الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسه، فينبغي أن يكون علاجه بشيء من الصبر وطول النفس، وشرح الإسلام للناس شرحاً صحيحاً على ضوء إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
ولمزيد من البيان نورد أقوال أهل العلم في هذا الباب ولكن قبل حكاية خلاف العلماء نذكر مالا ينبغي أن يُختلف فيه وهو أن الأولياء إذا أرادوا فسخ النكاح درءاً للمشاكل فلا بأس ، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (لاضرر ولاضرار)؛ لكن هل يجب فسخه؟ هنا الخلاف وخاصة إذا أراد الزوجان التمسك ببعض ورضي كل واحد منهما بالآخر.
وإليك
مذاهب وأقوال العلماء في اعتبار الكفاءة في النسب:
القول الأول: أنه لا اعتبار بالنسب، وهو قول الإمام مالك رحمه الله ومن وافقه وهو أن المعتبر في الكفاءة الدين، وأنه لا يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب حديث. وجعلوا المسلمين متكافئين لا فرق بين عربيهم وعجميهم لقوله تعالى:(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)[الحجرات:13]، ولقوله تعالى:(إنما المؤمنون إخوة)[الحجرات:10] ولقوله صلى الله عليه وسلم " لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدم من تراب" رواه أحمد، وروى الإمام أحمد وأبو داود رحمهما الله. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن" وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية من زيد بن حارثة مولاه، وزوج فاطمة بنت قيس القرشية من أسامة وهو وأبوه عتيقان، وقال الإمام الصنعاني في سبل السلام: قد صح أن بلالاً نكح هالة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، فالمعتبر هو الدين. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي وهو حسن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع، لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه.
القول الثاني: أن الكفاءة في النسب شرط لصحة النكاح، وهي إحدى الروايتين عن أحمد، وهذا القول من مفردات مذهب الحنابلة. فمنهم من جعل الأعجمي (غير العربي) ليس كفؤاً للعربية، لأن العرب يعتدون بالكفاءة في النسب، ويأنفون من
نكاح الموالي ويرون ذلك نقصاً وعاراً، ويؤيده الحديث في صحيح مسلم:"إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم "، ولأن العرب فّضلوا على الأمم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
القول الثالث: - وهو قول وسط بين القولين السابقين وهو الأقرب للصواب - أن الكفاءة حق للزوجة والأولياء، فإذا أسقطوه فلهم ذلك والنكاح صحيح، وهذا مذهب جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية والشافعية وهو المعتمد عند الحنابلة.
ومع ترجيحي لقول الجمهور فإني لا أسفه الآراء الأخرى؛ بل أحترم قولهم، وأرى أن لها وجهاً قوياً من النظر.
ثم إنه ينبغي التنبيه إلى أن الكفاءة في النسب حق للمرأة وللولي الأقرب دون الأبعد، فلو زوجها الولي الأقرب بغير كفء وبرضاها، لم يكن للولي الأبعد الاعتراض على هذا الزواج وليس من حقه المطالبة بفسخ عقد النكاح، وإذا تساوى الأولياء في درجة القرابة، فزوجها أحدهم دون رضا الباقين لم يلزم النكاح، وكان لهم حق الاعتراض والفسخ وقد قيل حق الأولياء في الاعتراض والفسخ مقيد بعدم دخول الزوج بزوجته، أو بعدم ولادتها بولد منه على أقصى حد، وقد اختاره بعض العلماء أما لو غر الزوج أولياء المرأة بأن كذب عليهم بقصد أو بدون قصد وقت إنشاء العقد فإن الحكم في هذه الحالة أن يُنظر في الأمر فإذا كان نسبه الحقيقي مثل ما ادعاه لنفسه أو أعلى منه، فعقد النكاح لازم ولا خيار للمرأة ولا أوليائها في فسخ العقد، أما إذا كان نسبه الحقيقي دون ما ادعاه لنفسه فعقد النكاح غير لازم وخيار الفسخ ثابت للمرأة وأوليائها متى علموا بذلك، أما إذا كانت المرأة هي التي غرت الزوج وانتسبت إلى غير نسبها، فإنه لا خيار للزوج في فسخ النكاح، لأن الكفاءة في جانب النساء غير معتبرة. .
من أسباب ترجيحي للقول الثالث وهو قول الجمهور:
أن التكافؤ بشكل عام من العوامل الأساسية لإنجاح الحياة الزوجية بعد توفيق الله، وكل ما كان التقارب في المستوى الديني والمادي والاجتماعي والفكري والثقافي والعلمي والعمري وفي العادات والتقاليد، كان ذلك أدعى لنجاح العلاقة بين الزوجين ، وهذا في الأعم الأغلب ، وكما لا يخفى على القارىء الكريم أن الزواج ليس هو علاقة بين فردين: الزوج والزوجة، بل هو علاقة بين أسرتين، بل ربما أكبر من ذلك، والنظر لمستقبل الأيام وما قد يُحدثه هذا الزواج من مشكلات لاحقة بين ذلك الخاطب ووالدته، أو أسرته من مشكلات المسلم في غنى عنها.
وكذلك بالتكافؤ يكون الحصول على ثمرة الزواج المتمثلة بالسكن الوارد في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً
وَرَحْمَةً} [الروم:21].
ولتحقيق شروط السكن والمودة والرحمة داخل بيت الزوجية، لابد من اعتبار بعض العوامل الأخرى غير الدين فالبيوت المسلمة السعيدة تقوم على أمور أخرى لتدعم التدين فيما يخص شئون الحياة، وإن كان شرطها الأول والأهم هو الدين وهو الإطار الذي يحكمها، ولكن لابد من عدم الغفلة عن الشروط الأخرى، وهذا مذهب الجمهور الذي يقول:(أنه يراعى في زواج المسلمة أربعة أشياء الدين والحرية والنسب والصنعة ، فلا تزوج المسلمة من كافر ، ولا الصالحة من فاسق وقيل هذا على سبيل الكراهة لا التحريم وخاصة مع عدم وجود البديل الصالح ، ولا الحرة من عبد ، ولا المشهورة النسب من الخامل ، ولا بنت تاجر أو من له حرفة طيبة ممن له حرفة خبيثة أو مكروهة ، فإن رضيت المرأة أو وليها بغير كفء صح النكاح) انتهى.
وإلغاء مثل هذا الشرط أو التغافل عنه يوقع في الغالب في مشاكل خطيرة قد تصل إلى حد الطلاق، فبالتكافؤ تقوي رابطة العلاقة بين الزوجين، وبالتوافق في الثقافة والتقاليد والعادات .. يشيع جو جميل من الانسجام والتفاهم بين الزوجين، وهذا هو معنى السكن الحقيقي الذي ذكره القرآن ونوَه به.
مسألة: ما هو وقت اعتبار الكفاءة؟ أي بمعنى آخر هل يشترط الفقهاء الكفاءة في الزوج في وقت إنشاء العقد، أو لابد من استمرارها طوال فترة الحياة الزوجية وإلا فهو مهدد دوماً بفسخ نكاحه؟
إن الذين اعتبروا الكفاءة شرطاً في النكاح يجعلون العبرة بحال الزوج في وقت إنشاء العقد؛ وعلى ذلك إذا تخلف وصف من أوصاف الكفاءة - القابلة للتخلف- كالمال: بأن كان قادراً على الإنفاق، ثم صار غير قادر عليه بعد الزواج، أو الدين بأن كان متديناً ثم شذ ففسق، أو الحرفة: بأن كان يحترف مهنة شريفة كالتجارة فأفلس فاحترف مهنة حقيرة؛ ففي هذه الأحوال لا يفسخ النكاح لتخلف الكفاءة بل يبقى؛ لأن النكاح قد تقرر، فلا يُفسخ بهذه الأمور العارضة.
فالكفاءة إذاً عند من اعتبرها شرطٌ لابتداء النكاح لا في بقائه.
وهنا مسألة مهمة: ماذا لو عقد مسلم على مسلمة عقد النكاح الصحيح المحتوي على إيجاب الولي وقبول الزوجة وحضور الشهود، وليس بينهم تكافؤ في النسب وكنت ممن يرى عدم اعتبار الكفاءة في النسب ففي هذه الحال لا يجوز لك إجبارهم على الطلاق بحجة عدم تكافؤ النسب على ما تدين الله به، إلا أن يكون هناك سبب آخر موجب للطلاق.