المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المحور الثالث: علاقة الإنسان بمجتمعه - القرآن الكريم منهج متكامل

[محمود بن يوسف فجال]

الفصل: ‌المحور الثالث: علاقة الإنسان بمجتمعه

(3)

الاستعانة على التحصن في العزبة. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مَنِ استطاعَ منكم الباءَةَ فليتزوجْ، فإنه أَغَضُّ للبصر، وأَحْصَنُ للفَرْجِ، ومَنْ لم يستطعْ فعليه بالصوم فإنه له وِجَاءٌ)(1) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (الصيام جُنَّةٌٌ..)(2) .

وفي الصوم تربيةٌ نفسية وروحية وخُلُقِيَّةٌ وصحيه، كما أنه تربية اجتماعة. وهو سِرٌّ بين الإنسان ورَبِّه، لا يكون فيه الرياء ولا الخداع. فيه تصفو النفوس، وتضعف نوازع الشرّ، وتقوى بواعث الخير. يشعر فيه الإنسان بألم الجائعين، فيتألم لألمهم، ويجود فيغدق عليهم بالخير.

الركن الخامس: حج البيت

الحجُّ عبادة موسمية من مواسم الخير يكون في شهر ذي الحجة. وفي أداء هذه الفريضة وَصْلُ حاضِرِ الأمة بماضيها، وربطُ المسلمين بتاريخ هذا البيت العتيق، فكل موقف من مواقف الحج مرتبط بِحَدَثٍ يُثير في نفوس الحجاج الذكريات.

وفي أدائه تحقيقُ المساواة بين الناس على الرغم من اختلاف أجناسهم وألوانهم، وتباين ألسنتهم، وتباعد بلادهم، فالجميع ربُّهم وخالقُهم واحدٌ، كلُّهم من آدمَ، وآدمُ من ترابٍ، يذكرون الله تعالى ويلبونه، ويتذللون له في كل موقف، وكل مكان، وفيه تقوية أواصر الأخوة والمحبة التي تربط المسلم بخالقه. وهو فرض في العمر مرةً واحدةً.

قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 96 - 97) . وقال سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (البقرة: 197) .

وعن «أبي هريرة» قال: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيُّ العمل أفضلُ؟

قال: (إيمانٌ بالله ورسولِهِ) .

قيل: ثم ماذا؟ قال: (جهادٌ في سبيل الله) .

قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور)(3) .

والحج المبرور، أي: المقبول، وهو الذي لا تقع فيه معصية ولا يخالطه إثم، ويزداد بعده في فعل الخير، ولا يعاوِد المعاصيَ بعد رجوعه. وفي عرفات أعلنَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته التاريخية في حجة الوداع المساواةَ بين الناس. فقال:(إن دماءَكم وأموالَكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) .

وقال: (فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتُموهن بأمانِ الله، واسْتَحَْلَلْتُم فروجَهُنَّ بكلمةِ الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أحداً تكرهونَه، فإنْ فَعَلْنَ ذلك فاضربوهُنَّ ضَرْباً غير مُبَرِّحٍ، ولهن عليكم رزقُهُنَّ وكِسْوَتُهُنَّ بالمعروف، وقد تركتُ فيكم ما لن تَضِلُّوا بعده إن اعْتَصَمْتُم به: كتابُ الله....) .

‌المحور الثالث: علاقة الإنسان بمجتمعه

وفيه الأساسيات الآتية:

الأساس الأول: الدعوة إلى الله.

الأساس الثاني: الأمر بالمعروف، والنهيُ عن المنكر.

الأساس الثالث: طاعة وليّ الأمر.

الأساس الرابع: الجماعةُ رحمةٌ، والفُرْقَةُ عذابٌ.

(1) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الصوم - باب الصوم لمن خاف على نفسه العُزْبة)(1905) ، و (كتاب النكاح)(5065) ، مسلم» في «صحيحه» في (كتاب النكاح)(1400) عن «ابن مسعود» رضي الله عنه.

(2)

أخرجه «البخاري» في «الصحيح» في (كتاب الصوم - باب فضل الصَّوْم)(1894) ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الصيام - باب فضل الصيام)(1151) .

(3)

أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الحج - باب فضل الحج المبرور)(1519) .

ص: 8

الأساس الخامس: لا إكراه في الدين.

الأساس السادس: تحريم الاعتداء على المسلمين وغير المسلمين.

الأساس السابع: التعاون على البِرِّ والتقوى.

الأساس الثامن: الشورى.

الأساس التاسع: تحقيقُ العدل، ودفعُ الظلم.

الأساس العاشر: الإصلاح بين الناس.

الأساس الأول: الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

يأمر القرآنُ الكريمُ بالدعوة إلى سبحانه وتعالى بعد العلم بما يدعو إليه. (والعالم يبثُّ العلم يكون له أجرُ كُلِّ من انتفع به)(1) . والدعوة إلى الله - تعالى - صفةُ الأنبياء، وصفةُ أتباعهم. قال الله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 108) .

قال «ابن كثير» (2) : «يقول الله - تعالى - لعبده ورسوله إلى الثقلين: الإنس والجن، آمراً له أن يخبر الناس أن هذه سبيلُه، أي: طريقه ومسلكه وسنته، وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكلّ من اتبعه، يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بصيرة ويقين وبرهان شرعي وعقلي» .

وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125) . وقال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104) .

قال «ابن كثير» (3) : «المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصديةً لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجباً على كل فردٍ من الأمة بحسبة» . قال «ابن كثير» (4) : «يقول - تعالى - مخاطبًا عبدَه ورسولَه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم باسم الرسالة، وآمراً له بالإبلاغ بجميع ما أرسله الله به.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة: 67) . وقد امتثل صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، وقام به أتم القيام» ..

الأساس الثاني: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر

حازت الأمةُ المحمديةُ الشرفَ العظيمَ، والخيريَّة على الأمم السابقين بهذه المنقبة قال الله تعالى:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: 110) .

قال «ابن كثير» (5) : «قال البخاريُّ (6) عن أبي هريرة: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: خيرَ الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم، حتى يدخلوا في الإسلام» . وقد لَعَنَ الرسلُ - عليهم الصلاة والسلام - مَنْ كفَرَ من بني إسرائيل، لأنهم تركوا إنكار المنكر.

(1)«الموافقات» (1: 337) .

(2)

في «تفسيره» (4: 422) .

(3)

في «تفسيره» (2: 91) .

(4)

في «تفسيره» (3: 150) .

(5)

في «تفسيره» (2: 93) .

(6)

في «صحيحه» في (كتاب التفسير - باب كنتم خير أمة أخرجت للناس)(4557) .

ص: 9

قال الله سبحانه: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ. َانُواْ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (المائدة: 78 - 79) . قوله: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} أي: أن لعنهم كان بسبب عصيانهم واعتدائهم، ثم فسَّر الاعتداء بقوله:{كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} .

الأساس الثالث: طاعة ولي الأمر

دعا القرآن الكريم إلى طاعة أولي الأمر (1) . قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 59) .

قال «ابن القيم» (2) : فقرن بين طاعة الله والرسول وطاعة أولي الأمر، وسلَّط عليهم عاملاً واحداً.

أما أولو الأمر فلا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول، كما صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(على المرء السمعُ والطاعةُ فيما أحبَّ وكَرِه ما لم يُؤْمَرْ بمعصية الله تعالى، فإذا أُمِرَ بمعصيةِ الله تعالى فلا سمعَ ولا طاعةَ)(3) . وللإمام أحمد - رحمه الله تعالى - في أولي الأمر روايتان:

إحداهما: أنهم العلماء. والثانية: أنهم الأمراء. والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية، والصحيح أنهما متناولة للصنفين جميعًا.

فإن العلماءَ والأمراءَ هم ولاةُ الأمر الذي بَعَثَ الله به رسولَه. فالعلماءُ ولاتُه حفظاً وبياناً، وذبّاً عنه وردًّا على من ألحد فيه وزاغ عنه. والأمراءُ ولاتُه قيامًا وعنايةً وجهادًا وإلزامًا للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه.

وهذان الصنفان هما الناس، وسائر النوع الإنساني تبع لهما ورعية

وقال «ابن تيمية» (4) : «أولو الأمر صنفان: العلماء والأمراء، فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس» . وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عَصَى الأمير فقد

عصاني) (5) وفي منارعة الأمرِ أهلَه، وشقِّ عصا الطاعة أضرارٌ جسيمة، منها:

(1)

مخالفة الله ورسوله وهدي السلف.

(2)

تعطيل المصالح العامة.

(3)

اختلال الأمن.

(4)

شيوع الخوف.

(5)

تجرؤ أهل الأهواء والباطل.

(6)

تجرؤ السراق وقطاع الطرق.

(7)

إشاعة الإتلاف والقتل.

(8)

فتح الباب لأهل الأغراض الشهوانية.

ولا تكون الأمةُ قويةً مهابة الجانب إلا بالسير وراء وُلاتها، وبذلك يهابُها عدوُّها من خارجها، والمغرضون من داخلها.

الأساس الرابع: الجماعة رحمة والفُرقة عذاب

دعا القرآن الكريم إلى الاجتماع ونبذ الافتراق، فاجتماع الناس على دين واحد هو هدفٌ من أهداف القرآن، وقد أجمعت الرسلُ عليه.

(1) انظر «مجموع الفتاوى» (35: 5 - 16» ، و «أضواء البيان» (ا: 129 - 131) .

(2)

في «الصواعق المرسلة» (3: 828» عن «بدائع التفسير» (2: 28 - 30) بتصرف يسير.

(3)

أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الجهاد - باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية)(2955) ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتابالإمارة - باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية)(1839) عن «ابن عمر» رضي الله عنهما.

(4)

في «مجموع الفتاوى» (28: 170) .

(5)

أخرجه «البخاري» في صحيحه» في (كتاب الجهاد - بابٌ يُقَاتَلُ وراءَ الإمام ويُتَّقَى به)(2957)، وفي كتاب الأحكام - باب قول الله تعالى:{أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (7137) ، و «مسلم في «صحيحه» في (كتاب الإمارة - باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية..)(1835) .

ص: 10

قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (الشورى: 13) .

قال «ابن القيم» (1) : «ومدارُ السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله، والاعتصام بحبله. ولا نجاةَ إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين» . قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: 103) .

ثم قال: «فأما الاعتصام بحبله فإنه يعصم من الضلالة. والاعتصامُ به يعصم من الهلكة.. فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل. والاعتصام بالله يوجبُ له القوةَ والعدةَ والسلاحَ.

وأشار ابن مسعودإلى معنى الاعتصام بحبل الله بأنه الجماعة. وقال: عليكم بالجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وإنَّ ما تكرهون في الجماعة والطاعة خيرٌ مما تحبون في الفُرْقَة» .. وقال - سبحانه -:{وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46) .

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الجماعةُ رحمة، والفُرْقَةُ عذابٌ)(2) . وقد بَيَّنَ «الشاطبيُّ» أن الحق واحد لا اختلاف فيه فقال (3) : قال الله - سبحانه -: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} الآية (النساء: 59) .

هذه الآية صريحة في رفع التنازع والاختلاف، فإنه رَدَّ المتنازعين إلى الشريعة، وليس ذلك إلا ليرتفع الخلافُ، ولا يرتفعُ الاختلافُ إلا بالرجوع إلى شيء واحد، إذ لو كان فيه ما يقتضي الاختلافَ لم يكن في الرجوع إليه رفْعُ تنازع.

وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الآيةَ (آل عمران: 105) . والبينات هي الشريعة، والشريعة لا اختلاف فيها.

وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام: 153) ، فبيّن أن طريق الحق واحد، وذلك عام في جملة الشريعة وتفاصيلها.

قال «المُزَني» - صاحب الشافعي -: «ذمَّ الله الاختلاف وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة» (4) فلو كان الاختلاف من دينه ما ذمَّه، ولو كان المتنازع من حكمه ما أمرهم بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة..

ثمار الاجتماع:

التعاونُ، والتناصرُ. وإظهارُ أُبَّهَةِ الإسلام وشعائِره، وإخمادُ كلمة الكفر. وإصلاحُ ذات البين. ولذلك شُرِعَتِ الجماعات والجُمُعاتُ، والأعيادُ. وشُرِعَتِ المواصلات بين ذوي الأرحام خصوصاً، وبين سائر أهل الإسلام عمومًا (5) .

الأساس الخامس: لا إكراه في الدين

(1) في «مدراج السالكين» (2: 50 - 51) .

(2)

أخرجه «أحمد» في «مسنده» (30: 390) .

(3)

«الموافقات» (5: 60 - 61) بتصريف يسير.

(4)

بحثنا هذا مقصور على الاختلاف المذكور في القرآن الكريم الذي يراد به التضاد والتعارض، والاختلافُ المبنيُّ على الأهواء. أما اختلاف الأئمة المجتهدين من أهل السنة والجماعة الذين هدفُهم فيه الوصول إلى فهم الكتاب والسنة فهذا لا شيءَ فيه، وليس كلامُنا فيه. انظر «مجموع الفتاوى» (13: 19) .

(5)

انظر «الموافقات» (3: 473) .

ص: 11

القرآن الكريم أقرَّ حرية الاعتقاد للناس، فلا يكرههم على اعتناق الإسلام، وإن كان يدعوهم إليه، والدعوة إلى الإسلام شيء والإكراه عليه شيء آخر، فالأول مشروع، والثاني ممنوع. قال الله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 256) .

قال «ابن كثير» (1) : «أي لا تُكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام، فإنه بَيِّنٌ واضحٌ جليٌّ دلائله وبراهينُه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل مَنْ هدَاهُ الله للإسلام، وشرحَ صدره، ونوَّر بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى اللهُ قلبه، وختمَ على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورًا» .

قال «ابن عاشور» (2) : «ونفي الإكراه خبر في معنى النهي. والمراد نفيُ أسبابِ الإكراه في حُكم الإسلام، أي: لا تُكرهوا أحدًا على اتباع الإسلام قسراً، وجيء بنفي الجنس لقصد العموم نصّاً. وهي دليل واضح على إبطال الإكراه على الدين بسائر أنواعه، لأن أمر الإيمان يجري على الاستدلال، والتمكين من النظر، وبالاختيار» .

وهذان من كمال الدين، واتضاح آياته. فالدولة الإسلامية لا تُكره الذميَّ، وهو من رعاياها على تغيير عقيدته، فمن باب أولى لا تُكره المستأمن، وهو أجنبي على تغيير عقيدته.

فإذا طلب الحربي أماناً ليدخل دار الإسلام ليسمع كلام الله، ويعرف شرائع الإسلام، ففي هذه الحالة تجب إجابته، ثم يردّ إلى مأمنه، لقوله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَعْلَمُونَ} (التوبة: 6) .

قال «ابن كثير» (3) : «يقول الله تعالى لنبيه - صلوات الله وسلامه عليه -: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} الذين أمرتك بقتالهم، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم {اسْتَجَارَكَ} أي: استأمنك، فأجبه إلى طلبته {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} أي: القرآن تقرؤه عليه، وتذكر له شيئاً من أمر الدين، تقيم عليه به حجة الله {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} أي: وهو آمن مستمر الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه» .

وإعطاء الأمان لمن يطلبه إذا لم يكن في إعطائه مفسدةٌ وفقًا لتقدير الإمام، لأن دخول الأجنبيّ دارَ الإسلام يؤدي إلى اطلاعه على محاسن الإسلام وشرائعه وأحكامه، فيكون دخولُه متضمنًا في جميع الأحوال معنى قوله تعالى:{حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللهِ} . ولا ينبغي رفضَ طلب الأمان إلا لمسوغ شرعيّ (4) .

الأساس السادس: تحريم الاعتداء على المسلمين وغير المسلمين

القرآن الكريم حرَّم الاعتداء على غير المسلمين المستأمنين، كما حرمه على المسلمين. قال الله تعالى:{قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190) .

(1) في «تفسيره» (1: 682) .

(2)

في «التنوير والتحرير من التفسير» (3: 26) .

(3)

في «تفسيره» (4: 113) .

(4)

انظر «أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام» (96) .

ص: 12

قال «ابن كثير» (1) : «أي: قاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا في ذلك. ويدخل في ذلك ارتكابُ المناهي من المَثُلة، والغُلُول، وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، والرهبان، وأصحاب الصوامع، وتحريق الأشجار، وقتل الحيوان لغير مصلحة

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا مَنْ كَفَرَ بالله، اغزوا ولا تَغُلُّوا، ولا تغْدِروا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تقتلوا وَليدًا)(2) .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وُجِدَت امرأةٌ مقتولةٌ في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عن قتلِ النساء والصبيان (3) » . وقال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلَا عُدْوَانَ إِلَاّ عَلَى الظَّالِمِينَ} (البقرة: 193) .

قال «ابن القيم» (4) : «مدّ الله تعالى قتالهم إلى أن ينتهوا عن أسباب الفتنة، وهي الشرك. وأخبر أنه لا عدوان إلا على الظالمين، والمجاهر بالسب والعدوان على الإسلام غير مُنْتَهٍ، فقتالُه واجبٌ إذا كان غير مقدور عليه، وقتله مع القدرة حتم، وهو ظالم فعليه العدوان الذي نفاه عمن انتهى، وهو القتل والقتال» .

والنصوص العامة تحرِّم العدوان على الآخرين. قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} كما تمنع العدوان على الآمنين المسالمين. قال الله تعالى: {فلا عدوان إلا على الظالمين} والظلمُ محرم في كل شريعةٍ، والله تعالى لا يرضى بظلم غير المسلم، كما لا يرضى بظلم المسلم. وقد أخبر تعالى أنه لا يظلم الناس شيئاً، فدخل في عموم هذا اللفظ جميعُ الناس من مسلمٍ وغير مسلمٍ (5) . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(مَنْ قَتَلَ معاهِدًا في غير كُنْهِهِ حَرَّم اللهُ عليه الجنة)(6) .

الأساس السابع: التعاون على البِرِّ والتقوى

القرآن الكريم أوجد مجتمعًا متعاونًا بجميع أصناف التعاون على ما ينفع الأمة قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة: 2) .

قد اشتملت هذه الآيةُ على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، فيما بينهم وبين الله، وفيما بينهم وبين الله، وفيما بينهم وبين الخلق.

قال «ابن كثير» (7) : «يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل، والتعاون على المآثم والمحارم» .

(1) في «تفسيره» (1: 524) .

(2)

أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الجهاد والسير - باب تأمير الإمام والأمراء على البعوث، ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها)(1731) .

(3)

أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الجهاد - باب قتلِ النساء في الحرب)(3015) ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الجهاد والسير - باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب)(1744) .

(4)

في «أحكام أهل الذمة» (2: 829)، عن «بدائع التفسير» (1: 388) .

(5)

انظر «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (9: 94) .

(6)

أخرجه «أبو داود» في «سننه» في «كتاب الجهاد - باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته» (2760) من حديث «أبي بكرة» رضي الله عنه. قوله «في غير كنهه» أي مَنْ قتله في غير وقته، أو غاية أمره الذي يجوز فيه قتله. «اللسان» (كنه 13: 537) .

(7)

في «تفسيره» (3: 12 - 13) .

ص: 13

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من دَعَا إلى هُدًى كان له من الأجر مثلُ أجورِ من تَبِعهُ، لا يَنْقُصُ ذلك من آثامِهِم شيئًا. ومَنْ دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثمِ مثلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلك من آثامِهِم شيئًا)(1) . فالمجتمع الإسلامي مجتمعٌ تعاونيٌّ قام على أساسِ التعاون والتناصُرِ والتكافل فيما بين أفراده.

ومن مظاهر التعاون الزكاة وغير الزكاة. قال الله تعالى: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (البقرة: 177) .

قال «ابن كثير» (2) : «قوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أي: أخرجه وهو محبٌّ له، راغبٌ فيه.. كما ثَبَتَ في الصحيحين (3) من حديث أبي هريرة مرفوعاً:(أفضل الصدقة أن تَصَّدَّقَ وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تَخْشَى الفقر، وتأمُلُ الغِنَى) .

وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا} (الإنسان: 8، 9) . وقال تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ} (آل عمران: 92) .

وقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر: 9) نَمَطٌ آخرُ أُرفع من هذا ومن هذا، وهو أنهم آثروا بما هم مضطرون إليه، وهؤلاء أَعْطَوْا وأطْعَمُوا ما هم مُحِبُّونَ له» ..

قال «القرطبي» (4) : «اتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها. قال مالك رحمه الله: يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم. وهذا إجماع» .

وقال «الشاطبي» (5) : «إذا خلا بيت المال وارتفعت حاجات الجُنْد وليس فيه ما يكفيهم، فللإمام إذا كان عدلاً أن يوظِّف على الأغنياء ما يراه كافياً لهم في الحال، إلى أن يظهر مالٌ في بيت المال.. ووجه المصلحة في هذا أن الإمام العدل لو لم يفعل ذلك لبطلتْ شوكتُه، وصارتِ الديار عرضةً لاستيلاء الكفار» .

الأساس الثامن: الشورى

القرآن الكريم أرسى مبدأ الشورى في آيتين كريمتين. الأولى: في حق وليِّ الأمر بالمشورة. قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159) . قال «ابن كثير» (6) : «ولذلك كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يشاورُ أصحابه في الأمر إذا حَدَثَ، تطييبًا لقلوبهم، ليكونوا فيما يفعلونه أنشطَ لهم.

(1) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في آخر (كتاب العلم)(2674) من حديث «أبي هريرة» .

(2)

في «تفسيره» (1: 486) .

(3)

أخرجه «البخاري» في «صحيحة» في (كتاب الزكاة - باب فضلِ صدقةِ الشحيح الصحيح)(1419) ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الزكاة - باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح)(1032) .

(4)

في «الجامع لأحكام القرآن» (2: 241، 242) .

(5)

في «الاعتصام» في «باب في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان» (403) بتصريف يسير.

(6)

في «تفسيره» (2: 149) .

ص: 14

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر وعمر: (ولو اجتمعتُما في مشورة ما خالفتكما) » (1) . والثانية: في وصف عامة أحوال المسلمين بالشورى قال تعالى:

{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (الشورى: 38) .

قال «ابن كثير» (2) : «أي: لا يُبرمون أمرًا حتى يتشاوروا فيه، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب، وما جرى مجراها. ولما حضرتْ عمرَ بنَ الخطابِالوفاةُ حين طُعِنَ جعل الأمر بعده

شورى في ستة نَفَرٍ، وهم عثمانُ، وعليٌّ، وطلحةُ، والزبيرُ، وسعدٌ، وعبدُ الرحمن بنُ عوفٍ رضي الله عنهم أجمعين - فاجتمع رأي الصحابة كلِّهم على تقديم عثمانَ عليهم، رضي الله عنهم» .

والمستشارُ محاسبٌ أمامَ اللهِ تعالى والناسِ في مشورته، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

(المستشار مؤتمن)(3) .

لذا قال «البخاريُّ» في «صحيحه» في (كتاب الاعتصام - باب 28) : «كانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستشيرون الأُمَنَاءَ من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسْهلها، فإذا وَضَحَ الكتابُ أو السنةُ لم يتعدَّوْه إلى غيره اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.. وكان القُرَّاءُ أصحابَ مشورةِ عمرَ كهولاً كانوا أو شُبَّانًا. وكان وقَّافًا عند كتاب الله سبحانه وتعالى» .

الأساس التاسع: تحقيقُ العدل، ودفعُ الظلم

القرآن الكريم أَمَرَ بتحقيق العدلِ بين الناس، ودفع الظلم. قال تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء: 58) .

أَمَرَ الله تعالى الأمراءَ والحكامَ بالعدل بين الناس. قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنَّ أحبَّ الناس إلى الله يوم القيامة، وأدناهم منه مجلسًا إمامٌ عادلٌ، وأبغضَ الناس إلى الله، وأبعدَهم منه مجلساً إمام جائر)(4) . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة: 8) .

قال «ابن كثير» (5) : « {شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} ، أي: بالعدل لا بالجور.. وقوله: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُواْ} أي: لا يحملنكم بُغْضُ قوم على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدلَ في كل أحد، صديقًا كان أو عدوًّا، ولهذا قال: {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أي: عدلُكُم أقربُ إلى التقوى من تركه. ودل الفعل على المصدرِ الذي عاد الضمير عليه» .

الأساس العاشر: الإصلاح بين الناس

قال سبحانه وتعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (النساء: 114) .

قال «ابن كثير» (6) : «يقول تعالى: {لَاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ} يعني كلام الناس {إِلَاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} أي: إلا نجوى مَنْ قال غير ذلك» .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أُخبركم بأفضلَ من درجةِ الصلاةِ والصيام

(1) أخرجه «أحمد» في «مسنده» «17994: 29» من حديث «عبد الرحمن بن غنم الأشعري» .

(2)

في «تفسيره» (7: 211) .

(3)

أخرجه «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الأدب - باب في المشورة)(5128) من حديث «أبي هريرة» .

(4)

أخرجه «الترمذي» في «جامعه» في (أبواب الأحكام - باب ما جاء في الإمام العادل)(1329) من حديث «أبي سعيد الخدري» .

(5)

في «تفسيره» «3: 62) .

(6)

في «تفسيره» (411: 2) .

ص: 15