المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

برخص فيبيعونها في الحجاز بربح وكانوا لا يرون المماكسة فيها - المسكرات والمخدرات

[أحمد حاج علي الأزرق]

الفصل: برخص فيبيعونها في الحجاز بربح وكانوا لا يرون المماكسة فيها

برخص فيبيعونها في الحجاز بربح وكانوا لا يرون المماكسة فيها فيشتري طالب الخمر، الخمر بالثمن الغالي. هذا أصح ما قيل في منافعها1.

ومن لطيف ما ذكره القرطبي في ذم الخمر. قال: إن شارب الخمر يصير ضُحكة للعقلاء فيلعب ببوله وعذرته وربما يمسح بها وجهه. حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله ويقول: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين2.

هذا وفي عصرنا الحاضر وبعد أن ظهر للناس أضرار الخمر من الناحية الطبية. والاجتماعية سارعت بعض الدول إلى سن التشريعات التي تحرم الخمر. " فأمريكا " كانت أصدرت قانونا يحرم الخمر تحريما تاماً وكذلك الهند أصدرت قانونا مماثلاً. وبعض الدول حرمت تقديم الخمر أو تناولها في المحلات العامة كما حرمت بيعها لمن لم يبلغوا سنا معينة. ولكن هذه التشريعات لم تنجح في محاربة الخمر لأن العقوبات التي فرضت لم تكن رادعة. وخير علاج يقي الناس شر هذا الوباء هو علاج الإسلام.

1 انظر: ج1 من تفسير آيات الأحكام للصابوني ج1 مكتبة الغزالي ص 274.

2 المصدر السابق ص 275.

ص: 36

‌المخدرات:

حرمت الشريعة الإسلامية المخدرات والمفترات لما فيهما من الأضرار والمفاسد، وورد النهي في السنة عن كل مسكر ومفتر.

أخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مسكر ومفتر3.

قال الإمام الخطابي: المفتر كل شراب يورث الفتور والخور في الأعضاء4.

وبالنظر في كتب اللغة نجد أن التفتير والتخدير معناهما متقارب، ففي لسان العرب: الفتر الضعف وفتر فتورا لانت مفاصله وضعف. وفي المصباح المنير ومعجم متن اللغة: خدر العضو استرخى فلا يطيق الحركة وخدرت عينه ثقلت من قذى أو غيره، والخدرة: الضعف والفتور يصيب الأعضاء والبدن5.

الفرق بين المسكر وغيره:

ذكر الإمام القرافي في كتاب " الفروق " التفرقة بين المسكر، والمرقد، والمفسد.

1 المصدر السابق ص 275.

2 انظر: ج4 من سبل السلام للصنعاني ص 35 ط الحلبي.

3 المصدر السابق.

4 انظر: لسان العرب لابن منصور والمصباح المنير للفيومي. ومعجم متن اللغة لأحمد رضا مادة: خدر وفتر.

5 انظر: ج1 من تفسير آيات الأحكام للصابوني ج1 مكتبة الغزالي ص 274.

ص: 36

فالمسكر هو: الذي يغطي العقل ولا تغيب معه الحواس، ويتخيل صاحبه كأنه نشوان مسرور قوي النفس شجاع كريم، ولذلك قال الشاعر:

ونشربها فتتركنا ملوكا

وأسداً ما ينهنبهها اللقاء

والمرقد هو: الذي يغيب الحواس كالسمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس كالبنج.

أما المفسد فهو: المشوش للعقل كالحشيش والأفيون وسائر المخدرات والمفترات التي تثير الخلط الكامن في الجسد، ولذلك تختلف أوصاف مستعمليها فتحدث حدة لمن كان مزاجه صفراويا، وتحدث سباتا وصمتا لمن كان مزاجه بلغميا، وتحدث بكاء وجزعاً لمن كان مزاجه سوداويا، وتحدث سرورا لمن كان مزاجه دمويا فتجد من متناوليها من يشتد بكاؤه، ومنهم من يشتد صمته ومنهم من يعظم سروره وانبساطه.

فشرّاب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح. ويهجمون على بعض الأعمال التي لا يطيقونها في حال الصحو كما أشار الشاعر، أما أهل الحشيش والأفيون فيصيرون همدة ساكتين انتزعت منهم قوة البطش بل هم أشبه شيء بالبهائم ولذلك تكثر حوادث القتل مع شراب الخمر ولا تكاد توجد مع أصحاب المخدرات إذ هذه المخدرات تحدث خنوثة الطبع وفساده، وقد تجر صاحبها إلى الدياثة على زوجته وأهله فضلا عن الأجانب.

والمسكرات محرمة إجماعا وفيها الحد، والمخدرات محرمة كذلك، وفيها الحد أو التعزير الزاجر عنها.

والمرقدات يجوز استعمالها للعمليات الجراحية. قال ابن فرحون المالكي: والظاهر جواز ما يسقى من المرقد لقطع عضو ونحوه، لأن ضرر المرقد مأمون، وضرر العضو غير مأمون. وبهذا تنفرد المرقدات عن المخدرات1.

وقال صاحب القواعد السنية في الأسرار الفقهية: اعلم أن النبات المعروف بالحشيشة لم يتكلم عليه الأئمة المجتهدون ولا غيرهم من علماء السلف، لأنه لم يكن في زمنهم وإنما ظهر في أواخر المائة السادسة وانتشر في دولة التتار.

قال العلقمي في شرح الجامع: حكى أن رجلا من العجم قدم القاهرة وطلب دليلا على تحريم الحشيشة وعقد لذلك مجلساً حضره علماء العصر، فاستدل الحافظ زين الدين العراقي بحديث أم سلمة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. فأعجب

1 انظر: ج1 من كتاب الفروق للقرافي ص 215/ 216 ط عيسى الحلبي.

ص: 37

الحاضرين قال: ونبه السيوطي على صحته، واحتج به ابن حجر على حرمة المفتر ولو لم يكن شرابا ولا مسكرا ذكره في باب الخمر والعسل من شرح البخاري.

وكون الحشيشة من المفتر مما أطبق عليه مستعملوها ممن يعتد بهم. وبخبرهم يعتد في مثل هذا الأمر. والقاعدة عند الأصوليين والمحدثين أنه إذا ورد النهي عن شيئين مقترنين ثم نص على حكم النهي عن أحدهما من حرمة أو غيرها أعطي الآخر ذلك الحكم بدليل اقترانهما في الذكر والنهي. وفي الحديث المذكور ذكر المفتر مقرونا بالمسكر. وتقرر عندنا تحريم المسكر بالكتاب والسنة والإجماع فيجب أن يعطى المفتر حكمه بقرينة النهي عنها مقترنين. وفسر غير واحد التفتير باسترخاء الأطراف وتخدرها وصيرورتها إلى وهن وانكسار1.

وقال ابن حجر الهيتمي: واعلم أن الحشيشة المعروفة حرام كالخمر. يحد آكلها على قول قال به جماعة من أهل العلم كما يحد شارب الخمر. وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج. إفساداً عجيباً حتى يصير في متعاطيها تخنث قبيح ودياثة عجيبة وغير ذلك من المفاسد. فلا يصير له من المروءة شيء البتة، ويشاهد من أحواله خنوثة الطبع وفساده وانقلابه إلى أشر من طبع النساء.. وكذا متعاطي نحو البنج والأفيون. قال:

والخمر أخبث من جهة أنها تفضي إلى الصيال على الغير وإلى المخاصمة والمقاتلة والبطش. ثم قال: وسبب اختلاف العلماء في الحد فيها وفي نجاستها كونها جامدة مطعومة ليست شرابا. فقيل هي نجسة كالخمر وهو الصحيح عند الشافعية. وقيل: المائعة نجسة. والجامدة طاهرة. قال: وعلى كل حال فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله من الخمر لفظا ومعنى2.

قال ابن البيطار: إن الحشيشة وتسمى القنب توجد في مصر مسكرة جداً إذا تناول الإنسان منها قدر درهم أو درهمين، وقبائح خصالها كثيرة. وعد منها بعض العلماء مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية3.

وقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى عن الحشيشة وعن تاريخ ظهورها ورأى أهل العلم فيها حديثا قيما مفصلاً.

من ذلك قوله: وكذا الحشيشة المسكرة يجب فيها الحد وهي نجسة في أصح الوجوه وقد قيل: إنها طاهرة. وقيل: يفرق بين مائعها ويابسها والأول الصحيح، لأنها تسكر

1 نفس المصدر السابق للقرافي ص.

2 انظر: ج2 من كتاب الزوجر لابن حجر الهيثمي ص 138 ط عيس الحلبي.

3 انظر: ج4 من سبل السلام للصنعاني ص 35/ 36 ط مصطفى الحلبي.

ص: 38