الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله رب العالمين، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
لا يزال الناسُ يذكرون، ولا تزال ألسنتهم تُرَدِّدُ، الأثر السَّيء لاقتراح صاحب المعالي عبد العزيز فهمي باشا كتابةَ العربية بما يسميه "الحروف اللاتينية"، ولا يزال ينكرون عليه اقتراحه، إلَّا مَن شذَّ عن خطأ أو عن عمدً، وهم قليل نادر.
ولم يكتفِ صاحب الاقتراح بما اقترح؛ بل راح يردُّ على معارضيه في كتاب خرج في بعض مسائله إلى الإزدراء بالتشريع الإسلامي والسخرية منه، وممن يدعو إلى العمل به في هذه العصور في بلاد الإسلام.
وقد وَجَدَتِ الأُمم العربية في هذه السنين العِجَاف، سني الحرب العالمية التي بدأت في سنة 1939م ولمَّا تَضع أوزارَها، أَنها لا ينجيها عن عواقبها، ولا يحفظ عليها وجودَها، إلَّا أن تجمعها جامعة قوية تثْبُت على الدهر، هي "جامعة الأمم العربية" وقد وضع أَساسُها وثُبِّتَتْ
قواعدُها في هذا العام، وسيقوم بنيانها وتعلو أركانها فيما تَستقبل من الأيام، إن شاءَ الله.
والتاريخ،. منذ اكثرَ من أَلف وثلاثمائة سنة، منذ أَن أشمرق نورُ الإسلام، يربط الإِسلام بلغة العرب أَوثق رباطٍ. فلا يستطيعُ أَحدٌ أن يتخيلَ أمة مسلمة غير عربية، ولا أن يتخيلَ لغةَ العرب منفصلة عن الإِسلام وكان ذلك من صُنع الله بالقرآن، فهو أَوثق سبب يصِل الإِسلامُ بالعروبة، لا تنفصم عُراهُ. فلا تكون أمةٌ عربيةٌ ولا أمة مسلمة إلا بهذا القرآن. والمُثُلُ متوافرةٌ فيمن مضَى وفيمن بقي.
وسيكون من أثَر اتحاد الأمم العربية اتحادُ الأمم الإسلامية، حتماً مقضياً. وإن أَبَى من أبَى، وإن كره مَن كره.، فذلك الذى تقتضيه قطرة الدين، وفطرة اللغة، ووحدةُ الروح ووحدة التفكير. {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}
وهذه أمم العربية تسعى أَن توحدَ طوقَ ثقافتها ومناهجَ تعليمها، حتى لا تكون بينها فوارق إلا في الجزئيات التى تقتضيها طبيعة الفرق بين إقليم وإقليم، وجوّ وجوّ، واستعدادٍ واستعدادٍ. حتى يأتي الجيل القادمُ نَسَقاً واحداً، وأمة واحدةً.
وهذه الأمم نفسها تفكر أو تسعى في وحدة التشريع أَيضاً، على
هذا النهج، ولكنها تخطئ الطريق، تريد أن تبني على ما اقتبسنا من تشريع الإفرنج، رقد نُهينا عنه. وعندنا تشريع كامل، أمرنا أن نتبعه، وأن نرضى به وحده، مؤمنين مخلصين. وهو تشريع دقيق، صالح في كل زمان وكل مكان. فلئن كان هذا، ولن يكون، فَقَدَتْ هذه الأممُ أَقوى مقوماتها، وهو روح التشريع الواحد المخالط للقلوب، وهو هَديُ القرآن.
وطالما دعونا للهدَي غيرَ وَانِينَ ولا غافلين، وكنتُ أَحدَ الداعين، على ما وسع جُهدي. فلما أَنْ ثار عبد العزيز باشا فهمى باللغة وبالتشريع يزجرههما زجراً عنيفاً، غير عالم أنهما لن يَزُلَا حتى تزولَ الجبال: وجدتُ الفرصة سانحةً لأَن أستأنف دعوتي، فأرُدَّ عملَ معالي الباشا إلى مصادره وبواعثه، أو إلى نتائجه وعواقبه، وأعيدَ نشر محاضرةٍ كنتُ قد أعددتها منذ بضع سنين، في أَنَّ "الكتاب والسنة يجب أَن يكونا مصدرَ القوانين في مصر". لأبثَّ دعوتي، في سبيل الله، وفي سبيل الخير لأمتى.
فهذا هو الكتاب.
وكنت قد وضعتُ في المحاضرة خطة عملية لاقتباس القوانين من الشريعة، أَجملتها أجمالا، رجاء أن تُفَصَّل عند وضعها موضعَ التنفيذ. فرأيت أن أُفصلها بعضَ التفصيل، في آخر الكتاب، حتى لا يكونَ لمعتذر عذر، بعدَ أن وَضَحتِ الطريقُ واستنارتِ السبلُ.
فلعل اللهَ أن يوفق بعضَ قادة الفكر إلى الجدّ فى هذه السبيل، ودرسِ هذه الخطة، وتنقيحها بما يستبينُ من البحث وتبادل الآراء، ثم وضعِها موضعَ التنفيذ، فالفرصةُ مواتية، والتواني مضيعة. ورسولُ الله يقولُ ما أَمره الله أن يقولَ:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} وقد بَلَّغكم وأَنذركم.
هدانا الله بهدايته.
أحمد محمد شاكر
الأحد 25 ذي الحجة سنة 1363
12 نوفمبر سنة 1944