المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التدرج التشريعي في تحريم الخمر: - المسكرات والمخدرات

[أحمد حاج علي الأزرق]

الفصل: ‌التدرج التشريعي في تحريم الخمر:

عن طغيانها آجل الجزاء بل يردعها التأديب الجسماني العاجل فشرعت لذلك عقوبة على من يتناول المسكرات أو يسعى في إزالة عقل شخص بالضرب ونحوه.

ص: 31

‌تحريم الخمر:

الخمر يقال لكل مسكر خامر العقل أي غطاه. وقيل هو: اسم للمتخذ من ماء العنب أو للمتخذ من ماء العنب والتمر. ورجح غير واحد من أئمة اللغة كالجوهري والدينوري أنه لكل شيء ستر العقل1.

وقد حرمت الشريعة الإسلامية الخمر وعاقبت على شربها منذ أربعة عشر قرنا وانفردت بتحريمها والعقاب عليها طيلة هذه المدة حتى جاء العالم في القرن العشرين يشهد للإسلام بأنه كان على الحق في موقفه من الخمر. وذلك بعد أن أثبت العلم أن فيها من الأضرار ما لا يحصى فهي تفسد العقل. والصحة وتؤدي إلى ضياع المال والكرامة 2.

1 انظر ج1 من المصباح المنير للقيومي ص 348ط بولاق السادسة وج8 من نيل الأوطار للشوكاني ص 176 ط مكتبة الدعوة.

2 انظر ج1 من التشريع الجنائي المقارن لعبد القادر عودة ص 650 / 51/ ط دار العروبة الثانية.

ص: 31

‌التدرج التشريعي في تحريم الخمر:

جاء الإسلام والعرب كانوا في إباحة واسعة يكرهون كل ما يقيد حريتهم أو يحد من شهواتهم. وقد تمكنت من نفوسهم عادات كثيرة لا يستطيعون التحول عنها دفعة فاقتضت الحكمة الإلهية ألا يفاجئوا بالأحكام جملة فتثقل بها كواهلهم وتنفر منها نفوسهم. ولذلك وردت الأحكام التكليفية شيئا فشيئا ليكون السابق من الأحكام معداً للنفوس ومهيئاً لها لقبول اللاحق. وبذلك تكون أوقع في النفس وأقرب للانقياد.

من ذلك تحريم الخمر فإنها كانت متمكنة من نفوس العرب تمكنا اقتضت معه الحكمة الإلهية أن يتدرج القرآن في تشريع أحكامها. فلم يصرح لهم بتحريمها من أول الأمر بل قال في جواب عنها وعن الميسر {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} 3.

ولا يفهم طلب الكف عنهما من هذه الآية إلا من عرف سرَّ التشريع لأن ما كثر إثمه ينبغي تركه إذ لا يوجد في الأفعال شر محض فالعبرة في الحل والحرمة بغلبة جهة المصلحة أو المفسدة.

3 سورة البقرة الآية: 219.

ص: 31

وبعد أن أشار القرآن الكريم إلى أنه ينبغي تركها لغلبة إثمها نهى الناس عن الصلاة في حالة السكر قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} 1.

ثم صرح بالنهي عنها نهيا عاماً مؤكداً فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} 2.

والمتأمل في الآيات الكريمة التي نزلت في تحريم الخمر يرى أنه أشارت في إيجاز محكم إلى المفاسد الرئيسية للخمر. فآية النساء التي منعت من اقتراب الصلاة في حالة السكر بينت علة المنع وهي ألا يعلم المصلي ما يقول وفي هذا إشارة إلى أن الخمر تخرج الإنسان عن وعيه. وتفقده إدراكه. حتى يبلغ مرتبة الهذيان. وفي ذلك امتهان للعقل الذي كرم الله به الإنسان وفضله على سائر المخلوقات فالخمر مفسدة للفرد في عقله وآدميته.

كما أوضحت آية المائدة التي جاء فيها التحريم النهائي للخمر. سبب هذا التحريم وهو أن الخمر والميسر رجس من عمل الشيطان توقع العداوة والبغضاء بين المسلمين وتصرفهم عن ذكر الله وعن الصلاة. أي أنها مفسدة خلقية واجتماعية. ودينية. وأقل ما تحدثه الخمر بالإنسان هو أنها تشيع في نفسه روح الاستهتار وعدم المبالاة بالقيم. وأنها تبعد شاربها عن دينه وإيمانه.

روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن"3.

هذا وقد أثبتت الأبحاث الطبية الحديثة مخاطر إدمان شرب الخمر على أجهزة الجسم المختلفة. وأثبتت أيضا أن شرب الخمر قد يفضي إلى الوفاة بالتسمم الكحولي وأن الإدمان يفضي إلى الجنون. ولهذا نرى الأطباء يوصون المريض بعدم تناول المشروبات الكحولية وإلا عرض نفسه للخطر. وكل هذه الأضرار التي في الخمر أصبحت الآن حقائق علمية مؤكدة تدرس لطلبة الطب في أنحاء العالم 4.

1 سورة النساء الآية: 43.

2 سورة المائدة الآيتان: 90 _91.

3 انظر: ج من صحيح البخاري مع فتح الباري ص 58 الطبعة السلفية.

4 انظر: كتاب في رحاب الطب النبوي للدكتور نجيب الكيلاني ص 59ط مؤسسة الرسالة بيروت.

ص: 32