الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8) أحكام الحديث الضعيف:
لم يسمّ المؤلف رسالته هذه، لكنه قال في صدرها: "فهذه رسالة في أحكام الحديث الضعيف
…
" فاقتبسنا هذا العنوان منه.
وقد بيَّن المؤلف سبب تأليفها بقوله: "جمعتُها لما رأيتُ ما وقع للمتأخرين من الاضطراب فيه؛ فنَسَب بعضُهم إلى كبار الأئمة الاحتجاجَ به، ونَسَب غيرُه إلى الإجماع استحبابَ العمل به في فضائل الأعمال ونحوها، وتوسّع كثيرٌ من الناس في العمل به، حتى بنوا عليه كثيرًا من المحدَثات، وأكَّدوا العمل بها، وحافظوا عليها أبلغ جدًّا من محافظتهم على السنن الثابتات، بل والفرائض القطعيات. بل كثيرًا ما بنوا عليه عقائد مخالفة للبراهين القطعية من الكتاب والسنة والمعقول. ولم يقتصروا على الضعاف بل تناولوا الموضوعات"، ثم قال بعد أن ذكر بعض جَدَل المثبتين للعمل به:"وتلك المطاولة هي التي ألجأتني إلى تأليف رسالة مستقلة".
وأشار أيضًا إلى أمرٍ آخر كان سببًا في إفرادها بالتأليف قال: "وذلك أنني ألَّفت كتابًا نبَّهتُ في مقدمته على الأمور التي يسلُكُها كثير من المتأخرين في الاحتجاج وهي غير صالحةٍ لذلك، وذكرتُ من جملتها العمل بالضعيف، وحاولت أن أحقِّق الكلامَ فيه، فطال الكلام جدًّا قبل أن أستوفي البحث كما أحبّ، فآثرت إفراده برسالة مستقلة".
وهذا الكتاب الذي عناه المؤلف هو كتاب "العبادة" انظر (1/ 243)، فقد أشار هناك إلى أنه أفرد الحديث الضعيف برسالة مستقلة، وقد أشار أيضًا إلى أنه أفرد الحديث الضعيف برسالة في رسالة "حقيقة البدعة"(ص 87) ضمن رسائل العقيدة في هذه الموسوعة المباركة.
بدأ المؤلف رسالته بذكر موضوع الرسالة والسبب الذي دعاه لتأليفها ــ كما سلف ــ ثم ذكر الأقوال في حكم العمل بالحديث الضعيف، ومحصّل ما ذكره ثلاثة مذاهب: المنع مطلقًا، الجواز، الاستحباب، وذَكَر مَن قال بذلك وحجج بعضهم، وأن هذا الاختلاف والمطاولة دعته إلى تأليف الرسالة.
ثم عقد فصلًا ذكر فيه مهماتٍ خمسًا تتعلق بالحديث الضعيف، أما تعريفه فمذكور في كتب المصطلح (ص 156 - 158). وتقرير هذه المهمّات في بداية الرسالة كان لغرض الإحالة إليها فيما يأتي من فصول الرسالة، كما في الفصل الذي يليه.
ثم عَقَد فصلًا ذكر فيه القوادح التي قيلت في حكاية الإجماع على أن الأحكام لا تثبت بالحديث الضعيف، فذكر خمسة قوادح، وأجاب عنها جميعًا، فسَلِمَت حكايةُ الإجماع من أيّ قادح مؤثّر.
ثم عَقَد فصلًا ذكر فيه التسلسلَ التاريخيَّ للكلام في مسألة العمل بالحديث الضعيف، فذكر أن أول مَن تكلم في هذه المسألة القاضي أبو بكر ابن العربي (ت 543)، ثم ذكر مَن بعده، وما وقع لهم من الاختلاف
…
وأنه ليس من غرضه في الرسالة استيعاب أقوالهم، بل علينا أن نعترض الحجج والدلائل ونغترف الحق من معدنه.
وفَصَل منه إلى فَصْل ذكر فيه الآثار المروية عن أئمة السلف التي استند إليها مَن حكى الإجماعَ على جواز العمل بالضعيف
…
وأنه عند إنعام النظر فيها لا تدل على الجواز بل هي صريحة في خلافه.
فذكر عبارة عبد الرحمن بن مهدي المشهورة وعبارة للإمام أحمد، وأن العبارات الأخرى لا تخرج عن هذا المعنى، وأن ابن الصلاح قد لخَّص في "مقدمته" ما جاء عن السلف باحتياطٍ تام، وساق عبارته
…
بخلاف النووي الذي لخَّص كتاب ابن الصلاح فإنه زاد زيادةً نابية غيَّرت كلام ابن الصلاح وخرجت عن مراد عبارات أئمة السلف.
ثم عَقَد فصلًا في أن عبارات السلف تلك إنما فيها تساهلهم في رواية الضعيف لا العمل به ولا استحبابه، وذكر كيف فهم النووي منها جواز العمل بالضعيف بل استحبابه.
وخَلَص منه إلى فصلين في ردّ ذلك الفهم الذي أوقع النوويّ وغيره في ذلك القول، وما المراد بتساهل الأئمة في الرواية، وما هو الضعيف الذي تساهلوا فيه. وعقد مناظرة بين مَن يرى أن المباح يجوز أن يُعمل على زَعْم أنه عبادة
…
ثم عَقَد فصلًا في زيادة إيضاح هذا المعنى الذي تقرر في الفصول السابقة، وجعله على شكل مناظرة أيضًا.
ثم ذكر ما وقع في "مستدرك الحاكم" في عبارة ابن مهدي السابقة من زيادة لفظ "المباحات والدعوات" بما يخالف المصادر الأخرى الخالية من هذه الزيادة، فشكَّك في صحة هذه الزيادة، وأنها ربما تكون إقحامًا من الناسخ، وذَكَر مستند هذا الاحتمال. ثم تكلم عليها على اعتبار ثبوتها، فخرَّجها بتخريج يدل على عبقرية المؤلف وتمكُّنه رحمه الله، ولا أظن أحدًا سبقه إليه ولا حام طائره عليه.
ثم عَقَد فصلًا في بيان أن هذا التساهل المرويّ عن بعض السلف لم يكن إجماعًا، بل وُجد من يتشدّد مطلقًا فلا يروي إلا عن ثقة.
وعقد فصلًا بعده ذكر فيه فرضيَّة ثبوت ذلك الإجماع المحكيّ في التساهل، وأنه إن ثبت فهو إجماع سكوتيّ ضعيف.
ثم توّج هذه الفصول بفصلٍ ذكر فيه أمورًا أخرى استدلَّ بها المجوِّزون على جواز العمل بالحديث الضعيف؛ فذكر خمسة أدلة، وأجاب عنها جميعًا.
وبهذا الفصل تنتهي هذه القطعة من الرسالة، ولا أدري أهي آخر ما كتب الشيخ من هذه النسخة المبيَّضة، أم كتب شيئًا مكمّلًا لها؟
ولتمام الفائدة فقد أتْبَعنا هذه القطعة المبيَّضة من الرسالة فصلين من النسخة المسوَّدة، الأول: فصل ذَكَر فيه المؤلف نصوص الإمام الشافعي في هذا البحث، مع تخريج نصوصه الموهمة للعمل بأحاديث وُصِفت بالضعف. وتأتي أهمية ذِكْر نصوص الشافعي هنا وتخريجها: أن المصنف استظهر أن كلام الشافعي من ضمن الحجج التي استند إليها النواوي في حكايته الاتفاق على جواز بل استحباب العمل بالحديث الضعيف.
أما الفصل الثاني الذي ألحقناه فهو يتعلّق ببعض الأفعال التي استحسن بعضُ الأكابر العملَ بها وظهر أن مستندهم حديث ضعيف.
ثم تطرّق إلى موضوع البدعة وأدلة ذمّها بإطلاق، وأنه إذا ثبت ذلك فإن البدعة من الكبائر، ولا يخرج العمل المُحْدَث عن كونه بدعة إلا بحجّة يحصل بها اليقين، والضعيفُ بعيد عن ذلك.
ثم نقل نقلًا طويلًا من "إعلام الموقعين" لابن القيم في مسألة "هل لترك النبي صلى الله عليه وسلم دلالة" مع التعليق عليه وتأييده.
ثم ذكر بعض حجج القائلين بالعمل بالحديث الضعيف، فذكر حجتين، الأولى: الإجماع على أن المباح يصير قُرْبة بالنية. والثانية: أنه يُعمل بالضعيف احتياطًا. وأجاب عنهما، وقد تقدمت هاتان الحُجّتان في القطعة الأولى مع ثلاثٍ أُخريات، لكنه هنا تبسّط وأطال في الجواب عنهما.
وصف النسخ الخطية:
وصلنا من هذه الرسالة أربع قطع كلها محفوظة في مكتبة الحرم المكي الشريف، وهذا وصفها:
القطعة الأولى: وهي برقم [4658/ 10] وتقع في 40 صفحة في دفتر من القطع العادي غير مرقمة الصفحات، ويبدو أنها آخر ما حرّره المؤلف في هذه الرسالة، لاكتمال مادتها مقارنة ببقية القطع، وتحرير مباحثها، وقلة الضرب والتغيير فيها، وتسلسل موضوعاتها.
القطعة الثانية: وهي برقم [4658/ 10] أيضًا وتقع في الدفتر السالف نفسه لكن من طرفه الآخر، وتقع في 26 صفحة، وتبدأ بقوله: "وكثيرًا ما يحتجون بالحديث مع اعترافهم
…
" وأكثر مباحث هذه القطعة موجودة في القطعة السالفة أو في القطع الأخرى التي سيأتي وصفها، مع اختلاف في بعض العبارات أو الإضافات القليلة.
القطعة الثالثة: وهي برقم [4658/ 8] وتقع في 35 صفحة في دفتر من القطع العادي مرقَّمة ترقيمًا حديثًا، ويبدو أنها الإخراج الأول للكتاب؛ فقد