راء بوزن متسفعلا أى جعل ذنبه بين رجليه كما يفعل الكلب (9) يعنى الطريق الثانية (تخريجه) أورده القسطلانى فى المواهب اللدنية وقال فأما حديث أبى سعيد فرواه الامام احمد باسناد جيد، قال الزرقانى فى شرحه أى مقبول وكذا رواه الترمذى والحاكم وصححاه اهـ (قلت) وأورده أيضا الحافظ الهيثمي وقال رواه احمد والبزار بنحوه باختصار، ورجال أحد اسنادى احمد رجال الصحيح اهـ (قلت) يعنى الطريق الأولى (وفى الباب) عن أبى هريرة أيضا عند الامام احمد وغيره وسيأتى فى باب قرب مبعث النبى صلى الله عليه وسلم من الساعة من كتاب الفتن وعلامات الساعة (باب)(10)(سنده) حدّثنا ابراهيم بن أبى العباس ثنا أبو المليح ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله الخ (غريبه)(11) يعنى الجن (12) الظاهر من سياق الحديث ان هذا التابع كان يواقع المرأة، فلما علم ببعثة النبى صلى الله عليه وسلم آمن به ولذلك امتنع عن النزول اليها والله أعلم (وقوله ومنع من الفرار) يعنى يوم الزحف فى الجهاد (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه احمد والطبرانى فى الأوسط ورجاله وثقوا (وفى الباب) عن جبير بن مطعم قال

ص: 204

.

كنا حول صنم قبل ان يبعث النبى صلى الله عليه وسلم بشهر وقد نحرنا جزورا اذ صاح صائح من جوفه، إسمعوا العجب، ذهب الشرك والرجز ورمى بالشهب. نبى بمكة اسمه أحمد ومهاجره الى يثرب) أورده الهيثمى وقال رواه البزار عن شيخه عبد الله بن شعيب وهو ضعيف اهـ (قال ابن اسحاق) وحدثنى من لا اتهم عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن عفان انه حدث ان عمر بن الخطاب بينا هو جالس فى الناس فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ أقبل رجل من العرب داخلا المسجد يريد عمر بن الخطاب، فلما نظر اليه عمر رضي الله عنه قال ان هذا الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد، أو لقد كان كاهنا فى الجاهلية، فسلم عليه الرجل ثم جلس فقال له عمر رضي الله عنه هل أسلت؟ قال نعم يا أمير المؤمنين، قال له فهل كنت كاهنا فى الجاهلية؟ فقال الرجل سبحان الله يا أمير المؤمنين: لقد خلت فىَّ واستقبلتنى بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ وليت ما وليت، فقال عمر اللهم غفرا، قد كنا فى الجاهلية على شر من هذا: نعبد الاصنام ونعتنق الأوثان حتى أكرمنا الله برسوله وبالاسلام، قال نعم والله يا أمير المؤمنين لقد كنت كاهنا فى الجاهلية، قال فأخبرنى ما جاءك به صاحبك؟ قال جاءنى قبل الاسلام بشهر أو شيعه (بفتح المعجمة وسكون التحتية وكسر العين المهملة، أى أو نحوا من شهر يقال اقمت به شهرا أو شيع شهر اى مقداره أو قريبا منه) فقال: ألم تر إلى الجن، وإبلاسها واياسها من دينها، ولحوقها بالقلاص واحلاسها، قال ابن هشام هذا الكلام سجع وليس بشعر. قال عبد الله بن كعب فقال عمر بن الخطاب عند ذلك يحدث الناس والله انى لعند وثن من أوثان الجاهلية فى نفر من قريش قد ذبح له رجل من العرب عجلا فنحن ننظر قسمه ليقسم لنا منه، اذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط انفذ منه، وذاك قبيل الاسلام بشهر أو شيعه يقول يا ذريح، أمر نجيح، رجل يصيح، يقول لا إله إلا الله، قال ابن هشام ويقال رجل يصيح بلسان فصيح يقول لا إله إلا الله، وأنشدنى بعض أهل الغلم بالشعر

(عجبت للجن وابلاسها

_________

وشدها العيس باحلاسها)

(تهوى الى مكة تبغى الهدى

_________

ما مؤمن من الجن كأنجاسها)

قال ابن اسحاق فهذا ما بلغنا عن الكهان من العرب اهـ (قلت) الرجل الذى ذكر قصته ابن اسحاق مع عمر هو سواد بن قارب الصحابى رضي الله عنهما (قال السهيلى) وروى غير ابن اسحاق هذا الخبر عن عمر على غير هذا الوجه وأن عمر مازحه فقال ما فعلت كهانتك يا سواد؟ فغضب وقال قد كنت أنا وأنت على شر من هذا من عبادة الاصنام وأكل الميتات: أفتيعرنى بأمر تبت منه؟ فقال عمر حينئذٍ اللهم غفرًا: وذكر غير ابن اسحاق فى هذا الحديث سياقة حسنة وزيادة مفيدة وذكر انه حدث عمر أن رئيه جاء ثلاث ليال متواليات هو فيها كلها بين النائم واليقظان فقال: نعم يا سواد واسمع مقالتى واعقل ان كنت تعقل، قد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من لؤى بن غالب يدعو الى الله وعبادته وأنشده فى كل ليلة من الثلاث الليالى ثلاثة أبيات معناها واحد وقافيتها مختلفة فقال له فى الليلة الأولى:

(عجبت للجن وتطلابها

_________

وشدها العيس باقتابها)

(تهوى الى مكة تبغى الهدى

_________

ما صادق الجن ككذابها)

(فارحل الى الصفوة من هاشم

_________

ليس قداماها كأذنابها)

وقال له فى الليلة الثانية

عجبت للجن وابلاسها وشدها العيسى باحلاسها تهوى الى مكة تبغى الهدى ما طاهر الجن كأنجاسها

ص: 205

_________

(فارحل إلى الصفوة من هاشم

ليس ذنابا الطير من رأسها)

وقال له فى الليلة الثالثة

عجبت للجن وتنفارها وشدها العيس باكوارها تهوى الى مكة تبغى الهدى ما مؤمن الجن ككفارها

(فارحل الى الاتقين من هاشم

_________

ليس قداماها كأدبارها)

وذكر تمام الخير وفى آخره شعر سواد قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده ما كان من الجن رئيه ثلاث ليال متواليات وذلك قوله

أتانى نجى بعد هذه ورقدة

_________

ولم يك فيما قد بلوت بكاذب

ثلاث ليال قوله كل ليلة

_________

أتاك نبى من لؤى بن غالب

فرفعت أذيال الازار وشمرت

_________

بى العرمس الوجنا هجول السباسب

فأشهد ان الله لا شئ غيره

_________

وانك مأمون على كل غائب

وأنك أدنى المرسلين وسيلة

_________

الى الله يا ابن الأكرمين الأطايب

فسرنا بما يأتيك من وحى ربنا

_________

وان كان فيما جئت شيب الذوائب

وكن لى شفيعا يوم لاذو شفاعة

_________

بمغن فتيلا عن سواد بن قارب

(قال السهيلى) روى أبو جعفر العقيلى فى كتاب الصحابة عن رجل من بنى لهب يقال له لهب قال حضرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عنده الكهانة فقلت بأبى وأمى نحن أول من عرف حراسة السماء وزجر الشياطين ومنهم من استراق السمع عند قذف النجوم، وذلك أنا اجتمعنا الى كاهن لنا يقال له خطر بن مالك، وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه مئتا سنة وثمانون سنة، وكان من أعلم كهاننا، فقلنا يا خطر هل عندك علم من هذه النجوم التى يرمى بها؟ فانا فزعنا لها وخشينا سوء عاقبتها، فقال ائتونى بسحر، أخبركم الخبر، أبخير أم ضرر. أو لأمن أو حذر، قال فانصرفنا عنه يومنا. فلما كان من غد فى وجه السحر أتيناه فاذا هو قائم على قدميه شاخص فى السماء بعينيه، فناديناه أخطر يا خطر؟ فأومأ الينا أن امسكوا، فانقض نجم عظيم من السماء وصرخ الكاهن رافعا صوته، أصابه أصابه، خامره عقابه عاجله عذابه، احرقه شهابه، زايله جوابه، يا ويله ما حاله، بلبله بلبله، عاوده خباله، تقطعت حباله وغيرت أحواله، ثم أمسك طويلا وهو يقول:

يا معشر بنى قحطان أخبركم بالحق والبيان أقسمت بالكعبة والأركان والبلد المؤتمن السدان

لقد منع السمع عتاة الجان بثاقب بكف ذى سلطان من أجل مبعوث عظيم الشان يبعث بالتنزيل والقرآن

وبالهدى وفاصل القرآن

_________

تبطل به عبادة الآوثان

قال فقلنا ويحك يا خطر انك لنذكر امرا عظيما فماذا ترى لقومك فقال

ارى لقومى ما ارى لنفسى أن يتبعوا خبر نبى الإنس برهانه مثل شعاع الشمس

يبعث فى مكة دار الحمس

_________

بمحكم التنزيل غير اللبس

فقلنا له يا خطر وممن هو؟ فقال والحياة والعيش، انه لمن قريش، ما فى حلمه طيش، ولا فى خلقه هيش، يكون فى جيش واى جيش، من آل قحطان وآل ايش، فقلت له بين لنا من أى قريش هو؟ فقال والبيت ذى الدعائم، والركن والاحائم، انه لمن نجل هاشم، من معشر كرائم، يبعث بالملاحم

ص: 206

(باب في بدء الوحي وكيف كان يأتيه ورؤيته صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام (عن ابن عباس) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لخديجة رضي الله عنها إنى أرى ضوءًا وأسمع صوتا وانى أخشى أن يكون بى جننٌ قالت لم يكن الله ليفعل ذلك بك يا ابن عبد الله: ثم أتت ورقة بن نوفل فذكرت ذلك له فقال ان يك صادقا فان هذا ناموسٌ مثل ناموس موسى، فان بعث وأنا حى فسأعززه وأنصره وأومن به (عن عائشة رضي الله عنها قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم، وكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء فكان يأتى غار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالى ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع الى خديحة فتزوده لمثلها حتى فجأه الحق وهو فى غار حراء فجاءه الملك فيه فقال اقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فقلت ما أنا بقارئ قال

وقتل كل ظالم، ثم قال هو البيان، أخبرنى به رئيس الجان، ثم قال الله أكبر، جاء الحق وظهر، وانقطع عن الجن الخبر، ثم سكت وأغمى عليه فما أفاق إلا بعد ثلاثة فقال لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد نطق عن مثل نبوة وانه ليبعث يوم القيامة أمة وحده

(باب)(1)(سنده) حدّثنا ابو كامل وحسن بن موسى قالا حدثنا حماد قال أخبرنا عمار ابن أبى عمار قال حسن عن عمار قال حماد وأظنه عن ابن عباس ولم يشك فيه حسن قال قال ابن عباس ان النبى صلى الله عليه وسلم قال لخديجة الخ (قلت) وله طريق أخرى عن الامام احمد مرسلة قال عبد الله بن الامام احمد قال أبى وحدثنا عفان حدثنا حماد عند عمار بن ابى عمار مرسل ليس فيه ابن عباس (غريبه)(2) قال فى القاموس الجنن بضمتين الجنون حذف منه الواو (3) بالنون والسين المهملة قال ابن دريد هو صاحب سر الوحى، والمراد به جبريل عليه السلام وأهل الكتاب يسمونه الناموس الأكبر (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه احمد متصلا ومرسلا والطبرانى بنحوه وزاد (وأعينه) ورجال احمد رجال الصحيح (4)(سنده) حدّثنا عبد الرازق ثنا معمر عن الزهرى فذكر حديثا ثم قال قال الزهرى فأخبرنى عروة عن عائشة أنها قالت أول ما بدئ به الخ (غريبه)(5) قال أهل اللغة فلق الصبح وفرق الصبح بالتحريك هو ضياؤه، وانما يقال هذا فى الشئ الواضح البين، قال العلماء انما ابتدئ صلى الله عليه وسلم بالرؤيا لئلا يفجأه الملك ويأتيه صريح النبوة بغته فلا يحتملها قوى البشرية فبدئ بأول خصال النبوة وتباشير الكرامة من صدق الرؤيا وما جاء فى الاحاديث الأخرى من رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر والشجر عليه بالنبوة (6) الخلاء ممدود وهو الخلوة وهى شأن الصالحين ليتفرغ لعبادة ربه ويتخشع قلبه (7) هو الكهف والنقب فى الجبل وحراء بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالمد وهو مصروف ومذكر على الصحيح وهو جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال عن يسار الذاهب من مكة الى منى (8) قوله وهو التعبد تفسير لقولها فيتحنث وهو تفسير صحيح لكنه جاء معترضا بين كلام عائشة، إذ كلامها فيتحنث فيه الليالى ذوات العدد: وأصل الحنث الائم فمعنى يتحنث الحنث، فكأنه بعبادته يمنع نفسه من الحنث، ولا يشترط فيه الليالى بل يطلق على القليل والكثير (9) أى جاءه الوحى بغتة فانه صلى الله عليه وسلم لم يكن متوقعا للوحى (10) معناه لا أحسن القراءة فما نا فيه، قال النووى هذا هو الصواب

ص: 207

فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلنى فقال اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى فقال اقرأ، فقلت ما أنا بقارئ، فأخذنى فغطنى الثالثة حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى فقال اقرأ باسم ربك الذى خلق حتى بلغ ما لم يعلم: قال فرجع بها ترجف بواد حتى دخل على خديجة فقال زملونى زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال يا خديجة مالى فأخبرها الخبر، قال وقد خشيت على نفسى فقالت له كلا: ابشر فوالله لا يخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الخق ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى وهو ابن عم خديجة أخى أبيها وكان امرأ تنصر فى الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربى فكتب بالعربية من الانجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخأ كبيرا قد عمى، فقالت خديجة اى ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة ابن أخى ما ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى، فقلا ورقة هذا الناموس الذى أنزل على موسى عليه السلام ياليتنى فيها جذعا أكون حيًا حين يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجى هم؟ فقال ورقة نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به الا عودى وإن يدركنى يومك انصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي

(1) أي عصرني وضمنى (2) بفتح الجيم وضمها لغتان وهو الغاية والمشقة (ثم ارسلنى) أى اطلقنى قال العلماء والحكمة فى الغط شغله عن الالتقات والمبالغة فى امره باحضار قلبه (3) استدل به القائلون بأن أول ما أنزل من القرآن اقرأ وهذا هو الصواب الذى عليه الجماهير من السلف والخلف (4) قال أبو عبيد وسائر أهل اللغة والغريب هى اللحمة التى بين المنكب والعنق نرجف ونضطرب وتشتد حركتها عند فزع الانسان (5) هكذا فى الروايات مكرر مرتين ومعنى زملونى غطونى بالثياب ولفونى بها (6) يعنى الفزع (7) أى خشى ان لا يقوى على مقاومة هذا الأمر ولا يقدر على حمل اعباء الوحى فتزهق نفسه (8) بفتح الكاف وأصله الثقل ومنه قوله تعالى {وهو كل على مولاه} ويدخل فى حمل الكل الانفاق على الضعيف واليتيم والعيال وغير ذلك، وهو من الكلال وهو الاعياء (9) النوائب جمع نائبة وهى الحادثة، وانما قالت نوائب الحق لأن النائبة قد تكون فى الخير وقد تكون فى الشر، ومعنى كلام خديجة رضي الله عنها انك لا يصيبك مكروه لما جعل الله فيك من مكارم الاخلاق وكرم الشمائل، وفيه دلالة على أن مكارم الاخلاق وخصال الخير سبب السلامة من مصارع السوء (10) تقدم الكلام على ترجمته ونسبه واسلامه فى أبواب ذكر جماعة مشهورين كانوا فى الجاهلية من كتاب قصص الماضين من بنى اسرائيل وغيرهم الخ فى هذا الجزء فارجع اليه (11) تقدم تفسيره فى شرح الحديث السابق انه جبريل عليه السلام (12) أى شابا قويا والضمير فى قوله (فيها) يعود الى أيام النبوة ومدتها (13) بفتح الواو وتشديد الياء (14) أى وقت خروجك (انصرك نصرا مؤزرا) بفتح الزاى مشددة وبهمزة قبلها أى قويا بالغا (15) بفتح الشين المعجمة أى لم يلبث وأصل النشوب التعلق أى لم يتعلق بشئ من الأمور حتى مات، قال الحافظ وهذا بخلاف ما فى السيرة لابن اسحاق ان ورقة كان يمر ببلال وهو يعذب وذلك يقتضى أنه تأخر الى زمن الدعوة والى أن دخل بعض الناس في الاسلام فإن تمسكنا

ص: 208

وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كى يتردى من رءوس شواهق الجبال فكلما أوفى بذروة جبل لكى يلقى نفسه منه تبدّى له جبريل عليه السلام فقال يا محمد انك رسول الله حقا فيسكن ذلك جأشه وتقر نفسه عليه الصلاة والسلام فيرجع فاذا طالبت عليه وفتر الوحى غدا لمثل ذلك، فاذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك (عن ابن عباس) قال أنزل على النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين، وكان بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرا، فمات وهو ابن ثلاث وستين (وعنه أيضا) قال أقام النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمكة خمس عشرة سنة سبع سنين يرى الضوء ويسمع الصوت. وثمان سنين يوحى اليه، وأقام بالمدينة عشر سنين

بالترجيح فما فى الصيحيح أصح، وان لحظنا الجمع أمكن أن يقال الواو فى قوله وفتر الوحى ليست للترتيب فلعل الراوى لم يحفظ لورقة ذكرا بعد ذلك فى أمر من الامور فجعل هذه القصة انتهاء أمره بالنسبة الى علمه لا الى ما هو الواقع (1) قال الحافظ فتور الوحى عبارة عن تأخره مدة من الزمان، وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع وليحصل له التشوق الى العود اهـ (قلت) احتبس الوحى ثلاث سنين كما فى تاريخ الامام احمد وجزم به ابن اسحاق، وفى الأحاديث أنه قدر سنتين ونصف (2) لفظ فيما بلغنا معترض بين الفعل ومصدوه وهو (حزنا) والقائل هو محمد بن شهاب الزهرى من بلاغاته وليس موصولا، ويحتمل أن يكون بلغه بالاسناد المذكور، والمعنى ان فى جملة ما وصل الينا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه القصة، وهو عند ابن مردويه فى لاتفسير باسقاط قوله فيما بلغنا ولفظه فترة حزن النبى صلى الله عليه وسلم منها حزنا (غدا) بغين معجمة من الذهاب غدوة (3) أى يسقط (4) أى الجبال العالية (5) بكسر الذال المعجمة وتفتح وتضم يعنى أعلاه (6) انما اراد ذلك اشفاقا ان تكون الفترة لامر أو سبب منه فتكون عقوبة من ربه، ففعل ذلك بنفسه ولم يرد بعد شرع بالنهى عن ذلك فيعترض به، أو حزن على ما فاته من الأمر الذى بشره به ورقة ولم يكن خوطب عن الله انك رسول الله ومبعوث الى عباده، وعند ابن سعد من حديث ابن عباس بنحو هذا البلاغ الذى ذكره الزهرى (ولفظه) مكث أياما بعد مجيء الوحى لا يرى جبريل فحزن حزنا شديدا حتى كان يغدو الى ثبير مرة والى حراء أخرى يريدان يلقى نفسه (7) جاء فى حديث ابن سعد المذكور فبينا هو عامد لبعض تلك الجبال إذ سمع صوتا فوقف فزعا ثم رفع رأسه فاذا جبريل على كرسى بين السماء والأرض متربعا يقول يا محمد أنت رسول الله حقا وأنا جبريل (8) بالجيم ثم الهمزة الساكنة ثم شين معجمة أى اضطراب قلبه (وتقر) بكسر القاف وفتحها (نفسه) أى تطمئن (تخريجه)(ق مذ نس) قال العلامة القسطلانى وهذا الحديث يحتمل أن يكون من مراسيل الصحابة فان عائشة لم تدرك هذه القصة، لكن الظاهر أنها سمعت ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم فأخذنى فغطنى، فيكون قولها أول ما بدئ به حكاية ما تلفظ به النبى صلى الله عليه وسلم وحينئذ فلا يكون من المراسيل (9)(سنده) حدّثنا محمد بن جعفر حدثنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس الخ (تخريجه)(ق. وغيرهما)(10) جدّثنا أبو كامل حدثنا حماد أخبرنا عمار بن ابى عمار عن ابن عباس الخ (غريبه)(11) يعنى بعد أربعين سنة بعث لها أخذا من الحديث التالى (12) يستفاد منه أن

ص: 209

(عن عمار مولى بني هاشم) قال سألت ابن عباس كم أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات؟ قال ما كنت أرى مثلك فى قومه يخفى عليك ذلك، قال قلت انى سألت فاختلف على، فاحببت أن أعلم قولك فيه، قال اتحسب؟ قلت نعم، قال أمسك أربعين بعث لها، وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف، وعشرا مهاجرا بالمدينة (عن العلاء بن زياد العدوى) أنه قال لأنس بن مالك يا أبا حمزة من أى الرجال كان نبى الله صلى الله عليه وسلم إذ بعث؟ قال ابن أربعين سنة، قال ثم كان ماذا؟ قال كان بمكة عشرة سنين، وبالمدينة عشر سنين، فتمت له ستون سنة ثم قبضه الله عز وجل اليه قال سن أى الرجال هو يومئذ؟ قال كأشبّ الرجال وأحسنه وأجمله وألحمه، قال يا أبا حمزة هل غزوت مع نبى الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم غزوت معه يوم حنين (عن جابر بن عبد الله) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواوى نزلت فاستبطنت بطن الوادى فنوديت فنظرت أمامى وخلفى وعن يمينى وعن شمالى فلم أر أحدًا، ثم نوديت فنظرت فلم أر أحدًا: ثم نوديت فرفعت رأسى فاذا هو على العرش فى الهواء

النبي صلى الله عليه وسلم توفى وسنه خمس وستون سنة، وسيأتى الكلام على ذلك فى شرح حديث العلاء بن زياد الآتى (تخريجه)(ق، وغيرهما)(1)(سنده) حدّثنا عفان ثنا يزيد بن زريع حدثنا يونس عن عمار مولى بنى هاشم قال سألت ابن عباس الخ (تخريجه)(م) وهو يفيد ان النبى صلى الله عليه وسلم توفى وعمره خمس وستون سنة كالذى قبله (2)(سنده) حدّثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا أبى نافع ابو غالب الباهلى شهد انس بن مالك فقال العلاء بن زياد العدوى يا أبا حمزة سن أى الرجال كان الخ (غريبه)(3) هذا بفيد ان النبى صلى الله عليه وسلم بعث لأربعين سنة وأقام بمكة عشرا وبالمدينة عشرا وتوفى وعمره ستون سنة: ورواية عمار بن أبى عمار عن ابن عباس تفيد انه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة وتوفى وعمره خمس وستون سنة، ورواية عكرمة عن ابن عباس تفيد انه انزل على النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن اربعين فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة، وبالمدينة عشرا، وتوفى وهو ابن ثلاث وستين سنة، وهذه الروايات جاء مثلها عند الشيخين والترمذي: وقد جمع الامام النووى رحمه الله بين هذه الروايات المختلفة جمعا حسنا فقال: ذكر مسلم فى الباب ثلاث روايات (احداها) انه توفى وهو ابن ستين سنة (والثانية) خمس وستون (والثالثة) ثلاث وستون وهى أصحها وأشهرها رواها مسلم هنا من رواية عائشة وانس وابن عباس رضي الله عنهم، واتفق العلماء على أن أصحها ثلاث وستون وتأولوا الباقى، وعليه فرواية ستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسر، ورواية الخمس متأولة أيضا وحصل فيها اشتباه، وقد أنكر عروة على ابن عباس قوله (خمس وستون) ونسبه الى الغلط وانه لم يدرك أول النبوة ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين، واتفقوا انه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين، وبمكة قبل النبوة أربعين سنة، وانما الخلاف فى قدر اقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة، والصحيح أنها ثلاث عشرة فيكون عمره ثلاثا وستين، وهذا الذى ذكرناه انه بعث على رأس أربعين سنة هو الصواب المشهور الذى اطبق عليه العلما، وحكى القاضى عياض عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة انه صلى الله عليه وسلم بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة، والصواب أربعون كما سبق والله أعلم (تخريجه)(ق مذ نس)(4)(عن جابر بن عبد الله الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب أول ما نزل من القرآن

ص: 210

(وفي رواية فاذا هو قاعد على عرش بين السماء والأرض) فأخذتنى رجفة شديدة فأتيت خديجة فقلت دثرونى: فدثرونى وصبوا على ماءا فأنزل الله عز وجل {يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر} (عن عائشة رضي الله عنها ان جبريل عليه السلام اتى النبى صلى الله عليه وسلم على برذون وعليه عمامة طرفها بين كتفيه فسألت النبى صلى الله عليه وسلم فقال رأيته؟ ذاك جبريل عليه السلام (عن موسى بن عقبة) قال حدثنى أبو سلمة عن الرجل الذى مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يناجى جبريل عليه السلام فزعم أبو سلمة أنه تجنب أن يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم تخوفا أن يسمع حديثه، فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك ان تسلم اذ مررت بى البارحة؟ قال رأيتك تناجى رجلا فخشيت أن تكره ان أدنو منكما، قال وهل تدرى من الرجل؟ قال لا، قال فذلك جبريل عليه السلام، ولو سلمت لرد السلام، وقد سمعت من غير أبى سلمة أنه حارثه بن النعمان (عن عبد الله بن عمرو) قال سألت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هل تحس بالوحى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم، أسمع صلاصل ثم اسكت عند ذلك، فما من مرة يوحى الى الا ظننت ان نفسى تقبض (عن على أو عن الزبير) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا

من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر صحيفة 48 رقم 113 فارجع اليه (1)(سنده) حدثنا عبد الرحمن (يعنى ابن مهدى) عن عبد الله بن عمر عن أخيه عن القاسم عن عائشة الخ (قلت) عبد الله بن عمر يعنى ابن حفص بن عاصم العمرى عن أخيه يعنى عبيد الله (غريبه)(2) بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح الذال المعجمة الخيل التركية الجفاة الخلقة، وأكثر ما تجلب من بلاد الروم ولها جلد على السير فى الشعاب والجبال والوعر بخلاف الخيل العربية (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام أحمد وفى اسناده عبد الله بن عمر العمرى فيه مقال، وبقية رجاله رجال الصحيح (3)(سنده) حدثنا عفان قال ثنا وهيب قال ثنا موسى بن عقبة قال حدثنى أبو سلمة الخ (غريبه)(4) يعنى الرجل الذى مر بالنبى صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل ولم يسلم هو حارثة بن النعمان، وقد ذكره موسى بن عقبه وابن سعد فيمن شهد بدرًا رضي الله عنه (تخريجه) أورده الحافظ فى الاصابة وعزاء للامام أحمد والطبرانى وقال اسناده صحيح: قال وروى ابن شاهين من طريق المسعودى عن الحكم عن القاسم أن حارثة أتى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يناجى رجلا فجلس ولم يسلم، فقال جبرائيل اما انه لو سلم لرددنا عليه: فقال لجبرائيل وهل تعرفه؟ فقال نعم هذا من الثمانين الذين صبروا يوم حنين رزقهم ورزق أولادهم أعلى الجنة فى الجنة (5)(سنده) حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن ابى حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو (يعنى ابن العاص) قال سألت النبى صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(6) جمع صلصلة أى يأتينى مشابها صوته صلصلة الجرس وهو بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة، والجرس بالجيم والمهملة الجلجل الذى يعلق فى رءوس الدواب، قيل والصلصة المذكورة صوت الملك بالوحى: وقيل صوت حفيف اجنحة الملك، والحكمة فى تقدمه أن يقرع سمعه الوحى فلا يبقى فيه متسع لغيره (7) أى من شدة الوحى. وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات (تخريجه) اورده الهيثمى وقال رواه (حم حب) واسناده حسن (8)(سنده) حدثنا كثير بن هشام عن أبى الزبير عن عبد الله بن سلمة أو مسلمة قال كثير وحفظي سلمة عن علي

ص: 211

فيذكرنا بأيام الله حتى نعرف ذلك فى وجهه وكأنه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة وكان اذا كان حديث عهد بجبريل لم يبتسم ضاحكا حتى يرتفع عنه (عن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه قال كان اذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى يسمع عند وجهه دوئ كدوى النحل (عن عائشة) رضي الله عنها قالت ان كان لينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الغداة الباردة ثم تفيض جبهته عرقا (وعنها أيضا) أنها قالت ان كان ليوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجيرانها (وعنها أيضا) قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كان حديث عهد بجبريل يدارسه كان أجود بالخير من الريح المرسلة (وعنها أيضا) ان الحرث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يأتيك الوحى؟ قال أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد على ثم يغصم عمى وقد وعيت وأحيانا ياتينى ملك فى مثل صورة الرجل فأعى ما يقول (باب فى ذكر أول من آمن به صلى الله عليه وسلم قبل إظهار الدعوة)

أو عن الزبير الخ (غريبه)(1) أى بنعم الله عليهم ووقائع الله فى الأمم السالفة، يقال فلان عالم بأيام العرب أى بوقائعهم (وقوله حتى نعرف ذلك فى وجهه) أى بتغير وجهه من حالة البشر إلى حالة الخوف من الله عز وجل (2) معناه أنه كان صلى الله عليه وسلم يحذرهم ويخوفهم من غضب الله تعالى حتى كأن العذاب واقع بهم فى صباح اليوم التالى (3) أى تأدبا مع ما يلقيه الملك ولما يعتريه من شدة الوحى (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه (حم بز) والطبرانى فى الكبير والأوسط بنحوه وأبو يعلى عن الزبير وحده ورجاله رجال الصحيح (4)(عن عمر بن الخطاب الخ) هذا طرف من حديث طويل تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب قوله عز وجل قد أفلح المؤمنون من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر صحيفة 214 رقم 355 (5)(سنده) حدثنا أبو أسامة قال أنا هشام عن أبيه عن عائشة الخ (غريبه)(6) أى من ثقل الوحى عليه وشدته (تخريجه)(ق وغيرهما)(7)(سنده) حدثنا سليمان بن داود قال أنا عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة الخ (غريبه)(8) الجران بكسر الجيم وتخفيف الراء المفتوحة باطن العنق والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الوحى وهو راكب على راحلته بركت من ثقل الوحى وضربت الأرض بباطن عنقها أى مدت عنقها على الأرض لأن فى ذلك راحة لها (تخريجه)(طل) وأورده الهيثمى وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (9)(وعنها أيضا) هذا طرف من حديث طويل سيأتى بسنده وشرحه وتخريجه فى باب ما جاء فى خلقه العظيم فى القسم الثالث من كتاب السيرة النبوية، وهذا الطرف تقدم نحوه من حديث ابن عباس فى باب معارضة جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم للقرآن فى كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر صحيفة 55 رقم 127 وهو حديث صحيح رواه الشيخان وغيرهما (10)(سنده) حدّثنا محمد بن بشر حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ان الحارث الخ (غريبه)(11) أى يأتينيى مشابها صوته صلصلة الجرس وتقدم ضبطه وتفسيره فى شرح حديث عبد الله بن عمرو فى هذا الباب (12) تقدم ان فائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات (وقوله ثم يفصم عنى) بفتح المثناة التحتية وسكون الفاء وكسر المهملة من باب ضرب، والمراد قطع الشدة اى يقلع وينجلى ما يغشانى من الكرب والشدة (13) بفتح العين المهملة أى فهمت وحفظت (14) أى يتصور بصورة الرجل (تخريجه)(ق. وغيرهما)

ص: 212

(حدثنا يزيد بن هرون) أنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا حمزة يحدث عن زيد ابن أرقم قال أول من صلى (وفى لفظ) أول من اسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على، قال عمرو فذكرت ذلك لابراهيم فأنكر ذلك وقال أبو بكر رضي الله عنه (زاد فى رواية) وقال أبو بكر أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن اسماعيل بن إياس) بن عفيف الكندى عن أبيه عن جده قال كنت امرءا تاجرا فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة وكان امرءا تاجرا فوالله انى لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر الى الشمس فلما رآها مالت يعنى قالم يصلى قال ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذى خرج منه ذاك الرجل فقامت خلفه تصلى: ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلى، قال فقلت للعباس من هذا يا عباس؟ قال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخى، قال فقلت من هذه المرأة؟ قال هذه امرأته خديجة ابنة خويلد، قال قلت من هذا الفتى؟ قال هذا على بن أبى طالب بن عمه، قال فقلت فما هذا الذي يصنع؟ قال يصلى وهو يزعم أنه نبي

(1)(حدثنا يزيد بن هارون) الخ (غريبه)(2) يعنى ابن مرة أحد رجال السند (3) يعنى ابراهيم النخعى (4) يعنى أن أبا بكر أول من أسلم مع النبى صلى الله عليه وسلم ولا منافاة، فان أبا بكر أول من أسلم من الرجال، وعليا أول من أسلم من الصبيان، فقد روى انه كان حينذاك بين تسع سنين وعشر، وكان اسلامه قبل اسلام ابى بكر رضي الله عنهما (تخريجه) رواه ابن جرير فى تاريخه ورجاله ثقات، وروى ابن اسحاق فى السيرة قال أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه علىَّ بن أبى طالب وهو ابن عشر سنين وكان فى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام، وقال محمد بن كعب أول من أسلم من هذه الأمة خديجة، وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلىّ، وأسلم على قبل أبى بكر وكان على يكتم ايمانه خوفا من أبيه حتى لقيه أبوه قال أسلمت؟ قال نعم، قال وآزر ابن عمك وانصره، قال وكان أبو بكر الصديق أول من أظهره الاسلام، وروى الطبرانى عن أبى رافع صلى النبى صلى الله عليه وسلم أول يوم الاثنين وصلت خديجة آخره: وصلى علىَّ يوم الثلاثاء وروى الحاكم فى المستدرك من حديث بريدة الأسلمى قال أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وصلى علىّ يوم الثلاثاء وصححه الحاكم وأقره الذهبى (5)(سنده) حدّثنا يعقوب حدثنى أبى عن ابن اسحق حدثنى يحيى بن الأشعث عن اسماعيل بن اياس الخ (غريبه)(6) جده هو عفيف بن عمرو كما سماه الحاكم فى روايته وقيل ابن قيس، والراجح ما ذكره الحاكم (7) يعنى بعد الزوال إلى جهة المغرب، وجاء فى بعض الروايات أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بهما حين زالت الشمس فهى تفسر ما هنا، ولا يعارضه قول مقاتل كانت الصلاة أول فرضها ركعتين بالغداة وركعتين بالعشى لقوله تعالى {وسبح بحمد ربك بالعشى والابكار} فقد قيل العشى ما بين الزوال إلى الغروب، ومنه قيل الظهر والعصر صلاتا العشى (قال الحافظ) كان صلى الله عليه وسلم قبل الاسراء يصلى قطعا وكذلك أصحابه، ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شئ من الصلاة أم لا؟ فقيل إن الفرض كان صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، والحجة فيه قوله تعالى {وسبح} أى صل حال كونك متلبسا {بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} (8) أى قارب البلوغ، قيل كانت سنة تسع سنين أو عشر سنين (تخريجه)(ك) وصححه

ص: 213

ولم يتبعه على امره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى، وهو يزعم أنه يفتح عليه كنوز كسرى وقيصر قال فكان عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول وأسلم بعد ذلك فحسن اسلامه لو كان الله رزقنى الاسلام يومئذ فاكون ثالثا مع على بن أبى طالب (عن ابن عباس) قال أول من صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم بعد خديجة على، وقال مرة أسلم (عن عبد الله) قال أول من أظهر اسلامه سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار بن ياسر وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبى طالب وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه: وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم ادراع الحديد وصهروهم فى الشمس فما منهم انسان إلا وقد واتاهم على ما ارادوا الا بلال فانه هانت عليه نفسه فى الله وهان على قومه فأعطوه الولدان واخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول أحد احد (عن عبد الرحمن بن البيلماني)

وأقره الذهبي، ورواه أيضا ابن سعد فى الطبقات والنسائى فى الخصائص، وذكره الحافظ فى الاصابة وعزاه البغوى وابى يعلى، ورواه أيضا الطبرى فى تاريخه والبخارى فى تاريخه الكبير، وابن عبد البر فى الاستيعاب، وأورده الهيثمى وقال رواه احمد وأبو يعلى بنحوه والطبرانى بأسانيد، ورجال احمد ثقات (1)(سنده) حدّثنا سليمان بن داود حدثنا أبو عوانة عن أبى بلج عن عمرو بن مسمون عن ابن عباس الخ (قلت) أبو بلح بفتح الموحدة وسكون اللام اسمه يحيى بن أبى سليم (غريبه)(2) يعنى وقال مرة أول من أسلم بعد خديجة على، ومعنى الروايتين أن عليا أول من أسلم وأول من صلى مع النبى صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنهما (تخريجه)(مذ طل) وسنده جيد (3)(سنده) حدّثنا يحيى بن أبى بكير حدثنا زائدة عن عاصم بن أبى النجود عن زرّ عن عبد الله (يعنى ابن مسعود) الخ (غريبه)(4) معناه أن من آمن بالنبى صلى الله عليه وسلم كانوا يخفون اسلامهم خوفا من أذى المشركين، وهؤلاء السبعة سبقوهم باظهار الإسلام (5) أى عصمه من أذاهم (6) من صهر كمنع أبى عذبوهم (7) قال فى المصباح آتيته على الأمر اذا وافقته، وفى لغة أهل اليمن تبدل الهمزة واوا فيقال واتيته على الأمر مواتاة: وهو المشهور على ألسنة الناس، ومعناه الا وقد وافقهم على ما أرادوا من ترك اظهار الاسلام (8) أى حقرت وصغرت عنده لأجله تعالى (9) معناه الله واحد (تخريجه)(ك جه) قال البوصيرى فى زوائد ابن ماجه اسناده ثقات رواه ابن حيان فى صحيحه، والحاكم فى المستدرك رواه من طريق عاصم ابن أبى النجودبه والله أعلم (قال ابن جرير) وقال آخرون كان أول من أسلم زيد بن حارثة، ثم روى من طريق الواقدى عن ابن أبى ذئب سألت الزهرى من أول من أسلم من النساء؟ قال خديجة، قلت فمن الرجال؟ قال زيد بن حارثة وكذا قال عروة وسليمان ابن يسار وغير واحد أول من أسلم من الرجال زيد بن حارثة: وقد أجاب الامام أبو حنيفة رحمه الله بالجمع بين هذه الأقوال بأن أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الموالى زيد بن حارثة، ومن الغلمان على بن أبى طالب رضي الله عنهم أجمعين (وقال شيخ الاسلام) تقى الدين أبو عمر بن الصلاح والأروع (أى الأدخل فى الورع والأسلم) أن يقال أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان أو الأحداث

ص: 214

(عن عمرو بن عبسة) السلمى قال قلت يا رسول الله من معك على هذا الأمر؟ قال حر وعبد ومعه أبو بكر وبلال ثم قال له ارجع الى قومك حتى يمكن الله عز وجل لرسوله، قال وكان عمرو بن عبسة يقول لقد رأتينى وانى لربع الاسلام (عن اسماء بنت أبى بكر) رضي الله عنهما قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وهو يصلى نحو الركن قبل أن يصدع لما يؤمر والمشركون يستمعون {فبا آلاء ربكما تكذبان} (باب فى أمر الله عز وجل نبىه صلى الله عليه وسلم باظهار الدعوة والصدع بها وما لاقاه من ايذاء كفار قريش له وتعذيبهم المستضعفين ممن اسلموا معه)(عن أبى هريرة) قال لما نزلت هذه الآية (وانذر عشيرتك الأقربين) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فعمّ وخصّ (وفى رواية جعل يدعو بطون قريش بطنا بطنا) فقال يا معشر قريش أنقذوا انفسكم من النار، يا معشر بنى كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد المطلب أنقذوا انفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذى نفسك من النار، فإني والله

علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالى زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال والله أعلم (1)(سنده) حدّثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن يزيد بن طلق عن عبد الرحمن بن البيلمانى عم عمرو بن عبسة الخ (غريبه)(2) يعنى على الاسلام، وفى رواية أخرى من أسلم معك؟ (3) زاد فى رواية أخرى قلت إنى متبعك، قال إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا، ولكن ارجع إلى أهلك فاذا سمعت بى قد ظهرت فألحق بى، وانما قال له النبى صلى الله عليه وسلم ذلك لأنه كان مستخف بالاسلام فى أول الأمر ولم يؤمر باظهار الدعوة اليه، قال فرجعت إلى أهلى وقد أسلمت (4) معناه انا الرابع فى الاسلام بعد النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وبلال (تخريجه) (م) مطولا وكذلك الامام احمد وسيأتى مطولا فى باب مناقب عمرو بن عبسة من كتاب فضائل الصحابة إن شاء الله تعالى (5) (سنده) حدّثنا يحيى بن اسحاق قال أنا ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة عن أسماء بنت أبى بكر الخ (غريبه) (6) أى قبل ان يؤمر بالجهر بالدعوة ويستفاد منه ان اسلام اسماء بنت ابى بكر كان قبل الجهر بالدعوة (قال فى المواهب اللدنية) وأول أمرأة أسلمت بعد خديجة أم الفضل زوج العباس وأسماء بنت أبى بكر ودخل الناس فى الاسلام أرسالا من الرجال والنساء اهـ فهى ثالثة امرأة اسلمت رضي الله عنها وعن أبيها: فقد أسلم بدعاية أبى بكر عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وطلحة بن عبيد الله وهؤلاء من العشرة المبشرين بالجنة جاء بهم أبو بكر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا، ثم أسلم أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح وأبو سلمة بعد تسعة أنفس والأرقم بن أبى الأرقم المخزومى وعثمان بن مظعون الجمحى واواه قدامة وعبد الله: وعبيدة بن الحارث بن المطلب وسعيد بن زيد وامرأته فاطمة بنت الخطاب: كذا فى المواهب اللدنية رضي الله عنهم أجمعين (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وأورده الهيثمى وقال رواه احمد وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح (باب)(7)(عن أبى هريرة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب وأنذر عشيرتك الأقربين فى تفسير سورة الشعراء من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن صحيفة 226 رقم 366

ص: 215

ما أملك لكم من الله شيئا الا ان لكم رحما سأبلها ببلالها (عن ابن عباس) قال لما أنزل الله عز وجل (وأنذر عشيرتك الأقربين) قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى يا صاحباه، فاجتمع الناس اليه بين رجل يجئ اليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنى عبد المطلب. يا بنى فهر. يا بنى لؤى. أرايتم لو اخبرتكم ان خيلا بسفح هذا الجبل تريد ان تغير عليكم صدقتمونى؟ قالوا نعم، قال فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد، فقال ابو لهب تبالك سائرا، اليوم: اما دعوتنا الا لهذا؟ فأنزل الله عز وجل (تبت يدا أبى لهب)(عن ابى هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنى عبد المطلب اشتروا انفسكم من الله يا صفية عمة رسول الله ويا فاطمة بنت رسول الله اشتريا انفسكما من الله لا اغنى عنكما من الله شيئا سلانى من مالى ماشئتما (أبواب ذكر من تولوا ايذاءه صلى الله عليه وسلم بعد اظهار الدعوة)(باب أن من تولى كبر ايذائه عمه ابو لهب)(عن عبد الرحمن بن ابى الزناد) عن ابيه عن ربيعة بن عباد الديلى وكان جاهليا اسلم فقال رايت رسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بصر عينى بسوق ذى المجاز يقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا: ويدخل فى فجاجها والناس متقصفون عليه فما رأيت أحدًا يقول شيئا وهو لا يسكت، يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا: الا أن وراءه رجلا أحول وضيء الوجه ذا غديرتين يقول إنه صابئ كاذب، فقلت من هذا؟ قالوا، محمد بن عبد الله وهو يذكر النبوة، قلت من هذا الذى يكذبه؟ قالوا عمه ابو لهب، قلت إنك كنت يومئذ صغيرًا؟ قال لا والله انى يومئذ لأعقل (وعنه من طريق ثان) قال انى لمع أبى رجل شاب انظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ووراءه رجل أحول وضئ ذو جمة يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة ويقول يا بنى فلان إنى رسول الله اليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تصدقونى حتى أنفذ عن الله ما بعثنى به، فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقالته قال الآخر من خلفه يا بنى فلان إن هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم

(1)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى الباب المشار اليه صحيفة 225 رقم 266 (2)(سنده) حدّثنا يزيد قال أنا محمد يعنى ابن اسحاق عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(3) معناها لا ينفعكم فى الآخرة إلا التقوى وقرابتى لكم لا تنفعكم فيها، اما فى الدنيا فيمكننى أن أنفعكم بمالى (تخريجه) (ق. وغيرهما) (باب) (4) (سنده) حدّثنا أبو سليمان الضبى داود بن عمرو بن زهير المسيبى قال ثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد الخ (غريبه) (5) بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة أى رأيته بعينى: وسوق المجاز مكان معروف بمكة (6) أى مزدحمون (7) أى حسن الوجه (وقوله ذا غديرتين) أى ضفيرتين (8) يقال صبأ فلان إذا خرج من دين إلى دين غيره، وكانت العرب تسمى النبى صلى الله عليه وسلم الصابئ لأنه خرج من دين قريش إلى دين الاسلام (9)(سنده) حدّثنا مسروق بن المرزبان الكوفى ثنا ابن أبى زائدة قال قال ابن اسحاق فحدثنى حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس قال سمعت ربيعة بن عباد الديلى قال إنى لمع أبي الخ (10) الجمة

ص: 216

من الحي بني مالك بن اقيش إلى ما جاء به من البدعة والصلالة فلا تسمعوا له ولا تتبعوه، فقلت لأبى من هذا؟ قال عمه أبو لهب (وعنه أيضًا من طريق ثالث) قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف المدينة على الناس بمنى فى منازلهم قبل أن يهاجر إلى المدينة يقول يأيها الناس الخ الحديث كما تقدم (وعنه أيضًا من طريق رابع) أنه قال رأيت أبا لهب بعكاظ وهو يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول يا أيها الناس ان هذا قد غوى، فلا يغوينكم عن آلهة أبائكم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفر منه وهو على أثره ونحن نتبعه ونحن غلمان كأنى أنظر اليه أحول ذا غديرتين أبيض الناس وأجملهم (باب ومنهم أبو جهل)(عن ابن عباس) قال قال أبو جهل لئن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى عند الكعبه آتينه حتى أطأ على عنقه، قال فقال لو فعل لأخذته الملائكة عيانا، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم فى النار ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعو الا يجدون مالا ولا أهلا (عن أبى حازم) عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال فقيل نعم، قال واللات والعزى يمينا يحلف بها لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه فى التراب، قال فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى زعم ليطأ على رقبته قال فما فاجأهم منه الا وهو ينكص على عقبيه ويتقى بيديه، قال قالوا له مالك؟ قال ان بينى وبينه لخندقا من نار وهؤلاء وأجنحة، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دنا منى لخطفته الملائكة عضوا عضوا قال فأنزل الله لا أدرى فى حديث أبى هريرة أو شيئًا بلغه {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} إلى آخر

من شعر الرأس ما سقط على المنكبين (1)(سنده) حدّثنا سعيد بن أبى الربيع السمان قال حدثنى سعيد بن سلمة يعنى ابن أبى الحسام قال ثنا محمد بن المنكدر انه سمع ربيعة بن عباد الديلي يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (2)(سنده) حدّثنا مصعب بن عبد الله الزبيرى قال حدثنى عبد العزيز بن محمد ابن أبى عبيد عن ابن أبى ذئر عن سعيد بن خالد القرظى عن ربيعة بن عباد الديلى انه قال رأيت أبا لهب بعكاظ الخ (تخريجه)(هق طب) وسنده جيد (باب)(3)(سنده) حدّثنا اسماعيل بن يزيد الرقى أبو يزيد حدثنا فرات عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس الخ (غريبه)(4) يعنى النبى صلى الله عليه وسلم فقد جاء عند البخارى فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم فقال لو فعله لأخذته الملائكة، وعند الترمذى فقال النبى صلى الله عليه وسلم الخ (5) يشير إلى قوله تعالى {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوا ابدا} (6) يشير إلى قوله تعالى {فمن حاجك فيه} اي جادلك من النصارى فى أمر عيسى حيث خلقه الله تعالى من غير أب {من بعد ما جاءك من العلم} بأمره {فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل} اى نتفرغ فى الدعاء {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} بأن نقول اللهم العن الكاذبين فى شأن عيسى، فأبوا المباهلة وقال عقلاؤهم لقد عرفتم نبوته وأنه ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا فصالحوه على الجزية (تخريجه) اورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه للامام احمد، قال وقد رواه البخارى والترمذي والنسائى من حديث عبد الرازق عن عبد الكريم به قال الترمذى حسن صحيح (7)(عن ابى حازم الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه

ص: 217

السورة (عن ابن عباس) عن النبى صلى الله عليه وسلم نحوه (باب ومنهم عقبة بن أبى معيط)(عن عبد الله) قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش إذ جاء عقبة ابن أبى معيط بلا جزور فقذفه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك، قال فقال الله معليك الملأ من قريش أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبى معيط وأمية بن خلف أو أبى بن خلف شعبة الشاك قال فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا فى بئر غير أن أمية أو أبية انقطعت أوصاله فلم يلق فى البئر (ومن طريق ثان) قال ثنا خلف ثنا اسرائيل فذكر الحديث الا أنه قال عمرو بن هشام وأمية بن خلف وزاد وعمارة بن الوليد (وعنه أيضا) قال استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فدعا على نفر من قريش سبعة فيهم أبو جهل وأمية بن خلف وشيبة بن ربيعة وعقبة بن معيط فأقسم بالله لقد رأيتهم صرعى على بدر وقد غيرتهم الشمس وكان يوما حارًا

وتخريجه في باب أرأيت الذى ينهى عبدا إذا صلى من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر صحيفة 329 رقم 499 (1)(حديث ابن عباس) تقدم ايضا بسنده وشرحه وتخريجه فى الباب المشار اليه فى الجزء الثامن عشر صحيفة 329 رقم 498 فارجع اليه (باب)(2)(سنده) حدّثنا محمد (يعنى ابن جعفر) حدثنا شعبة عن أبى اسحاق عن عمرو ابن ميمون عن عبد الله (يعنى ابن مسعود الخ)(غريبه)(3) بفتح السين المهملة، قال فى النهاية الجلد الرقيق الذى يخرج فيه الولد من بطن أمه ملفوفا فيه، وقيل هو فى الماشية السلا وفى الناس المشيمة والاول أشبه لأن المشيمة تخرج بعد الولد ولا يكون الولد حين يخرج اهـ (وقال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه السلا هو الذى يخرج مع ولد الناقة كالمشيمة لولد المرأة، وفى بعض الفاظ الصحيح أنهم لما فعلوا ذلك استضحكوا حتى جعل بعضهم يميل على بعض أى يميل هذا على هذا من شدة الضحك لعنهم الله، وفيه أن فاطمة لما ألقته عنه أقبلت عليهم فسبتهم وانه لما فرغ من صلاته رفع يديه يدعو عليهم فلما، رأوا ذلك سكن عنهم الضحك وخافوا دعوته (4) جاء فى بعض الروايات والوليد بن عتبة (5) معناه ان شعبة يشك هل قال امية بن خلف أو ابى بن خلف، قال الحافظ ابن كثير والصواب امية بن خلف فانه الذى قتل يوم بدر، واخاوه ابى انما قتل يوم احد (6) انما حصل لهم ذلك بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم عليهم وقد استجاب الله دعاءه فلم يفلت منهم احد (7) هكذا بالأصل فذكر الحديث (قلت) يعنى الحديث المتقدم (تخريجه)(ق. وغيرهما)(8) حدّثنا حسن بن موسى حدثنا زهير حدثنا ابو اسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود قال استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت الخ (غريبه)(9) ذكر منهم فى هذا الحديث خمسة والسادس الوليد بن عتبه كما جاء فى بعض الروايات والسابع، عمارة بن الوليد كما جاء فى الطريق الثانية من الحديث السابق (10) هو محمول على أكثرهم لأن عقبة بن أبى معيط لم يصرع بل أسر ثم قتل صبرا بعد أن رحلوا عن بدر مرحلة بمحل يقال له عرق الظبية، قتله علىَّ بأمر النبى صلى الله عليه وسلم وامية بن خلف لم يطرح فى القليب كما هو بل مقطعا، وعمارة بن الوليد هلك بأرض الحبشة بعد أن جن

ص: 218

(عن عروة بن الزبير) قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرنى بأشد شئ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة ابن أبى معيط فأخذ بمنكب النبى صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه فى عنقه فخنقه به خنقًا شديدا فأقبل أبو بكر رضي الله عنه فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم (عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة) عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما فى الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرّق جماعتنا وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا، قال فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشى حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فلما أن مرّ بهم غمزوه ببعض ما يقول: قال فعرفت ذلك فى وجهه ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك فى وجهه، ثم مضى ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها: فقال تسمعون يا معشر قريش أما والذى نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح فاخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل الا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه باحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول انصرف يا أبا القاسم انصرف راشدا فوالله ما كنت جهولا، قال فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان الغد اجتمعوا فى الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى اذا بادئكم بما تكرهون تركتموه، فبينما هم فى ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوثبوا اليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون أنت الذى تقول كذا وكذا كما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، قال فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أنا الذى أقول ذلك قال فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه، وقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه دونه

وتوحش وصار مع البهائم وهذا جزاء المعتدين (تخريجه)(ق، وغيرها)(1)(سنده) حدّثنا على بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلم حدثنى الاوزاعى حدثنى يحيى بن كثير حدثنى محمد بن ابراهيم ابن الحارث التيمى حدثنى عروة بن الزبير الخ (تخريجه)(خ)(2)(سنده) قال الامام احمد قال يعقوب حدثنا أبى عن ابن اسحاق قال وحدثنى يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة الخ (غريبه)(3) أى حجر اسماعيل بجوار الكعبة (4) أى نسب عقلاءنا الى الجهل (5) أى أشاروا إلى قوله بأعينهم وحواجبهم استهزاءا به (6) يعنى أن وجهه صلى الله عليه وسلم تغير وظهرت عليه علامات الغضب (7) الذبح هنا مجاز من الهلاك فانه من أسرع أسبابه (8) أي لم ينطقوا ببنت شفة (9) هو بفتح الواو والصاد المهملة يعنى وصية على ايذائه (10) كيمدحه وزنا ومعنى، قال فى النهاية أى يسكنه ويرفق به ويدعو له (11) هو عقبة بن أبى معيط كما يستفاد من الحديث السابق (تخريجه) أخرجه ابن اسحاق في

ص: 219

يقول وهو يبكي أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله، ثم انصرفوا عنه، فان ذلك لأشد ما رأيت قريشا بلغت منه قط (باب ما جاء فى تعذيبهم المستضعفين وضربهم للنبى صلى الله عليه وسلم وسبه)(عن سالم بن أبى الجعد) قال دعا عثمان (بن عفان) رضي الله عنه ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم عمار بن ياسر رضي الله عنه (فذكر حديثا) ثم قال فقال عثمان رضي الله عنه ألا أحدثكما عنه يعنى عمارا، أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بيدى نتمشى فى البطحاء حتى أتى على أبيه وأمه وعليه يعذبون، فقال أبو عمار يا رسول الله الدهر هكذا، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم اصبر ثم قال اللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت (عن أبى هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تعجبوا كيف يصرّف عنى شتم قريش، كيف يلعنون مذمما ويشتمون مذمما وانا محمد (عن أنس بن مالك) قال جاء جبريل إلى النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزينا قد خضب بالدماء ضربه بعض أهل مكة، قال فقال له مالك؟ قال فقال فعل بى هؤلاء وفعلوا، قال فقال له جبريل أتحب أن أريك آية؟ قال نعم، قال فنظر الى شجرة من وراء الوادى فقال ادع بتلك الشجرة، فدعاها

السيرة مطولا كما هنا ورواه البخارى مختصرا، وهو الحديث السابق، وقد أشار البخارى الى رواية ابن اسحاق، هذه وقال وصله احمد من طريق ابراهيم بن سعد والبزار من طريق بكر بن سليمان كلاهما عن ابن اسحاق بهذا السند اهـ وأورده الهيثمى وقال رواه احمد وقد صرح ابن اسحاق بالسماع وبقية رجاله رجال الصحيح، وقال أيضا فى الصحيح طرف منه يشير إلى الحديث السابق والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدّثنا عبد الصمد حدثنا القاسم يعنى ابن الفضل حدثنا عمرو بن مرة عن سالم بن أبى الجعد الخ (غريبه)(2) سيأتى الحديث بتمامه فى مناقب عمار بن ياسر من كتاب فضائل الصحابة إن شاء الله تعالى (3) يعنى أبا عمار واسمه ياسر بالتحتية والمهملة والراء بوزن فاعل وهو معروف (وأمه) اسمها سمية بنت خياط وكانت سابع سيدة فى الاسلام (قال فى بهجة المحافل) فكانوا يأخذون عمار بن ياسر وأباه وأمه وأخته (لم أقف على اسمها) فيقلبونهم فى الرمضاء وهى الأرض الشديدة الحمر ظهرا لبطن، فيمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فيقول صبرًا آل ياسر فان موعدكم الجنة، وماتت سمية أم عمار بذلك فكانت أول قتيل فى الاسلام فى ذات الله، ومات ياسر وابنته بعدها (قلت) جاء فى مسند الامام احمد قال حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال أول شهيد كان فى الاسلام استشهد أم عمار سمية طعنها أبو جهل فى قلبها، أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وقال هذا مرسل (4) يعنى استجاب الله دعاءه وغفر لهم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه احمد ورجاله رجال الصحيح اهـ (قلت) نعم رجاله رجاله الصحيح إلا أنه منقطع لأن سالم بن ابى الجعد لم يدرك عثمان (5)(سنده) حدّثنا سفيان عن أبى الزناد عن الأعرح عن أبى هريرة الخ (غريبه)(9) قال الحافظ كان الكفار من قريش من شدة كراهتهم فى النبى صلى الله عليه وسلم لا يسمونه باسمه الدال على المدح فيعدلون الى ضده فيقولون مذمم، وإذا ذكروه بسوء قالوا فعل الله بمذمم وليس هو اسمه ولا يعرف به، فكان الذى يقع منهم فى ذلك مصروفا إلى غيره اهـ (قلت) وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم (الا تعجبوا كيف يصرف عنى شتم قريش)(تخريجه)(خ نس)(7)(سنده) حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبى سفيان عن أنس

ص: 220

فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، فقال مرها فلترجع، فأمره فرجعت الى مكانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبى (عن سليمان بن زياد الحضرمى) أن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدى حدثه أنه مر وصاحب له بأيمن وفئة من قريش قد حلوا أزرهم فجعلوها مخاريق يجتلدون بها وهم عراة، قال عبد الله فلما مررنا بهم قالوا ان هؤلاء قسيسون فدعوهم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم فلما أبصروه تبددوا فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا حتى دخل، وكنت أنا وراء الحجرة فسمعته يقول سبحان الله لا من الله استحيوا ولا من رسوله استتروا، وأم أيمن عنده تقول استغفر لهم يا رسول الله قال عبد الله فبلأى مما استغفر لهم (عن مسروق) قال قال خباب بن الأرت رضي الله عنه كنت قينًا بمكة فكنت أعمل للعاص بن واثل فاجتمت لى عليه دراهم فجئت اتقاضاه، فقال لا أقاضينك حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم قال قلت والله لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث، قال فاذا بعثت كان لي مال

ابن مالك الخ (غريبه)(1) أراد جبريل عليه السلام تسلية النبى صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزة فانصرف عن النبى صلى الله عليه وسلم ما يجد من الحزن وقال حسبى، يعنى كفانى هذه المعجزة (وما من نبى الا وقد آذاه قومه) وذلك من تمام حكمة الله عز وجلى ليظهر شرفهم فى هذه المقامات ويبين أمرهم وتتم كلمته فيهم وليحقق بامتحانهم بشريتهم ويرفع الالتباس على أهل الضعف فيهم لئلا يضلوا بما يظهر من العجائب على أيديهم ضلال النصارى بعيسى بن مريم، ولتكون فى محنتهم تسلية لأممهم ووفور لأجورهم عند ربهم تماما على الذى أحسن اليهم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد ورجاله من رجال الصحيحين (وعن أنس أيضا) قال لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غشى عليه فقام أبو بكر فجعل ينادى ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله، فقالوا من هذا؟ فقالوا أبو بكر المجنون: اورده الهيثمى وقال رواه (عل بز) وزاد البزار فتركوه وأقبلوا على أبى بكر ورجاله رجال الصحيح (2)(سنده) حدّثنا هارون ثنا عبد الله بن وهب ثنا عمرو أن سليمان بن زياد الحضرمى حدثه أن عبد الله بن الحارث الخ (غريبه)(3) قال الحافظ فى التقريب هو آخر من مات من الصحابة بمصر سنة ست وثمانين على الأصح (4) ايمن بوزن احمد هو ابن عبيد، امه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمها بركة بفتح الباء الموحدة والراء وكنيت بابنها أيمن بن عبيد، وهو أخو اسامة بن زيد لأمه، استشهد أيمن يوم حنين، والظاهر أنه تصادف وجود أيمن فى هذا المكان فشاركهم فى عملهم، أو يكون ذلك قبل إسلامه والله أعلم (5) جمع مخراق قال فى النهاية وهو ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا، ومنه الحديث أن أيمن وفتية معه حلوا أزرهم وجعلوها مخاريق واجتلدوا بها اهـ أى صار يضرب بعضهم بعضا (وقوله وهم عراة) يفيد أنه لم يكن لهم ثوب سوى الازار (6) جمع قسيس وهو عالم للنصارى، والظاهر أنهم قالوا ذلك استهزاءا بهم (7) أى تفرقوا (8) انما قالت ذلك أم أيمن لأن ابنها كان معهم فخافت أن يصيبه شئ من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم (9) أبى بعد مشقة وجهد وإبطاء استغفر لهم (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد ورجاله ثقات (10)(عن مسروق الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب أفرأيت الذى كفر بآياتنا الخ من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر صحيفة 210 رقم 350

ص: 221

وولد (وفي رواية فاتى إذا مت ثم بعثت ولى ثمَّ مال وولد فأعطيك) قال فذكرت ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تبارك وتعالى {أفرأيت الذى كفر بآياتنا وقال لأوتينّ مالا وولدا حتى بلغ فردا} (عن خبّاب بن الأرت) أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى ظل الكعبة متوسدا بردة له فقلنا يا رسول الله ادع الله تبارك وتعالى لنا واستنصره، قال فاحمر لونه أو تغير، فقال لقد كان من كان قبلكم يحفر له حفرة ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق ما يصرفه عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظم من لحم أو عصب ما يصرفه عن دينه، وليتمن الله تبارك وتعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء الى حضرموت لا يخشى الا الله تعالى والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون (باب ما جاء فى تعنت قريش فى طلب الآييات واصرارهم على العناد وتآمرهم على قتل سيد العباد صلى الله عليه وسلم (عن انس بن مالك) قال سال أهل مكة النبى صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة مرتين فقال {اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر} (عن جبير بن مطعم) قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل، فقالوا سحرنا محمد، فقالوا ان كان سحرنا فانه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم (عن ابن عباس) قال قالت قريش للنبى صلى الله عليه وسلم ادع لنا ربك أن

فارجع إليه (1)(عن خباب بن الأرت الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب الصبر على المكاره مطلقا منم كتاب الصبر فى الجزء التاسع عشر صحيفة 130 رقم 18 وهو حديث صحيح رواه (خ دنس) وانما ذكرته هنا لمناسبة الترجمة (قال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه معناه انهم شكوا اليه ما يلقون من المشركين من التعذيب بحر الرمضاء وانهم يسحبونهم على وجوههم فيتقون بأكفهم وغير ذلك من انواع العذاب وسألوا منه ان يدعو الله لهم على المشركين او يستنصر عليهم فوعدهم ذلك ولم ينجزه لهم فى الحالة الراهنة واخبرهم عمن كان قبلهم انهم كانوا يلقون من العذاب ما هو اشد مما اصابهم ولا يصرفهم ذلك عن دينهم: ويبشرهم ان الله سيتم هذا الأمر ويظهره ويعلنه وينصره وينشره فى الاقاليم والآفاق حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف الا الله عز وجل والذئب على غنمه ولكنكم تعجلون (باب)(2)(عن انس بن مالك الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب قوله تعالى {اقتربت الساعة وانشق القمر} من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر صحيفة 289 رقم 444 (3)(سنده) حدّثنا محمد بن كثير قال ثنا سليمان بن كثير عن حصين بن عبد الرحمن عن محمد بن جبير بن مطعم عن ابيه قال انشق القمر الخ (غريبه)(4) روى البيهقى بسنده عن مسروق عن عبد الله (يعنى ابن مسعود) قال انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين فقال كفار قريش أهل مكة هذا سحر سحركم به ابن ابى كبشة انظروا السفار فان كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وان كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به، قال فسئل السفار قال وقدموا من كل وجهة فقالوا رأينا: ورواه أيضا ابو داود الطيالسى ورواه ابن جرير من حديث المغيرة به وزاه فأنزل الله عز وجل {اقتربت الساعة وانشق القمر} (تخريجه) رواه البيهقى وابن جرير وسنده جيد (5)(سنده) ِحدّثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن سلة بن كهيل عن عمران بن الحكم

ص: 222

يجعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك، قال وتفعلون، قالوا نعم قال فدعا فأتاه جبريل فقال ان ربك عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول ان شئت أصبح لهم الصفا ذهبا فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابا لا أعذبه احدا من العالمين، وان شئت فتحت لهم أبواب التوبة والرحمة قال بل باب التوبه والرحمة (عن ابن عباس) أن الملأ من قريش اجتمعوا فى الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف لو قد رأينا محمدا لقد قمنا اليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله، فاقبلت ابنته فاطمة رضي الله عنها تبكى حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك لقد قاموا اليك فقتلوك فليس منهم رجل الا قد عرف نصيبه من دمك، فقال يا بنية أرينى وضوءا فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا ها هو ذا وخفضوا أبصارهم وسقطت أذقانهم فى صدورهم وعقروا فى مجالسهم فلم يرفعوا اليه بصرا ولم يقم اليه رجل، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رءوسهم فأخذ قبضة من التراب فقال شاهت الوجوه ثم حصبهم بها فما أصاب رجلا منهم من ذلك الحصى حصاة الا قتل يوم بدر كافرا (باب فى تخصيصه صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب بدعوة ليريهم بعض الآيات الدالة على نبوته رحمة بهم لانهم أقرب الناس اليه فلم يستجيبوا له) (عن على رضي الله عنه قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم او دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق قال فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا، قال وبقى الطعام كما هو كأنه

عن ابن عباس الخ (قلت) وله طريق آخر عن ابن عباس ايضا عند الامام احمد تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا ان كذب بها الأولون من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر صحيفة 193 رقم 327 (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رجال الروايتين رجال الصحيح الا ان فى احد طرقه عمران بن الحكم (يعنى طريق حديث الباب) وهو وهم وفى بعضها عمران ابو الحكم، وهو ابن الحارث وهو الصحيح، ورواه البزار بنحوه اهـ (قلت) واورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه للامام احمد وابن مردويه والحاكم فى مستدركه من حديث سفيان الثورى وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه (قلت) واقره الذهبى (1)(سنده) حدّثنا اسحاق بن عيسى حدثنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) هذه أسماء أصنام لهم (3) قال فى النهاية العقر بفتحتين أن تسلم الرجل قوائمه فى الخوف، وقيل هو أن يفجأه الروع فيدهش ولا يستطيع أن يتقدم أو يتأخر (4) أى قبح منظرها (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد ورجاله رجال الصحيح (باب)(5)(سنده) حدّثنا عفان حدثنا أبو عوانه عن عثمان بن المغيرة عن أبى صادق عن ربيعة بن ناجذ عن على الخ (غريبه)(6) الجذع من الابل ما دخل فى السنة الخامسة ومن البقر والمعز ما دخل فى السنة الثانية وقيل البقر فى الثالثة، ومن الضأن ما تمت له سنة، والظاهر ان المراد جذع الضأن أو المعز (7) الفرق بفتح الفاء والراء مكيال يسع ستة عشر رطلا وهو اثنا عشر مدًا أو ثلاثة آصع عند أهل الحجاز، وقيل الفرق خمسة اقساط والقسط نصف صاع (ته)

ص: 223

لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقى الشراب كانه لم يمس أو لم يشرب: فقال يا بنى عبد المطلب انى بعثت لكم خاصة والى الناس بعامة وقد رأيتم من هذه الأية ما رأيتم فأيكم يبايعنى على أن يكون أخى وصاحبى؟ قال فلم يقم اليه أحد، قال فقمت اليه وكنت أصغر القوم قال فقال أجلس قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم اليه فيقول لى اجلس حتى كان فى الثالثه ضرب بيده على يدى (باب فى تكسيره صلى الله عليه وسلم الأصنام التى كانت لقريش على الكعبة مع على رضي الله عنه انتصارًا للحق وازهاقا للباطل)(عن على رضى الله عنه) قال انطلقت أنا والنبى صلى الله عليه وسلم حتى أتينا الكعبة فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس وصعد على منكبى فذهبت لأنهض به فرأى منى ضعفا فنزل وجلس بنى الله صلى الله عليه وسلم وقال اصعد عل منكبى قال فصعدت على منكبه قال فنهض بى قال فانه يخيل الى أنى لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه حتى إذا استمكنت منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقذف به فقذفت به فتكسر كما تنكسر القوارير ثم نزلت فنطلقنا انا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نستبق توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس (وعنه أيضا) قال كان على الكعبة أصنام فذهبت لأحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم استطع فحملني فجعلت أقطعها ولو شئت لنلت السماء (باب ما جاء فى هجرة بعض الصحابة رضي الله عنه الى الحبشة فرارا بدينهم من الفتنة وهى أول هجرة فى الاسلام)(عن عبد الله بن عتبة) عن ابن مسعود قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى النجاشى ونحن نحو من ثمانين رجلا فيهم عبد الله

(1) بضم الغين المعجمة وفتح الميم القدح الصغير (2) الآية هى ما وضعه الله عز وجل من البركة فى الطعام القليل وكذلك الشراب الذى لا يكفى رجلا واحدًا فقد أكل الجميع وبقى الطعام والشراب كما هو لم ينقص شيئًا، وهذه معجزة عظيمة ومع هذا فلم يبايعه إلا على رضي الله عنه (تخريجه) اورده الهيثمى مطولا وقال رواه البزار واللفظ له واحمد باختصار والطبرانى فى الأوسط باختصار أيضًا، ورجال احمد واحد إسنادى البزار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة (باب)(3)(سنده) حدّثنا اسباط بن محمد حدثنا نعيم بن حكيم المدائنى عن أبى مريم عن على الخ (غريبه)(4) بضم الفاء وسكونها ناحيتها (5) بضم الصاد المهملة وسكون الفاء ضرب من النحاس (6) اعالجه واحاوله (7) القوارير الزجاج (8) أى نعدوا كعدو المتسابقين أى خوفا من أن يراهما أحد من الناس، وذلك كان فى أول الدعوة قبل الهجرة (تخريجه) اورده الهيثمى وقال رواه احمد وابنه وابو يعلى والبزار وزاد بعد قوله حتى استترنا بالبيوت فلم يوضع عليها بعد، يعنى شيئًا من تلك الأصنام ورجال الجميع ثقات (ز)(9)(سنده) حدّثنا نصر بن على حدثنا عبد الله بن داود عن نغيم بن حكيم حدثنى ابو مريم حدثنا على ابن ابى طالب قال كان على الكعبة الخ (تخريجه) هذا الحديث مختصر من الذى قبله وهو من زوائد عبد الله بن الامام أحمد على مسند ابيه واخرجه أيضًا (حم على بز) ورجاله ثقات (باب)(10)(سنده) حدّثنا حسن بن موسى قال سمعت حديجًا اخا زهير بن معاوية عن ابى اسحاق عن عبد الله بن عتبة الخ (غريبه)(11) قال فى المواهب اللدنية ثم اذن رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 224

ابن مسعود وجعفر وعبد الله بن عرفطة وعثمان بن مظعون وأبو موسى فأتوا النجاشى وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بهدية فلما دخلا على النجاشى سجدا له ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله ثم قال له ان نفرا من بنى عمنا نزلوا أرضك ورغبوا عنا وعن ملتنا، قال فأين هم؟ قالوا هم فى أرضك فابعث اليهم، فبعث اليهم فقال جعفر انا خطيبكم اليوم فاتبعوه: فسلم ولم يسجد، فقالوا له مالك لا تسجد للملك؟ قال انا لا نسجد الا لله عز وجل، قال وما ذاك؟ قال ان الله عز وجل بعث الينا رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا أن لا نسجد لأحد الا لله عز وجل وأمرنا بالصلاة والزكاة، قال عمرو بن العاص فانهم يخالفونك فى عيسى بن مريم، قال ما تقولون فى عيسى بن مريم وأمه؟ قالوا نقول كما قال الله عز وجل هو كلمة الله وروحه القاها الى العذراء البتول التى لم يمسها بشر ولم يفرضها ولد، قال فرفع عودا من الأرض ثم قال يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان، والله ما يزيدون على الذيى يقول ما يسوى هذا: مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده، اشهد أنه رسول الله فانه الذى نجد فى الأنجيل وأنه الرسول الذى بشر به عيسى بن مريم، انزلوا حيث شئتم، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه وأوضئه وأمر بهدية الآخرين فردت اليهما، ثم تعجل عبد الله بن مسعود حتى أدرك بدرًا وزعم أن النبى صلى الله عليه وسلم استغفر اله حين بلغا موته

لأصحابه في الهجرة إلى الحبشة وذلك فى رجب سنة خمس من النبوة فهاجر اليها ناس ذوو عدد منهم من هاجر بأهله ومنهم من هاجر بنفسه وكانوا أحد عشر رجلا وأربع نسوة وأميرهم عثمان بن مظعون، وكان أول من خرج عثمان بن عفان مع امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطأ عليه خبرهما، فقدمت امرأة فقالت رأيتهما وقد حمل عثمان امرأته على حمار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عثمان لأول من هاجر بأهله بعد لوط، فلما رأت قريش استقرارهم فى الحبشة وأمنهم أرسلوا عمرو بن العاص الخ: وقوله فى المواهب وكانوا أحد عشر رجلا الخ يعنى أول دفعة ثم تتابع المسلمون حتى بلغوا نحوًا من ثمانين رجلا كما فى حديث الباب (1) هو ابن ابى طالب وابن عم النبى صلى الله عليه وسلم (2) انما بعثت قريش عمرو بن العاص قبل اسلامه مع عمارة بن الوليد ومعهما هدية للنجاشى ليسيئا من سمعة المهاجرين فيطردهم النجاشى، وقد وقع عكس ما ارادوا فقد رد النجاشى عليهم هديتهم واكرم المهاجرين واحسن وفادتهم (3) العذراء هى البكر (والبتول) هى المنقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم (4) هكذا بالاصل ولم يفرضها ولد وجاء فى مجمع الزوائد وفى النهاية لم يفترضها ولد: قال فى النهاية اى لم يؤثر فيها ولم يحزَّها يعنى قبل المسيح (5) معناه أن ابن مسعود رضي الله عنه رجع من الحبشة الى المدينة فحضر غزوة بدر (6) أى للنجاشى حين بلغه موته وأمر الصحابة فصلى بهم صلاة الجنازة على النجاشى وهى الصلاة على الغائب وتقدم الكلام على ذلك فى باب صلاة الجنازة على الغائب فى كتاب الجنائز فى الجزء السابع (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى (قلت) وغفل عن عزوه للامام احمد قال وفيه حديج بن معاوية وثقه أبو حاتم وقال فى بعض حديثه ضعف، وضعفه ابن معين وغيره اهـ (قلت) وأورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه بسنده ولفظه وعزاه للامام احمد وقال هذا إسناد جسد قوى وسياق حسن، قال وفيه ما يقتضي

ص: 225

(عن أبي بكر بن عبد الرحمن) بن الحرث بن هشام المخزومى عن أم سلمة ابنة أبى أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشى، أمِّنا على ديننا وعبدنا الله لا نؤذى ولا نسمع شيئًا نكرهه؛ فلما بلغ ذلك قريشا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشى فينا رجلين جلدين وان يهدوا للنجاشى هدايا مما يستطرف من متاع مكة؛ وكان من أعجب ما يأتيه منها اليه الأدم فجمعوا له ادما كثيرا ولم يتركوا من بطارقته بطريقا الا أهدوا له هدية ثم بعثوا بذلك مع عبد الله بن أبى ربيعة بن المغيرة المخزومى وعمرة بن العاص بن وائل السهمى وأمروهما أمرهم وقالوا لهما ادفعوا الى كلك بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشى فيهم، قم قدّموا للنجاشى هداياه ثم سلوه أن يسلمهم اليكم قبل أن يكلمهم، نالت فخرجنا فقد منا على النجاشى، ونحن عنده بخير دار وعند خير جار فلم يبق من بطارقته بطريق الا دفعا اليه هديته قبل أن يكلما النجاشى، ثم قالا لكل بطريق

أن أبا موسى كان ممن هاجر من مكة الى أرض الحبشة إن لم يكن ذكره مدرجا من الرواة والله أعلم ثم قال وقد روى عن ابى اسحاق السبيعى من وجه آخر ثم روى من كتاب الدلائل لأبى نعيم حديثا طويلا باسناده إلى أبى موسى وفى أوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتطلق مع جعفر بن أبى طالب إلى أرض النجاشى الخ، ثم قال بعد ذلك وهكذا رواه الحافظ البيهقى فى الدلائل من طريق أبى على الحسن بن سلام السواق بن عبيد الله بن موسى فذكر باسناده مثله الى قوله فأمر لنا بطعام وكسوة قال وهذا اسناد صحيح وظاهره يدل على أن أبا موسى كان بمكة وأنه خرج مع جعفر بن أبى طالب الى أرض الحبشة: والصحيح عن يزيد بن عبد الله بن أبى بردة عن جده عن أبى موسى أنه بلغهم مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم باليمن فخرجوا مهاجرين فى بضع وخمسين رجلا فى سفينة فألقتهم سفينتهم الى النجاشى بأرض الحبشة فوافقوا جعفر بن أبى طالب وأصحابه عندهم، فأمره جعفر بالإقامة فأقاموا عنده حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن خيبر، قال وأبو موسى شهد ما جرى بين جعفر وبين النجاشى فاخبر عنه، قال ولعل الراوى وهم فى قوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق والله أعلم (1) (سنده) حدّثنا يعقوب حدثنا أبى عن محمد بن اسحاق حدثنى محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب عن ابى بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومى عن أم سلمة الخ (غريبه) (2) بفتح الجيم وسكون اللام أي قويين فى نفسهما وجسدهما (3) بفتح الهمزة والدال المهملة هو ما يؤتدم به الطعام (4) تقدم فى حديث ابن مسعود أن الذى كان مع عمرة بن العاص عمارة بن الوليد بن المغيرة (قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) قيل إن قريشا بعثت الى النجاشى فى أمر المهاجرين مرتين: الأولى مع عمرو بن العاص وعمارة والثانية مع عمرو وعبد الله بن أبى ربيعة، نص عليه أبو نعيم فى الدلائل والله أعلم، وقد قيل إن البعثة الثانية كانت بعد وقعة بدر، قاله الزهرى لينالوا ممن هناك ثأرا فلم يجبهم النجاشى رضي الله عنه وارضاه الى شئ مما سألوا فالله أعلم (قلت) عمارة بن الوليد أحد الذين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تضاحكوا يوم وضع سلا الجزور على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، وقد اوقع الله بينه وبين عمرو فتكايدا عند النجاشى فكاد عمرو عمارة عنده حتى اتهمه ببعض نسائه، فتحاشى النجاشى من قتله وامر السواحر فسحرته فتوحش من الإنس وهام على وجهه مع الوحش حتى هلك هناك (أما عبد الله بن أبي ربيعة)

ص: 226

منهم أنه قد صبا الى بلد الملك منا غلمان سفهاء وفارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دينكم وجاؤا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردّهم، اليهم، فاذا كلمان الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم الينا ولا يكلمهم فان قومهم أعلى بهم عينا واعلم بما عابو عليهم فقالوا لهما نعم، ثم انهما قرّبا هداياهم إلى النجاشى فقبلها منهما، ثم كلماه فقالا له أيها الملك أنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا فى دينك وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا اليك فيهم أشراف قومهم حتى آباؤهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم اليهم فهم أعلى بهم عينا وأعلم بم عابوا عليهم وعاتبوهم فيه، قالت ولم يكن شئ أبغض إلى عبد الله بن أبى ربيعة وعمروا بن العاص من أن يسمع النجاشى كلامهم، فقالت بطارقته حوله صدقوا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا واعلم بما عابوا عليهم بأسلمهم اليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم، قال فغضل النجاشى ثم قال لا ها الله ايم الله إذًا لا أسلمهم اليهما ولا أكاد قوما جاورونى ونزلوا بلادى واختارونى على من سواى حتى أدعوهم فأسالهم ما يقول هذان فى أمرهم، فان كانوا كما يقولون اسلمتهم اليهما ورددتهم الى قومهم، وان كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاورونى، قالت، ثم أرسل إلى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا: ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائن فى ذلك ما هو كائن، فلما جاءوه وقد دعا النجاشى اساقفته فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال ما هذا الدين الذى فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا فى دينى ولا فى دين أحد من هذه الأمم؟ قالت فكان الذى كلمه جعفر بن أبى طالب فقال له أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة وتأتى الفواحش ونقطع الأرحام ونسيئ الجوار، يأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وامانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نحن نعبد وأباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام قال فعدد عليه أمور الاسلام: فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به وعبدنا الله وحده فلم نشرك

ابن المغيرة المحزومى فقد اسلم فى فتح مكة فهو من مسلمة الفتح وهو أخو ابى جهل لأمه (1) صبا بدون همز اى مال ويجوز همزها أيضا، ومنه صبأ أى خرج من دين الى دين (2) قال السهيلى أى ابصر بهم يعنى عينهم وابصارهم فوق عين غيرهم فى امرهم، فالعين ها هنا بمعنى الرؤية، والابصار بمعنى العين التى هى الجارجة (3)(قال فى القاموس ولاة الله الخلق خلقهم) كأنه يقسم بخالق الخلق (وايم الله) من ألفاظ القسم كقولك لعمر الله وعهد الله وفيها لغات كثيرة، وتفتح همزتها وتكسر، وهمزتها وصل وقد تقطع، واهل الكوفة من النحاة يزعمون أنها جمع يمين، وغيرهم يقول هى اسم موضوع القسم (نه)(4) بضم الهمزة فعل مبنى للمجهول أى ولا يقدر احد على أن يكيدنى بسبب منعهم، والمعنى أنه لا يسلمهم

ص: 227

به شيئًا، وحرمنا ما حرِّم علينا وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا الى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا حالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا فى جوارك ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت، فقال له النجاشى هل معك مما جاء به عن الله من شئ؟ قالت فقال له جعفر نعم، فقال له النجاشى فاقرأه على، فقرأ عليه صدرًا من كهيعص قالت فبكى والله النجاشى حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلاه عليهم ثم قال النجاشى ان هذا والله والذى جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا اسلمهم اليكم أبدًا ولا أكاد: قالت أم سلمة فلما خرجنا من عنده قال عمرو بن العاص والله لأنبئنهم غدًا عيبهم عندهم ثم أستأصل به خضراءهم قالت فقال له عبد الله بن أبى ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا لا تفعل فان لهم ارحاما وان كانوا قد خالفونا، قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد: قالت ثم غدا عليه الغد فقال أيها الملك إنهم يقولون فى عيسى بن مريم قولا عظيما فأرسل اليهم فاسألهم عما يقولون فيه، قالت فأرسل اليهم يسألهم عنه، قالت ولم ينزل بنا مثله، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض ماذا تقولون فى عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا فى ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون فى عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر بن أبى طالب نقول فيه الذى جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته القاها إلى مريم العذراء البتول، قالت فضرب النجاشى بيده إلى الأرض فاخذ منها عودًا ثم قال ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود: فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال، فقال وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بارضى والسيوم الآمنون من سبكم غرِّم ثم من سبكم غرم فما أحب أن لى دبرًا ذهبا وأنى آذيت رجلا منكم: والدبر بلسان الحبشة الجبل ردوا عليهما هداياهما فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله منى الرشوة حين رد على ملكى فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيَّ فأطيعهم فيه، قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءآ به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار، قالت فوالله إنا على ذلك إذ نزل به يعنى من ينازعه فى ملكه، قالت ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشى فيأتى رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشى يعرف منه، قالت وسار النجاشى وبينهما عرّض النيل، قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم يأتينا بالخبر؟

أبدًا ولا يهمه فى ذلك شئ ولا يخشى أن يلقى فيه كيدًا (1) أى بلها بالدموع (2) أى دهماءهم وسوادهم (3) بالخاء المعجمه قال فى النهاية اى تكلمت، وكأنه كلام مع غضب ونفور واصله من النخر وهو صوت الأنف (4) بالسين المهملة قال فى النهاية اى آمنون كذا جاء فى تفسيره فى الحديث وهى كلمة حبشية وتروى بفتح السين، وقيل سيوم جمع سائم اى تسومون فى بلدى كالغنم السائمة لا يعارضكم احد (5) بفتح الذال المهملة وسكون الباء الموحدة الجبل بلسان الحبشة كما فسره الراوي في الحديث

ص: 228

قالت فقال الزبير بن العوام انا، قالت وكان من أحدث القوم سنا قالت فنفخوا له قربة فجعلها فى صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التى بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت ودعونا الله للنجاشى بالظهور على عدوه والتمكين له فى بلاده، واستوسق عليه أمر الحبشة فكنا عنده فى خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة

(1) أي اجتمعوا على طاعته واستقر الملك فيه (نه)(تخريجه) الحديث صحيح ورواه ابن هشام فى سيرته بطوله عن ابن اسحاق، واورده الهيثمى وقال رواه احمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن اسحاق وقد صرح بالسماع (باب حديث عائشة رضي الله عنها فى تاريخ حياة النجاشى ونشأته وعدله رضي الله عنه قال ابن اسحاق بعد رواية حديث أم سلمة بطوله (قال الزهرى) فحدثت عروة بن الزبير حديث ابى بكر ابن عبد الرحمن عن أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم فقال هل تدرى ما قوله ما أخذ الله منى الرشوة حين رد علىّ ملكى فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيّ فاطيع الناس فيه؟ قال قلت لا، قال فان عائشة أم المؤمنين حدثتنى أن أباه كان ملك قومه ولم يكن له ولد إلا النجاشى، وكان النجاشى، عم: له من صلبه اثنا عشر رجلا، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة، فقالت الحبشة بينها لو انا قتلنا أبا النجاشى وملكنا أخاه فانه لا ولد له غير هذا الغلام، وإن لأخيه من صلبه اثنى عشر رجلا فتوارثوا ملكه من بعده بقيت الحبشة بعده دهرًا فعدوا على أبى النجاشى فقتلوه وملكوا أخاه فمكثوا على ذلك حينًا ونشأ النجاشى مع عمه وكان لبيبا حازما من الرجال، فغلب على أمر عمه ونزل منه بكل منزلة، فلما رأت الحبشة مكانه قالت بينها والله لقد غلب هذا الفتى على امر عمه وانا انتخوف أن يملكه علينا، وان ملكه علينا ليقتلنا اجمعين، لقد عرف انا نحن قتلنا أباه، فمشوا إلى عمه فقالوا إما أن تقتل هذا الفتى وإما ان نخرجه من بين أظهرنا فانا قد خفناه على انفسنا، قال ويلكم قتلت أباه بالأمس وأقتله اليوم، بل أخرجه من بلادكم، قالت فخرجوا به الى السوق فباعوه من رجل من التجار بستمائة درهم فقذفه فى سفينة فانطلق به حتى اذا كان العشى من ذلك اليوم هاجب سحابة من سحاب الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها فأصابته صاعقه فقتلته، قالت ففزعت الحبشة الى ولده فاذا هو محمق ليس فى ولده خير؛ فمرج على الحبشة أمرهم، فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك قال بعضهم لبعض تعلموا والله ان ملككم الذى لا يقيم امركم غيره للذى بعتم غدوة، فان كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه، قالت فخرجوا فى طلبه وطلب الرجل الذى باعوه منه حتى ادركوه فأخذوه منه ثم جاءوا به فعقدوا عليه التاج واقعدوه على سرير الملك فملكوه، فجاءهم التاجر الذى كانوا باعوه منه فقال إما ان تعطونى مالى وإما ان اكلمه فى ذلك، قالوا لا نعطيك شيئا، قال اذًا والله اكلمه، قالوا فدونك واياه، قالت فجاءه فجلس بين يديه فقال ايها الملك ابتعت غلاما من قوم بالسوق بستمائة درهم فأسلموا الى غلامى واخذوا دراهمى حتى اذا سرت بغلامى ادركونى فأخذوا غلامى ومنعونى دراهمى، قالت فقال لهم النجاشى لتعطنَّه دراهمه او ليضعنَّ غلامه يده فى يده فليذهبنّ به حيث شاء، قالوا بل نعطيه دراهمه، قالت فلذلك يقول ما أخذ الله منى رشوة حين رد علىّ ملكى فآخذ الرشوة فيه، وما اطاع الناس فيّ فاطيع الناس فيه، قالت وكان ذلك اول ما خبر من صلابته فى دينه وعدله فى حكمه (قال ابن اسحاق) وحدثنى يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت لما مات النجاشى كان يتحدث انه لا يزال يرى على قبره نور، (قال ابن إسحاق) وحدثني

ص: 229

(باب ما جاء في إسلام عم بن الخطاب رضي الله عنه وسببه)(عن ابن عمر) رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال الله مأعز الاسلام بأحب هذين الرجلين اليك بأبى جهل أو بعمر بن الخطاب: فكان أحبهما الى الله عز وجل عمر بن الخطاب

جعفر بن محمد عن أبيه قال اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشى انك قد فارقت ديننا وخرجوا عليه، قال فأرسل الى جعفر وأصحابه فهيأ لهم سفنا وقال اركبوا فيها وكونوا كما أنتم، فان هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وان ظفرت فاثبتوا، ثم عمد الى كتاب فكتب فيه هو يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى بن مريم عبده ورسوله وروحه وكلمته القاها الى مريم، ثم جعله فى قبائه عند المنكب الأيمن وخرج الى الحبشة وصفوا له، فقال يا معشر الحبشة الست أحق الناس بكم؟ قالوا بلى قال فكيف رأيتم سيرتى فيكم؟ قالوا خير سيرة، قال فما لكم؟ قالوا فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد، قال فما تقولون أنتم فى عيسى؟ قالوا نقول هو ابن الله، فقال النجاشى ووضع يده على صدره على قبائه هو يشهد أن عيسى بن مريم لم يزد على هذا شيئا، وإنما يعنى ما كتب: فرضوا وانصرفوا، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فلما مات النجاشى صلى عليه واستغفر له رضي الله عنه وأرضاه اهـ (قلت) وثبت فى الصحيحين وعند الامام احمد وغيرهم من حديث أبى هريرة ان النبى صلى الله عليه وسلم نعى النجاشى فى اليوم الذى مات فيه وخرج بهم الى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات، وتقدم ذلك فى باب صلاة الجنازة على الغائب من كتاب الجنائز فى الجزء الرابع صحيفه 318 رقم 169 (قال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه وشهود أبى هريرة رضي الله عنه الصلاة على النجاشى دليل على أنه انما مات بعد فتح خيبر التى قدم بقية المهاجرين الى الحبشة مع جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه يوم فتح خيبر، ولهذا روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال والله ما أدرى بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر بن أبى طالب، وقدموا معهم بهدايا وتحف من عند النجاشى رضي الله عنه الى النبى صلى الله عليه وسلم وصحبتهم أهل السفينة اليمنية أصحاب ابى موسى الأشعرى وقومه من الأشعريين رضي الله عنهم. ومع جعفر وهدايا النجاشى ابن اخى النجاشى ذو مخمر ارسله ليخدم النبى صلى الله عليه وسلم عوضا عن عمه رضي الله عنهما وارضاهما (وروى البيهقى) بسنده عن ابى امامة قال قدم وفد النجاشى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يخدمهم، فقال اصحابه نحن نكفيك يا رسول الله، فقال انهم كانوا لاصحابى مكرمين وانى احب ان اكافئهم؛ (ونقل الحافظ ابن كثير) فى تاريخه عن السهيلى انه قال توفى النجاشى فى رجب سنة تسع من الهجرة قال وفى هذا نظر والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدّثنا ابو عامر حدثنا خارجة بن عبد الله الانصارى عن نافع عن ابن عمر الخ (تخريجه)(مذ) وقال حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر، ورواه ابن سعد فى الطبقات، ونقله الحافظ فى الفتح وذكر انه صححه ابن حبان ايضا، وروى الحاكم فى المستدرك من طريق شبابة بن سوّار عن المبارك بن فضالة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ (اللهم ايد الدين بعمر ابن الخطاب) ثم رواه من طريق سعيد بن سليمان عن المبارك بن فضالة بهذا الاسناد ولكن جعله عن ابن عمر عن ابن عباس، وقال حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه (قلت) واقره الذهبى (قال ابن اسحاق) وكان اسلام عمر بعد خروج من خرج من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحبشة، حدثني عبد الرحمن

ص: 230

.

ابن الحارث بن عبد الله بن عياش بن اى ربيعه عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعه عن امه ام عبد الله بنت ابى حثمة قالت والله انا لنرتحل الى ارض الحبشة وقد ذهب عامر فى بعض حاجتنا اذا اقبل عمر فوقف علىّ وهو على شركه، فقالت وكنا نلقى منه أذى وشدة علينا، قالت فقال انه الانطلاق يا أم عبد الله؟ قلت نعم والله لنخرجن فى أرض من أرض الله اذ آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجا، قالت فقال صحبكم الله، ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم انصرف وقد احزنه فيما أرى خروجنا، قالت فجاء عامر بحاجتنا تلك فقلت له يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا. قال أطمعت فى اسلامه؟ قالت نعم، قال لا يسلم الذى رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قالت يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته على الاسلام (قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) قلت هذا يرد قول من زعم انه كان (تمام الأربعين من المسلمين) فان المهاجرين الى الحبشة كانوا فوق الثمانين، اللهم الا ان يقال انه كان تمام الأربعين بعد خروج المهاجرين، ويؤيد هذا ما ذكره ابن اسحاق ها هنا فى سنة اسلام عمر وحده رضي الله عنه وسياقها، فانه قال وكان اسلام عمر فيما بلغنى ان أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد بن زيد وهم مستخفون باسلامهم من عمر، وكان نعيم بن عبد الله النحام رجل من بنى عدى قد أسلم أيضا مستخفيا باسلامه من قومه، وكان خبّاب بن الأرت يختلف الى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن، فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه فذكروا له انهم قد اجتمعوا فى بيت عند الصفا وهم قربب من أربعين من بين رجال ونساء، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة وابو بكر بن أبى قحافة الصديق وعلى بن ابى طالب رضي الله عنهم فى رجال من السلمين ممن كان اقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج الى أرض الحبشة، فلقيه تميم بن عبد الله فقال اين تريد يا عمر؟ قال أريد محمدا هذا الصابئ الذى فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله) فقال له نعيم والله لقد غرّتك نفسك يا عمر، أترى بنى عبد مناف تاركيك تمشى على الارض وقد قتلت محمدا، افلا ترجع الى اهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال واي اهل بيتى؟ قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد واختك فاطمة فقد والله أسلما وتابعا محمدا صلى الله عليه وسلم على دينه فعليك، بهما، فرجع عمر عائدا الى اخته فاطمة وعندها خبّاب بن الأرت معه صحيفه فيها طه يقرئها اياها، فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب فى مخدع لهم او فى بعض البيت، واخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها، وقد سمع عمر حين اتى الى الباب قراءة خباب عليها، فلما دخل قال ما هذه الهيثمة التى سمعت؟ قالا له ما سمعت شيئا، قال بلى تالله لقد أخبرت انكما تابعتما محمدا على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت اليه اخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها، فلما فعل ذلك قالت له اخته وختنه نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدالك، فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع وارعوى، وقال لأخته اعطينى هذه الصحيفة التى كنتم تقرءون آنفا انظر ما هذا الذى جاء به محمد: وكان عمر كاتبا. فلما قال ذلك قالت له اخته انا نخشاك عليها، قال لا تخافى وحلف لها بآلهته ليردنها اذا قرأها اليها، فلما قال ذلك طمعت فى اسلامه فقالت له يا أخى انك نجس على شركك وانه لا يمسها إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها طه فقرأها فلما قرأ منها صدرا، قال ما أحسن هذا الكلام واكرمه، فلما سمع ذلك خباب خرج اليه فقال له يا عمر والله انى لأرجو ان يكون الله قد خصك بدعوة نبيه فانى سمعته وهو يقول اللهم ايد الاسلام بأبي الحكم بن هشام

ص: 231

(عن شريح بن عبيد) قال قال عمر بن الخطاب رضي الله تبارك وتعالى عنه خرجت اتعرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم فوجدته قد سبقنى إلى المسجد فقمت خلفه فاستفتح سورة الحاقة فجعلت أعجب من تأليف القرآن قال فقلت هذا والله شاعر كما قال قريش، قال فقرأ {انه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} قال قلت كاهن، قال {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين، ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين} الخ السورة

أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر، فقال له عند ذلك عمر فدلنى يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم، فقال له خباب هو فى بيت عند الصفا مغه فيه نفر من اصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر من خلل الباب فرآه متوشحا السيف فرجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال يارسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف، فقال حمزة بن عبد المطلب فأذن له فان كان جاء يريد خيرا بذلناه له، وان كان يريد شرا قتلناه بسيفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن له فأذن له الرجل ونهض اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه بالحجرة فأخذ بحجزته أو بمجمع ردائه ثم جبذه جبذة شديدة وقال ما جاء بك يا ابن الخطاب، فوالله ما أرى ان تنتهى حتى ينزل الله بك قارعة، فقال عمر يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان عمر قد أسلم، فتفرق اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم وقد عزوا فى انفسهم حين أسلم عمر مع اسلام حمزة، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتصفون بهما من عدوهم، فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن اسلام عمر بن الخطاب حين أسلم (1)(سنده) ِحدّثنا ابو المغيرة حدثنا صفوان حدثنا شريح بن عبيد الخ (تخريجه) اورده الهيثمى وقال رواه الطبرانى فى الأوسط ورجاله ثقات إلا ان شريح بن عبيد لم يدرك عمر اهـ (قلت) غفل الحافظ الهيثمى عن عزوه للامام احمد والكمال لله وحده (وعن ابن عمر) رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بيده حين أسلم ثلاث مرات وهو يقول اللهم أخرج ما فى صدر عمر من غل وأيد له ايمانا، يقول ذلك ثلاث مرات: أورده الهيثمى ايضا وقال رواه الطبرانى فى الأوسط ورجاله ثقات اهـ (قلت) قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه قال ابن اسحاق ولما قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشى بما يكرهون واسلم عمر بن الخطاب وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره امتنع به اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى غاظوا قريشا، فكان عبد الله بن مسعود يقول ما كنا نقدر على ان نصلى عند الكعبة حتى اسلم عمر، فلما اسلم عمر قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه، قال وثبت فى صحيح البخارى عن ابن مسعود انه قال ما زلنا اعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب، وقال زياد البكائى حدثنى مسعر بن كدام عن سعد بن ابراهيم قال قال ابن مسعود ان اسلام عمر كان فتحا وان هجرته كانت نصرا، وان امارته كانت رحمة، ولقد كنا وما نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما اسلم عمر قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه اهـ

ص: 232

قال فوقع الإسلام فى قلبى كل موقع (باب ما جاء فى تحالف كنانة وقريش على بنى هاشم وبنى عبد المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم وحصرهم اياهم فى شعب أبى طالب)(عن أسامة ابن زيد) قال قلت يا رسول الله أين تنزل غدا فى حجته قال وهل ترك لنا عقيل منزلا ثم قال نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بنى كنانة يعنى المحصب حيث قاسمت قريش الى الكفر، وذلك أن بنى كنانة حالفت قريشا على بنى هاشم ان لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤووهم ثم قال عند ذلك لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر قال الزهرى والخيف الوادي

(باب)(1)(سنده) حدّثنا عبد الرازق انا معمر عن الزهرى عن على بن حسين عن عمرو ابن عثمان عن اسامة بن زيد الخ (غريبه)(2) يعنى حجة الوداع (3) المراد بالمنزل هنا الدار، زاد البخارى وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا على شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين، والظاهر ان هذه الزيادة مدرجة فى الحديث من الراوى ولعله اسامة بن زيد (قال الحافظ) قوله وكان عقيل وطالب الخ محصل هذا ان النبى صلى الله عليه وسلم لما هاجر استولى عقيل وطالب على الدار كلها باعتبار ما ورثاه من ابيهما لكونهما كانا لم يسلما، وباعتبار ترك النبى صلى الله عليه وسلم حقه منها بالهجرة وفقد طالب ببدر، فباع عقيل الدار كلها اهـ (قلت) واخرجه هذا الحديث ايضا الفاكهى وقال فى آخره ويقال ان الدار التى أشار اليها كانت دار هاشم بن عبد مناف ثم صارت لعبد المطلب ابنه فقسمها بين ولده حين عمّر، فمن ثم صار للنبى صلى الله عليه وسلم حق أبيه عبد الله، وفيها ولد النبى صلى الله عليه وسلم (4) المراد بالنزول هنا النزول بعد رمى الجمار فى اليوم الثالث من أيام التشريق اثناء رجوعه الى مكة (وقوله بخيف بنى كنانة) الخيف بفتح الخاء وسكون التحتية وآخره فاء وهو ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل، وقد فسره الزهرى فى آخر الحديث بالوادى (5) تفسير للخيف يريد أن خيف بنى كنانة هو المحصب والمحصب بمهملتين وموحدة على وزن محمد هو اسم لمكان مثسع بين جبلين وهو الى منى أقرب من مكة سمى بذلك لكثرة ما به من جر السيول، ويسمى بالأبطح والبطحاء أيضا (6) زاد فى رواية من حديث أبى هريرة حتى يسلموا اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الجملة من قوله (وذلك ان بنى كنانة) الى هنا من قول الزهرى ادرج فى الحديث كما قال الحافظ وسيأتى سبب ذلك بعد التخريج (7) تقدم الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم لا يرث الكافر المسلم الخ فى باب موانع الارث من كتاب الفرائض فى الجزء السادس عشر (تخريجه) (ق فع هق والاربعة) وغيرهم (أما سبب قسم قريش وتحالفهم على بنى هاشم) فقد جاء فى المواهب اللدنية وغيرها من كتب السيرة النبوية ان قريشا لما رأت عزة النبى صلى الله عليه وسلم بمن معه واسلام عمر: وعزة اصحابه بالحبشة وفشو الاسلامفى القبائل اجمعوا على ان يقتلوا النبى صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بنى هاشم وبنى المطلب فأدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ومنعوه ممن اراد قتله واجابه لذلك حتى كفارهم فعلوا ذلك حمية، فلما رأت قريش ذلك اجتمعوا وائتمروا ان يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بنى هاشم وبنى المطلب ان لا ينكحوا اليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوا منهم شيئا ولايبتاعوا منهم ولا يقبلوا منهم صلحًا أبدا حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل وكتبوه فى صحيفة بخط بغيض بن عامر فشلت يده وعلقت الصحيفة فى جوف الكعبة هلال المحرم سنه سبع من النبوة فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب

ص: 233

(باب ما جاء في مرض أبي طالب ووفاته ودفنه وما ورد فيه)(عن ابن عباس)

إلى أبي طالب فدخلوا معه فى شعبه الا أبا لهب فكان مع قريش فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا وكان لا يصل اليهم شئ إلا سرّا اهـ وقد أشار صاحب بهجة المحافل الى حديث الباب فقال وفى الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عام حجة الوداع مرجعه من منى منزلنا إن شاء الله غدا بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر وهو المحصب والأبطح وهو شعب أبى طالب المذكور، وفى نزوله صلى الله عليه وسلم حينئذ فيه وذكره لما جرى به اشارة الى الظهور بعد الخمول وامتثال لما أمر به من التحدث بالنعم، وفى ذلك الشكر لمنعمها، ولما رأى أبو طالب ما أجمعوا عليه من القطع والقطيعة قال فى ذلك فذكر له قصيدة طويلة يمدح فيها النبى صلى الله عليه وسلم ويحذر قريشا من البغى وقيام حرب بينهما بسبب ذلك اقتصرت منها على هذين البيتين طلبا للاختصار قال:

الا بلغاغى علىّ ذات بيننا

_________

لؤيا وخصا من لؤى بنى كعب

ألم تعلموا انا وجدنا محمدا

_________

نبيا كموسى خط فى اللوح والكتب

وقال فى أخرى

أطاعوا ابن المغيرة وابن حرب

_________

كلا الرجلين متهم مليم

وقالوا خطة حمقا وجورا

_________

وبعض القول أبلج مستقيم

لتخرج هاشم لتصير منها

_________

بلاقع بطن مكة والحطم

ولما أراد الله سبحانه وتعالى حل ما عقدوه ونقض ما أبرموه وذلك لقريب من ثلاث سنين من حين كتبت الصحيفة، اجتمع خمسة نفر من سادات قريش عند خطيم الحجون (خطيم) بمعجمة فمهملة أى طرف (الحجون) بمهملة مفتوحة بعدها جيم موضع أعلى مكة اجتمعوا ليلا وتعاقدوا على نقض الصحيفة وهتكها، وهم هشام بن عمرو العامرى وهو الذى تولى كبر ذلك وأبلى فيه وسعى الى كل منهم وزهير بن أمية المخزومى وهو تلوه فى العنية وامه عاتكة بنت عبد المطلب والمطعم بن عدى النوفلى وابو البخترى بنهشام وزمعة بن الاسود الاسدى نظم اسماءهم شارح بهجة المحافل رحمه الله تعالى فقال

تمالى على نقض الصحيفة يا فتى

_________

هشام بن عمرو العامرى فاحفظ النظما

يليه زهير وهو نجل حذيفة

_________

كذا المطعم التالى الى نوفل ينمى

أبو البتخرى ثم ابن الاسود زمعة فهم خمسة ما أن لهم سادس ينمى

ولما أصبحوا من ليلتهم جاء زهير فطاف بالبيت ثم قال يا أهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة، فقال له أبو جهل كذبت والله، فقال له زمعة ابن الأسود وانت والله أكذب ما رضينا كتابتها حيث كتبت، وقال الآخرون مثله، فقال أبو جهل هذا أمر قضى بليل تشوّر فيه بغير هذا المكان، ثم قام المطعم إلى الصحيفة فشقها فوجد الأرضة قد أكلت جميعها إلا ما كان فيه اسم الله، وكان قبل ذلك قد أخبر جبريل النبى صلى الله عليه وسلم بفعل الأرضة بها وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب واخبرهم ابو طالب ووجدوه كما ذكر لهم فلم يؤثر ذلك فيهم لقسوتهم (وفى السنة التاسعة من البعث) خرج النبى صلى الله عليه وسلم هو وأهله من حصار الشعب بعد نقض الصحيفة بتهالئ النفر الخمسة على نقضها حسبما تقدم (باب)(1)(عن ابن عباس) الخ هذا الحديث تقدم

ص: 234

قال مرض أبو طالب فأتته قريش وأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده وعند رأسه مقعد رجل، فقام أبو جهل فقعد فيه فقالوا إن ابن اخيك يقع فى آلهتنا، قال ما شأن قومك يشكونك قال يا عم أريدهم على كلمة واحدة تدين لهم بها العرب وتؤدى العجم اليهم الجزية، قال ما هى؟ قال لا إله إلا الله: فقاموا فقالوا أجعل الآلهة الها واحدًا: قال ونزل {ص والقرآن ذى الذكر} فقرأ حتى بلغ {ان هذا لشئ عجاب} قال عبد الله قال ابى وحدثنا ابو اسامة وحدثنا الأعمش ثنا عباد فذكر نحوه، وقال ابى قال الأشجعى يحيى بن عباد (عن ابى هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه قل لا إله إلا الله اشهد لك بها يوم القيامة، قال لولا أن تعيرنى قريش يقولون انما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل الله عز وجل {انك لا تهدى من احببت} الآية (عن ابى عبد الرحمن السلمى عن على) رضي الله عنه قال لما توفى ابو طالب أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت ان عمك الشيخ قد مات، قال اذهب فواره ثم لا تحدث شيئًا حتى تأتينى، قال فواريته ثم اتيته قال اذهب فاغتسل ثم لا تحدث شيئًا حتى تأتينى، قال فاغتسلت قم أتيته قال فدعا لى بدعوات ما يسرنى ان لى بها حمر النعم وسودها قال وكان على رضي الله عنه اذا غسَّل ميتا اغتسل (ومن طريق ثان) عن ناجية بن كعب يحدث عن على رضي الله عنه انه اتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال ان ابا طالب مات، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم اذهب فواره: فقال انه مات مشركا فقال اذهب فواره فلما واريته رجعت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال لى اغتسل (عن ابى سعيد الخدرى) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه ابو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضخضاخ

بسنده وتخريجه فى باب أجعل الآلهة اله واحدا من سورة ص فى كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثالث عشر صحيفه 258 رقم 408 وهو حديث صحيح صححه الترمذى والحاكم (1)(عن أبى هريرة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى الجزء الثامن عشر أيضا فى باب انك لا تهدى من أحببت صحيفة 227 رقم 370 وهو حديث صحيح رواه مسلم وغيره (2)(سنده) حدّثنا ابراهيم ابن أبى العباس حدثنا الحسن بن يزيد الأصم قال سمعت السدى اسماعيل بذكره عن أبى عبد الرحمن السُّلمى عن على الخ (غريبه)(3) أى ادفنه (4) يعنى الابل وكانت الابل المتصفة بهذه الصفة عزيزة الوجود عند العرب ومن أثمنها عندهم (5) القائل وكان على الخ هو ابو عبد الرحمن السلمى الراوى عنه وتقدم الكلام على الغسل من غسل الميت ومذاهب العلماء فى ذلك فى باب الاغتسالات المسنونة فى آخر ابواب الغسل من الجنابة فى الجزء الثانى صحيفة 146 فارجع اليه (6)(سنده) حدّثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبى اسحاق قال سمعت ناجية بن كعب يحدث عن على الخ (7) فيه أن دفن الميت الكافر واجب على ولده المسلم (تخريجه)(نس ش عل بزهق) قال الحافظ ورواته ثقات اهـ (قلت) وان كان قد تكلم فيه بعضهم فكلامه لا يؤثر فقد قال الشوكانى ذكر الماوردى أن بعض أصحاب الحديث خرج لهذا الحديث مائة وعشرين طريقا اهـ (سنده) حدّثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث يعنى ابن سعد عن ابن الهاد عن عبد الله بن الخبّاب عن أبى سعيد الخدرى الخ (غريبه)(9) الضخضاخ فى الأصل مارق من الماء على وجه الأرض

ص: 235

من نار يبلغ كعبه يغلى منه دماغه (عن العباس بن عبد المطلب) انه قال يا رسول الله عمك أبو طالب كان يحوطك ويفعل قال انه فى ضخضاخ من نار ولولا انا كان فى الدرك الأسفل من النار (عن ابن عباس) ن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اهون أهل النار عذابا ابو طالب وهو متنعل نعلين من نار يغلى منهما دماغه (باب ما جاء فى تاريخ وفاة خديجة وزواجه صلى الله عليه وسلم بعائشة وسودة رضي الله عنهن (عن عائشة رضي الله عنها قال تزوجنى رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفى خديجة قبل مخرجه إلى المدينة

ما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار (تخريجه)(ق، وغيرهما)(1)(سنده) حدّثنا وكيع ثنا سفيان عن عبد الله بن عمير عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب الخ (غريبه)(2) جاء فى رواية أخرى عن العباس بن عبد المطلب أيضا قال قلت يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشئ فانه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال إنه فى ضخضاخ من نار الخ (ومعنى قوله يحوطك أى يحفظك) ويصونك ويذبّ عنك وينظر مصالحك (3) بسكون الراء وفتحها أقصى قعرها جمعه أدراك ودركات وهى منازل أهل النار، والنار دركات والجنة درجات لا أحرمنا الله منها (تخريجه) (ق. وغيرهما) (4) (سنده) حدّثنا عفان ثنا حماد قال اخبرنا ثابت عن أبى عثمان النهدى عن ابن عباس الخ (تخريجه) (م) وغيره (وفى الباب) أحاديث أخرى تختص بأبى طالب تقدمت فى باب قوله تعالى {انك لا تهدى من أحببت} من سورة القصص فى الجزء الثامن عشر صحيفة 227 وفى باب ما كان للنبى {والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية من سورة التوبة فى الجزء المشار اليه صحيفة 164 فارجع اليها والله الموفق: هذا وقد حكى (عن هشام بن السائب الكلبى) عن أبيه أنه قال لما حضرت ابا طالب الوفاة جمع اليه وجوه قريش فأوصاهم فقال يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه: الى أن قال وانى أوصيكم بمحمد خيرًا فانه الأمين فى قريش والصديق فى العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيكم به، وقد جاء بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة الشنآن، وأيم الله كأنى أنظر إلى صعاليك العرب وأهل الوبر والأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته، وصدقوا كلمته، وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت، فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعفاؤها أربابا، واذا أعظمهم عليه أحوجهم اليه، وابعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها، وأصفت له فؤادها، وأعطته قيادها، يا معشر قريش مونوا له ولاة ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد سبيله الا رشد، ولا يأخذ يهديه إلا سعد، ولو كان لنفسى مدى ولأجلى تأخير لكففت عنه الهزاهز (يعنى الفتن) ولدفعت عنه الدواهى ثم هلك، ومات فى السنة العاشرة من المبعث قبل هجرته صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، وكان عمر النبى صلى الله عليه وسلم إذ ذاك تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر واحد عشر يوما، ثم بعد ذلك بثلاثة أيام وقيل بخمسة فى رمضان بعد البعث بعشر سنين على الصحيح ماتت خديجة أم المومنين رضي الله عنها، وكان صلى الله عليه وسلم يسمى ذلك العام عام الحزن كذا فى المواهب اللدنية والله أعلم (باب)(5)(عن عائشة الخ) هذا طرف من حديث سيأتى بسنده وشرحه وتخريجه فى باب تاريخ العقد على عائشة رضي الله عنها وبنائه بها من أبواب ذكر أزواجه الطاهرات فى القسم الثالث من كتاب السيرة النبوية وانما ذكرت هذا الطرف منه هنا لما فيه من تاريخ وفاة خديجة رضي الله عنها (قال الحافظ) قال الزبير وكانت خديجة تدعى فى الجاهلية الطاهرة، وماتت على

ص: 236

بسنتين أو ثلاث وأنا بنت سبع سنين (حدثنا أبو سلمة ويحيى) قال لما هلكت خديجة جاءت بنت حكم امرأة عثمان بن مظعون قالت يا رسول الله ألا تزوَّج؟ قال من؟ قالت إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبا، قال فمن البكر؟ قالت ابنة أحب خلق الله عز وجل اليك عائشة بنت أبى بكر، قال ومن الثيب؟ قالت سودة ابنة زمعة قد آمنت بك واتبعتك على ما تقول قال فاذهبى فاذكريهما على، فدخلت بيت أبى بكر فقالت يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة، قالت وما ذاك؟ قالت أرسلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قالت انتظرى أبا بكر حتى يأتى فجاء أبو بكر فقالت يا أبا بكر ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قال وما ذاك، قالت أرسلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قال وهل تصلح له انما هى ابنة أخيه، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، قال ارجعى اليه فقولى له أنا أخوك وأنت أخى فى الاسلام وابنتك تصلح لى، فرجعت فذكرت ذلك له قال انتظرى وخرج، قالت أم رومان ان مطعم بن عدى قد كان ذكرها على ابنه فوالله ما وعد وعدًا قط فأخلفه لأبى بكر، فدخل أبو بكر رضي الله عنه على مطعم بن عدى وعنده امرأته أم الفتى، فقالت يا ابن أبى قحافة لعلك مصب صاحبنا مدخله فى دينك الذي أنت عليه

الصحيح بعد المبعث بعشر سنين فى شهر رمضان وقيل بثمان وقيل بسبع فأقامت معه صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة على الصحيح، وقال ابن عبد البر اربعا وعشرين سنة واربعة أشهر (قال الحافظ) وفى حديث عائشة ما يؤيد الصحيح فى أن موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وذلك بعد المبعث على الصواب بعشر سنين، وقد روى البخارى عن عبيد بن اسماعيل عن أبى اسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال توفيت خديجة قبل مخرج النبى صلى الله عليه وسلم بثلاث ستين فلبث سنتين أو قريبًا من ذلك ونكح عائشة وهى بنت ست سنين، ثم بنى بها وهى بنت تسع سنين (قال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه وهذا مرسل فى ظاهر السياق ولكنه فى حكم المتصل فى نفس الأمر، لأنه من حديث عروة عن عائشة، وقوله تزوجها وهى ابنة ست سنين وبنى بها وهى ابنة تسع سنين مالا خلاف فيه بين الناس، وقد ثبت فى الصحاح وغيرها (1)(سنده) حدّثنا محمد بن بشير قال حدثنا محمد بن عمرو قال ثنا ابو سلمة ويحيى الخ (غريبه)(2) أصله تتزوج حذفت إحدى التاءين تخفيفا (3) قال النووى فى تهذيب الأسماء واللغات سودة أم المؤمنين رضي الله عنها بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودَّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ابن لؤى بن غالب القرشية العامرية أم المؤمنين، قيل كنيتها أم الأسود، كانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت بن عمها السكران بن عمرو أخى سهل بن عمرو، وكان السكران بن عمرو رضي الله عنه مسلما وهو من مهاجرة الحبشة، ثم قدما مكة فمات بها السكران مسلما، قاله ابن اسحاق وغيره، قال ابن قتيبةي ومات ولم يعقب، قال ابن سعد أسلمت سودة بمكة قديما وبايعت وأسلم زوجها السكران بن عمرو وخرجا جميعا مهاجرين إلى أرض الحبشة فى الهجرة، قال واسم أم سودة الشموس بنت قيس بن عمرو بن عبد شمس قال وتزوج النبى صلى الله عليه وسلم سودة رضي الله عنها فى رمضان سنة عشرة من النبوة بعد وفاة خديجة (4) قال الحافظ فى التقريب أم رومان الفراسية زوج أبى بكر الصديق وأم عائشة وعبد الرحمن صحابية

ص: 237

إن تزوج البك قال أبو بكر للمطعم بن عدى اقول هذه تقول، قال انها تقول ذلك فخرج من عنده وقد اذهب الله عز وجل ما كان فى نفسه من عدته التى وعده، فرجع فقال ادعى لى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعته فزوجها اياه وعائشة يومئذ بنت ست سنين، ثم خرجت فدخلت على سودة بنت زمعة فقالت ماذا أدخل الله عز وجل عليك من الخير والبركة؟ قالت وما ذاك؟ قالت أرسلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم اخطبك عليه، قالت وددت: ادخلى إلى أبى فاذكرى ذاك له: وكان شيخا كبيرًا قد ادركه السن قد تخلف عن الحج فدخلت عليه فحييته بتحية الجاهلية، فقال من هذه؟ فقالت خولة بنت حكيم، قال فما شأنك؟ قالت أرسلنى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم اخطب عليه سودة، قال كفء كريم، ماذا تقول صاحبتك؟ قالت تحب ذاك، قال ادعها الى فدعيتها قال أى بنية إن هذه تزعم أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبك وهو كفء كريم اتحبين أن أزوجك به؟ قالت نعم قال أدعيه لى فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه فزوجها اياه، فجاءها أخوها عبد بن زمعة من الحج فجعل يحثى فى رأسه التراب فقال بعد أن أسلم لعمرك انى لسفيه يوم أحثى فى رأسى التراب ان تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة قالت عائشة فقدمنا المدينة فنزلنا فى بنى الحارث بن الخزرج في السُّنح قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بيتنا واجتمع اليه رجال من الأنصار ونساء فجاءتنى أمى وانى لفى ارجوحة بين عذقين ترجح بى فانزلتنى من الأرجوحة ولى جميمة ففرقتها ومسحت وجهى بشى من ماء ثم أقبلت تقردنى حتى وقفت بى عند الباب وانى لانهج حتى سكن من نفسى ثم دخلت بى فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سرير فى بيتنا وعنده رجال ونساء من الأنصار فاجلستنى فى حجرة ثم قالت هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهم وبارك لهم فيك، فوثب الرجال والنساء فخرجوا وبنى بى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتنا ما نحرت على جزور ولا ذبحت على شاة حتى أرسل الينا يعد بن عبادة بجفنة

يقال اسمها زينب وقيل دعد، زعم الواقدى ومن تبعه انها ماتت فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم ونزل قبرها والصحيح أنها عاشت بعده اهـ (1) معناه إن تزوج ابننا بنتك نخشى أن تميله وتخرجه من دينه إلى دينك وكانت المرأة كافرة هى وزوجها وابنها وذلك قبل نزول تحريم زواج الكافر المسلمة (2) فهم أبو بكر رضي الله عنه من قوله هذا أنه موافق زوجته على قولها وأنها أثرت عليه وأنه لا رغبة لهما فى مصاهرته وحينئذ كره أبو بكر مصاهرتهما أيضا (3) ظاهر هذا السياق أن النبى صلى الله عليه وسلم عقد على عائشة قبل سودة والمحدثون يقولون تزوج سودة قبل عائشة، وقد يجمع بينهما بأنه عقد على عائشة ولم يدخل بها ودخل بسودة، وحديث الباب يؤيد ذلك والله أعلم (4) بضم السين والنون وقيل بسكونها موضع بعوالى المدينة فيه منازل بنى الحارث بن الخزرج (نه)(5) يضم الهمزة حبل بشد طرفاه فى موضع عال ثم يركبه الانسان ويحرك وهو فيه، سمي به لتحركه ومجيئه وذهابه (وقولها بين عذقين) العذق بفتح العين المهملة النخلة وبالكسر العرجون، والمراد هنا النخلة لأن الحبل كان مشدودا فى النخلتين (6) الجميمة تصغير الجمة بالضم وهى من شعر الرأس ما سقط على المنكبين (ففرقتها) أى أصلحتها (7) أى اتنفس تنفسا عاليا (8) تريد أنه لم يعمل لها وليمة عرس (9) بفتح الجيم وسكون الفاء أي قصعة فيها طعام

ص: 238

كان يرسل بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دار الى نسائه وأنا يومئذ بنت تسع سنين

(باب ما ورد فى فضل أم المؤمنين خديجة بنت خويلد)

رضي الله عنها وهى أول نفس آمنت بالنبى صلى الله عليه وسلم وصدقته (عن أبى زرعة) قال سمعت أبا هريرة يقول اتى جبريل النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك باناء معها فيه ادام أو طعام أو شراب فاذا أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (عن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت ان ابشر خديجة ببيت من قصب لا صخب ولا نصب (عن اسماعيل)(يعنى ابن أبى خالد) قال قلت لعبد الله بن أبى أوفى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) تقدم أنه لا خلاف بين العلماء فى أن النبى صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهى بنت تسع سنين وكان بناؤه بها فى السنة الثانية من الهجرة، قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه وهذا (يشير الى حديث الباب) ان عقده على عائشه كان متقدما على تزويجه بسودة بنت زمعه، ولكن دخوله على سودة كان بمكة وأنا دخوله على عائشة فتأخر الى المدينة فى السنة الثانية، ولذلك قالت عائشة وهى أول امرأة (تعنى سودة) تزوجها بعدى (تخريجه) أورده الهيثمى وقال فى الصحيح طرف منه رواه احمد، بعضه فيه الاتصال عن عائشة وأكثره مرسل، وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وثقة غير واحد، وبقية رجاله رجال الصحيح (باب)(2)(سنده) حدّثنا محمد بن فضيل عن عمارة عن أبى زرعة قال سمعت أبا هريرة الخ (غريبه)(3) وهذه لعمر الله خاصة لم تكن لسواها زاد الطبرانى فى روايته فقالت هو السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام، زاد النسائى من حديث أنس وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته، فجعلت مكان رد السلام على الله الثناء عليه تعالى ثم غايرت بين ما يليق بالله وما يليق بغيره، وهذا يدل على وفور فقهها كما لا يخفى (4) أى لؤلؤة مجوفة كما فى الكبير للطبرانى، وفى الأوسط من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت الأحمر، وقال ابن التين المراد به لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف (لا صخب) بالصاد المهملة والخاء المعجمة والموحدة المفتوحات أى لا صياح فيه (ولا نصب) أى تعب نفى عنه ما فى بيوت الدنيا من آفة جلبة الأصوات وتعب تهيئتها واصلاحها: وقد أبدى السهيلى لنفى هاتين الصفتين حكمة لطيفة فقال: لأنه صلى الله عليه وسلم لما دعا الى الايمان أجابت خديجة رضي الله عنها طوعا فلم تحوجه الى رفع الصوت من غير منازعة ولا تعب، بل أزالت عنه كل تعب وآنسته من كل وحشة وهوّنت عليه كل عسير فناسب أن يكون منزلها الذى بشرها به ربها بالصفة المقابلة لفعلها وصورة حالها رضي الله عنها وأرضاها، ومن هواصها رضي الله عنها أنها لم تسؤه قط ولم تغاضبه (تخريجه)(ق طب طس) وغيرهم (5)(سنده) حدّثنا يعقوب حدثنى أبى عن ابن اسحاق قال فحدثنى هشام بن عروة بن الزبير عن ابيه عروة عبد الله بن جعفر الخ (غريبه)(6) اى امره الله عز وجل على لسان جبريل عليه السلام (تخريجه) اورده الهيثمى وقال رواه (حم عل طب) ورجال احمد رجال الصحيح غير محمد ابن اسحاق وقد صرح بالسماع (قلت) ورواه ايضا الحاكم وصححه واقره الذهبى (7)(سنده) حدّثنا

ص: 239

أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر خديجة رضي الله عنها؟ قال نعم بشرها ببيت فى الجنه من قصب لا صخب فيه ولا نصب، قال يعلى وقال مرة لا صخب أولا لغو فيه ولا نصب (عن عائشة) رضي الله عنها قالت ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، ولقد هلكت قبل أن يتزوجنى بثلاث سنين لما كنت أسمعه يذكرها ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت من قصب فى الجنة: وان كان ليذبح الشاة ثم يهدى فى خلتها منها (عن ابن عباس) قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الأرض أربعة خطوط قال تدرون ما هذا؟ فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد. وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم. وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران رضي الله عنهن (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم بمعناه (عن على رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة (عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا ذكر خديجة اثنى عليها فاحسن الثناء، قالت فغرت يوما فقلت ما اكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله

ابن أبي نمير ويعلى المعنى قال ثنا اسماعيل قال قلت لعبد الله بن ابى اوفى الخ (غريبه)(1) زاد الطبرانى يعنى قصب اللؤلؤ (2) اللغو الكلام بالمطرح من القول وما لا يعنى (والنصب) بالتحريك التعب (تخريجه)(ق) وأورده الهيثمى وقال فى الصحيح بعضه، ورواه الطبرانى فى الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن أبى سمينه وقد وثقه غير واحد اهـ (قلت) لفظه عند الطبرانى عن ابن أبى أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قال لى جبريل بشر خديجة ببيت فى الجنة الخ ولفظ رواية الامام احمد جاء عند البخارى (3)(سنده) حدّثنا أبو اسامة ثنا هشام عن أبيه عن عائشة الخ (غريبه)(4) أى من أزواجه صلى الله عليه وسلم مثل غيرتى على خديجة (5) إذ كثرة ذكر الشئ تدل على محبته وأصل غيرة المرأة من تخيل محبة غيرها أكثر منها، وعند النسائى من كثرة ذكره إياها وثنائه عليها (6) معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان يذبح الشاة فيهدى منها لصديقات خديجة، وجاء فى رواية أخرى من حديثها عند الامام احمد ايضا بلفظ أن كنا نذبح الشاة فيبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم باعضائها الى صدائق خديجة (تخريجه)(ق نس. وغيرهم)(7)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث تقدم (بسنده) وشرحه وتخريجه فى باب ما جاء ى فضل مريم بنت عمران فى هذا الجزء صحيفة 133 رقم 86 وتقدم الكلام على 1 لك هناك فارجع اليه (8)(عن انس بن مالك) الخ هذا الحديث تقدم أيضا بسنده وشرحه وتخريجه فى الباب المشار اليه فى هذا الجزء صحيفة 133 أيضا رقم 87 (9)(سنده) حدّثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام عن أبيه عن عبد الله بن جعفر عن على الخ (غريبه)(10) جاء عند مسلم من رواية وكيع عن هشام فى هذا الحديث وأشار وكيع الى السماء والأرض (قلت) فكأنه أراد أن يبين أن المراد باشارته الى السماء نساء الآخرة يعنى الحور العين، وباشارته الى الارض نساء الدنيا، وقال القرطبى الضمير عائد على غير مذكور لكنه يفسره الحال والمشاهدة يعنى به الدنيا والله أعلم (تخريجه)(ق. مذ)(11)(سنده) حدّثنا على بن اسحاق انا عبد الله قال انا مجالد عن الشعبى عن مسروق عن عائشة الخ (غريبه)(12) جاء فى الطريق الثانية بلفظ (حمراء الشدقين) وكذلك جاء عند الشخين، قال أبو البقاء

ص: 240

عز وجل بها خيرًا منها، قال ما أبدلنى الله عز وجل خيرًا منها، قد آمنت بى إذ كفر بى الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله عز وجل ولدها إذ حرمنى أولاد النساء (وعنها من طريق ثان) قالت ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خديجة فأطنب فى الثناء عليها فادركنى ما يدرك النساء من الغيرة فقلت لقد أعقبك الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، قالت فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تغيرا لم أره تغير عند شئ قط إلا عند نزول الوحى وعند المخيلة حتى يعلم رحمة أو عذاب

يجوز في حمراء الرفع على القطع والنصب على الصفة أو الحال (قال النووى) معناه عجوز كبيرة جدًا حتى قد سقطت أسنانها من الكب ولم يبق لشدقها بياض شئ من الأسنان، انما بقى فيها حمرة لثاتها (قال القاضى) قال المصرى وغيره من العلماء الغيرة مسامح للنساء فيها لا عقوبة عليهن فيها لما جبلن عليه من ذلك، ولهذا لم تزجر عائشة عنها (قال القاضى) وعندى أن ذلك جرى من عائشة لصغر سنها وأول شبيبتها ولعلها لم تكن بلغت حينئذ (1)(سنده) حدّثنا مؤمل ابو عبد الرحمن ثنا حماد ثنا عبد الملك عن موسى بن طلحة عن عائشة قالت ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(2) أى لما كان يقاسيه من شدة الوحى وتجمع الفكر والوعى، وفى هذا زجر لعائشة عن قول مثل هذا فى حق خديجة (وفى رواية) فغضب حتى قلت والذى بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا الا بخير (3) أى السحابة الخليقة بالمطر، وانما كان وجهه صلى الله عليه وسلم يتغير عند ذلك خوفا من أن يكون رسول عذاب كما أرسل إلى قوم هود قال تعالى {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا، بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شئ بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} (تخريجه) أخرج الشيخان بعضه، وأورده الهيثمى وقال رواه احمد واسناده حسن، وأورد نحوه أيضا وعزاه الطبرانى ولفظه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر ذكر خديجة، فقلت ما أكثر ما تكثر من ذكر خديجة وقد أخلف الله تعالى لك من عجوز حمراء الشدقين وقد هلكت فى دهر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا ما رأيته غضب مثله قط وقال إن الله رزقها منى ما لم يرزق أحدا منكن، قلت يا رسول الله اعف عنى والله لا تسمعنى أذكر خديجة بعد هذا اليوم بشئ تكرهه، قال الهيثمى وسنده حسن (وفى الباب) عند مسلم عن عائشة قالت ما غرت على نساء النبى صلى الله عليه وسلم الا على خديجة وانى لم أدركها، قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ذبح الشاة فيقول ارسلوا بها الى أصدقاء خديجة، قالت فأغضبته يوما فقلت خديجة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى قد رزقت حبها (وعند مسلم أيضا) عن عائشة قالت لم يتزوج النبى صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت (قال القرطبى) كان حبه لها لما تقدم ذكره من الأسباب وهى كثيرة كل منها كان سببا فى ايجاد المحبة ومما كافأ النبى صلى الله عليه وسلم خديجة فى الدنيا أنه لم يتزوج فى حياتها غيرها، فذكر حديث عائشة المتقدم عند مسلم قال وهذا مما لا اختلاف فيه بين أهل العلم بالأخبار، وفيه دليل على عظم قدرها عنده وعلى مزيد فضلها لأنها أغنته عن غيرها، واختصت به بقدر ما اشترك فيه غيرها مرتين لأنه صلى الله عليه وسلم عاش بعد أن تزوجها ثمانية وثلاثين عاما، انفردت خديجة منها بخمسة وعشرين عاما وهى نحو الثلثين من المجموع، ومع طول المدة فصان قلبها فيها من الغيرة ومن تكدر الضرائر الذى ربما حصل له هو منه ما يشوش عليه بذلك

ص: 241

(باب ما جاء في ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لما اشتد عليه ايذاء قريش بعد موت عمه أبى طالب مستنجدًا وردهم عليه أسوأ ردّ)(عن عبد الرحمن بن خالد العدوانى) عن ابيه انه أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهي فضيلة لم يشاركها فيها غيرها، (ومما اختصت به) سبقها نساء هذه الأمة الى الايمان فسنت ذلك لكل من آمنت بعدها فيكون لها مثل أجرهن، لما ثبت أن من سن سنة حسنة الحديث وقد شاركها فى ذلك أبو بكر الصديق بالنسبة الى الرجال، ولا يعرف قدر ما لكل منهما من الثواب بسبب ذلك الا الله عز وجل (قال النووى) فى هذه الأحاديث دلالة لحسن العهد وحفظ الود ورعاية حرمة الصاحب والمعاشر حيًا وميتًا واكرام معارف ذلك الصاحب والله أعلم (قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) وقد روى الحافظ أبو الفرج بن الجوزى بسنده عن ثعلبة بن صعير وحكيم بن حزام أنهما قالا لما توفى أبو طالب وخديجة وكان بينهما خمسة أيام اجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتان ولزم بيتة وأقل الخروج ونالت منه قريش ما لم تكن تنال ولا تطمع فيه، فبلغ ذلك ابا لهب فجاءه فقال يا محمد امض لما ردت، ما كنت صانعا إذ كان أبو طالب حيا فاصنعه، لا واللات لا يوصل اليك حتى أموت، وسب ابن الغيطلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو لهب فنال منه فولى يصيح يا معشر قريش صبأ أبو عتبة فأقبلت قريش حتى وقفوا على أبى لهب فقال ما فارقت دين عبد المطلب ولكنى أمنع ابن أخى أن يضام حتى يمضى لما يريد، فقال لقد أحسنت وأجملت ووصلت الرحم، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أياما يأتى ويذهب لا يعرض له أحد من قريش وهابوا أبا لهب إذ جاء عقبة بن أبى معيط وأبو جهل الى أبى لهب فقالا له اخبرك ابن أخيك أين مدخل أبيك؟ فقال له أبو لهب يا محمد اين مدخل عبد المطلب؟ قال مع قومه، فخرج اليهما فقال قد سألته فقال مع قومه، فقالا يزعم أنه فى النار، فقال يا محمد أيدخل عبد المطلب النار؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مات على مامات عليه عبد المطلب دخل النار، فقال أبو لهب لعنه الله والله لا برحت لك الا عدوا أبدا وأنت تزعم أن عبد المطلب فى النار، واشتد عند ذلك ابو لهب وسائر قريش عليه، ثم اجتر أسفهاء قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونالوا منه ما لم يكونوا يصلون اليه ولا يقدرون عليه، كما قد (رواه البيهقى) بسنده عن عبد الله بن جعفر قال لما مات أبو طالب عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم سفيه من سفهاء قريش فألقى عليه ترابا، فرجع إلى بيته فأتت امرأة من بناته تمسح عن وجهه التراب وتبكى، فجعل يقول أى بنية لا تبكين فان الله مانع أباك، ويقول ما بين ذلك ما نالت قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب ثم شرعوا، وقد رواه زياد البكائى عن محمد بن اسحاق عن هشام بن عروة مرسلا والله أعلم (وذكر ابن اسحاق) أن النفر الذين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار المنزل لم يسلم منهم أحد الا الحكم بن أبى العاص مع أن اسلامه كان مضطربا، فكان مدهم يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلى ويطرحها فى برمته اذا تصبت له حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرًا يستتر به منهم اذا صلى، وكان اذا طرحوا عليه ذلك خرج به على عود وقال يا بنى عبد مناف أى جوار هذا؟ ثم يلقيه اهـ (قال فى بهجة المحافل) وجميع ذلك انما هو أذى يتأذى به مع قيام العصمة لجملته ليناله حظه من البلاء وليحقق فيه مقام الصبر الذى أمر به كما صبر أولوا العزم من الرسل الأنبياء ومع ذلك فكل من قومه قد كان حريصا على الفتك به واستئصاله والفراغ منه لا يقدر على ذلك، فسبحان من كفاه ووقاه وآواه وأظهر دينه على الآيات كلها وأسماه (باب)(1)(سنده) حدّثنا عبد الله بن محمد

ص: 242

في مشرق ثقيف وهو قائم على قوس أو عصا حين أتاهم يبتغى عندهم النصر، قال فسمعته يقرأ أو السماء والطارق حتى ختمها، قال فوعيتها فى الجاهلية وأنا مشرك ثم قرأتها فى الاسلام، قال فدعتنى ثقيف فقالوا ماذا سمعت من هذا الرجل؟ فقرأتها عليهم، فقال من معهم من قريش نحن أعلم بصاحبنا، لو كنا نعلم ما يقول حقا لتبعناه (عند جندب البجلى) قال أصاب أصبع النبى صلى الله عليه وسلم بشئ وقال جعفر (احد الرواة) حجر فدميت فقال (هل أنت الا اصبع دميت. وفي سبيل الله ما لقيت)

قال عبد الله (يعنى ابن الامام احمد) وسمعته أنا من عبد الله بن محمد بن أبى شيبة ثنا مروان بن معاوية الفزارى عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفى عن عبد الرحمن بن خالد العدوانى الخ (غريبه)(1) أى فى الجانب الشرقى منها وثقيف بوزن رغيف، قال فى القاموس أبو قبيلة من هوازن واسمه قيسيّ بن منبه ابن بكر بن هوازن وهو ثقفى محركة اهـ وكانت هذه القبيلة تسكن الطائف فلما اشتد أذى قريش للنبى صلى الله عليه وسلم بعد موت أبى طالب كما تقدم خرج من مكة الى ثقيف بالطائف (قال ابن اسحاق) يلتمس النصر من ثقيف والمنعة، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاء به من الله تعالى (قال المقريزى) لأنهم كانوا أخواله، قال غيره ولم يكن بينه وبينهم عداوة فأقام بها شهرا يدعوهم فردوا قوله واستهزءوا به وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ورموا عراقيبه بالحجارة حتى اختضبت نعلاه بالدماء: وكان اذا أزلقته الحجارة قعد الى الأرض فيأخذون بعضديه صلى الله عليه وسلم فيقيمونه، فاذا مشى رجموه وهم يضحكون، حتى لقد شج فى رأسه شجاجا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم، وقد يئس من خير ثقيف (تخريجه) لم أقف عليه لغير الامام احمد وسنده جيد (2) (سنده) حدّثنا محمد بن جعفر وعفان قالا ثنا شعبة عن الأسود بن قيس عن جندب الى الخ (غريبه) (3) لفظ ما: هنا بمعنى الذى أى الذى لقيته محسوب فى سبيل الله، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك عندما رماه سفهاء ثقيف بالحجارة والله أعلم (تخريجه)(ق مذ) وقد روى الشيخان من حديث عائشة أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم هل أتى عليك يوم أشد من أحد؟ قال قد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة اذ عرضت نفسى على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال (كان من رؤساء ثقيف) فلم يجبنى الى ما اردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهى فلم استفق الا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسى فاذا بسحابة قد اظلتنى فنظرت فاذا فيها جبريل عليه السلام فنادانى فقال ان الله قد سمع قول قومك وما ردوا به عليك وقد بعث اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت: فنادانى ملك الجبال فسلم علىّ ثم قال يا محمد ان الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك، وأنا ملك الجبال وقد بعثنى ربك البك لتأمرنى بأمرك ان شئت ان أطبق عليهم الأخشبين، وهما جبلان قال النبى صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، ولما انصرف صلى الله عليه وسلم عن أهل الطائف مر فى طريقه بعتبة وشيبة ابنى ربيعه وهما فى حائط لهما، فلما رأيا ما لقى تحركت له رحمهما فبعثا له مع عداس النصرانى غلامهمها قطف عنب فلما وضع بين يديه ووضع صلى الله عليه وسلم يده فى القطف قال باسم الله، ثم أكل فنظر عداس الى وجهه ثم قال والله ان هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أى البلاد أنت وما دينك؟ قال نصرانى من نينوى، فقال صلى الله عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس بن متى، فقال وما يدريك؟ قال ذاك أخى وهو نبى مثلى، فأكب عداس على يديه ورأسه ورجليه يقبلهما

ص: 243

(أبواب قصة الإسراء والمعراج برسول الله صلى الله عليه وسلم

(باب ما ورد فى ذلك عن انس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما

(حدّثنا عفان) قال ثنا همام بن يحيى قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك رضي الله عنه ان مالك بن صعصعه رضي الله عنه حدثه أن نبى الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حدثهم

وأسلم، ولما نزل نخلة وهو موضع على ليلتين من مكة صرف اليه سبعة من جن نصيين وكان صلى الله عليه وسلم قد قام فى جوف الليل يصلى فاستمعوا له وهو يقرأ سورة الجن، والذى آذنه بهم شجرة، وفى طريقه هذه دعا صلى الله عليه وسلم بالدعاء المشهور (اللهم انى أشكوا اليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين، أنت أرحم الراحمين وأنت رب المستضعفين، الى من تكلنى الى عدو بعيد يتجهمنى أم الى صديق قريب ملكته أمرى، إن لم تكن غضبانا على فلا أبالى، غير أن عافيتك أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى أضاءت له السموات وأشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ان ينزل بى غضبك أو يحل بى سخطك ولك العتبى (أى أطلب رضاك) حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك: ثم انتهى الى حراء يريد دخول مكة: فقال له زيد بن حارثة كيف تدخل عليهم وهم قد أخرجوك؟ فقال يا زيد ان الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا وان الله مظهر دينه وناصر نبيه. وبعث عبد الله بن الأريقط الى الأخسر بن قيس ليجيره، فقال أنا حليف والحليف لا يجير، فبعث الى سهيل بن عمرو فقال ان بنى عامر لا تجير على بنى كعب، فبعث الى المطعم بن عدى فأجابه فدخل صلى الله عليه وسلم مكة فبات عنده فلما أصبح تسلح المطعم هو وبنوه وهم ستة أو سبعة، فقالوا له صلى الله عليه وسلم طف: واحتبوا بحمائل سيوفهم بالمطاف فقال أبو سفيان للمطعم امجير أم تابع؟ قال بل مجير، قال اذا لا تخفر، قد أجرنا من أجرت، فقضى صلى الله عليه وسلم طوافه وانصرفوا معه الى منزله، ذكر ابن اسحاق هذه القصة مبسوطة وأوردها الفاكهى باسناد طوافه وانصرفوا معه الى منزله، ذكر ابن اسحاق هذه القصة مبسوطة وأوردها الفاكهى باسناد حسن مرسل ولذا قال صلى الله عليه وسلم فى أسارى بدر لو كان المطعم بن عدى حيا ثم كلمنى فى هؤلاء النِّتنى لتركتهم له ثم كانت الاسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة الى بيت المقدس ثم عرجوه الى السماوات واليك ما ورد فى ذلك (باب)(1) قال العلماء ولستة اشهر من الثانية عشرة بعد البعث وقبل الهجرة بسنة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم بورحه وجسده يقظة من المسجد الحرام الى بيت المقدس ثم الى السماوات العلى، قاله مقاتل وغيره وجزم به النووى (وفى شرح مسلم للنووى) أنه كان ليلة الاثنين سبع وعشرين من شهر ربيع الأول وكذلك فى فتاواه، وفى سيرة الروضة أنه كان فى رجب، وقال غيره فى رمضان، واختلف هل كان بروحه وجسده يقظة أو بروحه فقط مناما، مع اتفاقهم أن رؤيا الأنبياء وحى، واختلافهم بحسب اختلاف الروايات فى ذلك والصحيح الأول أنه كان بالروح والجسد، وطريقة الجمع بينهما أن يقال كان ذلك مرتين أولاهما منا ما قبل الوحى كما فى حديث شريك، ثم أسرى به يقظة بعد الوحى تحقيقا لرؤياه كما رأى صلى الله عليه وسلم فتح مكة قبل عام الحديبية سنة ستة من الهجرة ثم كان تحقيقه سنة ثمان، ونزل فى ذلك قوله تعالى {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق الآية} والله أعلم: أنظر تفسير قوله تعالى {وما جعلنا الريا التى أريناك إلا فتنة للناس} من سورة الاسراء فى الجزء الثامن عشر صحيفة 193

ص: 244

عن ليلة أسري به قال بينا أنا فى الحطيم وربما قال قتادة فى الحجر مضطجع إذ أتانى آت فجعل يقول لصاحبه الأوسط بين الثلاثة قال فاتانى فقده وسمعت قتادة يقول فشق ما بين هذه إلى هذه، قال قتادة فقلت للجارود وهو الى جنبى ما يعنى قال من ثغرة نحره الى شعرته وقد سمعته يقول من قصه إلى شعرته قال فاستخرج قلبى فأتيت بطست من ذهب مملوءة ايمانا وحكمة فغسل قلبى ثم حشى ثم أعيد ثم اتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض قال فقال الجارود هو البراق يا أبا حمزة قال نعم خطوه عند اقصى طرفه قال فحملت عليه فانطلق بى جبريل عليه السلام حتى أتى بى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أو قد أرسل اليه، قال نعم، قيل مرحبا به ونعم المجيء جاء: قال ففتح فلما خلصت فاذا فيها آدم عليه السلام فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبى الصالح، ثم صعد حتى أتى إلى السماء الثانية فاستفتح فقيل من هذا؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أو قد أرسل اليه؟ قال نعم، قيل مرحبا به ونعم المجئ جاء: قال ففتح فلما خلصت فاذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة، فقال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، قال فسلمت فردا السلام ثم قالا مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء الثالثه فاستفتح فقيل من هذا؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أو قد أرسل اليه؟ قال نعم، قيل مرحبا به ونعم المجئ جاء قال ففتح فلما خلصت فإذا يوسف عليه السلام، قال هذا يوسف فسلم

رقم 238 من كتاب فضائل القرآن وتفسير ففيه ما يسرك (غريبه)(1) هو ما بين الركن والمقام وقيل هو الحجر المخرج منها سمى، به لأن البيت رفع وترك هو محطوما (2) هو جبريل عليه السلام وقوله (لصاحبه) يعنى ميكائيل كما صرح بذلك فى رواية لابن جرير (3) كأنه صلى الله عليه وسلم كان مضطجعا بين اثنين من أصحابه فقال الملك لصاحبه هو الأوسط (4) بالفاء والقاف والمهملة المشددة المفتوحات أى شق طولا (5) هو ابن أبى سيرة باسكان الموحدة سالم بن سلمة الهذلى أبو نوفل البصرى التابعى من مشايخ قتادة وصاحب أنس (6) أى ما يعنى أنس بقوله ما بين هذه الى هذه (7) بضم المثلثه وسكون المعجمة الموضع المنخفض بين الترقوتين (الى شعرته) بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة عانته، ومنبت شعرها قال قتادة (وقد سمعته) أى سمعت انسا (يقول من قصه) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة رأس صدره (8) بفتح الطاء وسكون السين المهملتين اناء معروف (وقوله من ذهب) كان ذلك قبل تحريم استعمال الذهب والفضة (9) وفى رواية أخرى للبخارى ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وايمانا فأفرغه فى صدرى ثم أطبقه، فقوله ممتلئ حكمة وايمانا يحتمل أنه على الحقيقة وتجسيد المعانى جائز كتمثيل الموت كبشا أو مجاز من باب التمثيل كما مثلت له الجنة والنار فى عرض الحائط وفائدته كشف المعنوى بالحسى (10) كنية انس بن مالك والبراق بضم الموحدة قال أهل اللغة البراق اسم الدابة التى ركبها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليلة الاسراء (11) بسكون الراء بأى بصره رجله عند منتهى ما يرى بصره (12) يعنى جبريل طلب فتح باب سماء الدنيا

ص: 245

عليه قال فسلمت عليه فرد السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، فقيل من هذا؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أو قد أرسل اليه؟ قال نعم، فقيل مرحبا به ونعم المجئ جاء: قال ففتح فلما خلصت قال فاذا ادريس عليه السلام قال هذا ادريس فسلم عليه، قال فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح، قال ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، فقيل من هذا؟ قال جبريل قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أو قد أرسل اليه؟ قال نعم، قيل مرحبا به ونعم المجئ جاء: قال ففتح فلما خلصت فاذا هرون عليه السلام، قال هذا هرون فسلم عليه، قال فسلمت عليه، قال فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح، قال ثم صعد حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، فقيل من هذا؟ قال جبريل قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أو قد أرسل اليه؟ قال نعم، قيل مرحبا به ونعم المجئ جاء، ففتح فلما خلصت فاذا أنا بموسى عليه السلام، قال هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح قال فلما تجاوزت بكى: قيل له ما يبكيك؟ قال أبكى لأن غلاما بعث بعدى ثم يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتى، قال ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح قيل من هذا؟ قال جبريل قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل أو قد أرسل اليه؟ قال نعم، قيل مرحبا ونعم المجئ جاء، قال ففتح فلما خلصت فاذا ابراهيم عليه السلام، فقال هذا ابراهيم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبى الصالح: قال ثم رفعت إلى سدرة المنتهى فاذا نبقها مثل قلال هجر واذا ورقها مثل آذان الفيلة فقال هذه سدرة المنتهى، قال واذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال أما الباطنان فنهران فى الجنة وأما الظاهران

(1) لم يكن بكاء موسى عليه السلام حسدا معاذ الله فان الحسد فى ذلك العالم منزوع من آحاد المسلمين فكيف بمن اصطفاه الله تعالى برسالاته وبكلامه، بل كان أسفا على ما فاته من الأجر الذى يترتب عليه رفع الدرجة بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص أجورهم، المستلزم لتنقيص أجره، لأن لكل نبى مثل أجر أمته (وقوله غلام) ليس المراد منه الحط من شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم بل المراد أنه صغير السن بالنسبة اليه وقد أنعم الله عليه بما ينعم به عليه مع طول عمره (2) استشكل رؤية الانبياء فى السموات مع ان أجسادهم مستقرة فى قبورهم بالأرض (والجواب عن ذلك) ان رؤية الأنبياء غير عيسى عليه السلام بالسماء مع استقرار اجسامهم وقبورهم بالأرض لا اشكال فيها، فان ارواحهم تشكلت بصور اجسادهم لملاقاته صلى الله عليه وسلم فى تلك الليلة تشريفا له وتكريما (3) ظاهر فى انها شجر نبق حقيقة والنبات فى الشاهد يكون ترابيا ومائيا وهوائيا ولا يبعد على الله جلت قدرته ان يخلقه فى اى مكان شاء: وقد اخبر سبحانه عن شجرة الزقوم انها تنبت فى اصل الجحيم، وسميت بسدرة المنتهى لأنه ينتهى اليها علم كل عالم وما وراءها لا يعلمه الا العليم الخبير (4) بكسر القاف وهجر بفتح الهاء والجيم اسم بلد باليمن لا ينصرف للعلمية والتأنيث: ومراده ان ثمرها فى الكبر كالجرار التى تصنع بها وكانت معروفة عند المخاطبين هكذا وقع التمثيل بها، والقلة جرة عظيمة تسع قربتين أو اكثر (5) بكسر الفاء وفتح التحتية جمع فيل (6) أي تخرج

ص: 246

فالنيل والفرات قال ثم رفع إلى البيت المعمور قال قتادة وحدثنا الحسن عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون الف ملك ثم لا يعودون اليه، ثم رجع، إلى حديث أنس قال: ثم أتيت باناء من خمر واناء من لبن واناء من عسل، قال فأخذت اللبن، قال هذه الفطرة أنت عليها وأمتك، قال ثم فرضت الصلاة خمسين صلاة كل يوم، قال فرجعت على موسى عليه السلام فقال بماذا أمرت؟ قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال ان امتك لا تستطيع خمسين صلاة وانى قد خبرت الناس قبلك وعالجت بنى اسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال فرجعت فوضع عنى عشرًا قال فرجعت فمررت على موسى فقال بما أمرت؟ قلت بأربعين صلاة كل يوم، قال ان أمتك لا تستطيع أربعين صلاة كل يوم، وإنى قد خبرت الناس قبلك وعالجت بنى اسرائيل أشدّ المعالجة فارجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال فرجعت فوضع عنى عشرا أخر، فرجعت الى موسى فقال لى بما أمرت؟ قلت أمرت بثلاثين صلاة كل يوم، قال ان امتك لا تستطيع لثلاثين صلاة كل يوم وانى قد خبرت الناس قبلك وعالجت بنى اسرائيل أشد المعالجة فارجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال فرجعت فوضع عنى عشرا أخر، فرجعت الى موسى فقال لى بما أمرت؟ قلت بعشرين صلاة كل، يوم فقال ان امتك لا تستطيع العشرين صلاة كل يوم وانى قد خبرت الناس قبلك وعالجت بنى اسرائيل أشد المعالجة فارجع الى ربك فاسأله

من أصل سدرة المنتهى كما فى رواية، وقوله نهران باطنان قال مقاتل السلسبيل والكوثر (1) يرشد بظاهره الى عنصر هذين النهرين والكلام فيه شاسع الطرفين ومحصوله تباين المشارب وتخالف المذاهب فمن ذاهب الى تأويل ولكنه يجافى الدليل، ومن وافق عندما يعطيه الظاهر غير مستبعد ذلك على قدرة القاهر، وظواهر البينات تعضده كقوله جل شأنه {الم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض} الآية وغيرها من الآيات المتضافرة، على أن مادتهما سماوية، ومما يشير الى ذلك قوله عز وجل {وإن من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم} وكون الماء يخرج من أصل السدرة ثم يسير حيث يشاء الله تعالى المستأثر بعلم ذلك ثم يسلكه ينابيع حتى يخرج من الأرض ثم يسير فى مجاريه أى مع ما يخالطه من وابل المطر وطله أمر لا يحيله عقل ولا يمنعه شرع، والقدرة لا يتعاصاها شئ: والله على كل شئ قدير (2) يعنى البصرى فى رواية أخرى عن أبى هريرة الخ (3) قيل هو فى السماء الثالثة أو السادسة أو السابعة بحبال الكعبة يزوره كل يوم سبعون الف ملك بالطواف والصلاة ثم لا يعودون اليه (4) أى الفطرة التى فطر عليها البشر وهى دين الاسلام كما قال تعالى {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} والمراد علامة الفطرة، لأن اللبن ليس هو نفس الاسلام بل علامة له ودالا عليه (5) معناه مارست بنى اسرائيل أشد الممارسة مع قوة أجسامهم فرأيت منهم الشدة وعدم الطاقة فكيف حال امتك (وقوله فارجع الى ربك) أى الى الموضع الذى ناجيت فيه ربك فلا حلول، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وقد وقع لموسى عليه السلام من العناية بهذه الأمة فى شان الصلاة ما لم يقع لغيره (6) أى فوضع عنى فى ضمن الوضع عن أمتى عشرا منها على أن

ص: 247

التخفيف لأمتك، قال فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت الى موسى فقال بما أمرت؟ قلت بعشرين صلاة كل، يوم فقال ان امتك لا تستطيع لعشر صلوات كل يوم فانى قد خبرت الناس قبلك وعالجت بنى اسرائيل أشد المعالجة فارجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت الى موسى فقال بما أمرت؟ قلت بخمس صلوات كل يوم، فقال ان امتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وانى قد خبرت الناس قبلك وعالجت بنى اسرائيل أشد المعالجة فارجع الى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال قلت قد سألت ربى حتى استحييت، منه ولكن ارضى واسلم فلما نفذت نادى مناد قد امضيت فريضتي وخففت عن عبادى (ومن طريق ثان) قال حدّثنا محمد بن جعفر قال ثنا سعيد بن أبى عروية عن قتادة بن دعامة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال بينما أنا عند الكعبة بين النائم واليقظان فسمعت قائلا يقول أحد الثلاثة فذكر الحديث قال ثم رفع لنا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون الف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم قال ثم رفعت الى سدرة المنتهى فاذا ورقها مثل آذان الفيلة فذكر الحديث: قال فقلت لقد اختلفت الى ربى عز وجل حتى استحييت لا ولكن أرضى وأسلم، قال فلما جاوزته نوديت انى قد خففت على عبادى وأمضيت فرائضى وجعلت لكل حسنة عشر أمثالها (ومن طرييق ثالث) قال حدّثنا يحيى بن سعيد قال ثنا هشام الدستوائى قال ثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن أبى صعصعة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ قيل أحد الثلاثة بين الرجلين، فأتيت بطست من ذهب ملأه حكمة وايمانا فشق من النحر الى مراق البطن فغسل القلب بماء زمزم ثم ملئ حكمة وايمانا ثم اتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار ثم انطلقت مع جبريل عليه السلام فأتينا السماء الدنيا فقيل من هذا؟ قيل جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل اليه قال نعم قيل مرحبا به

الوضع عنه يستلزم الوضع عن أمته، ولم يقل عن أمتى لئلا يتوهم بقاء فرضية الخمسين عليه صلى الله عليه وسلم، هذا (وفى رواية) أن التخفيف كان خمسا خمسا واعتمده الحافظ وجعل حمل غيرها عليها من المتعين (1) جاء فى رواية البخارى فلما جاوزت أى جاوزت مكانى الذى أنا فيه نادى مناد الخ (2) هذه الجملة مما يستدل بها على أن التكليم ليلة الاسراء كان بغير واسطة والله أعلم (3) قال القاضى عياض يحتج بها من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه، اذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك اليه، وليس فى الحديث ما يدل على كونه نائما فى القصة كلها (4) جاء فى الطريق الأولى بلفظ الأوسط بين الثلاثة وفى هذا الطريق أحد الثلاثه يعنى هو أحد الثلاثة النائمين، وجاء فى الطريق الثالثة أحد الثلاثه بين الرجلين، وهى رواية البخارى قال الحافظ والمراد بالرجلين حمزة وجعفر وأن النبى صلى الله عليه وسلم كان نائما بينهما، قال ويستفاد منه ما كان فيه صلى الله عليه وسلم من التواضع وحسن الخلق، وفيه جواز نوم جماعة فى موضع واحد (5) هكذا بالاصل مختصرا (6) جاء فى هذا الطريق بيان الماء الذى غسل به قلبه الشريف وهو ماء زمزم (قال الحافظ)

ص: 248

ونعم المجئ جاء فذكر الحديث بنحو ما تقدم (باب ما جاء فى ذلك من رواية أنس بن مالك عن أبى بن كعب رضي الله عنهما (عن ابن شهاب) قال أنس بن مالك كان ابى بن كعب يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدرى ثم غسله من ماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وايمانا فأفرغها فى صدرى ثم أطبقه ثم أخذ بيدى فعرج بى إلى السماء، فلما جاء السماء الدنيا فافتتح فقال من هذا؟ قال جبريل، قال هل معك أحد؟ قال نعم، معى محمد، قال أرسل اليه؟ قال نعم، ففتح فلما علونا السماء الدنيا اذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة، وإذا نظر قبل يمينه تبسم، وإذا نظر قبل يساره بكى، قال مرحبًا بالنبى الصالح والابن الصالح، قال لجبريل عليه السلام من هذا؟ قال هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه فأهل اليمين هم أهل الجنة، والأسودة التى عن شماله أهل النار، فإذا نظر

وفيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه (1) أى نحو الطريق الاولى بشئ من الاختصار (تنبيه) لم يذكر فى هذا الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بيت المقدس مع تعدد طرقه وكذلك عند البخارى، وظاهره انه صلى الله عليه وسلم استمر على البراق حتى عرج الى السماء، وتمسك به من زعم أن المعراج كان فى ليلة غير ليلة الاسراء، لكن ثبت عند مسلم والامام احمد وغيرهما وسيأتى من حديث أنس نفسه من مسنده أن النبى صلى الله عليه وسلم اتى بيت المقدس وربط البراق بالحلقه التى يربط بها الأنبياء ثم دخل المسجد فصلى فيه ركعتين ثم جاءه جبريل باناءين فذكر القصة، ثم عرج به إلى السماء (قال البيهقى) المثبت مقدم على النافى، يعنى من اثبت ربط البراق والصلاة فى بيت المقدس معه زيادة علم على من نفى ذلك فهو اولى بالقبول والله أعلم (تخريجه) اخرج الطريق الاولى منه ابخارى بهذا السباق، واخرج الطريق الثانية والثالثة منه مسلم واخرجه النسائى والترمذى مختصرًا جدًا (باب)(ز)(2)(سنده) حدّثنا محمد بن اسحاق ابن محمد المسيبى ثنا انس بن عياض عن يونس بن زيد قال ابن شهاب (يعنى الزهرى) قال انس ابن مالك الخ (غريبه)(3) جاء فى هذه الرواية فرج سقف بيتى وانا بمكة، وتقدم فى الحديث السابق فى الطريق الاولى منه بينا انا فى الحطيم وربما قال قتادة فى الحجر، وفى الطريق الثانية منه بينا انا عند البيت، وفى رواية الواقدى باسانيده انه اسرى به من شعب ابى طالب، وفى حديث ام هانئ عند الطبرانى انه بات فى بيتها قال فغقدته من الليل فقال ان جبريل اتانى (قال الحافظ) والجمع بين هذه الاقوال انه نائم فى بيت ام هانئ وبيتها عند شعب ابى طالب ففرج سقف بيته واضاف البيت اليه لكونه كان يسكنه فنزل منه الملك فأخرجه من البيت الى المسجد فكان به مضطجعًا وبه اثر النعاس، وقد وقع فى مرسل الحسن عند ابن اسحاق ان جبريل اتاه فأخرجه إلى المسجد فأركبه البراق وهو يؤيد هذا الجمع والله اعلم (4) الطست مؤنثة فقوله ممتلئ اراد معناها وهو الاناء وقوله فأفرغها اراد لفظها (5) بفتح الهمزة وسكون المهملة وكسر الواو: قال النووى فسر الأسودة فى الحديث بانها نسم بنيه، اما الأسودة فجمع سواد كزمان وازمنة وتجمع الأسودة على أساود، وقال اهل اللغة السواد الشخص، وقيل السواد الجماعات (6) بفتح النون والمهملة الواحدة نسمة (قال الخطابى) وغيره هي نفس الانسان والمراد ارواح بنى آدم، قال القاضى عياض رحمه الله فى هذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم وجد آدم ونسم بنيه من أهل الجنة والنار

ص: 249

قبل يمينه ضحك، واذا نظر قبل شماله بكى، قال ثم عرج بى جبريل حتى جاوز السماء الثانية فقال لخازنها افتح، فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا ففتح له، قال انس بن مالك فذكر انه وجد فى السموات آدم وادريس وموسى وعيسى وابراهيم عليهم الصلاة والسلام ولم يثبت لى كيف منازلهم غير أنه ذكر انه وجد آدم فى السماء الدنيا وابراهيم فى السماء السادسه قال أنس فلما مر جبريل عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم بادريس قال مرحبا بالنبى الصالح والأخ الصالح، قلت من هذا؟ قال هذا ادريس، قال ثم مررت بموسى فقال مرحبا بالنبى الصالح والأخ الصالح، قلت من هذا؟ قال هذا موسى، ثم مررت بعيسى فقال مرحبا بالنبى الصالح والأخ الصالح، قلت من هذا؟ قال هذا عيسى بن مريم، قال ثم مررت بابراهيم فقال مرحبا بالنبى الصالح ولابن الصالح قلت من هذا؟ قال هذا ابراهيم عليه السلام، قال ابن شهاب وأخبرنى ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبَّة الأنصارى يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرج بى حتى ظهرت بمستوى أسمع صريف الاقلام، قال ابن حزم وانس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الله تبارك وتعالى على امتى خمسين صلاة، قال فرجعت بذلك حتى أمر على موسى عليه السلام فقال ماذا فرض ربك تبارك وتعالى على أمتك؟ قلت فرض عليهم خمسين صلاة، فقال لى موسى عليه السلام راجع ربك تبارك

وقد جاء أن أرواح الكفار فى سجين قيل فى الارض السابعة وقيل تحتها وقيل فى سجن، وان ارواح المؤمنين منعمة فى الجنة، فيحتمل انها تعرض على آدم اوقاتا فوافق وقت عرضها مرور النبى صلى الله عليه وسلم ويحتمل ان كونهم فى النار والجنة انما هو فى اوقات دون اوقات بدليل قوله تعالى {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} وبقوله صلى الله عليه وسلم فى المؤمن عرض منزله من الجنة عليه وقيل له هذا منزلك حتى يبعثك الله اليه، ويحتمل ان الجنة كانت فى جهة يمين آدم عليه السلام والنار فى جهة شماله وكلاهما حيث شاء الله والله أعلم (1) يعنى فى أى السموات هم (2) تقدم فى الحديث السابق أن ابراهيم فى السماء السابعة، قال النووى فان كان الاسراء مرتين فلا اشكال فيه، ويكون فى كل مرة وجده فى سماء واحداهما موضع استقراره ووطنه والأخرى كان فيها غير مستوطن، وان كان الاسراء مرة واحدة فلعله وجده فى السادسة ثم ارتقى ابراهيم أيضا السابعة والله أعلم (3) هو أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم (4) قال النووى أبو حبة بالحاء المهملة والباء الموحدة هكذا ضطبناه هنا، وفى ضبطه واسمه اختلاف، فالأصح الذى عليه الأكثرون حبه بالباء الموحدة كما ذكرنا، وقيل حية بالياء التحتية وقيل حنة بالنون وهذا قول الواقدى، وروى عن ابن شهاب الزهرى، وقد اختلف فى امم أبى حبة فقيل عامر وقيل مالك وقيل ثابت وهو بدرى باتفاقهم واستشهد يوم أحد، وقد جمع الامام أبو الحسن بن الأثير الجزرى رحمه الله الأقوال الثلاثة فى ضبطه والاختلاف فى اسمه فى كتابه معرفة الصحابة رضي الله عنهم وبينها بيانا شافيا رحمه الله (5) معنى ظهرت علوت والمستوى بفتح الواو (قال الخطابى) المراد به المصعد، وقيل المكان المستوى، وصريف الاقلام بالصاد المهملة تصويتها حال الكتابة، قال الخطابى هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه وما ينسخونه من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله تعالى من ذلك أن يكتب ويرفع لما أراده من أمره وتدبيره، قال القاضى عياض فى هذا حجة لمذهب أهل السنة في الإيمان

ص: 250

وتعالى فإن أمتك لا تطيق ذلك، قال فراجعت ربى عز وجل فوضع شطرها فرجعت الى موسى فاخبرته فقال راجع ربك فان أمتك لا تطيق ذلك، قال فراجعت ربى عز وجل فقال هى خمس وهى خمسون لا يبدل القول لدى، قال فرجعت الى موسى عليه السلام فقال راجع ربك فقلت قد استحييت من ربى تبارك وتعالى، قال ثم انطلق بى حتى أتى بى سدرة المنتهى، قال فغشيها الوان ما أدرى ما هى قال ثم ادخلت الجنة فاذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك (باب ما جاء فى ذلك من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه من مسنده)(عن أنس بن مالك) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته فسار بى حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط

بصحة كتابة الوحى والمقادير فى كتب الله تعالى من اللوح المحفوظ وما شاء بالاقلام التى هو تعالى يعلم كيفيتها على ما جاءت به الآيات من كتاب الله تعالى والاحاديث الصحيحة، وأن ما جاء من ذلك على ظاهره لكن كيفية ذلك وصورته وجنسه مما لا يعلمه إلا الله تعالى ومن أطلعه على شئ من ذلك من ملائكته ورسله، وما يتأول هذا ويحيله عن ظاهره إلا ضعيف النظر والايمان، إذ جاءت به الشريعة المطهرة ودلائل العقول لا تحيله، والله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد حكمة من الله تعالى واظهارا لما يشاء من غيبة لمن يشاء من ملائكته وسائر خلقه، والا فهو غني عن الكتب والاستذكار سبحانه وتعالى (1) قال النووى المراد بحط الشطر هنا أنه حط فى مرات بمراجعات، وهذا هو الظاهر، وقال القاضى عياض رحمه الله المراد بالشطر هنا الجزء وهو الخمس وليس المراد به النصف وهذا الذى قاله محتمل ولكن لا ضرورة اليه، فان هذا الحديث مختصر لم يذكر فيه كرات المراجعة والله أعلم، واحتج العلماء بهذا الحديث على نسخ الشئ قبل فعله والله أعلم (2) أى لا يقدر على وصفها وسيأتى فى باب ما جاء فى أمور متفرقة تتعلق بالاسراء والمعراج من حديث ابن مسعود قال إذ يغشى السدرة ما يغشى، قال فراش من ذهب، وفى حديث أنس قال فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تحولت ياقوتا أو زمردًا أو نحو ذلك (3) بالجيم المفتوحة بعدا نون مفتوحة ثم الف ثم باء موحدة ثم ذال معجمة وهى القباب واحدتها جنبذة واللؤلوء معروف: وفى هذا الحديث دلالة لمذهب أهل السنة أن الجنة والنار مخلوقتان وأن الجنة فى السماء قاله النووى (تخريجه) أخرجه مسلم من طريق يونس أيضا بسند حديث الباب ولفظه الا أنه جعله من حديث أبى ذر أبىّ بن كعب وسنده عند مسلم هكذا حدثنى حرملة بن يحيى التحبى أخبرنا ابن وهب قال أخبرنى يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كان أبو ذر يحدث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فرج سقف بيتى فذكر الحديث بلفظه كما هنا، واورده الهيثمى عن أبىّ بن كعب أيضًا ثم قال رواه عبد الله من زياد انه على أبيه ورجاله رجال الصحيح والله اعلم (باب)(4)(سنده) حدّثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة انا ثابت الينانى عن أنس بن مالك الخ (غريبه)(5) فيه إثبات أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بيت المقدس فى ليلة المعراج وبه قال جمهور العلماء (6) قال النووى باسكنا اللام على اللغة الفصحية المشهورة وحكى الجوهرى وغيره فتح اللام أيضا قال وفى رابط البراق الأخذ بالاحتياط فى الأمور وتعاطى الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل إذا كان

ص: 251

فيها الأنبياء ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءنى جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن قال جبريل أصبت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل ومن أنت؟ قال جبريل قيل ومن معك؟ قال محمد، فقيل وقد أرسل اليه؟ قال قد أرسل اليه، ففتح لنا فاذا أنا بآدم فرحب ودعا لى بخير، ثم عرج بنا الى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل ومن أنت؟ قال جبريل، فقيل ومن معك؟ قال محمد، فقيل وقد أرسل اليه؟ قال قد أرسل اليه، قال ففتح لنا فاذا أنا بابنى الخالة يحيى وعيسى فرحبا ودعوا لى بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت؟ فقال جبريل، فقيل ومن معك؟ قال محمد، فقيل وقد أرسل اليه؟ قال قد أرسل اليه، ففتح لنا فاذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطى شطر الحسن فرحب ودعا لى بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد صلى الله عليه وسلم، فقيل وقد أرسل اليه؟ قال قد أرسل اليه، ففتح الباب فاذا أنا بادريس فرحب بى ودعا لى بخير، ثم قال يقول الله عز وجل ورفعناه مكانا عليا، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت؟ قال جبريل، فقيل ومن معك؟ قال محمد، فقيل قد بعث اليه؟ قال قد بعث اليه، ففتح لنا فاذا أنا بهرون فرحب ودعا لى بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل من أنت؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد،

الاعتماد على الله تعالى والله أعلم (1) يستفاد منه أن الأنبياء كانوا يركبون البراق فى بعض الأحيان لأمور خاصة قاله الزبيدى وصاحب التحرير رحمهما الله (2) جاء عند الامام احمد من حديث ابن عباس وسيأتى بعد باب أن النبى صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد الأقصى قام ليصلى فالتفت ثم التفت فاذا النبيون أجمعون يصلون معه (قال الحافظ) وفى رواية أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد ثم أقيمت الصلاة فأممتهم (وفى رواية يزيد) بن أبى مالك عن أنس عن ابن أبى حاتم فلم البث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير ثم أذن مؤذن فأقيمت الصلاة فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا فاخذ بيدى جبريل فقدمنىفصليت بهم: وفى حديث ابن مسعود عند مسلم وجاءت الصلاة فأتممتهم (3) جاء عند مسلم من حديث أبى هريرة قال فاتيت باناءين فى أحدهما لبن وفى الآخر خمر، فقيل لى خذ أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته فقال هديت للفطرة أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك، وسيأتى نحوه عند الامام احمد من حديث ابى هريرة أيضا فى باب ما جاء فى أمور متفرقة تتعلق بالاسراء والمعراج (4) قال النووى فروا الفطرة هنا بالاسلام والاستقامة، ومعناه والله أعلم اخترت علامة الاسلام والاستقامة، وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا طاهرًا سائغا للشاربين سليم العاقبة، وأما الخمر فانها أم الخبائث وجالبة لأنواع من الشر فى الحال والمآل والله أعلم اهـ (وقوله ثم عرج بنا بفتح العين والراء أى صعد) (5) قال النووى وقوله جبريل فيه بيان الأدب فيمن استأذن بدق الباب ونحوه فقيل له من أنت؟ فينبغى ان يقول زيد مثلا اذا كان اسمه زيدا ولا يقول أنا: فقد جاء الحديث بالنهى عنه ولأنه لا فائدة فيه قال القاضى وفيه أن

ص: 252

فقيل وقد بعص اليه؟ قال قد بعث اليه، ففتح لنا فاذا أنا بموسى عليه السلام فرحب ودعا لى بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من أنت؟ قال جبريل، قيل ومن معك؟ قال محمد، قيل وقد بعث اليه؟ قال قد بعث اليه، ففتح لنا فاذا أنا بابراهيم صلى الله عليه وسلم وإذا هو مستند الى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبوعن الف ملك لا يعودون اليه ثم ذهب بى إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر ربى ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها، قال فأوحى الله عز وجل إلى ما أوحى وفرض على فى كل يوم وليلة خمسين صلاة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال ما فرض ربك على أمتك؟ قال قلت خمسين صلاة فى كل يوم وليلة، قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فان أمتك لا تطيق ذلك وانى قد بلوت بنى اسرائيل وخبرتهم، قال فرجعت إلى ربى عز وجل فقلت أى رب خفف عن أمتى فحط عنى خمسًا، فرجعت الى موسى فقال ما فعلت؟ قلت حط عنى خمسًا، قال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال فلم أزل أرجع بين ربى وبين موسى ويحط عنلا خمسًا خمسا حتى قال يا محمد هى خمس صلوات فى كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت حسنة، فان عملها كتبت عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئًا، فان عملها كتبت سيئة واحدة، فنزلت حتى انهيت إلى موسى فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك فان أمتك لا تطيق ذاك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رجعت الى ربى حتى لقد استحييت

(باب إنكار حذيفة بن اليمان صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس ليلة الاسراء)

(عن زر بن حبيش) قال أتيت على حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وهو يحدث عن ليلة اسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو يقول فانطلقت أو انطلقنا فلقينا حتى أتينا على بيت المقدس فلم يدخلاه، قال قلت بل دخله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ وصلى فيه، قال ما اسمك يا أصلع فإني أعرف

للسماء أبوابا حقيقة وحفظة موكلين بها، وفيه إثبات الاستئذان والله أعلم (1) ذكر العلماء فى مكان البيت المعمور ثلاثة أقوال، أحدها أنه فى السماء الثالثة، والثانى أنه فى السادسة، والثالث أنه فى السابعة وهذا الحديث يؤيد القول الثالث (2) فيه دلالة على أن سدرة المنتهى فى السماء السابعة لقوله بعد ذكر السماء السابعة (ثم ذهب بى إلى سدرة المنتهى) وسيأتى فى حديث ابن مسعود فى باب ما جاء فى أمور متفرقة تتعلق بالاسراء والمعراج أنها فى السماء السادسة ولا تعارض فى ذلك، لأنه يحمل على أن أصلها فى السماء السادسة وأغصانها وفروعها فى السابعة وليس فى السادسة منها إلا أصل ساقها والله أعلم (3) هذه الجملة من قوله ومن هم بحسنة الى هنا تقدم الكلام على شرحها وكلام العلماء فيها فى باب احسان النية على الخير الخ من كتاب النية والاخلاص فى العمل فى الجزء التاسع عشر صحيفة 7 فارجع اليه (تخريجه)(ق. وغيرهما)(باب)(4)(سنده) حدّثنا أبو النضر ثنا شيبان عن عاصم عن زر بن حبيش الخ (غريبه)(5) هكذا بالأصل فلقينا ومعناه غير ظاهر، والظاهر أنه وقع فيه

ص: 253

وجهك ولا أدري ما اسمك، قال قلت أنا زر بن حبيش، قال فما علمك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه ليلتئذ؟ قال قلت القرآن يخبرنى بذلك، قال من تكلم بالقرآن فلج اقرأ قال فقرأت سبحان الذى اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام قال فلم أجده صلى فيه، قال يا أصلع هل تجد صلى فيه؟ قال قلت لا، قال والله ما صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ: لو صلى فيه لكتب عليكم صلاة فيه كما كتب عليكم صلاة فى البيت العتيق والله ما زايلا البراق حتى فتحت لهما أبواب السماء فرأيا الجنة والنار ووعد الآخرة اجمع: ثم عادا عودهما على بدئهما، قال ثم ضحك حتى رأيت نواجذه قال ويحدثون أنه ربطه لئلا يفر منه، وانما سخره له عالم الغيب والشهادة، قال قلت أبا عبد الله أى دابة البراق؟ قال دابة أبيض طويل هكذا خطوه مد البصر (ومن طريق ثان) عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل يضع حافره منتهى طرفه فلم نزايل ظهره انا وجبريل حتى اتيت بيت المقدس ففتحت لنا أبواب السماء ورأيت الجنة والنار، قال حذيفة بن اليمان ولم يصل فى بيت المقدس، قال زر فقلت له بلى قد صلى، قال حذيفة ما اسمك يا أصلع؟ اننى اعرف وجهك ولا أعرف اسمك، فقلت أنا زر بن حبيش، قال وما يدريك أنه قد صلى؟ قال فقال يقول الله عز وجل {سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} قال فهل تجده صلى لو صلى لصليتم فيه كما تصلون فى المسجد الحرام، قال زر وربط الدابة بالحلقة التى يربط بها الأنبياء عليهم السلام، قال حذيفة أو كان يخاف ان تذهب منه وقد آتاه الله بها (باب من روى انه صلى الله عليه وسلم صلى فى بيت المقدس ليلة الأسراء والمعراج بالنبيين أجمعين عليهم الصلاة وأتم التسليم)(عن ابن عباس) قال ليلة أسرى بنبى الله صلى الله عليه وسلم ودخل الجنة فسمع من جانبها وجساً

تحريف من الناسخ أو الطابع وصوابه فبقينا بالباء الموحدة بدل اللام ويؤيد ذلك قوله فى الطريق الثانية فلم نزايل ظهره (1) بفتح الفاء واللام آخره جيم أى غلب خصمه (2) جاء فى الطريق الثانية أنه قرأ الآية كلها إلى قوله تعالى إنه هو السميع البصير (3) حذيفة رضي الله عنه يحكى ما بلغه، وقد ثبت عند غيره من الصحابة أنه صلى الله عليه وسلم صلى فى بيت المقدس، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وتقدم الكلام على ذلك (4)(سنده) حدّثناحدّثنا يونس حدثنا حماد يعنى ابن سلمة عن عاصم بن بهدلة الخ (5) أى لم نفارقه (تخريجه) أورده الحافظ بن كثير فى تفسيره وعزاه للامام احمد ثم قال ورواه أبو داود الطيالسى عن حماد بنسلمة عن عاصم به، ورواه الترمذى والنسائى فى التفسير من حديث عاصم وهو ابن أبى النجود وقال الترمذى حسن، وهذا الذى قال حذيفة رضي الله عنه نفى ما أثبته غيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربط الدابة بالحلقة ومن الصلاة ببيت المقدس مما سبق (يعنى الاحاديث) المتقدمة المصرح فيها بصلاته صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس وربط الدابة الخ) قال وما سبق مقدم على قوله والله أعلم بالصواب اهـ (باب)(6)(سنده) حدّثنا عثمان بن محمد (قال عبد الله بن الامام احمد) وسمعته أنا منه حدثنا جرير عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس الخ (غريبه)(7) الوجس بفتح الواو وسكون الجيم الصوت

ص: 254

قال يا جبريل ما هذا؟ قال هذا بلال المؤذن، فقال نبى الله صلى الله عليه وسلم حين جاء الى الناس قد أفلح بلال رأيت له كذا وكذا قال فلقيه موسى صلى الله عليه وسلم فرحب به وقال مرحبا بالنبي الأمي، قال فقال وهو رجل آدم طويل سبط شعره مع أذنيه أو فوقهما فقال من هذا يا جبريل؟ قال هذا موسى عليه السلام، قال فمضى فلقيه عيسى فلقيه عيسى فرحب به وقال من هذا يا جبريل؟ قال هذا عيسى، قال فمضى فلقيه شيخ جليل مهيب فرحب به وسلم عليه وكلهم بسلم عليه، قال من هذا يا جبريل؟ قال هذا أبوك ابراهيم، قال فنظر فى النار فاذا قوم يأكلون الجيف، فقال من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ورأى رجلا احمر أزرق جعدا شعثا اذا رأيته، قال من هذا يا جبريل؟ قال هذا عافر الناقة قال فلما دخل النبى صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى قام يصلى فالتفت ثم التفت فاذا النبيون أجمعون يصلون معه فلما انصرف فجئ احدهما عن اليمين والآخر عن الشمال فى احدهما لبن وفى الآخر عسل فأخذ اللبن فشرب منه فقال الذى كان معه القدح اصبت الفطرة (باب فى ذكر من رآهم النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج من الملائكة والنبيين وآخرين من الكفار والمذنبين وصفة بعضهم)(عن أبى العالية) حدثنى أبى حدثنى حجاج حدثنى شعبة عن قتادة عن أبى العالية قال حدثنى ابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم (يعنى ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل ما ينبغى لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ونسبه الى أبيه، وذكر أنه أسرى به وأنه رأى موسى عليه السلام آدم طوالا كأنه من رجال شنوءة وذكر أنه رأى عيسى مربوعا الى الحمرة والبياض جعدًا وذكر أنه رأى الدجال ومالكا خازن النار (عن ابن عباس) قال قال نبى الله صلى الله عليه وسلم رأيت ليلة أسرى بى موسى بن عمر ان رجلا آدم طوال جعدا كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى بن مريم عليهما السلام مربوع

الخفي (1) في هذا منقبة عظيمة لبلال المؤذن رضى عنه (2) بمد الهمزة أى أسمر وقوله سبط بفتح السين المهملة وسكون الموحدة وهو الشعر المنبسط المسترسل (3) اى محاذيا لأذنيه أو فوقهما بشئ يسير (4) يعنى الذين يغتابون الناس قال تعالى {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا الآية} (5) الظاهر أزرق العينين (جعدا) قال فى النهاية الجعد فى صفات الرجال يكون مدحا وذما فالمدح أن يكون معناه شديد الأسر والخلق أو يكون جعد الشعر وهو ضد السبط لان السبوطة أكثرها فى شعور العجم، وأما الذم فهو القصير المتردد الخلق وقد يطلق على البخيل أيضا والمراد هنا الثانى (وقوله شعثا) أى منظره قبيح لوساخته (6) أى ناقة نبى الله ثالح عليه السلام (7) قيه ثبوت صلاة النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد الاقصى ليلة الاسراء (8) فيه تفضيل النبى صلى الله عليه وسلم على سائر الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير وعزاه للإمام احمد وصحح إسناده وقال لم يخرجوه (باب)(9)(عن أبى العالية الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتريجه فى باب ما جاء فى خلق الملائكة من كتاب خلق العالم فى هذا الجزء صحيفة 19 رقم 59 فارجع اليه (10)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب صفة نبى الله موسى وحجه وصومه من كتاب

ص: 255

الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس (وعنه أيضا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عيسى ابن مريم وموسى وابراهيم فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر، وأما موسى فانه جسيم، قالوا له فابراهيم، قال انظروا إلى صاحبكم يعنى نفسه (عن أبى هريرة) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة أسرى بى وصعدت قدمى (وفى نسخة) وضعت قدمى حيث توضع أقدام الأنبياء من بيت المقدس فعرض على عيسى بن مريم، قال فاذا أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود، وعرض على موسى فاذا رجل ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة وعرض على إبراهيم قال فاذا هو أقرب الناس شبها بصاحبكم (عن أنس بن مالك) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى بى مررت على موسى وهو قائم يصلى فى قبره عند الكئيب الأحمر (عن جابر) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عرض على الانبياء فاذا موسى رجل ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوأة فرأيت عيسى بن مريم عليهما السلام فاذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود ورأيت ابراهيم عليه السلام فاذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم يعنى نفسه صلى الله عليه وسلم ورأيت جبريل عليه السلام فاذا أقرب من رأيت به شبها دحية (عن أبى هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى بى لما انتهينا إلى السماء السابعة فنظرت فوق قال عفان، فوقى فاذا أنا برعد وبرق وصواعق، قال فاتيت على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم، قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء اكلة الربا، فلما نزلت الى السماء الدنيا نظرت أسفل منى فاذا انا برهج ودخان وأصوات

أحاديث الأنبياء فى هذا الجزء صحيفة 85 رقم 51 (1)(وعنه أيضا) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب ما جاء فى صفة ابراهيم واسحاق الخ من كتاب أحاديث الأنبياء فى هذا الجزء صحيفة 59 رقم 32 (2)(سنده) حدّثنا بكر بن عيسى أبو بشر الراسبى قال سمعت أبا عوانة ثنا عمر بن أبى سلمة عن أبى هريرة الخ (غريبه)(3) بفتح المعجمة وسكون الراء قال القاضى عياض هو الرجل بين الرجلين فى كثرة اللحم وقلته وقال أهل اللغة الضرب هو الرجل الخفيف اللحم (4) بفتح الشين والهمزة بينهما نون مضمومة قال الجوهرى الشنوءة التقزز وهو التباعد من الادناس ومنه أزد شنوءة وهم حي من اليمن ينسب اليهم شنئى (تخريجه) لم أقف عليه بهذا اللفظ من حديث أبى هريرة لغير الامام احمد ورجاله ثقات، ولمسلم نحوه من حديث جابر وسيأتى فى هذا الباب (5)(عن أنس ابن مالك الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب قصه موسى مع ملك الموت ووفاته ومكان قبره من كتاب أحاديث الأنبياء فى هذا الجزء صحيفة 104 رقم 95 (وله طريق أخرى) عند الامام أحمد أيضًا قال حدثنا ابن أبى عدى عن سليمان يعنى التيمى عن أنس عن بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قال ليلة أسرى بى مررت على موسى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فى قبره (6)(سنده) حدّثنا يونس وحجين قالا ثنا ليث عن أبى الزبير عن جابر (يعنى ابن عبد الله) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه)(م)(7)(سنده) حدّثنا حسن وعفان المعنى قالا حدثنا حماد عن على بن زيد وقال عفان حدثنا حماد أنبأنا على بن زيد عن أبى الصلت عن أبى هريرة الخ (غريبه)(8) الرهج بفتحتين الغبار

ص: 256

فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذه الشياطين يحومون على أعين بنى آدم ان لا يتفكروا فى ملكوت السموات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب (عن أنس بن مالك) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت ليلة أسرى بى على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قال قلت من هؤلاء قالوا خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون (وعنه أيضا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بى ربى عز وجل مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون فى أعراضهم (باب ما ورد فى أمور متفرقه تتعلق بالاسراء والمعراج)(عن أنس) أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بالبراق ليلة اسرى به مسرجا ملجما ليركبه فاستصعب عليه وقال له جبريل ما يحملك على هذا؟ فوالله ما ركبك أحد قط أكرم على الله عز وجل منه قال فارفض عرقا (عن أبى هريرة) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى بى أتيت بقدحين قدح لبن وقدح خمر فنظرت اليهما فأخذت اللبن، فقال جبريل

(تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه لابن أبى خاتم، ثم قال ورواه الامام احمد عن حسن وعفان كلاهما عن حماد بن سلمة به، ورواه ابن ماجه من حديث حماد اهـ (قلت) وفى إسناده على بن زيد ابن جدعان فيه كلام (1)(سنده) حدّثنا وكيع ثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أنس بن مالك الخ (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه للامام أحمد وعبد بن حميد فى تفسيره وابن مردويه فى تفسيره وفى إسناده عند الجميع على بن زيد بن جدعان كسابقه قال وأخرجه ابن حبان فى صحيحه وابن أبى حاتم وابن مردويه أيضًا من حديث هشام الدستوائى عن المغيرة يعنى ابن حبيب ختن مالك بن دينار عن مالك بن دينار عن ثمامة عن أنس فذكره، وفى إسناده المغيرة بن حبيب الأزدى أبو صالح، قال ابن حبان فى الثقات يغرب، وقال الأزدى منكر الحديث ذكره الحافظ فى تعجيل المنفعة (2)(سنده) حدّثنا أبو المغيرة ثنا صفوان حدثنى راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس قا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج بى الخ (غريبه)(3) كشربون وزنا ومعنى أى يجرحون ظاهر البشرة (4) يعنى يغتابون الناس (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه للامام أحمد ثم قال وأخرجه أبو داود من حديث صفوان بن عمرو به، ومن وجه آخر ليس فيه أنس فالله أعلم اهـ (قلت) معناه أن أبا داود رواه مرفوعا ومرسلا، ولذلك قال أبو داود عقب المرفوع حدثنا ابن عثمان عن بقية ليس فيه أنس وسكت أبو داود والمنذرى على ذلك فهو صالح (باب)(5)(سنده) حدّثنا عبد الرازق ثنا معمر عن قتادة عن أنس (يعنى ابن مالك أن النبى صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(6)) أى صار البراق صعبا على النبى صلى الله عليه وسلم (7) فيه أن النبى صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وأكرمهم على الله عز وجل (8) أى جرى عرقهخجلا وسال ثم سكن وانقاد وترك الاستصعاب (تخريجه)(مذ) وقال هذا حديث حسن غريب قال الحافظ وصححه ابن حبان، وقد جزم السهيلى أن البراق إنما استصعب عليه لبعد عهده بركوب الأنبياء قبله (9)(سنده) حدّثنا روح ثنا صالح بن أبى الأخضر ثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة الخ (غريبه)(10) اعلم أنه قد اختلفت الروايات في عدد الآنية

ص: 257

الحمد لله الذى هداك للفطرة لو أخذت الخمر غوت أمتك (عن عبد الله) قال لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرى المنتهى وهى فى السماء السادسة: اليها ينتهى ما يعرج به من الأرض فيقبض منها، واليها ينتهى ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال {اذ يغشى السدرة ما يغشى} قال فراش من ذهب قال فاعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا أعطى الصلوات الخمس وأعطى خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته المقحمات (عن أنس) أن النبى صلى الله عليه وسلم قال رفعت لى سدرة المنتهى فى السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان، فقلت يا جبريل ما هذان؟ قال اما الباطنان ففى الجنة واما الظاهران فالنيل والفرات (وعنه ايضا) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهيت الى السدرة فاذا نبقها مثل الجرار واذا ورقها مثل آذان الفيلة، فلما غشيها من امر الله ما غشيها تحولت ياقوتاً

ففي بعضها باء ناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر كما فى هذه الرواية، وفى بعض روايات البخارى ثم رفع إلىَّ البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، وفى حديث أبى سعيد عن ابن اسحاق فى قصه الاسراء فصلى بهم يعنى الأنبياء ثم أتى بثلاث آنية: إناء فيه لبن واناء فيه خمر وإناء فيه ماء فأخذت اللبن، واختلفت الروايات أيضا فى مكان عرض الآنية: ففى بعضها أنه كان فى بيت المقدس، وفى بعضها أنه كان فى السماء (قال الحافظ) بعد ذكر هذه الروايات وغيرها يجمع بين هذا الاختلاف إما بحمل ثم على غير بابها من الترتيب وانما هى بمعنى الواو، وإما بوقوع عرض الآنية مرتين مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس ومرة وصوله إلى سدرة المنتهى ورؤية الأنهار الأربعة، وأما الاختلاف غى عدد الآنية وما فيها فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر ومجموعها أربعة آنية فيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التى رآها نخرج من أصل سدرة المنتهى (1) أى ضلت، نوعا من الغواية المترتبة على شربها بناءا على أنه لو شربها لأحل للامة شربها فوقعوا فى ضررها وشرها (تخريجه)(ق مذ)(2)(سنده) حدّثنا ابن نمير أخبرنا مالك بن مغول عن الزبير بن عدى عن طلحة عن مرة عن عبد الله (يعنى ابن مسعود) قال لما أسرى برسرول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(3) قال الحافظ كذا فسر المبهم فى قوله ما يغشى بالفراش (قال البيضاوى) وذكر الفراش وقع على سبيل التمثيل لأن من شأن الشجر أن يسقط عليه الجراد وشبهه، وجعلها من الذهب لصفاء لونها واضاءتها فى نفسها اهـ (قال الحافظ) ويجوز أن يكون من الذهب حقيقة ويخلق فيه الطيران، والقدرة صالحة لذلك (4) بكسر الحاء المهملة قال فى النهاية أى الذنوب العظام التى تقحم أصحابها فى النار أى تلقيهم فيها (تخريجه) اورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه لمسلم والبيهقى (5)(عن انس بن مالك الخ) هذا طرف من حديث طويل تقدم من رواية أنس عن مالك بن صعصعة وتقدم الكلام على شرحه وهو حديث صحيح رواه البخارى (6)(سنده) حدّثنا محمد بن أبى عدى عن حميد عن أنس (يعنى ابن مالك) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه) هو فى الصحيحين ما عدا قوله تحولت ياقوتا أو زمردا أو نحو ذلك فانى لم أقف عليه لغير الامام احمد وهو حديث صحيح ورجاله من رجال

ص: 258

أو زمردا او نحو ذلك (باب رؤية النبى صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فى صورته التى خلق عليها وهل رآى ربه عز وجل ليلة المعراج ام لا؟)(عن ابن عباس) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ربى تبارك وتعالى (قال عبد الله بن الامام احمد) وقد سمعت هذا الحديث من ابى املى على فى موضع آخر (حدّثنا همام) ثنا قتادة عن عبد الله بن شقيق قال قلت لأبى ذر لو رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته، قال وما كنت تسأله؟ قال كنت اسأله هل رأى ربه عز وجل، قال فانى قد سألته فقال قد رأيته نورًا انّى أراه (ومن طريق ثان) قال حدّثنا وكيع وبهز قالا ثنا يزيد ابن ابراهيم عن قتادة قال بهز ثنا قتادة (عن عبد الله بن شقيق) قال قلت لأبى ذر لو ادركت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، قال عن أى شئ؟ قلت هل رايت ربك؟ قال قد سألته فقال نور رانيّ أراه يعنى على طريق الايجاب (حدّثنا يحيى) عن اسماعيل ثنا عامر قال اتى مسروق عائشة رضي الله عنها فقال يا أم المؤمنين هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ قالت سبحان الله لقد قف شعرى لما قلت، اين انت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب، من حدثك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، ثم قرات {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} {وما كان لبشر ان يكلمه الله إلا وحيا او من وراء حجاب} ومن أخبرك بما فى غد فقد كذب ثم قرات {ان الله عنده علم الساعة وينزل الغيث

الصحيحين وهو من ثلاثيات الامام أحمد (باب)(1)(سنده) حدّثنا اسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) سيأتى كلام العلماء فى رؤية النبى صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الاسراء والخلاف فى ذلك آخر الباب (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام احمد وأورده الهيثمى وقال رواه احمد ورجاله رجال الصحيح (3)(حدّثنا همام الخ)(غريبه)(4) جاء فى رواية عند مسلم فقال رأيت، نورا وله فى أخرى قال نور أنى آراه (قال النووى) رحمه الله أما قوله صلى الله عليه وسلم نور أنى أراه فهو بتنوين نور وبفتح الهمزة فى أنى وتشديد النون وفتحها أراه بفتح الهمزة هكذا رواه جميع الرواة فى جميع الأصول والروايات، ومعناه حجابه نور فكيف أراه، قال الامام أبو عبد الله المازرى رحمه الله الضمير فى أراه عائد على الله سبحانه وتعالى، ومعناه أن النور منع الرؤية كما جرت العادة باغشاء الأنوار الابصار ومنعها من ادراك ماحالت بين الرائي وبينه (وقوله صلى الله عليه وسلم رأيت نورا) معناه رأيت النور فسحب، ولم أر غيره، قال وروى نورانىّ اراه بفتح الراء وكسر النون وتشديد الياء (قلت) ستأتى هذه الرواية فى الطريق الثانية عند الامام احمد) قال ويحتمل أن يكون معناه رجاعا الى ما قلنا أى خالق النور المانع من رؤيته فيكون من صفات الأفعال (قال القاضى عياض) وما جاء فى الأحاديث من تسميته سبحانه وتعالى بالنور وقوله تعالى {الله نور السموات والارض} فمعناه ذو نورهما وخالقه، وقيل هادى أهل السموات والارض وقيل منور قلوب عباده المؤمنين وقيل معناه ذو البهجة والضياء والجمال والله أعلم (تخريجه) أخرجه مسلم بطريقيه، واخرج الطريق الاولى منه الطيالسى (5) (حدثنا يحيى الخ) (غريبه) (6) معنى قولها (سبحان الله) التعجب من جهل مثل هذا وكأنها تقول كيف يخفى عليك مثل هذا: وقد جاء لفظ سبحان الله للتعجب فى كثير من الأحاديث كقوله

ص: 259

ويعلم ما في الأرحام هذه الآية} ومن اخبرك ان محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم فقد كذب ثم قرأت {يا ابها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك} ولكنه راى جبريل فى صورته مرتين (ومن طريق ثان) عن مسروق ايضًا قال كنت متكئا عند عائشة رضي الله عنها فقالت يا أبا عائشة أنا اول من سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه قال ذلك جبريل لم اره فى صورته التى خلق الا مرتين، رأيته منهبطا من السماء سادًا عظم خلقه ما بين السماء والارض (عن ابن عباس) قال سأل النبى صلى الله عليه وسلم جبريل أن يراه فى صورته فقال ادع ربك قال فدعا ربه فطلع عليه سواد من قبل المشرق قال فجعل يرتفع وينتشر قال فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم

صلى الله عليه وسلم سبحان الله المسلم لا ينجس وغير ذلك كثير (وأما قولها لقد قف شعرى) فهو بفتح القاف والفاء المشددة ومعناه قام شعرى من الفزع لكونى سمعت مالا ينبغى أن يقال، قال ابن الاعرابى تقول العرب عند انكار الشئ قف شعرى واقشعر جلدى واشمأزت نفسى (1) جاء فى رواية لمسلم عن مسروق قال قلت لعائشة فأين قوله (ثم دنا فتدلى فكان قوسين أو أدنى فأوحى الى عبده ما أوحى) قالت انما ذاك جبريل صلى الله عليه وسلم كان يأتيه فى صورة الرجال وإنه أتاه هذه المرة فى صورته التى هى صورته فسدأفق السماء (قلت) هذه هى المرة الأولى التى جاءت فى قوله تعالى {علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى الى عبده ما أوحى} قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه وكان ذلك بالأبطح تدلى جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسدّ عظم خلقه ما بين السماء والأرض حتى كان بينه وبينه قاب قوسين أو أدنى، هذا هو الصحيح فى التفسير كما دل عليه كلام أكابر الصحابة (اهـ) قلت انظر باب وهو بالأفق الاعلى فى سورة النجم من كتاب فضائل القرآن وتفسيره فى الجزء الثامن عشر صحيفة 286 و 287 رقم 438 و 439 (2)(سنده) حدّثنا يزيد قال أنا داود عن عامر عن مسروق الخ (3) أى عن قوله تعالى {ولقد رآه بالأفق المبين ولقد رآه نزلة أخرى} كما يستفاد من رواية مسلم (4) زاد فى رواية عند الامام احمد وعليه ثياب سندس معلقا بها اللؤلؤ والياقوت، (قال النووى) رحمه الله هكذا هو فى الأصول ما بين السماء الى الأرض (يعنى رواية مسلم) قال وهو صحيح وأما عظم خلقه فضبط على وجهين احدهما بضم العين واسكان الظاء، الثانى بكسر العين وفتح الظاء وكلاهما صحيح اهـ (قلت) وهذه هى المرة الأولى التى عناها الله عز وجل بقوله {ولقد رآه بالأفق المبين} ، (والمرة الثانية) هى المرادة بقوله تعالى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه رأى هناك جبريل عليه السلام له ستمائة جناح ما بين كل جناح كما بين السماء والأرض وهو الذى يقول الله تعالى {ولقد رآه نزله أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى} أى ما زاغ يمينا ولا شمالا ولا ارتفع عن المكان الذى حدَّ له النظر اليه، وهذا هو الثبات العظيم والادب الكريم، وهذه الرؤيا الثانية لجبريل عليه السلام على الصفة التى خلقه الله تعالى عليها كما نقله ابن مسعود وأبو هريرة وأبو ذر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين (تخريجه) أخرجه مسلم بطريقيه (5)(سنده) حدّثنا يحيى بن ادم حدثنا أبو بكر بن عياش عن ادريس بن منبه عن أبيه وهب بن منبه عن ابن عباس الخ (غريبه)(6) أى التى خلقه الله عليها (7) أي حتى

ص: 260

صعق فأتاه فنعشه ومسح البزاق عن شدقيه (عن أبى عبيدة عن أبى موسى)(يعنى الأشعرى) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله عز وجل لا ينام ولا ينبغى له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل شئ أدركه بصره، ثم قرأ أبو عبيدة

سد عظم خلقه ما بين السماء والأرض اخذا من الحديث السابق (1) أى غشى عليه وسقط على الأرض وقوله (فأتاه) يعنى جبريل عليه السلام (فنعشه) أى أقامه ورفعه من مكانه وانما حصل ذلك النبى صلى الله عليه وسلم لأنه رأى منظرا هائلا لم يعهده، والظاهر ان هذه هى المرة الأولى (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه احمد والطبرانى ورجالهما ثقات (2)(عن أبى عبيدة الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب عظمة الله تعالى من كتاب التوحيد فى الجزء الأول صحيفة 39 وهو الطريق الثانية من حديث رقم 10 فارجع اليه (وقوله حجابه النار) جاء فى رواية لمسلم حجابه النور، وله فى أخرى حجابه النار كما هنا، وهو حديث صحيح اخرجه مسلم وابن ماجه وهذا الحديث يفيد انه لا يمكن لمخلوق أن يرى الله عز وجل فى الدنيا، وكذلك حديث عائشة وأبى ذر، وذلك يقتضى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج، لكن حديث ابن عباس يؤيد الرؤية لهذا اختلفت أنظار العلما، (قال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه واختلفوا فى الرؤية فقال بعضهم رآه بفؤاده مرتين، قاله ابن عباس وطائفة، واطلق ابن عباس وغيره الرؤية وهو محمول على التقييد، وممن أطلق الرؤية أبو هريرة واحمد بن حنبل رضي الله عنهما وصرح بعضهم بالرؤية بالعينين واختراه ابن جرير وبالغ فيه وتبعه على ذلك آخرون من المتأخرين وممن نص على الرؤية بعينى رأسه الشيخ أبو الحسن الأشعرى فبما نقله السهيلى عنه واختاره الشيخ أبو زكريا النووى فى فتاويه (وقالت طائفة) لم يقع ذلك لحديث أبى ذر فى صحيح مسلم (قلت يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال نورٌ انَّى أراه وفى رواية (رأيت نورًا) قالوا ولم يكن رؤية الباقى بالعين الفانية: ولهذا قال الله تعالى لموسى فيما روى فى بعض الكتب الإلهية يا موسى إنه لا يرانى حى الا مات ولا يلبس الا تدهده، والخلاف فى هذه المسألة مشهور بين السلف والخلف والله أعلم اهـ (قال الامام النووى) رحمه الله وأما رؤية الله تعالى فى الدنيا فقد قدمنا أنها ممكنة، ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم أنها لا تقع فى الدنيا، وحكى الامام أبو القاسم القشيرى فى رسالته المعروفة عن الامام أبى بكر بن فورك أنه حكى فيها قولين للامام أبى الحسن الأشعرى احدهما وقوعها والثانى لا تقع والله أعلم

(فصل فى تلخيص ابواب قصة الاسراء والمعراج من تفسير الحافظ ابن كثير رحمه الله

قال رحمه الله تعالى عقب الأحاديث التى أوردها فى قصة الاسراء والمعراج لمناسبة قوله عز وجل (سبحان الذى اسرى بعبده الآية) قال (فصل) واذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها يحصل مضمون ما اتفقت عليه من مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس وأنه مرة واحد وإن اختلفت عباراة الرواة فى ادائه أو زاد بعضهم فيه، او نقص منه، فان الخطأ جائز على من عدا الانبياء عليهم السلام، ومن جعل من الناس كل رواية خالفت الاخرى مرة على حدة فأثبت اسراءات متعددة فقد ابعد واغرب، وهرب الى غير مهرب ولم يتحصل على مطلب: وقد صرح بعضهم من المتأخرين بأنه عليه السلام اسرى به مرة من مكة إلى بيت المقدس فقط ومرة من مكة الى السماء فقط، ومرة

ص: 261

{نودي أن بورك من فى النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين} (باب رجوعه صلى الله عليه وسلم بعد الاسراء والمعراج إلى مكة وإخبار قريش بما رآى وتكذيبهم اياه)(عن ابن عباس) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كانت ليلة أسرى بى وأصبحت بمكة فظعت أمرى وعرفت أن الناس مكذبيّ فقعد معتزلا حزينا، قال فمر عدو الله أبو جهل فجاء حتى جلس اليه فقال له كالمستهزئ هل كان من شئ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم، قال ما هو؟ قال إنه أسرى به الليلة، قال الى أين؟ قال الى بيت المقدس، قال ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال نعم، قال فلم

إلى بيت المقدس ومنه الى السماء وفرح بهذا المسلك وانه قد ظفر بشئ يخلص به من الاشكالات، وهذا بعيد جدًا ولم ينقل هذا عن احد من السلف، ولو تعدد هذا التعدد لاخبر النبى صلى الله عليه وسلم به أمته ولنقله الناس على التعدد والتكرر، قال موسى بن عقبة عن الزهرى كان الاسراء قبيل الهجرة بسنة وكذا قال عروة، وقال السدى بستة عشر شهرا، والحق أنه عليه السلام أسرى به يقظة لامناما من مكة الى بيت المقدس راكبا البراق فلما انتهى الى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى فى قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم أتى بالمعراج وهو كالسلم ذو درج يرقى فيها فصعد الى السماء الدنيا ثم الى بقية السماوات السبع فتلقاه من كل سماء مقربوها وسلم على الانبياء الذين فى السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم حتى مر بموسى الكليم فى السادسة وابراهيم فى السابعة، ثم جاوز منزلتيهما صلى الله عليهما وعلى سائر الأنبياء حتى انتهى الى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام أى أقلام القدر بما هو كائن، ورآى سدرة المنتهى وغشيها من أمر الله تعالى عظمة عظيمة من فراش من ذهب وألوان متعددة وغشيتها الملائكة، ورآى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح ورأى رفرفا أخضر قد سد الأفق، ورأى البيت المعمور وابراهيم الخليل بانى الكعبة الأرضية مسندا ظهره اليه لأنه، الكعبة السماوية، يدخله كل يوم سبعون الفا من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون اليه الى يوم القيامة، ورأى الجنة والنار وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ثم خففها الى خمس رحمة منه ولطفا بعباده: وفى هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها، ثم هبط الى بيت المقدس وهبط معه الانبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة، ويحتمل أنها الصبح من يؤمئذ، ومن الناس من يزعم أنه أمهم فى السماء. والذى تظاهرت به الروايات انه ببيت المقدس، ولكن فى بعضها انه كان اول دخوله اليه، والظاهر انه بعد رجوعه اليه لانه لما مر بهم فى منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدا واحدا وهو يخبره بهم، وهذا هو اللائق لأنه كان اوّلا مطلوبا الى الجناب العلوى ليفرض عليها وعلى امته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذى اريد به اجتمع به هو واخوانه من النبيين ثم اظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه فى الامامة وذلك عن اشارة جبريل عليه السلام له فى ذلك، ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد الى مكة بغلس، واما عرض الآنية عليه من اللبن والعسل او اللبن والخمر او اللبن والماء أو الجميع فقد ورد انه فى بيت المقدس وجاء انه فى السماء ويحتمل ان يكون ها هنا وها هنا لانه كالضيافة للقادم والله اعلم (باب)(1)(سنده) حدّثنا محمد بن جعفر وروح المعنى قالا حدثنا عوف عن زرارة بن اوفى عن ابن عباس الخ (غريبه)(2) بكسر الظاء المعجمه وسكون العين المهملة اى اشتد على وهبته (3) قال فى المصباح وهو نازل بين ظهرانيهم بفتح

ص: 262

ير أنه يكذبه مخافة ان يجحده الحديث اذا دعا قومه اليه، قال أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتنى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم، فقال هيا معشر بنى كعب بن لؤى، قال فانتفضت اليه المجالس، وجاءوا حتى جلسوا اليهما، قال حدث قومك بما حدثتنى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انى أسرى بى الليلة، قالوا الى أين؟ قلت الى بيت المقدس، قالوا ثم أصبحت بين ظهرانينا، قال نعم، قال فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب زعم قالوا وهل تستطيع ان تنعت لنا المسجد؟ وفى القوم من قد سافر الى ذلك البلد ورأى المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت انعت فما زلت انعت حتى التبس على بعض النعت، قال فجيئ بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع دون دار عقال أو عقيل فنعته وأنا أنظر اليه قال وكان مع هذا نعت لم احفظه قال فقال القوم اما النعت فوالله لقد اصاب (وعنه ايضا) قال اسرى بالنبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الى بيت المقدس ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم فقال ناس نحن نصددق محمدا بما يقول فارتدوا كفارا، فضرب الله أعناقهم مع أبى جهل وقال أبو جهل يخوفنا محمد شجرة الزقوم هاتوا تمرا وزبدا فتمزقوا وراى الدجال فى صورته رؤيا عين ليس رؤيا منام وعيسى وموسى وابراهيم صلوات الله عليهم فسئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الدجال فقال اقمر هجانا قال حسن قال رأيته فيلمانيا اقمر هجانا إحدى

النون قال ابن فارس ولا تكسر وقال جماعة الالف والنون زائدتان التأكد وبين ظهريهم وبين أظهرهم كلها بمعنى بينهم وفائدة إدخاله فى الكلام أن اقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم والاستناد اليهم وكأن المعنى ان ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فكأنه مكنوف من جانبية هذا أصله ثم كثر حتى استعمل فى الاقامة بين القوم وان كان غير مكنوف بينهم (?) ير بضم الياء التحتية وكسر الراء أى لم يظهر (2) أى تركوا مجالسهم وحضروا الى النبى صلى الله عليه وسلم ومعه أبو جهل (?) بفتح الموحدة أى اختلط واشتبه (4) فيه معجزة عظيمة النبى صلى الله عليه وسلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه (حم بز طب طس) ورجال أحمد رجال الصحيح (5)(سنده) حدّثنا عبد الصمد وحسن قالا حدثنا ثابت قال حسن أبو زيد قال عبد الصمد قال حدثنا هلال عن عكرمة عن ابن عباس قال اسرى بالنبى صلى الله عليه وسلم الخ (قلت) قوله فى السند قال حسن أبو زيد معناه ان حسنا أحد الراويين قال فى روايته حدثنا ثابت أبو زيد وهى كنية ثابت فذكره باسمه وكنيته أما عبد الصمد فذكره باسمه فقط (غريبه)(6) فغلبت عليهم الشقاوة فارتدوا كفارا (7) يعنى فى غزوة بدر (8) هى ما وصف الله فى كتابه العزيز فقال {انها شجرة تخرج فى أصل الجحيم طلعهاكأنه رءوس الشياطين} وهى فتعول من الرقم اللقم الشديد والشرب المفرط (9) أى كلوا، وقيل أكل الزبد والتمر بلغة أفريقية الزقوم (نه)(10) هذا مما يثبت أن الاسراء كانت يقظة لامناما (11) كأبيض وزنا ومعنى وهو الشديد البياض والانثى حمراء (وقوله هجانا كسر الهاء وفتح الجيم مخففه قال فى النهاية الهجان الأبيض ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد وقوله قال حسن يعنى أحد الراويين اللذان روى عنهما الامام حمد هذا الحديث قال فى روايته (فيلمانيا اقمر هجانا) فزاد لفظ فيلمانيا ومعنى الفيلم العظيم الجثة

ص: 263

عينيه قائمة كأنها كوكب درى كأن شعر رأسه أغصان شجرة ورأيت عيسى شابا أبيض جعد الرأس حديد البصر مبطن الخلق ورأيت موسى أسحم آدم كثير الشعر قال حسن (الشعرة) شديد الخلق، ونظرت الى ابراهيم فلا أنظر اللا إرب من آرابه الا نظرت اليه منى كأنه صاحبكم فقال جبريل عليه السلام سلم على مالك فسلمت عليه (عن جابر بن عبد الله) يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما كذبتنى قريش حين أسرى بى الى بيت المقدس قمت فى الحجر فجلا الله لى بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر اليه (باب ما جاء فى عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على احياء العرب فى مواسم الحج بمنى فى منازلهم على أن يأووه وينصروه ويمنعوه ممن كذبه وخالفه)(حدّثنا بن المنكدر) أنه سمع ربيعة بن عباد الديلى رضي الله عنه يقول رأيت

والفيلم الأمر العظيم والياء زائدة والفيلمانى منسوب اليه بزيادة الألف والنون المبالغة (نه)(1) أى بارزة ظاهرة كأنها كوكب درئ أى مطييه وعينه الاخرى ممسوحة لا وجود لها، ولذلك سمى المسيح أو لكونه ممسوح الوجه أى مشوه الخلقة (2) أى غزير الشعر طويله (3) المبطن بفتح الطاء المشددة الضامر البطن (4) الأرب بكسر الهمزة وسكون الراء العضو وأحد الآراب (5) يعنى نفسه صلى الله عليه وسلم (6) يريد الملك العظيم مالك خازن النار (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاء للامام احمد ثم قال ورواه النسائى من حديث أبى زيد ثابت بن يزيد عن هلال وهو ابن خواب به وهو اسناد صحيح، وأورده الهيثمى مختصرا الى قوله فتمزقوا ثم قال رواه احمد ورجاله ثقات إلا أن هلال ان خباب قال يحيى القطان إنه تغير قبل موته، وقال يحيى بن معين لم يتغير ولم يختلط ثقة مأمون، ورواه أبو يعلى وزاد قال رأى الرجال فى صورته الج الحديث هكذا جاء فى مجمع الزوائد، ذكر أقل من نصف الحديث وعزاه الامام احمد ثم جعل باقى الحديث زيادة عند أبى يعلى مع أن الحديث جميعه فى مسند الامام احمد فلا ندرى لما فعل ذلك والله أعلم (7)(سنده) حدّثنا يعقوب ثنا أبى عن صالح عن ابن شهاب قال أبو سلمة سمعت جابر بن عبدالله يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره وعزاه الامام احمد شم قال أخرجاه فى الصحيحين من طرق من حديث الزهرى به ثم ذكر حديث عزاه البيهقى وفيه ما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة فأخبر انه اسارى به فافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا معه (قال ابن شهاب) قال ابو سلمة بن عبد الرحمن فتجهز أو كلمة نحوها ناس من قريش الى ابى بكر الصديق فقالوا هل لك فى صاحبك يزعم انه جاء الى بيت المقدس ثم رجع الى مكة فى ليلة واحدة، فقال ابو بكر او قال ذلك؟ قالوا نعم، قال فأنا اشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا فتصدقه فى ان يأتى الشام فى ليلة واحدة ثم يرجع الى مكة قبل أن يصبح؟ قال نعم اصدقه بابعد من ذلك، صدقه اصدقه بخبر السماء، قال ابو سلمة فبها سمى ابو بكر الصديق، قال ابو سلمة فسمعت جابر بن عبد الله رضى الله عنهما يحدث انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما كذبنى قريش حين اسرى بى الى بيت المقدس قمت فى الحجر فجلى الله لى بيت المقدس فطفقت اخبرهم عن آياته وانا انظر اليه (باب)(8)(سنده)

ص: 264

رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف على الناس بمنى فى منازلهم قبل أن يهاجر الى المدينة يقول يا أيها الناس ان الله عز وجل يامركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، قال ووراءه رجل يقول هذا يأمركم أن تدّعوا دين أبائكم فسألت من هذا الرجل؟ فقيل هذا أبو لهب (ومن طريق ثان) عن ربيعة بن عباد ايضا قال والله انى لاذكره (يعنى النبى صلى الله عليه وسلم يطوف على المنازل لمنى وأنا مع أبى غلام شاب ووراءه رجل حسن الوجه أحول ذو غديرتين فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم قال أنا رسول الله يامركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، ويقول الذى خلفه ان هذا يدعوكم الى أن تفارقوا دين آبائكم وأن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من بنى مالك ابن اقيش الى ما جاء به من البدعة والضلال قال فقلت لابى من هذا قال عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب (عن أشعث) قال حدثنى شيخ من بنى مالك بن كنانة قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذى المجاز يتخللها يقول يا أيها الناس قولوا لا إله الا الله تفلحوا قال وأبو جهل يحثى عليه التراب ويقول يا أبها الناس لا يغرنكم هذا عن دينكم فانما يريد لتتركوا الهتكم وتتركوا اللات والعزى، قال وما يلتفت اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلنا أنعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بين بردين احمرين مربوع كثير اللحم حسن الوجه شديد سواد الشعر أبيض

حدّثنا سعيد بن أبي الربيع السمان قل حدى سعيد بن سلمة يعنى ابن أبى الحسام قال ثنا محمد ابن المنكدر أنه سمع ربيعة الخ (وله طريق أخرى) قال حدثنى أبو سليمان الضبى داود بن عمرو بن زهير المسيبى قال ثنا عبد الرحمن بن أبى الزناد عن أبيه عن ربيعة بن عياد الدّيلى وكان جاهليًا أسلم فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بصر عينى بسوق ذى المجاز يقول يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ويدخل فى فجاجها والناس منقصفون عليه فما رأيت أحدا يقول شيئا وهو لا يسكت، يقول أيها الناس قر لوا لا إله إلا الله تفلحوا: إلا أن وراءه رجلا أحول وضيء الوجه ذا غديرتين يقول إنه صابئ كاذب، فقلت من هذا؟ قالوا محمد بن عبد الله وهو يذكر النبوة، قلت من هذا الذى يكذب؟ قالوا عمه أبو لهب، قلت انك كنت يومئذ صغيرا؟ قال لا والله انى لأعقل (غريبه)(1) جاء فى رواية أخرى وهو يقول يا أيها الناس إن هذا قد غوى فلا يغوينكم عن آلهة آبائكم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يفر منه وهو على أثره ونحن نتبعه (2)(سنده) حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد القرشى قال ثنا أبى عنا ابن اسحاق قال حدثنى حسين بن عبد الله عن ربيعة بن عباد الديلى عمن حدثه عن زيد بن أسلم عن ربيعة بن عباد قال والله انى لأذكره الخ (3) هكذا بالأصل (أنا رسول الله يأمركم الخ) اى الله عز وجل وجاء فى رواية أخرى بلفظ (انى رسول الله اليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وان تصدقونى حتى أنفذ عن الله ما بعثنى به (4) زاد فى رواية فلا تسمعوا له ولا تتبعوه (تخريجه) أخرجه ابن اسحاق فى السيرة والبيهقى وأبو نعيم فى الدلائل وسنده جيد (5)(سنده) حدّثنا أبو النضر قال ثنا شيبان عن أشعث الخ (قلت) اشعث هو ابن سليم (غريبه)(6)(قلت) جاء فى الحديث السابق أبو لهب وفى هذا الحديث أبو جهل (قال الحافظ ابن كثير) كذا قال فى هذا السياق أبو جهل وقد

ص: 265

شديد البياض سابغ الشعر (باب ما جاء فى عرضه صلى الله عليه وسلم الاسلام على فتية بنى الأشهل حينما جاءوا يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج ومنقبة لإياس بن معاذ وذكر وقعه بعاث)(عن محمود بن لبيد) أخى بنى عبد الأشهل قال لما قدم أبو الجليس أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بنى عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجلس اليهم، فقال لهم هل لكم الى خير مما جئتم له؟ قالوا وما ذاك؟ قال أنا رسول الله بعثنى الى العباد ادعوهم الى أن يعبدوا الله لا يشركوا به شيئا وأنزل على كتابا ثم ذكر الاسلام وتلا عليهم القرآن. فقال اياس بن معاذ وكان غلاما حدثا أى قوم هذا والله خير مما جئتم له، قال فأخذ أبو جليس أنس بن رافع حفنة من البطحاء فضرب بها فى وجه اياس بن معاذ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وانصرفوا الى المدينة فكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج قال ثم لم يلبث اياس بن معاذ ان هلك، قال محمود بن لبيد فأخبرني من

يكون وهما ويحتمل أن يكون تارة يكون ذا وتارة يكون ذا واتهما كانا يتناوبان على ايذائه (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعزاه للبيهقى وسنده جيد: وتقدم حديث ربيعة بن عباد أيضًا من طرق أخرى فى باب أن من تولى كبر ايذائه صلى الله عليه وسلم عمه ابو لهب ص 216 رقم 58 (وعن ابى قتادة) انه صلى الله عليه وسلم مكث ثلاث سنين مستخفيا ثم أعلن فى الرابعة فدعا الناس الى الاسلام عشر سنين يوافى المواسم كل عام يتبع الحجاج فى منازلهم بعكاظ ومجنّة وذى المجاز يدعوهم الى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه فلا يجد أحدا ينصره ولا يجيبه حتى انه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة فيردون عليه اقبح الرد ويؤذنونه ويقولون قومك اعلم بك، فكان ممن سمى لنا من تلك القبائل بنو عامر بن صعصعة ومحارب وفزارة وغسان ومرة وحنيفة وسليم وعبس وبنو نضر والبكاء وكندة وكعب والحارث بن كعب وعذرة والحضارمة، وذكر تحوه ابن اسحاق بأسانيد متفرقة (وقال موسى بن عقبة) عن الزهرى كان قبل الهجرة يعرض نفسه على القبائل ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم الا أن يؤووه ويمنعوه ويقول لا اكره احدا منك على شئ بل اريد ان تمنعوا من يؤذينى حتى ابلغ رسالات ربى، فلا يقبله احد بل يقولون قوم الرجل اعلم به (باب)(1)(سنده) حدّثنا يعقوب بن ابراهيم حدثنا أى عن ابن اسحاق حدثنى الحصين ابن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ أخو بنى عبد الأشهل عن محمود بن لبيد الخ (غريبه)(2) هكذا جاء فى الأصل (أبو الجليس أنس بن رافع) وجاء فى سيرة ابن هشام أبو الحيسر أنس بن رافع وكذلك نقله عنه الحافظ ابن كثير فى تاريخه ووافقهما على ذلك الحافظ فى القسم الرابع فى الكنى من الاصابة، لكنه قال فى القسم الأول من الأسماء فى الاصابة فى ترجمة إياس إن معاذ (أبو الحيس الحيسر أنس بن رافع) ثم راجعت القسم الرابع من الأسماء فى الاصابة فيمن اسمه أنس فوجدته قال أنس بن رافع أبو الجيش بالجيم والشين المعجمة فالله أعلم بالصواب، هذا وقد حكى الحافظ عن ابن منده أنه أسلم قال والذى ذكره ابن اسحاق فى المغازى يدل على أنه لم يسلم والله أعلم (3) بعاث بطم الموحدة وتخفيف العين المهملة وآخره مثلثة وحكى العسكرى أن بعضهم رواه عن الخليل بن أحمد وصحفه بالغين المعجمة، وذكر القاضى عياض ان الاصيلى رواه بالوجهين أى بالعين المهملة والمعجمة وأن الذي

ص: 266

حضره من قومي عند موته انهم لم يزالوا يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات فما كانوا يشكون ان قد مات مسلما، لقد كان استشعر الاسلام فى ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع (عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يوم بعاث يوما قدمه الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وقد افترق ماؤهم وقتلت سرواتهم ورفقوا لله عز وجل ولرسوله فى دخولهم فى الاسلام (عن جابر بن عبد الله) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول هل من رجل يحملنى الى قومه فان قريشا قد منعونى أن ابلغ كلام ربى عز وجل، فاتاه رجل من همدان فقال ممن أنت فقال الرجل من همدان، قا فهل عند قومك من منعة؟ قال نعم، ثم إن الرجل خشي أن

وقع في رواية أبى ذر بالغين المعجمة وجها واحدا ويقال ان أبا عبيدة ذكره بالمعجمة أيضا ذكره الحافظ، قال وهو مكان ويقال حصن وقيل مزرعة عند بنى قريظة على ميلين من المدينة كانت به وقعة بين الأوس والخزرج فقتل منها كثير منهم، وكان رئيس الأوس فيه حضير والد اسيد بن حضير، وكان يقال له حضير الكتائب وبه قتل، وكان رئيس الخزرج يومئذ عمرو بن النعمان البياضى فقتل فيها أيضا وكان النصر فيها أو لا الخزرج ثم ثبتهم حضير فرجعوا وانتصرت الأوس، وجرح حضير يومئذ فات فيها، وذلك قبل الهجرة بخمس سنين وقيل باربع وقيل باكثر والأول أصح اهـ (وجاء فى الكامل) لابن الاثير ان قريظة والنضير جددوا العهود مع الأوس على المؤازرة والتناصر ضد الخزرج فى يوم بعاث واستحك أمرهم وجدّوا فى حربهم ودخل معهم قبائل من اليهود. فكان ما كان من تغلب الأوس على الخزرج، وذكر ابو الفرج الأصبهانى ان سبب ذلك انه كان من قاعدتهم أن الأصيل لا يقتل بالحليف فقتل رجل من الأوس حليفا الخزرج فأرادو اان يقيدوه فامتنعوا فوقعت عليهم الحرب لاجل ذلك فقتل فيها من أكابرهم من كان لا يؤمن، أى يتكبر ويأنف أن يدخل فى الاسلام حتى لا يكون تحت حكم غيره: وقد كان بقى منهم من هذا النحو عبد الله بن أبىّ بن سلول (1) فيه منقبة عظيمة لإياس بن معاذ وانه صحابى ولذلك ذكر هـ الحافظ فى القسم الاول من الاصابه رضى الله تبارك وتعالى عنه (تخريجه) رواه محمد بن اسحاق فى المغازى وأورده الحافظ فى الاصابة وصححه (2)(سنده) حدّثنا أبو أسامة قال حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة الخ (غريبه)(3) أى لأنه قتل فيه رؤساؤهم إذ لو كانوا أحياءا لاستكبروا عن متابعته صلى الله عليه وسلم ولمنع حبب رياستهم عن حب دخول رئيس عليهم (4) أى جماعتهم (وقتلت) بضم القاف مبنيا للمفعول (سروائهم) بفتح السين المهملة والراء. والواو أى خيارهم واشرافهم (5) بفتح الراء والفاء من باب قتل رفقا فأنا رفيق والرفق ضد العنف ومعناه انه زال ما عندهم من العنف ولان جانبهم بدخولهم فى الاسلام فكان فى قتل من قتل من أشرافهم ممن كان يأنف ان يدخل فى الاسلام مقدمات الخير، وقد كان بقى منهم من هذا النحو عبد الله بن أبى بن سلول وقصته فى انفته وتكبره مشهورة لا تخفى (تخريجه)(خ)(6)(عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما)(سنده) حدّثنا أسود بن عامر أخبرنا اسرائيل عن عثمان يعنى ابن المغيرة عنا سالم بن أبى الجعد عن جابر بن عبد الله الخ (غريبه)(7) أى موقف الناس بعرفات فى موسم الحج (8) يعنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل ممن أنت؟ فقال الرجل من همدان بفتح الهاء وسكون الميم قبيلة باليمن (9) بفتحات قال الزمخشري وهي

ص: 267

يحقره قومه فاتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاله آتيهم فأخبرهم ثم آتيك من عام قابل، قال نعم، فانطلق وجاء وفد الأنصار فى رجب (باب قدوم اثنى عشر رجلا من الأنصار الى المدينة وبيعة العقبة الأولى)(عن عبادة بن الصامت) قال كنت فيمن حضر العقبة الأولى وكنا

مصدر مثل الأنفة والعظمة، أو جمع مانع وهم العشيرة والحماة (1) معناه أن لا يجيبوا طلبه (تخريجه)(ك. والاربعة) وصححه الحاكم (ما جاء فى بدء اسلام الانصار رضى الله عنهم) قال ابن اسحاق وغيره لما أراد الله تعالى إظهار دينه واعزاز نبيه وانجاز وعده خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الموسم الذى لقيه فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع فى كل موسم، فبينما هو عند العقبة لقى رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا فقال لهم من أنتم؟ قالوا نفر من الخزرج، قال أفلا تجلسون أكلمك؟ قالوا بلى، فجلسوا معه فدعاهم الى الله وعرض عليهم الاسلام وتلا عليهم القرآن، وكان من صنع الله ان اليهود كانوا معهم فى بلادهم وكانوا أهل كتاب وكان الأوس والخزرج أكثر منهم فكانوا إذا كان بينهم شئ قالوا ان نبيا سيبعث قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه، فلا كلمهم النبى صلى الله عليه وسلم عرفوا النعت فقال بعضهم لبعض لا تسبقنا اليهود اليه، فأجابوه إلى ما دعاهم اليه وصدقوه وقبلوا منه ما عرض علهيم من الاسلام، فأسلم منهم ستة نفر، وهم أبو امامه أسعد بن زرارة وعوف بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء ورافع بن مالك بن المجلان وقطبة بن عامر بن حديدة وعقبة بن عامر بن نابي، وجابر ابن عبد الله بن رياب: فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم تمنعون ظهرى حتى ابلغ رسالة ربى؟ فقالوا يا رسول الله انما كانت بعاث عام أول يوم من أيامنا اقتتلنا به فان تقدم ونحن كذاك لا يكون لنا عليك اجتماع فدعنا حتى ترجع الى عشائرنا لعل الله يصلح ذات بيننا وندعوهم الى ما دعرتنا فعسى الله أن يجمعهم عليك، فان اجتمعت كلمتهم عليك واتبعوك فلا أحد أعز منك وموعدك الموسم القابل، وانصرفوا الى المدينة ولم يبق دار من دور الانصار الا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان العام المقبل لقيه اثنا عشر رجلا وهى العقبة الأولى فأسلموا، فيهم خمسة من الستة المذكورين ولم يكن فيهم جابر بن عبد الله بن رباب (والسبعة تتمة الاثنى عشر هم) معاذ بن الحارث بن رفاعة وهو ابن عفراء أخو عوف المذكور قبلا، وذكر ان بن عبد قيس، الزرقى وعبادة بن الصامت، ويزيد بن ثعلبة البلوى، والعباس ابن عبادة بن فضلة، وهؤلاء من الخزرج، (ومن الاوس) رجلان أبو الهيثم بن التيهان من بنى عبد الأشهل، وعويم بن ساعدة فأسلوا وبايعوا على بيعة النساء أى وفق بيعتهن التى أنزلت بعد ذلك عند فتح مكة وهى، أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل اولادنا ولا ناتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وارجلنا ولا نعصيه فى معروف والسمع والطاعة فى العسر واليسر والمنشط والمكره واثرته علينا وان لا ننازع الامر أهله، وان نقول الحق حيث كنا لا نخاف فى الله لومة لائم، ثم قال صلى الله عليه وسلم فان وفيتم فلكم الجنة، ومن غشى من ذلك شيئا كان امره الى الله ان شاء عذبه وان شاء عفا عنه، ولم يفرض يومئذ القتال، ثم انصرفوا الى المدينة فاظهر الله الاسلام، وستاتى هذه البيعة فى حديث عبادة بن الصامت الآتى (باب)(2)(سنده) حدّثنا يعقوب ثنا ابى عن ابن اسحاق حدثنى يزيد بن ابى حبيب عن مرئد بن عبد الله اليزنى عن ابى عبد الرحمن بن عسلة الصنابحى عن عبادة بن الصامت الخ

ص: 268

اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض الحرب على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزنى ولا نقتل أولادنا ولا نأتى ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه فى معروف فان وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم الى الله ان شاء عذبكم وان شاء غفر لكم (ومن طري ثان) عن عبادة بن الوليد بن عبادة ابن الصامت عن أبيه الوليد عن جده عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب وكان عبادة من الاثنى عشر الذين بايعوا فى العقبة الأولى على بيعة النساء فى السمع والطاعة فى عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا ولا ينازع فى الأمر أهله وأن نقول بالحق حيثما كان لا نخاف فى الله لومة لائم (باب قدوم سبعين رجلا وامرأتين من الأنصار بعد العقبه الأولى بعام وبيعة العقبة الثانية)(عن جابر) قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين يتبع الناس فى منازلهم بعكاظ ومجنّة فى المواسم بمنى يقول من يؤوينى من ينصرنى حتى أبلغ رسالة ربى وله الجنة، حتى ان الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر فيأتيه قومه فيقولون احذر

(غريبه)(1) تقدم ذكر اما نهم عقاب شرح حديث جابر السابق (2) تمال الحافظ ابن كثير فى تاريخه يعنى على وفق ما نزلت عليه بيعة النساء بعد ذلك عام الحديبية وكان هذا ما نزل على وفق ما بايع عليه أصحابه ليلة العقبة، وليس هذا عجيب فان القرآن نزل بموافقة عمر ان الخطاب فى غير ما موطن كما بيناه فى سيرته وفى التفسير وان كانت هذه البيعة وقعت عن وحى غير متلو فهو اظهر والله اعلم (3) أى ارتكبتم شيئا من ذلك (4)(سنده) حدّثنا يعقوب ثنا أبى عن ابن اسحاق حدثنى عبادة بن الوليد الخ (5) قال فى النهاية النقباء جمع نقيب وهو كالعريف على القوم المقدم عليهم الذى يتعرف أخبارهم وينقب عن أحوالهم أى يفتش، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد جعل ليلة العقبة كل واحد من الجماعة الذين بايعوه بها نقيبا عن قومه وجماعته ليأخذوا عليهم الاسلام ويعرفوهم شرائطه وكانو اثنى عشر نقيبا كلهم من الانصار وكان عبادة بن الصامت منهم اهـ (قلت) سيأتى ذكر النقباء فى الباب التالى (تخريجه)(ق. وغيرهما)(قال ابن اسحاق) فلما انصرف عنه القوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم ابن عبد مناف ابن عبد الدارين قصىَّ وأمره ان يقرئهم القرآن ويعلمهم الاسلام ويفقههم فى الدين، قال فنزل مصعب على اسعد بن زرارة فكان يسمى بالمدينة المقرئ وأسلم على يده خلق كثير من الانصار منهم سعد بن معاذ واسيد بن حضير واسلم باسلامهما جميع بنى عبد الاشهل فى يوم واحد الرجال والنساء حاشا الاصيرم وهو عمرو بن ثابت ابن وقش فانه تأخر اسلامه الى يوم أحد فاسلم واستشهد ولم يسجد لله سجدة واحدة وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة، ولم يكن فى بنى عبد الاشهل منافق ولا منافقة بل كانوا كلهم حنفاء مخلصين رضى الله عنهم أجمعين، ثم قدم على النبى صلى الله عليه وسلم فى العقبة الثانية فى العام المقبل فى ذى الحجة أوسط أيام التشريق منهم سبعون رجلا وامرأتان (انظر أحاديث الباب التالى)(باب)(6)(سنده) حدّثنا عبد الرزاق انا معمر عن ابن خثيم عن أبى الزبير عن جابر (يعنى ابن عبد الله الانصارى) قال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (غريبه)(7) بضم العين المهملة اسم موضع

ص: 269

من غلام قريش لا يفتنك ويمشى بين رجالهم وهم يشيرون اليه بالاصابع حتى بعثنا الله اليه من يثرب فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب الى أهله فيسلمون باسلامه حتى لم يبق دار من دور الانصار الا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الاسلام ثم ائتمروا جميعا حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد فى جبال مكة ويخاف، فرحل اليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه فى الموسم فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا، فقلنا يا رسول الله نبايعك، قال تبايعونى على السمع والطاعة فى النشاط والكسل والنفقة فى العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأن تقولوا فى الله لا تخافون فى الله لومة لائم، وعلى أن تنصرونى فتمنعونى اذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة، قال فقمنا اليه فبايعناه وأخذ بيده اسعد بن زرارة وهو من أصغرهم فقال رويدا يا أهل يثرب فانا لم نضرب أكباد الإبل الا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وان اخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وان تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبنة فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله: قالوا امط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة ابدا ولا نسلبها ابدا قال فقمنا اليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط يعطينا على ذلك الجنة رضي الله عنهم أجمعين (حدّثنا أبو سعيد وعفان) قال ثنا ربيعه بن كلثوم حدثنى أبى قال سمعت أبا غادية يقول بايعت

بقرب مكة كانت تقام به فى الجاهلية مدوف يقيمون فيه أياما (نه)(ومجنة) بفتح الميم وكسرها مع فتح الجيم والنون مشددة موضع بأسفل مكة على أميال وكان يقام بها للعرب سوق، وفتح الميم أكثر من كسرها (1) نشأ هذا من دعاية أبى جهل وأبى لهب وأعوانهما من قريش جازاهم الله بفعلهم ومع هذا فقد أبى الله عز وجل إلا ان يظهر دينه وينصر نبيه ولو كره الكافرون، وقد انتقم الله منهم جميعا فى الدنيا شر انتقام ولعذاب الآخرة أشد وابقى (2) يريد بيعة العقبة الأولى وما بعدها (3) تقدم ان مصعب ابن عمير كان يقرئهم القرآن وأسلم على يده خلق كثير (4) الرهط هم عشيرة الرجل واهله، والرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل الى الاربعين ولا واحد له من لفظه ويجمع على رهط وارهاط، واراهط جمع الجمع (5) معناه ان فى اخراجه اليوم وبيعتكم إياه مفارقة العرب أى معاداتهم جميعا وربما قامت بينكم وبينهم حرب فيقتلون خياركم وتعمل فيكم سيوفهم (6) اى جبنا (7) معناه امط عنا يدك أى نحها وأبعدها عنا (8) اى لا نرفضها ولا نتركها (9) جاء عقب هذا الحديث فى المسند قال الامام احمد حدثنا داود بن مهران ثنا داود يعنى العطار عن ابن خثيم عنى أبى الزبير محمد بن مسلم انه حدثه عن جابر ابن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين فذكر الحديث وقال حتى ان الرجل ليرحل ضاحية من مضر ومن اليمن، وقال مفارقة العرب، وقال تخافون من أنفسكم خيفة، وقال فى البيعة لا نستقيلها (تخريجه)(ك هق) وقال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد جامع لبيعة العقبة ولم يخرجاه (قلت) وأقره الذهبى وقال الحافظ ابن كثير فى تاريخه هذا إسناد جيد على شرط مسلم (9)(حدّثنا ابو سعيد وعفان الخ)

ص: 270

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو سعيد فقلت بيمينك قال نعم، قالا جميعا فى الحديث وخطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العقبة فقال يا أيها الناس ان دمائكم وأموالكم عليكم حرام الى يوم تلقون ربكم عز وجل كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا نعم، قال اللهم اشهد: ثم قال ألا لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض (حدّثنا يعقوب) قال ثنا أبى عن ابن اسحاق قال فحدثنى معبد بن كعب بن مالك بن أبى كعب بن القين أخو بنى سلمة ان أخاه عبد الله بن كعب وكان من أعلم الانصار حدثه أن أباه كعب بن مالك وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها قال خرجنا فى حجاج قومنا من المشركين وقد صلينا وفقهنا ومعنا البراء بن معرور كبيرنا وسيدنا، فلما تواجهنا لسفرنا وخرجنا من المدينة قال البراء لنا يا هؤلاء انى قد رأيت والله رأيا وانى والله ما أدرى توافقونى عليه أم لا؟ قال قلنا له وما ذاك؟ قال قد رأيت ان لا أدع هذه البنية منى ظبهر، يعنى الكعبة وان أصلى اليها، قال فقلنا والله ما بلغنا أن نبينايصلى الا الى الشام وما نريد ان نخالفه، فقال انى أصلى اليها: قال فقلنا له لكنا لا نفعل، فكنا اذا حضرت الصلاة صلينا الى الشام وصلى الى الكعبة حتى قدمنا مكة

(غريبه)(1) روى الحاك فى المستدرك عن ابن شهاب الزهرى قال كان بين ليلة العقبة وبين مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر أو قريبا منها وكانت بيعة الانصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فى ذى الحجة وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فى شهر ربيع الأول (2) يعنى شهر ذى الحجة كما تقدم وهو من الأشهر الحرم (3) أى بعد فراق من موقفى هذا، او بعد موتى وهو الأظهر، وفيه استعمال راجع كصار معنى وعملا: قال ابن مالك وهو مما خفى على أكبر النحويين أى لا تصيرو بعدى (كفارا) أى كالكفار او لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا القتال، اولا تكن أفعالكم شبيهة بأفعال الكفار (وقوله يضرب)] برفع الباء الموحدة على أنها جملة مستأنفة مبينة لقوله (لا ترجعوا بعدى كفارا) ومجوز الجزم، قال ابو البقاء على تقدير شرط مضمر أى إن ترجعوا بعدى والله اعلم (تخريجه) أورده الحافظ فى الاصابة بتمامه وعزاه ليعقوب بن شيبة فى مسند عمار ورجاله ثقات وروى الشيخان وغيرهما هذه الخطبة من حديث ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم وتقدم فى باب ما جاء فى الخطبة يوم النحر بمنى فى الجزء الثانى عشر صحيفة 211 رقم 413 (4)(حدّثنا يعقوب الخ)(غريبه)(5) يعنى الخزرجى الأنصارى السَّلمى ابو بشر كان من النفر الذين بايعوا البيعة الثانية بالعقبة وهو أول من بايع وأول من استقبل القبلة وأول من أوصى بثلث ماله وهو أحد النقباء (قال ابن اسحاق) وغيره مات البراء بن معرور قبل قدوم النبى صلى الله عليه وسلم المدنية بشهرين، قال السهيلى والبراء بن معرور يكنى أبا بشر بابنه بشر بن البراء وهو الذى أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة المسمومة فات، ومعزور اسم أبيه والبراء هذا ممن صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبره بعد موته وكبر اربعا (6) قال السهيلى وفى الحديث دليل على أن النبى صلى الله عليه وسلم وكان يصلى بمكة الى بيت المقدس وهو قول ابن عباس، وقا لت طائفة، ما صلى إلى بيت المقدس إلا مذ قدم المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا، فعلى هذا يكون فى القبلة نسخان نسخ سنّة بسنة

ص: 271

قال أخي وقد كنا عبنا عليه ما صنع وأبى الا الأقامة عليه، فلما قدمنا مكة قال يا ابن أخى انطلق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله عما صنعت فى سفرى هذا فانه والله قد وقع فى نفسى منه شئ لما رأيت من خلافكم إياى فيه، قال فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا لا نعرفه لم نره قبل ذلك، فلقينا رجل من أهل مكة فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال هل تعرفانه، قال قلنا لا، قال فهل تعرفان العباس بن عبد المطلب عمه؟ قلنا نعم، قال وكنا نعرف العباس، كان لا يزال يقدم علينا تاجرا: قال فاذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس قال فدخلنا المسجد فاذا العباس جالس ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه جالس فسلمنا ثم جلسنا اليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل؟ قال نعم: هذا البراء بن معرور سيد قومه وهذا كعب بن مالك قال فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاعر؟ قال نعم، قال فقال البراء بن معرور يا نبى الله انى خرجت من سفرى هذا وهدانى الله للاسلام فرأيت أن لا أجعل هذه البنية منى بظهر فصليت اليها وقد خالفنى أصحابى فى ذلك حتى وقع فى نفسى من ذلك شئ فماذا ترى يا رسول الله؟ قال لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها قال فرجع البراء الى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معنا الى الشام، قال وأهله يزعمون أنه صلى الى الكعبة حتى مات وليس ذلك كما قالوا، نحن أعلم به منهم قال وخرجنا الى الحج فوعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق فلما رفغنا الحج وكانت الليلة التى وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد من ساداتنا

ونسخ سنة بقرآن، وقد بين حديث ابن عباس منشأ الخلاف فى هذه المسألة، فروى عنه من طرق صحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التى كان اذا صلى بمكة استقبل بيت المقدس وجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس فلما كان عليه السلام يتحرى القبلتين جميعا لم يبن توجهه الى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة والله أعلم (1) هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف عم النبى صلى الله عليه وسلم وكان يومئذ على دين قومه (قال الحافظ) فى الاصابة حضر بيعة العقبة مع الانصار قبل أن يسلم وشهد بدرا مع المشركين مكرها فأسر فافتدى نفسه وافتدى ابن أخيه عقيل بن ابى طالب ورجع الى مكة فيقال انه اسلام وكمْ قومه ذلك وصار يكتب الى النبى صلى الله عليه وسلم بالاخبار ثم هاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح وثبت يوم حنين، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من آذى العباس فقد آذانى فانما عم الرجال صنو ابيه اخرجه الترمذى اهـ (2) هو كعب بن مالك بن عمر بن القين بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بكسر اللام ابن سعد بن على الانصارى الحزرجى السلمى بفتح السين واللام الصحابى شهد العقبة واحذا وسائر المشاهد إلا بدرا وتبوك وهو احد الثلاثه الذين خلفوا عن غزوة تبوك وضاقت عليهم انفسهم وظنوا ان لا ملجأ من الله الا اليه ثم تاب عليهم ليتوبوا (3) قال السهيلى فقه قوله (لو صبرت عليها) انه لم يأمره باعادة لأنه كان متأولا (4) هو عبد الله بن عمرو بن حرام ابن ثعلبة والد جابر بن عبد الله وهو صحابى مشهور شهد بدرا واحدا فاستشهد بأحد، وهو الذى حفر السيل عن قبره بعد ست وأربعين سنة فوجد لم يتغير كأنه مات بالأمس، وكاتب اسلامه ليلتئذ رضى الله تبارى وتعالى عنه

ص: 272

وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا فكلمناه وقلنا له يا أبا جابر انك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه ان تكون حطبا للنار غدا: ثم دعوته الى الاسلام وأخرته بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وشهد معنا العقبة وكان نقيبا، قال فنمنا تلك الليلة مع قومنا فى رحالنا حتى اذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل مستخفين تسلل القطا حتى اجتمعنا فى الشعب عن دالعقبة ونحن سبعون رجلا ومعنا امرأتان من نسائهم: نسيبة بنت كعب أم عمارة احدى نساء بنى مازن بن النجار واسماء بنت عمرو بن عدى بن ثابت احدى نساء بنى سلمة وهى أم منيع، قال فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه يومئذ عمه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه احب ان يحضر امر ابن اخيه ويتوثق له، فلما جلسنا كان العباس بن عبد المطلب اول متكلم فقال يا معشر الخزرج، قال وكانت العرب مما يسمون هذا الحى من الانصار الخزرج أوسها وخزرجها: إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه وهو فى عز من قومه ومنعة فى بلده قال فقلنا قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما أحببت، قال فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا ودعا الى الله عز وجل ورغّب فى الاسلام قال أبايعكم على أن تمنعونى مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم: قال فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال نعم والذى بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أهل الحروب

(1) بكسر الشين وسكرن المهملة قال الجوهرى الطريق فى الجبل، وقال غيره ما انفرج بن جبلين فهو شعب والجمع شعاب، والشعب بالفتح ما انقسمت فيه قبائل العرب والجمع شعوب (وقوله عند العقبة) بالتحريك وهو الجبل الطويل قال ياقوت العقبة التى بويع فيها النبى صلى الله عليه وسلم بمكة فهى عقبة بين منى ومكة، بينها وبين مكة نحو ميلين وعندها مسجد ومنها ترمى جمرة العقبة (2) قال السهيلى هى امرأة زيد بن عاصم شهدت بيعة العقبة وبيعة الرضوان وشهدت يوم اليمامة وباشرت القتال بنفسها وشاركت ابنها عبد الله فى قتل مسيلة فقطعت يدها وجرحت اثنا عشر جرحا ثم عاشت بعد ذلك دهرا، وكان الناس يأتونها بمرضاهم فتمسح بيدها الشلاء على العليل وتدعوا له، فقل ما مسحت بيدها ذا عاهة إلا برئ (قال السهيلى) يروى أن أم عمارة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى كل شئ إلا للرجال وما أرى للنساء شيئا فأنزل الله تعالى {ان المسلمين والمسلمات الآية} (قلت) جاء عند الامام احمد ان القائلة ذلك هى أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم ورضى عنها، انظر باب (إن المسلين والمسلمات) من سورة الأحزاب فى الجزء الثامن عشر من الفتح الربانى صحيفة 238 رقم 384 (وروى البغوى) عن مقاتل قالت أم سلمة بنت أبى أمية وشيبة بنت كعب الأنصارية للنبى صلى الله عليه وسلم ما بال ربنا يذكر الرجال ولا يذكر النساء فى شئ من كتابه تخشى ان لا يكون فيهن خير، فنزلت هذه الآية (إن المسلمين والمسلمات الخ) وقيل أسماء بنت عميس هى القائلة، ولا منافاة فيحتمل انهن اشتركن فى ذلك والله أعلم (3) بضم الهمزة والزاى وفتح ما بعدهما واحده ازار يذكر ويؤنث أراد نساءنا والعرب تكنى عن المرأة بالإزار وتكنى أيضا بالازار عن النفس وتجعل الثوب عبارة عن لابسه كما قال (رموها بأثواب

ص: 273

وأهل الحلقة ورثناها كابرًا عن كابر، قال فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم ابن التيهان حليف بنى عبد الأشهل فقال يا رسول الله ان بينا وبين الرجال حبالا وانا قاطعوها يعنى العهود، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله ان ترجع الى قومك وتدعنا؟ قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم انا منكم وانتم منى أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخرجوا الى منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم فأخرجوا منهم اثنى عشر نقيبا منهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وأما معبد بن كعب فحدثني فى حديثه عن أخيه عن أبيه كعب بن مالك قال كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور ثم تتابع القوم، فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قط يا أهل الجباجب والجباجب المنازل هل لكم فى مذمّم. الصباة معه قد أجمعوا على حربكم، قال على يعنى ابن اسحاق ما يقول عدو الله محمد، ففال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة هذا ابن ازيب اسمع أي عدو الله أما والله لا فرغن لك، ثم قال، رسول الله

خفاف فلا: نرى لها شبها إلا النعام المنفرا) أى بأبدان خفاف فقوله مما يمنع أزرنا يحتمل الوجهين جميعا (1) بفتح الحاء المهملة وسكون اللام: قال فى اللسان قال ابن سيدة الحلقة اسم لجملة السلاح والدروع وما أشبهها (2) المراد بالرجال هنا اليهود (وقوله حبالا) كناية عما بين الحيين من العهود (3) قال فى اللسان بعد أن ساق الحديث يروى بسكون الدال وفتحها فالهدم بالتحريك القبر يعنى اقبر حيث تقبرون، وقيل هو المنزل أى منزلكم منزلى اى لا أفارقكم، والهدم بالسكون وبالفتح أيضا هو اهدار دم الفتيل يقال دماؤهم بينهم هدم أى مهدرة، والمعنى إن طلب دمكم فقد طلب دمى، وان هدر دمكم فقد هدر دمى لاستحكام الإلفة بيننا، ثم قال وهو قول معروف والعرب تقول دمى دمك وهدمى هدمك وذلك عند المعاهدة والنصرة، ثم قال وكان أبو عبيدة يقول الهدم الهدم والدم الدم أى حرمتى مع حرمتكم وبيتى مع بيتكم وأنشد (ثم الحقى بهدمى ولدمى) اهـ (4) أى عريفا للقوم والجمع نقباء والعريف شاهد القوم وضمينهم (واليك أسماء النقباء) وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة هو عبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، ورافع اين مالك بن العجلان، والبراء بن معرور. وسعد بن عبادة. وعبد الله. بن عمرو بن حرام والد جابر وكان إسلامه يومئذ. والمنذر بن عمرو. وعبادة بين الصامث وهؤلاء من الخزرج (ومن الأوس) أسيد بن حضير. وسعد بن خيثمة، ورفاعة بن عبد المنذر، وعد بعضهم بدل رفاعة أبا الهيثم بن التيهان ونقّب رسول الله صلى الله عليه وسلم على النقباء أسعد بن زرارة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم كفلاء عل قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا الكفيل على قومى، قالوا نعم فبايعوه ووعدهم الوفاء على الجنة (قال السهيلى) وروى عن الزهرى انه قال قال النبى عليه السلام للأوس والخزرج حين قدَّم عليهم النقباء لا يغضبن أحدكم فانى أفعل ما أومر وجبريل عليه السلام إلى جنبه يشير اليهم واحد بعد واحد (5) قال السهيلى يعنى منازل ِمنًى وأصله أن الأوعية من الأدم كالزنبيل ونحوه يسمى جبجبة فجعل الخيام والمنازل لأهلها كالأوعية (6) بفتح الهمزة والزاى وتشديد الموحدة (قال فى القاموس) الأزب من أسماء الشياطين ومنه حديث بن الزبير مختصرا انه وجد رجلا طوله شيران فأخذ السوط فأتاه فقال من أنت

ص: 274

صلى الله عليه وسلم أرجعوا الى رحالكم، قال فقال له العباسي بن عبادة بن نضلة والذى بعثك بالحق لئن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أومر بذلك، قال فرجعنا فنمنا حتى أصبحنا فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاءونا في منازلنا فقالوا يا معشر الخزرج انه قد بلغنا انکم قد جئتم الى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا، والله انه ما من العرب أحد أبغض الينا ان تنشب الحرب بيننا وبينه منكم، قال فانبعث من هنالك من مشركى قومنا يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شئ وما علمناه، وقد صدقوا لم يعلموا ما كان منا، قال فبعضنا ينظر الى بعض، قال وقام القوم وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي وعليه نعلان جديدان قال فقلت كلمة كأنى أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا: ما تستطيع يا أبا جابر وأنت سيد من ساداتنا أن تتخذ نعلين مثل نعلي هذا الفتى من قريش؟ فسمعهما الحرث فخلعهما ثم رمى بهما الى فقال والله لتنتعلنها: قال يقول أبو جابر أحفظت والله الفتى فاردد عليه نعليه، قال فقلت والله لا أردهما، قال والله صالح لئن صدق الفأل لاسلبنه فهذا حديث كعب بن مالك من العقبة وما حاضر منها (عن عامر) قال انطلق النبى صلى الله عليه وسلم ومعه العباس عمه الى السبعين من الأنصار عند العقبة تحت الشجرة فقال ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة فان عليكم من المشرکين عينا

قال ازبَّ قال وما ازب؟ قال رجل من الجن فمهب (ص 275 PDF) السوط فوضعه فى راس أزب حتى باص (قلت) أى هرب واستتر وفاته) قال ومنه حديث العقبة هو شيطان اسمه أزب العقبة اهـ (1) يعنى وفى كفار قريش الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى وكان يومئذ كافرا (قال الحافظ) فى الاصابة هو أبو عبد الرحمن القرشى المخزومى أخو أبى جهل وابن عم خالد بن الوليد وأمه فاطمة بنت الوليد بن المغيرة قال الزبير ثم شهد احدا مشركا حتى أسلم يوم فتح مكة ثم حسن اسلامه، قال وكان الحارث يضرب به المثل فى السؤدد: حتى قال الشاعر:

أظننت ان أباك حين تسبنى

_________

فى المجد كان الحارث بن هشام

أولى قريش بالمكارم والندى

_________

فى الجاهلية كان والاسلام

وكان الحارث يحمل فى قتال الكفار ويرتجز (انى بربى والنبى مؤمن، والبعث من بعد الممات موقن) أقبح بشخص للحياة موطن) قال الواقدى عند اهل العلم بالسير من اصحابنا أن الحارث ابن هشام ماتت فى طاعون عمواس، قال الزبير لم يترك الحارث الا ابنه عبد الرحمن فأتى به ويناجية بنت عتبة بن سهيل بن عمرو الى عمر فقال زوجرا الشريدة بالشريد عسى الله ان ينشر منهما فنشر الله منهما ولدا كثيرًا والله اعلم (2) جاء فى سيرة ابن هشام عن ابن اسحاق قال يقول ابو جايرمه احفظت والله الفتى فزاد لفظ مه وهو اسم فعل بمعنى اسكت او اكفف (وقوله احفظت والله الفتى) أى اغضبت من الحفيظة الغضب (3) أى لآخذن سلبه فى الحرب (قال فى النهاية) السلب ما يأخذه أحد القرنين فى الحرب من قرنه مما يكون عليه ومعه من سلاح وثياب ودابة وغيرها، وهو فعل بمعنى مفعول أى مغلوب (تخريجه) أورده ابن هشام فى السيرة عن ابن اسحاق ورجاله كلهم ثقات (4)(سنده) حدّثنا يحيى بن زكريا بن ابى زائدة حدثنى أنى عن عامر الخ (قلت) عامر هو ابن شراحيل الشعبى (غريبه)(5) أي جواسيس

ص: 275

وأن يعلموا بكم يفضحوكم، فقال قائلهم وهو أبو امامة سل يا محمد لربك ما شئت، ثم سل لنفسك ولأسحابك ما شئت، ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله عز وجل وعليكم اذا فعلنا ذلك، قال فقال أسألكم لربى عز وجل أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا: واسألكم لنفسى ولأصحابى أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم، قالوا فما لنا اذا فعلنا ذلك؟ قال كم الجنة، قالوا فلك ذلك (وعنه من طريق ثان) عن أبى مسعود الأنصارى نحو هذا قال وكان أبو مسعود أصغرهم سنا (أبواب هجرة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة الى المدينة)

(باب اذنه صلى الله عليه وسلم لاصحابه بالهجرة من مكة الى المدينة)(عن أبى اسحاق) قال سمعت البراء بن عازب يقول أول من قدم علينا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم قال فجعلا يقرآن الناس القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، قال ثم جاء عمر بن الخطاب فى عشرين، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء قط

يراقبونكم (1) يعنى اسعد بن زرارة وابو امامة كنيته (2)(سنده) حدّثنا يحيى بن زكريا قال: ثنا مجالد عن عامر عن ابى مسعود الانصارى الخ (3) اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن اسيرة بن عطية بن خدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الانصارى أبو مسعود البدرى مشهور بكنيته اتفقوا على انه شهد العقبة (4) هكذا جاء بالاصل مختصرا (5) يعنى أصغر النفر الذين بايعو النبى صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية (تخريجه) اورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعزاه للبيهقى والامام احمد ورجاله ثقات (باب)(6)(سنده) حدّثنا عفان ثنا شعبة عن أبى اسحاق الخ (غريبه)(7) يعنى ابن ابى وقاص قال (الحافظ ابن كثير) فى تاريخه فيه التصريح بأن سعد بن أبى وقاص هاجر قبل قدوم النبى صلى الله عليه وسلم المدينة وقد زعم موسى بن عقبة عن الزهرى أنه إنما هاجر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصواب ما تقدم (تخريجه)(ق وغيرهما) قال ابن اسحاق لما أذن الله تعالى فى الحرب بقوله (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) الآية فلما أذن الله بالحرب وتابعه هذا الحى من الأنصار على الاسلام والنصرة له ولمن اتبعه وأوى اليهم من المسلمين: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلين بالخروج الى المدينة والهجرة اليها واللحوق باخوانهم من الأنصار، وقال إن الله قد جعل لك إخوانا ودارا تأمنون بها فخرجوا اليها أرسالا، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه فى الخروج من مكة والهجرة الى المدينة (عن عائشة رضى الله عنها) قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ بمكة للمسلمين قد أريت دار هجرتك أريت سبخة ذات نخل بين لابتين فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة من كان هاجر الى أرض الحبشة من المسلمين أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وقال رواه البخارى (قلت والامام أحمد وسيأتى فى باب هجرة النبى صلى الله عليه وسلم الخ) قال وقال أبو موسى عن النبى صلى الله عليه وسلم رأيت فى المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل، فذهب وهلى الى أنها اليمامة أو هجر فاذا هى المدينة يثرب، قال وهذا الحديث قد

ص: 276

فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله قد جاء، قال فما قدم حتى قرأت {سبح اسم ربك الأعلى} فى سور من المفصل (باب تآمر كفار قريش على قتل النبى صلى الله عليه وسلم وأمر الله عز وجل له بالهجرة)(عن ابن عباس) فى قوله تعالى {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} قال تشاورت قريش ليلة بمكة فقال بعضهم إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق يريدون النبى صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم بل اقتلوه، وقال بعضهم بل أخرجوه فأطلع الله عز وجل نبيه على ذلك فبات على على فراش النبى صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، وخرج النبى صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون

أسنده البخاري فى مواضع أخر طوله ور واه مسلم كلاها عن أبى كريب زاد مسلم وعبد الله بن مراد كلاهما عن أبى أسامة عن يزيد بن عبد الله بن أبى بردة عن جده ان ابى بردة عن أبى موسى عبد الله بن قيس الاشعرى عن النبى صلى الله عليه وسلم الحديث بطوله (باب)(1)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث تقدّم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب واذ يمكر بك الذين كفروا من كتاب فضائل القرن وتفسيره فى سورة الانفال فى الجزء الثامن عشر صحيفة 151 رقم 285 فارجع اليه ففيه كلام، نفيس، وأورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعزاه للامام احمد وقال هذا اسناد حسن وهو من أجود ما روى فى قصة نسج العنكبوت على فم الغار وذلك من حماية الله رسول صلى الله عليه وسلم (قال ابن اسحاق) وأقام رسو ل الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر ان يؤذن له فى الهجرة ولم يتخلف معه بمكة الا من حبس أو فتن الا على بن أبى طالب وأبو بكر بن أبى قحافة رضى الله عنهما، وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الهجرة فيقول له لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا فيطمع أبو بكر ان يكونه، فلما رأت قريش ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صار له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين اليهم عرفوا انهم قد نزلوا دارا وأصابوا منهم منعة فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم وعرفوا انه قد اجمع لحربهم فاجتمعوا له فى دار الندوة وهى دار قصىّ بن كلاب التى كانت قريش لا تقضى أمرا الا فيها يتشاورون فيما يصنعون فى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خافوه (قال ابن اسحاق) حدثنى من لا أتهم من أصحابنا عن عبد الله بن ابى نجيح عن مجاهد بن جبر عن عبد الله بن عباس وغيره ممن لا اتهم، قال لما اجتمعوا لذلك واتعدوا ان يدخلوا فى دار الندوة ليتشاوروا فيها فى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا فى اليوم الذى اتعدوا له وكان ذلك اليوم يوم الرحمة فاعترضهم ابليس لعنه الله فى صورة شيخ جليل عليه طيلسان خز، فوقف على باب الدار، فلا رأوه واقفا على بابها قالوا من الشيخ؟ قال شيخ من أهل نجد سمع بالذى اقتعدتم له فحضر معكم ليسمع ما تقولون وعسى أن لا يعدمكم منه رأيًا ونصحًا، قالوا اجل فادخل، فدخل معهم وقد اجتمع فيها اشراف قريش عقبة وشيبة وابو سفيان وطعيمة بن عدى وجبير بن مطعم بن عدى والحارث بن عامر بن نوفل والنضر بن الحارث وابو البخترى بن هشام وزمعة بن الأسو د وحكم بن حزام وابو جهل هشام ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وامية بن خلف ومن كان منهم ومن غيرهم ممن لا يعد من قريش؟ فقال بعضهم لبعض ان هذا الرجل قد كان من امره ما قد رأيتم واننا والله ما نأمنه على الوثوب علينا بمن قد اتبعه من غيرنا فأجمعوا فيه رايًا، قال فتشاوروا، ثم قال قائل منهم قيل انه ابو البخترى بن هشام احبسوه فى الحديد وأغلقوا عليه بابا ثم تربصوا به ما اصاب اشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله زهيرا والنابغة ومن مضى منهم من هذا الموت حتى يصيبه

ص: 277

يحرسون عليا يحسبونه النبى صلى الله عليه وسلم فلما أصبحوا ثاروا اليه فلما رأوه عليا رد الله مكرهم، فقالوا اين صاحبك هذا؟ قال لا أدرى، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا فى الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه

ما أصابهم، فقال لشيخ النجدى لا والله ما هذا لكم برأى، والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء هذا الباب الذى أغلقتم دونه إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليك فينتزعوه من أيديكم ثم يكاثروكم به حتى يغلبوكم على أمركم، ما هذا لكم برأى، فتشاوروا ثم قال قائل منهم نخرجه من بين أظهرنا فن فيه من بلادنا فاذا خرج عنا فوالله ما نبالى أين ذهب ولا حيث وقع إذا غاب عنا وفرغوا منه فأصلحنا أمرنا والفتنا كما كانت، قال الشيخ النجدى لا والله ما هذا لكم برأى، ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه وغلبته على قلوب الرجال بما يأتى به والله لو فعلتم ذلك ما أمنت أن يحل على حي من العرب فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ثم يسير بهم اليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعل بكم ما أراد، أديروا فيه رأيا غير هذا، فقال أبو جهل ابن هشام والله أن لى فيه رأيًا ما أراكم وقعتم عليه بعد، قالوا وما هو يا أبا الحكم؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدًا نسيبًا وسيطا فينا ثم نعطى كل فتى منهم سيفًا صارما ثم يعمدوا اليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد سدد فيقتلوه فنستريح منه، فانهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه فى القبائل جميعها فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا فرضوا منا بالعقل فعقلناه لهم، قال يقول الشيخ النجدى القول ما قال الرجل هذا الرأى ولا أرى غيره، فتفرق القوم على ذلك وهم يجمعون، فأتى جبر بل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له لا تبت هذه الليلة على فراشك الذى كانت تبيت عليه قال فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه حتى ينام فيثبورن عليه، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلى ابن أبى طالب نم على فراشى وتسج ببردى هذا الحضرمى الأخضر فم فيه فانه لن يخلص اليك شئ تكرهه منهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام فى برده ذلك اذا نام (قال الحافظ ابن كثير) فى تاريخه وهذه القصة التى ذكرها ابن اسحاق قد رواها الوافدى بأسانيده عن عائشة وابن عباس وعلى وسراقة ابن مالك بن جعشم وغيرهم دخل حديث بعضهم فى بعض فذكر نحوه (قال ابن اسحق) فحدثنى يزيد بن أبى زياد عن ابن كعب القرظى قال لما اجتمعوا له وفيهم أبو جهل قال وهم على بابه إن محمدا يزعم أنكم تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بعثتم من بعد موتكم فجعلت لكم جنات كجنات الأردن، وان لم تفعلوا كان فيكم ذبح ثم بعثتم بعد موتكم ثم جعلت لكم نار تحرقون فيها، قال فخرج رسولى الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب فى يده ثم قال نعم أنا أقول ذلك أنت احدهم واخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم وهو يتلو هذه الآيات {يس والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم} إلى قوله {وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فاغشيناهم فهو لا يبصرون} ولم يبق منهم رجل الا وقد وضع على رأسه ترابا ثم انصرف الى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم فقال ما تنتظرون هنا؟ قالوا محمدًا، قال خيبكم الله قد والله خرج عليكم محمد ثم ما نزل منكم رجلا الا وقد وضع على رأسه ترابا ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون والله ان هذا لمحمد نائمًا عليه

ص: 278

فمكث فيه ثلاث ليال (وعنه ايضا) قال ليس على ثوب النبى صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه، قال وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر وعلى نائم قال وأبو بكر يحسب أنه نبى الله، قال فقال يا نبى الله، قا فقال له على إن نبى الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال وجعل على يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبى الله وهو يتضور قد لف رأسه فى الثوب لا يخرجه حتى أصبح ثم كشف عن رأسه فقالوا انك للئيم، كان صاحبك نرميه فلا يتضور وأنت تتضور وقد استنكرنا ذلك (عن ابن عباس) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر "بالهجرة" وأنزل عليه {وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرًا} (باب هجرة النبى صلى الله عليه وسلم واختيار أبا بكر رضي الله عنه ليكون رفيقه فى الهجرة وتجهيزهما لذلك وخروجهما من مكة إلى أن دخلا غار ثور)(حدّثنا عبد الرزاق) عن معمر قال الزهرى وأخبرنى عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت لم اعقل أبواى قط إلا وهم يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل أرض الحبشة حتى اذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدّغنة وهو سيد القارة فقال ابن الدغنة اين يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر أخرجنى قومى فذكر الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم المسلمين قد رأيت دار هجرتكم

برده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام على عن الفراش فقالوا والله لقد كان صدقنا الذى كان حدثنا (قال ابن اسحق) فكان مما أنزل الله فى ذلك اليوم وما كانوا أجمعوا له قوله تعالى {واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} وقوله تعالى {أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون، قل تربصوافانى معكم من المتربصين} (قال ابن اسحاق) فاذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك بالهجرة (1)(وعنه أيضا) هذا جزء من تحديث طويل سيأتى بطوله وسنده وشارخه وتخريجه فى باب مناقب على رضى الله عنه فى ابواب خلافته من كتاب الخلافة والامارة واليك شرح هذا الجزء منه (2) أى يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة حينما كان نائما فى هذا المسكان قبل خروجه من بينم (3) أى يتأوّه ويضج من اصابة الحجارة اياه والله أعلم (4)(عن ابن عباس الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب وقل ربى ادخلنى مدخل صدق الخ الآية من سورة الاسراء فى الجزء الثامن عشر صحيفة 195 رقم 231 فارجع اليه (باب)(5)(حدثنا عبدالرزاق الخ)(غريبه)(6) يعنى دين الاسلام (7) أى بأذى الكفار من قريش بحصرهم بنى هاشم وبنى المطلب فى شعب أبى طالب وأذن صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة الى الحبشة خرج أبو بكر الخ (8) بفتح الموحدة وسكون الراء بعدها كاف والغماد بكسر المعجمة وتخفيف الميم موضع على خمس ليال من مكة الى جهة اليمن (9) بفتح الدال المشددة وكسر المعجمة: قال الحافظ وهو امم أمه واسمه الحارث ابن يزيد (وهو سيد القارة) بالقاف وتخفيف الراء قبيلة مشهورة من بنى الهون بالضم والتخفيف أن خزيمة بن مدركه بن الياس بن مضر (10) هكذا بالأصل مختصرا، والحديث ذكره البخارى بطوله فقال

ص: 279

أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان فخرج من كان مهاجرا قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر الى أرض الحبشة من المسلمين وتجهرز أبو بكر مهاجرا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم على رسلك فانى ارجو ان يؤذن لى، فقال أبو بكر وترجو ذلك بأبى أنت وأمى؟ قال نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده من ورق السمر أربعة اشهر قال الزهرى قال عروة قالت عائشة فبينا نحن يومًا جلوسا فى بيتنا فى نحر الظهيرة قال قائل لأبى بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا متقنعا فى ساعة لم يكن ياتينا فيها، فقال أبو بكر فداء له أبى وأمى أن جاء به فى هذه الساعة إلا أمر؟ فجاء رسول الله

بعد قوله فقال أبو بكر أخرجنى قوى قال فاريد أن أسيح فى الأرض وأعبد ربى، قال ابن الدغنة فان مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج انك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق فانا لك جار، ارجع واعبد ربك ببلدك، فرجع وارتحل معه أن الدغنه فطاف ابن الدغنة عشية فى اشراف قريش فقال لهم أن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقرى الضيف ويعين على نوائب الحق؟ فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالو لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه فى داره فليصل فيها وليقرأ ما يشاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعان به فانا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فقال ذلك ابن الدغنة لأبى بكر فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه فى داره ولا يستعان بصلاته ولا يقرء فى غير داره، ثم بدا لأبى بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلى فيه ويقرء القرآن فينقذف عليه نساء المشركين وابناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون اليه، وكان ابو بكر رجلا بكاءا لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، وافزع ذلك أشراف قريش من المشركين فارسلوا الى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا انا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه فى داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وانا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه فان أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه فى داره فعال: وان أن الا أن يعلن بذلك فله أن ير د اليك ذهنك فانا قد كرهنا أن تخفرك ولسنا مقرين لأبى بكر الاستعلان، قالت عائشة فأتى ابن الدغنة الى أبى بكر فقال قد علمت الذى عاقدت لك عليه، فاءما ان تقتصر على ذلك وإما أن ترجع الىّ ذمتى فانى لا أحب أن تسمع العرب انى أخفرت فى رجل عقدت له، فقال أبو بكر فانى أرد اليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل، والنبى يومئذ بمكة فقال النبى صلى الله عليه وسلم إنى أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين الحديث كما هنا (1) هى الأرض التى تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبك إلا بعض الشجر (2) تثنية لابة بتخفيف الموحدة واللابة الحرة وهى الأرض ذات الحجارة السود والجمع لاب وفى الحديث حرم ما بين لابنيها لأن المدينة بين حرتين وقوله وهما حر تان من كلام الزهرى (3) بكسر الراء وسكون المهملة أى على مهلك ولابن حبان فقال اصبر (4) متعلق بمحذوف تقديره أفديك بابى انت وأمى وقوله (الحبس ابو بكر نفسه) أى منع ابو بكر نفسه من الهجرة الا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) بفتح المهملة وضم الميم قال الزهرى (وهو الخبط) بفتح الخام المعجمة والموحدة ما يخبط بالعصا فيسقط من ورق الشجر (6) أول الزال عند شدة الحار (7) أى مغطيا رأسه (8) معناه ماجاء به فى هذه الساعة إلا أمر حدث

ص: 280

صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل لأبى بكر أخرج من عندك فقال أبو بكر انما هم أهلك بأبى أنت وأمى يا رسول الله، فقال النبى صلى الله عليه وسلم فانه قد أذن لى فى الخروج فقال أبو بكر فالصحابة بأبى أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال أبو بكر فخذ بأبى أنت يا رسول الله إحدى راحلتى هاتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثمن قالت فجهزنا هما أحب الجهاز وصنعنا لهما سفرة فى جراب فقطعت اسماء بنت أبى بكر من نطاقها فأوكت الجراب فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر بغار فى جبل يقال له ثور فمكثا فيه ثلاث ليال

أمر حدث (1) يريد عائشة وأختها أسماء (2) معناه اذن الله لى بالهجرة الى المدينة (3) أى أريد مصاحبتك (4) أى لك الصحية التى تطلبها (5) أى لا آخذ إلا بالثمن، وعند الواقدى ان الثمن كان ثمانمائة وان الراحلة هى القصوى وانها كانت من بنى قشير، وعند ابن اسحاق أنها الجدعاء (6) أى زادا فى (جراب) بكسر الجيم، وعن الواقدى انه كان فى السفرة شاة مطبوخة (7) أى قطعت قطعة من نطاقها بكسر النون ما يشد به الوسط وربطت بها على فم الجراب (8) جاء فى صحيح البخارى فبذلك كنيت ذات النطاق، والمحفوظ انها شقت نطاقها نصفين فشدت بأحدهما الزاد وشدت قم القربة بالآخر فسميت ذات النطاقين (9) قال فى المصباح الغار ما ينحت فى الجبل شبه المغارة فاذا اتسع قيل كهف والجمع غير ان مثل مار ونيران والغار الذى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه فى جبل حراء والغار الذى أوى اليه ومعه ابو بكر فى جبل ثور وهو مطل على مكة (10) بالمثلثة المفتوحة وكان خروجهما من مكة يوم الخميس (11) يعنى وخرجا منها يوم الاثنين زاد البخارى (يبيت فى الغار) يعنى عندهما (عبد الله بن أبى بكر وهو غلام شاب ثقف) بفتح المثلثة وكسر القاف أى حاذق (لقن) أى سريع الفهم (فيدلج) بضم الياء وسكون الدال اى يخرج (من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كباثت فلا يسمع امرا يكتادان به) بضم التحتية وفوقية بعد الكاف اى يطلب لهما ما فيه المكروه (الا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى ابى بكر منحة) بكسر الميم وسكون النون وفتح المهملة شاة تحلب اناءا بالغداة واناءا بالعشى (من غنم) كانت لأبى بكر رضي الله عنه (فيريحها) اى الشاة أو الغنم (عليهما حين تذهب ساعة من العشاء) يعنى كل ليلة فيحلبان ويشربان (فيبيتان فى رسل) بكسر الراء بعدها مهملة ساكنة اللبن الطرى (وهو لبن منحتهما ورضيفهما) بفتح الراء وكسر المعجمة بوزن رغيف اى اللبن المرضوف التى وضعت فيه الحجارة المحماة بالشمس أو النار لينعقد وتزول رخاوته (حتى ينعق بها عامر بن فهيرة) ينعق بكسر العين المهملة اى يصيح بغنمه والنعيق صوت الراعى إذا زجر الغنم (بغلس) الغلس ظلمة آخر الليل اذا اختلطت بضوء الصباح، ووقع فى حديث ابن عباس عند ابن عائذ فى هذه القصة ثم يسرح عامر بن فهيرة فيصبح فى رعيان الناس كبائت فلا يفطن به، وفى رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب وكان عامر أمينا مؤتمنا حسن الاسلام (يفعل ذلك فى كل ليلة من تلك الليالى واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بنى الديل) بكسر الدال وسكون التحتانية (من بنى عبد بن عدى هاديا حزينا) بكسر المعجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم

ص: 281

(عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير) ان أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبى بكر قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج معه أبو بكر احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، قالت وانطلق بها معه، قالت فدخل علينا جدى أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال والله انى لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت قلت كلا يا أبت انه قد ترك لنا خيرا كثيرا، قالت فأخذت أحجارًا فتركتها فوضعتها فى كوة ببيت كان أبى يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبا ثم أخذت بيده فقلت يا أبت ضع يدك على هذا المال قالت فوضع يده عليه فقال لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفى هذا لكم بلاغ، قالت لا والله ما ترك لنا شيئا

مثناة قال الزهري (والخريت الماهر بالهداية) هذه الجملة مدرجة فى الحديث من كلام الزهرى (قد غمس) بفتح الغين المعجمة والميم بعدها مهملة (حلفا) بكسر المهملة وسكون اللام أى كان حليفا وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيديهم فى دم أو خلوق، أو فى شئ يكون فيه تلويث فيكون ذلك تأكيدا للحلف (فى آل العاص بن وائل السّهمى وهو على دين كفار قريش فأمناه) بفتح الهمزة المقصورة وكسر الميم أى ائتمناه فدفعا اليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث لبال فأتاهما براحلتيهما صبح ثلاث وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل) اسمه عبد الله بن اريقط (فاخذهم طريق السواحل) هى اسفل من عسفان (1)(سنده) حدّثنا يعقوب قال ثنا أبى عن اسحاق قال حدثنى بحى بن عباد بن عبد الله بن الزبير الخ (غريبه)(2) قال فى المصباح الكوة تفتح وتضم الثقبة فى الحائط وجمع المفتوح على لفظه كوات مثل حبة وحبات وكراء أيضا بالكسر والمد مثل ظبية وظباء وركوة وركاه بالضم والقصر مشل مدية ومدى، والكوة بلغة الحبشة الشكاة وقيل كل كوة غير نافذة مشكاة أيضا وعينها واو وأما اللام فقيل واو رقيل يا، (تخريجه) أورده بن هشام فى سيرته عن ابن اسحاق ورجاله ثقات (وروى بن اسحاق أيضا) قال حدثت أسماء بنت أبى بكر أنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر رضى الله عنه أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فوقفوا على باب أبى بكر فخرجت اليهم، فقالوا ابن ابوك يا بنت أبى بكر؟ قالت قلت لا أدرى والله أين أبى، قالت فرفع ابو جهل لعنه الله يده وكان فاحشا خبيثا فلطم خدى لطمة فطرح منها قرطى قالت ثم انصارفوا فمكثنا ثلاث ليال وما ندرى أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اقبل رجل من الجن من اسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب وان الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول

جزى الله رب الناس خير جزائه

_________

رفيقين حلا خيمتى أم معبد

هما نرلا با لبر ثم تر وحا

_________

فأفلح من امسى رفيق محمد

ليهن بنى كعب مكان فتاتهم

_________

ومقعدها للمؤمنين بمرصد

قال ابن هشام ام معبد بنت كلب امرأة من بنى كعب من خزاعة، وقوله حالا خيمتى وهما نزلا بالبر ثم تروحا عن غير ابن اسحاق (قال ابن اسحاق قالت أسماء بتبع ابى بكر رضى الله عنهما فلما سمعنا قوله عرفنا حيث وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وان وجهه الى المدينة وكانوا اربعة، رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر الصديق رضى الله عنه وعامر بن فهيرة مولى أبى بكر وعبد الله بن اريقط دليلهما، وقال ابن هشام ويقال

ص: 282

ولكني قد أردت أن أسكن الشيخ بذلك (عن أنس) أن أبا بكر حدثه قال قلت للنبى صلى الله عليه وآله وسلم وهو فى الغار وقال مرة ونحن فى الغار لو ان احدهم نظر الى قدميه لأبصرنا تحت قدميه، قال فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما

ابن أريقط اهـ (قلت). اما قصته صلى الله عليه وسلم مع ام معبد الى اشار اليها ابن اسحاق فسأذكرها هنا اتماما للفائدة فأقول، تقدم فى حديث البخارى ان عبد الله بن اريقط (يعنى الدليل) اخذ بهما طريق الساحل (يعنى بعدد خروجها من الغار) قال فى المواهب اللدنية وكان معهما ايضا عامر بن فهيرة مولى ابى بكر فمروا بقديد على ام معبد عاتكة بفت خالد الخزاعية فطلبوا لبنا او لحما يشترونه منها فلم يجدوا عندها شيئا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى شاة فى كسر الخيمة خلفها (بفتح اللام المشددة) الجهد (بفتح الجيم) عن الغنم فسالها هل بها من لبن؟ فقالت هى اجهد من ذلك، فقال أتأذنين لى أن احلبها؟ فقالت نعم بابى انت وامى ان رايت بها حلبا (بفتح اللام) فاحلبها (بضم اللام) فدعا بالشاة فاعتقلها ومسح ضرعها فدرت ودعا باناء يشبع الجماعة فحلب فيه وسقى القوم حتى رووا ثم شرب آخرهم، ثم حلب فيه مرة اخرى عللا بعد نهل ثم غادره عندها وذهبوا: فما لبث حتى جاء زوجها ابو معبد يسوق اعنزا عجافا، فلما راى اللبن عجب وقال ما هذا يا ام معبد؟ قالت انه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، فقال صفيه فوصفته بأحسن الأوصاف، فقال هذا والله صاحب قريش لو رأيته لاتبعته، وبقيت هذه الشاة الى خلافة عمر ابن الخطاب تحلب صباحا ومساءًا: ثم تعرض له سراقة بن مالك المدلجى (قلت) ستأتى قصته صلى الله عليه وسلم مع سراقة فى الباب التالى والله الموفق (قال عبد الله بن وهب) بلغنى ان ابا معبد اسلم وهاجر الى النبى صلى الله عليه وسلم وهكذا روى الحافظ ابو نعيم من طريق عبد الملك بن وهب المذحجى فذكر مثله سواء وزاد فى اخرى قال عبد الملك بلغنى أن أم معبد هاجرت وأسلمت ولحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم والله أعلم (1)(سنده) حدّثنا عفان قال حدثنا همام قال أخبرنا ثابت عن أنس (يعنى ابن مالك) أن أبا بكر حدثه الخ (غريبه)(2) أى معاونهما وناصرهما وإلا فهو مع كل اثنين بعلمه كما قال تعالى {ما يكون من نحوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم الآية} (تخريجه) أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما من حديث همام به (وقد ذكر بعض أهل السير) ان أبا بكر لما قال ذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم لو جاءونا من ها هنا لذهبنا من هذا فنظر الصديق إلى الغار وقد انفرج من الجانب الآخر وإذا البحر قد اتصل به وسفينة مشدودة إلى جانبه، وهذا ليس بمنكر من حيث القدرة الظيمة ولكن لم يرد ذلك باسناد قوى ولا ضعيف ولسنا نثبت شيئًا من تلقاء أنفسنا ولكن ما صح أو حسن سنده قلنا به والله أعلم (قال الحافظ ابن كثير فى تاريخه) روى الحافظ ابن عساكر من طريق يحيى بن محمد ابن مساعد حدثنا عمرو بن على ثنا عون بن عمرو القيسى ويلقب عوين حدثنى أبو مصعب المكى قال أدركت زيد بن أرقم والمغيرة بن شعبه وأنس بن مالك يذكرون أن النبى صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله شجرة فخرجت فى وجه النبى صلى الله عليه وسلم تستره، وأن الله بعث العنكبوت فنسجت ما بينهما فسترت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الله حمامتين وحشيتين فأبلتا يدفان حتى وقفتا بين العنكبوت وبين الشجرة وأقبلت فتيان قريش من كل بطن منهم رجل: معهم عصيهم وقسيهم وهراواتهم حتى اذا كانوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر مائتى ذراع قال الدليل وهو سراقة بن مالك بن جشم المدلجي هذا

ص: 283

(باب قصتهما مع سراقه بن مالك وما جرى لهما فى الطريق)(عن أبى اسحاق) عن البراء بن عازب قال اشترى أبو بكر رضي الله عنه من عازب سرجا بثلاثة عشر درهما، قال فقال أبو بكر لعازب مر البراء فليحمله الى منزلى فقال حتى تحدثنا كيف صنعت حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معه، قال فقال أبو بكر خرجنا فأدلجنا فأحثثنا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصرى هل أرى ظلا نأوى اليه فاذا أنا بصخرة فاهويت اليها فاذا بقية ظلها فسوّيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة وقلت اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم خرجت انظر هل أرى أحدا من الطلب فاذ أنا براعى غنم فقلت لمن انت يا غلام؟ فقال لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت هل فى غنمك من لبن؟ قال نعم، قال قلت هل أنت حالب لى؟ قال نعم، فأمرته فاعتقل شاة منها ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار ثم أمرته فنفض كفيه من

الحجر ثم لا أدري اين وضع رجله فقال الفتيان أنت لم تخطئ منذ الليلة حتى اذا اصبح قال انظروا فى الغار فاستبقه القوم حتى اذا كانوا من النبى صلى الله عليه وسلم قدر خمسين ذراعا فاذا الحمامتين ترجع فرجع الدليل فقالوا ما ردك أن تنظر فى الغار؟ قال رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد فسمعهما النبى صلى الله عليه وسلم فعرف أن الله قد درأ عنهما بهما فسمت عليهما (أى برك عليهما) وأحدرهما الله الى الحرم فأفرخا كما ترى وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه قد رواه الحافظ ابو نعيم من حديث مسلم بن ابراهيم وغيره عن عون بن عمرو وهو الملقب بعوين باسناده مثله، وفيه أن جميع حمام مكة من نسل تينك الحمامتين، وفى هذا الحديث ان القائف الذى اقتفى لهم الأثر سراقة بن مالك المدلجى، وقد روى الواقدى عن موسى بن محمد بن ابراهيم عن أبيه ان الذى اقتفى لهم الاثر كرز بن علقمة (قلت) ويحتمل أن يكونا جميعا اقتفيا الاثر والله اعلم: وقد قال الله تعالى {الا تنصروه فقد نصره الله إذا اخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فانزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم} يقول تعالى مؤنبا لمن تخلف عن الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم {الا تنصروه} انتم فان الله ناصره ومؤيده ومظفره كما نصره {إذ أخرجه الذين كفروا} من أهل مكة هاربا ليس معه غير صاحبه وصديقه أبى بكر ليس غيره ولهذا قال {ثانى اثنين إذ هما فى الغار} أى وقد لجآ الى الغار فأقاما فيه ثلاثة أيام ليسكن الطلب عنهما، وذلك لأن المشركين حين فقدوهما كما تقدم ذهبوا فى طلبهما كل مذهب فى سائر الجهات وجعلوا لمن ردهما أو أحدهما مائة من الابل واقتصوا آثارهما حتى اختلط عليهم، وكان الذى يقتص الأثر لقريش سراقة ابن مالك بن جعشم كما تقدم فصعدوا الجبل الذى هما فيه وجعلوا يمرون على باب الغار فتحاذى أرجلهم لباب الغار ولا يرونهما حفظا من الله لهما كما قال الامام احمد حدثنا عفان فذكر حديث الباب والله أعلم (باب)(1)(سنده) حدّثنا عمرو بن محمد أبو سهيد يعنى العنقرى قال ثنا اسرائيل عن أبى اسحاق الخ (غريبه)(2) الظاهر ان هذه القصه كانت بعد خروجهم من الغار (وقوله فأدلجنا) أى سرنا من أول الليل يقال ادلج بالتخفيف اذا سار من أول الليل، وادلج التشديد إذا سار عن آخره (3) أى فاسرعنا السير (4) أى دخلنا فى وقت الظهر (5) أي شدة الحر نصف النهار

ص: 284

العبار ومعي اداواه على فمها خرقة فجلب لى كثبة من اللبن فصببت يعنى الماء على القدح حتى برد أسفله ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته وقد استيقظ فقلت اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت ثم قلت أنى الرحيل؟ قال فارتحلنا والقوم يطلبونا فلم يدركنا أحد منهم الا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال لا تحزن ان الله معنا حتى اذا دما منا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة، قال قلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت قال لم تبكى؟ قال قلت أما والله ما على نفسى أبكى ولكن أبكى عليك، قال فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اكفناه بما شئت فساخت قوائم فرسه الى بطنها فى أرض صلد ووثب عنها وقال يا محمد قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجينى مما أنا فيه، فوالله لأعمين على من ورائى من الطلب وهذه كنانتى فخذ منها سهما فانك بابلى وغنمى فى موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لى فيها، قال ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق فرجع الى اصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا فى الطريق وعلى الاجاجير فاشتد الخدم والصبيان فى الطريق يقولون الله اكبر، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء محمد صلى الله عليه وسلم قال وتنازع القوم ايهم ينزل علهي، قا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزل الليلة على بنى النجار اخوال عبد المطلب لاكرمهم بذلك، فلما اصبح غدا حيث أمر، قال البراء بن عازب اول من كان قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بنى عبد الدار ثم قدم علينا ابن ام مكتوم الأعمى أخو بنى فهر ثم قدم علينا عمر بن الخطاب فى عشرين راكبا فقلنا ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو على أثري

(1) بضم الكاف القليل منه قدر ملء القدح (2) أى طابت نفسى بكثرة شربه (3) بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة ساكنة وقد جاء السبب الذى حمل سراقة بن مالك على البحث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث التالى (4) أى صلبة ملساء (5) معناه اكتم امركما ولا أخبر به أحدًا من الناس الجادين فى طلبكم: وفى حديث ابن عباس وعاهدهم ان لا يقاتلهم ولا يخبر عنهم وان يكتم عنهم ثلاث ليال (وقوله وهذه كنانتى) الكنانة الخريطة المستطيلة التى يجعل فيها السهام (فخذ منها سهما) أى يكون أمارة الى الراعى (6) فى هذا الحديث اختصار فقد جاء فى الحديث التالى ان سراقة سأل النبى صلى الله عليه وسلم ان يكتب به كتاب موادعة يأمن به فأمر النبى صلى الله عليه وسلم عامر بن فهيرة فكتب له ذلك (7) أى بعد نزولهم بقباء فى بنى عمرو بن عوف كمكا سيأتى فى حديث بن سعد الدليل وحديث أنس الذى يليه، قال لما قدم النبى صلى الله عليه وسلم نزل فى علم المدينة فى حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ورواه أيضا البخارى وسيأتى الكلام على ذلك (8) جمع اجار بكسر الهمزة وتشديد الجيم وهو السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط عنه (9) سيأتى الكلام على ذلك فى باب قدومه صلى الله عليه وسلم الى المدينة (10) هو الذى أمره النبى صلى الله عليه وسلم ان يقرئهم القرآن ويعلمهم الاسلام ويفقههم فى الدين وكان يسمى بالمدينة المقرئ والقارئ (11) هو الأعمى الذى عاتب الله فيه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة

ص: 285

ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه قال البراء ولم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورا من المفصل قال اسرائيل وكان البراء من الأنصار من بنى حارثة (حدّثنا عبد الرازق) عن معمر عن الزهرى قال الزهرى واخبرنى عبد الرحمن بن مالك المدلجى وهو ابن أخى سراقة بن مالك بن جشعم ان اباه اخبره أنه سمع سراقة يقول جاءنا رسل كفار قريش يجعلون فى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى أبى بكر رضي الله عنه دية كل واحد منهما لمن قتلهما أو أسرهما فبينا انا جالس فى مجلس من مجالس قومى بنى مدلج اقبل رجل منهم حتى قام علينا فقال يا سراقة انى رأيت آنفا اسودة بالساحل انى أراها محمدًا وأصحابه، قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت انهم ليسوا بهم ولكن رأيت فلانا وفلانا انطلق آنفا قال ثم لبثت فى المجلس ساعة حتى قمت فدخلت بيتى فأمرت جاريتى أن تخرج لى فرسى وهى من وراء أكمة فتحبسها على وأخذت رمحى فخرجت به من ظهر البيت فخططت برمحى الأرض وخفضت عالية الرمح حتى اتيت فرسى فركبتها فرفعتها تقرب بى حتى رايت أسودتهما فلما دنوت منهم حيث يسمعهم الصوت عثرت بى فرسى فخررت عنها فقمت فأهويت بيدى الى كنانتى فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا

الفهري من بني عامر بن لؤى (1) يعنى ابن عاوب كنيته أبو عمارة، ويقال ابو عمرو، ويقال ابو الطفيل البراء بن عازب بن الحارث بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الانصارى الأوسى الحارثى المدنى أمه حبيبة بنت أبى حبيبة، وقيل أم خالد بنت ثابت وأبوه عازب صحابى ذكره محمد بن سعد فى الطبقات انه اسلم يعنى أباه (2) أقرأنا إياها مصعب ابن عمير (تخريجه) أورده الحافظ ابن كثير فى تاريخه وعزاه للامام احمد ثم قال أخرجاه فى الصحيحين من حديث اسرائيل بدون قول اليراء أول من قدم علينا الخ فقد انفرد به مسلم فرواه من طريق اسرائيل به (3)(حدثنا عبد الرزاق الخ)(غريبه)(4) بضم الميم وسكون المهملة وكسر اللام ثم جيم من بنى مداج ابن مرة بن عبد مناف بن كنانة وعبد الرحمن هذا نسب الى جده (5) بضم الجيم والشين المعجمة بينهما عين مهملة هو ابن مالك ابن عمرو، وكنية سراقة أبو سفيان وكان ينزل قديدا وعاش الى خلافة عثمان ذكره الحافظ (6) أى مائة من الابل كما صرح بذلك فى رواية موسى بن عقبة وصالح بن كبسان فى روايتهما عن الزهرى (7) أى فى هذه الساعة (أسودة) أى أشخاصا وفى رواية موسى بن عقبة وابن اسحاق لقد رأيت ركبة ثلاثة انى لأظنه محمدا وأصحابه (8) جاء عند البخارى (ولكنك رأيت فلانا وفلانا انطلقوا بأعيننا) أى فى نظرنا معاينة يبتغون ضالة لهم (9) أى رابية مرتفعة (10) أى لئلا يظهر بريقه لمن يعد منه فينذر به ويكسف أمره لأنه كره أن يتبعه أحد يشركه فى الحمالة (11) بالراء ولأبى ذر فرفعتها بتشديد الفاء أى أسرعت بها السير (وقوله تقرب بى) التقرب السير دون العدو وفوق العادة، وقيل ان ترفع الفرس يديها معا وتضعهما معا (12) اى اشخاصهما (13) أى سقطت (14) كيس السهام (15) جمع زلم بفتح الزاى واللام اقلام كانوا يكتبون على بعضها نعم وعلى بعضها لا، وكانوا اذا أرادوا أمرا استقسموا بها فاذا خرج السهم الذى عليه نعم خرجوا، واذا خرج الآخر لم يخرجوا:

ص: 286

فخرج الذي اكره أن لا أضرهم فركبت فرسى وعصيت الأزلام فرفتها تقرب لى حتى اا دنوت منهم عثرت بى فرسى فخررت عنها فقمت فأهوبت بيدى الى كنانتى فأخرجت الأزلام فاستقسمت بها فخرج الذى أكره ان لا اضرهم، فعصيت الأزلام وركبت فرسى فرفعتها تقرب بى حتى اذا سمعت قراءة النبى صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر رضي الله عنه يكثر الالتفات ساخت يدا فرسى فى الارض حتى بلغت الركبتين فخررت عنها فزجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة اذ لا أثر بها عثان ساطع فى السماء مثل الدخان قلت لأبى عمرو بن العلاء مالعثان؟ فسكت ساعة ثم قال هو الدخان من غير نار قال الزهرى فى حديثه فاستقسمت بالازلام فخرج الذى اكره ان لا أضرهم فناديتهما بالأمان فوقفوا فركبت فرسى حتى جئتهم فوقع فى نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم انه سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له ان قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزءونى شيئًا ولم يسألونى الا ان أخف عنا فسألته ان يكتب لى كتاب موادعة آمن به، فأمر عامر ابن فهيرة رضي الله تبارك وتعالى عنه فكتب لى فى رقعة من أديم ثم مضى

_________

ص: 287

(عن أنس بن مالك) قال اقبل نبى الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مردف ابا بكر وأبو بكر شيخ يعرف ونبى الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف قال فيلقى الرجل ابا بكر فيقول يا أبا بكر من هذا الرجل الذى بين يديك؟ فيقول هذا الرجل يهدينى الى السبيل فيحسب الحاسب انه انما يهديه الى الطريق وانما يعنى سبيل الخير فالتفت ابو بكر رضي الله عنه فاذا هو بفارس قد لحقهم فقال يا نبى الله هذا فارس قد لحق بنا قال فالتفت نبى الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اصرعه: فصرعته فرسه ثم قامت تحمحم قال ثم قال يا نبى الله مرنى بما شئت قال قف مكانك لا تتركن احدا يلحق بنا قال فكان أول النهار جاهدا على نبى الله وكان آخر النهار مسلحة له قال فنزل نبى الله جانب الحرة ثم بعث الى الانصار فجاؤا نبى الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليهما وقالوا ركبا آمنين مطمئنين (باب حديث سعد الدليل فى طريق الهجرة واسلام اللصين من اسلم ونزوله صلى الله عليه وسلم بقباء على بنى عمرو بن عوف)(عن فائد) مولى عبادل قال خرجت مع ابراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبى ربيعة فأرسل ابراهيم بن عبد الرحمن الى ابن سعد حتى اذا كنا بالعرج اتانا ابن سعد وسعد: الذى دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق ركوبة فقال إبراهيم

_________

ص: 288

أخبرني ما حدثك أبوك؟ قال ابن سعد حدثي أبى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم ومعه أبو بكر وكان لأبى بكر عندنا بنت مسترضعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الاختصار فى الطريق الى المدينة فقال له سعد الغائر من ركوبه وبه لصان من أسلم يقال لهما المهانان فإن شئت أخذنا عليهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ بنا عليهما، قال سهل فخرجنا حتى أشرفنا اذا أحدهما يقول لصاحبه هذا اليمانى فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الاسلام فاسلما ثم سألهما عن أسمائهما فقالا نحن المهانان فقال بل انتما المكرمان وأمرهما أن يقدما عليه المدينة فخرجنا حتى أتينا ظاهر قباء فتلقاه بنو عمرو بن عوف فقال النبى صلى الله عليه وسلم اين أبو امامة أسعد بن زرارة فقال سعد بن خثمة أنه أصاب قبلى يا رسول الله أفلا أخبره ذلك؟ ثم مضى حتى اذا طلع على النخل فاذا الشرب مملوء، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم الي أبي بكر رضي الله عنه فقال يا أبا بكر هذا المنزل رأيتني أنزل علي حياض کحياض بني مدلج (عن أنس بن مالك) قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نزل فى علو المدينة فى حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف فاقام فيهم أربع عشرة ليلة

_________

ص: 289

(باب ما جاء في قدومه صلى الله عليه وسلم الى المدينة وخروج اهلها به واستقبالهم اياه جميعا رجالا ونساء ونزوله بدار أبى أيوب الانصارى)(عن أنس) قال لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب وأبو بكر رديفه وكان أبو بكر يعرف فى الطريق لا ختلافه الى الشام وكان يمر بالقوم فيقولون من هذا بين يديك يا أبا بكر؟ فيقول هاد يهدينى فلما دنوا من المدينة بعث الى القوم الذين اسلموا من الانصار الى أبى امامة وأصحابه فخرجوا اليهما فقالوا ادخلا آمنين مطاعين فدخلا، قال انس فما رأيت يوما قط انور ولا احسن من يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر المدينة. وشهدت وفاته فما رأيت يوما قط أظلم ولا اقبح من اليوم الذى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه (وعنه أيضًا) قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المديمنة لعبت الحبشة

_________

ص: 290

لقدومه بحرابهم فرحا بذلك (عن محارب بن دثار عن جابر) أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لما قدم المدينة نحروا جزورا او بقرة وقال مرة نحرت جزورا أو بقرة (عن ثابت عن أنس بن مالك) قال انى لاسعى فى الغلمان يقولون جاء محمد فأسعى فلا أرى شيئًا ثم يقولون جاء محمد فأسعى فلا أرى شيئًا قال حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر فى بعض حرار المدينة ثم بعثنا رجل من أهل المدينة ليؤذن بهما الانصار فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار حتى انتهو اليهما فقالت الأنصار انطلقا آمنين مطاعين، فاقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين اظهرهم فخرج أهل المدينة حتى ان العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن ايهم هو ايهم هو؟ قال فما رأينا منظرا مشبها به يومئذ فان أنس ولقد رأيته يوم دخل علينا ويوم

_________

ص: 291

قبض فلم أر يومين مشبها بهما (عن جبير بن نفير) عن أبى أيوب الانصارى قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اقترعت الأنصار ايهم يأوى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرعهم أبو أيوب فآوى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان اذا اهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام اهدى لأبى ايوب قال فدخل ابو ايوب يوما فاذا قصعة فيها بصل فقال ما هذا؟ فقالوا ارسل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فاطلع ابو ايوب الى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما منعك من هذه القصعة قال رأيت فيها

هي التي لم تبن من والديها ولم تزوج وقد أدركت وشبت وتجمع على العتّق والعواتق (1) معناه لم ير يومًا يشبه فى الفرح والسرور يوم دخوله المدينة ولم ير يوما يشبه فى الحزن والغم يوم وفاته صلى الله عليه وسلم (تخريجه)(هق ك) وبعضه فى الصحيحين من حديث البزار ورجاله ثقات وسنده صحيح، وروى البيهقى فى الدلائل بسنده عن بن عائشة قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان وربات الخدور يقلن:

طلع البدر علينا

_________

من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا

_________

ما دعا لله داع

وزاد رزين

_________

أيها المبعوث فينا

_________

جئت بالأمر المطاع

ورواه أيضًا أبو بكر الطبرى فى كتاب الشمائل له عن ابن عائشة أيضًا، وذكره الطبرى فى الرياض عن ابن الفضل الجمحى قال سمعت ابن عائشة يقول أراه (بضم الهمزة أى أظنه) عن أبيه فذكره وقال خرجه الحلوانى (بضم المهملة وسكون اللام) على شرط الشيخين اهـ كذا فى المواهب اللدنية قال شارحه الزرقانى وفيه معمر فالشيخان لم يخرجا لابن عائشة فلا يكون على شرطهما ولو صح الإسناد إليه اهـ (قلت) والثنيات جمع ثنية وهى فى الأصل ما ارتفع من الأرض، وقيل الطريق فى الجبل، والظاهر أنهم كاوا يسمون كل ثنية من أى جهة يصل إليها المشيعون بثنية الوداع لأن الحاضر من المدينة كان يشيع إليه ويودع عنده قديمًا والله أعلم (وفى المواهب المدنية أيضًا) قال وفى شرف المصطفي) اسم كتاب لأبى سعد النيسابوري) وأخرجه البيهقى (قال الرزرقانى وشيخه الحاكم) عن أنس لما بركت الناقة على باب أبى أيوب خرج جوار من بنى النجار (قال الزرقانى زاد الحاكم يضربن) بالدفوف ويقلن.

نحن جوار من بنى النجار

_________

يا حبذا محمد من جار

فقال صلى الله عليه وسلم أتحببنني؟ قال نعم يا رسول الله، وفى رواية الطبرانى فى الصغير، فقال عليه السلام الله يعلم أن قلبى يحبكم قال شارحه الزرقانى بالميم يا معشر الأنصار الذين انتن منهن أو الميم للتعظيم كقوله {وإن شئت حرمت النساء سواكم} وفى رواية فقال والله وأنا أحبكن قالها ثلاث مرات فلعله قال الجميع أو ذا لبعض أهـ (2)(سنده) حدّثنا زكريا بن هدى أنا بقية عن بجير بن سعد عن خالد بن معدان عن خبير بن نفير عن أبى أيوب الخ (غريبة)(3) بفتح ألياء التحتية وكسر الواو من باب ضرب أى يسكنه فى مسكنه (4) أى فجاءت القرعة لأبى أيوب الأنصارى (5) روى عن زيه بن ثابت أنه قال أول هدية أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل دار أبى أيوب أنا جئت بها قصعة فيها خبز مثرود ببلن وسمن فقلت أرسلت بهذه القصعة أمى فقال بارك الله فيك ودعا أصحابه فأكلوا ثم جاءت قصعة سعد بن عمارة أريد وعراق لحم، وما كانت من ليلة إلا وعلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاث

ص: 292

بصلا، قال ولا يحل لنا البصل؟ قال بلى فكلوه ولكن يغشانى مالا يغشاكم وقال حيوة إنه يغشانى ما يغشاكم (عن افلح مولى أبى أيوب) عن أبى ايوب رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه فنزل النبى صلى الله عليه وسلم أسفل وابو ايوب فى العلو فانتبه ابو أيوب ذات ليلة فقال نمشى فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحول فباتوا فى جانب، فلما أصبح ذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم السَّفل أرفق بى، فقال أبو أيوب لا أعلو سقيفة أنت تحتها فتحول أبو أيوب فى السفل والنبى صلى الله عليه وسلم فى العلو فكان يصنع طعام النبى صلى الله عليه وسلم فيبعث اليه فاذا رد اليه سال عن موضع أصابع النبى صلى الله عليه وسلم فيتبع أثر أصابع النبى صلى الله عليه وسلم فيأكل من حيث أثر أصابعه فصنع ذات يوم طعاما فيه ثوم فأرسل به اليه فسأل عن موضع اثر أصابع النبى صلى الله عليه وسلم فقيل لم يأكل فصعد اليه فقال أحرام هو فقال النبى صلى الله عليه وسلم أكرهه قال فانى أكره ما تكره أو ما ككرهته وكان النبى صلى الله عليه وسلم يؤتى

والأربعة يحملون الطعام يتناوبون (قلت) زيد بن ثابت بن الضحاك ينتهى نسبه إلى مالك بن النجار الأنصارى النجارى المدلى فهو من بنى النجار وهو المقرض الكاتب كاتب الوحى والمصحف وكان عمره حين قدم النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إحدى عشرة سنة وحفظ قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا ستة عشرة سورة (أما سعد بن عبادة) فينتهى نسبة إلى الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج فهو أنصارى خزرجى ساعدى مدنى اتفقوا على انه كان نقيب بنى ساعدة وكان صاحب راية الانصار فى كل المشاهد وكان سيدًا جوادًا وجيها فى الأنصار ذا رياسة وسيادة وكرم وكان مشهورًا بالكرم وكان يحمل كل يوم إلى النبى صلى الله عليه وسلم جفنه مملوءة ثريدًا ولحما رضى الله عنه (1) يعنى انه يأتيه الوحى والملائكة نكره كل ذى رائحة كريهة وتقدم الكلام على ذلك فى باب ما جاء فى الكرم والبخل من كتاب الأطعمة فى الجزء السابع عشر صحيفة 75 رقم 54 و 35 (2) بوزن طلحة هو ابن شريح يعنى انه قال فى رواية أخرى لأنه لم يذكر فى سند هذا الحديث قال انه يغشانى مالا يغشاكم والمعنى واحد يعنى الملك (تخريجه) لم أقف عليه بهذا السياق لغير الإمام أحمد وفى إسناده بقية لبنى الوليد فيه كلام وله شاهد يؤيده من وجه آخر عن جابر بن سمرة عند مسلم والحاكم وصححه وأقره الذهبى (3)(سنده) حدثنا أبو سعيد مولى بنى هاشم ثنا ثابت يعنى أبا زيد ثنا عاصم عن عبد الله بن الحارث عن أفلح مولى أبى يوب الخ (غريبه)(4) إنما نزل النبى صلى الله عليه وسلم أولًا فى السفل لأنه أرفق به وللزائرين له (5) يعنى اذا أرسل الى أبى أيوب فضله الطعام الذى أكل منه النبى صلى الله عليه وسلم يسأل عن موضع أصابعه الشريفه ويأكل منه تبركًا به ففيه التبرك بآثار أهل الخير فى الطعام وغيره (6) جاء عند مسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم لا ولكنى أكرهه ففيه دلاله على جواز أكله لغير النبى (7) فيه منقبة عظيمة لأبى أيوب رضى الله عنه فأنه شعر يكمال إتباع محبوبه، ومن حق المحب أن يطيع محبوبه فيما يحب ويكره كما قال تعالى:{قل أن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله} الآية (8) أوله مبنى للمفعول ومعناه تائية الملائكة والوحى كما جاء فى بعض الروايات (فأنى أناجى من لا تناجى وأن الملائكة تتأذى ما يتأذى منه بنوم آدم) وكان النبى صلى الله عليه وسلم يترك النوم دائما لأنه يتوقع مجئ الملائكة والوحى كل ساعة الخ قاله النووى (تخريجه)(م هق)

ص: 293

(أبواب أحكام الهجرة)

(باب ما ورد فى فضلها وأى الهجرة أفضل)(عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله) أن الطفيل بن عمرو الدوسى أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل لك فى حصن حصينة ومنعة قال فقال حصن كان لدوس فى الجاهلية فابى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للذى ذخر الله عز وجل للانصار فلما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر اليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجئووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل بن عمرو فى منامه فرآه فى هيئة حسنة ورآه مغطيا يده فقال له ما صنع بك ربك

(باب)(1) قال الحافظ أصل الهجرة هجرة الوطن وأكثر ما يطلق على من رحل من البادية الى القرية اهـ (قلت) جاء عند البخارى من طريق عطاء بن أبى رباح قال زرت عائشة مع عبيد بن عمير الليثى فسألناها عن الهجرة فقالت لا هجرة اليوم كان المؤمنون يفر أحدهم بدينة الى الله تعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة ان يفتن عليه فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونية (قال الحافظ) ووقع عند الأموى فى المغازى فى وجه آخر عن عطاء فقالت إنما كانت الهجرة قبل فتح مكة والنبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة (قلت ويؤيد ذلك ما سيأتى فى الباب التالى قوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح) قال الحافظ وحديث عائشة يشير الى بيان مشروعيه الهجرة وأن سببها خوف الفتنة والحكم يدور مع علته فمقتضاه ان من قدر على عبادة الله فى أى موضع اتفق لم تجب عليه الهجرة منه وإلا وجبت، ومن ثم قال الماوردى اذا قدر على أظهار الدين فى بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار أسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة لما يترجى من دخول غيره فى الإسلام (قال الخطابي) وغيره كانت الهجرة فرضنا فى أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم الى الاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناسفى دين الله أفواجًا فسقط فرض الهجرة الى المدينة وبقى فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو أهـ قال الحافظ وكانت الحكمة أيضًا فى وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم الى ان يرجع عن دينه وفيهم نزلت (أن الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) الآية وهذه الهجر باقية الحكم فى حق من أسلم فى دار الكفر وقدر على الخروج منها وقد روى النسائى من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعًا لا يقبل الله من مشرك عملًا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين (ولابى داود) من حديث سمرة مرفوعًا أنا برئمن كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين وهذا محمول على من لم يا من على دينه والله أعلم (2)(سنده) حدثنا سليمان بن حربثنا حماد بن زيد عن الحجاج الصراف عن أبى الزبير عن جابر الخ (غريبه)(3) بفتح النون أى فى عز قومه فلا يقدر عليه من يريده، عرض الطفيل ذلك على النبى صلى الله عليه وسلم قبل ان يهاجر الى المدينة وكان يريد ان يحظى بهجرته صلى الله عليه وسلم الى بلاده دوس ولكن أراد الله ان يكون ذلك الحظ والفوز للأنصار وأهل المدينة (4) هكذا بالأصل بواو الجمع أى أصابهم الجوى وهو المرض وداء الجوف اذا تطاول وذلك اذا لم يوافقهم هواءهم استوخموها والظاهر أنه أصيب بذلك آخرون معه (5) قال في النهاية

ص: 294

قال غفر لي بهجرتى الى نبيه صلى الله عليه وسلم قال فما لى أراك مغطيا يدك قال قال لى لن نصلح منك ما أفسدت قال فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر (عن جابر بن عبد الله) قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله أى الهجرة أفضل قال من هجر ما كره الله عز وجل (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) قال قام رجل فقال يا رسول الله أى الاسلام أفضل قال أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك فقام ذاك وآخر فقال يا رسول الله أى الهجرة أفضل قال أن تهجر ما كره ربك والهجرة هجرتان الحاضر والبادى فهجرة البادى أن يجيب اذا دعى ويطيع اذا أمر والحاضر أعظمها بلية وأفضلها أجرا (باب ما جاء فى عدم انقطاع الهجرة ما دام العدو يقاتل)(عن شريح بن عبيد) يرده إلى مالك بن يخامر عن ابن السعدى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل فقال معاوية وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرة بن العاص إن النبى صلى الله عليه وسلم قال ان الهجرة خصلتان أحداهما أن تهجر السيئات والأخرى أن تهاجر الى الله ورسوله ولا تنقطع

المشقص نصل السهم اذا كان طويلا غير عريض فاذا كان عريضا فهو العبلة (وقوله فقطع بها براجمه) البراجم العقد التى فى ظهور الاصابع (فشخبت يداه) اى سالت دماء يديه (1) معناه ان النبى صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه وسلم دعا له بالمغفرة فانما خص يديه بالذكر لان المعصية حصلت بسبب قطع براجمهما والله اعلم (تخريجه) لم اقف عليه لغير الامام احمد وسنده صحيح ورجاله من رجال الستة (2)(عن جابر بن عبد الله الخ) هذا طرف من حديث طويل ذكر بطوله وسنده وشرحه وتخريجه فى باب الترغيب فى خصال مجتمعه من افضل اعمال البر فى الجزء التاسع عشر صحيفة 35 رقم 23 (3)(سنده) حدثنا ابن ابى عدى عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن ابى كثير عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الظلم ظلمات يوم القيامة واياكم والفحش فان الله لا يحب الفحش والتفحش واياكم والشح فان الشح اهلك من كان قبلكم امرهم بالقطيعة فقطعوا امرهم بالبخل فبخلوا وامرهم بالفجور ففجر واقال فقام رجل فقال يا رسول الله اى الاسلام افضل الخ وهذا الطرف من الحديث تقدم فى باب ما جاء فى الترهيب من خصال من كبريات المعاصى مجتمعه فى الجزء التاسع عشر صحيفة 215 رقم 19 (غريبة)(4) الحاضر هو الذى سكن المدن والقرى والبادى هو الذى يسكن البادية كالاعراب (5) انما كانت هجرة الحاضر اعظم بلية لان مصالحه فى بلد، اهم من مصالح الاعرابى فى باديته وربما كان بين قوم كافرين فينا له منهم اذى كثير ولان الحواضر يطمع فيها العدو فيحارب اهلها، وحينئذ بجب على سكانها الدفاع عنها بخلاف سكان البوادى فانه لا يطمع فيها العدو ولا يوجب عليهم الدفاع عن سكان الحواضر الا اذا عجز أهلها عن الدفاع عنها وحينئذ تدعى سكان البوادى لمساعدتهم، ولهذا كان اجر سكان الحواضر افضل والله اعلم (تخريجه)(طل) وسنده صحيح وروى أبو داود منه النهى عن الشح وتأثيره بالبخل والقطيعة والفجور وروى الحاكم بعضه وصححه واقره الذهبى (باب)(6)(سنده) حدثنا الحاكم بن نافع حدثنا اسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد الخ (غريبة)(7) هو عبد الله بن السعدي صحابي يغني

ص: 295

الهجرة ما تقلبت التوبة ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فاذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل (عن أبى هند البجلى) قال كنا عند معاوية (يعنى بن أبى سفيان) وهو على سريره وقد غمض عينيه فتذاكرنا الهجرة والقائل منا يقول قد انقطعت والقائل منا يقول لم تنقطع فانتبه معاوية فقال ما كنتم فيه؟ فأخبرنا وكان قليل الرد على النبى صلى الله عليه وسلم فقال تذاكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها (عن ابن محيريز) عن عبد الله بن السعدى رجل من بنى مالك بن حل انه قدم على النبى صلى الله عليه وسلم فى ناس من أصحابه فقالوا له احفظ رحالنا ثم تدخل وكان أحد القوم فقضى لهم حاجتهم قم قالوا له ادخل فدخل فقال حاجتك قال حاجتى تحدثنى انقضت الهجرة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم حاجتك خير من حوائجهم لا تنقطع الهجرة ما قوتلك العدو (عن رجاء بن حيوة) عن أبيه عن الرسول الذي

(1) يعني ما دام العدو يقاتل كما فى حديث ابن السعدى وما دام باب التوبة مفتوحًا إلى أن تطلع الشمس من المغرب (2) أى ختم على كل قلب بما به من كفر أو أسلام (3) أى لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرًا (تخريجه) أورد، الهيثمى وقال روى أبو داود وروى النسائى بعض حديث معاويه- رواه أحمد والطبرانى فى الأوسط والصغير من غى ذكر حديث بن السعدى والبزار من حديث عبد الرحمن بن عوف وابن السعدى فقط ورجال أحمد ثقات (4)(سنده) حدثنا يزيد ابن هارون قال أخبرنا جرير بن عثمان قال ثنا عبد الرحمن بن أبى عوف الجرشى عن أبى هند اليجلى الخ (5) أى أخذته سنة من النوم وهو النعاس أول النوم (6) معناه قليل الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم (تخريجه (د نس) قال الخطابى إسناد حديث معاوية فيه مقال اهـ (قلت) سنده عند الإمام أحمد جيد (7)(سنده) حدثنا إسحاق بن عيسى ثنا يحيى بن حمزة عن عطاء الخراسانى حدثنى ابن محيريز الخ (غريبة)(8) جاء فى بعض الروايات فخلفونى فى رحالهم وقضوا حوائجهم فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت حاجتى الخ (9) أى لأن حاجته تختص بحكم شرعى وأما حوائجهم فكانت دنيوية (10) قال الحافظ وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الاسماعيلى بلفظ انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار أى ما دام فى الدنيا دار كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشى أن يفتن عن دينه، ومفهومه أن لو قدر أن يبقى فى الدنيا دار كفر أن الهجرة تنقطع لانقطاع موجبها والله أعلم (تخريجه) أورده الحافظ فى الإصابة وعزاء للبخارى وأبى حاتم وابن حبان من طريق طريق عبد الله محيريز عن عبد الله بن السعدى قال وأخرجه الثنائى بنحوه من طريق أبى ادريس الخولانى عن عبد الله بن وقنان السعدى وفى رواية عن عبد الله بن السعدى قال أبو زرعة الدمشقى هذا الحديث عن عبد الله بن السعدى حديث صحيح متقن رواه الإثبات عنه اهـ (11)(سنده) حدثنا وكيع ثنا عاصم عن رجاه ابن حيوة عن أبيه الخ (غريبه)

ص: 296

سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجرة فقال لا تنقطع ما جوهد العدو (عن أبى الخير) ان جنادة بن ابى أمية حدثه أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم إن الهجرة قد انقطعت فاختلفوا فى ذلك، قال فانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ان أناسا يقولون إن الهجرة قد انقطعت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد (عن معاوية ابن حديج) قال هاجرنا على عهد أبى بكر فبينا نحن عنده طلع على المنبر (باب قوله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح يعنى فتح مكة)(عن ابن عباس) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، واذا استنفرتم فانفروا (عن يحيى بن اسحاق عن مجاشع بن مسعود) انه أتى النبى صلى الله عليه وسلم بابن أخ له يبايعه على الهجرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بل يبايع على الاسلام فانه لا هجرة بعد الفتح ويكون من التابعين باحسان (وعنه من طريق ثان) قال قدمت بأخى معبد على النبى صلى الله عليه وسلم بعد الفتح فقلت يا رسول الله جئتك بأخى لتبايعه على الهجرة، فقال ذهب أهل الهجرة بما فيها

الظاهر والله أعلم أنه يريد عبد الله بن السعدى الذى روى الحديث السابق والله أعلم (تخريجه) أورده الههيثمى رواه أحمد وحيوة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات (1)(سنده) حدثنا حجاج ثنا ليث حدثنى يزيد ابن أبى حبيب عن أبى الخير أن جنادة بن أبى أمية الخ (غريبه)(2) قال النووى يريدان الخير الذى انقطع بانقطاع الهجر يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة، وإذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (3)(سنده) حدّثنا عتاب بن زياد قال ثنا عبد الله قال ثنا ابن لهيعة قال حدثنى الحارث بن يزيد عن بن رباح قال سمعت معاوية بن حديج يقول هاجرنا الخ (تخريجه) لم أقف عليه لغير الإمام احمد ورجاله ثقات وأن كان فى سنده ابن لهيعة لكنه صرح بالتحديث فحديثه حسن، وأورده الحافظ فى الإصابة وعزاه للإمام أحمد بلفظ هاجرنا على عهد أبى بكر فبينا نحن عنده فذكر قصة زمزم ولم يذكر الحافظ القصة ولا قوله طلع على المنبر (باب)(4)(سنده) حدثنا يحيى عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس الخ (غريبه)(5) قال الحافظ أى فتح مكة إذا عم إشارة إلى أن حكم غير مكة فى ذلك حكمها فلا تجب من بلدة فتحها المسلمون، أما قبل فتح البلد فمن به من المسلمين إما قادر على الهجرة لا يمكنه إظهار دينه وإداء واجباته فالهجرة منه واجبه، وإما قدر لكنه يمكنه إظهار ذلك واداؤه فيندب لتكثير المسلمين ومعرفتهم والراحة من رؤية المنكر، وإما عاجز لنحو مرض فله الإقامة وتكلف الخروج (6) أى إذا طلب الإمام منكم الخروج إلى الجهاد فاخرجوا ثم قيل المراد بالهجرة المنفية هنا الهجرة من مكة لأنها صارت بعد الفتح دار أسلام، وقيل الهجرة التى تثبت لأصحابها المزية الظاهرة التى لا يشاركهم فيها غيرهم، أما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فوجو بها باق إلى قيام الساعة (تخريجه)(م)(د) فال المنذرى وأخرجه (ق. مذ نس)(7)(سنده) حدثنا أبو النضر قال ثنا أبو معاوية يعنى شيبان عن يحيى بن أبى كثير عن يحيى بن إسحاق الخ (غريبه)(8) أى العاملين بما أمر الشرع به (9)(سنده) حدثنا أحمد بن عبد الملك بن واقد قال ثنا زهير قال ثنا عاصم الأحول عن أبى عثمان الهدى عن مجاشع قال قدمت بأخى معبد الخ (10) جاء في الطريق الأولى أنه أتى

ص: 297

(وفي لفظ مضت الهجرة لأهلها) فقلت على أى شئ تبايعه قال على الاسلام والإيمان والجهاد قال فلقيت معبدا بعد وكان هو أكبرهما فسألنه فقال صدق مجاشع (عن يعلى بن أمية) قال جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أميه يوم الفتح فقلت يا رسول الله بايع أبى على الهجرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أبايعه على الجهاد فقد انقطعت الهجرة (عن صفوان بن عبد الله ابن صفوان) عن أبيه أن صفوان بن أمية بن خلف قيل له هلك من لم يهاجر قال فقلت لا أصل الى أهلى حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فركبت راحلتى فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله زعموا أنه هلك من لم يهاجر قال كلا أبا وهب فارجع الى أباطح مكة (عن ابن طاوس عن أبيه) عن صفوان بن أمية قال قلت يا رسول الله إنهم يقولون لا يدخل الجنة الا من هاجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فاذا استنفرتم فأنفروا (عن جبير بن مطعم) قال قلت يا رسول الله أنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة قال لتأتينكم أجوركم ولو كنتم فى جحر ثعلب قال فأصغى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه فقال إن فى أصحابى منافقين (عن أبى سعيد الخدرى) قال جاء رجل الى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله عن

النبي صلى الله عليه وسلم بابن أخ له وفى هذا الطريق قال قدمت بأخى معبد وجاء عند مسلم بلفظ جئت بأخى أبى معبد وله فى رواية أخرى أتيت النبى صلى الله عليه وسلم أبايعه على الهجرة ويجمع بين هذه الروايات بأنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم بأخيه وابن أخيه وطلب البيعه لفيه ولأخيه وابن أخيه على الهجرة وأخوه يقال له معبد وأبو معبد والله أعلم (1) جاء عند مسلم فقال أن الهجرة قد مضت لأهلها ولكن على الإسلام والجهاد والخير قال النووى معناه أن الهجرة الممدوحة الفاضلة التى لأصحابها المزية الظاهرة إنما كانت قبل الفتح ولكن أبايعك على الإسلام والجهاد وسائر أفعال الخير وهو من باب ذكر العام بعد الخاص فإن الخير أعم من الجهاد ومعتاه أبايعك على أن تفعل هذه الأمور (2) القائل تلقيت معبدًا هو أبو عثمان النهدى الراوى عن مجاشع (تخريجه)(ق) وغيرهما (3)(سنده) حدثنا حجاج بن محمد قال ثنا ليث يعنى ابن سعد قال حدثنى عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن ابن شهاب عن عمرو بن عبد الرحمن بن أمية أن أباه أخبره أن يعلى (يعنى ابن أمية) قال سئلت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (تخريجه)(نس) وسنده جيد (4)(عن صفوان بن عبد الله الخ) هذا الحديث تقدم إسنده وشرحه وتخريجه فى باب الحث على إقامة الحد من كتاب الحدود فى الجزء السادس عشر صحيفة 63 رقم 169 صدره فى الشرح فارجح إليه (5)(سند) حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن صفوان بن أمية أنه قيل لهلا يدخل الجنة إلا من هاجر قال فقلت لا أدخل منزلى حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أن هذا سرق خميصة لى لرجل معه فأمر بقطعه فقلت يا رسول الله فأنى قد وهبتها له قال فهلا قبل أن تانينى قال قلت يا رسول الله أنهم يقولون لا يدخل الجنة الخ (تخريجه) روى الطرف المختص منه بالهجرة مسلم من حديث ابن عباس وحديث الباب صحيح ورجاله ثقات وروى الجزء المختص منه بالحدود (مذ نس جه لك)(6)(عن جبير بن مطعم الخ) هذا الحديث تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب الترهيب من النفاق من قسم الترهيب فى الجزء التاسع عشر صحيفة 132 رقم 83 (7)(سنده) حدثنا معاوية بن عمرو ثنا

ص: 298

الهجرة فقال ويحك إن الهجرة شأنها شديد فهل لك من ابل؟ قال نعم، قال هل تؤدى صدقتها؟ قال نعم، قال هل تمنح منها قال نعم، قال هل تحلبها يوم وردها قال نعم، قال فاعمل من وراء البحار فان الله لن يترك من عملك شيئا (عن أبى البخترى الطائى) عن أبى سعيد الخدرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لما نزلت هذه السورة {اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس} قال قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها وقال الناس حيز، وأنا وأصحابى حيز وقال لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونبة، فقال له مروان كذبت وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت وهما قاعدان معه على السرير فقال ابو سعيد لو شاء هذان لحدثاك ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه، وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة فسكتا فرفع مروان عليه الدرة ليضربه فلما رأيا ذلك قالا صدق

أبو إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبى سعيد الخدرى الخ (غريبة)(1) المراد بالهجرة التى سأل عنها هذا الأعرابى ملازمة المدينة مع النبى صلى الله عليه وسلم وترك أهله ووطنه فخاف النبى صلى الله عليه وسلم أن لا يقوى لها ولا يقوم بحقوقها ولمن ينكص على عقبيه فقال (ويحك) الخ وويح كلمة ترحم وتوجع وقد تأتى بمعنى المدح والتعجب (2) أى أمر هاشاق يوشك أن لا طيقه قاله صلى الله عليه وسلم اشفاقًا على الأعرابى ورحمه له (وكان بالمؤمنين رحمها)(3) يعنى زكاتها (4) من المنحة بكسر الميم وسكون النون وهى أن يعطى ناقة أو شاة لمحتاج ينتفع ويعيدها، وكذلك اذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانا ثم يردها (5) بكسر الواو وسكون الراء: الورد اسم من ورد الماء يرده اذا بلغه ووافاه، وقد كان العرب اذا اجتمعوا عند المورد حلبوا مواشيهم وسقوا المحتاجين المجتمعين هناك من لبنها (6) جمع بحرة وهى البلد قال فى النهاية والعرب تسمى المدن والقرى البحار أى أعمل بالخير فى وطنك أى فى البادية، والمعنى أفعل الخير حيثما كنت فهو ينفعك (7) بفتح أوله وكسر المثناة فوق وفتح الراء أى لن ينقصك من ثواب عملك شيئًا (تخريجه)(ق مذ نس حب)(8)(سنده) حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبى البخترى الخ (غريبه)(9) بفتح الحاء وسكون التحتية وآخره زاى ومعناه أن الناس الذين لم يدخلوا فى دين الإسلام وعدلوا عنه حيز أى فريق، وأما الذين دخلوا فى دين الله أفواجًا وتركوا الشرك وانضموا إليه صلى الله عليه وسلم فهووهم حيز أى فريق آخر، قال فى القاموس إنجاز عنه عدل والقوم تركوا مركزهم إلى آخر وتحاوز الفريقان أنحاز كل واحد عن الآخر اهـ وفى النهاية التحوز والتحيز والانحياز بمعنى ويحتمل أن يكون المراد أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين هاجروا معه قبل فتح مكة حيز أى فريق فاز بثواب الهجرة، ومن لم يهاجر معه صلى الله عليه وسلم إلى أن فتحت مكة فلا ثواب له فى الهجرة إلا اذا دعى للجهاد وهؤلاء حيز أى فريق آخر والله أعلم (10) قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره وهذا الذى أنكره مروان على أبى سعيد ليس بمنكر فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح لا هجرة ولكن جهاد ونية ولكن اذا استنفرتم فانفروا أخرجه البخارى ومسلم فى صحيحيهما (قلت) والإمام أحمد أيضاُ وهو الحديث الأول من أحاديث الباب (11) أى رآستهم (12) أى عن عمالة الصدقة وهى جمع الزكاة من البلاد والقرى (13) الدرة بكسر الدال المهملة السوط (14) أي خشيًا

ص: 299

(باب ما جاء في بقاء ثواب الهجرة ان هاجر إلى المدينة قبل الفتح وإن أقام في غيرها بعد) حدّثنا (حماد بن مسعدة عن يزيد بن أبى عبيد) عن سلمة (يعنى ابن الاکوع رضى الله عنه) انه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى البدو فأذن له (عن سعد بن إياس بن سلمة بن الاكوع) أن أباه حدثه أن سلمة رضى الله عنه قدم المدينة فلقيه بريدة بن الحصيب فقال ارتددت عن هجرتك يا سلمة، فقال معاذ الله انى فى اذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أبدوا يا أسلم تنسموا الرياح واسكنوا الشعاب، فقالوا إنا نخاف يا رسول الله أن يضرنا ذلك فى هجرتنا، فقال انتم مهاجرون حيث كنتم (عن عمر بن عبد الرحمن بن جرهد) قال سمعت رجلا يقول لجابر بن عبد الله رضى الله عنهما من بقى معك من أصحاب رسول الله؟ صلى الله عليه وسلم قال بقى أنس بن مالك وسلة بن الاكوع (رضى الله عنهما) فقال رجل أما سلمة فقد ارتد عن هجرته: فقال جابر لا تقل ذلك فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ابدوا يا أسلم قالوا

أن يضربه وهو صادق لاسيما وقد استشهد بهما فخشيا إنكار الشهادة فصدقاه، وإنما سكنا أولا لأن أبا سعيد وجه إليهما كلامًا جارحًا والله أعلم (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد والطبرانى باختصار كثير، ورجال أحمد رجال الصحيح (باب)(1)(حدثنا حماد بن مسعدة الخ)(غريبة)(2) يعنى فى الإقامة بالبادية بعد أن هاجر إلى المدينة قبل الفتح (فأذن له) قال العلماء إنما أذن له النبى صلى الله عليه وسلم لان فرض المقام فى المدينة إنما كان فى زمنه صلى الله عليه وسلم أو إنما كان قبل فتح مكة فلما كان الفتح سقط فرض الهجرة من مكة إلى المدينة وجاز لمن بالمدينة أن يهاجر إلى أى شاء لمصلحة يراها والله أعلم (تخريجه)(م) من طريق يزيد بن أبى عبيد أيضًا عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال يا ابن الأكوع أرتددت على عقبيك تعربت، قال لا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذن لى فى البدو ورواه أيضًا البخارى (3)(سنده) حدثنا يحيى بن غيلان قال ثنا المفضل يعنى ابن فضالة قال حدثنى يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن إياس بن سلمة بن الأكوع الخ (غريبه)(4) معناه أنه رجع إلى ورائه وتعرب، والتعرب هوان يعود إلى البادية بعد الهجرة ويقيم مع الأعراب وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد، والإعراب ساكنوا البادية من العرب الذين لا يقيمون فى الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة كما فى النهاية فلما أخبرهم سلمة بأن النبى صلى الله عليه وسلم أذن له فى ذلك اقتنعوا بذلك وكأنهم كانوا قبل ذلك يجهلون الحكم والله أعلم (5) معناه أن لكم ثواب الهجرة إلى المدينة أو لا وأن كنتم الآن فى غيرها (تخريجه) أورده الهيثمى وقال لسلمة حديث فى الصحيح بغير هذا السياق (قلت) يعنى حديث سلمة عند مسلم الذى ذكرته فى شرح الحديث السابق ثم قال رواه أحمد والطبرانى وفيه سعيد بن إياس ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات (6)(سنده) حدثنا يحيى بن غيان ثنا المفضل حديثنى يحيى بىن أيوب عن عبد الرحمن بن حرملة عن محمد بن عبد الله بن الحصين عن عمر بن عبد الرحمن بن جرهد الخ (غريبة)(7) ى أسكنوا البادية (تخريجه) أورده الهيثمى وقال رواه أحمد وعمر هذا لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ (قلت) جاء فى تعجيل المنفعة للحافظ عمرو بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمى عن جابر بن عبد الله بن الحصين

ص: 300

يا رسول الله وانا نخاف أن نرتد بعد هجرتنا فقال انكم أنتم مهاجرون حيث كنتم (عن الفرزدق ابن حيان) القاص قال ألا احدثكم حديثا سمعته اذناى ووعاه قلبى لم انسه بعد، خرجت انا وعبد الله بن حيدة فى طريق الشام فمررنا بعبد الله بن عمرة بن العاص، فذكر الحديث فقال جاء رجل من قومكما اعرابى جاف جريئ فقال يا رسول الله اين الهجرة اليك حيثما كنت أم الى ارض معلومة أو لقوم خاصة أم اذا مت انقطعت؟ قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال أين السائل عن الهجرة، قال ها انا ذا يا رسول الله قال اذا أقمت الصلاة وآتيت الزكاة فأنت مهاجر

فيه نظر قاله الحسينى قال الحافظ مضى الحديث عند أحمد بسنده إلى عمرو المذكور أنه سمع رجلا يقول لجابر من بقى معك من الصحابة قال سلمة بن الاكوع وأنس بن مالك وفيه قصة، وفيه حديث جابر أبدوا يا أسلم فأنتم مهاجرون حيث كنتم وهو حديث غريب وله شاهد من حديث سلمة بن الأكوع عند البخارى فى قصة له مع الحجاج وعمرو هذا قيل فيه عمر بضم العين كما تقدم وهو أخو زرعة المترجم له فى التهذيب أهـ، (1)(سنده) حدثنا أبو كامل حدثنا زياد بن عبد الله بن علاثه بن القاص أبو سهل ثنا العلاء بن رافع عن الفرزدق بن حيان القاص الخ (قلت) هذا السند فيه أخطاء كثيرة (أولًا) قوله حدثنا العلاء بن رافع وليس كذلك، بل هو العلاء بن عبد الله بن رافع. والخطأ من زباد ابن عبد الله بن علاثة الراوى عن العلاء نسبه إلى جده فالتبس أمره على الحافظ الحسينى فقال مجهول، وعقبه الحافظ فى تعجيل المنفعة فأبان وجه الصواب فيه فهو ثقة ذكره ابن حبان فى الثقات (ثانيًا) الفرزدق بن حيان كما جاء فى أصل المسند طيعة الحلبى وهو خطأ وصوابه حنان بالتحريك وبالنون بدل الياء التحتية ابن خارجه (ثالثًا) لفظ الفرزدق زائد لا أصل له وكذلك التبس أمره على الحسينى فقال مجهول وهذا الخطأ فى الإسناد جاء من زياد بن عبد الله بن علائة أيضًا إذ لا يوجد راو بهذا الاسم على أن هذا الحديث نفسه جاء فى مسند الإمام أحمد فى موضع آخر على الصواب بلفظ حدثنا عبد الرحمن بن مهدى حدثنا محمد بن أبى الوضاح حدثنى العلاء بن عبد الله بن رافع حدثنا حنان بن خارجة عن عبد الله ابن عمرو فذكر الحديث وسيأتى بسنده ومتنه فى باب ذكر أهل الجنة واكلهم وشربهم ونكاحهم ولباسهم من كتاب قيام الساعة فى الجزء الأخير من الفتح الربانى إن شاء الله تعالى، وقد جاء هذا الحديث أيضًا عند أبى داود الطيالسى، ومن طريقه البيهقى فى البعث والنشور عن محمد بن مسلم بن أبى الوضاح عن العلاء بن عبد الله بن رافع عن حنان بن خارجه كذلك (قال الحافظ) فى تعجيل المنفعة وأخرج أبو داود من طريق عبد الرحمن بن مهدى عن ابن أبى وضاح بهذا الاسناد الحديث الأول فى الهجرة نحوه، وقد أخرجه أحمد مطولًا عن عبد الرحمن بن مهدى كذلك وفيه قصة السؤال عن الهجرة والسؤال عن ثياب أهل الجنة ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم فى المستدرك، وحنان بفتح المهملة وتخفيف النون قيده بن ماكولا وغيره، وأما الرواية التى من جهة زياد فلم يتابع عليها أهـ (غريبة)(2) من الجفاء فلظ الطبع أى غلظ طبعة لقلة مخالطة الناس (جريء) أى عنده جراءة فى القول والأقدام على الشيء بدون خوف (3) معناه أن من كان مطمئنًا فى بلده يقيم الصالة ويؤتى الزكاة كان كمن هاجر

ص: 301

وإن مت بالحضرمة يعنى ارضا باليمامة (عن الزبير بن العوام) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما اصبت خيرا فأقم (عن الفلوص) ان شهاب بن مدلج نزل البادية فسابَّ ابنه رجلا فقال يا ابن الذى تعرّب بهذه الهجرة فاتى شهاب المدينة فلقى ابا هريرة رضي الله عنه فسمعه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افضل الناس رجىن. رجل غزا فى سبيل الله حتى يهبط موضعا يسوء العدو، ورجل بناحية البادية يقيم الصلوات الخمس ويؤدى حق ماله ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين فجثا على ركبتيه قال انت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا هريرة يقوله قال نعم فتى باديته فأقام بها

إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح وإن كان فى أقصى بلاد (1) هكذا جاء بلفظ الحضرمة وفسرت فى الحديث بأنها أرض اليمامة يعنى وسط الجزيرة فهى غير حضر موت التى باليمن (تخريجه)(طل هق ك) وسنده صحيح على ما ذكرته من التصحيح وصححه الحاكم وأقره الذهبى (2)(سنده) حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا بقية بن الوليد حدثنى جبير بن عمرو القرشى حدثنى ابو سعد الأنصارى عن أبى يحيى مولى آل الزبير بن العوام عن الزبير بن العوام الخ (غريبه)(3) معناه أن الإنسان متى تيسر له قوته وكان آمنا فيه على نفسه ودينه فلا يهاجر إلى غيره وإلا فيهاجر إلى بلد آخر يمكنه أن يعيش فيه آمنا على نفسه ودينه والله أعلم (تخريجه) أورده الحافظ السيوطى فى الجامع الصغير ورمز له بعلامة الضعف بعد عزوه للإمام أحمد، وقال شارحه المناوى قال الحافظ العراقى وسنده ضعيف، وقال تلميذه الهيثمى فيه جماعة لم أعرفهم وتبعه السخاوى وغيره، ورواه الدارقطنى عن عائشة وفيه أحمد بن عبيد بن ناصح له مناكيرو زمعة ضعفوه اهـ (4)(سنده) حدثنا عبد الصمد حدثنى عبد الله بن حسان يعنى العنبرى عن القلوص الخ (قلت) القلوص اسم امرأة هى هى جدة عبد الله بن حسان بنت دحيبه بوزن جهينة (غريبه)(5) يعنى أن هجرته إلى المدينة بطلت بهجرته إلى البادية (تخريجه)(خ) قال الحافظ فى تعجيل المنفعة أخرج البخارى من رواية عبد الله بن حسان العنبرى عن جدته القلوص بنت دحيبه حديثه عن حبيب ابن شهاب عن أبيه أنه أتى المدينة فلقى أبا هريرة قاله البخاري، قال وسمع أبا موسى الأشعرى وذكر الحسينى أن أبا زرعة قال روى عنه ابو القلوس ووهم فى ذلك، وإنما قال ابو زرعة أنه ثقة وأن القلوس امرأة وهى بنت دحيبة روت عنه كما ذكر البخاري، وقال ابن أبى حاتم عن ابن زرعه أنه وثقه وذكره ابن حبان فى الثقات فقال بصرى اهـ (قلت) وحديث الباب له شاهد من حديث أبى سعيد بمعناه تقدم بسنده وشرحه وتخريجه فى باب هل الأفضل العزلة عن الناس أو الاختلاط بهم فى كتاب المجالس وآدابها فى الجزء التاسع عشر صحيفة 171 رقم 38 وهو حديث صحيح رواه الشيخان والأربعة والحاكم والله أعلم

_________

إلى هنا انتهى الجزء العشرون من كتاب الفتح الربانى مع مختصر شرحه بلوغ الأمانى - ويليه الجزء الحادى والعشرون وأوله القسم الثانى من السيرة النبويه فى حوادث ما بعد الهجرة الى أن لحق بالرفيق الأعلى نسأله تعالى الإعانة على التمام وحسن الختام

ص: 302