المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة - القول المفيد على كتاب التوحيد - جـ ٢

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌باب: ما جاء في الاستسقاء بالأنواء

- ‌باب قول الله تعالى: {ومن الناس من يتحذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}

- ‌باب قول الله تعالى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [

- ‌باب قول الله تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

- ‌باب قول الله تعالي:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}

- ‌باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله:

- ‌باب ما جاء في الرياء:

- ‌باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا:

- ‌باب قول الله تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}

- ‌باب: من جحد شيئا من الأسماء والصفات:

- ‌باب: قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا}

- ‌باب: قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

- ‌باب: ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

- ‌باب: قول ما شاء الله وشئت

- ‌باب: من سب الدهر فقد آذى الله

- ‌باب: التسمي بقاضي القضاة ونحوه

- ‌باب: احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك

- ‌باب: من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول

- ‌باب: قول الله تعالي: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} [

- ‌باب: قول الله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} [

- ‌باب: قول الله تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}

- ‌باب: قول: اللهم اغفر لي إن شئت

- ‌باب: لا يقول: عبدي وأمتي

- ‌باب: لا يرد من سأل بالله

- ‌باب: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

- ‌باب ما جاء في "لو

- ‌باب: النهي عن سب الريح

- ‌باب: قول الله تعالى:{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ}

- ‌باب: ما جاء في منكري القدر

- ‌باب: ما جاء في المصورين

- ‌باب: ما جاء في كثرة الحلف

- ‌باب: ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم

- ‌باب: ما جاء في الإقسام على الله

- ‌باب: لا يستشفع بالله على خلقه

- ‌باب: ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد

- ‌باب: ما جاء في قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

الفصل: ‌باب: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

‌باب: لا يسأل بوجه الله إلا الجنة

عن جابر; قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة " رواه أبو داود 1.

مناسبة هذا الباب للتوحيد

أن فيه تعظيم وجه الله عز وجل بحيث لا يسأل به إلا الجنة.

قوله: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة"2 اختلف في المراد بذلك على قولين:

القول الأول: أن المراد: لا تسألوا أحدا من المخلوقين بوجه الله، فإذا أردت أن تسأل أحدا من المخلوقين; فلا تسأله بوجه الله; لأنه لا

_________

1 أخرجه: أبو داود في (الزكاة، باب كراهية المسألة بوجه الله، 2/309) ، وابن منده في "الرد على الجهمية"(ص 98) ، والبيهقي في " سننه "(4/199) وفي " الأسماء والصفات "(ص 306) ، والخطيب في "الموضح"(1/352، 353) ! عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وقال المنذري في "مختصر السنن"(2/253) : "وسليمان بن قرم تكلم فيه غير واحد". والحديث ضعفه عبد الحق وابن القطان ; كما في "الفيض"(6/451) ، والمناوي في "التيسير"(2/505) . لكن يشهد لعموم النهي حديث أبي موسى رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا. أخرجه: الطبراني; كما في "المجمع"(3/103) ، وحسنه العراقي; كما في "الفيض"(6/4) ، و "التيسير"(2/478) للمناوي.

2 أبو داود: الزكاة (1671) .

ص: 356

......................................................................

يسأل بوجه الله إلا الجنة، والخلق لا يقدرون على إعطاء الجنة، فإذا لا يسألون بوجه الله مطلقا، ويظهر أن المؤلف يرى هذا الرأي في شرح الحديث، ولذلك ذكره بعد:"باب لا يرد من سأل بالله".

القول الثاني: أنك إذا سألت الله، فإن سألت الجنة وما يستلزم دخولها; فلا حرج أن تسأل بوجه الله، وإن سألت شيئا من أمور الدنيا; فلا تسأله بوجه الله; لأن وجه الله أعظم من أن يسأل به لشيء من أمور الدنيا. فأمور الآخرة تسأل بوجه الله; كقولك مثلا: أسألك بوجهك أن تنجيني من النار، والنبي صلى الله عليه وسلم استعاذ بوجه الله لما نزل قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ} 1 قال: أعوذ بوجهك، {مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} 2 قال: أعوذ بوجهك، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} 3 قال:"هذه أهون أو أيسر"45.

ولو قيل: إنه يشمل المعنيين جميعا، لكان له وجه.

وقوله: "بوجه الله": فيه إثبات الوجه لله عز وجل وهو ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف، فالقرآن في قوله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} 6 وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} 7 والآيات كثيرة. والسنة كما في الحديث السابق: "أعوذ بوجهك".8

واختلف في هذا الوجه الذي أضافه الله إلى نفسه: هل هو وجه حقيقي، أو أنه وجه يعبر به عن الذات، وليس لله وجه بل له ذات، أو أنه يعبر به عن الشيء الذي يراد به وجهه، وليس هو الوجه الحقيقي، أو أنه يعبر به عن الجهة، أو أنه يعبر به عن الثواب؟

_________

1 سورة الأنعام آية: 65.

2 سورة الأنعام آية: 65.

3 سورة الأنعام آية: 65.

4 البخاري: تفسير القرآن (4628) والاعتصام بالكتاب والسنة (7313) والتوحيد (7406)، والترمذي: تفسير القرآن (3065) ، وأحمد (3/309) .

5 أخرجه: البخاري في (التوحيد، باب قول الله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه ، 4/385) ; عن جابر رضي الله عنه.

6 سورة القصص آية: 88.

7 سورة الرعد آية: 22.

8 سبق (ص 145) .

ص: 357

......................................................................

فيه خلاف، لكن هدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فقالوا: إنه وجه حقيقي; لأن الله تعالى قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} 1 ولما أراد غير ذاته; قال: " {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالأِكْرَامِ} 2 ف (ذي) صفة لرب وليست صفة لاسم، و (ذو) صفة لوجه وليست صفة لرب، فإذا كان الوجه موصوفا بالجلال والإكرام; فلا يمكن أن يراد به الثواب أو الجهة أو الذات وحدها; لأن الوجه غير الذات..

وقال أهل التعطيل: إن الوجه عبارة عن الذات أو الجهة أو الثواب، قالوا: ولو أثبتنا لله وجها حقيقيا للزم أن يكون جسما، والأجسام متماثلة، ويلزم من ذلك إثبات المثل لله عز وجل، والله تعالى يقول:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 3 وإثبات المثل تكذيب للقرآن، وأنتم يا أهل السنة تقولون: إن من اعتقد أن لله مثيلا فيما يختص به فهو كافر; فنقول لهم:

أولا: ما تعنون بالجسم الذي فررتم منه; أتعنون به المركب من عظام وأعصاب ولحم ودم بحيث يفتقر كل جزء منه إلى الآخر؟ إن أردتم ذلك; فنحن نوافقكم أن الله ليس على هذا الوجه، ولا يمكن أن يكون كذلك، وإن أردتم بالجسم الذات الحقيقية المتصفة بصفات الكمال; فلا محذور في ذلك، والله تعالى وصف نفسه بأنه أحد صمد، قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} 4 قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الصمد: الذي لا جوف له"5.

ثانيا: قولكم: إن الأجسام متماثلة، قضية من أكذب القضايا; فهل

_________

1 سورة الرحمن آية: 27.

2 سورة الرحمن آية: 78.

3 سورة الشورى آية: 11.

4 سورة آية: 1-2.

5 أخرجه: ابن جرير (30/ 742) .

ص: 358

......................................................................

جسم الدب مثل جسم النملة؟ فبينهما تباين عظيم في الحجم والرقة واللين وغير ذلك. فإذا بطلت هذه الحجة بطلت النتيجة، وهي استلزام مماثلة الله لخلقه. ونحن نشاهد البشر لا يتفقون في الوجوه; فلا تجد اثنين متماثلين من كل وجه ولو كانا توأمين، بل قالوا: إن عروق الرجل واليد غير متماثلة من شخص إلى آخر.

ويلاحظ أن التعبير بنفي المماثلة أولى من التعبير بنفي المشابهة; لأنه اللفظ الذي جاء به القرآن، ولأنه ما من شيئين موجودين إلا ويشتبهان من وجه ويفترقان من وجه آخر; فنفي مطلق المشابهة لا يصح، وقد تقدم.

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله خلق آدم على صورته "1 ووجه الله لا يماثل أوجه المخلوقين، فيجاب عنه: بأنه لا يراد به صورة تماثل صورة الرب عز وجل بإجماع المسلمين والعقلاء، لأن الله عز وجل وسع كرسيه السماوات والأرض، والسماوات والأرضون كلها بالنسبة للكرسي -موضع القدمين- كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة; فما ظنك برب العالمين؟ فلا أحد يحيط به وصفا ولا تخييلا، ومن هذا وصفه لا يمكن أن يكون على صورة آدم ستون ذراعا، وإنما يراد به أحد معنيين:

الأول: أن الله خلق آدم على صورة، اختارها وجعلها أحسن صورة في الوجه، وعلى هذا; فلا ينبغي أن يقبح أو يضرب لأنه لما أضافه إلى نفسه اقتضى من الإكرام ما لا ينبغي معه أن يقبح أو أن يضرب.

الثاني: أن الله خلق آدم على صورة الله عز وجل، ولا يلزم من

_________

1 أخرجه: البخاري في (الاستئذان، باب بدء السلام، 4/135) ، ومسلم في (البر، باب النهي عن ضرب الوجه، 4/2017) .

ص: 359

فيه مسائل:

الأولى: النهي عن أن يسأل بوجه الله إلا غاية المطالب.

الثانية: إثبات صفة الوجه.

ذلك المماثلة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: " إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أضوإ كوكب في السماء "1 ولا يلزم أن يكون على صورة نفس القمر; لأن القمر أكبر من أهل الجنة، وأهل الجنة يدخلونها طول أحدهم ستون ذراعا، وعرضه سبعة أذرع كما في بعض الأحاديث. وقال بعض أهل العلم: على صورته; أي: صورة آدم; أي: أن الله خلق آدم أول أمره على هذه الصورة، وليس كبنيه يتدرج في الإنشاء نطفة ثم علقة ثم مضغة. لكن الإمام أحمد رحمه الله أنكر هذا التأويل، وقال: هذا تأويل الجهمية، ولأنه يفقد الحديث معناه، وأيضا يعارضه اللفظ الآخر المفسر للضمير وهو بلفظ:"على صورة الرحمن".

فيه مسائل:

الأولى: النهي عن أن يسأل بوجه الله إلا غاية المطالب: تؤخذ من حديث الباب، وهذا الحديث ضعَّفه بعض أهل العلم، لكن على تقدير صحته؛ فإنه من الأدب أن لا تسأل بوجه الله إلا ما كان من أمر الآخرة: الفوز بالجنة، أو النجاة من النار.

الثانية: إثبات صفة الوجه: وقد سبق الكلام عليه

_________

1 أخرجه: البخاري في (بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، 2/ 432) ، ومسلم في (الجنة ونعيمها، باب أول زمرة تدخل الجنة، 4/ 2179) ; عن أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 360