الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجزء الثاني
⦗ص: 67⦘
153 -
ثنا موسى بن أيوب النصيبي ثنا اليمان بن عدي الحصري الحمصي عن زرعة بن الوضاح عن محمد بن زياد عن أبي عنبة الخولاني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحب الله تعالى عبداً ابتلاه، وإذا أحبه الحب البالغ اقتناه. قالوا: وما اقتناه؟ قال: لا يترك له مالاً ولا ولداً)).
154 -
ثنا محمد بن سابق ثنا زائدة بن قدامة ثنا منصور عن شقيق عن كردوس بن هانئ قال: كنت أجد في الإنجيل إذ كنت أقرؤه: إن الله تعالى ليصيب العبد بالأمر، وإنه ليحبه، لينظر كيف تضرعه إليه.
155 -
حدثني أبو مسلمة إسحاق بن سعيد الدمشقي ثنا خليد بن دعلج عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحسن عبدٌ فألزق الله تعالى به البلاء فإن الله تعالى يريد أن يصافيه)).
156 -
حدثني هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((إن الله عز وجل يقول: ابن آدم اركع لي أربع ركعات أول النهار أكفك آخره. وإن الله تعالى يقول: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالعداوة. يا ابن آدم لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضت عليك. ولا يزال عبدي يتحبب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون قلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به، وبصره الذي يبصر به، وإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإذا استنصرني نصرته، وأحب عبادة عبدي إلي النصيحة)).
157 -
حدثني صالح بن عمران بن صالح حدثني أحمد بن غسان البصري العابد قال: قرأت في التوراة التي لم تبدل: الصديقون لهم منابر من نور وإلى وجه الرحمن تعالى ينظرون. وقرأت في زبور داود: أحبوا الله يا صديقيه، أفرحوا أيها الصديقون بالله وتنعموا بذكره.
158 -
قال إبراهيم: يقال إن هذا الرضا ينال بالتفويض، والتفويض ينال بالمحبة، والمحبة تنال باشتغال القلب بالذكر في نعم الله عز وجل.
159 -
حدثني أحمد بن خالد بن مهران ثنا محمد بن مخلد عن سهل بن الخراساني أو غيره قال: دخلنا على عابد بالبصرة وهو يجود بنفسه، وهو يقول: أنا عطشان إني لم أرو من حب ربي، وجائع لم أشبع من حب ربي.
160 -
وقال بعضهم:
علامة صدق المستخصين بالحب
…
بلوغهم المجهود في طاعة الرب
وتحصيل طيب القوت من مجتناه
…
وإن كان ذاك القوت من مرتقى صعب
وإمساك سوء اللفظ عن ولد جنسهم
…
وإن ظلموا فالعفو من ذلك الخطب
أولئك بالرحمن قرت عيونهم
…
وحلوا من الإخلاص بالمنزل القرب
161 -
حدثني يحيى بن معين ثنا نوح بن يزيد أننا إبراهيم بن سعد حدثني محمد بن إسحاق حدثني محمد بن جعفر قال: سمعت رجلاً من بني عذرة يحدث عروة بن الزبير، فقال: يا هذا بحق أنكم أرق الناس قلوباً؟ قال: نعم، والله لقد تركت في الحي ثلاثين شاباً قد خامرهم السل ليس لهم داء إلا الحب.
162 -
قال إبراهيم: يقال: علامة المحب على صدق الحب ست خصال:
(1)
إحداها دوام الذكر بقلبه بالسرور بمولاه.
(2)
والثانية إيثاره محبة سيده على محبة نفسه ومحبة الخلائق، يبدأ بمحبة مولاه قبل محبة نفسه ومحبة الخلائق.
(3)
والثالثة الأنس به والاستثقال لكل قاطع يقطع عنه أو شاغل يشغل عنه.
(4)
والرابعة الشوق إلى لقائه والنظر إلى وجهه.
(5)
والخامسة الرضا عنه في كل شديدة وضر ينزل به.
(6)
والسادسة اتباع رسوله.
163 -
ثنا علي بن عبد الله بن جعفر ثنا إبراهيم بن خالد الصنعاني أخبرني عمر بن عبد الرحمن قال: سمعت وهب بن منبه يقول: القدوس: الطاهر.
164 -
قال إبراهيم: قال غير وهب بن منبه: القدوس: المبارك، والمهيمن: الشاهد.
165 -
حدثني محمد بن يعقوب قال: قال أبو عبد الله النباجي: إذا سألت فسل الله تعالى، إما أن يعطيك فيهنئك أو يمنعك فيرضيك، إنك إن أحببت الله أحببت كل ما يرد عليك من الله. ومثل ذلك مثل الرجل يحب الرجل، فإذا رأى ولد حبيبه وصديقه لم يتمالك أن يضمه إليه حباً لصديقه. كذلك من أحب الله عز وجل لم يرد عليه شيءٌ من الله إلا ضمه إليه من شدة حبه لله عز وجل. وتعالى الله علواً كبيراً.
166 -
حدثني عبد الرحيم بن يحيى الأموي حدثني عثمان بن عمارة قال: كان عتبة الغلام يقول: من سكن حب الله قلبه لم يجد حراً ولا برداً.
167 -
قال لي عبد الرحيم بن يحيى: يعني من سكن حب الله قلبه شغله حتى لا يعرف الحر من البرد ولا الحلو من الحامض ولا الحار من البارد.
168 -
حدثني محمد بن الحسين حدثني حكيم بن جعفر قال: قال ضيغم لكلاب: إن حبه شغل قلوب مريديه عن التلذذ بمحبة غيره، فليس لهم في الدنيا مع حبه لذة تداني محبته، ولا يأملون في الآخرة من كرامة الثواب أكثر عندهم من النظر إلى وجهه. قال: فسقط كلابٌ عند ذلك مغشياً عليه.
169 -
قال: وحدثني محمد بن الحسين قال: سمعت عبد الله بن الفرج العابد قال: بلغنا أن رجلاً من العباد كان يقول: ألذ حالت العباد عبادةٌ تهيجها المحبة، وإن الشوق والمخافة يستخرجان من الأبدان خفي التعب والنصب.
قال: وكان يقول: لهج المحبون للرحمن بطاعته التماس القربة إليه وابتغاء رضوانه، فنصبهم بالطاعة موصول بالكلال أبداً أو ينالوا من ذلك ما لهجوا به.
170 -
وحدثني محمد بن الحسين ثنا الصلت بن حكيم قال: سمعت أبا جعفر المحولي يقول: ولي الله المحب لله لا يخلو قلبه من ذكر ربه ولا يسأم من خدمته. فإذا أعرض أعرض عنه، وإذا أقبل على الله أقبل عليه برأفته ورحمته.
171 -
ثنا أبو صالح عبد الحميد بن صالح البرجمي ثنا أبو شهاب عن ليث عن محمد بن واسع قال: إذا أقبل العبد إلى الله تعالى أقبل الله تعالى إليه بقلوب المؤمنين.
172 -
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن الصباح قال: بلغني عن صالح الناجي أنه كان يقول: الطاعة إمرة والمطيع لله أمير مؤمر على الأمراء، ألا ترى هيبته في قلوبهم، إن قال قبلوا وإن أمر أطاعوا. يحق لمن أحسن خدمتك ومن مننت عليه بمحبتك أن تذل له الجبابرة حتى يهابوه، فهيبته في صدورهم من هيبتك في قلبه، فكل الخير من عندك لأوليائك.
173 -
حدثني عبد الله بن عبيد الكوفي عن محمد بن الحسين ثنا حكيم بن جعفر ثنا عبد الله بن أبي نوح قال: سمعت رجلاً من
⦗ص: 74⦘
العباد ذات ليلة يبكي ويعدد على نفسه. ثم ذكر السيد تعالى فجعل يقول في بكائه:
وحسبك من حب الإله فضيلة
…
يحبك حباً لا يخيب له حب
قال: فما كنت تستمع إلا البكاء والضجيج
174 -
قال محمد بن الحسين: وحدثني أحمد بن سهل الأردني قال: سمعت شيخاً من العباد في بيت المقدس بين المغرب والعشاء يبكي ويقول في دعائه: إليك لجأ المحبون لك في وسائلهم إليك اتكالاً على كرمك في قبولها. قال: ثم خفت فخفي علي ما كان بعد ذلك.
175 -
حدثني علي بن مسلم بن سعيد الطوسي ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا الربيع بن برة. قال: سمعت الحسن تلا: {يا أيها النفس المطمئنة. ارجعي إلى ربك راضيةً مرضيةً. فادخلي في عبادي. وادخلي جنتي} ، قال الحسن: النفس المطمئنة اطمأنت إلى الله عز وجل واطمأن إليها وأدخلها الجنة وجعلها من عباده الصالحين.
176 -
ثنا عبد الله بن أحمد الخزاعي ثنا أبو وهب محمد بن مزاحم أننا عبد الله بن المبارك قال: قال الحسن: إنما عاتب الله أولي الألباب لأنه يحبهم.
177 -
قال إبراهيم: يقال: إن أولياء الله تعالى وأهل محبته الذين استقرت محبة الله ومعرفته في قلوبهم، منهم المرسلون والنبيون والصديقون والشهداء، فاقوا أهل السماء وأهل الأرض بشدة حبهم لله ومعرفتهم به. سقاهم كأس محبته ولذذهم بنعيمها وأذاقهم حلاوتها. فحجبتهم معرفة ربهم ومحبته عن محبة غيره. واشتغلوا بتلذذ ذكر ربهم، وودوا أنهم أكلوا أكلة تكون آخر زادهم من الدنيا اكتفاء بما قل من الدنيا. فلما أعطوا الله تعالى ذلك من قلوبهم ضيق أمعاءهم وخفف عليهم شهواتهم، فاكتفوا باليسير من المطعم وقصرت شهواتهم عما كانت. فخفت مؤونة الدنيا عليهم، فلا ينافسون فيها أحداً ولا يتنافسون للذة التي قد اكتفوا بها من حب ربهم واستغنوا بها عن كل لذة وكل شهوة مع الشوق إليه. فإذا دخلت في حال الرضا وأهل المحبة ذهبت بصفوة الدنيا والآخرة. فمن عمل في هذا بعزم وإرادة كان ذلك أفضل من كل بر يتقرب به، لأن محبة الله تستغرق أعمال العاملين. فلما اشتغلوا بحب الله أخرجهم حب الله عز وجل إلى الفكرة والعبرة. فهم يتنافسون في حب الله عز وجل كما يتنافس أهل
⦗ص: 76⦘
الدنيا في الأموال والنساء والأولاد، وصغر عندهم كل شيء من الأعمال والثواب مع الحب وثواب الحب. فأهل محبة الله في الشرف الأعلى والمنزل من الدرجات العلى.
178 -
حدثني عون عن إبراهيم بن الصلت حدثني أحمد بن أبي الحواري ثنا عبد العزيز بن عمير قال: قال حيان بن الأسود: الموت! الموت جسر يصل به -إلى الحبيب- المحبون.
179 -
حدثني محمد بن الحسين حدثني عمار بن عثمان الحلبي حدثني زريق القشيري قال: سمعت ضيغماً يقول، وذكر المتقين فقال: إنما قاموا لأوليائه بحسن الخدمة مع قديم تفضله عليهم.
180 -
حدثني محمد بن الحسين حدثني حكيم بن جعفر حدثني مسمع بن عاصم قال: سمعت عابداً من أهل البحرين يكنى أبا سليمان يقول في جوف الليل، ونحن على بعض السواحل: قرة عيني وسرور قلبي، ما الذي أسقطني [من عينك] يا مانح العصم؟ ثم صرخ وبكى ثم نادى: طوبى لقلوب ملأتها خشيتك واستولت عليها، محبتك مانعةٌ لها من كل لذة غير مناجاتك والاجتهاد في خدمتك، وخشيتك قاطعةٌ لها عن سبيل كل معصية خوفاً لحلول
⦗ص: 77⦘
سخطك. قال: ثم بكى ثم قال: يا إخوتاه ابكوا على خوف فوت خير الآخرة حيث لا رجعة ولا حيلة.
181 -
وحدثني محمد بن الحسين ثنا يوسف بن الحكم ثنا فياض بن محمد بن سنان القرشي قال: قال رجل من العابدين: قليل المحبة تبين على صاحبها كثرة النحول، والشوق خطرات، والخوف مبادرة. ومن طلب خاف أن يدركه الطالب فلم يبق من نفسه باقياً. والمطيع لله من الله على خلال أربع:
(1)
إما أن يتقبل طاعته فيفوز لديه بثوابها.
(2)
وإما أن تشغله في الدنيا عن الآثام بها فتقل خطاياه.
(3)
وإما أن يتداركه منه بنظرة فيلحقه بدار المطيعين تفضلاً منه وإن لم يستحق ذلك.
(4)
وإن فاتته هذه الأخلاق. لم يفته ثواب النصب إن شاء الله. قال: وكان يقول: قليل القربة عند الكريم يفك الرقاب من النار.
182 -
قال إبراهيم: كتب رجل من أهل العلم إلى أخ له: بسم الله الرحمن الرحيم. أسعدنا الله وإياك بطاعته، ومن علينا
⦗ص: 78⦘
وعليك بمعرفته، وخصنا وإياك بخدمته، وجعلنا وإياك من أهل محبته، وتفضل علينا وعليك بتصفية معاملته.
183 -
حدثني أحمد بن همام حدثني محمد بن الحسين حدثني القاسم بن محمد بن سلمة الصوفي قال: قال لي راهب في بيعة في الشام: همة المحبين الوصول بإرادتهم، وهمة الخائفين الوصول من الخوف إلى مأمنهم، وكلٌّ على خير، وأولئك أنصب أبداناً وأعلى في الخير منصباً.
184 -
حدثني أبو يعقوب الصريفي إسحاق بن إبراهيم قال: قال فرقد السبخي: قرأت في بعض الكتب: الرحمة قسمها الله للمؤمنين لأنفسهم المؤثرين محبة الله على أهوائهم.
185 -
حدثني محمد بن صالح بن يحيى العدوي قال: قال لي رجل من العباد: هو يحبهم لا يحب أن يشرك [به] شيء، وليس يحب إلا من يحب ما يحب، والعابدون مستريحون والمحبون في شغل وفي هذا القرآن. فإذا مروا به وقفوا عليه.
186 -
حدثني محرز بن عون ثنا الفضيل بن عياض قال: كان عامر بن عبد قيس يقول: يحبون الدنيا، والله لا أحب ما لا يحب الله.
187 -
حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ثنا عبد الله بن لهيعة عن عطاء بن دينار الهذلي عن سعيد بن جيبر في قوله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً} ، قال: حباً.
188 -
حدثني أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه ثنا عفان بن مسلم ثنا جعفر بن سليمان عن عمر بن نبهان ثنا قتادة قال: سمعت خليد العصري، وهو في المسجد الجامع، قال: يا إخوتاه، هل منكم أحد إلا يحب أن يلقى حبيبه؟ ألا فأحبوا ربكم وسيروا إليه سيراً جميلاً.
189 -
حدثني محمد بن الحسين حدثني يحيى بن بسطام الأصغر قال: دخلت مع نفر من أصحابنا على غفيرة العبادة، وكانت قد بكت حتى عميت. فقال بعض أصحابنا لرجل إلى جنبه: ما أشد
⦗ص: 80⦘
العمى على من كان بصيراً. فسمعت غفيرة قوله، فقالت: يا عبد الله! عمى القلب والله عن الله تعالى أشد من عمى العين عن الدنيا، وبالله لوددت أن الله تعالى وهب لي كنه محبته وأن لم يبق مني جارحة إلا أخذها.
190 -
ثنا سلمة بن شبيب ثنا سهل بن عاصم عن سجف بن منظور العنبري قال: كانت رابعة تقول إذا جنها الليل بصوت لها حزين: جاء الليل واختلط الظلام، وخلا كل محب بحبيبه، وخلوت بك يا محبوب.
191 -
حدثني محمد بن الحسين حدثني صدقة بن سليمان أبو محمد قال: قالت امرأة من العوابد لأولادها: [تعودوا] حب الله وطاعة الله. فإن المتقين ألفوا الطاعة واستوحشت جوارهم من غيرها، فإن عرض لهم الملعون بمعصية مرت المعصية بهم مختشمة، فهم لها منكرون. وكانت تقول لهم: من أحب شيئاً أوفده على مثله.
192 -
قال إبراهيم بن الجنيد: وقد أوجب الله تعالى لأهل محبته الصنع والتوفيق في جميع أحوالهم، فأورثهم الغنى وسد عنهم طلب الحاجات إلى الخلق، تأتيهم ألطافٌ من الله من حيث لا يحتسبون، وقام لهم بما يكتفون، ونزه أنفسهم عما سوى ذلك، إكراماً لهم عن فضول الدنيا، وطهارة لقلوبهم من كل دنس، وأمشاهم في طرقات الدنيا طيبين، قد رفع أبصار قلوبهم إليه، فهم ينظرون إليه بتلك القلوب غير محجوبة عنه.
193 -
حدثني صالح بن عبد الله الترمذي قال: قال سفيان بن عامر رجل من العرب عن عمرو عن الحسن أنه كان يقول: إن المؤمن حبيب ربه، أحب ربه فأحبه ربه، وغضب لربه فغضب له ربه. فإياكم وأذى المؤمن، فإن الله تعالى مؤذ من آذاه. وتلا هذه الآية:{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً} .
194 -
قال إبراهيم: وفي مثله يقول الشاعر:
وفتى عرف من يعبده
…
فسما القلب إليه وعلم
إن حب الله أعلى منزلا
…
فأدام الفكر فيه وفهم
إن للحب سبيلاً واضحاً
…
ومراداً دونه قطع الهمم
من مراد الناس أو مدحهم
…
أو مراد العز فيهم والكرم
⦗ص: 82⦘
ومنال القدر منهم ذلة
…
ليس غير البعد عنهم والعدم
قد براه الحب والشوق معاً
…
وأذاب الجسم منه فانهدم
ذاهب الذهن كئيب موجع
…
لو تراه خلت بالعبد صمم
195 -
حدثني محمد بن يحيى الأزدي حدثني إبراهيم بن عبد الوهاب بن إبراهيم عن أبي عثمان الدمشقي قال: قرب رجل قرباناً في بني إسرائيل فلم يتقلب منه. قال: فشكا ذلك إلى أمه، فقالت: يا بني، لعلك رفعت طرفك إلى السماء ثم رددته ولم تعتبر، قال: نعم. فأستغفر الله.
196 -
قال: وقال رجل: إلهي أعطيتني ما لم أسألك، فأنا أسألك بجلالك أن تسكن قلبي تعظيم شأنك، وأن تسقيني شربة من حبك.
197 -
وحدثني محمد بن يحيى ثنا جعفر بن النعمان الرازي ثنا أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت محمد بن حفص يذكر عن عروة الرقي قال: حب الله تعالى حب القرآن، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم العمل بسنته.
198 -
حدثني إسحاق بن موسى الحمصي ثنا سفيان بن عيينة قال: قال عبد الله بن مسعود: من أحب القرآن فهو يحب الله تعالى.
199 -
حدثني محمد بن سابق ثنا زائدة بن قدامة عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: من أحب القرآن فليبشر.
200 -
حدثني محمد بن يحيى حدثني جعفر بن النعمان ثنا أحمد بن أبي الحواري عن أبي جعفر الرقي قال: ما فرح أحد بغير الله إلا بالغفلة عن الله.
قال: وبلغنا عن بعض العلماء أنه قال: واعلم أن تجدد ذكر الله تعالى يحرق من القلب ما سواه ويحيي القلوب الميتة.
201 -
حدثني ابن الحسين بن عبيد ثنا إسماعيل بن زياد قال: قدم علينا عبد العزيز بن سليمان عبادان في بعض قدماته، فأتيناه نسلم عليه، فقال لنا: صفوا للمنعم قلوبكم يكفكم المؤن عند هممكم. ثم قال: أرأيت لو خدمت مخلوقاً فأطلت خدمته ألم يكن يرعى
⦗ص: 84⦘
لخدمتك؟ فكيف من ينعم عليك وأنت تسيء إلى نفسك، تتقلب في نعمه وتتعرض لغضبه؟ هيهات، همتك همة البطالين، ليس لهذا خلقتم ولا بهذا أمرتكم، الكيس الكيس رحمكم الله. وكان يفطر على ماء البحر.
202 -
قال إبراهيم: قال بعض الحكماء: أشكر لمن أنعم عليك، وأحسن لمن سترك، فإنه لا زوال للنعمة إذا شكرت ولا قوام لها إذا كفرت، والشكر زيادة في النعم وأمان من الغير.
203 -
قال إبراهيم: بلغني أيضاً أن حكيماً من الحكماء قال لابنه: يا بني، إياك والغرة لتواتر النعم عليك، وعليك فيما فرطت بكفره الندم. يا بني، لا تجعل لنفسك هماً سوى الله تعالى، فإنك إن تفعل يجعل الله تعالى لك من أمرك مخرجاً ويرزقك من حيث لا تحتسب.
204 -
ثنا عثمان بن زفر التيمي ثنا الربيع بن المنذر الثوري عن أبيه عن الربيع بن خثيم في قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً} قال: من كل أمر ضاق على الناس.
205 -
قال إبراهيم: قال حكيم من الحكماء، لو لم يعذب الله عز وجل على معصيته لكان ينبغي أن لا يعصى لشكر نعمته.
206 -
ثنا أحمد بن همام حدثني محمد بن الحسين حدثني القاسم بن محمد بن سلمة العابد الصوفي. حدثني أبو صفوان العابد الشامي الذي كان يكون بمكة، قال: مروا براهب قد حدب من الاجتهاد، فنادوه، فأشرف عليهم كأنه قد نزع منه الروح. فقالوا له: علام تعمل وتنصب نفسك؟ قال: على الطمع والرجاء. قالوا: فهل تعتريك فترة؟ قال: إن ذلك [قد كان] قالوا فمم ذلك؟ قال: عند الإياس والقنوط والمخافة، قال: يعني عن العمل. قالوا: فأدوم ما يكون العبد على العبادة وأنشط إذا كان ماذا؟ قال: إذا استولت المحبة على القلب لم يكن له راحة ولا لذة إلا الاتصال بها.
207 -
حدثني محمد بن بحير الثمار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا عبيد الله بن شميط عن أبيه قال: لقي رجلٌ المسيح عليه السلام فقال: يا معلم الخير علمني كلمات إذا قلتهن كنت تقياً كما ينبغي. قال: أفعل إن قبلتهن في مؤونة يسيرة: تحب الله بقلبك كله. وتجهد هواك له ونفسك، وترحم على ولد جنسك. قال: يا نبي الله من ولد جنسي؟
⦗ص: 86⦘
قال: ولد آدم. وإذا عملت خيراً فاله عنه، فقد حفظه لك من لا ينساه، ولتكن ذنوبك نصب عينيك.
208 -
حدثني محمد بن الحسين ثنا عبيد الله بن محمد التيمي ثنا سهم بن عبد الحميد قال: سمعت الفضل بن عيسى الرقاشي يقول في كلامه: إن دون بلوغ الأماني مفاوز تذوب أنفس العابدين وتنصب لله أبدانهم.
209 -
قال: وسمعته يقول يوماً: والله لو جمع للعابدين لذاذات الدنيا بحذافيرها لكان امتهانهم أنفسهم لله بطاعته ألذ وأحلى عندهم من ذلك كله.
210 -
حدثني محمد بن الحسين ثنا معاذ أبو عون حدثني أبو عمران التمار عن الحسن بن أبي جعفر قال: سمعت عتبة الغلام يقول: من عرف الله تعالى أحبه، ومن أحب الله أطاعه، ومن أطاع الله أكرمه، ومن أكرمه الله أسكنه في جواره. ومن أسكنه في جواره فواطوباه واطوباه واطوباه واطوباه. قال: فلم يزل يقول واطوبه واطوباه حتى خر ساقطاً مغشياً عليه.
211 -
حدثني محمد بن الحسين حدثني سجف بن منظور حدثني سليم النحيف قال: رقبت عتبة ذات ليلة بساحل البحر. فما زاد ليلته تلك حتى أصبح على هذه الكلمات: إن تعذبني فإني لك محب وإن ترحمني فإني لك محب: قال: فلم يزل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر.
212 -
حدثني عبد الله بن عون الأصم ثنا أبو حفص البصري قال: كان خليلٌ لي جاراً لعتبة الغلام. قال: فسمع عتبة ذات ليلة وهو يقول: سبحان جبار السماوات والأرض، إن المحب لفي عناء. فقال:[يا] عتبة! صدقت والله. قال: فغشي عليه.
213 -
حدثني محمد بن الحسين ثنا عصمة بن سليمان ثنا مسلم بن عرفجة العنبري قال: سمعت عنبسة الخواص يقول: كان عتبة يزروني فربما بات عندي، قال: فبات عندي ليلة فبكى من السحر بكاء شديداً. فلما أصبح قلت له: لقد فزعت قلبي الليلة ببكائك، فمم ذلك يا أخي؟ قال: يا عنبسة، إني والله ذكرت يوم العرض على
⦗ص: 88⦘
الله عز وجل. ثم مال ليسقط فاحتضنته. فجعلت أنظر إلى عينيه تتقلبان قد اشتدت حمرتهما. ثم أزبد وجعل يخور، فناديته: عتبة عتبة حبيبي قال: فمكث ملياً لا يجيبني. ثم هدأ، فناديته: عتبة عتبة. فأجابني بصوت خفي: قطع ذكر يوم العرض على الله تعالى أوصال المحبين له.
قال: ثم جعل يحشرج البكاء ويردده حشرجة الموت، ويقول: أتراك مولاي تعذب محبيك وأنت الحي الكريم؟ قال: فلم يزل يرددها حتى والله أبكاني.
214 -
حدثني عبد الله بن عبيد عن محمد بن الحسين بن عبيد حدثني حكيم بن جعفر حدثني عبد الله بن أبي نوح قال: صحبنا فتى من أهل البصرة في بعض المغازي فقلت له: أتعرف عتبة الغلام؟ قال: نعم، كان أخي وصديقي قال: قلت فحدثني ببعض أمره، قال: ما أحدثك:
ألف الحب للإله صغيراً
…
ثم ما زال للإله مطيعا
همه النصح للإله ويخشى
…
كلما عاش دينه أن يضيعا
⦗ص: 89⦘
قال: ثم جعل يصف لي من حاله وأخلاقه، قال: فجعل والله يبكي وأبكي معه.
215 -
ثنا إبراهيم بن ناصح ثنا غوث بن جابر بن غيلان بن منبه الصنعاني حدثني عقيل بن معقل عن وهب بن منبه قال: من كان يحب الله حباً صادقاً به فإنه يكرم حبيبه كرامة بينة، ومن لم يتبع رضوان الله فقد هان عليه غضب الله تعالى، ومن هان عليه غضب الله تعالى فلم يرد كرامة الله. فلا تسل عن حب العبد لله إلا كرامة الله، ولا تسل عن كرامة العبد لله إلا اتباعه رضوان الله فيما أحب وكره.
216 -
حدثني إسحاق بن إبراهيم قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: من أحب الله تعالى أحب من يحب الله.
217 -
حدثني حميد بن الربيع ثنا زيد بن الحباب حدثني عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول قال: من أحب رجلاً صالحاً فإنما يحب الله تعالى.
218 -
حدثني محمد بن هارون ثنا عبد القدوس بن الحجاج الحمصي ثنا صفوان بن عمرو عن يزيد بن ميسرة قال: جادل إبليس ربه عز وجل فقال: يا رب! ألا ترى إلى عبادك كيف يحبونك وكيف يبغضوني وكيف يعصونك ويطيعوني؟ وكذلك ابن آدم يحب الحسنة
⦗ص: 90⦘
ويفر منها ويكره الخطية ويقع فيها. قال: وضرب لذلك مثلاً، كمثل رجل غرق في حمأة منتنة إلى حلقه وبين عينيه روضة خضراء، يقول للروضة واها ما أشهاها وأطيبها، ولا يحب أن يفارق حمأته التي هو فيها.
219 -
قال إبراهيم: يقال: من آثر محبة الله على محبة نفسه فقد تعلق بعروة الرضا. وإن من صفة الراضي أن لا يكره ما دبر الله في خلقه، وإن علامة الراضي ترك الشغل بذكر الأسباب.
220 -
حدثني محمد بن إدريس بن المنذر الرازي حدثني يوسف بن يعقوب الصفار ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد حدثني أبي عن طاوس قال: إن من الناس من تجري محبة الله على لسانه، فإن عجب من شيء ذكر الله، وإن فزع من شيء، ذكره تعالى، فتحفظ ملائكة الله عليه خيراً. وإن من الناس من تجري اللعنة على لسانه، فإن عجب من شيء لعن، وإن فزع من شيء لعن، فيكون فزعه وعجبه إلى اللعنة، فتحفظ ملائكة الله عليه شراً.
221 -
حدثني هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا خالد بن يزيد المري عن هشام بن الغاز قال: شيع أبا الدرداء حين خرج من حمص إلى دمشق ثلاثة نفر من بني سليم. فقال لأحدهم حين أراد أن يفارقهم.
⦗ص: 91⦘
أما أنت يا جرير فاذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، وإذا عددت الموتى فأتممهم بنفسك، وإياك ودعوة المظلوم. وأما أنت يا أبا سلامة فاستحي الله في السر استحياءك الناس في العلانية، وارع نفسك رعية راعٍ لا يغفل، وداو من نفسك ما الله أعلم به. وأما أنا يا أبا نعيم فأحب الله حتى تلقاه فإن الله تعالى جاعلك حيث تحب، واذكر الله بالخير وذر الشر فإن الله تعالى جاعلك في الخير منهما، وإذا عملت عشر حسنات فاعددهن بحسنة.
222 -
حدثني محمد بن الحسين حدثني الصلت بن حكيم حدثني قثم العابد قال: اجتمع أربعة من العباد كلهم يسلك سبيل المحبة.
فقال أحدهم: المحب لله مجد في الاتصال بحبيبه لا ينفك من طاعته، إلا طاعة هي أعلى من طاعة وأقرب من المحبة.
وقال الآخر: المحب ذو نصب وكلال لا يداخله مع محبة الله في ذلك سآمة ولا ملال.
وقال الآخر: المحب ذو كلف بالاشتياق إلى حبيبه، قد قطعه الشوق إليه، إلا عن سبيل التوكل عليه، عن جميع ما أخرج للدنيا من الزينة والزبرج، ليس للمحب من نفسه إلا الشوق والفكر. نفت
⦗ص: 92⦘
محبته تبارك اسمه عن جميع جوارح المحبين له الاشتغال بمحبة غيره، فقلوبهم طائرة وهمومهم غائرة إلا عن محبته وطول الذكر له حتى يدركوا بغيتهم.
قال: ثم بكى قثم قال: يا أخي، ما رأيت للمحب فرحاً ولا سروراً ولا فترة دون لقاء حبيبه.
223 -
حدثني إسماعيل بن محمد بن ماهان حدثني أبو علي الجرجاني بعين زربة، وأثنى عليه خيراً، قال: قالت رقية العابدة: قدمت علينا شعوانة وزوجها مكة، فجعلا يطوفان ويصليان، فإن كل أو أعيا جلس وجلست خلفه. فيقول في جلوسه: أنا العطشان في حبك لا أروى. وتقول هي بكلامها بالفارسية: يا سيدي أنبت لكل داء دواء في الجبال، ودواء المحبين في الجبال لم ينبت.
224 -
قال إبراهيم: قال بعضهم: إن الناظرين إلى الله لا إلى غيره ذهبوا بصفوة الدنيا والآخرة. فمن أراد سبب الدخول في محبة الله فلا تكن له ثقة إلا الله ولا غناء إلا به ولا يأمل غيره ولا يرجو إلا إياه، وأن يتخذه وكيلاً في جميع أموره، راضياً بقضائه، يتنقل فيما
⦗ص: 93⦘
يتنقل فيه من أمر ربه، موقناً باختيار الله له ونظره له، فهو مسلم راض غير مختار ولا متخير. فورث الله قلوبهم محبته وشوقهم إليه، ورضاهم بما يكفيهم من الدنيا وإن قل، وعلق قلوبهم بذكره. ولما أحسنوا بالله الظن ورث قلوبهم محبته، وأخرج مطامع الخلق من قلوبهم، وجعلهم أولي الألباب. ثم ألهمهم علماً من علمه، عرفهم به ما لم يكونوا يعرفون، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون. فعن الله أخذوا علمهم، بالله تأدبوا وطهرت أخلاقهم. لما آثروا الله ولجؤوا إليه تمت عليهم منه نعمة الدنيا ونعمة الآخرة. فهم المحبوبون في السماوات قبل الأرض المعروفون فيها المذكورون فيها بمن الله عليهم.
225 -
ثنا حفص بن عمر الحوضي ثنا شعبة بن الحجاج عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري قال: لما نزلت هذه الآية: {فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه} ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هم قوم هذا))، يعني أبا موسى الأشعري.
226 -
حدثني يحيى بن بكير ثنا عبد الله بن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنكحوا الأشعريين فإنهم في الناس كصور المسك)).
227 -
حدثني يحيى بن سليمان الجعفي ثنا حفص بن غياث ثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} ، قال: أهل القادسية: مذحج وكندة وهمدان ومن كان من أصحابهم.
228 -
ثنا أحمد بن يونس ثنا السري بن يحيى قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه} ، قال: هو والله أبو بكر رضي الله عنه وأصحابه.
229 -
ثنا يونس بن عبد الأعلى أننا عبد الله بن وهب حدثني عبد الله بن عياش عن أبي صخر عن محمد بن كعب القرظي أن عمر بن عبد العزيز أرسل إليه يوماً، وعمر والي المدينة يومئذ، فقال: يا أبا حمزة، آية
⦗ص: 95⦘
أسهرتني البارحة. قال محمد: وما هي أيها الأمير؟ قال: قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه} إلى قوله {لومة لائم} قال محمد: إنما عنى الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} الولاة من قريش {من يرتد منكم عن دينه} عن الحق {فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه} . وهم أهل اليمن. قال عمر: يا ليتني وإياك منهم، قال: آمين.
230 -
حدثني يحيى بن عبد الحميد ثنا معتمر بن سليمان حدثني أبو عمرو مولى بني مخزوم عن قياس بن سعد عن مجاهد: {فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه} قال: هم أهل اليمن لما يأتوا بعد.
231 -
حدثني يحيى بن عبد الحميد ثنا عبد الله بن إدريس عن ليث عن مجاهد {يحبهم ويحبونه} قال: قوم من سبأ.
232 -
حدثني محمد بن الحسين حدثني الصلت بن حكيم ثنا أبو زيد البحراني قال: دخلت على عابد بالبحرين وإذا هو مكبوب لوجهه يبكي وهو يقول: وعزتك يا حبيبي لقد أذاب قلبي الشوق إلى النظر إلى وجهك الكريم. قال: فأبكاني والله. قال: فلم يلبث بعد هذا
⦗ص: 96⦘
إلا أياماً حتى مات. فرأت امرأة من أهله كأنها دخلت الجنة وقد زخرفت. فقالت: لمن زخرفت الجنة؟ قالوا: لولي من أولياء الرحمن قدم البارحة من الدنيا. قالت: فخرج علي وفي يده كوب ياقوت. قالت: فلما رأيته بهت. قال: لم تراعي، إنما هي الجنة للمليك يتحف من أحب من عباده. قالت: قلت: بم نلت هذه المنزلة من الله؟ قال: بمحبته وإيثار محبة الله عز وجل.
233 -
حدثني عبيد الله بن محمد النيسابوري الوراق ثنا الوليد أبو العباس العابد ثنا الحسن بن السكن عن داود بن أبي هند عن عامر قال: أوحى الله تعالى إلى داود في الزبور: يا داود، إني برحمتي أبحت الاستغفار لجميع خلقي إلا لإبليس وحده فإنه تمرد علي وعصاني فلعنته، ومن حرمته الاستغفار فهو ملعون في الدنيا والآخرة. قال داود: إلهي ما أقدرك! تكرم من شئت وتهين من شئت. قال: يا داود. إلي ملك الملوك أفلا أمن عليك؟ قال: بلى يا رب. قال: إذا أردت أن أكرمك كرامة الدنيا والآخرة فلا تنظر إلى عبد من عبيدي تظن أن لك عليه فضلاً، ولا تمقت أهل دينك على الظن، وكن للفقراء محدثاً وجليساً وأنيساً. وإن أردت أن لا أحجب دعاءك وأن أكون أقرب إليك من أم داود في حال الرضا، فقال داود: إلهي أو
⦗ص: 97⦘
لست من جميع خلقك قريباً؟ قال: بلى أنا مع جميع خلقي، ولكن إذا أحببت عبداً من عبيدي ملأت قلبه خوفاً مني وشوقاً إلى لقائي وحرصاً على طاعتي حتى كأنه ينظر إلي، فأنا حينئذ أقرب إليه من أم داود في حال الرضا. وإذا كانت لك حاجة أردت نجحها وتيسيرها فابدأ بي أيسرها لك، تأتيك من حيث لا تعلم نائماً ومستيقظاً، وإن بدأت بغيري أتاك الهم والحزن. قال: فقال داود: إلهي فاعطف قلبي على شعب من محابك. قال: يا داود، إني جعلت قوة طاعتي ومحبة ذكري عند من لم ينسني بلسانه وقلبه، ومن هو يستغفرني صباحاً ومساء، يا داود، إياك والإصرار فإني لا أقيل عثرة المصرين في الدنيا والآخرة، ولا شيء أعظم عندي من إصرار نبي أو عالم. فقال داود: إلهي امح اسمي من أسماء الأنبياء والعلماء.
234 -
حدثني إسحاق بن إبراهيم القاري قال: قال حكيم من حكماء بني تميم: إن همم الأبرار متصلة بمحبة الرحمن، وقلوبهم تنظر إلى مواضع العز من الآخرة بنور أبصارهم، فأهواؤهم بها متعلقة وأنفسهم إليها متطلعة وأعينهم نحوها طامحة. قد جلا رجاؤهم إياها عنهم كل كربة وهون عليهم كل شدة. تخبرهم دواعي الخير من أنفسهم أن لا راحة لهم دون الخروج منها. سكنت مشاوق الجنة قلوبهم ومخاوف النار أجوافهم، فأهملوا لذلك العيون وأغضوا عن الدنيا لذلك الجفون، وسموا بالقربة إلى معالي العز يطلبونه ويدأبون إلى الله فيه.
⦗ص: 98⦘
وكان يقول: من لم تنفعه المواعظ كان الغنى أضر عليه. وعند التراخي عن شكر النعم تحل النقم. أما رأيت من بات صحيحاً ثم أصبح بأنواع البلاء متلوثاً؟ أو ما دعاك إلى خدمته حسن بلائه عندك؟.
وكان يقول: المواعظ مشافٍ، ولن يتشاغل الخلق بمثل النصيحة لله عز وحل.
235 -
حدثني إسحاق بن إبراهيم الثقفي ثنا رياح القيسي قال: بينما أنا أكلم رابعة بضرب من المواعظ إذا جائتني ابنة لي فقبلتها، فصرخت بي رابعة فقالت: ويلك يا رياحٍ، أما تستحي من الله عز وجل أن يراك في المقام وفي قلبك موضع حب لغيره؟
236 -
حدثني محمد بن الحسين ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو قال: نظرت رابعة إلى رياح القيسي وهو يقبل صبياً، فقالت: أتحبه؟ قال: نعم. قالت: ما كنت أحسبك أن في قلبك موضعاً فارغاً لمحبة غيره تبارك اسمه. قال: فصرخ رياح وسقط مغشياً عليه. ثم أفاق وهو يمسح العرق عن وجهه وهو يقول: رحمة منه تعالى ألقاها في قلوب العباد للأطفال.
237 -
قال إبراهيم: أنشدني نصر بن جابر القاري من قول بعض البصريين:
كل محبوب سوى الله سرف
…
وهموم وغموم وأسف
كل محبوب فمنه لي خلف
…
ما خلا الرحمن ما منه خلف
إن للحب دلالات إذا
…
ظهرت من صاحب الحب عرف
صاحب الحب حزين قلبه
…
دائم الغصة مهموم دنف
همه في الله لا في غيره
…
ذاهل العقل وبالله كلف
أشعث الرأس خميص بطنه
…
أصفر الوجه وللدمع ذرف
دائم التذكير من حب الذي
…
حبه غاية غايات الشرف
فإذا أمعن في الذكر له
…
[وعلاه الشوق من داء كشف]
باشر المحراب يشكو بثه
…
وأمام الله مولاه وقف
قائم قدامه منتصباً
…
لهجا يتلو بآيات الصحف
راكعاً طوراً وطوراً ساجداً
…
باكياً والدمع في الأرض يكف
أورد القلب على البحر الذي
…
فيه حب الله حقاً فغرف
ثم جالت كفه في شجر
…
ينبت الحب فسمى واقتطف
إن ذا الحب لمن يعنى له
…
لا لدار ذات حسن وطرف
لا ولا الفردوس لا يعنى لها
…
لا ولا للحور من فوق غرف
238 -
حدثني إسحاق بن إبراهيم قال: أصاب الفضيل بن عياض عسر البول، فقال: يا رب بحبي إياك لما سهلته. قال: فبال على المكان.
قال لي إسحاق بن إبراهيم: والمعنى في هذا أن فضيلاً رحمه الله قد علم أن حب الله راسخ في قلبه، قد غلب على كل شيء، وقد علم أن الله عز ذكره وتبارك اسمه قد علم ذلك منه، فدعاه وقد غلب على قلبه حسن الظن بربه في الإجابة.
239 -
ثنا يحيى بن بكير حدثني عبد الله بن لهيعة عن أبي يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيراً فخيرٌ وإن ظن شراً فله)).
240 -
ثنا ميمون بن زيد البصري ثنا يونس بن عبيد قال: قال الحسن: والله ما نزلوا إلا على قدر ظنونهم بالله.
⦗ص: 101⦘
قال: وتلا هذه الآية: {إني ظننت أني ملاق حسابية. فهو في عيشةٍ راضيةٍ} وقرأ الآية الأخرى: {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} .
241 -
حدثني يعقوب بن كعب الحلبي قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: سمعت سفيان يقول: قال: أحسنوا بالله الظن.
242 -
حدثني موسى بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن قال: {إني ظننت أني ملاق حسابية} قال: إن المؤمن أحسن بربه الظن فأحسن العمل، وإن المنافق أساء بربه الظن فأساء العمل.
243 -
ثنا محمد بن حميد الرازي ثنا مهران بن أبي عمر عن سفيان عن جابر عن مجاهد: {إني ظننت أني ملاق حسابية} قال: كل
⦗ص: 102⦘
ظن في القرآن: إني ظننت: إني علمت. قال: ما كان من ظن للآخرة فهو علم.
244 -
ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسام البلخي ثنا بقية بن الوليد حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم حدثني الهيثم بن مالك الطائي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الدعوات: ((اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلي، واقطع عنا حاجات الدنيا بالشوق إلى لقائك، وإذا قرت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقر عيني بعبادتك)).
245 -
حدثني عمر بن محمد بن عبد الحكم النسائي ثنا أحمد بن أبي الحواري عن محمد بن يوسف الفريابي في قوله: {سأصرف عن آياتي} ، قال: أمنع قلوبهم من التفكر في أمري.
246 -
حدثني الحسن بن سعيد الجرجاني قال: سمعت أبا مريم الصلت بن حكيم يقول: كانت امرأة في بني إسرائيل تتعبد، وكانت تفطر كل سبت. فبينما هي ذات يوم قد وضعت إفطارها بين يديها جعلت تقول: محب يحب حبيبه يتشاغل بالأكل عن خدمة حبيبه، يوشك أن يقدم عليه رسول حبه وهو متشاغل بأكله عن خدمته، فلا تقر عينه في لقائه. فمكثت بذلك سبعين سبتاً لا تفطر. ثم وضعت إفطارها بين يديها، وجعلت تقوم مثلما كانت تقول. فإذا بشاب ناحية البيت جميل الوجه طيب الريح يقول لها: السلام عليك يا حبيبة الله أو يا ولية الله. قالت: وعليك السلام، من أنت؟ قال: أنا ملك الموت. قالت: يا ملك الموت، أتأذن لي أن أسجد سجدة أناجي فيها ربي عز وجل، فإذا رأيتني قد فعلت ذلك قبضت روحي؟ قال: لك ذلك. قال: فنحت إفطارها ثم وثبت. فقبض روحها في اجتهادها ذلك.
247 -
حدثني محمد بن الحسين قال: سألت بعض العلماء فقلت: صف لي شيئاً من أخلاق المحبين لله تعالى وكيف مقامهم في الدنيا. فقال: اعلم يا أخي أن المحب لله فوق الخائف، على أن المحب لله لم يزل على ظهر الخوف لله مقدار ذرة فما دونها. والمحب لا يسقى كأس المحبة إلا بعد أن ينضح قلبه من كأس الخوف، وإنما خوف النار عند خوف
⦗ص: 104⦘
الفوت بمنزلة نقطة نقطت في بحر لجي. ولا أعلم شيئاً أحمد للقلوب من خوف الغرق. فمن أحب الله عز وجل فقد غرق في بحر الحزن حتى وصل إلى قرار الكمد. فالمحب لله لا تعظم عنده جنة ولا نار، لأنه ليس شيء أعظم من الله تعالى.
قال: وينبغي لمن تكلم في المحبة أن يرى عليه أثر بغض الدنيا، لأنه محال أن يجتمع في القلب حب الله وحب الدنيا. فمن أحب الله لم ينظر إلى ما ناله من الدنيا، ولا يكون له حاجة إلى غير من أحب.
قال: وسمعت بعض أهل العلم يقول: لا ينكسر حزن عاشق أبداً حتى يظفر، والمحب يتحرى أن لا يكون له حاجة إلى غير من يحب.
وقال بعض أصحابنا: لا ينكسر حزن محب، وهو أخوف من العاشق، إنما يزيد العشق للحزن.
وقال: قل لمن أظهر حب الله تعالى: احذر أن تذل لغير الله تعالى.
وقال: لو أهمنا الحياء من الله سبحانه ما ذكرنا المحبة وقد سكرنا من كأس الدنيا.
قال: إن من علامة المحب لله إيثار الله تعالى والإياس من غير الله.
ومن علامة المحب الرضا بحكم الله. ومن علامة المحب لله أن لا يكون له حاجة إلى غير الله. ومن علامة المحب لله دوام الذكر بالقلب
⦗ص: 105⦘
واللسان لله. وقلما ولع المرء بذكر الله إلا أفاد منه حب الله. ومن علامة المحبة ترك كل ما يشغل عن الله تعالى حتى يكون الشغل بالله وحده.
قال: ومن دلائل أهل المحبة أن لا يتأنسوا بسوى الله تعالى ولا يستوحشوا مع الله تعالى، لأن حب الله إذا سكن القلب أشرق بالأنس.
وقال: إذا سقي كأس الحب لله ارتحلت الدنيا من قلبه وسكن القلب هيبة الآخرة.
وقال: من أحب الله للعطية فهو جاهل بالله، وذلك إنما يحب المخلوق للعطية وتعالى عن ذلك الخالق. والعالم بالله لا يحب الله لمعروف، لأن المعروف صفة من صفات الخلق والله أجل في صدور العالمين به أن يحبوه لغيره.
وقال: من أحب الله بصدق من قلبه لم يعظم في قلبه شيء سوى الله تعالى.
وقال: لو أدخل الله المحب النار وعذبه بأشد العذاب ما نقص من محبته الله شيء بل يزداد حباً لله، إذا كان ما عذبه به من حقه عليه، ولو عذبه بعذاب لو عذب به النار لكانت النار حقيرة ذليلة فكان ذلك من حق الله عليه وعلى النار. فلما علم المحب أن ذلك لله رأى أن
⦗ص: 106⦘
الفضل لله عليه وعلى الخلق كلهم أجمعين، فازداد لله حباً وعلى الخدمة له حرصاً.
وقال: من أحب الله بالصدق فهو يستقل كل نعيم دون الله. ولا لذة أعظم في صدر المحب لله من ساعة يذكر فيها مقعد صدق عند مليك مقتدر.
248 -
حدثني محمد بن منصور بن داود الطوسي ثنا عبد الله بن عيسى البصري عن أبيه عن مسمع بن عاصم عن ثور بن يزيد الشامي قال: نظر الله تعالى إلى داود عليه السلام، فإذا هو وحداني منتبذ. فقال: مالك وحدانياً؟ قال: عاديت الخلق فيك. قال: أو ما علمت أن محبتي أن تعطف على عبادي وتأخذ عليهم بالفضل؟ هنالك أكتبك من أوليائي. يا داود ومن أحبائي فإذا كنت كذلك كتبتك في ديوان أهل المحبة وكنت مني وكنت منك، أجيبك من غير أن تسألني، وأباهي بك حملة عرشي، أرفع الحجب بيني وبينك تنظر إلي ببصر قلبك، لا أحجبك ما دمت متمسكاً بطاعتي وكنت مني وكنت منك. ولا تنظر إلى عبادي نظرة جفاء ولا قسوة فأهلكهم، فإذا أنت قد بطل أجرك. احفظ عني كلمات ثلاث خصال:
(1)
خالص حبيبي مخالصة.
⦗ص: 107⦘
(2)
وخالط أهل الدنيا مخالقة.
(3)
ودينك قلدنيه لا تقد دينك الرجال.
أما ما استبان لك مما وافق محبتي فتمسك به، وما أشكل عليك قلدنيه، حقاً علي أن ألي سياستك وتقويمك، وأن أكون قائدك ودليلك، ألبيك من غير مسألة، أعينك في الشدائد. فإني قد جعلت على نفسي أن لا أثيب عبداً من عبادي إلا عبداً قد عرفت من طلبته وإرادته، وإلقاء كنفه بين يدي أنه لا غنى به عني. فإذا كنت كذلك نزعت الذل والوحشة من قلبك. ولذلك علمٌ سلني عنه. أسكن الغنى قلبك فتكون في الدنيا غنياً حينئذ عرفت حالك. لا تطمئن إلى معرفتك بنفسك، فإني قد جعلت على نفسي: لا يطمئن رجل إلى معرفته بنفسه إلا وكلته إليها. أضف الأشياء إلي فإني أنا مننت بها عليك. أقر لي بالعبودية أمنحك ثواب العبودية، وما ثواب العبودية [إلا] محبتي. تواضع لمن تعلمه ولا تطاول المريدين أحمال الأقوياء. عبدي، أنا مننت عليهم الضعفاء المساكين المريدين. فلو يعلم أهل محبتي ما منزلة المريدين عندي لكانوا للمريدين أرضاً يمشون عليها وللحسوا أقدامهم. إن تخرج على منك عبداً من عبيدي حتى تستنقذه من سكرة ما هو فيه أسميك جهبذاً، ومن كان جهبذاً لم تكن به فاقة ولا وحشة إلى
⦗ص: 108⦘
أحد من خلقي، يا داود تمسك بكلامي أن لا أهلكك مع الهالكين، فدونك فخذ من نفسك لنفسك لا تؤتين منها أحجب محبتي عنك إلا أن تحجبها، احفظ وصيتي ولا تؤيس عبادي من رحمتي.
249 -
حدثني إسحاق بن داود بن صبيح البلخي ثنا الحسن بن الربيع ثنا عمرو بن أزهر ثنا أبو عبد الرحمن الدمشقي عن عطاء عن عائشة قالت في هذه الآية: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} ، قالت: على البر والتقوى والتواضع وذل النفس.
250 -
قال إبراهيم: يقال: المنازل التي يعمل فيها أهل الصدق ثلاث منازل:
(1)
منزلة الخوف.
(2)
ومنزلة الشوق إلى نعيم الجنة.
(3)
والمنزلة الثالثة شوق العبد إلى ربه تعالى وما يغلب على قلبه وحبه وذكره، فلا يكون لهم همٌّ غيره، والفكرة في أمره، لما
⦗ص: 109⦘
يذوق في ذلك من اللذة والحلاوة، ومع ما يرث من التعظيم لله والعلم به.
251 -
قال إبراهيم: وأنشدني رجل في الحب:
ذكر حبي الإله ربي تعالى
…
إن ذا الحب للإله رفيع
همه ذكر من أحب إذا ما
…
جنه الليل للمنام مضيع
جانب الفرش والكنينة أيضاً
…
سابل الدمع للإله مطيع
قائم الليل لا يفيق بكاء
…
ناحل الجسم والفؤاد خليع
رب زده عبادة وخشوعاً
…
يا إلهي وسيدي يا بديع
فلك الحمد يا جزيل العطايا
…
ولك الشكر والدعاء والضريع
252 -
حدثني علي بن عيسى حدثني محمد بن الحسين ثنا محمد بن عبد العزيز بن سلمان قال: سمعت أبي يقول: كان حسان بن أبي سنان إذا بلغه شيء من المعاصي انتفض حتى يسقط. قال: ثم يقول: أتعصى بفنون من المعاصي وتنعم بفنون من النعم؟ لا يفوتك أحد بطول هربه، ولا يعجزك عبد بقوته، أنت القادر {القاهر فوق عباده}. قال: وكان يقول: بمحبتك التي مننت بها عليهم. فبها نالوا من طاعتك ما يرجون به رضوانك.
⦗ص: 110⦘
وكان يقول: أهل الدنيا فيها على رحيل لا هم مقيمون فيطمئنون ولا هم مستعدون ليرتحلوا.
253 -
قال إبراهيم: يقال مهر المحبة فطام النفس من حب الشهوات، وإيثار حب الله على محبتك لنفسك.
254 -
حدثني حرملة بن يحيى أننا عبد الله بن وهب حدثني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية قال: قال داود عليه السلام: اللهم اجعلني من أحبائك، فإنك إذا أحببت عبداً غفرت ذنبه وإن كان عظيماً، وقبلت عمله وإن كان يسيراً.
255 -
حدثني إبراهيم بن عبد الله بن حاتم أننا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن مجاهد: {فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه} : ناس من أهل اليمن.
256 -
حدثني عمرو بن أيوب أبو حفص النسائي حدثني منصور بن محمد البلخي قال: سمعت أحمد بن مخلد الخراساني يقول: قال الله تبارك وتعالى: ألا قد طال شوق الأبرار إلى لقائي، وإني إليهم لأشد شوقاً، وما شوق المشتاقين إلي لا بفضل شوقي
⦗ص: 111⦘
إليهم. ألا ومن طلبني وجدني، ومن طلب غيري لم يجدني ومن ذا الذي أقبل إلي فلم أقبل إليه؟ ومن ذا الذي توكل علي فلم أكفه؟ ومن ذا الذي دعاني فلم أجبه؟ ومن ذا الذي سألني فلم أعطه؟
257 -
ثنا أبو حفص عمرو بن محمد بن الحكم النسائي حدثني أحمد بن أبي الحواري قال: دخلت على أبي سليمان الدارادني يوماً وهو يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال لي: يا أحمد، إنه إذا جن الليل على المحبين افترشوا أقدامهم. ودموعهم تجري على خدودهم، وقد أشرف الجليل عليهم فنادى: يا جبريل بعيني من تلذذ بكلامي واستراح إلى مناجاتي، وإني لمطلع عليهم: أسمع حنينهم وأرى بكاءهم، فناد فيهم يا جبريل: ما هذا الجزع الذي أراه فيكم؟ هل أخبركم عني مخبر: أن حبيباً يعذب أحباءه بالنار؟ أم هل يجمل بي أن أبيت أقواماً وعند البيات أجدهم لي وقوفاً، فإذا جنهم الليل تملقوني؟ فبي حلفت لأجعلن هديتي إياهم لو قد وردوا علي القيامة أن أكشف لهم عن وجهي الكريم أنظر إليهم وينظرون إلي.
258 -
ثنا عمر بن محمد أيضاً ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا زكريا قال: قال أبو عبيدة الخواص: واشوقاه إلى من يراني ولا أراه!
259 -
ثنا عمر بن محمد بن عبد الحكم ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا إبراهيم بن خال بنان عن أبي بكر المحلمي قال: نمت في سجودي، فرأيته في منامي، فسمعته يقول: ملائكتي انظروا إلي عبدي: بدنه في طاعتي وروحه عندي. قال: فانتبهت فقلت: أنت قرة عيني في نومي وقرة عيني في يقظتي.
260 -
نبأني عمر بن محمد ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا محمود عمن أخبره قال: رأيت بالبصرة رجلاً كثير الدؤوب قليل الطعام جيد البدن، فقلت له: أراك كثير الدؤوب قليل الطعام جيد البدن؟ قال: ذلك من فرحي بحب الله تعالى، إذا ذكرت أنه ربي وأني عبده لم يمتنع بدني أن يصلح.
261 -
حدثني عمر بن محمد حدثني عبد الله بن خبيق قال: سمعت أبا عبد الله اليماني يقول: من أراد أن يشرب كأساً من حب الله تعالى فليدع شهوة لا تضره.
262 -
وحدثني عمرو بن محمد حدثني عبد الله بن خبيق حدثني عبد الله بن عبد الرحمن قال: قال إبليس: يا رب خلقت خلقاً يحبونك ويبغضوني، وهم في ذلك يعصونك ويطيعوني. فقال تعالى: قد شكرتهم بحبهم إياي وغفرت لهم ببغضهم لك.
263 -
حدثني صالح بن عمران ثنا أحمد بن غسان قال: سمعت أحمد بن عطاء يقول: يحنون لله حنين الواله، ويشتاقون إليه شوق من لا صبر لهم عنه، ينادونه بأصوات محزونة من قلوب محترقة قد أنضجها الحزن وقلقلها الحذر. وربما قال: يا رب، بلغنا مبلغ من انقطع قلبه إليك فهو مشغول بك عمن سواك، ليس له طلب في جميع الدارين غيرك، ولا يريد غيرك ولا تطيب النفس إلا بك، والله إنهم يسمعون بذكرك ممن ليس هو أهل لذكرك فتكاد أنفسهم تخرج فرحاً من شدة شوقهم إليك. يا قرة عين العابدين! أسق قلوبنا بكأس ميراث حبك الذي سقيت به أهل مصافاتك وأهل مخالطتك، والطف لنا بكمال الانقطاع إليك، وقرر في قلوبنا كمال معرفتك التي يدرك بها حبك، واجعل مزيدك من فضلك إلينا واصلاً، واجعلنا قابلين لمزيدك، وأخرج من قلوبنا كل ما عدل بنا عنك وباعدنا منك، وصفنا من كل داخلٍ كدر علينا مصافاتك، وأعنا بكل معونة نبلغ بها رضا نفسك.
264 -
قال إبراهيم: قال وهب بن منبه: إن لله عباداً قالوا: لا نعبده خوفاً ولا رجاءً ولكن نعبده حباً، فإن الحب يخرج من قلوبنا ما لا يخرج الخوف والرجاء.
آخر الجزء وصلى الله على محمد خاتم النبيين وعلى آله أجمعين. وكتب في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة